#1  
قديم 06-19-2012, 12:33 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي دراســـة حــول الجوانب القانونية لأوضاع أطفال الشوارع في لبنــــان


دراســــة حـــول
الجوانب القانونية لأوضاع أطفال الشوارع
في لبنــــان

الدراسة في المرفقات

إعــــداد
القاضي الدكتور/غسان رباح



ساهم في اعداد الدراسة السيدة سناء عواضة :
مساعدة اجتماعية في المجلس الاعلى للطفولة
المحتــــويــات العـامة

· مدخل عام حول الجوانب الإجتماعية لأوضاع أطفال الشوارع
· المفهــــوم؟
· مَـنْ هم أطفال الشوارع في لبنان؟
· حجم المشكلة الإجتماعية وأسبابها؟
· أهـداف الدراسة
· فرضيـات البحث وصعوباته

· القسم الأول: الوضع الراهن لمشكلة أطفال الشوارع في لبنان من ناحية الخلفية الإجتماعية

· القسم الثاني: الجوانب القانونية والمقترحات المتممة لها
أ – الإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته ونمائه.
ب – التشريعات والأنظمة المحلية والنصوص المقترحة لتعزيزها.


القســم الأول
مدخـل عام حول الخلفية الإجتماعية لأوضاع أطفال الشوارع في لبنان

لقد عرف لبنان أقسى معاني التشرد المنزلي في أثناء حروبه الصغيرة وعلى مدى خمسة عشر عاماً، عندما اضطرت عائلات بأكملها إلى النزوح من مكان إلى آخر هائمة على وجهها لتُحرم من حق الرجوع إليها.

لقد لعب التشرد دوراً مأساوياً وأصبح مشكلة كبيرة ليس في لبنان وحسب بل وفي العالم أجمع، إذ هناك ملايين من أطفال الشوارع يعيشون منعزلين يعانون من سوء التغذية منذ ولادتهم يفتقدون العطف والتعليم والمساعدة.
أطفـال يعيشون من التسوّل، وربما من العنف والسرقة والتعدي على أملاك الغير.

إن الشارع هو الإرث العام لملايين من البشر، حتى قبل أن تلوثهم سموم المخدرات والجريمة على أنواعها.

لقد أصبح سكان المدن الآن أصغر سناً وبحلول عام 2009 ستكون أعمار نصف سكان العالم دون الخامسة والعشرين، ومن فئة 5 إلى 19 عاماً سيزيد عدد أطفال المدن في العالم بمقدار 477 مليون عن عددهم الحالي، منهم 220 مليون طفلاً من البلدان النامية، ومنها البلدان العربية، حيث سيكون 35 بالماية من مجموع السكان دون سن الرابعة عشرة، منهم 30 بالماية سيكونون في فقر مدقع، وبالتالي فلا بد أن يزيد عدد أطفال الشوارع المشرّدون والمتسولون ممّن يعيشون كلياً أو جزئياً بمقدار عشرات الملايين(1).



· المفهـــوم:
كوسيلة لوصف هؤلاء الأطفال، ربما تفتقر كلمة "الشـارع" إلى الوضوح، ويقول تعريف حديث:
"طفل الشارع المشرّد أو المتسوّل، هو أي قاصر أصبح الشارع له (بأوسع معاني الكلمة) محل إقامته المعتاد وهو لا يجد الحماية الكافية".

وعلى عكس اليتامى وذوي الإحتياجات الخاصة، لا يستطيع المرء أن يحدد هوية طفل الشارع بأي معيار علمي دقيق؛ والواقع أن التعبير بالكاد يكون جزءاً من قاموس اللغة الدارجة، وهو يشمل عدداً من أولئك: الأطفال اللقطاء، الأطفال المتسربون من المدارس، الأطفال غير المتكيفين مع البيئة، ويقضي الكثيرون منهم في أوقات مختلفة جزءاً من يومهم في الشارع دون أن يشتركوا بالضرورة في أي خصائص أخرى مشتركة: أطفال بلا أسرة، أطفال التعرّض للمخاطر اليومية، أطفال لا إرتباط لهم، أطفال بحاجة إلى رعاية وحماية، أطفال مخذولون... هذه كلها مسميات تتداخل معاً.
إن هؤلاء الأطفال الذين يعيشون على هذا النحو، هم أيضاً مرشحون رئيسيون للإستغلال الجنسي، وصناعة الجنس ككل هي جزء لا يتجزأ من مشكلة أطفال الشوارع، وبغاء الأولاد أصبح الآن أمراً عادياً مثل بغاء الفتيات، وقد يبدو الفرق شاسعاً بين هذه المهنة النمطية للشارع وبين بيع الصحف، أما في أعين ممارسيها الصغار، فإنها تكون مجرد وسيلة للبقاء من بين وسائل أخرى، وبالنسبة لأولئك الذين يعيشون في الشارع بلا أُسـر ولا مستقبل ويشعرون باليأس، في البلدان المتقدمة والمتخلفة على حد سواء، يمثل البغاء أو التسوّل فرصة للحصول على دخل فوري.

· من هم أطفـال الشوارع في لبنان؟
هم أطفال تتراوح أعمارهم بين الـ 5 و16 عاماً، غالبيتهم من الذكور وتقل أعداد الإناث لسببين:
ـ العادات الإجتماعية التي تضع حواجز كثيرة أمام الفتيات.
ـ الفتيات يعملن عادة بمهنٍ غير ظاهرة.


ويتحدر هؤلاء من أُسر فقيرة، حيث يرتفع عدد أفرادها ويقل مستوى الدخل، ويمكن تقسيم أولاد الشوارع في لبنان إلى فئات ثلاث:
1 – أولاد ما زالوا محافظين على علاقتهم مع أُسرهم ومرتبطين بها.
2 – أولاد يعملون في الشارع ويقضون فيه معظم أوقاتهم، ولكن على صلة بعائلاتهم، وقد يكونوا من المتسربين مدرسياً.
3 – أولاد ليس لديهم أي صلة بأسرتهم وهذه الحالة الأكثر خطراً (أيتـام، مطرودين، هاربين من عائلاتهم لسبب أو لآخر).

