#1  
قديم 10-21-2016, 07:45 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة جولات الموصل


جولات الموصل
ــــــــــــــــــــــ

(أمير سعيد)
ــــــــــــــــ

20 / 1 / 1438 هــ
21 / 10 / 2016 م
ـــــــــــــــــــــــــــــــ

images (24)44444-thumb2.jpg






العبثية ترسم المشهد في الموصل؛ فعشرات الآلاف من المسلحين تقاطروا من جبهات شتى لحصار الموصل وضربها، وقهر تنظيم الدولة داعش الذي يتردد أنه يحتفظ في المدينة بأقل من خمسة آلاف مقاتل. يقولون في مصر إن "المنطق انتحر" من مشاهد كهذه؛ فقوات متعددة الجنسيات أبرزها عراقية/إيرانية مشتركة معززة بتحالف تقوده الولايات المتحدة جاءت جميعها لمحاربة تنظيم لا يقوى على الصمود في سوريا أمام بضعة دبابات تركية تساند آلافاً من منسوبي الجيش السوري الحر، مع هذا يصرح القادة العسكريون العراقيون والأكراد والأمريكيون أن معركة لما يُسمى تحرير الموصل ستطول!

لكن هذه العبثية ليست في جوهرها "عبثية" بالمعنى المشهور؛ فهي أقرب إلى مفهوم "الفوضى الخلاقة" الذي بشرت به وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس قبل سنين منه إلى العبث والعشوائية.

( 1 )
أي جندي يتمركز حول الموصل يدرك أن المعركة يمكن أن تحسم بسرعة استناداً إلى فارق القوة بين الطرفين، والتفوق الهائل في ميزان القوى، لكن الممسكين بلجام المعركة يرخونه عن عمد لأن للصراع عنواناً آخر لا يمت لداعش بصلة، إنه الهدف الرئيس للمعركة، تهجير أهل موصل، والاستيلاء عليها من قبل "الحرس الثوري العراقي" أو ما يسمى بالحشد الشعبي الذي يتشكل من ميليشيات طائفية شيعية لم تكف يوماً عن ارتكاب مجازر بغية التهجير القسري أينما حلت في معاقل السنة بالعراق.

( 2 )
مدينة الموصل هي المعقل الأول للمسلمين في العراق بملايينها الثلاثة (سابقاً)، والتي وإن تفوقت بغداد عنها من حيث تعداد سكانها السنة، إلا أن الموصل تنفرد بأنها المدينة شبه الخالصة للسنة بنسبة تزيد عن 90% من سكانها، وهو ما يجعلها مقصداً رئيساً لمخطط التهجير القسري الذي تنفذه إيران في العراق بمساندة أمريكية؛ فإذا ما خرجت الموصل من حسابات القوة الاستراتيجية للسنة في العراق؛ فإن مخاوف إيران من إحياء المقاومة العراقية تتبدد.

كانت الموصل معقلاً مهماً للمقاومة العراقية قبل أن تتم تغذية مجاميع الزرقاوي (القاعدة) لقضم مكتسبات المقاومة التي اعتمدت على بقايا الجيش العراقي السابق الذي حله الأمريكي بول بريمر التي كانت صامدة بعد حل الجيش، ومن ثم التراجع كثيراً وانهيار المقاومة بها، ثم العودة بوجه داعش لتفكيك المدينة نفسها بعد تفكيك مقاومتها إما تخفيض سكانها أو تقسيمها وإضعاف تأثيرها السني بكل حال، لحرمان السنة من حاضنة مهمة جداً للمقاومة مستقبلاً.

( 3 )
من شأن معركة حاسمة قصيرة في الموصل ألا تهجر السكان السنة منها؛ لذا فإن الرغبة الطائفية العراقية تدفع باتجاه إطالة أمد المعركة قدر الإمكان، فمهمة تهجير مئات الآلاف من الموصل لن تكون يسيرة، لاسيما مع وجود مراقبين آخرين في هذه المعركة بخلاف العراق وإيران والولايات المتحدة الأمريكية، وبالأهم وجود ممانعة تركية لحصول هذا، وتحفز لعرقلة هذا المخطط بعد كشفه من قبل أنقرة والرياض إعلامياً وسياسياً.

ويتوقع أن تساهم داعش في هذا السيناريو بدور يتلخص في ممانعة عالية لمدة طويلة، ثم الانسحاب بحجة تأمين حياة السكان المدنيين بعد أن يرحل الكثير منهم وتتهدم كثير من دور الموصل وأبنيتها.

( 4 )
وقد لا تنجح عملية تهجير قسري في الموصل بشكل كامل بناء على معطى الممانعة التركية السعودية لهذا، وهذا سيحدده مدى قدرة تركيا على عرقلة هذا السيناريو بتحريك قوات أثيل النجيفي الموالية لها للوصول إلى عمق الموصل، وجيش النقشبندية، وقواتها المساندة، والتنسيق مع قوات البيشمركة، لكن يبقى أن التهجير هدف واضح للميليشيات العراقية الشيعية، الرسمية وغير الرسمية، وهو هدف لا يرنو بالضرورة إلى توطين شيعة بالموصل عند إعادة إعمارها، وإنما تحجيم قيمة الموصل كمعقل أول للسنة في العراق، وشماله بالتحديد.

