#1  
قديم 06-21-2017, 06:00 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,037
ورقة إشكالية المصطلحات: الدولة الدينية والدولة المدنية


إشكالية المصطلحات: الدولة الدينية والدولة المدنية
ـــــــــــــــــــــــــ

(محمد بن شاكر الشريف)
ــــــــــــ

26 / 9 / 1438 هـ
21 / 6 / 2017 م
ـــــــــــ

المصطلحات: 820062017111426.png



إن تعبير الدولة المدنية والدولة الدينية تعبير مستورد من البيئة التي نشأ فيها وهي بيئة الغرب النصراني وليس هو من تعبيرات بيئتنا الإسلامية لذا لا يصلح الحديث عنه من خلال المدلول اللغوي من غير التفات إلى تاريخ المصطلح والبيئة والظروف التي وجد فيها.

فالتعبيرات والألفاظ تحمل شحنة من المعاني مرتبطة بالبيئة التي نشأت فيها والظروف التي أنتجتها وهي مغايرة للمعنى اللغوي الذي يمكن أن تدل عليه في كثير من الأحايين، فهي بذلك لا تحمل معاني مطلقة من التاريخ والجغرافيا (الزمان والمكان) اللذين نشأت فيهما، وقد أورث هذا نوعا من الاختلاط في المدلول عند التعامل معه في البيئة المغايرة، حيث ترتب على ذلك أخطاء كبيرة، إذ بينما يستخدمها فريق حسب الاصطلاح المتعارف عليه في البيئة التي أنتجته، يستخدمها آخرون انطلاقا مما يستفاد من المعنى اللغوي، وهذا الكلام ينطبق على كثير من المصطلحات التي يعج بها المجتمع والواردة من خارج البيئة الإسلامية، من تلك المصطلحات مصطلح الدولة الدينية والدولة المدنية
ويتبين من ذلك أن محاولة وضع قشرة أو طلاء على هذه التعبيرات التي يحاولها كثير من الكتاب في محاولة إخفاء العيوب في هذه المصطلحات هي محاولة فاشلة وغير أمينة وهذه القشرة لا تلبث أن تزول وتكشف عما تحتها عند أول احتكاك فكري.

لو نظرنا في المعنى اللغوي كان مصطلح الدولة الدينية يعني الدولة التي يكون دين الشعب المحرك والمهيمن على كل أنشطتها، والدولة المدنية الدولة الحضارية التي فارقت البداوة والتخلف وأخذت بأسباب الرقي، أو الدولة التي تباين الدولة العسكرية، ومن البين أنه في هذه الحالة ليس يمتنع أن تكون الدولة دينية ومدنية في آن حيث لا تعارض بينهما، وهو ما يعني أن المعنى اللغوي لكلا المصطلحين لا إشكال فيه وليس في استخدامه لغويا ما يحذر، لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، فقد شحن كلا المصطلحين بمعان وأضيفت له هوامش وشروحات مما جعل استخدام المصطلح في البيئة الإسلامية محفوفا بكثير من المخاطر والإشكاليات

وعندما نرجع إلى مصطلح الدولة الدينية (الثيوقراطية) في البيئة التي نشأت فيها (البيئة الوثنية والبيئة النصرانية) نجد أن الأمر جد مختلف، فالدولة الدينية في تصورهم هي الدولة التي يكون الحاكم فيها ذا طبيعة إلهية (إله أو ابن إله) أو أنه مختار بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من الله تعالى حسب ما عرف بنظرية الحق الإلهي، أو الدولة التي تمتزج فيها إرادة الحاكم بإرادة الإله ومن ثم يكون ما يصدر عن الحاكم كأنما يصدر عن الإله، ويترتب على ذلك أن يكون الحاكم في منزلة عالية لا يرقى إليها أحد من أفراد الشعب، وأنه لا يعترض على أقواله أو أفعاله، وليس لأحد قبله حقوق أو التزامات بل عليهم الخضوع التام لإرادة الحاكم حيث لا حق لهم في مقاومته أو الاعتراض عليه، ومن البين أن هذا التصور للحاكم لا وجود له في الفقه السياسي الإسلامي، ولا في التاريخ الإسلامي، فالحاكم بشر خالص ليس له علاقة بالله إلا علاقة العبودية والخضوع لبارئه، وللمسلمين الحق في متابعته ومراقبته ومحاسبته، وكذا مقاومته لو خرج عن حدود الشرع الذي يجب عليه التقيد به.

وأما مصطلح الدولة المدنية فهو المصطلح الذي وضعه بعض الناس في مقابل الدولة الدينية ورأوا أنها تلك الدولة التي لا ترجع في أمر من أمورها إلى شيء خارج عن الانسان نفسه، فهي مناظرة للدولة العلمانية، وإن كان كثير من الدارسين المتخصصين في الفكر السياسي ينفون أي وجود لمصطلح الدولة المدنية في الفكر السياسي، يقول أحدهم في صراحة: "الخيار بين الدولة المدنية والدولة الدينية هو خيار بين الحداثة وبين العودة للماضي, الدولة المدنية هي الدولة العلمانية الديمقراطية الليبرالية, وهي تعتبر بحق نقيض للتيار الرجعي السلفي, وتفضي للخلاص النهائي من النعرات الدينية والطائفية والمذهبية بحكم موقفها المحايد من كل المعتقدات, الدولة المدنية هي التي تحد من تسخير الدين لمصلحة الحاكمين, وهي الدولة التي تسير مع ركب العالم المتمدن متخطية القيود تاركة وراءها ثقافة التمسك بالماضي والتقليد السلفي, الدولة المدنية العلمانية باختصار تهدف إلى إبعاد الدين عن السياسة"[1]، وعلى ذلك يمكننا تأكيد حقيقة أن الدولة في الإسلام لا هي دينية بالمفهوم المتقدم ولا هي مدنية بالمفهوم الذي تقدمت الإشارة إليه وكل الدلائل تدل على هذه الحقيقة.

وإن كان نفي دينية الدولة قد يوجد نوعا من الالتباس في الاذهان لأن كثيرا من المسلمين قد لا يفرق بين مدلول الدولة الإسلامية ومدلول الدولة الدينية، لأنه لا دين صحيح عندهم سوى دين الإسلام.
والدولة الإسلامية هي التي تتقيد بأحكام الشريعة التي دلت عليها نصوص الكتاب والسنة تنفذها ولا تخرج عنها أو عليها، والحاكم فيها واحد من المسلمين ليس له قداسة ولا عصمة، وإرادته ليست تعبيرا عن إرادة الله تعالى، وإن كان يجب طاعته واحترامه ولكن يجوز مع ذلك للمسلمين سواء كانوا أفرادا أو مجموعين ممثلين في أهل الحل والعقد مراجعته ومحاسبته وإلزامه بالتقيد بأحكام الشريعة وعدم الخروج عليها، فإن هو خرج على أحكام الشريعة وتعدى طوره ولم يراجع الحق، حق على المسلمين إلزامه بالتقيد بأحكام الشريعة، فإن لم يمكنهم ذلك إلا بالخروج عليه فقد وجب الخروج عليه في تلك الحالة إذا كان ذلك ممكنا ووثقوا بقدرتهم على عزله وتعيين بدل منه.

وكثير من العلمانيين بعدما افتضحت العلمانية في ديار المسلمين يحبذون استخدام تعبير الدولة المدنية حتى يستطيعوا ترويج باطلهم بين عوام المسلمين من غير أن يفتضح أمرهم، ولذلك صار تعبير الدولة المدنية هو التعبير المحبب لديهم، وكلما لاح في الأفق إمكانية فوز الإسلاميين في الانتخابات وتحقيق أغلبية تمكنهم من تشكيل الحكومة لجأوا إلى رفع شعار الدولة المدنية، فجعلوا من الدولة المدنية شعارا يعارضون من خلاله أي عودة لشريعة الرحمن وتحكيمها في واقع عباد الله.

والدولة المدنية في أدبيات العلمانيين لا تعني الدولة المناقضة للدولة العسكرية التي يسيطر العسكر فيها على مقاليد الأمور كما يبدو من التقابل بين لفظ "المدني" ولفظ "العسكري"، كما لا تعني الدولة المناقضة للدولة البدوية البعيدة عن الحضارة والتمدن.
وأما القول الذي يردده بعض الإسلاميين نريد دولة مدنية بمرجعية إسلامية، فقول متدافع لأن المدنية هنا تعني العلمانية-كما تدل على ذلك كتابات أكثر المنادين بالدولة المدنية- وعلى ذلك يكون مؤدى قولهم: نريد دولة علمانية بمرجعية إسلامية وهو كلام متدافع متناقض، وقائله قد حصل له انهزام أمام المصطلح الوافد أو أمام مورديه وحراسه فوافقهم في تعبير مدنية الدولة، وحتى لا يخالف دينه قال: بمرجعية إسلامية، ومثل هذا المسلك لا يجوز ولا يؤسس بناء قويا قال الله تعالى: "خذوا ما آتيناكم بقوة"، ونحن لسنا ملزمين بأن نعبر عن أفكارنا وفقهنا من خلال مصطلحات الآخرين المباينين لنا في الدين والأخلاق والأعراف، فلا يلزمنا القول عن دولة المسلمين إنها مدنية أو ليست مدنية وكذلك لا يلزمنا القول إنها دينية أو ليست دينية ثم نجلس بعد ذلك نبين المراد من هذه التعبيرات، يكفينا أن نقول الدولة عندنا دولة إسلامية وهي التي تلتزم في كل تشريعاتها وأنظمتها وقوانينها بالشريعة ولا تتجاوزها إلى غيرها ولن نلتفت لشيء وراء ذلك رضي من رضي وسخط من سخط.

على أن القول: دولة مدنية بمرجعية إسلامية، يعني أن الدولة المدنية ليس من مفهومها ولا مكوناتها أن تكون مرجعيتها إسلامية لذا احتاج من سك هذا التعريف إلى إضافة ذلك القيد، وهو ما يعني اتفاق الإسلاميين القائلين بذلك ومخالفيهم القائلين بدولة مدنية من غير إضافة أية قيود على المصطلح أن الدولة المدنية لا تعني سوى الدولة العلمانية.
وقد جاءت هذه الرسالة في مبحثين:
المبحث الأول: الدولة المدنية والاتجاهات في تعريفها.
المبحث الثاني: مكونات أو تفصيلات الدولة المدنية

محمد بن شاكر الشريف

مكة المكرمة
في يوم الاثنين 24 من شهر الله المحرم لعام 1433هـ
الموافق 19 / 12 / 2011م

المبحث الأول: الدولة المدنية والاتجاهات في تعريفها
-----------------------

مسوغات الدعوة للدولة المدنية: منذ عهد الاستعمار الحديث الذي حل بربوع المسلمين، الذي سموه زورا وبهتانا بعصر التنوير وهو في حقيقته عصر الظلمات ونهب الثروات والسرقات، بدأت تطرق آذاننا ألفاظ لمسميات لم نسمع بها من قبل ذلك نحن ولا آباؤنا، من ذلك كلمة "الدولة المدنية" التي يبشر القائلون بها والداعون إليها، بأن كل أزمات المسلمين في العصر الحاضر من الاستبداد السياسي إلى التخلف التقني، إلى الفقر والبطالة إلى انتشار الأمراض وتدني الخدمات في جميع المجالات، أن كل ذلك سيزول بمجرد أن تتحول دولنا إلى دول مدنية، ولما كانت المنافع المعلقة على هذا التحول منافع كبيرة يحرص كل إنسان يريد الخير لأمته ومجتمعه على الحصول إليها، كان لا بد لنا من معرفة مدلول هذا اللفظ حقيقة قبل قبوله والدعوة إليه، حتى لا نذهب إليه ثم يتبين لنا ما فيه من الفساد العريض، لكن بعد أن تضيع الأعمار وتستهلك الأموال ، فماذا تعني الدولة المدنية؟

