#1  
قديم 12-15-2012, 03:07 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي تقرير مترجم عن شرق أوسط جديد – لمحة عن مستقبله المحتمل


لكاتب: جيفري جولدبيرج
قسم الترجمة – آخر خبر

قام قسم الترجمة في صحيفة آخر خبر بترجمة هذا التقرير الصحفي المهم الذي نشرته صحيفة The Atlantic لاحتوائه على نظرة مستقبلية علمية لشرق أوسطنا الجديد (أو هكذا قرروا تسميته) ننشره لكم للإطلاع وإبداء الآراء. علماً بأن قسم الترجمة سيقوم بترجمة العديد من التقارير الإخبارية التي نعتقد بأنها ستكون موضع اهتمام قارئنا في مختلف أنحاء "عالمنا العربي والإسلامي" وإن كرهوا التسمية...





ما بعد العراق

middle-east-tim-2 inside_98fb43a421169e56002c7d63c638317a.jpg

قرر أحد كبار محققي جهاز المخابرات الكردية أن يقوم بتعريفي إلى أحد إرهابيي القاعدة يدعى عمر - بغرض تسليتي وتنويري – في أحد السجون القديمة في كردستان العراقية. وكان قد حذرني قائلاً "إنه مجنون، لا تقم بالاقتراب منه فقد يقوم بعضك".
عمر عربي سني من قرية خارج الموصل يبلغ الـ 30 عاماً تقريباً، قصير القامة ونحيل. كان وجهه يشع بغضب حيواني ولم يتوقف عن الكلام منذ لحظة تقديمنا لبعضنا البعض. كان مكبل اليدين في غرفة استجواب لا تهوية لها، وتفوح برائحة طلاء وسائل التبييض، كما أنه كان يسب ويلعن بشكل متواصل مصدراً لعنات و اتهامات غير مهذبة تتعلق بممارسات شاذة جنسية لوالدة المحقق. لم يتوانى عن شتيمة الأكراد بشكل عام واصفا إياهم بآكلي الخنازير، والكفرة و خادمي أمريكا. ابتسم المحقق بهدوء قائلاً "قلت لك إن العرب لا يحبون الأكراد." لقد مضى بعض الوقت على معرفتي بهذا المحقق الذي كرر على مسامعي أكثر من مرة بأن القرب من العرب هو سبب تعاسة الأكراد.
يدعي الأكراد بأن عمر كان في وقت من الأوقات أحد نواب الزعيم الإرهابي المتوفي أبو مصعب الزرقاوي. إلا أنه عمر لم يوافق على هذا الوصف. ولكنه تحدث عن إنجازاته ، قد أنجز معجزات من الإرهاب في المحافظات الشمالية من العراق ضد الأكراد الموالين لأمريكا حيث قال للمحقق الكردي "أنتم أسوأ من الأمريكان، أنتم أعداء الأمة الإسلامية وأعداء الله". هذا المحقق، الذي لن أذكر اسمه لأسباب من شأنها أن تتضح خلال لحظات، جلس بثبات أمام عمر يستمع لإهاناته المتوالية لبضع دقائق وهو يقلب صفحات نسخة من القرآن الكريم بغير انتباه.
طلب المحقق من عمر، خلال فترة التوقف عن الشتائم، أن يسرد لي تاريخه الشخصي. لم يكن هناك ما يميز حياة عمر. فوالده كان مزارعاً بسيطاً لا يملك سوى حمار واحد. أما عمر فقد تلقى تعليمه في المدارس خلال فترة حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين أي وبأقوال أخرى لم ينل تعليما يُذكر والتحق بالجيش بعدها. كما التحق بجماعة أنصار الإسلام – جماعة إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة – التي تعمل على طول الحدود الإيرانية. إلا أنه وحسب أقواله وقع في أسر الأكراد في واحد من أحلك الأيام.
سألني المحقق فيما إذا كنت أود توجيه أية أسئلة لعمر فأجبت بالإيجاب وسألت عمر "هل تعرضت للتعذيب في السجن" فأجاب "لا".

وسألته عندئذ "ماذا ستفعل لو أُطلق سراحك الآن "، فأجاب "كنت سوف أحضر سكيناً وأقوم بقطع رأسك" وعندها قام المحقق بصفع عمر باستخدام القرآن الكريم قائلاً "لا تتحدث إلى ضيفنا بهذا الأسلوب" وصرخ عمر مصدوماً وقام بالبصق على المحقق. وتابع المحقق وهو يلوح بالقرآن أمام عمر مُغيظاً "الجواب الوحيد لكل المشاكل في كتابك هذا هو قطع الرؤوس". عندها شتم عمر والدة المحقق مرة أخرى فقام المحقق برد الشتيمة لعمر بشتم والدة الرسول محمد (ص) وهكذا انتهى اللقاء.
سألت المحقق بعد أن هدئ بعض الشيء "ألست مسلماً؟"
أجاب: "طبعاً أنا مسلم"
فاستطردت سائلاً: "ولكنك لست مؤمناً كبيراً بالقرآن كما أرى؟"
فأجاب: "لا مشكلة لدي مع القرآن كما أنه ليس لدي أي شئ ضد والدة محمد، أنا فقط أقول هذا كي أُغضبه." وأضاف قائلاً "لعلمك لم يكن الله الذي كتب القرآن وإنما العرب وقد فرضوه علينا خلال استعمارهم لنا". وهذا هو الاعتقاد السائد بين الأكراد غير المتدينين والذين يبلغ عددهم عدة ملايين.
عندها قلت "إذا مشكلتكم سببها العرب". فوافق قائلاً "طبعاً فهم المسؤولون عن جميع مصائبنا."
goldberg-map_98fb43a421169e56002c7d63c638317a.jpg
خريطة الشرق الأوسط الجديد
عندها سألت "وماذا عن الأتراك؟" فهم في الحقيقة من يهدد بشكل دائم باحتلال كردستان العراقية والتي يرفضون أصلاً تسميتها بـ "كردستان العراقية" بنفس أسلوبهم المتعنت في رفض تسمية التصفية العرقية للأرمن بـ "تصفية عرقية".
أجاب "والأتراك أيضاً وأي شخص أو دولة ترفض اعطاءنا حريتنا مسؤول عن مصائبنا."
واضاف قائلاً بعد خروجنا إلى الشمس "لم يكن للأكراد أصدقاء في أي وقت مضى. والآن لدينا أهم صديق، أمريكا. نحن الآن أقرب إلى تحرير أنفسنا من العرب من أي وقت مضى."
يعتبر الأكراد أن العرب هم السبب الأكبر للمصائب. وقد بلغ قهر أكراد العراق ذروته إبان حكم الرئيس الراحل صدام حسين حيث كان العرب السنة يقودون عمليات الإبادة العرقية للأكراد في أواخر الثمانينات. إلا أن ايمانهم الراسخ بنيلهم حريتهم ذات يوم كان على وشك التحقق حيث أنهم يقتربون ،وأخيراً، من تحقيق استقلالهم. قد تُراق الكثير من الدماء خلال عملية انفصال كردستان العراقية عن العراق كما لا يخفى أن تركيا ممتعضة من فكرة استقلال كردستان العراقية وخائفة من تسبب هذا في ظهور التمرد لدى الأكراد الأتراك إلا أن استقلال أكراد العراق وإن لم يكن سيتحقق على الفور يعتبر أمرا لا مفر منه.
يمكن اعتبار أن الأكراد مستقلين إدارياً من عدة نواحي حيث أن للحكومة الكردية الاقليمية جيشاً خاصاً بها وتجمع الضرائب الخاصة بها كما تفاوض في صفقات النفط بشكل مستقل. ويقول المسؤولون الأكراد بأنهم سيكونون راضين عن عضوية في اتحاد فيدرالي "فضفاض" بينهم وبين الشيعة والسنة العرب إلى جنوبهم. إلا أنه يُمنع رفع العلم العراقي في كل من اربيل والسليمانية – كبرى المدن في الاقليم الكردستاني - كما أنه بالكاد تُسمع اللغة العربية في الشارع ولن تسمع أي من الشباب يتكلمها على الاطلاق وهم سعداء لجهلهم بها، كما أنه يُشار إلى بغداد كعاصمة أجنبية. وكنت في آخر زيارة لي للمنطقة في تشرين الأول/ اكتوبر الماضي قد اتصلت بمكتب مسؤول كبير من البشمركة الكردية – حركة المقاومة الكردية – طلباً للحديث معه إلا أنه تم إعلامي بأنه "سافر إلى العراق" لمدة أسبوع.
لم يكن إرضاء الأكراد واحداً من الأسباب التي أعطتها إدارة الرئيس الأمريكي بوش لغزو العراق. بل على العكس تماما، إن الهدف كان ولا زال عراق ديمقراطي ومُوحَّد. وفي الحقيقة فإن المتتبع لتاريخ كبار المسؤولين في الإدارة يرى بوضوح سلسلة من عدم الاكتراث والجهل فيما يخص موضوع القومية الكردية. كانت كونداليزا رايس –مستشارة الأمن القومي – قد صرحت سابقاً في مؤتمر عقد في عام 2004 قائلة "ما أثار إعجابي حتى الآن هو إثبات العراقيين – سواء الأكراد أو الشيعة أو السنة أو أية جماعات عرقية أخرى في العراق – رغبتهم في العيش معاً وحدة واحدة في عراق مُوحًّد. وقد علق بيتر غالبريث – الديبلوماسي الأمريكي السابق والمُناصِر للاستقلال الكردي – بعد فترة وجيزة من تصريح رايس قائلاً بأنه تصريح بعيد عن الواقع حيث أن 80% من البالغين من أكراد العراق قد وقعوا عريضة تدعو للتصويت على الاستقلال.
goldberg-kurd_98fb43a421169e56002c7d63c638317a.jpg