· حجم المشكلة الإجتماعية في لبنان وأسبابها:
إن المشكلة في لبنان تبدو حتى الآن غير واضحة، وإن كانت غير مخيفة، إلا على صعيد وجود عدد غير قليل من الأطفال الأجانب من المشردين، وهم يشكّلون همّاً إنسانياً قد تتفاعل تأثيراته ليصبح تعرّض هؤلاء الأطفال أقرب إلى حالة الإنحراف الإجرامي منه إلى البقاء في طي النسيان أو اللامبالاة، وأكثرهم يمارسون أعمال التسوّل وبيع البضائع الخفيفة أو مسح زجاج السيارات أو الأحذية، بإيعاز من بعض الكبار – وقد يكون أهلهم – يستغلونهم في هذه المجالات وربما في غيرها من الإستخدامات الخطرة على صحتهم وسلامتهم وتربيتهم وربما انحرافهم(1).

· أسباب الوجود في الشارع:
1 – الفقر وتدنّي الوضع المعيشي؛ حيث يجبر الأهل أولادهم على الدخول في سوق العمل التافه لإعالتهم.

2 – الوضع الإجتماعي للأسرة؛ فقد تستجد ظروف عديدة تنعكس سلباً على وضع الأسرة، وبدل أن تؤمّن الحماية والرعاية للطفل، نجدها تقوم بدور حيادي ولا مبالي، ويرجع ذلك إلى التفكك الأسري، بنتيجة الطلاق، وتعدد الزوجات، وفقدان المعيل، وارتفاع عدد الأولاد في الأسرة وقد يكون بينهم عدد من المعوّقين(1).

3 – النظام المدرسي المتّبع حتى الآن يؤدي إلى التسرب عندما يفشل بأن يجعل من المدرسة تجربة ممتعة ومثيرة للأطفال، وهو يكون كذلك عندما لا يستطيع أن يقدم:
ـ أبنية وتجهيزات مدرسية مناسبة.
ـ منهجية دراسية ملائمة لحاجات التلاميذ.
ـ تدريب ومتابعة دائمين للمعلمين المتخصصين.
ـ جو دائم وآمن.

4 – يوجد في لبنان، كغيره من البلدان العربية – تجمعات لبعض المجموعات غير المنتمية لأية جنسية، والمعروفين بالبدو، وقد حصل عدة مرات أن استقروا في ضواحي العاصمة بإقامتهم في بيوت مصنوعة من المعادن الرخيصة وفي أمكنة لا تستوفي كحد أدنى من العناية الصحية، وكان هؤلاء يرسلون بأولادهم (من سن السابعة إلى السابعة عشرة) إلى شوارع العاصمة للتسوّل طوال النهار وفي ظروف طبيعية وخلفيات معيشية صعبة.

5 – لا يوجد حتى الآن مراكز لاستقبال الأولاد المتسربين دراسياً، ليتم التعويض ببرامج بديلة من برامج التعليم غير النظامي، ولمتابعة الأولاد اجتماعياً ونفسياً لحمايتهم من الوقوع في مهاوي الرذيلة فالإنحراف، كما لا يوجد مراكز دائمة للإستلحاق، وإذا وُجدت فإن إمكانياتها محدودة ومؤقتة.


هذا، ويعاني هؤلاء الأولاد من مخاطر عديدة كالمرض وسوء التغذية، والإستغلال الاقتصادي والجنسي، وممارسة العنف عليهم جسدياً، إضافة بالطبع إلى الإهمال.

· أهداف الدراسة:
تهدف هذه الدراسة، بعد عرضها للخلفيات الإجتماعية والإقتصادية والتربوية التي جعلت منها مشكلة إلى:
ـ مراجعة قانون الطفل الحالي في لبنان (وهو لا يزال غير موحّد) فيما خص أوضاع هؤلاء الأطفال في الشارع.
ـ تحليل الإجراءات القانونية المطبّقة على الأطفال ومدى توافقها مع اتفاقية حقوق الطفل (C.R.C) ومعايير الأمم المتحدة التي يجب توافرها في قضاء عـدالة الأحداث وكيفية تطويرها.
ـ وضع مقترح لإضافة مواد قانونية على قانون الطفل اللبناني، والتي من شأنها أن تؤدي إلى مسودة قانون جديد يأخذ بالإعتبار توفير الحماية القانونية لطفل الشارع بوسائل متعددة يشترك فيها: (الشرطي، والعامل الإجتماعي، والجمعيات الأهلية والأهل، والنيابة العامة والمحكمة المختصة)؛ إضافة إلى الأخصائيين الإجتماعيين المدرّبين للتعامل مع الأطفال المقبوض عليهم والمسحوبين من الشارع تمهيداً لإعادة تأهيلهم وإيجاد الوسائل الكفيلة بإدماجهم ثانية في مجتمع بعيد عن الشوارع.

· فرضيات البحث وصعوباته:
لقد تكشّف ما بعد الحرب اللبنانية الحجم الهائل للجهود المطلوبة للتنمية الإجتماعية، وخاصة ما يتعلق منها بالخدمات الرعائية للأطفال، باعتبارهم من أكثر الفئات تضرراً من آثار هذه الحرب، وبرزت أمام الإدارة الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني مهمات عاجلة على هذا الصعيد.
ومما لا شك فيه أن أية خطة وطنية لا يمكنها أن تتنبأ بهذا القدر من المشكلات في غياب أجهزة الرصد والتخطيط، وفي ظل ندرة الدراسات الميدانية والإحصاءات الدقيقة والمعلومات الموثّقة.