هل يراد بالدولة المدنية التعليم الحديث واستخدام التقنية المعاصرة في شتى مناحي الحياة والإدارة الحديثة، والتوسع في العمارة وإنشاء الطرق السريعة؟ قد يكون هذا بعض المطلوب، لكن هل هذا هو المطلوب أو كل المطلوب؟ وهل يكفي أم لا بد من شيء آخر؟ وهل الشيء الناقص يعد جوهريا أو ثانويا؟ ولما كان الحديث طويلا متشعبا لكثرة المتكلمين في ذلك فقد لا نتمكن من إيراد كل ما قيل في الموضوع، لكننا نأمل أن تكشف لنا هذه الدراسة عن حقيقة ذلك الأمر
الدولة المدنية في التراث الإسلامي:

بالتقليب في كتبنا السابقة التي تحدثت عن الأحكام السلطانية أو السياسة الشرعية ومراجعة الموسوعات الفقهية لا نجد لهذا المصطلح وجودا مع أن مفرداته "الدولة" و"المدنية" هي من مفردات لغتنا، مما يتبين معه أن المصطلح المركب من اللفظين ليس من مصطلحاتنا، وإنما هو مستورد من بيئة غير بيئتنا أو اخترع من قبل آخرين-وهذا في حد ذاته ليس عيبا، لو كان لا يحمل مضمونا مخالفا لما هو مقرر في ديننا-وعليه فإن محاولة البحث عنه في تراثنا لن تجدي شيئا، وعلينا أن نبحث عن معناه في البيئة التي ورَّدته إلينا أو في فكر مخترعيه، ثم ننظر في معناه بعد ذلك هل يناسبنا فنقبله أم يتعارض مع ديننا فنرفضه؟ .

ولعل هذا ما دعا بعض الكتاب إلى القول: "بما أن مصطلحات الدولة المدنية، والدينية (الثيوقراطية)، و(الأوتوقراطية) مصطلحات نشأت في الغرب أساساً، فلا بد قبل أن نسعى إلى تطبيقها على واقعنا، أو نقرر رفضها وقبولها اجتماعياً ودينياً، أن نستوعب معانيها كما هي في الثقافة التي أنشأتها، وأي منها يتعارض مع الإسلام ويتفق معه"[2] .
ويحق للناس التساؤل هل عدم وجود المصطلح نفسه في تراثنا، يعني أن المضمون الذي يحمله-سواء بالسلب أو الإيجاب-لم يكن موجودا أيضا؟.

الدَّوْلة تعني في اللغة عدة أمور منها الغلبة، والغلبة يترتب عليها سلطان للغالب على المغلوب، ومن هنا يمكن القول إن العامل الأساس في تعريف الدولة هو السلطان أو السلطة، فإنه راجع إلى أصلها اللغوي، وفي كثير من كتب القانون الدستوري يعرفون الدولة عن طريق بيان أركانها دون الحديث عن ماهيتها، وأركان الدولة كما يجيء في هذه الكتب ثلاثة: ركن جغرافي يطلق عليها لفظ إقليم وهو متمثل في قطعة محددة من الأرض ، وركن إنساني يطلق عليهم شعب وهو متمثل في مجموعة من الناس تستوطن هذا الإقليم ، وركن معنوي يطلق عليه السلطة العامة المستقلة ذات السيادة وهو متمثل في الحكومة التي تدير أمر الإقليم بمن فيه من الشعب وما فيه من سائر الموجودات وتملي إرادتها على ذلك الإقليم وما حواه من مخلوقات أو موجودات، وهذا الركن الأخير يتفق مع المعنى اللغوي في الدلالة على الدولة.

وإذا كان كثير ممن كتب في السياسة الشرعية يقتصرون في كلامهم على ما يتعلق بالدولة في ديار الإسلام، ولا يتعدون ذلك إلى تفسير تنوع الدول، فإننا نجد ابن خلدون رحمه الله تعالى يقدم تفسيرا في ذلك حيث يبين أنه نظرا لاختلاف الإرادات والمقاصد بين الناس وملوكهم فقد يجر ذلك إلى هرج وتقاتل فكان لا بد للتغلب على هذا الاحتمال من " أن يُرجع في ذلك إلى قوانين سياسية مفروضة يسلمها الكافة، وينقادون إلى أحكامها كما كان ذلك للفرس وغيرهم من الأمم، وإذا خلت الدولة من مثل هذه السياسة لم يستتب أمرها، ولا يتم استيلاؤها: " سنة الله في الذين خلوا من قبل"، ثم يبين مرجعية السلطة في الدولة فيقول: "فإذا كانت هذه القوانين مفروضة من العقلاء وأكابر الدولة وبصرائها كانت سياسة عقلية، وإذا كانت مفروضة من الله بشارع يقررها ويشرعها كانت سياسة دينية نافعة في الحياة الدنيا وفي الآخرة" فهو يفرق هنا بين سياسة عقلية وهي الأشبه بما يدعونه الدولة المدنية، وبين سياسة دينية يكون شرع الله تعالى هو الذي يقررها، ثم يقدم رحمه الله تعالى الأصل الذي ينتج عنها تنوع الدول فيقول: "إن الملك الطبيعي هو حمل الكافة على مقتضى الغرض والشهوة، والسياسي هو حمل الكافة على مقتضي النظر العقلي في *** المصالح الدنيوية ودفع المضار، والخلافة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به"[3] فكانت الدولة عنده ثلاثة أنواع: فدولة قائمة على حمل الناس على مقتضى الغرض والشهوة وهي ما يمكن أن نطلق عليه الدولة المستبدة، أو الديكتاتورية، ودولة قائمة على حمل الناس على مقتضى النظر العقلي في *** المصالح الدنيوية ودفع المضار، وهي ما يمكن أن نطلق عليه الدولة المدنية، ودولة قائمة على حمل الناس على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، وهو ما يمكن أن نطلق عليه الدولة الإسلامية أو الشرعية

معنى الدولة المدنية في الفكر والثقافة المعاصرة:
-------------------------

"يقول د/نصر محمد عارف: "ارتبط مفهوم المدينة في العهدين اليوناني والروماني بالدين الذي مثل أساسا لنشأة المدينة وسببا لها، وتطور الأمر في العصور الوسطى إلى أن أصبح الدين هو كل وجود المدينة حيث مثلت الكاتدرائية محور المدينة وسببا لوجودها ومع عصر الأنوار والإصلاح الديني والنهضة وتراجع الدين المسيحي بعيدا عن الحياة السياسية أصبح مفهوم المدينة في أحد معانيه معاكسا لمفهوم الدين حيث بدأت تظهر مفاهيم مثل المجتمع المدني كمقابل للمجتمع اللاهوتي أو الكنسي أو الديني والثقافة المدنية كمقابل للثقافة الدينية والتعليم المدني كمقابل للتعليم الديني...الخ بحيث أصبحت المدنية صفة تعاكس تماما صفة الدينية سواء في القانون أو الاجتماع أو السياسة...الخ"[4] وعلى هذا يعرفها بعضهم بقوله: "الدولة المدنية مفهوم مترجم ومعرب من الثقافة الغربية الحديثة ويقصد به الدولة التي تستقل بشئونها عن هيمنة وتدخل الكنيسة، فالدولة المدنية هي التي تضع قوانينها حسب المصالح والانتخابات والأجهزة والتي في نفس الوقت لا تخضع لتدخلات الكنيسة"[5] أ.ه والكنيسة في الغرب كانت هي راعية الدين والممثلة له، فاستقلال الدولة المدنية عن تدخل الكنيسة[6] ووضعها للقوانين حسب المصالح، معناه عند القوم استقلالها عن الدين وهو ما يعني أن الدولة المدنية مرادف معنوي للدولة العلمانية.

ويقول كاتب آخر: "فمن الناحية التاريخية إذا رجعنا إلى أصل اصطلاحها الغربي، نجد أن للدولة المدنية مفهوما فلسفيا- سياسيا، مناقضا للدولة الدينية (الثيوقراطية)، والتي يتأرجح مفهومها (نظريا) بين حكم رجال الدين وتحكيم الدين نفسه في السياسة، بغض النظر عن طبيعة من يحكم به ! ويتمثل مفهومها عمليا بتنحية الدين عن السياسية مطلقا، باعتبار الدين هو مجموعة قوانين إلهية مميزة للدولة الدينية... فكانت الدولة المدنية بمبدئها الرافض لتدخل الدين في السياسة دولة علمانية.. وأنها تمثل عبر التاريخ سواء في الشرق أو الغرب عند دعاتها إطارا سياسيا للعلمانية قابلا لتوظيف أي اتجاه فلسفي إيديولوجي في الحياة بشرط تنحية الدين عن السياسية"[7] .

ويقول كاتب ثالث: "الحكومة المدنية في الفضاء المعرفي الغربي تعني تنظيم المجتمع وحكمه بالتوافق بين أبنائه بعيدا عن أي سلطة أخرى سواء دينية أو غيرها، أي إن شرط (العلمانية) أساسي في تلك الحكومات"[8]
وإذا رجعنا إلى الوراء ثمانين سنة نجد أن من أوائل من أدخل هذه المصطلحات إلى بيئتنا يقول الكلام نفسه حيث يقول علي عبد الرازق في كتابه الإسلام وأصول الحكم: "طبيعي ومعقول إلى درجة البداهة أن لا توجد بعد النبي زعامة دينية، وأما الذي يمكن أن يتصور وجوده بعد ذلك فإنما هو نوع من الزعامة جديد ليس متصلا بالرسالة ولا قائما على الدين، هو إذن نوع لا ديني، وإذا كانت الزعامة لا دينية فهي ليست شيئا أقل ولا أكثر من الزعامة المدنية أو السياسية، زعامة الحكومة والسلطان لا زعامة الدين وهذا الذي قد كان"[9] ، فالدولة (الزعامة) المدنية عنده هي دولة (زعامة) لا دينية، فهي ليست متصلة بالرسالة ولا قائمة على الدين

وقد يفهم القارئ مما تقدم مسوغات إصرار البعض على مدنية الدولة بإزاء الظهور الإسلامي السياسي ووضوح إمكانية تسلمه زمام الأمور، حتى يصرح بعضهم أن مدنية الدولة خط أحمر أي لا يمكن تجاوزه، وأن مدنية الدولة أمن قومي وما تعنيه هذه الكلمة من أعلى درجات الحفاظ على ما يعد أمنا قوميا إذ تجاوز الأمن القومي وعدم الوقوف عند حدوده يعني انهيار الدولة وهو ما لا يمكن الموافقة عليه أو السماح به ولو أدى ذلك للاقتتال.
والمتابع لما يكتب هذه الأيام عن الدولة المدنية يمكنه رصد اتجاهات أربعة في بيان ما تعنيه الدولة المدنية ، كلها تدور حول ما تقدم من معنى سواء بالموافقة عليه أو المخالفة له

الاتجاه الأول: وهو يمثل من قَبِل هذا المصطلح كما جاء من الغرب:
-------------
وهذا الاتجاه يمكن تقسيمه إلى فئتين:

فئة قبلت اللفظ ومفرداته لكن لم تصل به إلى غايته.