كما أن القضية الكردية لم تكن في حسبان أيديولوجية المحافظين الجدد الذي وضعوا أكثر الخيالات اسهاباً بخصوص عراق ديمقراطي حر كما لم يكن لديهم علم بخصوصيات تاريخها. لقد قمت بالتحدث عن كردستان قبل مرحلة "إنجاز المهمة " من الحرب أمام جمهور تضمن نورمان بودهيرتز – المنتمي للمحافظين الجدد المحاربين والذي يشغل منصب مستشار رودولف جولياني لأمور الشرق الأوسط. لقد بدا بودهيرتز محتاراً فعلاً حينما سأل "ما هو الكردي على أية حال؟"

يزداد طول لائحة عواقب الحرب غير المقصودة بشكل لا متناهي مع اقتراب الذكرى الخامسة لغزو أمريكا للعراق (عند مقارنتها بلائحة العواقب المقصودة والتي تكاد تكون غير موجودة من شدة ايجازها). من الجدير بالذكر هنا أن هذه اللائحة تضم احتمالية نيل الأكراد لاستقلالهم واحتمالية أن يكون مصير العراق مثل اقليم الغال فيتم تقسيمه إلى ثلاثة أجزاء بالإضافة إلى احتوائها على أكثر من ذلك بكثير. وتسببت ردة فعل أمريكا العنيفة على هجمات 11 سبتمبر/أيلول بإعادة تركيز الاهتمام على الفوائد المحاكة بكل دقة لوجود عدة دول في جميع أنحاء الشرق الأوسط وعبر جنوب ووسط آسيا حيث يبدو أن العراق وأفغانستان ليستا الوحيدتان القائمتان على تواجد غير متوافق لقبائل وأقاليم متفرقة. فبطبيعة الحال، هشاشة تركيبة دول مثل لبنان والباكستان تسبق غزو العراق. إلا أن الحروب ضد تنظيم القاعدة وطالبان وخاصة الحرب ضد صدام حسين قد جعلت من قدرة نظام دول الشرق الأوسط الحديث على الصمود والبقاء سؤالاً مفتوحاً بطريقة لم تكن موجودة قبل سبع سنوات فقط.
كان السؤال الأكثر عمقاً وتجديداً الذي يمكن طرحه بخصوص الشرق الأوسط هو: "كم دولة، واحدة أو اثنتان – إسرائيل أم فلسطين أو اثنتيهما، ستكون موجودة في الرقعة الجغرافية ما بين البحر الابيض المتوسط ونهر الأردن؟"
أما اليوم، فيبدو هذا سؤالاً تافهاً اذا ما قورن مع السؤال التالي" "كم عدد الدول التي ستكون موجودة ذات يوم في الرقعة الجغرافية ما بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الفرات؟ ثلاث؟ أربع؟ خمس؟ ست؟ ولم التوقف غربي نهر الفرات؟ لم لا نذهب إلى حدود نهر الإندوس؟ حيث يقع ما بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الإندوس حالياً كل من إسرائيل, المناطق الفلسطينية، لبنان، سوريا، الأردن، العراق، إيران، أفغانستان، و الباكستان وقد يتسبب عدم الاستقرار والمستمر منذ زمن طويل في المنطقة إلى انقسامات في كثير من هذه الدول.
لقد قام الإنسان بتأسيس جميع الدول ولكن يظهر تأثير الإنسان في صنع بعض هذه الدول بشكل أكبر عن مثيلاتها. كان ونستون تشرتشل (الذي يحتفظ بوش بتمثال نصفي له في المكتب البيضاوي) هو من قام بتوحيد ثلاثة أقاليم من الإمبراطورية العثمانية المهزومة التي حُلَّت في أعقاب الحرب العالمية الأولى وأعطاها اسم العراق ووهبها إلى فرع غير محظوط من القبيلة الهاشمية في غرب الجزيرة العربية. وقد اعترف تشرتشل فيما بعد بأن الدمج القسري للأكراد في العراق كان واحداً من أسوإ أخطائه التي حينها لم يكن هناك شئ يمكن فعله حيالها.
اما البريطانيون، وبالإشتراك مع الفرنسيين، فهم من قدم الشرق الأوسط الحديث للعالم. فبالإضافة إلى صنع البلد الذي يدعى الآن العراق في المستعمرة الشرق أوسطية فقد تم تقليص تركيا في منتصف العشرينات لتصبح بحجم شبه جزيرة الأناضول، وقاموا بمنح ما هو سوريا ولبنان الآن إلى فرنسا وأبقوا بمصر تحت السيطرة البريطانية. كما قام البريطانيون بتقسيم فلسطين إلى جزئين وأسموا جزءها الشرقي عبر الأردن وعينوا فيها أميراً هاشمياً، عبد الله، كحاكم لها. ووعدوا اليهود بمنحهم فلسطين الغربية في نفس الوقت الذي كانوا يلمحون فيه للعرب بأن هذه الأرض ستكون لهم أيضاً. وقد أوضح المؤرخ ديفيد فرومكين في كتابه "سلام يُدَمر أي سلام" وفسر بشكل مقنع المكائد التي حاكتها القوى العظمى آنذاك والتي أدت إلى خريطة حديثة للشرق الأوسط ووصول المنطقة "إلى ما هي عليه اليوم لسببين أولهما هو تعهد الدول الأوروبية بإعادة تشكيل المنطقة وثانيهما هو إخفاق كل من بريطانيا وفرنسا في ضمان استمرارية السلالات والدول والنظام السياسي في المنطقة."
goldberg-gaza_98fb43a421169e56002c7d63c638317a.jpg

