#1  
قديم 11-30-2014, 02:12 PM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,139
ورقة لا تدعوا على أولادكم


لا تدعوا على أولادكم
ـــــــــــــ

(د. صالح بن فريح البهلال)
ــــــــــــــ

8 / 2 / 1436 هــ
30 / 11 / 2014 م
ـــــــــــ

images?q=tbn:ANd9GcSINF-FEPpdPgiIOvsuycFZH_9EaC4jb2DyXUpNHvoBoVMWOrFZ


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد آلمني سؤال وجهته امرأة إلى اللجنة الدائمة للإفتاء كما في فتاوي اللجنة (24 / 224ـ 225) تقول فيه السائلة: (كان لي طفلٌ عمره ثلاث سنوات، وقد كان كغيره من الأطفال، يميل إلى العبث والشغب، وفي أحد الأيام، وكان الوقت ظهراً طلب من أمه الطعام، فأطعمته حتى شبع، وتركت بين يديه بعض الخبز، بناءً على رغبته، وذهبت لأعمالها المنزلية، وبعد ساعة تقريباً عادت فوجدت ولدها المذكور قد فتت الخبز على الأرض والفراش، فغضبت منه ودعت عليه قائلة : " أرجو من الله أن تموت، وأن لا تأكل غيره "، فهرب الولد إلى منزل جدته، ونظفت الأم المكان، وعادت إلى أعمالها المنزلية ، وبعد قليلٍ مات الولد فعلاً، والآن أمه ضميرُها تعبان، ومريضة، وضميرها يؤنبها على ما حصل، وتريد من فضيلتكم أن تفتوها على ما قالته من كلمات بحق ولدها ..) انتهى سؤالها، عوضها الله خيراً، ورزقها صبراً.

وأقول: ما أجهل الإنسان وأضعفه، خلقه الله عجولاً؛ يبادر الأشياء، ويستعجل وقوعها، وربما كان فيها حتفه، ويهرع إلى الأمر يريده، ويخف فيه من غير روية، ثم لا يناله، فيسيل دمعه أسفاً عليه، ويضرب أخماساً بأسداس، وما علم بأن الله ـ سبحانه ـ قد صرف عنه بذلك شراً، وتأتيه الغضبة في لحظة، فيرمي شريكة عمره، وحبيبة قلبه بالطلاق؛ فيقطع حبلاً قد وَثَق، ويفتق شملاً قد رَتَق، وتأتيه الغضبة فيصرم ابنه الذي هو حُشاشة فؤاده، وثمرة قلبه بالدعاء المر المهلك، فتحل القارعة بابنه، وتنزل المصيبة بأهله، ويكون هذا الداعي عليه بالسوء أول المنكوبين النادمين؛ فلا يزال يقرع سنه، ويعض على يده، ويتجرع ويلات التعجل، وغصص الندم.

وإني ذاكرٌ هنا شيئاً مما يعين على تفادي مثل هذه الأحوال المؤلمة الحزينة:
-----------------------------------------------

1ـ أن يفقه المسلم الكيفية الشرعية في التعامل مع الغضب، فالغضب لا يخلو منه إنسان، فمستقل منه ومستكثر، وإذا عمل المسلم بالموقف الشرعي في التعامل مع الغضب استراحت نفسه، ولم يضر غيره، ومما ورد في السنة مما يشرع للغضبان فعله أن يلتزم الصمت حال غضبه فلا يتكلم بأمر ولا نهي حتى لا يقع منه ما لا يحمد، فسرعان ما يندم الإنسان على كلامه بعد انجلاء غضبه، وقد أخرج أحمد من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (إذا غضبت فاسكت، وإذا غضبت فاسكت، وإذا غضبت فاسكت)، وكذلك مما يشرع فعله عند الغضب أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، فقد أخرج البخاري من حديث سليمان بن صرد ـ رضي الله عنه ـ قال : كنت جالساً مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورجلان يستبان ، فأحدهما احمرَّ وجهه، وانتفخت أوداجه، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم :" إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان . ذهب عنه ما يجد.

2ـ أن يعوِّد المسلم لسانه قول الخير؛ لئلا يزلَّ أو يضلَّ، فاللسان كالإناء ينضح بما فيه، ومن لم يلجم لسانه بلجام البِّر، ويخطمه بخطام التقوى، فإنه يتفلت عليه، ويلج في الغواية، ويوغل في العماية، ويصيب جرحاً لا يندمل، ويسيل دماً لا يتوقف، وإذا عوِّد اللسان قول الخير اعتاده، وصار ديدناً له في الرضا والغضب، كما قيل:

عود لسانك قول الخير تحظ به ... إن اللسان لما عودت معتاد

موكَّل بتقاضي ما سننت له ... في الخير والشر فانظر كيف ترتاد

وكما قال صفي الدين الحلي:

عود لسانك قول الخير تنج به من زلة اللفظ، بل من زلة القدم

3ـ أن يكثر من سؤال الله أن يلهمه قول الحق في الغضب والرضا، ومن دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما أخرجه النسائي، من حديث عمار بن ياسر: (..وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب..)، فالدعاء يظهر عجز الإنسان، وحاجته الملحة إلى ربه بألا يكله إلى نفسه، وأنه لولا الله لكان هملاً مضاعاً، ولقىً مزدرى، ولكن الله هو الذي ينعم ويتفضل، ويعصم من السوء، وموارد الهلاك.

4ـ أن يتأمل عاقبة تعجله في الدعاء؛ فالعاقل من إذا استيقن بأن دعوته حال غضبه ربما أفسدت عليه دنياه، كف وتريث؛ فالصبر لحظاتٍ أولى به من الفجيعة سنواتٍ، وقد أخرج مسلم من حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم؛ لا توافقوا من الله ساعةً يُسأل فيها عطاءٌ ، فيستجيب لكم".

5ـ أن يعود المسلم نفسه على التؤدة والأناة، وعدم العجلة، فقد أخرج مسلم من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لأَشَجِّ عَبْدِ القَيْسِ : «إنَّ فيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ : الْحِلْمُ وَالأنَاةُ »، وأخرج الترمذي من حديث عبد الله بن سرجس المزني ـ رضي الله عنه ـ، أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (السمت الحسن والتؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءاً من النبوة)، وأخرج عبد الرزاق عن معاوية في رسالته لعمرو بن العاص: (إن الرشيد من رشد عن العجلة، وإن الخائب من خاب عن الأناة، وإن المتثبت مصيب أو كاد أن يكون مصيباً، وإن المعجل مخطىء أو كاد أن يكون مخطئاً).

وليحذر المسلم من أن يقول: إن تغيير الطباع مستحيل الوقوع؛ فإن تغيير الطباع أمرٌ ممكن، فإن من عزم وجزم، وصبر وصابر، وجاهد واجتهد في تغيير أخلاقه؛ فإنه ما يلبث إلا وتتبدل أخلاقه، وتصلح حاله؛ فإن الله ـ سبحانه ـ قال : [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ]، وقد قال رسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (ومن يتصبر يصبره الله..) أخرجه البخاري.

فقد دل هذا الحديث على أن الأخلاق قابلة للتغيير، والنفس على ما يعودها صاحبها، كما قال أبو ذؤيب الهذلي :

والنفس راغبة إذا رغبتها وإذا ترد إلى قليل تقنع.

وكم من الناس من تغيرت حاله، واختفت عيوبه، بسبب تمرينه نفسه، ورياضته طبعه، والعلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه.

أسأل الله أن يرزقنا كلمة الحق في الرضا والغضب، وأن يعيذنا من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

----------------------------------
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
أولادكم, تدعوا


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 11:47 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59