العودة   > >

مقالات وتحليلات مختارة مقالات ..تقارير صحفية .. تحليلات وآراء ، مقابلات صحفية منقولة من مختلف المصادر

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
  #71  
قديم 11-16-2013, 09:45 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,159
ورقة

العلمانية، المفهوم والمظاهر والأسباب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ

12 / 1 / 1435 هــ
16 / 11 / 2013 م
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

http://taseel.com/UploadedData/Pubs/Photos/_3195.jpg




الكتاب: العلمانية، المفهوم والمظاهر والأسباب

المؤلف: مصطفى باحو

الناشر: جريدة السبيل . سلا . المغرب

الطبعة: الأولى 2011م

عدد الصفحات: 172 صفحة

ــــــــــــ

بعد سقوط الشيوعية تحول الإسلام إلى عدو استراتيجي للغرب باعتراف نصر حامد أبي زيد ومحمد أركون، فالغرب لم يجد سلاحا أمضى من سلاح العلمانية لإزاحة الإسلام وزعزعته من المجتمعات الإسلامية والحد من هيمنته على الحياة العامة للمسلمين، وتحجيم دوره وتهميشه داخل جدران المساجد والزوايا، وتحويله في النهاية إلى نوع من الفولكلور أو التراث الشعبي، فجُندت وحشدت جحافل من العلمانيين العرب للقيام بدور الطليعة الأولى والنيابة عن الغرب في نشر المشروع الحضاري الغربي.

وفيما يخص الكتاب الذي بين أيدينا فيأتي في طليعة سلسلة متتابعة لنفس المؤلف حول العلمانية، والكتاب الذي بين أيدينا جاء بمثابة المقدمة العامة لها، فكان تمهيدا لبحوثها وتأسيسا لمواضعها، ولهذا تمحورت موضوعاته حول مفهوم العلمانية وأسبابها ومظاهرها وتاريخها وتطورها وآثارها وغير ذلك من القضايا المتصلة بها، وبحسب مقدمة المؤلف سيتبع هذا الكتاب سلسلة تضم أبحاثا عديدة نَجَز بعضها، وبعضها في الطريق إلى الإنجاز، منها:

1. الإسلام في نظر العلمانيين.

2. موقف القرآن من العلمانية.

3. موقف السنة من العلمانية.

4. ماذا تريد العلمانية؟.

5. ماذا يعني تطبيق الشريعة؟

6. العلمانية والمذهب المالكي.

والعلمانية بحسب رأي المؤلف ليست فصل الدين عن الدولة فقط كما يروج عدد من العلمانيين تسترا وتزييفا، بل هي فلسفة عامة للوجود، لها رؤية للكون وللإنسان، تعتبر فيه الإنسان مركزا رئيسا ووحيدا لهذا الكون، ولا مكان فيها للماورائيات والغيبيات والأساطير الدينية، والتي تتحول إلى شيء فردي وشخصي شأنه شأن الأكل والشرب واللباس.

الأمر الذي تبدو فيه قضية السياسة مجرد جزئية في المشروع العلماني، الذي يقوم أساسا على تهميش المقدس كحد أدنى، أو إلغائه وإنكاره تماما كحد أقصى. إن شئت الدقة فقل: إن الدين في ظل ذلك المشروع: إما محال إلى التقاعد، وإما مفصول من الخدمة.

حقيقة العلمانية:

بعد عرضه للمعني اللغوي للعلمانية بين الكاتب أن السياق التاريخي والثقافي والاجتماعي الذي نشأت فيه العلمانية يؤكد على عدم ربط المصطلح بالعلم، وإنما بالعالم المحسوس المادي المقابل للعالم الغيبي الميتافيزيقي الذي ما قامت العلمانية إلا لتجاوزه.

وقد خلص الباحث بعد عرضة لأكثر من تعريف للعلمانية بأن الأسس التي تقوم عليها تتلخص في الآتي:

1 - الرؤية المادية، وإنكار كل ما وراء المادة.

2 - تنحية الغيب والميتافيزيقا.

3 - نزع القداسة عن المقدس.

4 - العقلانية المطلقة.

5 - النسبية المطلقة.

6 - فصل الدين عن الحياة، وإلغاؤه تماما من المنظومة المعرفية أو السلوكية.

من هنا يتضح أن العلمانية مذهب إلحادي. ولهذا فدائرة المعارف البريطانية لما ذكرت الإلحاد قسمته إلى قسمين:

1 - إلحاد نظري.

2 - وإلحاد عملي. وذكرت الفلسفة العلمانية ضمن الإلحاد العملي.

مظاهر العلمانية:

بين الكاتب أن العلمانية فلسفة للوجود بكل مكوناته وتنوعاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية وغيرها، وليست محصورة في فصل الدين عن السياسة.

فالعلمنة السياسية ليست إلا جزءا لا يتجزأ من علمنة حقول أخرى كثيرة تراهن على إدخالها حركة العلمنة، بما في ذلك حقول الاقتصاد والثقافة العامة والتشريع إلى جانب مجالات التعبير الجمالي والفني، فالرهان العلماني يتجاوز في نهاية المطاف الجانب الحصري الذي يخص علاقة الدولة بالجهاز الديني ليطال مجالات أوسع وأشمل.

ولهذا خص الكاتب هذه النقطة بالحديث عن مظاهر العلمانية في المجالات المختلفة فتحدث عن العلمانية في السياسة والاقتصاد والمواطنة والتربية والأخلاق والاجتماع والإعلام والرياضة والفن و القانون والتعليم.

أسباب العلمانية:

وقصد الكاتب بالأسباب الشروط التاريخية التي تسببت في إفرازها ووجودها في العالم الغربي أولا، وفي نسختها الكربونية العربية، من أجل فهم منطقي ومعمق لحقيقتها ومدلولها المفاهيمي، ومن ثم موقف الإسلام منها.