أما الفئة الثانية فقد وصلت باللفظ إلى غايته وصرحت بأن الدولة المدنية هي الدولة العلمانية:

الفئة الأولى: فإذا ذهبنا إلى من قَبِل هذا المصلح في بيئتنا العربية لننظر كيف تلقوه عن الغرب وكيف يفهمونه، فإننا نجد من يقول مبينا خصائص هذه الدولة: "والدولة المدنية هي الدولة التي تقوم على المواطنة وتعدد الأديان والمذاهب وسيادة القانون"[10]، ومن يقول: "الدولة المدنية هي الدولة التي يحكم فيها أهل الاختصاص في الحكم والإدارة والسياسية والاقتصاد ... الخ وليس علماء الدين بالتعبير الإسلامي أو "رجال الدين" بالتعبير المسيحي"[11]
ومن يقول: "الدولة المدنية هي دولة المؤسسات التي تمثل الإنسان بمختلف أطيافه الفكرية والثقافية والأيدلوجية داخل محيط حر لا سيطرة فيه لفئة واحدة على بقية فئات المجتمع الأخرى، مهما اختلفت تلك الفئات في الفكر والثقافة والأيدلوجيا"[12] .،

لكن هذا الكلام إذا أُخذ مفصولا عن لواحقه فقد لا يتبين منه شيء، فهو كلام محتمل يسهل التخلص من لوازمه، لذا لو رجعنا إلى تفصيلات الكلام فإنها تكشف كثيرا من هذا الإجمال أو الغموض، ففي تفصيلات كلام الكاتب الأول، نجده يضع الدولة المدنية في مقابل ما يسمونه بالإسلام السياسي، ما يعني أن علاقة هذا المصطلح في فهمهم بالإسلام ليست علاقة توافق، وإنما هي علاقة تعارض.

والحقيقة أنه ليس هناك ما يمكن أن يسمى إسلاما سياسيا وإسلاما غير سياسي، فتلك مسميات ما أنزل الله تعالى بها من سلطان، فالإسلام هو الدين الذي رضيه رب العباد للعباد، بما فيه من عقائد وعبادات وتشريعات ومعاملات، فتقسيم الإسلام إلى سياسي وغير سياسي ونحو ذلك من المصطلحات، وقبول ما يزعمونه بأنه إسلام غير سياسي وينعتونه بالإسلام المعتدل، ورفض ما يسمونه بالإسلام السياسي وينعتونه بالإسلام المتشدد، هو مناظر لفعل المشركين من قبل: "الذين جعلوا القرآن عضين"، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: " هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ جَزَّءُوهُ أَجْزَاءً فَآمَنُوا بِبَعْضِهِ وَكَفَرُوا بِبَعْضِهِ "[13] .

يقول الكاتب المذكور: "فالخوف على الدولة المدنية قائم، والسؤال عن مستقبلها مطروح، في عدد متزايد من الدول التي يتنامى فيها دور حركات الإسلام السياسي"[14] ، ويعلق على محاولة الملك فؤاد-بعد سقوط الخلافة في تركيا-أن يجعل من نفسه خليفة فيقول: "عندما أغرى سقوط الخلافة العثمانية عام 1924الملك الراحل فؤاد بأن يحمل اللقب الذي بات بلا صاحب، لم يكن واضحاً حينئذ لكثير من المصريين مدى التغيير الذي يمكن أن يحدث في طبيعة الدولة إذا نجح فؤاد في تنصيب نفسه خليفة، لم يدرك الخطر على الدولة المدنية إلا قسم في النخبة السياسية والثقافية. ولكن هذه النخبة في مجملها كانت مؤمنة بأن الخلط بين السياسة والدين هو نوع من الشعوذة التي تسيء إلى كليهما، على نحو ما أبلغه الزعيم الوطني الراحل مصطفى النحاس بعد ذلك بسنوات إلى مؤسس جماعة "الإخوان" حسن البنا"[15]، ويقول أيضا :"وسجل التاريخ لرجال مثل علي عبد الرازق وطه حسين وعبد العزيز فهمي وغيرهم، دورهم المقدر في حماية الدولة المدنية "[16] .
ومعروف ماذا كان دور علي عبد الرازق الذي يعد أول من أنكر علاقة الدين بالحكم أو السياسة، وأنكر أن تكون خلافة الصديق رضي الله تعالى خطة دينية، وكذلك دور طه حسين التغريبي وغيره ممن ذكرهم الكاتب أو أشار إليه، وهذا الاعتراف يعني أن الدولة المدنية هي الدولة العلمانية، وإن كان بعض الناس يفضل استخدام لفظ المدنية على العلمانية من أجل الخداع والمراوغة.

ويقول الكاتب الثاني: نريد أن نتجاوز التسميات إلى المضامين أي أن المضمون للفكرة هي: قيام الدولة على أساس مدني، وعلى دستور بشري أيا كان مصدره، وعلى احترام القانون وعلى المساواة وحرية الاعتقاد، ويزيد الأمر تفصيلا فيضيف: نقبل وننادي وندعم الدولة المدنية الحديثة القائمة على سلطة الشعب في التشريع وكما ورد بالنص في برنامج حزب الوسط الجديد في المحور السياسي "الشعب مصدر جميع السلطات التي يجب الفصل بينها واستقلال كل منها عن الأخرى في إطار من التوازن العام، وهذا المبدأ يتضمن حق الشعب في أن يشرع لنفسه وبنفسه القوانين التي تتفق ومصالحه.. ويؤمنون بأساس المساواة التامة في الحقوق والواجبات بكافة أشكالها ومنها السياسية بين الرجل والمرأة والمسلم وغير المسلم على أساس المواطنة الكاملة، ويؤمنون بالتعددية الفكرية والدينية والسياسية والثقافية"[17]

ويقول الكاتب الثالث: "في الدولة المدنية يضع الإنسان قوانينه التي تنظم حياته كونه أعرف بأمور دنياه، ويستمد من قوانين دينه القوانين التي تنظم علاقته بربه، ليكون مؤمنا لا يمنح لنفسه الحق أن يكون مدعيا لامتلاك الحقيقة ومفسرا وحيدا لمفاهيم الدين، مما يجعل الدولة كهنوتية تخضع لحكم الكهنوت وليس لحكم القانون"[18] ، فالدولة المدنية في فهمه تعني استقلال الإنسان بوضع التشريعات التي تحكم أمور الحياة، وحصر الدين في المفهوم العلماني الذي يقصر الدين على الشعائر التعبدية في معناها الضيق[19]

وإذا كان الكاتبان الأول والثاني من دولة والثالث من دولة أخرى فإن هنا كاتبا آخر من دولة ثالثة يردد المقولة نفسها، فعلى بعد ما بينهم من المسافات وافتراق الديار وحدت بينهم الأفكار، فيقول: "إن مصدر السلطة في الدولة المدنية هو الأمة والشعب، فالأمة باب الشرعية الوحيد لها ... وللسلطة في الدولة المدنية ثلاثة أنواع مستقلة عن بعضها تمام الاستقلال، ولكل منها مؤسساتها واختصاصاتها، وهي: السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية ... والمواطنة في الدولة المدنية حق لكل من توافرت فيه شروطها، بغض النظر عن دينه وعرقه، ومن حصل عليه كفلت حقوقه باسم القانون، فلا طبقية ولا طائفية ولا عنصرية"[20]، وليس يخفي ما في تلك المقولات السابقة من إقرار مفردات الفكر العلماني والإشادة به والدعوة إليه، مع تنحية الدين من أن يكون له أي دور في المجتمع، ويقتصر دوره على الشعائر التعبدية التي يقوم بها الإنسان تجاه ربه، وكأن الله تعالى قد فوضهم في الحكم والتشريع يقومون به وفق أهوائهم وعقولهم.

وهناك من يقابل بين الدولة المدنية والدولة البوليسية، فيزعم أن كل دولة ليست مدنية هي دولة بوليسية قائمة على القمع والظلم بغض النظر عن أي انتماء عقدي، وكلامه هنا يعني أن الدولة الإسلامية القائمة على تحكيم شرع الله تعالى من خلال الكتاب الكريم والسنة الصحيحة دولة بوليسية لا يمكن القبول بها، لأنها من وجهة نظره ليست دولة ديمقراطية فيقول: "والدولة المدنية نقيض الدولة العسكرية، وكل حكم سلطوي قمعي لا يقوم على الأسس الديمقراطية، هو حكم بوليسي سواء كان متسميا باسم الدولة الدينية أو بغيره من الأسماء التي مهما تنوعت فإن السلطة التي تحتكر الحكم عن طريق فئة واحدة وفكر واحد هي سلطة لدولة بوليسية استبدادية متخلفة... ليس هناك دولة دينية، وإنما دولة مدنية أو دولة بوليسية، لان الدولة المدنية كفيلة باحتضان كل الأديان والأفكار، أما الدولة البوليسية. فإنها دولة لا تقبل الآخر وتستعدي التعدد والتنوع مرة تحت مظلة الحكم العسكري المعلن ومرة تحت مظلة الحكم الديني، وكلاهما حكم بوليسي لا علاقة له بمبادئ الدين"[21]، فكل حكم لا يقوم على الأسس الديمقراطية-عنده- هو حكم بوليسي استبدادي متخلف، سواء كان يستمد مرجعيته من الإسلام أو من غيره،

الفئة الثانية: وهناك من يصرح تصريحا دون مواربة أو تلاعب بالألفاظ أن الدولة المدنية تعني الدولة العلمانية، فهذا كاتب يقول في مقال له بعنوان لماذا ننادي بالدولة العلمانية؟: "ومن هنا حرصت البلاد التي انتهجت الديمقراطية الليبرالية الحقة، وأقامت الدولة المدنية الحديثة على عدم تضمين دساتيرها ما يفيد بديانة الدولة،... إن إقامة الدولة المدنية العلمانية وفق الصورة المنوه عنها، باتت ضرورة لإخراج مجتمعاتنا المتخلفة من شرنقة الجدل وحالة اللاحسم حول الكثير من القضايا الصغيرة والكبيرة التي لا تزال تراوح مكانها بسبب إقحام الدين فيها وبالتالي الاختلاف المرير حولها"[22] ، وهذا كاتب آخر يقول: "لا يمكن بناء الدولة المدنية في ظل الدولة المذهبية أو الدينية المجردة من العلمانية، لأن العقيدة، أية عقيدة كانت لا تؤمن بحق جميع المواطنين على قدم المساواة طالما أن القانون الديني يميز بين العقائد. ومن هنا تبرز أهمية حرية العقيدة في المجتمع المدني...إلى أن يقول: وأخيرا نؤكد أن الدولة المدنية العلمانية الليبرالية الدستورية ليست شكلا مجردا إنما مضمونا يساهم في تقدم المجتمع بكل مكوناته وقومياته وأديانه"[23]، وهذا كاتب آخر يضع الشروط الأساس لبناء الدولة المدنية فيقول: "استكمال بناء الدولة المدنية الحديثة بما يتطلب من خلو المجال العام من كل الإِشارات والرموز الدينية، حتى يصبح من الرحابة إلى الحد الذي يسع فيه كل المختلفين. وأن تجرى السياسة على أساس المصلحة، وأن يكون التشريع تعبيرا عن تنوع الأمة"[24]، وإذا تأمل المتأمل الكلام المتقدم ودقق فيه وتدبره وجد أن الدولة المدنية عند القائلين بها هي الوجه الآخر للدولة الثيوقراطية حيث تكون العلمانية دين الدولة ويكون الشعب عندهم الإله المعبود صاحب السلطة العليا في المجتمع

الدولة الثيوقراطية ليست من مصطلحاتنا:
----------------------

يحلو لكثير من الكتاب في هذا الموضوع من أصحاب الاتجاه التغريبي المقابلة بين ما يسمونه دولة مدنية ودولة ثيوقراطية، أي الحكم بمقتضى التفويض الإلهي للحاكمين مما يضفي عليهم صفة العصمة والقداسة، ويذكرون ما في الدولة الثيوقراطية من المثالب والعيوب والآفات، ويسقطون ذلك على الدولة الإسلامية، وهذا ليس من المنهج العلمي الذي يتبجح به هؤلاء فإن هذا اللفظ (ثيوقراطية) ليس من الألفاظ العربية، وهو لم يأت في أي كتاب من كتب المسلمين فكيف يحاسبوننا عليه؟ وهل هذا إلا كمثل من يتهم غيره بتهمة من عند نفسه ثم يحاسبه عليها وهو لا يعلم بها؟، فإذا كانت الدولة الثيوقراطية ليست من مصطلحاتنا أو مفرداتنا، لم يجز لأحد أن يحاكمنا إليها، ومن أراد فليجأ إلى ألفاظنا ومصطلحاتنا حتى يكون النقاش علميا.

