#1  
قديم 03-25-2019, 07:50 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,139
ورقة فآمنت طائفة وكفرت طائفة


فآمنت طائفة وكفرت طائفة
ـــــــــــــــ

(فيصل بن علي الكاملي)
ــــــــــــ

18 / 7 / 1440 هـــ
25 / 3 / 2019 م
ـــــــــــــ

D2avg1JWsAEOolF.png



بعث الله المسيح عليه السلام رسولاً إلى بني إسرائيل، قام اليهود يتعنتون تعنت أسلافهم قتلة زكريا ويحيى عليهما السلام، ويسألونه ممتحنين لا مسترشدين، ويصدون الناس عن دعوته، كما صنعوا مع أخيه المصطفى صلى الله عليه وسلم من بعده. وقد نقل لنا العهد الجديد (كتاب النصارى) بعض ما وصف به المسيح عليه السلام هؤلاء البهت تتزعمهم طائفة الفريسيين. من ذلك ما جاء في «سِفر متَّى» على لسانه عليه السلام: «لاَ تَعْمَلُوا مِثْلَ مَا يَعْمَلُونَ، لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ وَلاَ يَفْعَلُونَ... فَهُمْ يُعَرِّضُونَ عَصَائِبَهُمْ وَيُطِيلُونَ أَطْرَافَ أَثْوَابِهِمْ؛ وَيُحِبُّونَ أَمَاكِنَ الصَّدَارَةِ فِي الْوَلاَئِمِ، وَصُدُورَ الْمَجَالِسِ فِي الْمَجَامِعِ، وَأَنْ تُلْقَى عَلَيْهِمِ التَّحِيَّاتُ فِي السَّاحَاتِ، وَأَنْ يَدْعُوَهُمُ النَّاسُ: يَا مُعَلِّمُ، يَا مُعَلِّمُ».

ثم أشار إلى زهدهم في بيت المقدس لأجل حطام الدنيا كما صنع آباؤهم من قبل، فقال: «لَكِنِ الْوَيْلُ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ... تَقُولُونَ: مَنْ أَقْسَمَ بِالْهَيْكَلِ، فَقَسَمُهُ غَيْرُ مُلْزِمٍ؛ أَمَّا مَنْ أَقْسَمَ بِذَهَبِ الْهَيْكَلِ، فَقَسَمُهُ مُلْزِمٌ! أَيُّهَا الْجُهَّالُ وَالْعُمْيَانُ! أَيُّ الاِثْنَيْنِ أَعْظَمُ: الذَّهَبُ أَمِ الْهَيْكَلُ الَّذِي يَجْعَلُ الذَّهَبَ مُقَدَّساً؟».

ثم وبخهم على قتل أنبيائهم فقال: «الْوَيْلُ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ... تَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ بِأَنَّكُمْ أَبْنَاءُ قَاتِلِي الأَنْبِيَاءِ، فَأَكْمِلُوا مَا بَدَأَهُ آبَاؤُكُمْ لِيَطْفَحَ الْكَيْلُ».

وأخيراً توعدهم بعقاب من الله يكون به خراب الهيكل فقال: «أَيُّهَا الْحَيَّاتُ، أَوْلاَدَ الأَفَاعِي! كَيْفَ تُفْلِتُونَ مِنْ عِقَابِ جَهَنَّمَ؟... الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ عِقَابَ ذلِكَ كُلِّهِ سَيَنْزِلُ بِهَذَا الْجِيلِ. يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ، يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا! كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، فَلَمْ تُرِيدُوا. هَا إِنَّ بَيْتَكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَاباً!»[1].

ووفقاً لسفر لوقا خاطب مدينةَ القدس[2] قائلاً: «فَسَتَأْتِي عَلَيْكِ أَيَّامٌ يُحَاصِرُكِ فِيهَا أَعْدَاؤُكِ بِالْمَتَارِيسِ، وَيُطْبِقُونَ عَلَيْكِ، وَيُشَدِّدُونَ عَلَيْكِ الْحِصَارَ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَيَهْدِمُونَكِ عَلَى أَبْنَائِكِ الَّذِينَ فِيكِ، فَلاَ يَتْرُكُونَ فِيكِ حَجَراً فَوْقَ حَجَرٍ: لأَنَّكِ لَمْ تَعْرِفِي وَقْتَ افْتِقَادِ اللهِ لَكِ. وَلَدَى دُخُولِهِ الْهَيْكَلَ، أَخَذَ يَطْرُدُ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ فِيهِ وَيَشْتَرُونَ، قَائِلاً لَهُمْ: قَدْ كُتِبَ: إِنَّ بَيْتِي هُوَ بَيْتٌ لِلصَّلاَةِ. أَمَّا أَنْتُمْ، فَقَدْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!»[3].

ثقلت دعوة المسيح عليه السلام على اليهود فلم يصبروا، وتمالؤوا مع الروم على قتل نبي الله كما قتلوا أنبياء الله قبله، لكن الله نجاه منهم فلم يقتلوه ولم يصلبوه كما قرر الحق تبارك وتعالى في كتابه. أما الحواريون فلم يَسلموا من اضطهاد السلطة الرومية وأعوانها من اليهود الفريسيين الذين باعوا دينهم.

بولس وجماعة القدس:
=======
كان من أشهر الفريسيين «بولس» الطرسوسي الذي قال عن نفسه: «أَنَا فَرِّيسِيٌّ ابْنُ فَرِّيسِيٍّ»[4]. وهو إلى كونه يهودياً فريسياً كان عميلاً من عملاء الروم، إذ كان رومياً بالولادة[5].