( 5 )
الموصل هي إحدى أركان مثلث، يمتد ضلعاه إلى اسطنبول وحلب، وهي واحدة من مرتكزين تستند إليهما أنقرة في سياستها العربية منذ قرون، وبتكسير هذين المرتكزين تتقطع هذه الأواصر التركية العربية الشعبية، ويتحجم النفوذ التركي في شمالي العراق وسوريا. هذا إذن هدف رئيس لهذه الحملة، التي وضع لها عنوان زائف عن "التحرير" أو "هزيمة داعش". وبالنظر إلى العنوان الأخير؛ فإنه من غير المعروف حتى الآن ما إذا كان المقصود بالهزيمة إضعاف داعش أو تقوية فرعها الواهن في سوريا بعد أن ألحقت به تركيا هزيمة نكراء. سيتبين هذا حين ينقشع غبار المعركة، ويتمحض وجه الحقيقة، ويتضح ما إذا كانت داعش قد نقلت معظم قوتها الصغيرة بالأصل من الموصل قبل المعركة واستبقت جزءا لمناوشة القوات المتعددة الجنسيات والأهداف حول الموصل، أم أنها تواجه معركة بقوتها الضاربة الحقيقية؟ وسيتبين أيضاً ما إذا كان معظم قادتها قد غادروا الموصل بالفعل، واستبقوا مغيبي التنظيم أم أنهم سيخوضون غمار معركتهم الأخيرة بشجاعة؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتوقع لهذه المعركة – كما تقدم – أن تطول حتى تستوفي الغرض منها، وهذا يستدعي وقوفاً عند مفارق جديدة في طريقها الطويل، واسترسالاً لاحقاً عند محطاتها القادمة.. سلم الله لنا الموصل الحدباء، وخلص أهلها من براثن الأشقياء.







ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10-28-2016, 07:49 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة جولات الموصل (2)

جولات الموصل (2)
ـــــــــــــــــــــــــــ


(أمير سعيد)
ــــــــــــــــ

27 / 1 / 1438 هــ
28 / 10 / 2016 م
ـــــــــــــــــــــــــــــــ








مضت المرحلة الأولى مما تسمى بعملية تحرير الموصل، وحصل ما كان متوقعاً منذ بدايتها؛ فقد شرعت القوات المهاجمة في مط مدة العملية بغية تحقيق أهدافها الخاصة بتغيير بنية الموصل السكانية.. وقد كانت ثمة ملامح عامة للمرحلة الأولى تم استعراض بعضها في المقال السابق، "جولات الموصل"، وهنا نستكمل بعضاً من هذه الملامح والنقاط.


( 6 )
برغم ما أعلنته القوات العراقية عن أنها حتى نهاية المرحلة الأولى من المعركة قد استولت على 74 بلدة وقرية على تخوم الموصل، وأنها باتت على مقربة من 3 كيلو متر فقط من أطراف المدينة، إلا أنه عند مقارنة ما تم الانسحاب منه في صيف 2014 لحساب تنظيم داعش في وجود ما يقدر بقوام 3 فرق عسكرية عراقية منها مسلحة بأفضل أنواع الأسلحة الأمريكية دون قتال؛ فإنه هذا "التحرير" يعد بطيئاً نسبياً بالنظر إلى ضعف القوة المقابلة، والتي تم إنهاكها بالفعل خلال العام الماضي على الأقل، وهذا يلقي بظلال من الشك حول رغبة التحالف في الحسم السريع للمعركة التي خلفت حتى الآن ما لا يقل عن عشرة آلاف نازح. هذا من قبل أن تسرف ميليشيا الحشد الطائفي (الحرس الثوري العراقي) في قتل المواطنين السنيين بالوتيرة المعهود لها، ويعني أن ثمة نية مبيتة للتهجير على النحو الذي تحذر منه رموز سنية عراقية وعربية.


( 7 )
باغت تنظيم داعش عدة أطراف إقليمية ودولية لا تتقابل معه في الأهداف بهجومه المحدود على كركوك وآخر أكبر قليلاً على الرطبة، وقيل في هذا أن داعش أراد تشتيت التحالف ضده، بفتح جبهات جديدة، ورفع الروح المعنوية لجنوده، وخفض الروح المعنوية لأعدائه من جهة ثانية، لكن بالنظر إلى نتيجة الغارة السريعة له على كركوك يتضح أنها تأخذ السياق ذاته لنتائج هجماته وسيطرته على المدن السنية، التي يدفع ثمنها أهل السنة في تلك المناطق، ولم تكن كركوك من ذلك ببعيد؛ فقد هجرت قوات جلال الطالباني الكردية نحو 250 أسرة عربية سنية على الفور من المدينة الغنية جداً بالنفط، تحت ذريعة تقديمهم معونة لداعش عند هجومه عليها! وانتقل هذا التهديد لجميع اللاجئين العرب السنة القادمين من الحويجة إليها، فضلاً عما يمكن أن يطال سكانها العرب الأصليين من تهجير أو تهديد به.
فنستطيع القول إن التنظيم مثلما يضر الموصليين بتأخره في الانسحاب المتوقع له، قد أضر بالعرب السنة في كركوك وفتح جبهة جديدة ضد السنة هم في غنى عنها في هذا الوقت الدقيق.