وبطبيعة الحال، يُعزى الإضطراب الحالي في الشرق الأوسط إلى عوامل أخرى إلى جانب استعلاء كل من إدارة بوش والامبراطوريتين الفرنسية والبريطانية واعتمادهم على الخبرة والحدس أكثر من اعتمادهم على التخطيط المُحكَم. فمن بين عوامل عديدة أخرى، هناك أزمة داخل الإسلام، ذلك الدين الذي يؤمن متبعوه بأنه آخر الأديان كما يؤمن المسلمون بأن القرآن هو آخر الكتب السماوية اعتمادا على الحجج القرآنية نفسها، الا أن ايمانهم هذا يتم تقويضه بشكل يومي من قبل ميزان القوى العالمي مما سيؤدي إلى عواقب متوقعة وخيمة (راجع: حياة محمد عطا وشركائه) بالإضافة إلى تأثير استمرارية أزمة العولمة والتي تعتبر دافعاً لمن لم يستطع فهم العولمة على أنها دعوة من العالم للجميع بحرية انتمائهم لأي هوية اثنية أو دينية يؤمنون بها.

ولكن تدخلات أمريكا في المنطقة وخاصة في العراق منذ 9/11 أدت إلى تفاقم التوترات هناك وبينت مدى ضعف عُرى خريطة الشرق الأوسط الحالية. سعت إدارة بوش من خلال غزو العراق ليس فقط لحرمان البلد من أسلحة الدمار الشامل "المزعومة" وانما أيضاً لزعزعة الأمور في عراق غاص بالفوضى وإسقاط نظام صدام وزرع بذور الديمقراطية في العراق مما كان يؤمل أن يجعل من تحويل المنطقة ممكناً. وللحق فإنه يجري تحويل المنطقة، ولكنه تحويل من نوع مختلف ومن الممكن أن يكون أوسع بكثير مما كان يتصور أحد. وكما عبَّرَ دينيس روس – مبعوث الشرق الأوسط في عهد كل من الرئيسين الأمريكيين السابقين بيل كلينتون وجورج بوش الأب والذي يشغل حالياً منصباً في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، بأن حرب العراق بدأت لعمل "تغيير بالجملة" إلا "أنه ليس ذاك التغيير الذي توخته الإدارة الأمريكية". وسيكون استقلال كردستان مجرد البداية.
يمكن تعريف أي تصور للشرق الأوسط بعد خمس أو 10 أو 50 عاماً على أنه تخمينات فقط. ولكن ولحجم التغيرات الجارية فإن تصور ماهية مستقبل المنطقة وإيجاد منهج ذكي لذلك ينبغي أن يكون على رأس سلم أولويات أميركا لعراق ما بعد الحرب. أما في الوقت الحالي، فلا يبدو أن إدارة بوش ولا المرشحين لمنصب الرئاسة الأمريكية قد فكروا في مستقبل الشرق الأوسط (ماعدا الوضع الحالي في العراق وما يتوجب عمله حيال نوايا إيران النووية) بطريقة خلاقة. وثمة عجز في الخيال في وزارة الخارجية وداخل مجلس الأمن القومي (باستعارة عبارة من النقاش الدائر حول أسباب فشل الاستخبارات المزمن) حول أسباب التغيرات في خريطة المنطقة.
ولم تكن هشاشة حدود ما بعد 1922 هي الشئ الوحيد الذي كشفه التاريخ الحديث وإنما كشف أيضاً محدودية كل من فلسفات السياسة الخارجية السائدة والفكر الواقعي وفكر المحافظين الجدد. سيتطلب صياغة سياسة خارجية لمرحلة ما بعد العراق تقبل الشرق الأوسط المُعاد تشكيله والتفكير فيه بطريقة مختلفة.
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12-15-2012, 03:09 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي

نتائج غير مقصودة



في محاولة لفهم الأشياء القادمة في الشرق الأوسط، قضيت عدة أسابيع في التحدث مع أكثر من 25 خبيراً والسفر إلى العراق، والأردن، والضفة الغربية، وإسرائيل. كانت هذه المحادثات غنية بطبيعة الحال بالخلفيات الفكرية لكل من تحدثت معه. فأتباع الفكر الواقعي يتخوفون من عدم الاستقرار الذي يهدد (حسب رؤيتهم) المصلحة الأمريكية الحقيقية الوحيدة في الشرق الأوسط وهي تدفق النفط العربي بدون انقطاع. أما المتخوفون من إيران فيرون بأن تمكين العراق وتهديد الحرب في الاقليم ما بين السنة والشيعة يشكل سبباً قوياً للقلق. أما الأكاديميون المناصرون للفلسطينيين فيلومون إسرائيل وأصدقاءها في واشنطن لمحاولتهم فرض انهيار نظام الدولة العربية. أما مؤيدوا التدخل الليبراليون فيندبون التنفيذ السيء لحرب العراق ويتمنون لو أن إدارة بوش قد وجدت طريقة أكثر لطفاً وأقل نفاقاً لتصدير الديمقراطية لمنطقة الشرق الأوسط. فيما لا يرى المحافظون الجدد، والذين يستشهدون بالثورة الأمريكية كمثال على ما يمكن تسميته بـ "التقلب البنَّاء"، بمعنى الندم على التسبب في حالة عدم الاستقرار في العراق (حتى وهم يعترفون بصعوبة تخيل نهاية سعيدة لحرب العراق في أي وقت قريب).
ولم يرضى بعض الخبراء بممارسة لعبة التكهنات تلك. فعندما اتصلت بـ ديفيد فرومكين وطلبته منه التكهن بمستقبل الشرق الأوسط أجاب بحزن "لا مستقبل للشرق الأوسط". أما عند اتصالي بـ إدوارد لوتواك المؤرخ العسكري غير التقليدي والذي يعمل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن فأجاب بأنه ليس هناك من سبب يدعو إلى البدء بمناقشة الموضوع: الغرب غير قادر على تشكيل مستقبل الشرق الأوسط، فلماذا تعب التفكير؟ وأضاف قائلاً "يمكن للولايات المتحدة أن تتخلى عن اسرائيل كلياً، أو احتضان القضية العربية 100%" إلا أن "العرب سيجدون سبباً جديداً لمعاداة أمريكا".

يعتقد العديد من الخبراء الذين تحدثت معهم أن محاولة تكهن ما سيحدث في الشرق الأوسط يوم الثلاثاء القادم ضرب من الغباء فما بالك بمحاولة التكهن بما سيحدث في عام 2018 أو عام 2028 إلا أنه سيكون من الغباء أيضاً عدم التفكير فيما سيحصل مستقبلاً والإعداد له.


إذا ما الذي يمكن في الواقع أن يحدث فيما بعد؟ يتكهن العديد من هؤلاء الذين تحدثت معهم أن النتيجة الأهم على رأس القائمة لنتائج غزو العراق ستكون احتمالية نشوء صراع اقليمي ما بين السنة والشيعة بشأن السيطرة السياسية على الشرق الأوسط ولأسباب دينية.