في لبنان وبعد انضمام لبنان إلى إتفاقية حقوق الطفل في تشرين الأول – أكتوبر من العام 1990، ازدادت العناية الموجّهة إلى البرامج الخاصة بالأمهات والأطفال، وخاصة تلك التي تركّز على الأُسر الضعيفة، أو التي تواجه بطالة مزمنة، لمساعدتها في التغلّب على الضائقة الإقتصادية وتأمين متطلبات العيش السويّ، ومن المسلّم به أن انضواء الأطفال في الحياة الأسرية المتوازية والصحيحة، يشكل حائلاً طبيعياً يقيهم من الإنزلاق إلى الشارع والوقوع في متاهاته.

ميدانياً وكخلفية اجتماعية لهذا البحث تبدو ظاهرة أطفال الشوارع في لبنان، للوهلة الأولى – ورغم طول الزمن – وكأنها واحدة من إفرازات الحرب اللبنانية، وبهذا المعنى يُنظر إليها كأمر واقعي من قِبل معظم فئات المجتمع الأهلي، خاصة وأنها منتشرة في أوساط الأجانب من المشرّدين والوافدين، ولكن الهمّ اللبناني بدأ يظهر على خلفيّة الوضع الإقتصادي الصعب الذي لا يزال يصيب لبنان منذ أكثر من عشر سنوات، وهو مرشّح للتفاعل إذا ما تُرك بدون معالجة.
فقد تؤدي اللامبالاة حيال هؤلاء المتشردين إلى دفعهم إلى حافة الإنحراف والجنوح، وقد ينتهي بهم الأمر من التسوّل أو ببيع البضائع الخفيفة أو مسح زجاج السيارات، إلى الوقوع بين أيدي المستغلين من الكبار. وقد لا يتورّع هؤلاء من العبث بمصيرهم والزجّ بهم في مهاوي الإنحراف أو الإجرام.

أمام معاينة هذه الظاهرة تبرز الفرضيات والصعوبات التالية:
1 – هل هناك اعتراف رسمي بمسؤولية الإدارة الحكومية عن حماية أطفال الشارع أو السعي لتخليصهم في حال التشرّد والتسوّل؟!

2 – وهل لدى البنى الرسمية تقييم واضح لوضع هؤلاء الأطفال يمكن أن تستند إليه عند مواجهتها لهذه المشكلة؟
وما هي طبيعة المعالجات القائمة وحدودها؟

3 – إن الإكتفاء بالمعالجة الأمنية الرادعة، التي تتوسل تطبيق القانون باليد الغليظة، له مردود سلبي، فهو يعزز الروح العدوانية لدى المشرّدين الذين يتم توقيفهم، في غياب الإجراءات التي ترفع عنهم الحرمان وتفتح أمامهم سُبل التكيّف والعمل المنتج من أجل حقهم بالبقاء وهو المبدأ الأسمى المكرّس لهم في اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل.

4 – وماذا عن الأخذ بمعالجة مشكلة هذه العلاقة المطّردة بين حال الأميّة أو تدنّي المستوى العلمي للمشرّد ولأسرته وبين تفاقم وضعه الإجتماعي؟

5 – إن العمل باتجاه تطبيق اتفاقية حقوق الطفل يستدعي اعتماد منهجية متكاملة، غير متوفرة حالياً تقوم على تأمين الوقاية الشاملة التي تطال الطفل في محيطه الأسري وفي بيئته المحلية.

6 – في غياب الإحصاءات والدراسات المطلوبة للإحاطة بحقيقة المشكلة، وفي غياب السياسة الوقائية الشاملة أو المتخصّصة في هذا الإتجاه، تسدل وسائل الإعلام، المسؤولة اجتماعياً، ستارها عن حجم المسألة المطروحة، وتتغاضى عن دورها في نشر الوعي إلى دور خجول، في وقت يعوّل عليها بشكل أساسي في تصحيح النظرة إلى الشارع بوصفه ملجأ للذين افتقدوا الفرص، وليس بكونه مجرد بؤرة للبؤس والعنف وبالتالي الإنحراف.

7 – الملاحظ أن التقارير الدورية المقدمة إلى لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل في جنيف، وآخرها التقرير الوطني الثالث (1998 – 2003) لم يلحظ فقرة واحدة، ولو مختصرة حول أطفال الشوارع في لبنان!! وهذا الأمر يعود إلى المبادىء التوجيهية لإعداد التقارير الوطنية حيث لا يوجد إشارة خاصة بأطفال الشوارع.




بعد هذه الملامح الموجزة حول الخلفية الإجتماعية لأسباب انتشار الأطفال في الشارع، لا سيما في لبنان لا بد، في هذا القسم الثاني من البحث، من التركيز حول الجوانب القانونية لهذه الظاهرة؛ وذلك في مجالين رئيسيين:
* المجال الأول، يتناول النصوص الوطنيّة والدوليّة التي لا تزال ترعى هؤلاء الأطفال، أي ما جاء في تلك النصوص من خلال التشريعات المحلية، وما استجد من اتفاقيات أو بروتوكولات على صعيد الأمم المتحدة.
* أما المجال الثاني، فهو محاولة سدّ النواقص التي تشوب التشريعات اللبنانية لجهة حماية أطفال الشوارع والعمل على طرح بعض النصوص القانونية التي من شأنها تأمين تلك الحماية.

المجال الأول: النصوص الوطنيّة والدوليّة الراعية لأطفال الشوارع في لبنان:
تُجمع الإتفاقيات الدولية والتشريعات المحلية، التي ترعى حقوق الأطفال، وكذلك الخطط المعبّرة عنها، على أن السياسة الوقائية لحماية الأطفال من التسوّل والتشرد والإنحراف (أي جعلهم "مربى" الشارع)، ينبغي أن تطال الطفل في محيطه المباشر وغير المباشر معاً، وهي وحدها الكفيلة بالحدّ من اتساع هذه الظاهرة وتفاقم آثارها.

