#1  
قديم 12-09-2014, 08:18 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,154
ورقة المال ودوره في تقويض الديمقراطية


المال السياسي ودوره في تقويض الديمقراطية العربية
ــــــــــــــــــــــــــ

(أحمد فايق دلول)
ــــــــ

17 / 2 / 1436 هــ
9 / 12 / 2014 م
ــــــــــــ

الديمقراطية 808122014082001.png

ثمَّة فرقٌ واضحٌ بين مصطلحَي "المال السياسي" و"رأس المال السياسي" حيث يشير الأول إلى استخدام الأموال وتوظيفها لتمكين شخصٍ ما أو حزبٍ ما أو تيارٍ سياسيٍ من تبوء مكانة بارزة في العملية السياسية، أو إنه استخدام المال لتحقيق أغراض سياسية. فيما يشير الثاني إلى ما يمتلك الشخص السياسي –الفائز في الانتخابات- من وصايةٍ أو انتدابٍ سياسيٍ شرعيٍ أو قوة ونفوذ لوضع السياسات من وجهة نظر جمهور الناخبين. حيث يكتسب السياسي رأس المال هذا من خلال فوزه في الانتخابات، واتباع السياسات ذات الدعم الشعبي، وتحقيق النجاح باستخدام المبادرات، وتقديم الدعم للسياسيين الآخرين.
ولا يفوت الإشارة إلى أن المال السياسي (المال الأسود) يُستخدم من أطراف خارجية أو داخلية في وقت واحد أو في أوقات مختلفة لشراء المناصب السياسية، فعلى سبيل المثال؛ كانت الدول الغربية والولايات المتحدة تستخدم المال السياسي لتغيير الأوضاع السياسية في بلدان العالم الثالث، بهدف جعلها مناطق خاضعة لنفوذها، وفي المقابل يشترى الساسة أو التابعون للغرب أصوات الناخبين مقابل مبلغ من المال أو مساعدات عينية أو غيرها.
وتُحرِّم قوانين الانتخابات استخدام المال السياسي في العملية الانتخابية، وعلى سبيل المثال فقد جاء في قانون الانتخابات الأردني ما نصه: (يحظر على أي مرشح أن يقدم من خلال قيامه بالدعاية الانتخابية هدايا أو تبرعات أو مساعدات نقدية أو عينية، أو غير ذلك من المنافع، أو يعد بتقديمها لشخص طبيعي أو معنوي، سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو بواسطة غيره، بما في ذلك شراء الأصوات).
وإذا ما كانت الأصوات والذمم تُباع وتُشترى، فهذا يعني صراحة أن العملية الديمقراطية في المنطقة العربية لا تحمل من الديمقراطية إلا الاسم فقط دون الجوهر والمضمون، لأنَّها لا تعبر في حقيقتها عن حالة ديمقراطية، ولا تسمح للشعب باختيار ممثلي من خلال قناعاتهم، وهذا يعني أن المال السياسي يؤدي إلى تكريس الدكتاتورية ويحرم المجتمعات ممارسة ثقافة الشراكة السياسية والتكامل والحوار وتقبل الآخر، ولعل هذا ما تشير إليه النسب التي يحصل عليها الحكام وأحزابهم، حيث تزيد نتائجهم عن 90% في كل دورة انتخابية.
ويكثر استخدام المال السياسي لدى الأحزاب العلمانية أو الأحزاب المدعومة من أقطاب التجارة و رأس المال الاقتصادي في الدول في سياق مصالح متبادلة بين الطرفين، وذلك بسبب ضعف مقدرة الأحزاب العلمانية في توظيف الحشد الجماهيري الكبير الذي تلمسه بوضوح في فعالياتها، في مقابل قوة الخصوم المتمثلين في التيارات الإسلامية التي لديها قدرة كبيرة على الحشد الجماهيري وتوظيفه لصالحها، وهو ما يعني أن السند أو الظهير المجتمعي للأحزاب العلمانية أقل مما لدى التيارات الإسلامية، وبالتالي فإن مجموع الأصوات التي من المتوقع أن يحصل عليها العلمانيون في أي انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية اقل مما قد يحص عليه الإسلاميون، وهذا ما بدا واضحاً في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية 2006م، أو في الانتخابات التونسية 2011م، أو الانتخابات المغربية 2012م، وغيرها.