ستكون هذه حرباً ما بين فصائل من المملكة العربية السعودية – حاملة الراية السنية – ضد إيران أو قد تخوضها كل من إيران والمملكة العربية السعودية بأنفسهم على ساحة معركة تترامى ما بين العراق ولبنان وسوريا و الإقليم الشرقي من السعودية ذو الأغلبية الشيعية والذي يحتوي على غالبية مخزون النفط السعودي. وكان الملك الاردني عبد الله الثاني، وهو سني، قد تحدث في عام 2004 عن قيام "هلال" شيعي يمتد من إيران عبر العراق وإلى سوريا ولبنان وهو ما من شأنه زعزعة استقرار العام العربي. ومع أن الأردن، والذي يعتبر حليفاً لأمريكا لا يمكن الاستغناء عنه، بلد سني إلا أن غالبية سكانه فلسطينيين وحيث العديد منهم يدعم حركة حماس الإسلامية والتي بدورها تتلقى غالبية دعمها من إيران الشيعية.

وهناك على الأرجح نتائج في الدرجة الثانية من الأهمية كذلك. فقد تمتد النزعة القومية الكردية المتفشية، التي أطلقها الغزو، إلى المناطق الكردية من تركيا وإيران. كما أن اعتماد أمريكا على الحكومات المعادية للديمقراطية، مثل مصر، للمساعدة في حملتها ضد الإرهاب الإسلامي يمكن أن تتسبب في تقوية المعارضة الإسلامية في تلك البلاد. وقد يؤثر قرار أمريكي بمواجهة إيران بأثر دائم على عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية – وهي مهمة ضعيفة بأية حالة – حيث تُعتبر كل من حماس وحزب الله – الجماعات الإرهابية التي تدعمها إيران – من ألد أعداء عملية السلام.



أما النتائج ذات الدرجة الثالثة في الأهمية، فهي ظهور دول جديدة خلال السنوات ال 20 القادمة فيما تتقلص دول قديمة أو تتجزأ أو تختفي. فقد تحصل خازستان – القطاع ذو الأغلبية العربية من إيران الفارسية - على الاستقلال. أما لبنان – والتي كان من الصعب دوما تفسير وجودها، فقد يتم دمجها بشكل جزئي مع سوريا والتي يعتبر استمرار وجودها غير مؤكد أيضاً حيث أن الطائفة العلوية التي تحكم سوريا - طائفة منشقة عن الشيعة – تشكل أقلية في بلد أغلبه من السنة (حكم العلويون دولة مستقلة في الجبال فوق البحر المتوسط لفترة قصيرة). كما أنه يوجد في سوريا 2مليون كردي، من أصل عدد سكانها الذي يبلغ 20 مليون نسمة، والذين لا يبالون بالحكومة في دمشق بل ويعادونها أحياناً.

أما الكويت فهي دولة أخرى تبدو غير مستقرة فهي على أية حال كان قد تم إدماجها سابقاً وقد يحدث هذا مرة أخرى ولكن في إطار سيناريو مختلف. فمن الممكن أن تزداد مساحتها وينمو تعدادها السكاني فيما لو اختار سنة العراق التحالف معها كوسيلة لحماية أنفسهم من حكومة بلادهم الشيعية الجديدة والقوية. ويمكن أن تقوم إيران (التي تصر على تبعية البحرين لها) بضم البحرين ذات الأغلبية الشيعية والتي يحكمها السنة كما يمكن أن تتوسع الأراضي اليمنية على حساب المملكة العربية السعودية. وقد نرى خلال العقود القادمة ولادة واحدة أو اثنتين من الدول الفلسطينية وربما نهاية إسرائيل كدولة يهودية والذي يعتبر من أكبر أحلام العالم الإسلامي.

ودعنا لا ننسى الباكستان والتي ذكرني الديكتاتور الباكستاني برويز مشرف باصطناعيتها خلال مقابلة معه في مدينة روالبندي (العاصمة العسكرية لباكستان) قبل عدة سنوات حينما ناقش رافضاً فكرة شعور البلوش، شبه البدو الذين يقطنون الجزء الأكبر من صحراء غربي الباكستان وجنوب شرق إيران، بعدم الإرتباط بالحكومة في اسلام اباد عند نقطة معينة. حيث يكون بعمله هذا قد قوًّض فكرة وحدة الدولة الباكستانية الطبيعية حيث قال: "أعرف الكثيرين من سكان بلوشستان الذين يقدرون باكستان والعديد من البرامج التي تقوم عليها الحكومة الباكستانية وتقدير الباكستان لبلوشستان" حيث بدا في كلامه وهو يتحدث عن إحدى مناطق بلده وكأنه يتحدث عن بلد آخر. واستطرد قائلاً " لماذا ينظر إلى الباكستان على أنها مصطنعة ولاينظر لغيرها من الدول؟" ألم تكن بلادكم على وشك الدمار إبان الحرب الأهلية؟ لقد واجهتم مشاكل أكبر بكثير من أية مشاكل قد تواجهنا."

كما أشار مشرف أيضاً بشكل عابر إلى الحدود الأفغانية الباكستانية وهو ما يسمى بـ خط ديوراندز وقد تمت تسميته نسبة الى وزير الخارجية البريطاني الذي رسمها في عام 1893 وأجبر الأفغان على القبول بها كحدودهم مع الهند البريطانية مع أنها قد شقت اقليماً يضم أكبر الجماعات العرقية وهي المعارضة الباشتونية المسيطرة على مفاتيح النظام السياسي والحروب والذين يبغضون ولا يكنون أي احترام لهذا الخط. وقد حذر مشرف من مخاطر حتى التفكير بهذا الخط قائلاً "لماذا هناك مثل هذه الرغبة في تغيير الأوضاع القائمة؟" وأضاف "سيتسبب طرح هذا السؤال على بساط البحث بحالة من اللا استقرار ولذا فمن الأفضل عدم التعرض لمسألة الحدود. إذا بدأت تسأل عن هذه الحدود أو تلك أو هذا الترتيب أو ذاك..." ولم يكمل جملته.

وبالطبع فإن هذا الوضع مربك جداً. فالعديد من الأمريكيين (بما فيهم، حتى وقت ليس ببعيد، الرئيس بوش) لا يعرفون الفرق بين الشيعي والسني ناهيك عن الفرق بين السندي والبنجابي. ما عليك سوى محاولة تصور، ولنقل على سبيل المثال، وزير الداخلية بودهوريتز (نورمان بودهوريتز ينتمي إلى المحافظين الجدد وهو أحد أعضاء لجنة المستشارين للسياسة الخارجية للمرشح عن الحزب الجمهوري رودولف جولياني) يلخص للرئيس جولياني تفاصيل اجتماعه الأول مع قادة جيش التحرير البلوشي وعندها سترون بوضوح أننا قد نكون على أبواب حقبة جديدة وخطرة.