إن الدولة الثيوقراطية التي يتحدثون عنها بالصفات التي يذكرونها لا نعلم عن وجودها إلا ما كان في بلاد الغرب النصراني الذين نشأ فيهم هذا المصطلح، حيث تسلط علماء اللاهوت على كل شيء حتى على قلوب الناس بزعم تمثيلهم للإرادة الإلهية، فهذه خبرة نصرانية لا علاقة لها بالإسلام من قريب أو بعيد، فما الذي يدعو هؤلاء إلى محاكمتنا إلى لفظ ليس من عندنا ولا يحاكموننا إلى ألفاظنا ومصطلحاتنا الثابتة في كتب أعلام هذه الأمة؟ وهل هذه إلا دليل على أن هؤلاء يحاكمون تاريخنا وهم في الوقت نفسه ينظرون إلى تاريخ الغرب النصراني؟ وهو يعني اختزال الخبرة السياسية في العالم كله في الخبرة الغربية؟ وهذا في منتهى التبعية واحتقار الذات، يقول أحد الكتاب: "ثقافتنا الإسلامية لم تعرف دولة مدنية وأخرى دينية، فهذا التقسيم أفرزته حركة التنوير في الغرب المناهضة لسلطة الكنيسة المطلقة، والتي كانت تمثل نمط السلطة الدينية غير المرغوب فيها، وهو المعنى الذي يعنيه مصطلح (ثيوقراطية) الذي هو نظام حكم يستند على أفكار دينية في الأساس مستمدة من المسيحية واليهودية، وتعني حكماً بموجب الحق الإلهي المزعوم، وهو نظام كان له وجود في العصور الوسطى في أوروبا، نتجت عنه دول دينية مستبدة ولكننا في الشرق الإسلامي لم نعرف هذا اللون من الحكم، فليس في الإسلام مؤسسة دينية كالكنيسة، التي فيها التراتيبية المعهودة بين رهبانها ولا يجب أن يسمح بقيامها"[25]
لقد نعى القرآن الكريم على أهل الكتاب، ما يحاول هؤلاء بافتراء واضح أن يلصقوه بأمة المسلمين، فقال تعالى: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله" وقد بين أهل التفسير أن تلك الربوبية كانت في استقلال الأحبار والرهبان بالتشريع حتى إنهم ليحلون ما حرم الله تعالى ويحرمون ما أحل الله تعالى، وهذا لم يكن بحمد الله تعالى في أمة المسلمين
الاتجاه الثاني: وهو يمثل من حاول المواءمة بين الدولة المدنية في مفهومها الغربي وبين الإسلام

يرى هذا الاتجاه أن المسألة هينة وأنها مجرد اصطلاح والاصطلاح لا مشاحة فيه كما يذكر أهل العلم، وعلى ذلك فهم يقررون إن الدولة في الإسلام مدنية ليست دينية، بينما دستورها من القرآن والسنة،: "إن الدولة مدنية لا دينية، أما مصدر الدستور والقانون فيها فحتما هو الكتاب والسنة ومورث الأمة فقهاً وفكراً، والدولة المدنية في عصرنا هي دولة المؤسسات التي تحكم من خلالها"[26] ، وهذا لا شك فيه محاولة للتوفيق بين الأفكار المعاصرة وبين ما هو مستقر في الشريعة بلا خلاف بين أحد من الأمة، إذ لم يدَّع أحد أن للأمة أن تشرع بمحض إرادتها وفق ما تراه مصلحة من دون التفات إلى موافقة الشريعة أو مخالفتها، لكن هذا الكلام في الحقيقة يحمل التناقض في ثناياه، إذا كيف نقول عنها إنها لا دينية ثم نقول في الوقت نفسه إن دستورها هو الكتاب والسنة، فمعنى كونها لا دينية أنها لا ترتبط بالدين، وكون دستورها الكتاب والسنة أنها ترتبط بالدين، وهذا تناقض، وهذه المشكلة يقع فيها من يحاول التوفيق بين المختلفات في الظاهر، من غير إزالة أسباب الخلاف الحقيقية.

والحقيقة أن المشكلة لا تكمن في التسمية أو الاصطلاح، فقد كان بالإمكان أن تُسمى الدولة في الإسلام دولة مدنية أو غير ذلك من الأسماء، لو لم تكن تلك المصطلحات ذات استعمال مستقر مناقض للشريعة، ومن ثَمَّ يصير استعمال هذا المصطلح لوصف الدولة في الإسلام سببا في اللبس وخلط الأمور، لأن هذا الاصطلاح لم يعد اصطلاحا مجردا وإنما صار اصطلاحا محملا بالدلالات التي حملها من البيئة التي قدم منها.

فإذا كان بعض المتكلمين بهذا المصطلح والآخذين به يقولون بمرجعية الشريعة، فما الذي يحملهم على الإصرار على استعمال مصطلح أقل ما يقال فيه أنه مصطلح مشبوه، يدعو استعماله إلى تفرقة الأمة لا إلى جمعها، كما يمثل نوعا من التبعية الثقافية للغرب، في الوقت الذي لا يوجد فيه أي مسوغ مقبول للإصرار على هذا الاستعمال.
ومما هو مقبول في العقل السليم أن الكلمة ذات المعنى الصحيح إذا كانت تحتمل معنى فاسدا فإنه يعدل عنها إلى كلمة لا تحتمل ذلك المعنى الفاسد ، وهذا الأمر المعقول قد أرشد إليه القرآن حينما قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ" [البقرة: 104 ] قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "نهى الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم، وذلك أن اليهود كانوا يُعَانُون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص -عليهم لعائن الله-فإذا أرادوا أن يقولوا: اسمع لنا يقولون: راعنا. يورون بالرعونة"[27] وقال القرطبي رحمه الله تعالى: "في هذه الآية دليلان: أحدهما - على تجنب الألفاظ المحتملة التي فيها التعريض للتنقيص والغض... الدليل الثاني - التمسك بسد الذرائع وحمايتها... والذريعة عبارة عن أمر غير ممنوع لنفسه يخاف من ارتكابه الوقوع في ممنوع"[28] .
الاتجاه الثالث: وهو يمثل من يرى أن الدولة المدنية هي جوهر الإسلام وحقيقته

يرى أصحاب هذا الاتجاه أن مصطلح الدولة المدنية تعبير عن حقيقة الإسلام وجوهره، "فالدولة الإسلامية كما جاء بها الإسلام، وكما عرفها تاريخ المسلمين دولة مَدَنِيَّة، تقوم السلطة بها على البَيْعة والاختيار والشورى والحاكم فيها **** عن الأمة أو أجير لها، ومن حق الأمة ـ مُمثَّلة في أهل الحلِّ والعَقْد فيها ـ أن تُحاسبه وتُراقبه، وتأمره وتنهاه، وتُقَوِّمه إن أعوجَّ، وإلا عزلته، ومن حق كل مسلم، بل كل مواطن، أن ينكر على رئيس الدولة نفسه إذا رآه اقترف منكرًا، أو ضيَّع معروفًا، بل على الشعب أن يُعلن الثورة عليه إذا رأي كفرًا بَوَاحًا عنده من الله برهان"[29] . لكن أصحاب هذا الاتجاه لم يقدموا شيئا يدعمون به تلك المقولة، فمن حيث اللفظ فإن هذا المصطلح جديد، فلا يمكن البحث عنه في التراث الشرعي للتدليل على تلك الفرضية، ومن حيث المعنى فإن هذا المعنى المذكور لا يوافق عليه جميع القائلين بالدولة المدنية الموافقين عليها، فضلا عن اشتمال هذا المصطلح (الدولة المدنية) لمضامين مناقضة للعقيدة والشريعة.
وكل الذي قام به أصحاب هذا الاتجاه أنهم عمدوا إلى أمور مقبولة شرعا وقالوا هذه هي الدولة المدنية من غير أن يقيموا أي دليل على ذلك

وهذا المسلك الذي يحاول أصحابه أن ينتزع المعاني الإسلامية ويكسي بها مصطلحات غير إسلامية مسلك غير راشد لعدة أمور:

1-وضع المصطلح الدخيل في منزلة أعلى من المعاني التي دلت عليها الشريعة بدليل الركون إليه وتقديمه عما عداه
2-التأسيس للمصطلح الدخيل والتمكين له بزي شرعي أو بلباس شرعي مما يمثل احتلالا فكريا
3-نسبة أحكام شريعتنا لغيرها من المصطلحات الدخيلة، وكأن هذه الأحكام والمعاني النبيلة استفدناها من مصطلح الدولة المدنية.

الاتجاه الرابع: رفض هذا المصطلح لما اشتمل عليه من مفاسد ولعدم الحاجة إليه:
يرى أصحاب هذا الاتجاه أن الدولة المدنية التي يجري عنها الحديث هي دولة علمانية، "هذا الاصطلاح (الدولة المدنية) هو مطاطي ينكمش في أحسن حالاته ليحاكي الغرب في كثير من مناهجه السياسية في الحكم مع الحفاظ على بعض الخصوصيات، ويتمدد حتى يصل إلى أصل استعماله دولة علمانية صرفة"[30]، "ومن وصف الدولة الإسلامية بأنها دولة مدنية وقع في خطأ ... ذلك أن الدولة المدنية الحديثة تنكر حق الله في التشريع، وتجعله حقاً مختصاً بالناس، وهذا بخلاف الدولة الإسلامية، بل إن هذا يخرجها عن كونها إسلامية، ويُسمّى هذا النوع من الحكم في الإسلام بحكم الطاغوت. وكل حكم سوى حكم الله هو طاغوت"[31]

تقويم الاتجاهات الأربعة السابقة:
----------------

يتفق هذا الاتجاه الرابع مع الاتجاه الأول في أن لفظ الدولة المدنية يتضمن في طياته معنى العلمانية ولكن بفارق جوهري جدا، وهو أن الاتجاه الأول لا يظهر منه رفض واضح لعلمانية الدولة المدنية، بل منهم من يصرح بعلمانيتها ويدعو إلى ذلك، وأما هذا الاتجاه فيظهر منه الرفض الواضح لعلمانية الدولة ويحذر منها، ويرى أن الدين والعلمانية نقيضان لا يجتمعان معا.

وأما الاتجاه الثاني فيحاول أن يوائم بين الأمرين فيقبل شيئا من هؤلاء وشيئا من هؤلاء.

وأما الاتجاه الثالث فهو يجعل الدولة المدنية من صميم الإسلام .