وإذا ما أجرينا قراءة سريعة للوضع السياسي في المنطقة العربية للعقود الخمسة الماضية نجد أن الغالبية الساحقة من الساسة والحكام قد باعت نفسها أو شُريت من أطراف خارجية بالمال السياسي، فالرئيس الليبي السابق معمر القذافي كان رجل إيطالياً، ومؤسسة الرئاسة في لبنان ملكاً حصرياً لفرنسا وأطراف عربية، ومؤسسة الحكم في سوريا أو العراق ملكاً لإيران، ومؤسسة الحكم والعسكر في الجزائرً أو تونس، حيث كان الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي أكبر الأدوات الفرنسية في تونس، أما حكام العراق فهم رهن الأوامر الأمريكية، والأمر يُسحب على الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك الذيم لم يغضب أمريكا ولو لمرة واحدة طوال حياته، هذا في ضوء أن أمريكا كانت تتعامل معه قبيل اغتيال السادات على أنه الرئيس المقبل لمصر.
أما شراء الذمم من خلال المال السياسي الداخلي، فالأمثلة عليه كثيرة وحصلت في غالبية البلدان العربية ولعدة مرات، وعلى سبيل المثال: وفي الحالة الفلسطينية، فقد وقعت الانتخابات الرئاسية في يناير 2005م، في وحل المال السياسي، حيث اعترف الرئيس محمود عباس أكثر من مرة بالدعم الأمريكي الذي قدمته الولايات المتحدة من أجل أن يصل إلى سدة الحكم.
وفي الانتخابات التشريعية الثانية المنعقدة في مطلع عام 2006م، فقد كان من المتوقع أن تخسر حركة فتح والتيارات العلمانية مقابل التيار الإسلامي الذي تجسِّده حركة حماس، وهذا عائد إلى ما تمتلكه حماس من رصيد شعبي كبير استمدته خلال العقود الماضي من خلال العمل الاجتماعي والإنساني والثقافي والعسكري، هذا بجانب ما كانت تمر به حركة فتح من إفلاس سياسي، وكان الفساد الإداري والمال يتغلغل في مؤسسات ومؤسسات الحكومات التي كانت تقودها، كما فشل مشروعها التفاوضي الذي بدأته بعد خروجها من بيروت عام 1982م.
إذا كانت حركة فتح ستخسر في الانتخابات، إذن ما السبيل؟ من الطبيعي أن تلجأ إلى توظيف المالي السياسي وبأشكاله المختلفة، حيث قامت بدعم أفرادها وإعادة حشدهم من جديد وتزويدهم بالمواد التموينية والغذائية المختلفة وبعض المساعدات وأرصدة الهواتف المحمولة، فضلاً عن توجيههم نحو تشويه صور المنافسين، وكانت فتح في حينها معنية لأبعد الحدود بتقويض التمدد الإسلامي ووضع حدٍ له.
وكان المركز الفلسطيني للإعلام (وهو مركز إعلامي تابع لحركة حماس) قد أفاد بأن حركة فتح اشترت أصوات الناخبين البسطاء والأميين في محافظة قلقيلية بمبالغ مالية قد تفوق الـ500 شيكل، مقابل أن يكون أحد عناصر "فتح" هو ال**** عنهم عند الاقتراع والإدلاء بصوته لمصلحة فتح.
أما صحيفة "واشنطن بوست" فكانت قد كشفت في عددها الصادر يوم (22/01/2006م) عن أن الإدارة الأمريكية تعكف على تنفيذ برنامج عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، لدعم فرص فوز مرشحين بعينهم بالانتخابات التشريعية المقبلة، بحوالي مليوني دولار.
لكن ما يجب التذكير به هو أن المال السياسي فشل في تقويض الديمقراطية في الأراضي الفلسطينية، إذ لم يقتصر استخدامه على حركة فتح فحسب، بل استخدمته قائمة الطريق الثالث أثناء دعايتها الانتخابية، ولكن من غير المتوقع أن يفشل مرة أخرى في أي انتخابات قادمة، وهذ عائدٌ إلى ما مرَّ به الشعب الفلسطيني من حصارٍ وأزماتٍ متلاحقةٍ خلال السنوات الثماني الماضية.
