#22
|
||||
|
||||
و فيما يخص ما رُوي من أنه –أي محمد بن أبي بكر- ضرب عثمان عندما دخل عليه ، فقد عثرتُ على روايتين صرّحتا بذلك ، فقالتا أنه لما دخل عليه و شدّه من لحيته ثم تركه ، أخذ مشقصا و ضربه به على رأسه[1] . لكنهما- أي الروايتان- لا يصحان ، لضعف إسناديهما[2] ، و مخالفتهما للروايات السابقة الذكر . و مع ذلك فيوجد ما يُشير إلى أنه عندما ترك عثمان لم ينصرف عنه دون تحريض ، فقد روى ابن أبي بكر الهيثمي[3] أن محمدا عندما ترك عثمان استدعى رجلا ممن كانوا معه ، فأخذ الرجل مشقصا و ضرب به رأس عثمان[4] .
و بذلك يتبين لنا أن ما قاله ابن كثير في تبرئة محمد بن أبي بكر من قتل عثمان بيده هو قول صحيح ، ، لكن ذلك لا يعني أنه لم يشارك في التحريض و الإعانة على قتله ، فذلك صحيح و ثابت في حقه . و أما السادس –أي كنانة بن بشر التجيبي- فقد عثرتُ على أربع روايات ذكرت أنه هو الذي قتل عثمان[5] . لكنها هي الأخرى لا تصح ، لأنها ضعيفة الأسانيد[6] ،و تخالفها روايات سبق ذكرها ،و أخرى تأتي قريبا . و السابع – أي محمد بن أبي حذيفة- لا يُعرف أنه جاء مع رؤوس الفتنة إلى المدينة ، و لا شارك في قتل عثمان، إلا أن الحافظ ابن عساكر روى أن محمد بن أبي حذيفة ،و كنانة بن بشر ضربا عثمان بسيفيهما فقتلاه ،و هو يقرأ في المصحف ، فسقطت قطرة من دمه على قوله تعالى : (( فسيكفيكَهُمُ الله ))[7]-سورة البقرة/137- . لكن هذا الخبر لا يصح ، لأن إسناده ضعيف[8]، و تخالفه الروايات الصحيحة و الضعيفة التي ذكرناها آنفا، و ترده أخبار أخرى صحيحة ذكرت أن محمد بن أبي حذيفة بقي بمصر ،و استولى على الحكم بها عندما غادرها عبد الله بن سعد بن أبي سرح متوجها إلى عثمان[9]. و آخرهم –أي جبلة بن الأيهم[10]- الراجح أنه هو قاتل عثمان ، فقد عثرتُ على أربع روايات صحيحة الأسانيد[11]، رواها كِنانة مولى صفية أم المؤمنين-رضي الله عنها- و مفادها أن كنانة قال أنه رأى قاتل عثمان ،و هو من أهل مصر يُقال له جبلة بن الأيهم ، قتله و خرج يصيح و يقول : أنا قاتل نعثل[12]-أي عثمان- . لكن ذلك لا يعني أن رؤوس الفتنة الآخرين أبرياء ، و إنما المقصود أن جبلة بن الأيهم هو الذي قتله بيده، و الباقون شاركوا في قتله بالتحريض،و الإعانة و الضرب . و إذا كان هؤلاء يتحملون وزر قتل الخليفة الشهيد ذي النورين عثمان بن عفان ، فهل كانت للصحابة مشاركة في قتله ؟ . رابعا : هل شارك الصحابة في قتل عثمان ؟ : زعمت بعض الروايات أن الصحابة بالمدينة هم الذين حرّضوا رؤوس الفتنة على الثورة على عثمان ،و كاتبوهم بالقدوم إليه لقتله ،و أنهم شجّعوهم على ذلك ،و رضوا بقتله . فهل هذا الزعم صحيح ؟ . أولا هذا زعم باطل ، لأن الروايات[13] التي زعمت ذلك أسانيدها ضعيفة، و تخالفها روايات أخرى صحيحة الأسانيد[14] . أولها –أي الضعيفة- ما ورد في كتاب الإمامة و السياسة[15] من أن رؤوس الفتنة عندما رجعوا إلى المدينة ثانية ، اخرجوا كتابا للصحابة نسبوه إليهم ، فحواه أنهم هم الذين كتبوه و أرسلوه إليهم يطلبون منهم المجيء إلى المدينة ليُخلّصونهم من عثمان الذي ظلم و بدّل السنة ،و افسد الدين و الدنيا[16] .و هذه الرواية غير صحيحة ، لأن راويها ذكرها بلا إسناد ،و هذا وحده كاف لردها كلية ، لأنها فقدت شرطا أساسيا من شروط صحة الخبر و تحقيقه ، و من ثم فهي تصبح مجرد دعوى فارغة ، و الدعوى لا يعجز عنها أحد ،و هي رأس مال المفاليسن علميا . [1] ابن سعد: الطبقات، ج3 ص: 73-74 . و الطبري: التاري× ج 2ص: 177 . [2] رواهما محمد بن عمر الواقدي ، و هو ضعيف كذاب. الذهبي: الميزان، ج3 ص: 194.و ابن الجوزي: الضعفاء، ج 3 ص : 87 . [3] خبره مقبول ، لأن رجاله ثقات ما عدا وثاب، و هو معروف دون أن يُذكر فيه جرحا و لا تعديلا . الهيثمي: المصدر السابق، ج 7 ص: 231.و ابن أبي حاتم : الجرح و التعديل ، ج 9 ص: 48 . [4] الهيثمي: نفسه ج 7 ص: 231 . [5] ابن حجر: الإصابة، ج 5 ص: 654 .و الطبري: التاريخ، ج 2 ص:177 . [6] الأولى رواها ابن حجر بلا إسناد ، و الثلاث الباقية في كل منها محمد بن عمر الواقدي، و هو ضعيف متروك ، متهم بالكذب. [7] ابن عساكر: المصدر السابق، 39 ص: 408 . [8] من رجاله : محمد بن هشام المستملي،و الحسين بن عبد الله العجلي، لم أعثر عليهما في كتب الجرح و التعديل، و قال الهيثمي عن الأول ، أنه لم يجد من ذكره ، ( مجمع الزوائد، ج 1 ص: 324 ) فهما إذن مجهولان . [9] هذه الروايات سبق ذكرها في مبحث الكتاب المزور من هذا الفصل . [10] يُوجد رجلان مشهوران بهذا الاسم ، الأول غساني دخل في الإسلام ثم ارتد عنه زمن عمر بن الخطاب، و الثاني مصري، و هو الذي نتكلم عنه في بحثنا هذا . ابن سعد : الطبقات، ج 1 ص: 265 [11] الأولى رواها ابن سعد و رجالها : احمد بن عبد الله بن يونس ،و زهير بن معاوية، و كنانة مولى صفية، و هؤلاء ثقات . ( انظر: ابن أبي حاتم: الجرح و التعديل، ج 2 ص: 75.و ابن حبان : الثقات ، ج5 ص: 339 .و العجلوني: معرفة الثقات، ج2ص: 228 .و ابن حجر: النقريب، ج 1 ص: 462 ) ز الثاني رواها إسحاق بن راهويه ، و ذكر المحقق أنها مقبولة ( مسند إسحاق بن راهويه، ق: 4-5 ، ج 1ص: 262) و الثالثة رواها ابن عبد البر، و رجالها : أسد بن موسى الأموي،و محمد بن طلحة بن مصرف،و كنانة مولى صفية ، و هؤلاء ثقات . ( الذهبي: ج10ص: 162، 163 .و العجلوني: معرفة الثقات، ج2 ص: 241 ) و الرابعة ، رواها الحاكم : المستدرك ، ج 3 ص: 114 ) ، و هي نفسها التي ذكرناها في الرواية الثالثة . [12] هو لقب أطلقه الأشرار على عثمان بن عفان، لأنهم شبهوه برجل مصري طويل اللحية يسمى نعثلا ، و النعثل هو ذكر الضباع . الذهبي: الخلفاء الراشدون ، ص: 257 . [13] التي عثرتُ عليها . [14] سيأتي ذكرها قريبا إن شاء الله . [15] هذا الكتاب منسوب لابن قتيبة (ت 276ه) ،و نسبته إليه غير ثابتة ،و الراجح أنه مكذوب عليه ، و ليس هنا مجال هذا الكتاب منسوب لابن قتيبة (ت 276ه) ،و نسبته إليه غير ثابتة ،و الراجح أنه مكذوب عليه ، و ليس هنا مجال إثبات ذلك . [16] الإمامة و السياسة ، ج 1 ص: 52-53 .