ومن هنا يتبين أن القابلين لهذا المصطلح مختلفون فيما بينهم فيما يظهر من كلامهم، وهو خلاف حقيقي لا لفظي وذلك دليل على غموض هذا المصطلح وعدم وضوحه، واشتماله على كثير من الأمور التي يناقض بعضها بعضا، ومن ثم فإن المستمسكين بهذا المصطلح مدعوون لتنقيته من تلك التناقضات، واللائق بمثل هذا المصطلح في هذه الحالة تركه وعدم التعويل عليه، والبحث-إن كان لا بد-عن مصطلح آخر بريء من هذه التناقضات والغموض الذي يحيط به

المبحث الثاني: تفصيلات الدولة المدنية:
-------------------

عناصر الدولة المدنية:
-------

لو كان لنا أن نتجاوز ما تقدم كله وندخل في التفاصيل بعيدا عن الوقوف عند حد التعريفات، فما عناصر الدولة المدنية كما يصورها القائلون بها؟ وما علاقة ذلك بالإسلام؟

يدور الحديث عن عناصر الدولة المدنية حول عدة محاور تقول: "فطبيعتها تتلخص في وجود دستور يعبر عن قيم ومعتقدات وأعراف المواطنين في الدولة، وفي الفصل بين السلطات الثلاث الآنفة الذكر[32]، وفي اكتساب الحقوق على أساس المواطنة، وعدم التمييز بين المواطنين لا بسبب المذهب أو الطائفة أو الثقافة أو العرف، وفي كفالة حقوق الإنسان والحريات الأساسية، واحترام التعددية والتنوع"[33]

من خلال ما هو مطروح من المداخلات والمساجلات يتبين أن هناك عدة عناصر منها:
وجود دستور مكتوب: والدستور هو أعلى وثيقة قانونية وسياسية في الدولة وهو المرجعية النهائية لجميع القوانين والأنظمة، فكل ما خالفه من أفعال أو تصرفات فهي موصوفة بالبطلان المطلق، وكل قانون أو تنظيم يسن مخالفا للدستور، هو باطل ولا تترتب عليه النتائج التي تغياها القانون أو التنظيم، وكل ما خالف الدستور فيجب نقضه وإلغاؤه
وقد يختلف المسلمون في شأن تدوين دستور، وهل هناك حاجة إلى ذلك لتحديد الحدود والالتزامات والحقوق والواجبات بين مختلف فئات المجتمع، وتحديد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، أم يُكتفى بما هو موجود في النصوص الشرعية؛ وبما هو موجود في القضايا الإجماعية، والمعلوم من الدين بالضرورة؛ لوضوحه في الدلالة على ما يراد منه.

والخلاف في التدوين وعدمه سائغ وهو خلاف في الفقهيات وليس في العقائد، يحكم عليه بالصواب أو الخطأ، ولا يحكم عليه بالحق أو الباطل، أو بالإيمان أو الكفر، ولا يمكن أن يُمنع الخلاف في ذلك بين الناس إلا في ظل القهر والاستبداد، وليس هذا هو جوهر القضية، وإنما جوهر القضية ما الأساس الذي يدون عليه الدستور إذا قيل بتدوينه؟ هل هو الكتاب والسنة وما دلا عليه بوجوه الدلالات المعتبرة، وفق القواعد الشرعية المنضبطة، أو الأساس هو العقل والمصلحة، والخبرة والتجارب، ولا شك أن الخلاف في هذا غير سائغ، وهو خلاف عقدي يحكم عليه بالحق أو الباطل أو بالإيمان أو الكفر، وليس خلافا فقهيا يحكم عليه بالصواب أو الخطأ.

إمكانية تداول السلطة: المراد بالسلطة في هذا الكلام الحكومة، بما لها من حقوق وما عليها من واجبات وتبعات، وهي بلا شك في كل الأنظمة سواء الإسلامية وغير الإسلامية لها شروط ومواصفات، ينبغي تحقيقها والتحلي بها، والمشكلة لا تكمن في تداول السلطة، فقد قال عمر رضي الله تعالى عنه الخليفة الثاني: إِنِّي إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَقَائِمٌ الْعَشِيَّةَ فِي النَّاسِ فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أُمُورَهُمْ..ثم قال عندما قدم المدينة: مَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُبَايَعُ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا"[34]، فعمر رضي الله تعالى عنه يبين أن البيعة أي تولية السلطة لمن يستحقها ويستجمع شرائطها لا تكون إلا بمشورة المسلمين، ويحذر الناس ممن يبايع من غير مشورة، ويبين أن هذا غصب لأمور الناس، ثم يبين أن من فعل ذلك فلا ينبغي مبايعته هو أو الذي بايعه، وقد قال ذلك في المدينة النبوية في خطبة الجمعة أمام الصحابة كلهم بمن فيهم من الفقهاء والعلماء، فلم يعترضه أو ينكر عليه أحد، فدل ذلك على أن هذا هو المعروف لديهم.
فليس من طرق التولية المشروعة القهر والإجبار أو التوريث وإنما الطريق المشروع يقوم على الاختيار ممن تحقق فيهم شروط الولاية

وعندنا من الواقع العملي أن السلطة تولاها بعد رسول الله r أبو بكر وهو من بني تيم ثم تولاها عمر وهو من بني عدي ثم تولاها عثمان وهو من بني العاص ثم تولاها علي وهو من بني هاشم رضي الله تعالى عن الجميع، فالسلطة انتقلت وتداولها المسلمون وفق الشروط والمواصفات التي دلت عليها الأحكام الشرعية، ولم يحتكرها أحد ويقصرها على نفسه أو ولده وقبيلته، لكن ليس من معنى تداول السلطة أن يُحدد وقت معين لولي الأمر يفقد بها صلاحيته لولاية الأمر حتى يجدد اختياره هو أو غيره من جديد، فالإمام ليس له وقت محدد تنتهي عنده صلاحيته فهو ليس مثلا طعام معلب يفقد صلاحيته بمرور وقت معين

والمشكلة الجوهرية مع أنصار الدولة المدنية في هذه المسألة تكمن في الشروط والمواصفات التي ينبغي توافرها فيمن يُولى الأمر، وليس في تداولها وانتقالها من شخص لآخر عند وجود مسوغات ذلك الانتقال، فهل من شروط الحاكم عندهم أن يكون مسلما، أم يجوز أن يكون كافرا شقيا ما دام أنه يتمتع بصفة المواطنة؟ وهل يشترط عندهم بعد أن يكون مسلما أن يكون صالحا تقيا أم يجوز أن يكون فاسقا عصيا لرب العالمين ؟ وهل يشترط عندهم أن يكون رجلا أم يجوز أن تكون امرأة؟

لكن أهمية الحديث عن تداول السلطة عند كثيرين تنبع من أن السلطة في عرفهم صارت مغنما من المغانم وليست مغرما، لذلك يطالبون بنصيبهم من هذا المغنم، ورضي الله تبارك وتعالى عن عمر عندما رفض أن يعهد بالأمر من بعده لابنه، وقال: لا أتحملها حيا وميتا، والتداول لا يمثل قيمة جوهرية في الفقه السياسي الإسلامي إذا كان تداولا من أجل التداول، وإنما القيمة الجوهرية تكمن في قدرة ولي الأمر على القيام بمهامه على الوجه الأحسن وأن يكون محافظا على المواصفات التي أهلته لهذا المنصب الجليل، فإذا كان ولي الأمر قائما بما يجب عليه، محققا للمقصود من نصبه من غير إخلال أو تقاعس عن القيام بمهامه وواجباته، محافظا على الشروط والمواصفات التي أهلته لتولي هذا المنصب، فليس هناك معنى معقول لإخراجه عن السلطة بزعم تداولها، وفي الجهة المقابلة فإنه متى تقاعس ولي الأمر عن القيام بواجباته، ولم يكن نصبه محققا للغرض المقصود منه أو أنه عري عن الشروط والمواصفات التي أهلته لتولي هذا المنصب فليس هناك معنى لبقائه في منصبه بحجة أن سني حكمه لم تنته، وإن الشريعة في هذه الحالة لا تأمر بالإبقاء عليه واستمراره في منصبه، بل إنه يوعظ وينصح ويوجه فإن استقام وإلا فالعزل طريقه

الاعتراف بالآخر: ما المراد بالاعتراف به؟ الاعتراف بوجوده، أم الاعتراف بحقوقه التي كفلتها له الشريعة، أم الاعتراف بواجباته التي أناطتها به الشريعة، أم الاعتراف بأنه على دين يخالف دين الإسلام، أم الاعتراف بأن له الحق في أن يدعو بين المسلمين إلى دينه، وأنه يحق له إقناعهم بالتحول إليه.

ونقول: الاعتراف بالموجود لا حاجة له، فنفس وجوده دليل عليه وهذا من البدهيات لا يحتاج إلى اعتراف، وأما الاعتراف بحقوقه وواجباته وفق الشريعة فلم يعارض في ذلك أحد ممن يؤخذ عنه العلم، ولا ينبغي أن يعارض في ذلك أحد، وأما الاعتراف بأنه على غير دين الإسلام فهذا من أساسيات الإسلام، فكل من لم يشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فهو على غير دين الإسلام، ما بقي إلا شيء واحد وهو أن يكون الاعتراف بالآخر يعني الاعتراف بحقه في أن يدعو المسلمين إلى دينه، أو أن يُمكنوا من بناء أماكن لعبادتهم[35] في أمصار المسلمين التي لم يكونوا بها من قبل، بل مصَّرها المسلمون، لكن نحن نسألكم هل هناك أدلة شرعية تدل على ذلك؟ وإذا لم تكن هناك أدلة تدل على ذلك، بل كانت الأدلة تدل على عكسه، كانت المطالبة به على أساس أنه من مواصفات الدولة المدنية، قدحا في تلك الدولة لأنها تقوم على مخالفة أحكام الشرع.

قبول الديمقراطية: الديمقراطية بما يقال فيها عن أن السيادة للشعب وأنه مصدر السلطات وسيادة القانون والانتخابات الدورية وتكوين الأحزاب السياسية تمثل اتجاها فلسفيا في النظرة إلى أسس النظام السياسي، وفي العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وليس مجرد آليات لتداول السلطة، والجانب الفلسفي للديمقراطية الذي يجعل السيادة للشعب وأنه مصدر السلطات بحيث لا يكون لشيء خارج الإنسان الحق في وضع أية قوانين يلتزم بها الانسان، هو تصور مناقض مناقضة صريحة لما دلت عليه الأحكام الشرعية من وجوب خضوع الناس وكل أحد لحكم الشريعة، وقبول الجانب الفلسفي للديمقراطية كأحد المكونات الفكرية للدولة المدنية يعني أن قيام الدولة المدنية لا يتأتى إلا عبر المخالفة لأحكام الشريعة العقدية والفقهية
من أن حوادث الأيام أثبتت أن الديمقراطية في تلك الدول التي تزعم ريادتها في هذا المجال مجرد شعار أجوف، فلقد شنت أمريكا الدولة الديمقراطية جدا ومعها بريطانيا الدولة الديمقراطية جدا أيضا، وبالتحالف مع عدة دول ديمقراطية جدا أيضا، حربا ظالمة على العراق بزعم وجود أسلحة دمار شامل في تلك البلد، ثم تبين بعد ذلك أن هذه الأخبار كانت ملفقة عن عمد قام بتلفيقها مسئولون في دول التحالف حتى إن وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول اعترف بذلك، فماذا كانت النتيجة هل اعترفت أمريكا وبريطانيا وذيولهم بالخطأ، وندموا على ما فعلوا وقدموا تعويضات لهذا الشعب، الذي قتل منه بسبب هذه الحرب الهمجية أكثر من مائتي ألف مواطن.