وفي وقتٍ لاحقٍ صارت الكتل الطلابية المتنافسة على مقاعد مجالس طلبة الجامعات تستخدم المال السياسي في دعايتها الانتخابية حتى لو تضمن الأمر تقديم منح دراسية أو إعفاء طلبة من رسوم الدراسة فيها.
وفي الحالة اللبنانية، لا يمكن إنكار أن من يحكم الجمهورية هم أصحاب المال السياسي، حيث تمكن رفيق الحريري من الجلوس على كرسي رئاسة الوزراء لسنوات عدة، لكنه كان أكثر ذكاءً من غيره حينما أفسح المجال للمقاومة الإسلامية وحزب الله. أما سعد الحريري الذي ورث المال والثروات عن والده رفيق، فقد تمادى في استخدام المال السياسي بشكلٍ مفرطٍ للغاية، واشترى ذمم القادة والساسة والزعماء داخل الجمهورية مثل: سمير جعجع وغيره. والحال كذلك بالنسبة لفؤاد السنيورة الذي كان على رأس حكومة رجال الأعمال وتحالف الأموال.
لم يستطع المال السياسي تقويض حزب الله اللبناني أو الوقوف بوجهه ولو للحظةٍ واحدةٍ، فحينما انتهت الحرب الصهيونية على لبنان في عام 2006م؛ وعد حسن نصرالله بإعادة إعمار ما دمرته الحرب، وقام بصرف مبالغ مالية لأصحاب الأضرار تبلغ قيمتها 12 ألف دولار من أجل استئجار شقق سكنية ريثما يتم الانتهاء من إعادة الإعمار.
وفي مثل هذه الحالة لا يمكن إغفال أن حزب الله استخدم المال السياسي في تمكين نفسه وتجذير أقدامه في لبنان حتى تحول إلى قوة فاعلة لا يمكن إغفالها، هذا في ضوء أن المال السياسي المملوك لدى أطراف أخرى كان يستخدم لشراء الذمم.
ويروق لبعض المحللين والمراقبين وصف لبنان اليوم بأنَّها بلدُ المال السياسي ورجال الأعمال والمال رغم أنَّها غارقة في الديون. كما أن مصطلح المال السياسي لبناني بامتياز وينسب لرئيس وزراء لبنان الأسبق سليم الحص الذي شغل منصب رئيس الجمهورية خمس مرات ونائباً في البرلمان لدورتين متتاليتين.
وفي الأردن حوَّلت الأجهزة الأمنية إلى النائب العام 19 قضية شراء أصوات أو رشاوى قدمتها شخصيات سياسية إلى الناخبين، كما تم توقيف 4 من المرشحين، وكذلك 9 من السماسرة الذين نشطوا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بهدف حشد الأصوات لمرشحيهم. وهذه هي الأرقام المعلن عنها فقط، ولعل الأرقام غير المعلنة تفوق عشرات أضعاف هذا العدد، لأن هذه القيادة لا يمكن لها أن تنجح بمعزلٍ عن استخدام المال السياسي من ناحية، ومن ناحية أخرى أن شراء أصوات الناخبين تتم بسرية تامة.
ويستغلُّ بعض السماسرة حاجة الناخبين، والفقراء منهم على وجه الخصوص؛ حيث تراوحت المبالغ المدفوعة لهم في الأردن ما بين 10 دنانير إلى 50 ديناراً حسب إمكانات المرشح ومتطلبات المنطقة التي يعيش فيها، في حين أن البعض كان يقدم مساعدات عينية، كالمدافئ والحرامات والوقود والطرود الغذائية وأرصدة الهواتف المحمولة وغيرها.
وفي مصر، فقد عاشت شخصيات وازنة طوال حياتها السياسية وحتى مسيرتها الإعلامية على توظيف المال السياسي، ويذكر التاريخ المعاصر عشرات الشخصيات ورجال الأعمال التي اشترت الأصوات في مدن وقرى مصر رغم ما يعتريها من فساد مطبق. ثمَّة توقعات بأن يلعب ثالوث (المال السياسي – الأحزاب – وسائل الإعلام) دوراً حاسماً في الانتخابات البرلمانية المقبلة إن جرت في المدى المنظور وفق ما تم الاتفاق عليه ضمن خارطة الطريق التي أجمعت عليها القوى السياسية في البلاد في أعقاب أحداث 30 يونيو 2013م.