رسم خرائط الشرق الاوسط الجديد

خريطة الشرق الأوسط الجديد ما قبل و ما بعد

قال لي رالف بيترز، مقدم متقاعد من الجيش و خبير استخبارات والذي يكتب وبشكل متكرر منتقداً الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، "لم يعد أحد يفكر فيما إذا كانت هذه الخرائط ما زالت واقعية". وأضاف قائلاً "لم يعد السؤال حول كيف تريد امريكا رسم خريطة المنطقة وإنما كيف سيكون تقسيم الخريطة سواء شئنا أم أبينا".
وقد نشر بيترز في عدد حزيران/ يونيو من مجلة القوات المسلحة خريطة لما يعتقد بأن شرق أوسط أكثر منطقية سيبدو عليه. وبدلاً من الالتزام بالحدود التي رسمها الأوروبيون، قام برسم خريطته عن طريق تعقب "حدود الدم" للمنطقة وهي الخطوط غير المرئية التي من شأنها أن تفصل الجماعات العرقية والطائفية المتحاربة. وقد قال عن خريطته:

"في حين أن مشاكل الشرق الأوسط تتجاوز مشاكل اختلال الحدود الوظيفي وحده بداية من الركود الثقافي ومروراً بعدم المساواة الفاضحة وانتهاءً بالتطرف الديني القاتل. ليس الإسلام هو أعظم المحرمات في محاولة فهم الفشل الشامل في المنطقة وإنما هي الحدود الدولية الرهيبة ولكن المقدسة من قبل دبلوماسيينا.

وقد رسم بيترز في خريطته كردستانا مستقلا وتركيا مُصغًّرة كما قام بتقليص حجم إيران (حيث سلم خوزستان إلى دولة عربية شيعية خيالية اقتطعها مما هو الآن جنوب العراق) كما أنه ضاعف حجم كل من الأردن واليمن وقام بتقسيم السعودية لأنها حسب رأيه العدو الرئيسي لتحديث المسلمين.

وقد قال بأن رسمه للخريطة كان قائماً على رؤية مبنية على العلم. إلا أن العقول المحمومة في الشرق الأوسط نظرت إلى هذه الخريطة باعتبارها نافذة على المخطط الأمريكي الاستعماري حيث أخبرني بيترز "كان رد الفعل هو الذعر الهستيري الخالص" وأضاف قائلاً "الأتراك بشكل خاص شعروا بالضيق". وشرح بيترز كيفية عمله للخريطة قائلاً "أعطاني قسم الفنون خريطة فارغة ومن ثم أخذت ألواناً شمعية ورسمت عليها. و بدأ الناس يناقشون على الانترنت، بعد نشر الخريطة، بأن هذا الخط الحدودي في الواقع يجب أن يكون على بعد 50 ميلاً في هذا الاتجاه أما ذاك الخط فيجب أن يكون على بعد 50 ميلاً ذاك الاتجاه إلا أن عرض الخريطة المرسومة بالألوان الشمعية نفسها فكان 200 ميلاً".

وبالنظر إلى الحساسيات الموجودة مسبقاً في الشرق الأوسط نحو الرجل الأبيض الممسك بالألوان الشمعية فإنه ليس من المستغرب أن تُقابَل هذه الخريطة بهذا المستوى من القلق. وثمة اعتقاد، سائد في الشرق الأوسط وبين الأكاديميين الأمريكيين المؤيدين لفلسطين، بأن الهدف الحقيقي لإدارة بوش – أو هدف منظريها المفضلين على الأقل – هو تمزيق الخريطة الحالية للشرق الأوسط العربي بغرض مساعدة اسرائيل؟

وقال لي رشيد خالدي، مؤرخ بارز ويشغل منصب أستاذ كرسي أدوارد سعيد للدراسات العربية في جامعة كولمبيا في نيويورك، "من أشد الأمور التي تحصل شراً هو أن مجموعة من الناس الذين هم أساساً ضد وجود هذه الأمة قد تولوا السيطرة" وأضاف قائلاً "إنهم محافظون جدد غير مسؤولين وملتزمين بأيديولوجيتهم بوجه عام وهم يحاولون سحق نظام الدولة العربية. فلسفتهم الأساسية مبنية على أساس أن "كلما صغُرَت الدولة العربية كلما كان ذلك أفضل".

وينفي المحافظون الجدد داخل الإدارة هذا الكلام. وقد أخبرني دوجلاس فيث، نائب وزير الدفاع للشؤون السياسية، "لم يكن هدفنا أبداً تشكيل دول جديدة" وفي الواقع لا يوجد دليل على أن الإدارة كانت تسعى لتفكيك العراق. بل على العكس، فبعد فترة وجيزة من الغزو رأيت بول وولفويتز، نائب وزير الدفاع في حينها، في حفل عشاء رابطة مراسلي البيت الأبيض وأخبرته بأنني قد عدت للتو من كردستان. لا أعلم ما إذا كان نزقاً (فقد كان قد أنهى مواجهة مع آل فرانكين والتي انتهت بشتم وولفويتز للكوميدي قائلاً عليك اللعنة) إلا أنه نظر إلي عندها كما لو كان وزير الخارجية التركي متقمصاً له وقال "اننا نسميها شمال العراق. شمال العراق".

وقال بيترز بأنه لاحظ منذ البداية بأن الإدارة كانت ملتزمة بـ عراق موحد وبحدود خريطة الشرق الأوسط التي رسمها الأوربيون. وقال بيترز "هذا هو مدى غرابة الوضع أن تقوم أعظم قوى ديمقراطية في العالم قد تبنت المحافظة على النموذج الأوروبي من العالم" واستطرد قائلاً "حتى المحافظين الجدد والذين يبدون كثوار لا يريدون سوى تغيير الحكام" وأضاف "ليس فقط في العراق". (ويعترف بيترز بأن المحافظين الجديد الموجودون خارج الإدارة هم أكثر تطرفاً من هؤلاء داخلها على غرار فيث و وولفويتز).


الكاتب جيفري جولدبيرغ

إذاً على ماذا ينوي المحافظون الجدد، الفكر الأكثر تأثيراً في السياسة الخارجية خلال عهد بوش. قال لي فيث، والذي سيُنشر كتابه (الذي لا مفر منه) عن الغزو وتوابعه في شهر آذار / مارس، بأن المحافظين الجدد - أو على الأقل هؤلاء داخل الإدارة – لا يأملون في إيجاد حلول جديدة بل على العكس هم يُثًمنون "عدم الاستقرار" خاصة وأن وجود صدام حسين – حسب رأيه – قد زعزع الشرق الأوسط. وقال فيث "لقد سمعت ذات مرة قولاً نُسب إلى جوته مفاده ’إن عدم النظام اسوأ من الظلم ‘. نحن مهتمون بالاستقرار بطبيعة الحال ولكن علينا أن لا نبالغ بقيمة الاستقرار عند وجود فرصة في جعل العالم مكاناً أفضل وأكثر أمن لنا. على سبيل مثال، كان التركيز، خلال فترة رئاسة كل من نيكسون وجورج بوش الأب، على استقرار العلاقات مع الاتحاد السوفيتي . وكان الهدف خلال فترة حكم ريجان وضع الشيوعية تحت رماد التاريخ. أما الاميركيون الذين طالبوا بالاستقرار فقد حاولوا الحفاظ على الاتحاد السوفيتي. ولكن ريجان هو من كان على حق". وكان فيث يأمل في أن زوال نظام البعث العراقي سيتيح المجال لترسيخ نوع آخر من الحكم في هذا البلد العربي. ويقول "نحن نفهم بأنه عندما تفعل شيئاً بحجم استبدال صدام فإذا من المحتم وجود عواقب عديدة والتي لا يمكن توقع العديد منها. وقد ينتج عنها شيء جيد كما ينتج عنها شيء سلبي".

وكانت حتى الآن أغلب هذه العواقب سلبية. وقد كان تصور المحافظين الجديد أن الديمقراطية على الطريقة الأمريكية ستترسخ بسرعة في العراق وتنتشر في الشرق الأوسط العربي ليتبعها انهيار القاعدة التي لن تجد بعد ذلك أنظمة عربية استبدادية مدعومة من قبل الأمريكيين. إلا أنه قد تبين أن الديمقراطية عادة ليست سهلة الزراعة وأن فكرة استيعاب الثقافة العربية السياسية لمفاهيم نظام الحكم الديمقراطي قد لقيت الاستياء.

