#1  
قديم 04-06-2015, 07:28 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة المجتمع المدني وخطورته على الهوية الإسلامية


المجتمع المدني وخطورته على الهوية الإسلامية*
ــــــــــــــــــــــــ

17 / 6 / 1436 هــ
6 / 4 / 2015 م
ـــــــــــ

الإسلامية _7335.jpg

مفهوم المجتمع المدني:
------------

يصدر لنا أتباع التيار العلماني تعريفاً مجملاً لما يعرف بالمجتمع المدني، وهو تعريف مخادع، لا يرسم سوى بعض المعالم الظاهرة لحقيقة ما يعرف بالمجتمع المدني، أو منظمات المجتمع المدني، فمن أشهر تعريفاته التي يروج لها القائمون على مؤسساته تعريف سعد الدين إبراهيم ، يقول: إنه "مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة؛ لتحقيق مصالح أفرادها ملتزمة بقيم ومعايير الاحترام والتآخي والتسامح والإدارة السلمية للتنوع والاختلاف، وبذلك تشمل تنظيمات المجتمع المدني كلاًّ من: الجمعيات والروابط والنقابات والأحزاب والأندية والتعاونيات؛ أي: كل ما هو غير حكومي، وكل ما هو غير عائلي أو إرثي"(1).

لكن بعضهم كان أكثر صراحة حينما ربط بين المجتمع المدني والعلمانية، وهو الصحيح، يقول نجيب أبو الأعراس: "المجتمع المدني هو المجتمع المدني الديمقراطي المؤسساتي الذي يرتكز على جملة من القيم السامية التي تسير في اتجاه التأطير وفي اتجاه تقدم الإنسانية بأسلوب عقلاني وعلماني، من خلال مؤسسات محلية وفرعية وجهودية وقطاعية ومركزية وإقليمية وعالمية، متشكلة في نواد وجمعيات ومنظمات وأحزاب، تدافع عن جملة القيم الإنسانية الفردية أو الجمعية، كالحرية والمساواة والعدل في شتى مجالات الحياة الثقافية والاجتماعية والرياضية والمهنية والسياسية، وأن يكون في مقابل المجتمع العسكري والمجتمع الديني، ويتصدى بدوره للتسلط والفردية والحيف"(2).

يقول أحد الباحثين في تفنيده لتعريف مصطلح المجتمع المدني: "المجتمع المدني؛ مصطلح غامض ومتعدد المعاني، يمكن تطويعه في خدمة عدة أغراض؛ فهو مصطلح قادر على أن يجمع أي شيء بكل شيء، نشأ عبر تطور تاريخي طويل يحمل في طياته فروقاً وتناقضات هي السر في غموضه. وصفه بعض الناس بأنه حساء المتسولين، جمع أعقاب النظريات المختلفة، والحقب الزمانية المتعاقبة، وأنه تسمية جديدة لأحلام قديمة. وأكد بعض آخر أنه ذو تاريخ مشبوه نسي الناس بمرور الزمن أنه مجتمع الأرستقراطية، وأنه قد صيغ لاستبعاد طبقات شعبية معينة، لكنه يُقدم الآن بكثير من الزخرف ليعمِّي بريقُه عن كل ما عداه، وكأنه الحل *****ي لجميع مشاكل المجتمع الاقتصادية والاجتماعية وغيرها"(3).

تطور مفهوم المجتمع المدني:
-----------------

- نشأ مفهوم المجتمع المدني لأول مرة في الفكر اليوناني الإغريقي حيث أشار إليه أرسطو باعتباره "مجموعة سياسية تخضع للقوانين" أي أنه لم يكن يميز بين الدولة والمجتمع المدني.

- تطور المفهوم بعد ذلك في القرن الثامن عشر مع تبلور علاقات الإنتاج الرأسمالية حيث بدأ التمييز بين الدولة والمجتمع المدني.. فطرحت قضية تمركز السلطة السياسية وأن الحركة الجمعياتية هي النسق الأحق للدفاع ضد مخاطر الاستبداد السياسي.