ومع ذلك، وفي ظل غياب الإحصاءات الدقيقة، تؤكد ملاحظات العاملين الميدانيين على ازدياد حالات التشرّد بين الأطفال، وعلى الطابع المدني البحت لهذه الظاهرة، في مقابل غيابها الملحوظ في المناطق الريفية.

وأدهى ما في الأمر، أن تغدو مظاهر التسوّل عند تقاطعات الطرق أو في الأماكن العامة مشاهدات اعتيادية يومية، فتصبح هي الأخرى من معالم البيئة المحلية، ففي غضون ذلك قد لا تنفع المعالجات المتأخرة، خاصة بعد أن يكون التشرد قد تحوّل لدى فئات من الأطفال إلى نمط معيشي يساعد على الانحراف، ويضخّ أفواجاً من الجانحين.


وفي ضوء القانون اللبناني، اقتضت حكمة التشريع عند مشترع القانون القديم للأحداث المخالفين للقانون (المادة 26 من المرسوم الاشتراعي رقم 119 تاريخ 16/9/1983)، كما وفي القانون الحالي (المواد 24 حتى 28 منه) (والصادر برقم 422 تاريخ 6/6/2002) أن يستبق إنحراف الحدث بمعالجته لهذا الإنحراف أو الوقاية منه قبل حصوله أو تفاقمه وهو لم يتم الثامنة عشرة من العمر(1).

وعليه، جاء في المادة 25 من القانون الجديد حالات يعتبر معها الحدث، مهدداً بخطر الإنحراف؛ وهي التالية:
1 – إذا وُجد في بيئة تعرّضه للإستغلال أو تهدد صحته أو سلامته أو أخلاقه أو ظروف تربيته.
2 – إذا تعرّض لإعتداء جنسي أو عنف جنسي يتجاوز حدود ما يبيحه العرف من ضروب التأديب غير المؤذي.
3 – إذا وُجد متسولاً أو مشرداً.

يُعتبر الحدث متسولاً في إطار هذا القانون إذا اعتاد استجداء الإحسان بأي وسيلة كانت، ويعتبر متشرداً "Homeless" إذا ترك مسكنه ليعيش في الشوارع والمحلات العامة أو لم يكن له مسكن، ووُجد في الحالة الموصوفة آنفاً.
وسعياً وراء حل للحدث المعرّض للخطر؛ أعطت المادة 26 من القانون الجديد للقاضي، في أي من الأحوال المذكورة أعلاه، أن يتخذ لصالح الحدث تدابير الحماية أو الحرية المراقبة أو الإصلاح عند الإقتضاء، أما تدخّل القاضي فيكون بناء على شكوى الحدث أو أحد والديه أو أوليائه أو أوصيائه، أو الأشخاص المسؤولين عنه أو المندوب الإجتماعي أو النيابة العامة أو بناءً على إخبار، وعلى القاضي التدخّل تلقائياً في الحالات التي تستدعي العجلة. وعلى النيابة العامة أو قاضي الأحداث أن يأمر بإجراء تحقيق إجتماعي وأن يستمع إلى الحدث وذلك قبل اتخاذ أي تدبير بحقه ما لم يكن هناك عجلة في الأمر، فيكون ممكناً اتخاذ التدبير الملائم قبل استكمال الإجراءات السالف ذكرها، كما يمكن الإستعانة بالضابطة العدلية لتقصي المعلومات حول الموضوع.
وبرأينا، أنه لم يكن من الضروري توريط الضابطة العدلية لتقصّي المعلومات، ما دام المندوب الإجتماعي هو المولّج القيام بالمهمة العائلية والإجتماعية العائدة للحدث باحتكاكه به وبعائلته، الأمر غير المرغوب بإتمامه من الضابطة العدلية والتي تقتصر مهمتها للتدخل في شؤون الأحداث على النواحي الأمنية دون غيرها.
أما لجهة سرّ المهنة، فإن المشترع حسناً فعل في النص على أن لا يُعتبر إفشاءاً لسر المهنة ولا يقع تحت طائلة المادة 579 من قانون العقوبات اللبناني، أي إخبار يقدم إلى المرجع الصالح ممن هو مطّلع بحكم وضعه أو وظيفته أو فنه على ظروف الحدث المعرّض للخطر في الأحوال التي يكون فيها الحدث مهدداً، وهذا الأمر أكثر ما يعني الأطباء حين إحضار الأحداث من المشردين أو المتسولين في الشوارع إليهم وهم مصابون بحالات التعنيف الجسدي أو الجنسي.
الملاحظ، إن النص الجديد لم يترك للمحكمة إمكانية إعادة النظر بقرارها في ضوء سلوك الحدث في المأوى الخاص بالمتسول أو المتشرد الذي وُجد فيه، إذ كان من الأفضل إتاحة الفرصة لها بعد فترة معقولة لتسليم الحدث، إذا وُجد له قريب حتى الدرجة الرابعة من أصحاب السيرة الحسنة أو إذا طلب أحد الأشخاص من أصحاب الثروة والسمعة الطيبة تسليمه إليه بضمان مناسب للعناية به وتربيته بناءً على تقرير اجتماعي من الجهة المكلفة بذلك، أو المسؤول عن المأوى، وفي ضوء ذلك تتخذ المحكمة الإجراء المناسب لمصلحة الحدث المتسول أو المتشرّد ولمستقبله الأفضل.

ولعل في هذا التدبير مخرج مناسب لتعذّر قيام المؤسسات المعنيّة اليوم، خاصة في الظروف الإقتصادية الصعبة بالمهمة المطلوبة، باعتبار أن إنشاء مثل تلك المؤسسات يستدعي رصد مبالغ كبيرة لتأتي بالنتائج المرجوّة منها(1).