ولعل مصر واحدةً من البلدان التي ستشهد ظهوراً كبيراً لدور المال السياسي مستقبلاً، خاصة على ضوء تعديل قانون مجلس النواب رقم 46 لسنة 2014 الذي نصَّ على أن يكون 420 مقعداً و120 مقعداً بنظام القوائم المغلقة المطلقة، وهو ما يعني أن ثلثي عدد المقاعد هو للأفراد، وهو ما يجعل الفرصة أكبر لأصحاب رؤوس الأموال والنفوذ الاقتصادي في مصر. والأثر المباشر لتوظيف المال السياسي في مصر هو حرمان المرأة والشباب والفئات الخاصة من حقها في الحصول على مقاعد، والبديل لها سيتمثل في التواجد الفاعل للعائلات ورجال الأعمال.
والحالة في تونس تجسد توظيف المال السياسي بأسوأ مظاهره، فلم يكتفِ المتنفذون التونسيون من لعب المال دوره السلبي طوال حقبة الرئيس المخلوع بن علي (1987-2010) بل استمروا في ديدنهم حتى بعد الثورة، فتربع رجال الأعمال في الانتخابات البرلمانية الأخيرة (2014م) على قمة قوائم الأحزاب الكبرى بدلاً من الشباب والثوريين وقادة العمل الاجتماعي من أجل شراء أصوات الناخبين.
وبدا تأثير المال السياسي أكثر خطورة في المدن الكبرى التي يتمتع أبناؤها بالوعي السياسي والمشاركة الواسعة في العملية الانتخابية مثل مدينة صفاقس التي تُنعَت بالعاصمة الاقتصادية، يليها مدينة سوسة التي توصف بالعاصمة السياحية، هذا بجانب العاصمة تونس التي تشكل مؤشراً عاماً على وزن الأحزاب وحجمها الفعلي.
وفي قراءة سريعة لمرشحي حزب "نداء تونس" نجد ان سبعة من رجال الأعمال تربعوا على هرم الحزب، منهم منصف السلامي ورضا شرف الدين، الذين كانا يديران إخطبوطاً من الشركات الاستثمارية الكبرى في مدينة صفاقس وتونس العاصمة وعدة مدن أخرى. وأشارت كثير من التقارير أن الدعم الإقليمي كان وراء فوز حركة "نداء تونس"، خاصة في ضوء تخوف بعض القوى من تمدد الحركات الإسلامية. ويمكن بالتالي القول إن المال السياسي قد أعاد إنتاج نظام المخلوع بن علي من خلال انتخاب رجالاته من جديد.
ومما سبق يمكن القول إن آفة المال السياسي إن صح التعبير؛ آخذة في الانتشار والتوسع في المنطقة العربية وتتغذى من التطورات التي تجري على الساحة العربية بشكل يوميٍ، خاصة لدى الدول التي تتسم بطابع التحرير ، وكذلك في الدول التي تشهد تبعية لأطراف خارجية مثل تونس ولبنان والأراضي الفلسطينية وغيرها.

----------------------------------
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الماء, الديمقراطية, تقويض, ودوره


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع المال ودوره في تقويض الديمقراطية
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
نهب الديمقراطية! عبدالناصر محمود مقالات وتحليلات مختارة 0 09-27-2013 07:16 AM
دور الشيعة في تقويض الحكم السني عبدالناصر محمود مقالات وتحليلات مختارة 1 07-27-2013 04:15 PM
الوعي المعلوماتي ودوره في توجيه ثقافة الخوف Eng.Jordan بحوث ودراسات منوعة 0 03-13-2013 01:28 PM
الديمقراطية؛ اسم... لا حقيقة له Eng.Jordan مقالات وتحليلات مختارة 0 11-26-2012 10:58 PM
مفهوم الاستخلاف ودوره في فكر ابن خلدون التربوي والتعليمي Eng.Jordan بحوث و مراجع و دراسات تربوية واجتماعية 0 02-18-2012 07:29 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 11:13 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59