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201) |
#23
|
||||
|
||||
و لأنها أيضا هي نموذج للكتب المزوّرة التي زوّرها رؤوس الفتنة على الصحابة ، و قد سبق و أن أثبتنا بالأخبار الصحيحة أن هؤلاء زوّروا كتبا على الصحابة[1] . و لأنها أيضا أن الذي رواها في كتاب الإمامة مجهول أو مشكوك فيه ، لأن هذا الكتاب غير ثابت النسبة لابن قتيبة (ت276ه) ، و مليء بالأخطاء ، لذا فالراجح أن مؤلفه مجهول مغرض كذاب[2] ، و كتاب هذه حالته لا يُوثق فيه .
و الرواية الثانية مفادها أن الصحابة خذلوا عثمان بن عفان عندما حاصره الأشرار ، و لم يُدافعوا عنه ، فلما قُتل ندموا على فعلهم ، ظنا منهم أن الأمر لا يبلغ إلى قتله[3]. و هذه الرواية إسنادها ضعيف ، لأن من رجالها : محمد بن عمر الواقدي ، و هو ضعيف متروك كذاب[4] . و أما متنها فهو الآخر ترده روايات صحيحة تثبت دفاع الصحابة عن عثمان ،و عدم تواطئهم مع الأشرار[5] . و الثالثة ما رواه المؤرخ اليعقوبي من أن طلحة و الزبير و عائشة هم أكثر الصحابة تأليبا على عثمان[6] . و خبره هذا مردود عليه، لأنه رواه بلا إسناد ، و من ثم فهو مجرد زعم ،و الزعم لا يعجز عنه أحد ، و اليعقوبي نفسه غير ثقة ، فهو معروف بأنه شيعي متعصب ، ملأ كتابه بالأكاذيب و الأباطيل و الخرافات[7] . و الرواية الرابعة مفادها أنه في سنه 34 هجرية تكاتب الصحابة فيما بينهم أن أقدموا إلى المدينة إن كنتم تريدون الجهاد ، فالجهاد عندنا –أي في عثمان- ، فكان الناس يطعنون في عثمان و ينالون منه ،و الصحابة يسمعون ذلك و لا يُنكرونه ، و لا يذبون عنه ، إلا قلة قليلة منهم ، كزيد بن ثابت ،و كعب بن مالك[8] . و هذه الرواية هي كالروايات السابقة ، إسنادها لا يصح ، لأن فيه محمد بن عمر الواقدي ،و هو متروك ، كذاب ، يمارس التقية[9] . و متنها ترده أخبار صحيحة يأتي ذكرا قريبا . و الخامسة مفادها أن الصحابة بالمدينة لما رأوا ما أحدث عثمان كتبوا إلى الصحابة الذين بالأمصار ، أن تعالوا إلى الجهاد في المدينة ، لتقيموا دين الإسلام ، فعادوا و قتلوا عثمان ، ثم تزعم الرواية أن عثمان قبل أن يُقتل أرسل إلى واليه بمصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح كتابا يأمره بمعاقبة وفد مصر القادم إليه ، لكن الكتاب اكتشف و عادوا إليه ناقمين[10] . و هذا الخبر هو أيضا لا يصح ، فإسناده فيه : محمد بن إسحاق بن يسار ، و هو متهم بالكذب و يُدلّس ، قال عنه الدارقطني لا يُحتج به ،و ضعّفه يحيى بن معين ،و وثّقه مرة أخرى[11] . و متنه مُنكر ، لأنه سبق و أن أثبتنا أن الذي زوّر الكتاب الذي أظهره الأشرار ، ليس عثمان ،و لا كاتبه مروان ، و إنما الأشرار هم الذين زوّروه[12] ،و قد أثبتنا سابقا أن الذين قتلوا عثمان هم أهل مصر ،و أن جبلة بن الأيهم هو الذي قتله بيده . كما أن هذا الخبر فيه تناقض صارخ ، فهو يزعم أن الصحابة قدموا من الأمصار و قتلوا عثمان ، ثم هو من جهة أخرى يقول أن وفد مصر حصر المدينة ثم رجع إلى بلده ، و في الطريق عثروا على الكتاب فرجعوا إلى عثمان غاضبين عليه . و هذا يعني أنهم هم الذين قتلوا عثمان ، و ليس الصحابة ، فهذا تناقض صارخ يدل على تلاعب الكذابين بهذا الخبر . و الرواية السادسة مفادها أن الأشرار لما حاصروا عثمان ، حرّضهم الصحابة على منع الطعام و الشراب عنه[13] .