#1  
قديم 09-02-2019, 08:46 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي الحقيقة المدهشة حول الحوافز والدافعيّة


الحقيقة المدهشة حول الحوافز والدافعيّة


إنّني أعمل حول موضوع الحوافز والدافعيّة منذ سنوات، من الشائق ملاحظة الاختلاف بين دوافع الموظّفين المختلفة. وكم هو مثير دراسة الحوافز والمكافآت وتأثيرها على الدافعيّة للعمل. تشير الأبحاث العلميّة إلى نتائج مدهشة حول هذا الموضوع، وهذا ما سأشارككم فيه. غالباً لا يمكن التنبّؤ بالسلوكات التي قد تنجم عن وجود حوافز مختلفة وسأضع بين أيديكم دراستين حول هذا الموضوع.

يعتبر السّؤال الأساسيّ الذي يتمّ طرحه هنا هو: "هل تحصل المؤسسة على أداء أفضل من الموظفين حين تمنحهم الحوافز أو المكافآت المادية؟ ومن ناحية أخرى هل يمكن إطفاء سلوك معيّن من خلال فرض عقوبات مثلاً؟
لنذهب من لندن إلى الشّمال الشرقي من الولايات المتحدة الأمريكية، وننظر إلى الدراسة التي أجريت بواسطة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، قام المعهد باختيار عينة من الطلبة وأسند إليهم مجموعة من المهامّ والتحديات مثل: حفظ مجموعة من الأرقام غيباً أو حل بعض ألغاز المتاهات، أو الكلمات المتقاطعة، أو القيام ببعض المهامّ البدنيّة، كرمي كرة داخل شبكة، بعد تحديد تلك المهامّ أخبر القائمون على الدراسة أفراد العينة أن لديهم مجموعةً من الحوافز لكي يتحسّن أداؤهم، وكانت الحوافز على ثلاثة مستويات كالآتي:
• إن كان الأداء متدنياً يحصل الشخص على مكافأة مالية قليلة.
• إن كان الأداء متوسطاً يحصل الشخص على مكافأة مالية متوسطة.
• إن كان الأداء مرتفعاً يحصل الشخص على مكافأة مالية كبيرة.


إنّ النمط المتكرّر من المكافآت في أغلب المؤسّسات يأخذ بعين الاعتبار المجتهدين ذوي الأداء المتميّز، ولا يعير اهتماماً لذوي الأداء المتدنّي، وغالباً ما يتساءل الأفراد الذين يقعون في المنطقة المتوسّطة عن وضعهم، لكن لنر ما الذي أفضت إليه هذه الدراسة.
لاحظ القائمون على الدراسة أنه عندما كانت المهامّ أو التحديات المطلوبة لا تتطلب سوى مهارات آليّة أو ميكانيكيّة رتيبة، فإنّ الحوافز الماديّة كان لها تأثير على تحسّن الأداء. وهذا أمرٌ معقول. أمّا عندما تصبح المهامّ بحاجة لمهارات ذهنيّة فإنّ الحوافز لا تجدي نفعاً، حتى وإن كانت المهارات الذهنيّة المطلوبة في مستوياتٍ متدنية. أمرٌ غريبٌ بعض الشيء، كان القائمون على الدراسة وهم جميعاً اقتصاديون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة شيكاغو يؤمنون بالنظريّة التي تفيد بأنّ الحوافز الماديّة الأعلى تفضي إلى أداء أفضل. ولكن النتائج أشارت إلى العكس من ذلك. فعندما يصل الأمر إلى المهارات العقلية لا يمكن أن تنطبق هذه النظرية.
أثارت نتائج هذا البحث بعض الجدل خصوصاً عند الجهة المموّلة للبحث وهي البنك الفدرالي، حين أجمعوا على أنّ هذه النتائج جاءت مخالفة لقوانين السلوك. وعند النظر في الحوافز المادية المدفوعة تساءل الممولون عن مدى جدواها في المجموعة الذي طبقت عليها الدراسة. وبناءً على ذلك قرّروا إعادة التجربة في مكان آخر، بحيث يكون للمبلغ المادي المرصود أثر على الفئة المستهدفة.

