#1  
قديم 11-12-2013, 05:06 PM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,044
ورقة عاشوراء بين الاتباع و الابتداع


بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين, وعلى آله وصحبه والتابعين.
--------------------------------------------------------------

وبعد: فقد مَنَّ الله تعالى على عباده بين الفينة والأخرى بعبادات يتقربون بها إليه ليكفر عنهم من سيئاتهم, ويغفر لهم زلاتهم, والناس في تلك العبادات ينقسمون بين موفقين, ومحرومين, فأما الموفقون فهم الذين يصيبون سنة النبي_ صلى الله عليه وسلم_, ويعملون بما ورد في هذه الاثار فيحققون الاتباع وينالون تكفير السيئات:

بعض الأحاديث التي تحث على الصيام في شهر الله الحرام:
-----------------

فعن أبى قتادة_ رضي الله عنه_:" أن رجلا أتى النبي_ صلى الله عليه وسلم_ فقال: كيف تصوم ؟ فغضب رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ , فلما رأى عمر _رضى الله عنه_ غضبه قال: رضينا بالله ربا, وبالإسلام دينا, وبمحمد نبيا, نعوذ بالله من غضب الله, وغضب رسوله , فجعل عمر _رضى الله عنه_ يردد هذا الكلام, حتى سكن غضبه, فقال عمر: يا رسول الله كيف بمن يصوم الدهر كله ؟

قال: لا صام ولا أفطر, أو قال: لم يصم ولم يفطر, قال: كيف من يصوم يوما ويفطر يوما ؟ قال: ذاك صوم داود _عليه السلام_, قال: كيف من يصوم يوما ويفطر يومين ؟ قال: وددت أنى طوقت ذلك, ثم قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: ثلاث من كل شهر, ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كله, وصيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله, والسنة التي بعده, وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله"( 1).

وعن ابن عباس _رضي الله عنهما_ أن رسول الله _ صلى الله عليه وسلم_ قال:" صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه"( 2).

وعنه أيضاً قال: قال رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_:" لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع"(3 ).

فهذه هي عبادة شهر الله المحرم الصيام, وأكده صوم العاشر من محرم كما بينت تلك الاثار عن المصطفى المختار. فقد كان يكثر من الصيام في شهر الله المحرم عموما, فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_:" أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل"(4 ).

لماذا صام النبي _صلى الله عليه وسلم_ عاشوراء وامر بصيامه ؟

لأنه اليوم الذي أنجى الله فيه موسى وقومه, وأغرق فرعون وقومه, فكان اليهود يصومونه شكرا لله على هذه النعمة العظيمة أن الله أنجى جنده وهزم جند الشيطان أنجى موسى وقومه, وأهلك فرعون وقومه, فهو نعمة عظيمة ولهذا لما قدم النبي _صلى الله عليه وسلم_ المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم عن ذلك فقالوا: هذا يوم نجا الله موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه فنصومه شكرا لله, فقال: نحن أولى بموسى منكم لماذا؟ لأن النبي والذين معه أولى الناس بالأنبياء السابقين:{ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ }(آل عمران:68), فرسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أحق بموسى من اليهود لأن اليهود كفروا به وكفروا بعيسى وكفروا بمحمد, فصامه وأمر الناس بصيامه إلا أنه أمر أن يخالفوا اليهود الذين لا يصومون إلا يوم العاشر( 5).

مراتب الصيام في عاشوراء:
----------------

ولهذا ذكر بعض أهل العلم كابن القيم وغيره أن صيام عاشوراء ثلاثة أقسام:

1_ أن يصوم عاشوراء والتاسع وهذا أفضل الأنواع.
2_ أن يصوم عاشوراء والحادي عشر وهذا دون الأول.
3_ أن يصوم عاشوراء وحده فكرهه بعض العلماء لأن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أمر بمخالفة اليهود ورخص فيه بعض العلماء, وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِي حِكْمَةِ اسْتِحْبَابِ صِيَامِ تَاسُوعَاءَ مَعَ صِيَامِ عَاشُورَاءَ أَوْجُهًا:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الْيَهُودِ فِي اقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْعَاشِرِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ وَصْل يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِصَوْمٍ.

وَالثَّالِثُ: الاِحْتِيَاطُ فِي صَوْمِ الْعَاشِرِ خَشْيَةَ نَقْصِ الْهِلاَل وَوُقُوعِ غَلَطٍ، فَيَكُونُ التَّاسِعُ فِي الْعَدَدِ هُوَ الْعَاشِرُ فِي نَفْسِ الأَْمْرِ( 6).