و هذا الخبر هو من أباطيل مؤلف كتاب الإمامة و السياسة المجهول ، فقد رواه بلا إسناد[14] ، و من ثم فهو مردو عليه ، و متنه هو الآخر مُنكر ترده أخبار صحيحة في دفاع الصحابة على عثمان ، سنذكرها قريبا إن شاء الله تعالى . و الأخيرة – أي السابعة- مفادها أن الصحابي عمار بن ياسر-رضي الله عنه –أيد قتل عثمان ، عندما جاء التابعي مسروق إلى الأشتر النخعي و قال له عن عثمان : قتلتموه صواما قواما ، فاتصل الأشتر بعمار و أخبره بالأمر ، فقال عمار : إن عثمان جلدني،و سيّر أبا ذر الغفاري ،و حمى الحمى ، لذا قتلناه ، فقال له مسروق : فو الله ما فعلتم واحدة من اثنين ، ما عاقبتم بمثل ما عُوقبتم به ،و ما صبرتم ، فهو خير للصابرين ، فسكت عمار و الأشتر ، و كأنهما أُلقما حجرا[15]. و هذا الخبر هو الآخر لا يصح ، لأن في إسناده : الحسن بن أبي جعفر الجفري،و مجالد بن سعيد ، و هما ضعيفان[16] . و متنه فيه ما يدل على تحريفه و تلاعب الرواة به ، و ذلك أنه زعم أن عمار بن ياسر قال أن عثمان سيّر أبا ذر الغفاري –أي أخرجه من المدينة - و هذا زعم باطل لأنه صحّ الخبر أن أبا ذر –رضي الله عنه- هو الذي اختار اعتزال الناس و الخروج إلى الربّذة بضواحي المدينة،و لم يُكرهه عثمان على ذلك[17] . [1] انظر المبحث الثاني من هذا الفصل . [2] ليس هنا مجال إثبات ذلك ، لكن من يطالعه سيدرك ذلك بسهولة ،و قد أنجزت بحثا حوله –لم يُنشر بعد- تبين لي من خلاله أن الكتاب ليس من لابن قتيبة ، و إنما هو كتاب لمؤلف مجهول مغرض له ميول شيعية . [3] ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج 31 ص: 360 . [4] سبق تجريحه . [5] سيأتي ذكرها قريبا . [6] تاريخ اليعقوبي، ج2 ص: 123 . [7] من ذلك الرواية التي ذكرناها . [8] الطبري: المصدر السابق، ج 2 ص: 644 . [9] ابن الجوزي: الضعفاء، ج 3 ص: 87 .و الذهبي: الميزان ، ج3 ص: 184 .و ابن النديم : الفهرست ،بيروت ، دار المعرفة، 1978، ج1 ص: 144 . [10] الطبري: المصدر السابق ، ج2 ص: 662 . [11] السيوطي : طبقات الحفاظ ، ط1 ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1403 ،ج 3 ص: 81 . [12] انظر المبحث الثاني من الفصل الثاني . [13] الإمامة و السياسة ، ج 1 ص: 57 . [14] لم يذكر لكل خبر إسناده ، و إنما اكتفى في الغالب الأعم ذكر بذكر راويين زعم أنه حدث عنهما ، و هما : ابن أبي مريم ،و سعيد بن عفير ، و كان يُكرر : قال : و ذكروا .. . أنظر : الإمامة و السياسة ، موفم للنش ، الجزائر ، 1989، ج 1 : 5، 81، 84، 85 .و هذه طريقة يرفضها علم الجرح و التعديل ، هذا فضلا على أن مؤلف الكتاب مجهول ، مما يعني أن أخبار كتاب الإمامة و السياسة ، ليس لها أسانيد صحيحة . [15] الهيثمي: مجمع الزوائد، ج 9 ص: 94-95 . و الطبراني: المعجم الكبير ، ج 1 ص: 81 . [16] الذهبي: الميزان ، ج 6 ص: 63.و ابن الجوزي: الضعفاء، ج3 ص: 35 .و الهيثمي: مجمع الزوائد، ج9 ص: 94-95 . [17] أنظر: البخاري: الصحيح ، حققه ديب البغا، ط3 بيروت ، دار ابن كثير، 1987، ج2 ص: 509 . و ابن سعد : الطبقات ، ج 4 ص: 226 .و الذهبي: السيّر ، ج 2 ص: 60، 67 .
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201) |
#24
|
||||
|
||||
و ثانيا أن مما يُبطل دعوى مشاركة الصحابة في قتل عثمان و رضاهم بقتله ، أنه توجد أخبار صحيحة[1] تنفي ذلك الزعم ، أولها أنه صحّ الخبر أن عائشة أم المؤمنين ،- رضي الله عنها- أنكرت قتل عثمان ،و نفت أية مشاركة لها في قتله ،و أنكرت أيضا أن تكون أرسلت كتبا إلى الأشرار ليثوروا على عثمان و يقتلونه ،و قد تبيّن أن رؤوس الفتنة هم الذين زوّروا تلك الكتب و نسبوها للصحابة[2] .