أما المادة 29 من القانون اللبناني، والتي ينهي المشترع بها الباب الثالث حول أحكام الحدث المعرّض للخطر، فقد جاء في نص المادة المذكورة ما يلي:
"في جميع الحالات السابق ذكرها، وأياً كان التدبير المفروض على الحدث، يبقى والدا هذا الأخير، ومن كان غيرهما ملزماً بالنفقة تجاهه، مسؤولين عن تأديتها، ويكون للقاضي الذي فرض التدبير بعد أن يستمع إلى الشخص المعين، أن يقرر ما يجب عليه تأديته من نفقة لتغطية تكاليف التدابير المقررة، وقراره لا يقبل أي طريق من طرق المراجعة، وهو ينفذه وفقاً للأصول المرعية في قضايا النفقة بما في ذلك اللجوء إلى الحبس الإكراهي".

ونرى أنه لا يبدو لهذا النص الجدّية المتوقعة في ضوء الواقعين الإجتماعي والإقتصادي للذين تقع عليهم موجبات دفع النفقة للأحداث في حال اتخاذ تدبير بحقهم من قبل القاضي المختص، ولا نرى أن فرض الأصول المرعية في قضايا النفقة بما في ذلك اللجوء إلى الحبس الإكراهي من شأنه حلّ المشكلة المطروحة، فالفقر في الغالب الأعم هو الذي يرعى أسرة الحدث المنحرف، فمن أين لهم الإنفاق؟ ومن أي منطلق نفرض أن ما يقرره قاضي الأحداث من نفقة لتغطية تكاليف التدابير المقررة، وجعل هذا القرار لا يقبل أي طريق من طرق المراجعة؟!!

وفي إطار موضوع الأطفال المعرّضين للخطر لا بد لنا من الرجوع إلى اتفاقية حقوق الطفل التي تهدف إلى تأمين الحماية الفعّالة للطفل، عبر منع أي شكل من أشكال العنف ولو كان يتمثّل بعقاب (المادة 37 من الاتفاقية) حيث تتعهد الحكومات بأن تتخذ إجراءات ضد "كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية أو الإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال، وإساءة المعاملة أو الإستغلال، بما في ذلك الإساءة الجنسية، وتشير المادة على الخصوص إلى بيئة الأسرة وأوضاع الطفل وهو برعاية الوالدين أو أحدهما أو الوصي القانوني، أو أي شخص آخر يتعهد الطفل برعايته" (المادة 19 من الاتفاقية).


أما الحالات التي يجوز فيها تدخل الهيئات والأجهزة الحكومية، فقد حدّدتها مبادىء الرياض:
أ – إذا تعرّض الطفل أو الحدث للإيذاء من الوالدين أو أولياء الأمر.
ب – إذا تعرّض الطفل أو الحدث للإعتداء الجنسي او للإيذاء الجسدي أو العاطفي من الوالدين أو أولياء الأمر.
ج – إذا أهمل الوالدان أو أولياء الأمر الطفل أو الحدث، أو تخلّوا عنه أو استغلوه.
د – إذا تعرّض الطفل أو الحدث لخطر جسدي أو أخلاقي، بسبب سلوك الوالدين أو أولياء الأمر.
هـ - إذا ظهر أي خطر جسدي ونفسي جسيم على سلوك الطفل أو الحدث، ولم يكن في وسع الوالدين أو أولياء الأمر أو الحدث نفسه، ولا خدمات المجتمع المحلي غير المنزلي، مواجهة هذا الخطر بوسائل أخرى غير الإيداع في المؤسسات الرعائية الرسمية.

وفي حال توقيف الطفل؛ ضمِن القانون رقم 422/2002 السابق الإشارة إليه الضمانات القانونية لجهة حضور المندوب الإجتماعي وإلزامية إبلاغ أهله عن مكان وجوده والإجتماع إليه والإستماع إلى أقواله، إضافة إلى حضور المحامي، والسرّية المطلقة في التعاطي مع ملفات الأحداث المعرّضون للخطر؛ وهي إجراءات تنسجم مع مبادىء الأمم المتحدة التوجيهية لمنع جنوح الأحداث (مبادىء الرياض) والتي اعتمدتها الجمعية العامة للمنظمة الدولية بالقرار 45/112 الصادر في 14/12/1990 وهي متوافقة مع القانون اللبناني.

هذا الجانب التشريعي في نطاق أطر المعالجة المحلية، يتخذ أهميته باعتباره نافذة على المواثيق والإتفاقيات الدولية والتشريعات المحلية التي تشكل الحماية القانونية للأطفال، ولا يزال الأمر يتطلب المزيد من الجهود من أجل إدخال روح هذه الإتفاقيات والمواثيق إلى النصوص التشريعية اللبنانية، والعمل على ترجمة ذلك في برامج التنمية الإجتماعية الموجهة إلى الأطفال عن النواحي التطبيقية وبالوسائل المعتمدة في المجتمعات الراقية عن طريق المراجع الرسمية والهيئات الأهلية:


أ – إنطلاقاً من الإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته ونمائه، الذي دعا إلى توجيه العناية والدعم للأطفال الذين يعيشون في ظروف صعبة، أقرّ الموقّعون عليه الإلتزام ببرنامج لحماية حقوق الطفل وتحسين حياته، ومن أبرز أهدافه:
ـ العمل على تخفيف محنة الملايين من الأطفال الذين يعيشون ظروفاً صعبة مثل أطفال الشوارع والأطفال المشرّدين والمعوقين...

