#1
|
||||
|
||||
ثنائية الفشل والنجاح
إن الفشل والنجاح ، ثنائية منقطعة متصلة في الوقت نفسه ، قد يبدو منها التناقض في أول وهلة ، ولكنها في حقيقتها متلاحمة متشابكة في تنظير الفكر ، وشواهد التجربة والواقع ، وإن كان لكل منهما معرِّفاتُه التي من خلالها نفهم الدوافع التي تحملنا على سلوكها إقبالا أو إحجاما : فالنجاح سنة في هذا الكون أراد الله تعالى أن تكون غاية كل مؤمن ، وخلق الكون كله مسخرا لتحقيق تلك الغاية. حين صور القرآن حال أولئك الذين رفضوا سبيل النجاح ، وأصروا على سبيل الغواية والفشل ، ووصف حالهم يوم تعرض النتائج ، ويُعلم الناجح من الخاسر : ( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ . وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ . يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ . مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ . هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ ) الحاقة/25-29 وحين كتب سبحانه الحياة الطيبة في الدنيا لمن يسلك سبيل النجاح ، فقال عز وجل : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) النحل/97 قال ابن كثير - رحمه الله - : " هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا ، والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت ، وقد روي عن ابن عباس وجماعة أنهم فسروها بالرزق الحلال الطيب ، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه فسرها بالقناعة ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : إنها هي السعادة ، والصحيح أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله . " تفسير القرآن العظيم " ( 4 / 601 ) . هذا هو المنهج الذي يعيش وفقه المسلم ويفهم من خلاله الحياة ، ومن انطلق من هذا الفهم فإنه لا بد سيقوده إلى النجاح والتفوق في أمور دينه ودنياه ، ونجاح الفرد جزء من نجاح الأمة في تحقيق العدل والقسط . ولأن المؤمن يسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم حين يقول : ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُم عَمَلًا أَن يُتقِنَهُ ) وإتقان العمل ركن من أركان النجاح . هذه الدوافع كلها هي التي تحفز الانسان لبلوغ أقصى درجات النجاح ، فهو يسعى دائما في تنمية مواهبه ، واكتساب المهارات النافعة ، وتطوير ذاته على المستوى الثقافي والأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي ، ويعلم أن الانسان العامل الناجح خير من القاعد المحبط الكسول ، الذي لا يجني من كسله سوى خسارة الدنيا والدين . ( ولا تعجز ) ؛ فإن العجز ينافي حرصه على ما ينفعه ، وينافي استعانته بالله ، فالحريص على ما ينفعه ، المستعين بالله ، ضد العاجز ؛ فهذا إرشاد له قبل وقوع المقدور إلى ما هو من أعظم أسباب حصوله ، وهو الحرص عليه مع الاستعانة بمن أزمة الأمور بيده ، ومصدرها منه ، ومردها إليه ؛ فإن فاته ما لم يُقَدَّرْ له ، فله حالتان : حالة عجز ، وهي مفتاح عمل الشيطان ؛ فيلقيه العجز إلى لو ، ولا فائدة في لو ههنا ، بل هي مفتاح اللوم والجزع والسخط والأسف والحزن ، وذلك كله من عمل الشيطان ، فنهاه صلى الله عليه وسلم عن افتتاح عمله بهذا المفتاح ، وأمره بالحالة الثانية ، وهي : النظر إلى القدر وملاحظته ، وأنه لو قدر له لم يفت ولم يغلبه عليه أحد ؛ ... فلهذا قال : ( فإن غلبك أمر فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل ) ، فأرشده إلى ما ينفعه في الحالتين : حالة حصول مطلوبة ، وحالة فواته ، فلهذا كان هذا الحديث مما لا يستغني عنه العبد أبدا " المصدر: ملتقى شذرات |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
الفصل, ثنائية, والنجاح |
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع ثنائية الفشل والنجاح | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
احتفال المجلس الإسلامي بـ14 عاما على التقدم والنجاح | عبدالناصر محمود | المسلمون حول العالم | 0 | 04-16-2014 08:38 AM |
4- موقع نظرية التظم من ثنائية اللفظ والمعنى | أيمن أحمد رؤوف القادري | أخبار ومختارات أدبية | 0 | 10-16-2013 10:29 PM |
بين الفشل والنجاح | جاسم داود | الملتقى العام | 2 | 07-06-2012 07:13 PM |
الخبرة والنجاح | جاسم داود | الملتقى العام | 0 | 03-30-2012 03:49 PM |