والحق أن «بولس» هذا لم يعتنق النصرانية كما يزعم هو أو يزعم تلميذه «لوقا»، بل تظاهر باعتناقه النصرانية ليفسدها، وهذا ما تؤكده الوثائق الكنسية القديمة التي تنص على أن شاول (أي بولس) هو الذي قتل إمام النصارى في القدس بُغية القضاء على ما تبقى من نصرانية بعد رفع المسيح عليه السلام، ولهذا مزيد بيان في المقالة القادمة إن شاء الله[6].

نذر «بولس» القسم الأول من حياته لاضطهاد أتباع المسيح عليه السلام، ولم يتظاهر باعتناق النصرانية إلا بعد أن عجز عن القضاء على أتباعها الذين كانوا يشكلون «جماعة القدس». وقد ورد في سفر أعمال الرسل ما يشير إلى هذا[7]. ثم تسنى له عرض إنجيله الخاص به والذي نذر له ما تبقى من حياته وقال عنه: «كَيْفَ تَتَحَوَّلُونَ بِمِثْلِ هَذِهِ السُّرْعَةِ عَنِ الَّذِي دَعَاكُمْ بِنِعْمَةِ الْمَسِيحِ [يعني نفسه]، وَتَنْصَرِفُونَ إِلَى إِنْجِيلٍ غَرِيبٍ؟ لاَ أَعْنِي أَنَّ هُنَالِكَ إِنْجِيلاً آخَرَ [غير إنجيلي]، بَلْ إِنَّمَا هُنَالِكَ بَعْضُ (الْمُعَلِّمِينَ) الَّذِينَ يُثِيرُونَ الْبَلْبَلَةَ بَيْنَكُمْ»[8]. وهو هنا يقصد أتباع المسيح عليه السلام ممن لم يرضخوا لسلطان الروم.

وبناء عليه يمكن تقسيم القوى المشاركة داخل القدس بعد رفع المسيح عليه السلام إلى ثلاث قوى. الأولى: هي الطائفة «المستبدة» التي مثَّلها من تعاقبوا على حكم الإمبراطورية الرومية من ملوك وأباطرة. والثانية: هي الطائفة «المداهنة» من الساسة ورجال الدين الذين رضوا بفُتات موائد أربابهم من الروم. أما الطائفة الثالثة: فهي «المقاوِمة» التي تثور أحياناً في وجه المحتل عندما تشعر بالخذلان لتُقمَع بالسلاح تارةً وبوُعود المنافقين تارةً أخرى.

تمايزت هذه الطوائف الثلاث إبان القرن الأول الميلادي؛ فتمثلت الأولى في السلطات الرومية التي كانت غايةً في الاضطهاد لمخالفيها والبطش بهم. أما طائفة المداهنين فمثَّلها عملاء روما من اليهود «الفريسيين» و«الهيروديين». وهؤلاء هم الذين سجلوا تاريخ هذه الحقبة وقاموا بما تقوم به وكالات الأنباء الكبرى من واجب «المداهنة للروم» كما اعترف شاهد العيان «يوسيفوس»[9]. وأما الطائفة المقاوِمة فهي التي وصفها بأنها: «ذات نزوع شديد للتحرر [من نير الاحتلال]... لا يدفعهم الخوف إلى اتخاذ البشر أرباباً من دون الله»[10].

لكن تاريخ هذه الحقبة لا يمكن استجلاؤه والجزم بتفاصيله من كتابات يوسيفوس لِما عُرف عنه من مداهنة السلطة الرومية. لكن الله أشار في كتابه العزيز إلى أن بني إسرائيل انقسموا حيال دعوة المسيح عليه السلام إلى طائفتين. طائفة آمنت به فنصرها الله عز وجل ببعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم كما يذكر أهل التفسير عند تأويل قول الله عز وجل:

{فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ} [الصف: 14]. وأما التي كفرت فتسلط عليها الروم فتفرقوا أيدي سبأ في ما عرف بالشتات ولم تقم لهم بعدُ قائمة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] متّى 23.
[2] يرى بعض علماء أهل الكتاب أن هذه الروايات الإنجيلية إنما دونت بعد تدمير الهيكل الثاني. وأياً كان الأمر فإنه لا ينفي توبيخ المسيح عليه السلام لليهود وتوعدهم بعذاب الله عز وجل لهم.
[3] لوقا 19: 43-46.
[4] أعمال الرسل 22: 3.
[5] أعمال الرسل 22: 27.
[6] Robert Eisenman. James the Brother of Jesus (New York: Penguin Books, 1997), p. 466.
[7] أعمال الرسل 8: 3.
[8] غلاطية 1: 6-9.
[9] F. Josephus. The Jewish War (Bible Works LLC., 1:2,(1999-2001 .
[10] Josephus. The Jewish War, 2:117.






ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
فآمنت, وكفرت, طائفة


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع فآمنت طائفة وكفرت طائفة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
طائفة الأحباش Eng.Jordan رواق الثقافة 1 12-08-2015 12:36 AM
فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة! عبدالناصر محمود شذرات إسلامية 0 02-04-2015 08:48 AM
من هم طائفة المورمون ؟ احمد ادريس المسلمون حول العالم 0 05-09-2013 10:53 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 10:47 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59