ذهبت إلى السفارة الاسرائيلية في واشنطن في شهر كانون الأول / ديسمبر من عام 2006 لحضور حفل تكريم ناتان شارانسكي، الذي كان قد استلم لتوه وسام الحرية من الرئيس بوش. وأصبح شارانسكي، المنشق السوفياتي السابق، مدرباً للرئيس على أهمية الإصلاح الديمقراطي في العالم العربي وأشاد بالرئيس خلال الحفل لاتباعه سياسات غير شعبية. وهمس لي الرجل الجالس بجانبي، وهو مسؤول أمني كبير في اسرائيل، معلقاً على شارانسكي قائلاً "يا له من طقل".

فسألت "ماذا تعني؟"

"ما يريده ليس من الذكاء... فهو يريد أن يكون الأردن أكثر ديمقراطية. هل تعلم عواقب هذا على اسرائيل وأمريكا؟ لو أنك كنت مكاني، فهل كنت ستفضل وجود عاهل علماني مستقر يمتلك جهاز استخبارات قوي على حدودك الشرقية أم كنت ستفضل دولة تقودها حماس؟ هذا ما سيحصل فيما لو لم يعد النظام الملكي موجوداً في الأردن".وعند مناقشتي لشارنسكي عن النقد الذي وُجِه له بعد الحفل اعتراف بأنه قد يكون الوحيد المنتمي للمحافظين الجدد في اسرائيل وأحد القلة التي ما زات تؤمن بأنه يمكن تصدير الديمقراطية إلى العالم العربي سواء بالقوة أو غير ذلك من الوسائل.

وأضاف قائلاً "بعد عودتي من إحدى رحلاتي لواشنطن، رأيت ] رئيس الوزراء ارييل[ شارون في الكنيست وقال لي’ حظك جيد يا ناتان لأنك تمكنت أن تقنع الرئيس بوش بشئ لا وجود له‘"


__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 12-15-2012, 03:51 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي

حرب بدون سبب؟
من الصحيح أنه قد اثبت أن حلم المحافظين الجدد بوجود شرق أوسط ديمقراطي ما هو إلا سراب. إلا أن هذا لا يعني أن المبادئ التي يقوم عليها فكر المحافظين الجدد قد أخفقت حيث أن المهتمين بالسياسة الخارجية الواقعيين – والذين ينظرون إلى الاستقرار على أنه الفضيلة العظمى – يتغنون بمجدهم في مرحلة ما بعد الحادي عشر من أيلول / سبتمبر. وقد أخبرني برينت سكوكروفت – مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب وأحد كبار الدعاة للواقعية بما يتعلق بالسياسة الخارجية في واشنطن – منذ وقت ليس بالبعيد عن محادثة أجراها مع تلميذته السابقة كوندوليزا رايس حيث قالت "سنعمل على نشر الديمقراطية في العراق" فعلقت قائلاً "كوندي، لن تستطيعي عمل هذا" فقالت "يبدو أنك لا زلت عالقاً في الأيام القديمة" ثم عادت إلى تكرار أننا تحملنا شرق أوسط مُستبد لمدة 50 عاماً وهكذا دواليك إلا أنها كانت 50 عاماً من السلام. ما غفل سكوكروفت عن الإشارة إليه هنا بالطبع هو أن أحد أسباب مهاجمة القاعدة لنا هو أن أمريكا المؤيد الرئيسي لأعدائها، حكام مصر والمملكة العربية السعودية المستبدين.

من الممكن فهم، حتى مع وجود المفارقة، بأن النتيجة الفعلية للاضطرابات الأخيرة في الشرق الأوسط قد تكون عهد جديد من الاستقرار والذي يعززه الواقعيون في هذا البلد (أمريكا) وفي المنطقة نفسها. وقد تكون هذه النتيجة الأبعد احتمالية لغزو العراق فتصبح مثل حرب ساينفيلد - أي حرب بلا نتيجة – (ما عدا ، بالطبع ، فقدان عدد كبير من الأرواح ومبالغ طائلة من المال). كل شئ سيتغير بالطبع في حال مهاجمة أمريكا للمواقع النووية الإيرانية إلا أن أحدث تقديرات الاستخبارات الوطنية – والذي خرج في أوائل كانون الأول / ديسمبر – تفيد بأن إيران قد أغلقت برنامجها السري للأسلحة النووية عام 2003 مما يجعل متابعة إدارة بوش لهذا الخيار غير متوقعة. كما أن الرئيس أو الرئيسين الأمريكيين القادمين والذي سيرث كلا من الحقيبة العراقية والحقيبة الأفغانية فقد يكونوا مترددين في الهجوم على أي بلد إسلامي آخر. وليس من المستحيل تخيل أن خريطة الشرق الأوسط بعد عشرين عاماً لن تختلف عن تلك الموجودة الآن.

لقد أخبرني روبرت ساتلوف – مدير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى "نحن نميل إلى التقليل من سلطة الدولة". طريقة ال pc في النظر إلى القرن الواحد وعشرين هي أن الجهات الفاعلة من غير الدول – القاعدة، حزب الله، الفوضى العامة – قد حلت محل الدول كلاعبين رئيسيين في الشرق الأوسط". وأضاف بأن الخوف الجديد من عدم الاستقرار قد يدعم الدول القائمة.

الأردن مثال مثير للاهتمام لهذه الظاهرة. ففي حين قد تبدو كدولة عرضة للفوضى وبشكل كبير – فالعراق إلى شرقه، وفلسطين وإسرائيل إلى غربها، وسوريا إلى شمالها – إلا أن الأردن في الحقيقة تقريباً آمن ويرجع ذلك جزئياً إلى أنها تحت قيادة ملك حكيم (سليل الأسرة الهاشمية والمعتادة تماماً على التعامل مع تلك الظروف) ويرجع جزئياً إلى أن غالبية شعبها قد شهدوا الفوضى العارمة في العراق، ويريدون الهدوء حتى ولو كان هذا يعني التخلي عن جميع ميزات الديمقراطية الغربية.



قد يكون الأردن استثناءً إلا أن إلقاء نظرة عابرة على دولة مثل المملكة العربية السعودية قد يشير إلى أن التغييرات المدفوعة من قبل النظام الداخلي ممكنة في الواقع. كما يسعى الرئيس المصري الموغل في الكهولة لإيصال ابنه الأصغر جمال قليل الخبرة إلى الرئاسة. ولا يبدو من المرجح حتى هذه اللحظة أن ينجح جمال في هذه المهمة. كانت مصر ذات وقت دولة يمكنها مد سلطتها إلى سوريا إلا أن قادتها حالياً يواجهون مشكلة في السيطرة على شبه جزيرة سيناء، وهي موطن لبضعة مئات من ألوف البدو، والذين يشبهون الباشتون في عنادهم والذين يزداد رفضهم لتقبل سلطة القاهرة عليهم أكثر وأكثر. وبطبيعة الحال ما زالت أمريكا تحتضن مبارك حيث لا بديل له سوى جماعة الأخوان المسلمين الأصولية. يعتبر هذا نمطاً مألوفاً في الديبلوماسية الأمريكية حيث يتبادر إلى الذهن احتضان مبارك للرئيس الباكستاني مشرف بالإضافة على وجود عدة شواهد من تاريخ الحزبين مثل، وعلى الأخص، تأييد الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر لشاه إيران.