وقع الاختيار على أحد الأماكن القرويّة في الهند، وتمّت إعادة التجربة على النحو التالي:
• إن كان الأداء متدنيّاً يحصل الشّخص على مكافأة مالية تعادل أجر أسبوعين من العمل.
• إن كان الأداء متوسطاً يحصل الشخص على مكافأة مالية تعادل أجر شهر من العمل.
• إن كان الأداء مرتفعاً يحصل الشخص على مكافأة مالية تعادل أجر شهرين من العمل.
يظهر أنّ الحوافز كانت جيّدة، قد تكون النتائج مختلفة هنا. حقيقة الأمر أنّ الأشخاص الذين كوفئوا بصورة متوسطة لم يكونوا أفضل حالاً ممن حصلوا على مكافآت متدنية، لكن الغريب في الأمر أن من عرض عليهم أعلى المكافآت كان أداؤهم هو الأسوأ على الإطلاق. وهذا شيء غريب حقاً. أعيدت التجربة عدة مرات من قبل فئاتٍ مختلفة: اقتصاديين وعلماء نفس واجتماعيين. وفي كل مرة تكررت التجربة ظهرت النتيجة نفسها، حيث إنّ للحوافز المادية أثراً كبيراً إذا كانت المهامّ بسيطة ميكانيكية. ولكن إذا تعقدت المهامّ وصارت تتطلّب مستوىً معيّناً من المفاهيم والتّفكير الإبداعي، فقد أثبتت التجارب أنّ الأمر يكون مختلفاً.
نتوصّل هنا إلى حقيقة مهمّة وهي: أنّ المكافآت الماديّة أمر مهمّ جداً، ولكنّها ليست نهاية المطاف، حيث إنّ تأثيرها غريب نوعاً ما. إذا لم تدفع لموظفيك ما ينبغي فلن تجد مردوداً في العمل. المفارقة في الموضوع هي كيفية الاستخدام الأمثل للمال كحافز ودافع للعمل، عليك أن تدفع المال الكافي للأفراد لكي يتوقفوا عن التفكير بالمال وبالحوافز الماديّة. إذا تمّ ذلك نتطلّع إلى ثلاثة عوامل أساسيّة في الأداء:
• الاستقلاليّة
• البراعة والإتقان
• الغاية أو الهدف المعنوي
تعبّر الاستقلالية عن رغبتنا بإدارة الذات. إذا نظرنا إلى المفاهيم التقليدية في الإدارة نجدها تبتعد كل البعد عن مفهوم إدارة الموظف لذاته واستقلاليته، هذه المفاهيم تعبّر عن رغبة الإدارة بالطاعة والانصياع للأوامر، أمّا ما تسعى إليه الإدارة الحديثة فهو وجود موظّفين منخرطين قادرين على أداء المهامّ المعقدّة المطلوبة منهم. وهنا يظهر مفهوم الاستقلالية كحلّ للحصول على أفضل النتائج.
لنسوق بعض الأمثلة حول هذا الموضوع والتي تتعلق ببعض أشكال الاستقلالية الفطرية التي تؤدي إلى أفضل النتائج، نأخذ على سبيل المثال شركة أتلاسيان (( Atlassian الأسترالية لإنتاج البرامج الحاسوبية، حدّدت الشركة يومًا في كل ثلاثة أشهر بحيث يكون للموظفين الحرية للقيام بما يرغبون فيه بشرط أن يكون هذا العمل ذا فائدة للشركة، وهناك مساحة لحرية العمل أينما يرغب الموظف ومع من يرغب، وتعرض النتائج في اجتماع عامّ يتسم بطابع اجتماعي مرح. كانت النتائج عظيمة. فيوم واحد فقط من الاستقلالية أدى إلى تعديلات إبداعية في البرامج الحاسوبية، وإلى ظهور عدد كبير من المنتجات التي أفادت الشركة كثيراً. إنّ هذا اليوم الحرّ في العمل لا يعتبر حافزاً مادياً، وإنني لم أكن لأنفذّ هذه الفكرة قبل أن أقرأ هذا البحث. ما كنت أعلمه أنّك إذا أردت أفكاراً إبداعية من شخص ما، فما عليك إلا أن تخصص مكافأة ماديّة لذلك. أمّا هذه الشركة فقد قامت بالعكس من ذلك تماماً. إنها تقول لموظفيها "قد يكون لديكم الرغبة في القيام بعمل مميّز، نحن لا نقف في طريقكم". يوم واحد من الاستقلالية في العمل أدى إلى نتائج مبهرة.
لننظر الآن إلى مفهوم البراعة أو الإتقان، يمكننا تعريفه بأنّه الرغبة في التحسن في العمل، إذا رأينا أشخاصاً يعزفون آلات موسيقية في نهاية الأسبوع، قد نستغرب تصرفات غير مبرّرة من الناحية الاقتصادية، فمثل هذه الأمور لا تدرّ دخلاً أبداً، ولكن لماذا يقوم البشر بهذه الأعمال؟