لقد اعترضت طوائف كثيرة من شعوبهم على تلك الحرب غير الأخلاقية فما أصغوا إليهم، ثم أين سيادة القانون التي يدعونها، وهم قد خالفوا القانون الدولي الذي يلزمون به الدول الأخرى، وذلك بالتدخل في شئون دولة مستقلة من غير تفويض من (المجتمع الدولي)! بذلك، والأغرب من ذلك أن الأمم المتحدة نفسها قامت على أساس غير ديمقراطي، حيث إن هناك خمسة دول كل دولة منهم تملك تعطيل أي قانون أو مشروع حتى لو وافقت عليه دول العالم كلها، فأين الديمقراطية في ذلك؟، أم إنها احتكار للقرار الدولي، فلو وضع صوت دولة من هذه الدول الخمسة في كفة وبقية العالم في كفة لرجحت كفة هذه الدولة، فما أشد هذا الظلم وأقساه على النفوس الأبية، وكم ذقنا من مرارته كثيرا، فها هم اليهود يعتدون على إخواننا الفلسطينيين ويقتلون منهم في سيناريو شبه يومي، فلو قدر أن ضمير العالم صحا لهذا الظلم الشنيع، وأخذ قرارا بالإدانة مجرد قرار لا يترتب عليه شيء في الواقع، وجدنا أمريكا تعترض عليه، بما لها من هذا الحق غير (الديمقراطي) فيصبح كأنه لا شيء.

الحفاظ على حقوق الإنسان: الناس لهم حقوق كثيرة كفلتها لهم الشريعة ينبغي أن يمكنوا منها، ولا يجوز لأحد أن يحول بينهم وبين حقوقهم التي منحها الله لهم، ولا يفعل ذلك إلا جبار عنيد، فالحقوق ممنوحة من الله تعالى لم تمنحها الطبيعة ولم يمنحها الحاكم، وفي هذا أعظم ***** لهذه الحقوق، ومن هذه الحقوق أن الكافر لا يكره على الدخول في دين الإسلام، بل يعرض عليه الإسلام فإن قبله ونطق الشهادتين دخل في الإسلام، وإن أبي وأصر على البقاء على دينه فلا يكره ولا يجبر على تغييره، وكل ما يطلب منه في هذه الحالة أن يفي بعقد الذمة الذي بينه وبين الدولة المسلمة ولا ينقضه، وهذا أمر مقرر، وكل ذلك لا خلاف عليه بيننا وبين من يقبل به سواء كان من أدعياء الدولة المدنية أم من غيرها.
لكن هل من الحقوق أنه يجوز للمسلم أن يغير دينه إلى اليهودية أو النصرانية أو إلى لا دين؟ هذا محل خلاف عميق بيننا وبين دعاة الدولة المدنية، هم يرون ذلك حقا له، وأنه لا حد في الردة، وأن المرتد هو الشخص الخارج على النظام فقط فهذا الذي يجب قتله، ومن غير كبير خوض في التفاصيل فإن كل مسألة من تلك المسائل قد يستغرق الكلام فيها حيزا كبيرا، فنقول: أنتم لستم أول المسلمين، ولا أنتم صحبتم رسول الله r وفقهتم عنه، كما أن الإسلام لم يكن معطلا قبلكم حتى جئتم أنتم تطبقونه، فخبرونا مَن مِن أهل العلم الذين يرجع إلى أقوالهم عند الخلاف، قال بهذا القول، فإذا لم تستطيعوا-ولن تستطيعوا- أن تثبتوا أن أحدا من أهل العلم بدين الله تعالى قد سبقكم بما تقولون، فقد أحدثتم في دين الله تعالى، وقد قال رسول الله r : "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ"[36] وهو حديث متفق عليه أخرجه الإمامان البخاري ومسلم وغيرهما من أهل الحديث وفي رواية: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ".

على أن هناك حادثتين تتعلقان بهذا الموضوع يحسن بنا إيرادهما تبين أن الكلام على حقوق الإنسان والدندنة حوله ليس في حقيقته أكثر من تمكين فئات الأقلية من التحكم في الأكثرية، تحت ضغط الدول المدنية الكبيرة وتأثيرها على متخذي القرارات في الدول الضعيفة، فقد حدث أن نسوة نصرانيات في مصر اهتدين إلى أن الإسلام هو دين الحق فأسلمن لله رب العالمين، لكن الكنيسة هاجت وماجت حتى سلمت الدولة هؤلاء النسوة إلى الكنيسة لتعتقلهن داخل الدير، وقد يضغطون عليهن هناك تحت ظروف الاعتقال القسري فيردونهن إلى الكفر مرة أخرى، ولم نسمع أي نكير من أي دولة مدنية كبيرة أو صغيرة على هذا الاعتداء الصارخ على حقوق الإنسان كما لم نسمع شيئا من الذين ملأوا الدنيا ضجيجا وصخبا عن حقوق الإنسان، وكأن هؤلاء النسوة لسن من سلالة إنسانية ومن ثم فلا حق لهن في اختيار الدين الذي يردن ولو قارنت هذا بما حدث من رجل أفغاني ارتد عن دين الإسلام حينما قدم للمحاكمة، كيف قام العالم النصراني كله يدافع عن حقه في اختيار الدين الذي يريده، وأن محاكمته على اختياره هو اعتداء على حقوق الإنسان، وضغطوا على حكومة ذلك البلد حتى خرج في أقل من ثمانية وأربعين ساعة من أمام المحكمة التي يحاكم بها، ليسافر معززا مكرما لاجئا إلى بلد نصراني، فلم يكن الحديث عن حقوق الإنسان في كثير من الأحيان سوى غطاء للاعتداء حقوق الإنسان المسلم
السماح بالحريات: الحرية مطلب تحرص عليه النفوس الأبية التي تأنف أن تكون ذليلة أو تابعة لبشر مثلها، ولا ينبغي أن يحجر على الإنسان ويمنع من حريته التي كفلتها له الشريعة، لقد كان الاختلاف المذهبي أحد أبرز مظاهر حرية الرأي عند المسلمين، فرغم أنه خلاف في فهم الدين والعمل، فإنه لا جبر على تغيير رأيه ولا إكراه على القبول برأي لا يرضاه الإنسان، ولكل إنسان الحق في الاحتفاظ برأيه والعمل به ما دام أن رأيه لا يصادم النصوص الشرعية ولا يخالف القواعد المرعية، ويحق للمسلم التمسك برأيه ولو كان في مواجهة رأي الخليفة، وهناك نماذج وأمثلة كثيرة حدثت في تاريخ المسلمين.

فالخلاف في الرأي والتصورات ظاهرة إنسانية لا يمكن نفيها ولا القضاء عليها، والخلاف ليس مقصورا على المسلمين فكل أصحاب المذاهب الأخرى يختلفون، ولكن بفارق مهم جدا وهو أن المسلمين لهم مرجع يرجعون إليه جميعا وهو أحكام الدين، يكون لهم ضابطا يعصمهم من تحول الخلاف في الرأي إلى افتراق وتشتت بين أفراد الأمة وانقسامها إلى طوائف وشيع وأحزاب، بعكس المذاهب الأخرى فليس لهم مرجع يرجعون إليه غير ما تهديهم إليه عقولهم وغير ما يظنون منفعته وفائدته، وهذا من شأنه أن يجعل الإنسان متقلبا لا يستقر على رأي أمدا طويلا، ضرورة محدودية علم الإنسان وقصور فهمه وجهله، فما كان حقا وصوابا عندهم اليوم قد يرونه غدا خطأ وضلالا[37]، لكن هل من حرية الرأي أن يعيب المسلم أو غير المسلم الدين ويقدح في الشريعة؟ فالمسلم مطالب بأن يعظم شعائر الله وأن يعظم حرمات الله فمخالفة ذلك ليس من حرية الرأي، بل من الخروج على الدين الذي ينبغي أن يحاسب عليه من فعله، وهل من الممكن تحت زعم عدم التضييق على الإبداع والمبدعين أن يترك لهم الحبل على الغارب فيعيثون في أخلاق الأمة وعقيدتها وشعائرها فسادا؟، وأما غير المسلم فلا يطالب بذلك مثل المسلم، فإن عدم إسلامه يعني طعنه في دين الإسلام، لكن لا يقبل منه إظهار ذلك بين المسلمين، والإعلان به، أو الدعوة إليه.

وهكذا لو ذهبنا نعدد كثيرا من تلك الأمور التي يعدونها من عناصر الدولة المدنية، فقد لا نجد اختلافا عند الكلام المجمل، ولكن المحك الحقيقي عند ذكر التفصيلات حيث يظهر الاختلاف، فمثلا مَنْ من الناس لا يريد العدل ولا يطالب به؟، لكن ما هو العدل ؟ هذا يختلف باختلاف كل أمة، فما يكون عدلا عندك قد يكون ظلما عند الآخرين، فأمريكا اليوم مثلا ترى من العدل والحق أن يقوم اليهود بضرب الفلسطينيين في غزة بالطائرات والمدافع من أجل فك أسر الجندي اليهودي المأسور، بينما ترى أن محاولة الفلسطينيين فك أسراهم من الظلم الذي ينبغي أن يعاقبوا عليه.
وبكلام مجمل: نقول لدعاة الدولة المدنية والمبشرين بها
-هل ما تذكرونه عن الدولة المدنية من حيث معناها وعناصرها، دل عليه ديننا وشريعتنا بأي نوع من الدلالات المعتبرة عند أهل العلم؟ فإن قلتم: نعم دل على ذلك، قلنا: أين هي النصوص التي تتحدث عن ذلك وما وجه دلالتها؟، وإن قلتم: لم تدل على ذلك النصوص وإنما دلت على خلافه، قلنا: لا حاجة لنا فيما يخالف شرعنا، وإن قلتم: إن النصوص لم تدل على اعتباره كما أنها لم تدل على إلغائه، فاجتهدنا نحن في ذلك من باب المصالح المرسلة، قلنا: لستم أنتم من أهل الاجتهاد، فليست لكم أية دراسات مقدرة في الشريعة، وكل علم له رجاله المتخصصون فيه، وهذه بدهية من بدهيات العلوم، ومن تكلم في غير فنه أتى بالأعاجيب، وإن قلتم: نحن لا يعنينا الاتفاق أو الاختلاف مع الأحكام الشرعية، والذي يهمنا هو ما نرى فيه المصلحة، قلنا: إذن فقد خلعتم بذلك ربقة الإسلام من أعناقكم

-أنتم في ظاهركم تقرون وتعترفون أن الله تعالى هو خالق هذا الكون العجيب بسماواته العظام، وأراضيه الشاسعة، وخالق الحياة كلها، والذي أحكم هذا الكون إحكاما يحار فيه أولو الألباب، مقرين بعلم الله تعالى وحكمته وعظمته، أفتستكثرون على الله تعالى أن ينزل على عباده ما يهديهم في شئون حياتهم، أم تظنون أن الله تعالى خلق الخلق ورزقهم من المال والبنين، ثم تركهم هملا يديرون حياتهم بغير هداية منه ورشاد، ألم يقل الله تعالى منكرا على من يريد أن يستقل ويضع بنفسه ما يحكم به مجتمعه [أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ] {المائدة:50}

- ما الذي يدعوكم للمطالبة بالدولة المدنية، وما الذي يحملكم على التضحية بدين الأمة، وما المكاسب التي ترونها في التمسك بالدولة المدنية، وهي ليست في الدين، وهل هناك ما يدعو إلى استخدام هذا الاسم المشتمل على قضايا مقبولة، وقضايا تتعارض مع الدين، ولماذا العدول عن اسم الدولة الإسلامية أو الشرعية أو الدينية، ما الذي تنقمونه من هذه التسمية، هل تشتمل على قضايا غير مقبولة؟، إن كانت هناك ممارسات غير مقبولة وقعت من بعض المسلمين أو حكامهم، فهل هي مقبولة إسلاميا؟ بمعنى آخر: هل هي من نواتج التمسك بالإسلام أو من نواتج البعد عنه والخروج عليه؟، وإذا كانت من نواتج البعد عنه والخروج عليه فلماذا تلصقونها به، وتحملونه ما هو منه بريء، وهل هناك أي دين أو فكر أو فلسفة لم يخالفها بعض أتباعها المؤمنين بها

-هناك من يحاول أن يبين أن الدولة المدنية هي دولة المؤسسات، وأنها لا تعارض الدين ولا تعاديه... إذا قلتم هذا فلماذا تأبون وصفها بدولة إسلامية أو شرعية أو دينية، ولماذا التركيز على أنها دولة مدنية، وهل كانت الدولة التي أقامها رسول الله r دولة مدنية أو دولة إسلامية، وكذلك الدولة التي أقامها خلفاؤه من بعده أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وهلم جرا

-هناك من يقول نريد دولة مدنية بمرجعية إسلامية، إن هذا القيد في حد ذاته يمثل اتهاما حقيقيا للدولة المدنية من قبل دعاتها، فإن هذا الكلام يبين أن المرجعية الدينية ليست من صفات الدولة المدنية ولا من خصائصها وأركانها، وإلا لما احتاج هذا المتكلم إلى إضافة ذلك القيد.