ما وراء الواقعيين والمحافظين الجدد
تصرف الرئيس بوش، خلال السنين ومنذ فشل مخططه للعراق، مثل واقعي في حين كان يتكلم مثل أحد المحافظين الجدد في المدينة الفاضلة. لقد تغنى بفضائل الديمقراطية لشعب خاضع لدكتاتوريين تؤيدهم أمريكا. ليس من المحتمل أن يكون هذا أسلوبا ً ناجعاً على المدى الطويل للتعامل مع الفوضى في الشرق الأوسط.
تكمن المشكلة في أن العراق قد اثبت بالفعل – وإيران لا زالت تثبت – أن الأمريكيين لا يمكنهم أن يجبروا الشرق أوسطيين على فعل ما هو في مصلحة أمريكا. أخبرني إدوارد لوتواك "سواء أكان الشرق الأوسط غير مهم أو بالغ الأهمية، فإنه عندما يتعلق الأمر بفعل شيء بخصوصه فإن جميع الإجراءات المتخذة غير فعالة أو ذات نتائج عكسية" وأضاف "لن يساعد أن تكون لطيفاً معهم أو حتى قذفهم بالقنابل".

ما يمكن أن يكون خطوة أولى في استعادة أمريكا لنفوذها في الشرق الأوسط هو، وبكل تواضع، تقبل فكرة أن أمريكا – شأنها شأن بريطانيا في السابق – لا يمكنها تنظيم المنطقة وفقاً لمصالحها الخاصة. (العقائديون من خلفيات متفاوتة يميلون إلى عمل اقتباس من اللاهوتي رينولد نيبور يخدم مصالحهم في بيان الطريقة المثلى لاستخدام قوة أمريكا – ولكن ربما كان ما يحتاجه هذه النقاش هو نسخة عن صلاة نيبور لتحقيق الأمان فحواها "ربي امنحني الشجاعة لتغيير الأنظمة التي يسعني تغييرها، وامنحني نعمة تقبل الأنظمة التي لا قدرة لي على تغييرها ...") ما نحتاجه هو سياسة خارجية مبنية على ايمان المحافظين الجدد في قوة الديمقراطية التحريرية بالتوازي مع تفهم الواقعيين للعواقب غير المقصودة.

الفوز في العراق طبعاً أو أقله عدم الخسارة سيساعد على تدعيم قوة أمريكا الرادعة وتحجيم تورط إيران في كل من لبنان وغزة وأماكن أخرى. لم يعد وضع أمريكا في العراق حرجاً كما كان عليه في العام الماضي؛ حيث ساعد رفع عدد القوات الأمريكية المتواجدة في العراق على قمع العنف وكانت هناك خطوات حذرة من قبل زعماء الشيعة والسنة لمنع حرب مذهبية شاملة. مما لا شك فيه، أن عدد قليل جداً من الخبراء يتوقع بشكل مؤكد مستقبل مبشر للعراق. أخبرني مارك إنديك مدير مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في معهد بروكينغز أنه "من المعقول اعتبار أن الصراع الطائفي يحتاج فترة عشر سنوات ليستتب". وأضاف "سينهك الطرفين بعضهما في نهاية المطاف. وقد يكون هذا ماقد حصل فعلاً وإن كنت أخشى أن تكون هذه الزيادة في عدد القوات قد أعطت كل من الشيعة والسنة الفرصة لتنظيم صفوفهم بشكل أفضل لمزيد من الصراع عند انسحاب القوات الأمريكية. ولا يوجد حتى الآن دليل على أن الشيعة على استعداد لتقاسم السلطة أو أن السنة مستعدون ليعيشوا كأقلية في ظل سيادة الأغلبية الشيعية.

أما المتفائلون السابقون بخصوص فرص الديمقراطية في الشرق الأوسط، وأنا منهم، فقد أيقظتنا الأحداث الأخيرة. ولكن ستحسن الولايات المتحدة صنعاً بعدم التخلي عن الأمل على المدى الطويل بقدرة الديمقراطية المصدرة بعناية وبطء على تغيير الواقع. إلا أن هذا سيكون مشروعاً مدته 50 عاماً لا خمس أعوام. كما سيركز على مساعدة صحفيي الشرق الأوسط و نشطاء الديمقراطية على بناء جامعات قوية وهيئات قضائية مستقلة بالإضافة إلى تمتع أمريكا ببصيرة كافية تدفعها لعدم مساعدة نشطاء الديمقراطية الإسلامية حيث أن هذا سيؤدي إلى تقويض مصداقية هؤلاء النشطاء. وصرح عمران سلمان – رئيس منظمة الإصلاح العربي المدعوة آفاق – بأنه إذا ما ابتدأ الحكام العرب المعتدلون والديمقراطيون "هذا العمل الآن فإنه سيكون لنا حصان في هذا السباق خلال 10 أو 15 عاماً". وأضاف سلمان "لقد ضحينا بالديمقراطية من أجل الاستقرار إلا أنه استقرار مصطنع. عندما يجلس أحدهم على رأسك لا يكون هذا استقراراً". كما صرح سلمان – وهو شيعي بحريني – بأنه يعارض التدخل العسكري الغربي في حالات معينة مفضلاً "التدخل الأخلاقي" الأمريكي. حيث يتوجب على الأمريكيين "إبقاء الضغط على الأنظمة لإجبارها على عمل الإصلاحات وفتح مجتمعاتها. وما تفعله تلك الأنظمة الآن هو اضطهاد الليبراليين."

وإحدى المشاكل هو استنفاذ رأسمال أمريكا الأخلاقي مما يبرز الأهمية العملية للأمن القومي، من بين أمور أخرى، وحظر التعذيب، ودراسة متأنية لتأثير ضربة أمريكية على إيران بالنسبة للشعب الإيراني. فالعديد من سكان إيران موالون لأمريكا نتيجة لـ 30 عاماً من حكم المسلمين الأصوليين المستبدين ولكن قصفاً أمريكيا لإيران سيغير هذه المشاعر.



المرحلة المقبلة


هناك طريقة يمكن إتباعها للوصول إلى أكثر من إدارة حالة عدم الاستقرار الراهنة بل والاستفادة منها. أنا أعلم بأن هذه ليست اللحظة المناسبة في التاريخ الأمريكي لإبراز مثالية ويلسون إلا أن أمريكا لديها الآن فرصة المساعدة في تصحيح بعض الأخطاء التاريخية وكمثل الأخطاء التي ارتكبت ضد الأكراد. (وهناك شعوب أخرى بالطبع في الشرق الأوسط التي يمكن للولايات المتحدة الدفاع عنها لو لم تكن ملتزمة تماماً بالحفاظ على الخريطة القائمة مثل الشعب الأسود في جنوب السودان - وهو واحد من أكثر البلدان التي أوجدتها أوروبا كارثية – والذي من المؤكد يتوق للتحرر من الحكومة العربية التي تحكمهم من الخرطوم)

كما أن العراق لم يكن مستقراً منذ إنشائه حيث أن الأكراد والشيعة يرفضون أن تحكمهم أقلية سنية في بغداد. فلماذا لا نزيل مصدراً من مصادر عدم الاستقرار - الأكراد المضطهدين منذ القدم – من هذه المعادلة. وكان الاستقلال الكردي – حرفياً – واحدة من نقاط ويلسون الأربعة عشر الشهيرة (رقم 12 على وجه التحديد) كما أنه ومن الواضح تماماً أن هذه قضية أخلاقية (لا تقل أخلاقية عن القضية التي تشغل الغرب وهي استقلال فلسطين). وقد يكون هذا الوضع خطراً بطبيعة الحال، فقد يشعل الاستقلال الكردي النزعة الانفصالية لدى الجماعات العرقية الأخرى في الشرق الأوسط. إلا أن هذه النزعات موجودة بالفعل والدرس الواحد الذي يمكن تعلمه من الإدارة البريطانية والفرنسية للشرق الأوسط هي أنه لا يمكن قمع الشعوب إلى الأبد.

