#1  
قديم 08-03-2014, 12:41 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي القوقعة


عنب بلدي ــ العدد 127 ـ الأحد 27/7/2014
القوقعة 272-300x183.jpg

حنين النقري
الرواية المشهورة في أدب السجون لعلّ معظمنا قرأها، والغالبية من القراء يعتقدون أني أكتب عنها، لكنني سأخيب ظنكم للأسف!
عن أخرى أتحدث، لا تقلّ صعوبة وألمًا ووحشة، لكنها قوقعة اختيارية لا قسرية… وقلّ من يعرف الطريق للخروج منها بعد أن يختار التكوّر فيها.
كثيرًا ما تتحول حياة كل منّا إلى سجن انفرادي يجعله حبيس همومه ومشاكله هو فقط، تنسى عيناه رؤية أشعة الشّمس في الخارج، ينظر للناس كلّهم على أنهم “هؤلاء المحظوظون الذين يعيشون حياة فردوسيّة لا شقاء فيها”، وهكذا يمضي حياته، بين لطم وندب لذاته وآلامها، وإقصاء للنفس عن كل ما حولها “لأنهم لا يعيشون ما نعيش”، وزيادة حدة المشاكل الذاتية باستشعار أن سواه بالنعيم غارق.
في سوريا عشنا هذا الأمر أيضًا، مررنا جميعا بتجارب جعلتنا نستشعر غصصًا جديدة علينا كسوريين بعيدين عن الحروب وضرائبها المؤلمة، شهيد ومعتقل وجريح وشريد ونازح… ألقاب تخبطنا في متاهاتها فما استطعنا تخيل هموم الحياة إلاها، والأمر إذ تنظر له عن قرب صحيح عاطفيًا، لكن مسافة كافية تمنحها لنفسك لتمعن النظر في المشهد كاملًا تتيح لك أن ترى الحياة مستمرة رغم كل ألم، كما سيتاح لك أيضا أن تلمح -ولو بشكل ضبابي- أن آخرين يعيشون في هموم أخرى لا تقل وطأة عما تعيش.
جرح غزة اليوم أعاد لنا كسوريين شعور التفاعل والتأثر لأجل غيرنا، سنوات ثلاث قضيناها مع آلامنا وأخبارنا ومشاكلنا نحن، قارنّا يومًا صنيع الأسد بما يفعله الصهاينة بفلسطين فاستخففنا بالثانية التي لم نعشها أمام ما نعيش ونصارع، بالمجمل غرقنا -ككل الناس- بما نكابده في سوريا، بل وساد نوع من التفكير المناطقيّ حتى إذ نتكلم عن الخسائر والألم، فالحموي يرى أن ما عانته حماة لم تعانه محافظة أخرى، وكذا الحلبي والحمصي والدرعاوي والدمشقي، وكذا أبناء مختلف الأرياف والمدن والقرى، كل غارق في حدود منطقته، وهمومها وتحدياتها التي أترعها النظام بها -ولعلّنا إن نظرنا للأمر من هذا المنظور وجدنا أن التقسيم حاصل فعلًا معنويًا.
عندما نتابع على اختلاف أماكننا اليوم أخبار غزة، ونستشعر جميعًا بفخر خفي يتملكنا إزاء مفاجآت المقاومة -تلك التي خابت في أعيننا خلال الثورة-، يستيقظ فينا فجأة شعور بالمؤازرة. لسنا وحدنا في مضمار الألم والتحدي، لسنا وحدنا من نعيش رعب القصف والغارات ومحاولات الاقتحام البري، ولسنا وحدنا من نحاول بسلاح بسيط فقير صدّ عدو قوي يسانده العالم كاملًا، فلا تقارن قوتنا بقوته.
ما يحصل في غزة يعيد لنا أيضًا الثقة بعقولنا القادرة على إبداع الجديد باستمرار، ليس فقط في نطاق السلاح، بل في جميع ميادين الحياة الأخرى، إن كان أهل غزة رغم حصار سنوات قادرين على ابتكار طيارة من دون طيار تعد الأولى عربيًّا، سيكون بقدرتنا “التحليق” فوق مشاكلنا بأساليب مبتكرة من وحي ما نعيشه.
من أجمل ما قد يحصل، أن تسمع شخصين يتبادلان أخبار غزة بحماسة بعد تفجير سيارة مفخخة في مدينة دوما بساعة واحدة فقط.
ولئن قيل سابقًا “من يرى مصيبة غيره، تهون عليه مصيبته” ربما يحق لنا أن نزيد عليها: “بل ويقوى عليها أيضًا”.من الغوطة الشرقية… هنا غزة


المصدر http://the-syrian.com/archives/108533
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
القوقعة


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع القوقعة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
القوقعة ابراهيم الرفاعي الشاعر إبراهيم الرفاعي 2 10-19-2014 09:55 AM
رواية يوميات متلصص .. القوقعة لمصطفى خليفة Eng.Jordan كتب ومراجع إلكترونية 0 02-22-2013 10:56 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 05:54 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59