ـ وفي نصوص اتفاقية حقوق الطفل (ولبنان ملتزم بها) مجموعة من الحقوق التي ينبغي على الدول الأعضاء في الإتفاقية المذكورة مراعاتها واحترامها وأبرزها:
* حق الطفل في الحماية من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية او العقلية... (المادة 19 المذكورة آنفاً).
* للطفل المحروم بصفة مؤقتة أو دائمة من بيئته العائلية، الحق في حماية ومساعدة خاصتين توفرهما الدولة، ويمكن أن تشمل هذه الرعاية، الحضانة أو الكفالة الواردة في الشرع الإسلامي أو التبني أو عند الضرورة، الإقامة في مؤسسات مناسبة لرعاية الأطفال (المادة 20 من الإتفاقية الدوليّة).
* لكل طفل الحق في الإنتفاع من الضمان الإجتماعي، بما في ذلك التأمين الإجتماعي، كما ينبغي منح الإعانات عند الإقتضاء، مع مراعاة موارد وظروف الطفل والأشخاص المسؤولين عن إعالته (المادة 26 من الإتفاقية الدوليّة).
* تعترف الدول الأطراف بحق كل طفل في مستوى معيشي ملائم لنموّه البدني والعقلي والروحي والمعنوي والإجتماعي، وتتقاسم المسؤولية في تأمين ذلك أسرة الطفل ووسائل الدعم التي توفرها الدولة (المادة 27 من الإتفاقية الدوليّة).
* على الدول الأطراف أن توفّر لكل طفل التعليم الإبتدائي الإلزامي المجاني (المادة 28 من الإتفاقية نفسها).
* على الدول الأطراف أن تعترف بحق الطفل في الراحة ووقت الفراغ ومزاولة الألعاب وأنشطة الإستجمام المناسبة لعمره (المادة 31 من الإتفاقية).
من جهتها القواعد النموذجية الدنيا لإدارة قضاء الأحداث (قواعد بكين) لعام 1985 (ولبنان ملتزم بها) الفقرة الثالثة منها، عُنيت بتوسيع نطاق القواعد النموذجية، لتوفير حماية أكثر شمولية للأحداث، فنص البند الأول منها على أن "لا يقتصر تطبيق الأحكام المختصة، والواردة في القواعد، على المجرمين الأحداث وحدهم، بل يشمل أيضاً الأحداث الذين يقاضون لسلوكٍ معين، لا يستوجب العقوبة إذا ما ارتكبه شخص بالغ (كالتغيّب عن المدرسة بغير إذن، والعصيان المدرسي والأُسري، والسُكر في الأماكن العامة) وما إلى ذلك".

فيما أوضحت مبادىء الرياض التوجيهية 1990 (ولبنان ملتزم بها) لكنه مقصّر في تطبيقها، غايتها في الفقرة الأولى منها، إذ اعتبرت "إن منع جنوح الأحداث هو جزء جوهري من منع الجريمة في المجتمع، ومن خلال ممارسة أنشطة مشروعة، مفيدة اجتماعياً، والأخذ بنهج إنساني إزاء المجتمع والنظر إلى الحياة نظرة إنسانية، يمكن للأحداث أن يتجهوا إتجاهات سلوكية بعيدة عن الإجرام".

وفي الجزء الثالث من هذه المبادىء، ركّزت على وضع خطط وقائية شاملة على المستويات الحكومية كافة، تتضمن تحليلاً عميقاً للمشكلة وتحديداً دقيقاً لمسؤوليات ذوي الأهلية من أجهزة ومؤسسات وموظفين، كما يرتكز على إنشاء آليات للتنسيق؛ وضع سياسات وبرامج واستراتيجيات، وإيجاد وسائل كفيلة بالحد من فرص ارتكاب الجنوح، وخاصة بالنسبة للأولاد المتروكين من المشرّدين والمتسولين في الشوارع، على سبيل المثال؛ إشتراك المجتمع المحلي، التعاون الوثيق بين السلطات المركزية والإقليمية والمحلية على المستوى الوطني، وإشتراك الشباب في سياسات وعمليات منع الجنوح، وتوظيف ذوي التخصص على جميع الأصعدة.
وجاء في الجزء السادس من المبادىء نفسها دعوة إلى سنّ وإنفاذ تشريعات تمنع إيذاء الأطفال والأحداث وإساءة معاملتهم واستغلالهم واستخدامهم في الأنشطة غير القانونية، كما تدعو إلى عدم إخضاع أي طفل أو حدث، سواء في البيت أو المدرسة أو أي مؤسسة أخرى لتدابير تصحيحية أو عقابية قاسية مماثلة خاصة بالأولاد يضمن حقوقهم ومصالحهم...

ب – التشريعـات والأنظمة المحلّيـة:
من جهته أدرج قانون العقوبات اللبناني (في الباب العاشر) وتحت عنوان: (الجرائم التي يرتكبها أشخاص خطرون بسبب عادات حياتهم) المواد القانونية الخاصة بأطفال الشوارع (من المتشردين والرحّل والمتسولين).

وقد حدّدت المادة 617 من قانون العقوبات المذكور أعلاه عقوبة الحبس مع التشغيل لمدة شهر على الأقل، وستة أشهر على الأكثر لأبوي القاصر أو أهله المكلّفون إعالته وتربيته إذا لم يقوموا بأوده رغم اقتدارهم وتركوه متشرداً .
كما فرضت المادة 618/عقوبات، عقوبة الحبس من ستة أشهر إلى سنتين على كل من دفع قاصراً دون الثامنة عشرة من عمره إلى التسوّل جرّاً لمنفعة شخصية.

أما فيما يتعلق بتسوّل أو تشرّد الرحل والبدو، فلم يحدد القانون عقوبة بشأنها، بل اقتصرت العقوبة في ما خصّهم على حال التجوّل دون بطاقة هوية محتوية على قياساته الجسدية أو لا يثبت أنه طلبها من السلطة، وذلك بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة، أو أن يوضع تحت المراقبة، كما يمكن أن يحكم عليه بالطرد من البلاد. (المادتان 619 و620 عقوبات).

ج – الأجهزة والهيئات الرسمية المتابعة لمشكلة أطفال الشوارع ميدانياً:
الواقع؛ أن النشاط الرسمي في هذا الإتجاه لا يزال مقتصراً على مكافحة ذيول هذه المشكلة وآثارها الميدانية، دون التعرّض لأصولها الإجتماعية او الإقتصادية وحتى التربوية.