و ثانيها أن عائشة لما سُئلت عمن قتل عثمان بن عفان ، قالت ، : (( قُتل مظلوما ، لعن الله من قتله ))[3]. و ثالثها أنه صحت الروايات عن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- أنه أنكر قتل عثمان ، و نفى أن يكون له أي دور في قتله ، من ذلك أنه قال يوم مقتل عثمان : (( اللهم لم أقتل و لم أمال ))[4] . و كان هو و عائشة يلعنان[5] قتلة عثمان[6] . و قد صح! الخبر[7] أنه قال : (( و الله ما قتلت عثمان ،و لا أمرتُ بقتله ،و لكن غُلبت )) . و رابعها أنه صحّت الرواية[8] عن عبد الله بن عباس- رضي الله عنه- أنه كان ينهي عن قتل عثمان ،و يُعظم شأنه[9] . و الرواية الخامسة أنه صح الخبر[10] أن الصحابي عبد الله بن سلام- رضي الله عنه- كان ينهي الأشرار عن قتل عثمان،و يقول لهم : لا تقتلوا عثمان ، فو الله لئن قتلتموه لا تصلوا جميعا أبدا ))[11] . و عندما قتلوه قال لهم[12] : (( يا أهل مصر ، يا قتلة عثمان قتلتم أمير المؤمنين ، أما و الله لا يزال عهد متلوف، و دم مسفوح ))[13] . و الرواية السادسة[14] مفادها أن لما حوصر عثمان في داره كان معه 700 شخص ليدافعوا عنه ، كان من بينهم كثير من الصحابة و أبنائهم ، كعبد الله بن عمر،و الحسن بن علي ،و عبد الله بن الزبير ، لكن عثمان أمرهم بعدم القتال[15] . و السابعة –صححها المحقق- مفادها أنه لما حوصر عثمان بن عفان أرسل الأنصار الصحابي زيد بن ثابت –رضي الله عنه- إلى عثمان يُخبروه أنهم مستعدون للدفاع عنه بالسيف ، فأبى عثمان القتال من أجله[16] . و الرواية الثامنة[17] مفادها أن صفية أم المؤمنين –رضي الله عنها- خرجت لترد عن عثمان ، فلقيها الأشتر النخعي فضرب وجه بغلتها حتى مالت ، فقالت صفية لمولاها كِنانة : (( ردوني لا يفضحني هذا الكلب )) ، فلما رجعت وضعت خشبا بين منزلها و منزل عثمان ليُنقل عليه الطعام و الشراب ))[18] , فموقفها هذا مثال رائع لدفاع بعض أمهات المؤمنين عن الخليفة الشهيد عثمان بن عفان . و آخرها – أي السابعة – أنه ثبت مما سبق ذكره أن الذين ألبوا على عثمان ، و ثاروا عليه و قتلوه ، هم رؤوس الفتنة و أتباعهم ،و ليس الصحابة رضي الله عنهم . و الدليل الأول و القوي على عدم مشاركة الصحابة من السابقين الأولين من المهاجرين و الأنصار ، أنه قد صح الحديث عن رسول الله-عليه الصلاة و السلام –أنه قال لعثمان : (( يا عثمان إن الله مُقمصك قميصا ، فإن أرادك المنافقون على أن تخلعه فلا تخلعه ))[19] . فهذا الحديث الشريف نص على أن الذين ثاروا على عثمان و قتلوه هم منافقون . و الصحابة الذين ذكرناهم ليسوا منافقين بشهادة القرآن الكريم فهم الذين قال الله تعالى فيهم : ((-{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} - سورة التوبة/100- فهؤلاء الصحابة كلهم كانوا مؤمنين مشهود لهم بالإيمان ،و ليسوا من المنافقين ، و من ثم فليسوا هم الذين ثاروا على عثمان ،و لا هم الذين قتلوه ، لأن الذين فعلوا ذلك نص الحديث على أنهم من المنافقين . [1] هذا فضلا على أن الروايات التي زعمت مشاركة الصحابة في قتل عثمان قد ناقشناها و أثبتنا بطلانها . [2] انظر المبحث الثاني من الفصل الثاني . [3] هذا الخبر صحيح الإسناد ، على ما ذكره الهيثمي . مجمع الزوائد ، ج 9 ص: 97 . [4] الخلال : السنة، ج 2 ص: 328 . [5] الخبر صحيح ، و رجاله : عبد الله بن أحمد بن حنبل ، و أبوه أحمد ، و محمد بن الحنفية ،و أبو معاوية ، الضرير، و أبو مالك الأشجعي، و سالم بن أبي الجعد ، و الثلاثة الأوائل ، ثقات ،و الباقون هم أيضا ثقات . انظر : الذهبي: السيّر، ج3 ص: 249، ج6 ص: 184، 249، ج5 ص: 108 . [6] عبد الله بن أحمد : فضائل الصحابة ، ج1 ص: 455 . [7] رجاله هم : عبد الرزاق بن همام ،و معمر بن راشد، و عبد الله بن طاوس ، و أبوه طاوس، الأولان ثقتان مشهوران ،و الأخيران هم أيضا ثقتان . انظر: ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج 5 ص: 234 . و التقريب ، ج 1 ص: 281 . [8] الخبر صحيح على ما قاله محقق تاب السنة للخلال ، ج 2 ص: 329 . [9] نفسه ج 2 ص: 329 . [10] صححه محقق كتاب السنة للخلال ، ج2 ص: 335 . [11] نفسه ، ج 2 ص: 335 . [12] الخبر صححه الهيثمي. مجمع الزوائد ، ج9 ص: 93 . [13] الهيثمي : مجمع الزوائد ، ج 9 ص: 93 . [14] صحيحة حسب المحقق . الخلال : نفس المصدر السابق، ج 2 ص: 334 . [15] نفسه ، ج2 ص: 334 . [16] نفسه ، ج2 ص: 333 . [17] صحيحة الإسناد ،و رجالها : علي بن الجعد،و زهير بن معاوية، و كنانة مولى صفية ؛ و هؤلاء ثقات . انظر: ابن حجر: التقريب، ج 1ص: 398.و الذهبي: تذكرة الحفاظ، ج 20 ص: 342 .و العجلوني: معرفة الثقات ، ج 2 ص: 228 . [18] علي بن الجعد : مسند ابن الجعد ، ج1 ص: 390 . [19] أحمد بن حنبل : المسند ، ج 6 ص: 86 ، 149 . و أبو بكر الخلال : السنة ، ج 2 ص: 321 ، و 326 . و ابن ماجة : السنن ، ج 1 ص: 41 . و الألباني : الجامع الصغير ، المكتب الإسلامي ، بيروت، ج 1 ص: 1391 .
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201) |
#25
|
||||
|
||||
لكن إحقاقا للحق أقول : إن قلة قليلة من الصحابة المغمورين رُوي-أقول رُوي- أنهم شاركوا في التأليب على عثمان و قتله ، و هم : زيد بن صوحان، و حندب بن زهير، و عبد الله بن بديل بن ورقاء، و عبد الرحمن بن عديس ،و عمرو بن الحمق، الثلاثة الأولون اُختلف فيهم و لم تثبت صحبتهم[1] , و الاثنان الأخيران ثبتت صحبتهما ، فعبد الرحمن بن عديس رُوي أنه شهد بيعة الشجرة ، و كان على رأس وفد مصر ،و شارك في حصار عثمان .و عمرو بن الحمق يُروى أنه أسلم في حجة الوداع[2] ،و كان من بين الأربعة الذين تسوّروا على عثمان داره و شارك في قتله ، لكن هذا لم يثبت ، فقد عثرتُ على أربع روايات أشارت لذلك لم تصح أسانيدها ، فالأولى ذكرها ابن سعد ،و قال فيها أن عمرو بن الحمق كان من بين الذين أعانوا على قتل عثمان[3]، دون أن يذكر لها إسنادا .