إنّها المتعة بكل بساطة. إنّك تشعر بالرضى والسعادة حين تقوم بهذه الأمور، سأعود بالذاكرة إلى الوراء قليلاً، حين كنت طالباً عام 1983 وذهبت إلى السيدة ماري أليس شومان، التي كانت تدرس مادة الاقتصاد، كانت لدي فكرة لأسلوب عمل أريد أن أرى أصداءها. أخبرت البروفيسورة ماري عن الفكرة. ماذا لو أحضرنا مجموعة من الأشخاص الذين يقومون بأعمال ماهرة جداً وممن لديهم الرغبة في القيام بالمزيد من خلال التبرع بوقتهم تطوعاً. ماذا لو تمكنّا من ذلك... أن نعمل ونخترع ونعطي... لا نبيع، لا بدّ أن يكون الإنجاز كبيراً. بالطبع اعتقدت السيدة ماري أنني مجنون، لو نظرنا الآن لما هو موجود في عالم البرامج الرقمية مثل لينوكس أو ويكيبيديا أو أباتشي قد نتساءل لماذا يقوم أفراد ممن يتمتعون بمهارات عالية بأعمال معقدة ذات طابع تحدٍ عال؟ لماذا يقومون بأعمال تعادل مستوى الحرفية والتعقيد الذين يقومون به في وظيفتهم دون مقابل؟ الجواب واضح تماماً. إنها البراعة والإتقان في العمل بالإضافة إلى الرغبة في المساهمة المجتمعية. هذا ما يسمى بالهدف المعنوي حيث تسعى المؤسسات حالياً لإيجاد رسالة لوجودها تتصف بالأهداف السامية، وذلك من أجل اجتذاب الخبرات والمهارات المختلفة.
إن ما نراه أحياناً من سلوكات سيّئة ينتج عن الفصل بين الهدف المعنويّ والهدف الماديّ. ومن تلك السلوكات التي قد تظهر نرى مثلاً منتجات سيّئة أو بيئة غير جاذبة للعمل، ولكن عندما يصبح الهدف المعنويّ بنفس أهميّة الهدف الماديّ نرى الأشخاص يبدعون، وهذا ما أدركته المؤسّسات الكبرى، وأصبحت تركّز بصورة واضحة على رسالتها بقدر ربحها، أي على ما هو معنويّ وما هو ماديّ. من الأمثلة المميّزة على ذلك أنّه كان لمؤسّس Skype غاية سامية:" أن نجعل من العالم مكاناً أفضل". وكذلك رأينا ستيف جوبز يسعى لترك أثر في الكون، إنّ الطّبيعة البشريّة تعظّم الهدف المعنويّ أكثر مما تعظّم الهدف الماديّ.
أعتقد أنّ العلم يؤكّد على أهميّة البراعة والإتقان وعلى الاستقلاليّة، إنّ ما يميّز هذه الصّفات أنّها تجعلنا نتعامل مع البشر بعيداً عن نظريّة العصا والجزرة التي تعوّد عليها البعض في السّابق. بتجاوزنا لتلك النظرية فإننا لا بد قادرين على إيجاد مؤسّسات تشكّل بيئة جاذبة للعمل، والأهمّ من ذلك أنّنا نستطيع أن نعد العالم بالتحسّن نحو الأفضل.
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الأجهزة, الحوافز, الحقيقة, والدافعيّة


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الحقيقة المدهشة حول الحوافز والدافعيّة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الحوافز التسويقية في الاتصالات عبدالناصر محمود شذرات إسلامية 0 01-19-2016 08:24 AM
التغريدات على الأجهزة الذكية عبدالناصر محمود مواقع التواصل الاجتماعي 0 06-15-2014 09:15 AM
الحوافز التجارية التسويقية وأحكامها في الفقه الإسلامي Eng.Jordan بحوث ومراجع في الإدارة والإقتصاد 7 05-30-2014 03:36 PM
أثر نظام الحوافز على أخلاقيات الوظيفة العامة Eng.Jordan بحوث ومراجع في الإدارة والإقتصاد 0 02-03-2013 09:30 PM
دراسة حول أثر الحوافز في تعزيز القيم الجوهرية Eng.Jordan بحوث ومراجع في الإدارة والإقتصاد 0 01-09-2012 11:52 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 07:14 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59