وإذا كانت سنوات الأحداث الطوال قد حالت دون تطوير البنى والهيئات العاملة في هذا الحقل، فإن نشاط القائم منها قد تقلّص أمام اتساع حجم المشكلات التي أفرزتها الحرب اللبنانية.
وعلينا أن نعترف بأن التقدم في هذا الإتجاه سيكون بالضرورة تدريجياً، إذ لا يمكن توقّع حدوث تغيير ملموس إلا على المدى الطويل.


منذ العام 1995 كانت تتولى متابعة هذه المشكلة جهات تمثل وزارات العدل والداخلية والشؤون الإجتماعية، وقد أناطت الأنظمة بكل منها جملة من المسؤوليات والمهام:
ـ فعلى صعيد وزارة الداخلية؛ أنيطت بجهاز قوى الشرطة مهمة ملاحقة المتشردين والمتسولين من الأولاد وتوقيفهم، كما صدر قرار قضى بتشكيل لجنة مشتركة تضم إلى الشرطة مندوبين من مصلحة الرعاية الإجتماعية والشؤون الأسريّة في وزارة الشؤون الإجتماعية، ومن مديرية الشباب والرياضة، إضافة إلى ممثلين عن المؤسسات الرعائية والإجتماعية الأهلية، لمتابعة مشكلة المشرّدين من الأطفال والعمل على إيجاد الحلول لها، لكن عمل هذه اللجنة تعطّل لأسباب مجهولة.
وفي العـام 2000 عمدت قيادة الشرطة إلى استحداث مركز لإيواء المتشردين والمتسولين، هو الوحيد في لبنان، مركزه العاصمة بيروت، وذلك في محاولة للحدّ من ظاهرة التسوّل التي انتشرت في شوارع المدن الكبرى وضبطها ميدانياً، غير أن هذا المركز الذي أشرفت عليه فرقة من الشرطة مع بعض المساعدين الإجتماعيين، كان مركزاً مؤقتاً محدود الإمكانيات، وهو غير مؤهل للإيواء بالمعنى المطلوب، وبالتالي اقتصر عمل المركز على إيواء المتسولين والمشرّدين الذين تجمعهم الشرطة من الشوارع من مختلف الأعمار دون الثامنة عشرة، ولساعات محدودة يجري في أثنائها استجواب الموقوفين وتسجيل هوياتهم ثم يُخلى سبيلهم أو يسلّم بعضهم إلى ذويه.

ـ وعلى صعيد وزارة الشؤون الإجتماعية؛ وهي استُحدثت بموجب القانون رقم 212 عام 1993، تعنى مديرية الخدمات الإجتماعية بمشكلة المتشردين من خلال المهام التي أنيطت بمصلحة الرعاية الإجتماعية ومصلحة الشؤون الأسرية، وتتضمن هذه المهام الإهتمام بشؤون الأسرة، وبالحالات الطارئة التي تستوجب الإسعاف الإجتماعي والإغاثة، ومعالجة النتائج الإجتماعية للضائقة الإقتصادية بعد الأحداث اللبنانية، بالإضافة إلى ذلك تنسيق العمل بين الدولة وبين مؤسسات المجتمع المدني، كذلك، شكّل إنشاء المجلس الأعلى للطفولة، مؤخراً، خطوة متقدمة على صعيد وضع استراتيجية عامة لرعاية الطفولة، والقيام بالتنسيق المطلوب بين الوزارات المعنية للتكامل المطلبي بين القطاعين الرسمي والأهلي، إلا أن هذا المجلس لم يكن له مساهمة مباشرة حتى الآن في العمل وحيداً لأخذ المبادرة تمهيداً لحل مشكلة أطفال الشوارع.

ـ أما على صعيد وزارة العدل؛ فيعتبر تأسيس جمعية الإتحاد لحماية الأحداث في لبنان، وهي جمعية معتبرة من المنافع العامة بموجب المرسوم رقم 29 تاريخ 17/10/1939، من البنى شبه الرسمية التي أناطت بها القوانين الإعتناء بشؤون الأحداث عامة، والذين هم بحاجة إلى العناية والوقاية بمواجهة وقوعهم في مهاوي الإنحراف، ومن هؤلاء بالطبع الأحداث المعرّضون لخطر الإنحراف كونهم من المتسولين أو المشردين في الشوارع؛ ولكن، ولأسباب مادية وتقنية اقتصر دور هذه الجمعية الفعلي على الإهتمام بنوع خاص من الأحداث ممن ارتكبوا الجرائم العادية وأحيلوا إلى محاكم الأحداث، إضافة إلى القيام بالأبحاث الإجتماعية من أجل فرض التدابير الإصلاحية الملائمة بحق هؤلاء الأحداث، وثمة أمثلة كثيرة من التقارير الأمنية تفيد أن عدداً منهم عاشوا حالات من التشرّد والتسوّل والمبيت في الشارع، قبل أن ينتهي بهم الأمر إلى الإنحراف.

ـ أما على الصعيد الأهلي؛ فقد انضوى في إطار الهيئة الوطنية ليوم الطفل اللبناني (التي انبثقت في العام 1993 عن جمعية رعاية الطفل اللبناني) مجموعة كبيرة من الجمعيات والإتحادات الأهلية اللبنانية العاملة في حقول الرعاية الخاصة بالطفولة، إلا أن نشاطاتها بقيت مقتصرة على بعض المجالات البعيدة عن العناية بوقاية الأطفال ولا سيما أطفال الشوارع منهم، ولم يكن لهم أية مبادرة لمساعدتهم سواء على مستوى التمثيل القانوني أو إرسال مساعدة اجتماعية مجانية لمرافقة طفل الشارع عند القبض عليه أو تعريف الأطفال بحقوقهم، أو إيجاد بدائل لأمكنة توقيفهم أو حجزهم بعيداً عن الراشدين من المذنبين، ولا تأهيل هؤلاء نفسياً أو مهنياً لإعادة دمجهم في المجتمع بالشكل الذي يضمن لهم مستقبلاً بعيداً عن مخاطر الشارع، إضافة إلى السعي للحصول على أوراق شخصية تثبت هويتهم كما تنص على ذلك مواد الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل.