و الثانية رواها ابن عبد البر، أشار فيها إلى أن عمرو بن الحمق كان من بين الأربعة الذين دخلوا على عثمان[4] ، دون أن يذكر لها إسنادا .و الثالثة رواها ابن سعد ، و فيها أن عمرو بن الحمق دخل الدار و طعن عثمان بعدة طعنات[5] . لكن إسنادها لا يصح ، لأن من رجاله : محمد بن عمر الواقدي، و هو معروف بأنه متروك ضعيف، كذاب يمارس التقية[6] . و الأخيرة –أي الرابعة- رواها الطبري ،و فيها أن عمرو بن الحمق، كان من بين الذين دخلوا على عثمان ،و طعنه عدة طعنات[7] . و هي الأخرى إسنادها لا يصح ، لأن من رجاله محمد بن عمر ، و قد تقدم ذكر حاله . و بذلك يتبين لنا أن الصحابة الذين من الراجح أنهم شاركوا في التأليب على عثمان هما اثنان مغموران ؛ شاركا في التحريض عليه و لم يقتلاه ، و هما ليسا من السابقين الأولي و لا يدخلان في الآية السابق ذكرها ، و موقفهما هذا –إن صحّ- فهو استثناء يُؤكد ما قلناه عن عدم مشاركة الصحابة في قتل عثمان . و أما عن سبب مشاركتهما في الثورة على عثمان ، فلعلهما اجتهدا فأخطآ ،و التبس عليهما الأمر ، بتأثير من دعايات و أكاذيب رؤوس الفتنة ، فاستزلهما الشيطان ، و صدق عليهم قوله تعالى : (( و فيكم سماعون لهم ))- سورة التوبة / 47 - ،و ربما يصدق عليهم قوله تعالى : (( منكم من يريد الدنيا ، و منكم من يريد الآخرة )) –سورة آل عمران / 152 - و الله أعلم بالصواب . و هنا يفرض علينا سؤال نفسه ، مفاده : بما أن الصحابة لم يُشاركوا في قتل عثمان ،و ما رضوا بقتله ، فلماذا لم يمنعوا الأشرار من قتله ؟ ؟ . أولا إن أهم سبب حال دون الصحابة من منع الأشرار من قتلهم لعثمان-رضي الله عنه- ، أنه هو شخصيا-أي عثمان- منعهم من القتال عنه ،و قد كان معه 700 رجل من الصحابة و أبنائهم ،و قد طلبوا منه قتال الأشرار فلم يأذن لهم بقتالهم[8] ، لكي لا تُسفك الدماء بسببه ؛ لأنه كانت معه أحاديث نبوية- صحيحة- أوصاه فيها رسول الله –عليه الصلاة و السلام- بالصبر و عدم عزل نفسه إذا طُلب منه ذلك ، فقال له في الحديث: (( إن الله لعله يُقمصك قميصا ، فإن أرادوك على خلعه ، فلا تخلعه )) ،و في حديث آخر ، أن رسول الله عهد إليه عهدا حثّه على التمسك به ، لذا عندما حاصروه أصر على موقفه و صبر على البلاء[9] . كما أنه ربما كان يأمل أن الأشرار سيرفعون عنه حصارهم دون قتال . و ثانيا يبدو أن الصحابة الكرام كانوا يرون أن الأمر سينفرج و لا يطول ، و سيرفع الأشرار حصارهم عن عثمان بن عفان، و لا يصل بهم الأمر إلى ارتكاب جريمة قتل خليفة المسلمين . و ثالثا إنه واضح من الروايات الصحيحة –التي سبق ذكرها- أن عملية قتل عثمان تمت بالحيلة و المكر ، و ذلك أن مجموعة المجرمين الذين قتلوه تسوّروا عليه الدار ،و لم يأتوها من بابها ، في غفلة من الصحابة –و من معهم- الذين كانوا يحرصونه ، فلم ينتبهوا للقتلة إلا بعد تنفيذ جريمتهم ، و إلا ما كانوا يتركونهم يدخلون عليه ليقتلوه . و رابعا إن الأشرار كانت لهم شوكة في المدينة ،و هم في نحو 2000 أو أكثر ، مقابل أهل المدينة الذين ربما لم يكن فيهم العدد الكافي للتصدي لهؤلاء ، لأن أهلها كانوا في الحج و الثغور، الأمر الذي مكّن الثائرين من الإسراع في ارتكاب جريمتهم قبل أن تصل الإمدادات من الأقاليم لنجدة الخليفة[10] . و أخيرا أقول : إن الخليفة الشهيد عثمان بن عفان قًتل مظلوما ،و كان قتله جريمة شنعاء، جرّت على الأمة و الويلات ، وفرّقتها شيعا و أحزابا ،و ما تزال آثارها قائمة إلى يومنا هذا ؛ و صدق من قال عن عثمان : (( هو أمير البررة، و قتيل الفجرة ،و مخذول من خذله ، منصور من نصره ))[11] . [1] انظر: ابن عبد البر : الاستيعاب، ج 2ص: 555-556 .و ابن حجر: الإصابة ، ج 2 ص: 647 .و ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج11 ص: 303-304 .و المِزي: تهذيب الكمال، ج 14 ص: 325 .و ابن حبان: مشاهير العلماء، ج 1 ص: 83. [2] عنهما انظر : ابن عبد البر: نفس المصدر، ج 2 ص: 840.و ابن سعد : الطبقات الكبرى ، ج7 ص: 509 .و ابن عساكر: المصدر السابق، ج 35 ص: 109 . و المِزي: المصدر السابق ، ج 21 ص: 196 . [3] الطبقات الكبرى، ج 6 ص: 25 . [4] الاستيعاب، ج 3 ص: 1173 . [5] الطبقات، ج 3 ص: 73-74 . [6] سبق ذكر حاله . [7] تاريخ الطبري، ج 2 ص: 177 . [8] انظر المبحث الرابع ، و الخلال : السنة ، ج 2 ص: 338، 334 . [9] الخلال،: السنة ، ج 2 ص: 326، 327 . [10] ابن كثير: البداية ، ج7 ص: 197 . [11] نفس المصدر، ج7 ص: 199 .