لا يزال الأكراد في العراق وحتى هذه اللحظة يلعبون اللعبة الأمريكية بدعمهم الرسمي للولايات المتحدة ورؤيتها الخاطئة لفيدرالية العراق ويعود هذا بشكل جزئي إلى خوف الأتراك من استقلال الأكراد. وقد كانت تركيا حليفاً مهماً لأمريكا باستثناء مرة واحدة وعندما كانت الصداقة التركية ذات أهمية وذلك عند بدء الحرب العراقية حيث رفضت تركيا السماح لفرقة المشاة الرابعة الأمريكية بغزو شمال العراق من داخل مناطقها. ولا تدين الولايات المتحدة لتركيا بقدر ما يظن مناصريها. أما الأكراد، من ناحية أخرى، فهم أقوى حلفاء الولايات المتحدة في العراق كما أن قادتهم الأكثر مسئولية ويعملون من أجل وحدة البلاد حتى وهم يأملون بالحصول على شئ أفضل لشعبهم. وقال برهم صالح – نائب رئيس الوزراء العراقي وهو من أصل كردي – "لن يستطيع أحد لوم الأكراد في حال فشل العراق".
قد تبدأ المرحلة القادمة من تاريخ الشرق الأوسط على بعد 160 ميلاً شمال بغداد، في كركوك، والتي يمكن اعتبارها على أنها قدس الأكراد. وقد تعلمت ذات يوم وأنا في منزل عبد الرحمن مصطفى، الحاكم الكردي-العراقي هناك، عن الموقف الناضج الذي يعتمده الأكراد. لقد كان نظام صدام حسين وعلى مدار 20 عاماً يقوم بطرد الأكراد من كركوك وإعطاء ديارهم للعرب من منطقة الجنوب. وتقوم الحكومة الآن ببطء – بل ببطء شديد بالنسبة للعديد من الأكراد – بعكس عملية الطرد تلك. جاءت مجموعة من الشخصيات رفيعة المستوى لزيارة الحاكم في عيد الفطر - العيد الذي يأتي في نهاية شهر رمضان. وللوصول إلى مكتب الحاكم، عليك أن تمر بسلسلة لا نهاية لها من المتاريس التي يقف لحمايتها جنود أكراد يبدو عليهم شدة التوتر. أما المنزل نفسه، فهو محاط بالجدران الحامية من الانفجارات. كما يوجد في كركوك تنظيم سني سري قوي وكان قد قُتل سبعة أشخاص في اليوم السابق بانفجار سيارة مفخخة ضخم.

سألت الحاكم، وهو محام رزين يبلغ الـ 60 عاماً، إذا ما كان "قومه" – قلتها بنفس هذه الصيغة - يسعون إلى الاستقلال عن العراق. فأجابني "شعبي هم كل شعب كركوك" وهز الرجال الجالسين في الغرفة رؤوسهم إيماءً بالموافقة على كلامه. وأضاف "مهمتي هي مساعدة جميع أبناء كركوك في الحصول على حياة أفضل" وحصل على إيماءات أكثر. واستطرد "أصدقائي هنا يعلمون جميعاً بأننا سنحقق العدالة للكل من تأذى في عهد صدام إلا أننا لن نؤذي الآخرين في محاولات حصولنا على العدالة" وهذا ما تسبب بإيماءات أكثر و همهمات بالموافقة من الحاضرين.

ونهض أربعة رجال في النهاية للمغادرة وقاموا بتقبيل الحاكم قبل مغادرة منزله. واستدار الحاكم عندها نحوي وقال لي "واحد من هؤلاء الرجال عربي. فالجميع مُرحب به هنا".

وقلت له عندها بأنني أود تكرير سؤالي له "هل يرد قومك الاستقلال عن العراق؟"

أجاب "نعم، بالطبع شعبي، معظمهم، يرد وضعاً جديداً ومختلفاً" وأضاف "أعتقد أنني سوف أكون حذراً الآن – اعتقد بأننا سننال ما نحتاجه في وقت قريب. أرجوك لا تسألني أية أسئلة محددة عما نحتاج إليه ونريده".

فسألته عندها، وبدلاً من ذلك، عن تحليله للحالة وهل يعتقد أن الصراع بين السنة والشيعة سيزداد سوءً أو من شأنه أن ينتهي؟ فضحك قائلاً "لا يمكنني التنبؤ بأي شئ حول هذا البلد. لم أكن لأتنبأ في يوم أن أكون حاكم كركوك تلك المدينة التي طُرد الأكراد منها حتى جاء الأمريكان. لم أستطع تنبؤ مستقبلي الشخصي. كل ما أعلمه هو أننا لن نعود إلى وضعنا السابق".

وأضاف "كنت أستمع عن المستقبل في التلفزيون إلا أنني لا أصدق أي مما أسمع".


بول بريمر -الحاكم المدني السابق للعراق
وفيما كنت أراجع ملاحظاتي المكتوبة عن تلك المحادثة، في وقت لاحق من مساء ذلك اليوم، تذكرت تعليقاً آخر صدر عن رجل يعتقد بأنه يفهم الشرق الأوسط. كنت قد التقيت قبل أكثر من عام بقليل بول بريمر - الحاكم المدني السابق للعراق - وهو الرجل الذي حل الجيش العراقي من بين إنجازات أخرى. كنا في مطار ريغان الدولي في اليوم التالي لإصدار تقرير مجموعة دراسة العراق وسألت بريمر عن رأيه بالتقرير. فقال بأنه لم يقرأه بعد. فأجبته بأنه وحسب تقديري فإن الخبراء منقسمون بتوصياتهم فعلياً. فضحك بريمر وقال بعفوية تامة "ومن يمكنه اعتبار نفسه خبيراً بالعراق على أية حال؟"
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
لمدة, مترجم, مستقبله, أنَّ, المحتمل, تقرير, جديد, شرق


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع تقرير مترجم عن شرق أوسط جديد – لمحة عن مستقبله المحتمل
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
عضو بالكونغرس يتفقد الموقع المحتمل في القدس للسفارة الأمريكية Eng.Jordan أخبار الكيان الصهيوني 0 03-06-2017 09:40 AM
مترجم: عصر جديد من اختراق الحاسب.. القراصنة يستخدمون الفيزياء لا البرمجيات Eng.Jordan علوم وتكنولوجيا 0 12-26-2016 09:44 PM
عن التأثير المحتمل لصورالقيصر عبدالناصر محمود مقالات وتحليلات مختارة 0 08-02-2014 06:55 AM
صدق أو لا تصدق.. الولايات المتحدة تخطط لشرق أوسط جديد بلا «إسرائيل» ! Eng.Jordan مقالات وتحليلات مختارة 0 09-30-2012 12:31 PM
للأمهات: حافظي على سلامة رأس طفلك لتضمني مستقبله! احمد ادريس علوم وتكنولوجيا 0 01-24-2012 01:16 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 06:50 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59