- والدولة المدنية لم تمنع السلطة من تفسير القانون حسب ما تهوى، واعتبر ذلك بما حدث من احتجاز أمريكا الدولة المدنية الكبرى لأكثر من أربعمائة مسلم في معتقل بخليج جوانتنامو مخالفة بذلك القانون الأمريكي والقانون الدولي واتفاقيات الأسري بجنيف، بل وصل الأمر أكثر من ذلك حيث التنصت على مكالمات الأمريكيين أنفسهم بدون سند قانوني وكل ما قدمته الإدارة من تفسير في ذلك أن الوضع خطير وأنه لا يمكن محاربة الإرهاب إلا بتلك الطريقة وهذه دعاوى لا يعجز أحد عن تقديمها فماذا فعلت الدولة المدنية إزاء ذلك؟

وأخيرا: إن المشكلة الحقيقية التي تحياها مجتمعاتنا لا تحل بمجرد إقرار لفظ أو نفيه، فهناك كثير من الدول العربية التي تقول عن نفسها إنها دولة مدنية ولم يخرجها ذلك عن حالة التخلف التي هي سمة لكثير من مثل هذه المجتمعات، إن المشكلة الحقيقية تكمن في انفصال العمل عن القول، وأن كثيرا من النخب الحاكمة تتعامل مع الحكم وكأنه تركة من حقها أن تفعل به ما تشاء، في ظل غياب رقابة شعبية ورسمية حقيقية قادرة على الفعل، ولو ولت النخب الحاكمة وجهها شطر شرع الله تعالى لأفلحت وأنجحت، ولقادت مجتمعاتها من حالات التخلف الراهنة في أغلب الميادين، إلى مدارج العلا، ائتوني على مدار التاريخ الإسلامي كله في البلاد التي حكمها الإسلام، بدولة تمسكت بالإسلام حقا، ثم لم تكن متقدمة على نظرائها في أغلب المجالات.

شبهات والجواب عنها:
----------

من الشبهات التي يعترض بها البعض أن القول بإسلامية الدولة يعني عدم إمكانية سؤال الحاكم أو محاسبته: فيقولون كون الدولة إسلامية أو شرعية أو دينية يمنع من نقد الحكام عند وقوعهم في الخطأ، ويجعلهم في مكانة عالية لا يقدر أحد على حسابهم، إذ كل ما يقولونه فهو تعبير عن الإرادة الإلهية، ونحن نقول لهم: أنتم تتحدثون عن دين غير دين الإسلام، وإلا فأتوا لنا بآية أو حديث يدل على هذا الزعم، أو يمكن أن يستفاد منه هذا الزعم، ثم هذا تاريخ المسلمين مَنْ مِن الحكام ادعى هذه المنزلة؟، ومَنْ مِن أهل العلم قال بشيء مثل ذلك؟، وأمامكم سير الخلفاء حيث كانت رعيتهم تنصحهم وتنتقد عليهم ما يرونه خطأ من تصرفاتهم، والأمثلة كثيرة وهي معلومة لكثير من الناس ومعلومة لكم أيضا، بل حتى في أشد المواقف حُلكة كان الناس يراجعون ولاة أمورهم أو يعترضون عليهم، فهذا أبو بكر رضي الله تعالى عنه عندما أراد قتال مانعي الزكاة، بعد وفاة الرسول r عارضه عمر، وقال: كيف تقاتل الناس ..الحديث[38]، فلم يمنعه أبو بكر من ذلك، ولم يقل له-كقول بعض البطالين-نحن في زمن حرب، ولا صوت يعلو على صوت المعركة، بل بَيَّن له بالدليل صواب موقفه، حتى اقتنع عمر رضي الله عنهما بذلك، وهذا عبد الله بن عمر يختلف مع خالد بن الوليد رضي الله عن الجميع وهو أميره في غزاة غزاها معه، ويمتنع من تنفيذ ما أمر به، لمخالفة خالد باجتهاده للسنة الصحيحة، فلما بلغ رسول الله r الأمر لم يعنف عبد الله على عدم طاعته لخالد، بل قال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين[39]، ولو قدر أن هناك أحدا من الولاة منع من ذلك لعد عند الناس ظالما مما يعني أن الثقافة الشعبية لا تقبل مثل هذا الادعاء.

ومن الشبهات أن الدولة الإسلامية أو الشرعية أو الدينية يترتب عليها ظلم المخالفين في الدين: وهذا مجرد ادعاء عار عن الدليل كما أن التاريخ والسيرة العملية التي درج عليها المسلمون في تعاملهم مع المقيمين بينهم من أهل الديانات المغايرة لدين الإسلام، تدحض ذلك، أما إذا كانت هناك حالات فردية يقع فيها بعض الناس في ذلك، فلا يسلم من ذلك أحد سواء في معاملته مع هو من أهل دينه أو مع من يختلف معه، وإنما الشأن أن يكون النظام العام هو الذي يشرع ذلك أو يقبله.
ومن الشبهات: أن يقال أن الدولة الإسلامية أو الدينية تحمل المخالفين على تغيير دينهم: وهذا أيضا ادعاء لا يعضده نصوص شرعية أو واقع تاريخي، والغريب أن هؤلاء الذين أهمهم هذا الأمر، لم يهمهم أمر الأمة كلها، فهم من اجل ألا يحمل المخالفون على تغيير دينهم بزعمهم، يطالبون الأمة كلها بأن تتخلى عن التمسك بدينها في السياسة والاقتصاد والقضاء والمعاملات، والرجوع في ذلك كله إلى عقول الناس وخبرتهم، وهذا من أغرب أنواع الظلم إذ بزعم العدل مع المقيمين من غير المسلمين في بلاد المسلمين، يُظلم المسلمون أنفسهم في بلادهم، وهل هناك ظلم أشد من أن يُحمل المسلمون على ترك الكثير من أمور دينهم

ومن الشبهات: أن يقال إن تعبير الدولة الدينية قد أسيء استخدامه في العصور المظلمة من تاريخ الغرب مع كنيسته، ولا نريد استخدام لفظ مُحمَّل بمثل هذه الدلالات، حتى لا نحمل أوزار أمور لسنا المسئولين عنها، ويقال: إن ما يذكر هنا ليس راجعا إلى اللفظ نفسه إنما راجع إلى سوء استغلاله، ولو ترك استعمال لفظ صحيح لا يحتمل أمورا خاطئة من أجل أن هناك من استعمله بطريقة خاطئة لم يكد يسلم لنا شيء، وهذا بعكس ما إذا كان الخطأ راجعا لاحتمال اللفظ نفسه أو لصلاحيته للدلالة على أكثر من معنى بعضها صواب وبعضها خطأ، فهذا الذي يمكن أن يقال فيه ذلك، على أنكم إذ أنكرتم هذا فقد وقعتم فيما تفرون منه، إذ إن لفظ الدولة المدنية لم يسلم من هذا الذي تذكرون، فإن أغلب حديث الناس عن الدولة المدنية أنها الدولة العلمانية، وبالتالي لا يصلح الانتقال إليه حتى لو قلتم لا نريد منه هذا المعنى، ولماذا لم تقولوا بالدولة الدينية وتقولون لا نريد منها المعنى الذي استقر في أذهان الغرب، أليس هذا أولى؟ أو تبحثوا عن مصطلح آخر يحقق ما تأملونه من خير من غير أن يكون حاملا لتلك الدلالات الفاسدة، فقد كان بإمكانكم أن تختاروا مثلا مصطلح الدولة الإسلامية، أو مصطلح الدولة الشرعية أو الدولة الراشدة، أو الصالحة، أو أي مصطلح لا يحمل البذور الفاسدة.

ومن الشبهات: أن حقوق المواطنة لا يمكن الحفاظ عليها إلا في ظل دولة لا تتخذ من الدين مرجعية لها، أي أن الدولة ينبغي أن تكون علمانية لا دينية وهي الدولة المدنية، أما المواطنة بمعنى الاعتراف لكل قاطن للدولة الإسلامية سواء كان من المسلمين أو كان من غيرهم بأنه مواطن فهذا لا ينازع فيه أحد، وكل واحد من مواطني الدولة الإسلامية له حقوق وعليه واجبات فكل إنسان له حق في العيش الكريم، وله حرمة سكنه وماله وعرضه، وله حق التكسب سواء عن طريق التجارة أو الصناعة أو الزراعة، وله الحق في أن يلقى معاملة عادلة لا ظلم فيها، وله حق التنقل والسكن في أي مكان يشاء، وله الحق في سرية مراسلاته، وله الحق في أن يبقى على دينه ولا يكره على تغييره، وله الحق في العبادة، وله الحق في أن يتناول ما يبيحه له دينه وإن كان محرما في شريعة الإسلام، وهذه الحقوق التي يعطاها المواطن غير المسلم في الدولة الإسلامية لا يعطاها كثير من المسلمين الصادقين في بلادهم التي يزعم قادتها أن دولتهم دولة مدنية، لكن هناك بعض الأمور التي يختلف فيها غير المسلم عن المسلم وهذا أمر لا غرابة فيه، ما دام إن هذا الاختلاف مقرر بالشرع الذي يؤمن به المسلمون، لكن الذي لا يمكن قبوله أن تختلف بعض أحكامهم انطلاقا من الهوى لا من الشرع، ومن أراد أن لا تختلف بعض أحكامهم المقرر اختلافها بالشرع، فهو شهادة منه على أن الالتزام بالدولة المدنية معناه مخالفة الشرع والخروج على أوامره.