- وفى نهاية القرن الثامن عشر تأكد في الفكر السياسي الغربي ضرورة تقليص هيمنة الدولة لصالح المجتمع المدني الذي يجب أن يدير بنفسه أموره الذاتية، وأن لا يترك للحكومة إلا القليل.

- وفى القرن التاسع عشر حدث التحول الثاني في مفهوم المجتمع المدني حيث اعتبر كارل ماركس أن المجتمع المدني هو ساحة الصراع الطبقي.

- وفى القرن العشرين طرح جرامشى مسألة المجتمع المدني في إطار مفهوم جديد فكرته المركزية هي أن المجتمع المدني ليس ساحة للتنافس الاقتصادي بل ساحة للتنافس الأيديولوجي، منطلقا من التمييز بين السيطرة السياسية والهيمنة الأيديولوجية(4).

علاقة منظمات المجتمع المدني العربية بالغرب:
-----------------------------
سنقتصر هنا على ذكر شهادات من المروجين لفكرة المجتمع المدني، لا من الخصوم- زيادة في الموضوعية- ليعرف القارئ حجم الكارثة التي يقع فيها أنصار هذا التيار، وليتأكد أن ما يثار حول بعضهم من شكوك له أصل صحيح، مبني على تلقيه لأموال ودعم خارجي، لتنفيذ أجندات خاصة تخدم مصالح الغرب في بلداننا العربية والإسلامية.

يقول أحد المروجين لفكر وفكرة المجتمع المدني: "إن الدعوة للمجتمع المدني جاءت أساساً من هيئات أجنبية قدمت مساعدات مالية لبعض مراكز البحث لدعم الفكرة ونشرها على نطاق واسع"(5).

ويقول آخر في معرض دفاعه عن المنظمات المدنية: "المنظمات غير الحكومية التي تأسست حديثاً في سياق العولمة، ونشطت في بداية تأسيسها وفق أجندة خارجية حددت موضوعاتها مؤسسات التمويل الدولية الرأسمالية ومنظمات غير حكومية في البلدان الرأسمالية المتقدمة"(6).

ويضيف ثالث: "بعض المنظمات وهذا لا ينكر تسعى إلى التقرب من مراكز القوى الدولية في سعيها لكسب مادي وللحصول على التمويل والمكاسب المعنوية والمادية"(7)، والحقيقية أن عبارة "بعض المنظمات" فيها تهوين وتقليل من الدور الذي يلعبه الغرب ومؤسساته في إدارة والإشراف على المؤسسات المدنية الأهلية التي تتواجد في عالمنا العربي والإسلامي، فقلما- بل لا تكاد تجد- منظمة عربية معزولة عن الغرب، إلا أن تكون منظمة إسلامية خيرية، يعاديها الغرب، ويتهمها– في أدبياته السياسية والاجتماعية- بالأصولية والتشدد، بل لا يستبعد أن تكون من ضمن المؤسسات المدرجة في قوائم الإرهاب والتطرف لديه.

فـ" الذي يظهر الآن في الساحة الثقافية والسياسية العربية عملية اختراق عالمية تحاول إلحاق المنطقة بالسياسات الغربية على المستوى الاقتصادي والسياسي وهذا واضح في ذالك التحول العالمي لمفهوم المجتمع المدني وارتباطه بالمؤسسات الاقتصادية العالمية... فالمجتمع المدني فكرة رهينة فضاء ثقافي واقتصادي وسياسي غربي"(8).