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201) |
#26
|
||||
|
||||
خامسا: مصير رؤوس الفتنة بعد قتلهم للشهيد عثمان :
التحق رؤوس الفتنة –بعد قتلهم لعثمان- بجيش علي بن أبي طالب في خلافه مع أهل الشام ، فانتقم الله تعالى منهم ، بأن كان مصير معظمهم القتل ،و كثير منهم قُتل شر قتلة ، أذكر منهم 18 رأسا ، كعينات عن مصيرهم . أولهم الأشتر النخعي ، دعت عليه عائشة أم المؤمنين ،و وصفته صفية أم المؤمنين بأنه كلب ،و قد اعترف –لما قُتل عثمان- بأن هذه الأمة قتلت خير أهلها[1] –أي عثمان- ،و الأمة التي قصدها هي أصحابه الأشرار .و عندما عينه علي واليا على مصر و أرسله إليها (سنة 37ه)، شرب في الطريق شربة عسل مسمومة فقتلته ، فقال فيه عمر بن العاص : (( إن لله جنودا من عسل ))[2] و ثانيهم محمد بن أبي حذيفة ، كان شديدا على عثمان ، فأنكر جميله و طعن فيه ،و دعا إلى خلعه ، فلما قُتل –أي عثمان- عينه علي واليا على مصر، فقتله شيعة عثمان بفلسطين سنة 36هجرية[3] . و ثالثهم محمد بن أبي بكر ، دعت عليه عائشة أم المؤمنين ،و سماه الحسن البصري بالفاسق ،و لما عيّنه علي واليا على مصر ، التقى به جيش لمعاوية فكسره و قتله ، ثم اُدخل في جوف حمار و اُحرق ، سنة 83 هجرية[4] . و رابعهم حُكيم بن جبلة ، شارك في موقعة الجمل –مع جيش علي- فقُطعت رجله ، ثم أُجهز عليه فمات ، سنة 36هجرية[5] . و خامسهم سودان بن حمران ، رُوي أن أحد غلمان عثمان قتله عندما دخل عليه يوم الدار[6] . و سادسهم كِنانة بن بشر ، قيل أنه قُتل يوم مقتل عثمان ،و قيل أنه قُتل مع محمد بن أبي بكر على يد جيش معاوية بن أبي سفيان سنة 36 هجرية[7] . و سابعهم عمرو بن الحمق، قاتل مع علي بن أبي طالب في معاركه، و كاتب الحسين بالخروج إلى الكوفة ، فخانه و خذله ، ثم ندم و تاب ،و خرج مع المطالبين بدم الحسين ، و في سنة 50ه قتله الأمويون ،و قيل مات بسبب حية لدغته[8] . و ثامنهم عدي بن تميم دعت عليه عائشة أم المؤمنين ، و مات مقتولا على يد رجل دخل عليه داره[9] . و تاسعهم عمير بن ضابيء ، قتله الحجاج بن يوسف[10] . و عاشرهم عبد الله بن بديل الخزاعي ، دعت عليه أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنه- ،و قتل في معركة صفين سنة 35 هجرية[11] . و الحادي عشر هو عبد الرحمن بن بديل الخزاعي –أخ السابق- ، دعت عليه عائشة أم المؤمنين ، و قُتل مع أخيه في معركة الجمل ، و كانا في جيش علي بن أبي طالب[12] . و الثاني عشر هو عبد الرحمن بن عديس البلوي، وقع تحت قبضة جيش معاوية فسجنوه ، ثم تمكن من الفرار ، لكنه قُتل بجبل لبنان سنة 36 هجرية[13] . و الثالث عشر هو زيد بن صوحان ، ندم على مشاركته في قتل عثمان ،و قال : (( غزونا القوم في ديارهم ،و قتلنا إمامهم ، فليتنا إذ ظلمنا صبرنا ،و لقد مضى عثمان على الطريق ))،و قُتل في معركة الجمل سنة 36ه ، و رُوي أن عائشة ترحّمت عليه ، ضمن الذين ترحّمت عليهم من قتلى المعركة[14] . و الرابع عشر هو كميل بن زياد النخعي ، كان مغاليا في علي بن أبي طالب، قتله الحجاج بن يوسف (سنة 82ه )، عندما قدم إلى الكوفة و علِم أنه من قتلة عثمان [15] . و الخامس عشر هو شبث بن ربعي التميمي ، أصبح من رؤوس الخوارج الثائرين على علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- و كان من بين الذين أعانوا على قتل الحسين بن علي ، ثم فارق الخوارج و تاب عما كان عليه ،و تُوفي سنة 70 هجرية[16] . و السادس عشر هو حرقوص بن زهير المعروف بذي الخويصرة ، خرج على علي بن أبي طالب ، و أصبح رأسا في الخوارج ،و قُتل معهم سنة 37 هجرية[17] .و السابع عشر هو جندب بن زهير الغامدي ، قُتل في معركة صفين سنة 37ه ، و كان في جيش علي بن أبي طالب[18] . و آخرهم – أي الثامن عشر- هو عبد الله بن سبأ المعروف أيضا بابن السوداء ، نشط بقوة في نشر ضلالاته و أباطيله –بعد مقتل عثمان- بين شيعة علي ، مما جعل عليا يتصدى له و لطائفته ، فاحرق بعضهم و ردّ على ضلالاتهم ، إلا أنه اختلفت الروايات في مصير كبيرهم ابن السوداء ، فقيل أن عليا أحرقه مع أصحابه ،و قيل بل نفاه إلى مدائن كسرى – جنوب بغداد -، فبقي بها إلى أن مات[19] . و ذكر شيخ الإسلام بن تيمية أن عليا أراد قتل ابن سبأ فكُلّم فيه ، فقال : لا يساكنني في بلد أنا فيه ، فنفاه إلى المدائن ، و تركه خوفا من الفتنة في جيشه من أن تغضب له بعض العشائر[20]. [1] الهيثمي: مجمع الزوائد ، ج 9 ص: 97 .و ابن الجعد : مسند ابن الجعد ، ج 1 ص: 390 . [2] البخاري: التاريخ الكبير، ج 7 311 .و التاريخ الصغير، ج 1 ص: 95 . [3] الذهبي: الخلفاء الراشدون ، ص: 365.و ابن حجر: الإصابة، ج 6 ص: 10-11 . [4] الهيثمي: مجمع الزوائد، ج9 ص: 97.و الذهبي: المصدر السابق، ص: 364 . [5] الذهبي: نفس المصدر، ص: 297 . [6] مقتل الشهيد عثمان ، ص: 218 . [7] نفس المصدر، ص: 219 .و ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج50، ص: 257-258 . [8] ابن سعد: الطبقات، ج6 ص: 25 .و المِزي: تهذيب الكمال ، ج 21 ص: 596 . [9] البخاري: التاريخ الصغير، ج 1 ص: 95 . [10] ابن كثير: البداية ، ج 9 ص: 9 . [11] الهيثمي: مجمع الزوائد، ج9 ص: 97 .و ابن عبد البر: الاستيعاب، ج 3 ص: 872 . [12] نفسه ، ج 9 ص: 97 .و نفسه ، ج 3 ص: 872 . [13] ابن عساكر: المصدر السابق، ج 35 ص: 108 . [14] معمر بن راشد : الجامع ، حققه حبيب الأعظمي، ط2 بيروت، المكتب الإسلامي،1403، ج 11ص: 289 . و ابن عيد البر: الاستيعاب، ج 2 ص: 556 . [15] ابن حبان : المجروحين، ج 2 ص: 221 .و ابن سعد: الطبقات ج6 ص: 197 . و ابن حجر: الإصابة ، ج 5ص: 653 . [16] الذهبي: الميزان ، ج 3 ص: 361 . و السيّر ، ج 4 ص: 150 . [17] الطبري: التاريخ ، ج 2 ص: 544، ج3 ص: 122 . [18] المِزي: المصدر السابق، ج 5 ص: 141-142 . [19] ابن تيمية: الصارم المسلول، ج 3 ص: 1100-1101 .و أبو عبد الله الذهبي: صدق النبأ ، ص: 78، 79 . [20] الصارم المسلول ، ج3 ص: 1101 .