وعندنا من النصوص الشرعية ما يحفظ حق هؤلاء بل يصير إيصال الحقوق لهم وعدم الانتقاص منها من الدين الذي ينبغي اتباعه، قال رسول الله r المبلغ عن ربه وحيه وأمره فيمن قتل ذميا بغير جرم: "مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا"[40] و عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله تعالى عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ :الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى مَا يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ"[41]، وقد قال المسلمون لعمر رضي الله تعالى عنه: " أَوْصِنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ أُوصِيكُمْ بِذِمَّةِ اللَّهِ فَإِنَّهُ ذِمَّةُ نَبِيِّكُمْ وَرِزْقُ عِيَالِكُمْ"[42]، وهذا عمر بعدما طعن وفي هذه الشدة وذلك الموقف العصيب لكن هذا لم يحل بينه وبين الوصاة بأهل الذمة، فقال أوصي الخليفة من بعدي: ".. وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ r أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ وَأَنْ لَا يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ"[43] ومر عمر بن الخطاب رضى الله عنه بباب قوم وعليه سائل يسأل : شيخ كبير ضرير البصر ، فضرب عضده من خلفه وقال: من أي أهل الكتاب أنت؟ قال: يهودي ، قال : فما ألجأك إلى ما أرى ؟ قال : أسأل الجزية والحاجة والسن ، قال : فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله فرضخ له بشيء من المنزل ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال : انظر هذا وضرباءه فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) والفقراء هم المسلمون ، وهذا من المساكين من أهل الكتاب ، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه"[44]، وفي عقد الذمة الذي عقده خالد لنصارى الحيرة: "وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات ، أو كان غنيا فافتقر ، وصار أهل دينه يتصدقون عليه ، طرحت جزيته ، وعيل من بيت مال المسلمين هو وعياله"

ومن الشبهات أيضا حيادية الدولة: حيث يرون أن الدولة المدنية دولة حيادية تجاه جميع الأديان في المجتمع، بينما الدولة الإسلامية لا تتمتع بهذا الحياد، نظرا أنها لا ترى دينا حقا سوى الإسلام وما عداه فهو باطل "إن مفهوم الدولة المدنية هو باختصار يعني حيادية الدولة التام تجاه الأديان، وهو ينهل أساساً من مفهوم حرية العقيدة الذي جاء به الإسلام أولاً"[45]،. "علمانية الدولة ببساطة شديدة هي أن تقف الدولة موقف الحياد من العقائد والمذاهب التي تدين بها مكونات شعبها، بمعنى ألا تكون في قراراتها وسياساتها وخططها وتعييناتها – بما في ذلك مناهجها التعليمية وسياساتها الإعلامية والثقافية - منطلقة من مذهب أو عقيدة أو مرجعية دينية معينة، وإن كانت عقيدة ومرجعية الأغلبية، لما في ذلك من تهميش لعقائد الآخرين وتمييز ضدهم وإخلال بمبادئ المساواة والعدالة والمواطنة، ومن هنا حرصت البلاد التي انتهجت الديمقراطية الليبرالية الحقة وأقامت الدولة المدنية الحديثة على عدم تضمين دساتيرها ما يفيد بديانة الدولة"[46] والحيادية تجاه الأديان تعني عدم ميل الدولة تجاه دين معين، وأنها تتعامل مع الجميع على قدم المساواة، فلا تمدح دينا أو تدعو إليه، ولا تذم دينا أو تهاجمه، وهذه الحيادية التي يتكلمون عنها غير موجودة في واقع الأمر في الحقيقية في أي بلد من البلدان، وعندنا فرنسا التي تعد على رأس الدول المدنية كيف منعت النساء المسلمات في فرنسا من ارتداء الحجاب، وهذه دولة الدنمارك وهي دولة مدنية كيف سخر رساموها من خير البرية r، ثم هي من منظور آخر تناقض الإسلام مناقضة تامة، حيث سوت بينه وبين الأديان المحرفة كالنصرانية واليهودية وغيرها، ومن أغرب الغرائب أن يعمد هؤلاء الكتاب إلى المطالبة بتهميش عقيدة الأغلبية حرصا على عدم تهميش عقيدة الآخرين، أي عقل منكوس هذا الذي يقرر مثل هذا الكلام، ثم هذه الحيادية المزعومة ليست حيادية لأنها فقط أقصت الدين، وانحازت إلى العقل والخبرة والتجارب، والإسلام وإن كان لا ينكر دور العقل الذي هو مناط التكليف وكذلك دور الخيرة والتجارب لكن ذلك لا يمكن أن يكون عوضا عن الإسلام نفسه، أو يعارض به، وأما أن الإسلام لا يكره أحدا على الدخول فيه فهذا حق، لكن هذا لا يعني أبدا حيادية الدولة الإسلامية تجاه الإسلام، فإن من أهم واجبات ولي الأمر المسلم التي نص عليها أهل العلم باتفاق هي إقامة دين الله تعالى وتحكيم الشريعة، وسياسة الدنيا بالدين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] طلال احمد سعيد الحوار المتمدن - العدد: 2231 - 2008 / 3 / 25
[2] مسفر بن صالح الوادعي نقلا عن جريدة اليوم السعودية مقال بعنوان: " لا تُثقرطوها ولا تُأقرطوها"
[3] مقدمة ابن خلدون169-170 ط دار الشعب
[4] الحضارة .. الثقافة ..المدنية دراسة لسيرة المصطلح ودلالة المفهوم /41
[5] د/محمد عابد الجابري جريدة الوطن الأحد 16/4/1427 العدد2053
[6] الكنيسة في الغرب تجاوزت حدوها حيث تسلطت على قلوب الناس، وكانت تعاملهم وكأنها هي الإله أو الرب، فتدخل في الرحمة من يطيعها، وتطرد من الرحمة من يتمرد على أوامرها، فكأنها المتصرفة في الجنة والنار تدخل من تشاء الجنة وتدخل من تشاء النار
[7] إدريس أبو الحسن عضو منظمة كتاب بلا حدود موقع مجلة العصر
[8] د/سليمان الضحيان جريدة الوطن الاثنين 24 من ربيع الآخر 1427هـ الموافق من22 مايو 2006م العدد (2061) السنة السادسة
[9] الإسلام وأصول الحكم علي عبد الرازق ص 90 الطبعة الأولى عام 1343هـ 1925 م
[10] وحيد عبد المجيد موقع جريدة الغد
91666 http://www.alghad.jo/?news =
[11] أبو العلا ماضي **** مؤسسي حزب الوسط مجلة الهلال بتاريخ 1/1/2005
[12] سامي اليامي موقع تنوير
http://www.kwtanweer.com/articles/re...?articleID=879
[13] أخرجه البخاري باب إتيان اليهود النبي رقم 3651
[14] وحيد عبد المجيد موقع جريدة الغد
91666 http://www.alghad.jo/?news=
[15] المرجع السابق
[16] المرجع السابق
[17] أبو العلا ماضي **** مؤسسي حزب الوسط مجلة الهلال بتاريخ 1/1/2005
[18] سامي اليامي موقع تنوير
http://www.kwtanweer.com/articles/re...?articleID=879
[19] العبادة في المفهوم الشرعي هي اسم جامع لكل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأفعال والتصرفات، لكن هؤلاء ظنوا أن العبادة هي فقط العبادات المعلومة كالصلاة والصوم ونحوهما، لذلك أقروا بها ولو علموا أن العبادة في المفهوم الشرعي تشمل حياة الإنسان كلها لما قالوا بذلك قال الله تعالى {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين} [الأنعام:162]
[20] مسفر بن صالح الوادعي موقع العربية بتاريخ الثلاثاء 30 مايو 2006م، 04 جمادى الأولى 1427 هـ
http://64.233.167.104/search?q=cacheالمصطلحات: redface.gifDa--ISKjssJ: www.alarabiya.net/Articles
[21] سامي اليامي موقع تنوير
http://www.kwtanweer.com/articles/re...?articleID=879
[22] د/عبد الله المدني موقع جريدة المؤتمر
http://www.inciraq.com/Al-Mutamar
[23] خالد يونس خالد موقع تنوير471
http://www.kwtanweer.com/articles/re....php?articleID
ورقة قدمها الكاتب إلى مؤتمر الدولة المدنية ضمن سلسلة مؤتمرات دعم الديمقراطية في العراق التي عُقدت في لندن خلال الفترة 24-31 يوليو/تموز 2005 والمنظمة من قبل لجنة دعم الديمقراطية
[24] سامح فوزي
http://www.islamonline.net/Arabic/po...rticle20.shtml
[25] عبد الله فراج الشريف ملحق الرسالة بجريدة المدينة السبت 6 من محرم 1424 هـ وهو منشور على موقع الشيخ سعد البريك
[26] عبد الله فراج الشريف ملحق الرسالة بجريدة المدينة السبت 6 من محرم 1424 هـ وهو منشور على موقع الشيخ سعد البريك
[27] تفسير ابن كثير 1/373
[28] تفسير القرطبي 2/57
[29] د/يوسف القرضاوي موقع الملتقى، وما ذكره من تفاصيل الحكم في الإسلام لا يُنازع فيه، لكن من الذي قال إن الدولة التي عرفها المسلمون في تاريخهم كانت دولة مدنية، وهم لم يسمعوا بهذا المصطلح ولا عرفوه؟
[30] الشيخ سعد البريك، على موقع الشيخ
[31] د/عبد الله الصبيح من مقال على موقع الإسلام اليوم، وانظر جريدة الوطن بتاريخ 25/4/1427 العدد 2062
[32] يقصد بالسلطات الثلاث السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية
[33] عبد الله فراج الشريف ملحق الرسالة بجريدة المدينة السبت 6 من محرم 1424 هـ وهو منشور على موقع الشيخ سعد البريك
[34] أخرجه البخاري رقم 6328
[35] الكتابي الموجود في دار الإسلام التي مصرها المسلمون وإن كان لا يجوز له بناء أماكن ظاهرة لعبادتهم ، لكنهم لا يمنعون من أداء عبادتهم في بيوتهم، ولا يعاقبون على ذلك ولا يتعرض لهم، ومن فعل ذلك فهو ظالم لهم
[36] أخرجه البخاري رقم 2697ومسلم رقم 1718
[37] ولا يحتج أحد بوجود خلافات في داخل الصف الإسلامي، كما هو الشأن في وجود الفرق المعروفة، فلولا هذا الذي ذكرته من وجود المرجع الضابط الذي يرجع إليه المسلمون لم تكن تلك الفرق فرقا، والخلاف في هذه الحالة من قبيل الخلاف المذموم الذي ينبغي تركه والسعي في إزالته
[38] أخرجه البخاري رقم 1399 ومسلم رقم 32
[39] أخرجه البخاري رقم 4339
[40] أخرجه البخاري رقم 6403
[41] ابن ماجه 1614 وصححه الألباني
[42] أخرجه البخاري رقم 2927
[43] أخرجه البخاري رقم 1305
[44] سماحة الإسلام في معاملة غير المسلمين د/عبد الله بن إبراهيم اللحيدان وعزاه إلى الخراج لأبي يوسف ص126
[45] يوسف أبا الخيل جريدة الرياض الأربعاء 11 جمادى الأولى 1427هـ - 7 يونيو 2006م - العدد 13862
[46] د/عبد الله المدني موقع جريدة المؤتمر
http://www.inciraq.com/Al-Mutamar



ــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الأدوية, المصطلحات:, الحيوية, الدولة, إشكالية, والدولة


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع إشكالية المصطلحات: الدولة الدينية والدولة المدنية
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
"العمل الاسلامي": نتحفظ على مفهوم "الدولة المدنية" Eng.Jordan الأردن اليوم 0 01-08-2017 10:40 AM
الورقة الملكية النقاشية السادسة، بعنوان 'سيادة القانون أساس الدولة المدنية'. Eng.Jordan الأردن اليوم 1 10-16-2016 08:46 AM
شركات الأدوية تخوض معارك قضائية بسبب البدائل الحيوية Eng.Jordan أخبار اقتصادية 0 10-04-2016 12:14 PM
ملحق المصطلحات المحاسبية Eng.Jordan بحوث ومراجع في الإدارة والإقتصاد 0 01-29-2012 10:36 PM
قاموس المصطلحات الهندسية احمد ادريس المكتبة الهندسية 0 01-20-2012 06:55 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 12:59 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59