تفاضل الاعمال وتكفيرها للسيئات بحسب ما قام في القلوب من إخلاص واتباع:

وينبغي أن يعلم أن سائر الأعمال تجري هذا المجرى، فتفاضل الأعمال عند الله تعالى بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص والمحبة وتوابعها, وهذا العمل الكامل هو الذي يكفر السيئات تكفيراً كاملاً، والناقص بحسبه, وبهاتين القاعدتين تزول إشكالات كثيرة وهما: ( تفاضل الأعمال بتفاضل ما في القلوب من حقائق الإيمان)، و( تكفير العمل للسيئات بحسب كماله ونقصانه ), وبهذا يزول الاشكال الذي يورده من نقص حظه من هذا الباب على الحديث الذي فيه: «أن صوم يوم عرفة يكفر سنتين، ويوم عاشوراء يكفر سنة» قالوا: فإذا كان دأبه دائماً انه يصوم يوم عرفة فصامه وصام يوم عاشوراء، فكيف يقع تكفير ثلاث سنين كل سنة، وأجاب بعضهم عن هذا بأن ما فضل عن التكفير ينال به الدرجات.

ويالله العجب، فليت العبد إذا أتى بهذه المكفرات كلها أن تكفر عنه سيئاته باجتماع بعضها إلى بعض، والتكفير بهذه مشروط بشروط، موقوف على انتفاء الموانع كلها فحينئذ يقع التكفير، وأما عمل شملته الغفلة أو لأكثره، وفقد الإخلاص الذي هو روحه، ولم يوف حقه، ولم يقدره حق قدره، فأي شيء يكفر هذا؟

فإن وثق العبد من عمله بأنه وفاه حقه الذي ينبغي له ظاهراً وباطناً، ولم يعرض له مانع يمنع تفكيره ولا مبطل يحبطه ـ من عجب أو رؤية نفسه فيه, أو يمن به أو يطلب من العباد تعظيمه به أو يستشرف بقلبه لمن يعظمه عليه, أو يعادي من لا يعظمه عليه ويرى أنه قد بخسه حقه وأنه قد استهان بحرمته ـ فهذا أي شيء يكفر؟ ومحبطات الأعمال ومفسداتها أكثر من أن تحصر، وليس الشأن في العمل، إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه. فالرياء وإن دق محبط للعمل، وهو أبواب كثيرة لا تحصر، وكون العمل غير مقيد باتباع السنة أيضاً موجب لكونه باطلاً، والمن به على الله تعالى بقلبه مفسد له، وكذلك المن بالصدقة والمعروف والبر والاحسان والصلة مفسد لها( 7).

الابتداع في شهر الله المحرم:
-----------------

وأما المحرومون: فهم الذين ضيعوا سنة النبي _صلى الله عليه وسلم_ ووقعوا في الابتداع حيث يجعلون هذه العبادات محلا لتعذيب النفس, زعما منهم أن ذلك هو الصواب, وتالله إن هذا مخالف لما كان عليه هدي المصطفى _صلى الله عليه وسلم_, والله غني عن تعذيب العباد أنفسهم, وأي فائدة من ذلك ؟ لكنه الهوى, والتكفير عن الذنب الذي يشعر به من يفعل ذلك, حيث أنهم هم من قتل الحسين_ رضي الله عنه_, وخذلوه, وتخلوا عنه, فالله _سبحانه وتعالى_ لم يشرع لعباده ضرب أنفسهم وهو ليس بحاجة لذلك, وإنما شرع لنا الصيام إظهارا للشكر, على نجاة كليم الله موسى _عليه السلام_, وقومه من فرعون وبطشه.

قال الحافظ ابن رجب:" وأما اتخاذه مأتما كما تفعله الرافضة لأجل قتل الحسين بن علي _رضي الله عنه_ فهو من عمل من ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعا ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتما فكيف بمن دونهم"(8 ).

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
.

________________
( 1) رواه مسلم: (1162), وغيره.
( 2) رواه البخاري: (1865), ومسلم: (1911).
(3 ) رواه مسلم: (1917).
( 4) قال الألباني في: التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان: (3628), صحيح , صحيح أبي داود (2099): م.
( 5) ينظر شرح رياض الصالحين, للعلامة ابن عثيمين_ رحمه الله_: (ج5_ص305).
( 6) انظر الموسوعة الفقهية الكويتية: (ج29_ص220), وشرح رياض الصالحين: (ج5_306).
( 7) الوابل الصيب من الكلم الطيب: (ص: 9).
( 8 ) لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف: (ص:51).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ

*ـ عبد الله العيسى ـ ملتقى أهل الحديث .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الاتباع, الابتداع, بين, عاشوراء


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع عاشوراء بين الاتباع و الابتداع
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
- حملة عاشوراء- يوم واحد يمحي خطايا عام مضى رحيل شذرات إسلامية 2 11-14-2012 07:18 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 03:56 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59