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201) |
#27
|
||||
|
||||
و يبدو أن الرأي القائل بنفيه إلى المدائن هو الأرجح ، لأنه صحّ الخبر أن عليا كان يشتكي من عبد الله بن سبأ ،و يعترف بعجزه في قتله ، فكان يقول: (( من يعذرني من هذا الحميت ، الذي يكذب على الله و رسوله ، لو لا أن لا يزال يخرج عليّ عصابة تنعي عليّ دمه كما اُدعيت عليّ دماء أهل النهر –أي معركة النهروان مع الخوارج- لجعلت منهم ركاما ))[1].
و لأنه أيضا أنه رُوي أن ابن سبأ كان ما يزال حيا عندما قُتل علي بن أبي طالب سنة40ه ، فقد سبق و أن ذكرنا أن الجاحظ روى أن جرير بن قيس ذهب إلى المدائن –بعد مقتل علي- فوجد بها ابن سبأ ما يزال حيا ، و أخبره بموت علي ، فأنكر أن يموت[2] . كما أن الطائفة السبئية استمرت في نشر ضلالاتها و تجميع نفسها –بعد مقتل علي- ،و كان لها أتباع منذ القرن الأول الهجري و ما بعده [3] ، مما يشير إلى أنه كان لابن سبأ دور في ذلك التجميع و النشاط ،و هذا يعني أن عليا لم يقتله . و بذلك يتبين- مما ذكرناه- أن معظم رؤوس الفتنة قُتلوا مباشرة بعد قتلهم للشهيد عثمان ، بين سنتي : 36-38ه ، فانتقم الله تعالى منهم ، فلم يمهلهم و لا أهملهم ،ولا تمتعوا بالدنيا التي كانوا يرجونها ، إلا قلة قليلة منهم تابت و رجعت عن غيها ، لكن ابن سبأ وأصحابه استمروا في نشر ضلالاتهم و أباطيلهم ، تنفيذا لخطة مرسومة سلفا . سادسا: المكر و التخطيط ، الأسباب و الآثار : يتبين للباحث في حوادث الثورة على عثمان و قتله ، أن رؤوس الفتنة ما كانوا يتحركون خبطة عشواء ،و إنما كانت لهم قياداتهم و خططهم و مكائدهم ، و أهدافهم المبيتة ، ففيما تمثل ذلك ؟ و ما هي مظاهره و آثاره ؟ . أولا[4] إنهم استخدموا وسائل اتسمت بالمكر و الخداع ، و التزوير و التدليس ، فخدعوا العوام ،و استمالوا المغفلين و الطامعين و الحاسدين ، و هيجوا الجميع و حرّضوهم على الخليفة و ولاته . و كانوا في تحركاتهم يتنقلون بين الأمصار تنسيقا لخططهم و تنفيذا لها ، و عندما قرروا تنفيذ جريمتهم خرجوا في ثلاثة وفود من مصر و البصرة و الكوفة ، خرجوا كلهم في وقت واحد متظاهرين بالخروج إلى الحج و توجهوا كلهم إلى المدينة لا إلى مكة . و عندما وصلوا إلى المدينة و استجاب لهم الخليفة كرّوا راجعين إلى أوطانهم ، لكنهم سرعان ما عادوا كلهم في وقت واحد إلى المدينة رغم اختلاف اتجاهاتهم لينفذوا جريمتهم ، متذرعين بحكاية الكتاب المزوّر ، الذي أثبتنا أنهم هم الذين زوّروه . و يتضح للناظر في الثائرين على عثمان ، أنهم كانوا على ثلاثة أصناف ، أولها عوام مخدوعون ،و ثانيها رؤساء طماعون حسادون مخادعون ، و ثالثها منافقون زنادقة مكارون ،و العوام المخدوعون هيجهم ما كان يُروّجه الرؤساء و المنافقون من أكاذيب على الخليفة و ولاته . و وجود السبئية -فكرا و طائفة -دليل قاطع على وجود المكر و التآمر و التخطيط الشيطاني لضرب الدين و الدولة ،و البلاد و العباد ، لأن ما رَوّجت له السبئية من ضلالات و أباطيل و كفريات ، هو أمر غريب كلية عن المجتمع الإسلامي ، و لا يمكن في أي حال من الأحوال أن يقول مسلم صادق الإيمان بتلك الأفكار ، خاصة و أن ذلك العهد كان قريبا من نور النبوة ،و الصحابة الكرام ما زالوا على قيد الحياة ، لأن تلك الأفكار السبئية تتناقض مع الإسلام و التاريخ الصحيح جملة و تفصيلا ، فدل كل ذلك على وجود السبئية التي بثت بين أتباعها النفاق و الزندقة ،و الرفض و الغلو ،و الكفر و الإلحاد ، تنفيذا لخطة غاياتها مرسومة سلفا . [1] انظر ؟ ثانيا من الفصل الأول . [2] انظر ثانيا من الفصل الأول . [3] سبق تناول هذا الموضوع في المبحث الثاني من الفصل الأول . [4] ما نذكره في هذا المبحث لا نوثّقه لأنه مجرد استنتاجات من معطيات سبق ذكرها .
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201) |
#28
|
||||
|
||||
كما أنه يتبين للمتتبع لتحركات رؤوس الفتنة و أتباعهم ، أنهم كانوا مصرين على أفكارهم ،و لم ينفع معهم الترغيب و لا الترهيب ، فسيّرهم عثمان إلى الشام ، ثم أعادهم إلى بلدانهم ،و استجاب لمطالبهم عندما جاءوا إلى المدينة ، فعادوا إلى بلدانهم ثم كروا راجعين إليها بكتابهم المزوّر، و حاصروا عثمان ، فلم يهدأ لهم بال حتى قتلوه شهيدا ، فهذا الإصرار دليل على وجود رؤوس ماكرة منافقة ، تُخطط و تُوجه ،و تغير أساليبها حسب الظروف المحيط بها ، لتحقيق أهدافها الدنيئة المبيتة سلفا .