الإسلام والمجتمع المدني:
-----------------

لا يفهم مما سبق أن الإسلام في عداء مع المؤسسات الأهلية الخيرية التي تسعى إلى رخاء المجتمع وصلاحه وإعماره، إنما يناوئ الإسلام الأيدلوجيات التي تحكم هذه المنظمات، وهي في الغالب أيدلوجيات علمانية أو ليبرالية أو اشتراكية، تسعى إلى تفريغ المجتمع عن المحتوى الديني، وعزل أفراده عن القيم والمبادئ والأعراف التي تحكمه وتسير حياته، ويتضح هذا جيدا من مفهوم المدنية، فالمدنية مقابل للدين، وليس للعسكرية كما يروج البعض، ودليل ذلك- فضلا عن الطرح العلماني الصريح لهذه لمنظمات المجتمع المدني العربية وغير العربية- ارتماء كثير من منظمات المجتمع المدني في أحضان السلطات الحاكمة، بل والترويج لها ولأنظمتها العسكرية الدكتاتورية، وفيما يحدث في بعض البلدان العربية والإسلامية أوضح شاهد على هذا الأمر.

و"من أهم مقومات المجتمع المدني مبدأ الحرية الفردية والمواطنة القومية، ويتضمن مفهوم المواطنة القضاء على كل الانتماءات القديمة دينية كانت أم غير ذلك، كما يتأسس على حق المواطنة حرية المعتقد، وفصل الدين عن الدولة، وحرية الرأي والتعبير مهما كان مخالفاً لانتماءات غالبية الناس العقدية؛ فعلى كل إنسان أن يسوي أموره مع (الله) بطريقته الخاصة. وفي هذا المجتمع تختفي مفاهيم الفرد المؤمن، وغير المؤمن والرجل والمرأة، والحر والعبد، وتستبدل جميعها بمفهوم الفرد المواطن"(9).

فـ"المتأمل لمصطلح المجتمع المدني ورؤى المنظرين له يجد أنه يضع لفظة المدني كمنافس ومضاد للديني، فهو مصطلح يصنف المدنية بالرؤية العلمانية، وذلك في مقابل الدينية، وهذا بدوره يعيد دفة الأمور إلى العلاقات العدائية التي استحدثتها العلمانية في أوروبا بين الدنيا أو المدنية وبين الدين الكنسي المحرف، وهو الأمر الذي لازم مصطلح المجتمع المدني منذ نشأته إلى وقتنا هذا"(10)، وهو الأمر الذي انسحب بدوره على فكر المنظرين العرب، فحاولوا استنساخ التجربة الغربية بكل ما فيها، سيما الموقف العدائي من الدين؛ وهو الإسلام.

التوظيف الغربي لمصطلح المجتمع المدني في مواجهة الإسلام(11):
-----------------------------------

منظمات المجتمع المدني العولمية تملك القدرة على التدخل في الشؤون الداخلية للدول تحت بند النوايا الحسنة، وذلك لمحاربة الجوع والصراعات الداخلية وانتهاك حقوق الإنسان وغير ذلك من الأنشطة، وتلك المنظمات التي يسمح لها بالتدخل باسم الإجماع الدولي واقعة تحت سيطرة دول غربية محدودة ذات مصالح معروفة.

وتلك الدول تحاول توظيف مصطلح المجتمع المدني ومنظماته في معركته مع الإسلام وذلك بعد انتهاء معركته مع الشيوعية، فنجد أن الجهات المعينة لدائرة صنع القرار في الحكومة الأمريكية توضح أن "المجتمع الديمقراطي المدني لن يشجع قوانين الشريعة الإسلامية التي يريدها التيار التقليدي الأصولي، كما أن الحداثة لا تتماشى مع عقوبة القتل للزنا والجلد والبتر باعتبارها عقوبات جنائية مقبولة. كما لن تتقبل الفصل الإجباري بين الجنسين أو التفرقة المتطرفة الواضحة ضد المرأة في قانون الأسرة مثل الميراث، وفي العدالة الجنائية، وفي الحياة العامة والمجال السياسي. إن هذا التيار الإسلامي المتشدد بشكل عام لا يتواكب مع قيم المجتمع المدني، والرؤية الغربية للحضارة، والنظام السياسي والمجتمع، كما أن إنشاء منظمات المجتمع المدني في المناطق الريفية والضواحي، يشكل بنية أساسية يمكن أن تؤدي إلى نشر الوعي السياسي، وإلى صنع قيادات معتدلة تؤمن بالحداثة، وكذلك يجب دعم الفئات التي تبدو أكثر تمشياً مع المجتمع المدني الحديث؛ فمثلاً هناك مدارس قانونية إسلامية لديها القابلية للتعديل؛ بحيث تتماشى مع نظرتنا للعدالة وحقوق الإنسان أكثر من الآخرين"(12).