والملاحظ أن مختلف النصوص القانونية التي أوردناها في الفقرة – ب – آنفاً لم تكن – حتى اليوم – كافية لتلبية المبادىء التي التزم بها لبنان سواء تلك العائدة لقواعد بكين أم لقواعد الرياض، إذ أن اتجاه المشترع كان نحو استعمال الوسائل القمعية بواسطة الشرطة أو تشديد الأحكام الصادرة بحق أطفال الشوارع بواسطة المحاكم المختصة، الأمر الذي لا يساهم من قريب أو بعيد في إيجاد الحلول المناسبة لمشكلة ظاهرة هؤلاء الأطفال مستقبلاً؛ وهو تقصير طالما نبّهت إليه لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل في جنيف أثناء مناقشتها لتقرير لبنان الوطني الأخير عام 1996، وهو ما سيتكرر حصوله بالنسبة لمناقشة التقرير الوطني الثالث الصادر عام 2003.

إذ يلاحظ من مراجعة محتوياته، عدم اهتمام الجهات الرسمية أو الأهلية مباشرة أو بطريقة غير مباشرة بمعالجة المسائل الناشئة عن الإنحراف قبل وقوعها، بوضع الإستراتيجيات المطلوبة وقائياً وليس انتظار حصول الإنحراف، فعندها تصبح المعالجة صعبة وأكثر تكلفة اقتصادياً.

فما هو عليه الوضع اليوم في لبنان، والمقترحات أو التوصيات المطلوبة لتحسينه وتطويره؟! في الجوانب القانونية منه؟

هذا ما سيشكل موضوع القسم الثاني من هذه الدراسة.



(1) Committee on the rights of the Child-General comment No. 7 (2005) forty-first session – Geneva – Jan. 27 – 2005.

(1) تظهر الإحصاءات الآتية لدعاوى الأحداث المخالفين للقانون والتي صدرت فيها أحكام تنفيذ في معهد الإصلاح التابع لجمعية حماية الأحداث في لبنان خلال العام 2003، أنواع الجرائم المرتكبة وعدد مرتكبيها:
الجرائم المرتكبة
جنسية الحدث
- سرقة موصوفة
لبناني عدد 14
- سرقة عادية
سوري عدد 28
- لــواط
فلسطيني عدد 10
- دخـول البلاد خلسة
قيد الدرس 75
- اقامة غير مشروعة
عرب رحّل 12
- محاولة قتـل
أردني 2
- تشـرد
لبناني ومصري 27
- تعاطي مخدرات ونشل
عراقي 13
ومن مجموع الأحداث المخالفين للقانون الذين صدرت بحقهم في محافظة الجنوب والبالغ 90 حدثاً، كان هناك 70 منهم من الجنسية غير اللبنانية، والتشرد كان دافعهم للإنحراف وبالتالي كونهم في الشارع دفعهم لارتكاب الكثير من الجرائم على أنواعها، كما يلاحظ أنه منذ عقد التسعينات ازداد عدد المتسولين والمشردين من اللبنانيين بنسبة عشرة بالماية.

(1) وهذا ما شاهدناه في أحياء مدينة طرابلس الداخلية (شمالي لبنان).

(1) وهي نصوص تتلاءم وتتوافق مع ما جاء في مبادىء الرياض التي وافق لبنان على مضمونها؛ وسيأتي ذكرها لاحقاً.

(1) تكرّس هذا الإتجاه منذ زمن بعيد في المؤتمرات الدولية، ومن بينها توصيات حلقة دراسات الشرق الأوسط لمنع الجريمة ومعاملة المذنبين المنعقدة في القاهرة عام 1953 والتي رأت عدم التفريق بين الأحداث الجانحين والأحداث المشرّدين والأحداث الذين تستدعي ظروفهم تطبيق الوسائل الوقائية والإصلاحية عليهم، كذلك تكرّس هذا الإتجاه في توصيات المؤتمر الأول للأمم المتحدة لمنع الجريمة ومعاملة المذنبين المنعقد في جنيف عام 1955، والذي رأى ضرورة تطبيق أساليب الوقاية على الأحداث الذين يرتكبون أفعالاً تُعتبر جرائم طبقاً لأحكام القوانين السائدة، كذلك تطبيقها على الأحداث الذين يتعـرّضون بسبب ظروفهم الإجتماعية إلى ارتكاب هذه الأفعال، والأحداث الذين يكونون بحاجة إلى رعاية وحماية قبل وقوعهم في حبائل الإنحراف؛
ـ يراجع كتاب؛ د. محمد عارف: الوقاية من جناح الأحداث، منشورات الأمم المتحدة، عام 1993، نيويورك.
ـ مؤلَّفنا – حقوق الحدث المخالف للقانون والمعرّض لخطر الإنحراف، وفي ضوء اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل؛ منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت (عام 2005).
المصدر: ملتقى شذرات

الملفات المرفقة
نوع الملف: doc dockids1.doc‏ (388.0 كيلوبايت, المشاهدات 5)
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
دراسة ، بحث


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع دراســـة حــول الجوانب القانونية لأوضاع أطفال الشوارع في لبنــــان
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حملة كنسية لتنصير أطفال الشوارع عبدالناصر محمود شذرات مصرية 0 12-20-2014 08:38 AM
يطالب بقتل أطفال الشوارع عبدالناصر محمود شذرات مصرية 0 06-22-2014 06:07 AM
ظاهرة أطفال الشوارع من أخطر القضايا وعددهم فاق 120 مليون عبدالناصر محمود أخبار منوعة 0 12-01-2013 08:57 AM
يــوم الـسّــــؤال يقيني بالله يقيني أخبار ومختارات أدبية 4 05-02-2012 08:21 PM
الجوانب المحاسبية والرقابية للوقف في الأردن Eng.Jordan بحوث ومراجع في الإدارة والإقتصاد 0 01-26-2012 12:26 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 04:14 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59