و نحن في إبرازنا لظاهرة الكيد و التآمر في الثورة على عثمان ، لا نبالغ في تضخيم ذلك و لا نلغيه ، لأنه من الخطأ تجاهله و تقزيمه ، و من الخطأ أيضا نفخه و تجعيده و تضخيمه ،و إنما مقصودنا إثبات أن الثورة على عثمان و فنله ، لم يكن عملا عشوائيا ،و إنما كان له رؤوس ماكرة متآمرة استغلت الظروف الاجتماعية و السياسية لصالحها، مستخدمة في ذلك مختلف الوسائل المًُتاحة لها . و ظاهرة المكر و التآمر على المسلمين حقيقة تاريخية ثابتة ، منذ بداية الدعوة الإسلامية إلى يومنا هذا ، فقد سجل القرآن الكريم -في آيات كثيرة - تآمر المشركين و اليهود على المسلمين ، و في تاريخنا شواهد كثيرة تثبت ذلك بالأدلة القاطعة ، كحركة الردة ،و الزنادقة، و الزنج، و الرواندية ،و البابكية ،و الحروب الصليبية ،و الغزو المغولي،و الاستعمار الغربي و الشيوعي للعالم الإسلامي ،و ضياع فلسطين من يد المسلمين ، و الغزو الثقافي و الاقتصادي و الإعلامي الحديث ، كل ذلك يُثبت أن التآمر و الكيد للمسلمين هما حقيقتان ثابتتان ، لكنهما لم يهزما المسلمين عندما كانوا أقوياء ، و هزماهم عندما تركوا دينهم ، فضعفوا و تفرّقوا و تكالب عليهم اليهود و النصارى و الهندوس و غيرهم . و ثانيا ربما يُقال : إن هذا البحث ركّز على رؤوس الفتنة و أعمالهم و مصيرهم ،و لم يتطرق لأسباب ثورة هؤلاء على الخليفة عثمان ، فربما كانت لهم أسباب و أعذار موضوعية في ثورتهم عليه. و أقول : هذا اعتراض منطقي صحيح ، لكنني أشير هنا إلى أنني تتبعت أعذار و مزاعم و مبررات هؤلاء في ثورتهم على عثمان- رضي الله عنه- ، فوجدتُ أنهم اتهموه بأنه خصّ أقاربه بالإمارة ،و ولى منهم من لا يصلح لها . و أنه كان عاجزا عن إدارة شؤون الدولة ، و لم يحقق العدل الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي بين رعيته . و هذه المزاعم و الاتهامات و الأعذار أفردتها بالبحث نقدا و تحقيقا و تمحيصا[1] ، فتبين لي بالأدلة القاطعة و الشواهد الصحيحة ، أنها مزاعمهم زائفة باطلة مفتعلة ، و أن عكسها هو الصحيح ، بمعنى أن أحوال البلاد و العباد كانت في حالة جيدة يسودها العدل و الإخاء . و تبيّن من جهة أخرى أن الأسباب الحقيقة في الثورة على عثمان و قتله تعود أساسا إلى نفوس رؤوس الفتنة المريضة، الذين بعضهم أعماهم الحسد و الطمع ،و آخرون كان دافعهم المكر و الكيد و التآمر على الإسلام و المسلمين[2] . لكن ذلك لا يعني أن المجتمع كان خاليا تماما من المشاكل ، و إنما المقصود أن تلك المشاكل كانت عادية لا يكاد يخلو منها مجتمع ، و لا تصل بالناس إلى الطعن في الخليفة ،و الثورة عليه و قتله ، و نشر الأفكار الضالة ، كل ذلك ما كان ليحدث لو لا وجود رؤوس الفتنة الأشرار . و ثالثا إن الثورة على عثمان-رضي الله عنه- كانت لها أثار خطيرة على الأمة و فكرها ، فأدت إلى قتل خليفة المسلمين ظلما و عدوانا ،و أدخلت الأمة في حروب و فِتن على امتداد العصر الإسلامي ، و ما تزال آثارها قائمة إلى يومنا هذا . كما أنها كانت سببا في إنهاء دولة الخلافة الراشدة ، فقسّمت الأمة سياسيا ، ثم قُتل علي بن أبي طالب بسببها ، فانهارت الخلافة الراشدة باستشهاده ، بعدما كانت قد تصدّعت بمقتل الخليفة عثمان بن عفان . و تمثّل خطرها الفكري في نشرها للزندقة و الإلحاد و التطرّف و الغلو ، عن طريق الفكر السبئي الذي ساهم بقسط كبير في تحويل الخلاف السياسي إلى خلاف فكري عقائدي مذهبي ، مما أدى إلى انقسام الأمة إلى طوائف متناحرة ، من شيعة و خوارج و سنة . و ختاما لهذا الفصل يتبين أن رؤوس الفتنة نجحوا في تأليب طائفة من المسلمين على عثمان و ولاته ،و جروهم إلى المدينة لحصاره و قتله ، مستخدمين في ذلك المكر و التآمر ، و التخطيط و التزوير ،و التدليس و تضخيم الهنات ، و الكذب على الصحابة ، انطلاقا من نواياهم الخبيثة و أهدافهم الشيطانية الدنيئة ، فكان مصير معظمهم أنهم لم يتمتعوا بالدنيا التي طلبوها ،و لم يعيشوا بعد الخليفة الشهيد إلا قليلا ،و قتلوا شر قتلة ، فكانت جريمتهم وبالا عليهم و على الأمة . [1] انظر كتابنا : الثورة على سيدنا عثمان بن عفان، -دراسة في الأسباب الظاهرة و الخفية- ، ط1 الجزائر، دار البلاغ، 2003. [2] للتوسع في ذلك انظر كتابنا : الثورة على سيدنا عثمان بن عفان .
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201) |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
الثورة, الخليفة, الشهيد, الفتنة, رؤوس, على, عثمان, عفان |
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع رؤوس الفتنة في الثورة على الخليفة الشهيد عثمان بن عفان | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
على درب زيد وعبدالله وجعفر ..مؤتة تقدم الشهيد تلو الشهيد | Eng.Jordan | الأردن اليوم | 0 | 03-03-2016 11:27 AM |
بين موقف عثمان بن عفان وموقف الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما | عبدالناصر محمود | مقالات وتحليلات مختارة | 0 | 07-20-2013 06:14 AM |
تحميل كتاب سيرة ذي النورين عثمان بن عفان | Eng.Jordan | كتب ومراجع إلكترونية | 0 | 12-30-2012 02:35 PM |
وقفة مع عثمان بن عفان رضي الله عنه | جاسم داود | شذرات إسلامية | 0 | 02-24-2012 12:28 AM |
الفتوحات الإسلامية في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه | احمد ادريس | شذرات إسلامية | 0 | 01-26-2012 01:50 AM |