وعلى هذا الأساس يتكالب الدعم الغربي على المؤسسات الأهلية، لتجنيدها من أجل تنفيذ أجندتها، وما تمليه الجهة المُمَوِلَة على الطرف المُمَوَل، وعلى هذا الأساس توضح الخارجية الأمريكية أن الحكومة الأمريكية تعمل على تعزيز المجتمع المدني في العالم العربي، ودعم القنوات العلمانية في توسيع ثقافة مدنية من شأنها أن تعزز التسامح الديني!!

ــــــــــ

الهوامش:

(1) المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في مصر- سعد الدين إبراهيم- ص9؛ نقلا عن المصطلحات الوافدة وأثرها على الهوية الإسلامية- الهيثم زعفان- ص 107.

(2) المجتمع المدني- نجيب أبو العراس- ضمن أبحاث كتاب المجتمع المدني- الرابطة التونسية- ص(3-4)- نقلا عن المصطلحات الوافدة وأثرها على الهوية الإسلامية- الهيثم زعفان- ص 107.

(3) حقيقة الدعوة إلى المجتمع المدني، وماوراءها من أهداف- د. أحمد إبراهيم خضر- موقع الألوكة.

(4) نشأة وتطور المجتمع المدني: مكوناته وإطاره التنظيمي- عبد الغفار شكر- الحوار المتمدن-العدد: 985 ؛ 13-10- 2004م.

(5) مقال: مفهوم المجتمع المدني..نشأة وتطور المجتمع المدنى: مكوناته وإطاره التنظيمى- عبد الغفار شكر.

(6) نشأة وتطور المجتمع المدني: مكوناته وإطاره التنظيمي- عبد الغفار شكر.

(7) المجتمع المدني.. مبادئ وأفكار- أكرم الشيخ مهدي مقلد- جريدة الجريدة.

(8) مقاربه في المجتمع المدني- عامر عبد زيد- الحوار المتمدن- العدد: 2679 – 16/6/ 2009م.

(9) حقيقة الدعوة إلى المجتمع المدني، وماوراءها من أهداف- د. أحمد إبراهيم خضر- موقع الألوكة.

(10) المصطلحات الوافدة وأثرها على الهوية الإسلامية- الهيثم زعفان- ص 104.

(11) ينظر: المرجع السابق: (109)

(12) تدعيم الديمقراطية والمحكومية في البلدان العربية- د. جيلين دينو- نقلا عن المصطلحات الوافدة وأثرها على الهوية الإسلامية- الهيثم زعفان- ص 108.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*{التأصيل للدراسات}
ـــــــــــــ
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
المجتمع, المدني, الإسلامية, الهوية, وخطورته


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع المجتمع المدني وخطورته على الهوية الإسلامية
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الهوية الإسلامية للشعب الموريتاني عبدالناصر محمود المسلمون حول العالم 0 01-12-2014 08:41 AM
بيان منظمات المجتمع المدني ومجلس الحكماء ورؤساء مجالس الأحياء وشباب مدينة بنغازي ابو الطيب أخبار عربية وعالمية 0 11-25-2013 10:58 PM
بنجلاديش والانتقام من الهوية الإسلامية عبدالناصر محمود مقالات وتحليلات مختارة 0 06-02-2013 09:26 AM
اسماء منظمات المجتمع المدني الممولة من الخارج وقيمة التمويل بالدولار Eng.Jordan أخبار عربية وعالمية 0 02-06-2012 07:20 PM
خصائص الهوية الإسلامية عبدالناصر محمود المسلمون حول العالم 0 02-06-2012 09:13 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 02:29 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59