( 8 )
مثل الهجوم الداعشي على كركوك ضغطاً إضافياً على تركيا لاعتباره يهدد الوجود التركماني فيها، وهذا قد يفهم في إطار العداء الطبيعي بين داعش وتركيا لاسيما أن للأخيرة قوة بالقرب من الموصل، وتؤكد مشاركتها الحالية أو المستقبلية في عملية إخراج داعش من الموصل، لكن في المقابل لم يحصل ما هو مكافئ في استهداف القوة الأكبر المنوط بها إخراج داعش من الموصل، الجيش العراقي والحشد الطائفي (الحرس الثوري العراقي). تركيا أزعجها الهجوم الداعشي على كركوك لأنها لا تملك هامشاً كبيراً للمناورة لو شرعت ميليشيا الحشد في تغيير تركيبة كركوك السكانية أيضاً.


( 9 )
فيما لم تكن تجارب أهل السنة أثناء تهجير بعضهم وهدم مدنهم السنية جيدة برغم فتح السلطات العراقية ما سمي بالممرات الآمنة التي ولغت فيها ميليشيات الحشد برغم هذا، تبدو الأوضاع مقلقة في الموصل كون السلطات (الجيش العراقي والشرطة) لم تعلن عن ممرات آمنة للاجئين من الأساس، وكأنها ستخرج داعش من الموصل بمشرط جراح! وهذا يعني أن اللاجئين سيسلمون كغنيمة باردة للميليشيات لممارسة عادة التعذيب البشع مع القتل بغية إحداث "الصدمة والرعب" الذي يعد وصفة ناجعة في عمليات التهجير القسري.


( 10 )
تهجير وهدم المدن السنية هو أكبر عملية تهجير قسري تشهدها المنطقة هذا القرن بعد التهجير السوري والهدم المستمر للمدن السورية؛ فلقد أسفر – بحسب د.محمد الفيضي الناطق السابق باسم هيئة علماء المسلمين العراقية – عن تهجير أكثر من أربعة ملايين سني "في الفيافي والقفار من دون رعاية إنسانية، لا من الحكومة، ولا من المجتمع الدولي، في توافق غريب"، على حد قوله، وعن تخريب مدن سنية طالت يد التخريب فيها في بعض المدن ما يربو عن 85% من أبنيتها. هذه معطيات تدعو إلى الفزع مما يمكن أن ينتظر أكثر من مليوني موصلي مطوقين من ثلاث جهات. لاسيما حين يضاف إلى ذلك حافز الثأر الإيراني من مدينة رفدت الجيش العراقي إبان حكم صدام حسين بنحو 70% من ضباطه، هذا الحافز الذي حدا بمجرم الحرب الإيراني قاسم سليماني قائد ما يسمى بفيلق القدس إلى الحضور إلى العراق وزيارة جبهات القتال في وقت يتردد أنه قد حضر لقيادة المعركة بنفسه لإذلال السنة الموصليين.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
ربما كان للوجود التركي الذي لم يرَ أثره حتى الآن بشكل واضح دور في كبح جماح عملية التهجير برغم إبداء أنقرة استعدادها لاستقبال أعداد كبيرة من اللاجئين، لكن حتى كتابة هذه السطور فما يبدو أن الأسوأ لم يأتِ بعد، ونسأل الله ألا يأتي وأن يجنب أهلنا الموصليين الضرر..
المعركة ممتدة والدور الأمريكي والكردي والتركي والداعشي فيها معقد، يسر الله بيانها في "جولات الموصل" اللاحقة، بإذن الله


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
المؤصل, حولات


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع جولات الموصل
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أربع جولات فاشلة من الحوار السياسي اليمني عبدالناصر محمود مقالات وتحليلات مختارة 0 08-10-2016 10:04 AM
علق ابن أخيه على سور المنزل عبدالناصر محمود الملتقى العام 0 03-27-2015 07:43 AM
حولات الخريطة السياسية في موريتانيا عبدالناصر محمود بحوث ودراسات منوعة 0 03-25-2015 07:56 AM
السيطرة على سد الموصل عبدالناصر محمود أخبار منوعة 0 08-19-2014 06:38 AM
إدفع بالتي هي أحسن..جولات فى العلم والفكر والسياسة Eng.Jordan كتب ومراجع إلكترونية 0 05-04-2012 01:08 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 01:43 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59