بين الكاتب أن المتفق عليه بين جل الباحثين بما فيهم كثير من العلمانيين أن العلمانية إفراز ثقافي فلسفي في ظل شروط تاريخية واجتماعية ودينية غربية مخالفة للسياق الذي وجدت-أو بالأحرى- أُوجدت فيه في العالم العربي.

فالعلمانية ظاهرة غربية محضة تاريخا وموطنا وأسبابا، لها شروط سياسية ودينية واجتماعية ولدتها وساهمت في تشكيلها وبررت وجودها، وجعلت من أوروبا حاضنا رسميا لها.

بل الأكثر من هذا فالمسيحية بحد ذاتها لإقرارها بترك ما لقيصر لقيصر وما لله لله هي العامل المركزي الذي ساهم في بروز العلمانية. فمن رحم المسيحية المحرفة مذهبا وتاريخا خرجت العلمانية.

وقد أجمل الكاتب أسباب العلمانية في النقاط الآتية:

السبب الأول: الطغيان الكنسي.

السبب الثاني: الصراع بين الكنيسة والعلم.

السبب الثالث: طبيعة الدين المسيحي.

السبب الرابع: الفصل بين الدين والدولة.

السبب الخامس: الحروب الدينية.

أما عن أسباب انتقال العلمانية إلى العالم الإسلامي، فقد لخصها المؤلف في الآتي:

السبب الأول: الاستعمار.

السبب الثاني: الصحافة الموالية للاستعمار.

السبب الثالث: التخلف والتفكك المجتمعي العام.

السبب الرابع: علماء السوء.

السبب الخامس: الماسونية.

السبب السادس: التنصير.

الحكومة الدينية:

تحت هذا العنوان أشار الكاتب إلى أنه ليس في الإسلام «رجال الدين» بالمعنى الطبقي الاجتماعي أي: طبقة معينة لها مميزات خاصة وامتيازات معينة، ولها الحق وحدها في معرفة الحقيقة المطلقة، وأنها تحكم بتفويض إلهي.

وبين كذلك أن الحكومة الدينية المسيحية أو الحكومة الإلهية أو الحكومة الثيوقراطية التي نشأت في الغرب تتميز بعدة خصائص، منها:

- أفرادها من الكهنة ورجال الدين.

- رجال الدين هم وحدهم لهم الحق في التحدث باسم الله.

- هم يحكمون بتفويض من الله، وبالحق الإلهي الذي يخول لهم التصرف في أرزاق الناس وتشريعاتهم ومصائرهم.

- لا يجوز لأحد مهما بلغ من العلم أن يخالف آراء رجال الدين لأنهم يمتلكون وحدهم الحق المطلق، ولو في العلوم التجريبية والفلكية والطبية.

وأما في الإسلام فالحاكم مدني، ولا يدعي أنه يحكم بتفويض إلهي، أو أنه يحكم باسم الله بمعنى النيابة عنه.

وعليه فرَّق الكاتب بين الدولة الدينية والدولة الإسلامية فبين أن الدولة الإسلامية تكون ذات مرجعية إسلامية أي منضبطة بضوابط الشريعة، والحاكم فيها يخطئ ويصيب، ولا يتحدث أحد باسم الله ونيابة عنه إلا الأنبياء.

والقول بحاكمية الشريعة لا يعني الحكومة الدينية كما توهم بعض الكتاب، لأن الحاكمية لا تعني أن يباشر حكام بأعيانهم سلطانا من الله على الناس كما كان في أوروبا، بل تعني أن تكون شريعة الإسلام هي مصدر التشريع، وأن الحكم للخليفة الذي بايعته الأمة وفق مبدأ الشورى.

العلمانيون العرب والغرب، الغزل المتبادل:

في هذه الجزئية أشار الكاتب إلى حرص الغرب على الدفع بمشروعه نحو المنطقة الإسلامية بغية مزيد من السيطرة والتحكم فيها. فبين أنه مع خروج جيوشه الاستعمارية عنها أبقى نخبا مغربة يرعاها برعايته ويكفلها بدعمه ويشملها بعطائه، وفي المقابل تسابقت النخب في إظهار أصناف الطاعة والولاء للمشروع الغربي، تارة بالإشادة بالمشروع العلماني، وتارة بتوجيه ضربات موجعة للمشروع الإسلامي، استكمالا لما بدأه السادة، وتنفيذا للمخططات الغربية. وقد تنافس العلمانيون في هذا تنافسا محتدما محموما.

مغالطات علمانية:

ختم الكاتب حديثه عن العلمانية بسرد عدد من المغالطات التي وقع فيها هذا الفكر المزيف، فقد ادعت العلمانية أنها صيرورة تاريخية لا مفر منها، وأنها أرقى ما وصل إليه العقل البشري. وبالتالي فهي حقيقة مطلقة، تنبني على أصول فلسفية وعقلية واحدة، وتقوم على أرض ديمقراطية صلبة.

ولرد هذه الأباطيل والترهات ناقش الكاتب واقع العلمانية في النقاط الآتية:

1- العلمانية وامتلاك الحقيقة المطلقة.

2- هل ترتكز العلمانية على أسس فلسفية وعقلية قطعية؟

3- هل العلمانية والديمقراطية توأمان لا ينفصلان؟

4- ما بعد الحداثة.

5- مغالطات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{التأصيل للدراسات}
ــــــــــــــــــــــــ
رد مع اقتباس
  #72  
قديم 11-25-2013, 08:19 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,159
ورقة

العلمانية في مصر (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــ

21 / 1 / 1435 هــ
25 / 11 / 2013 م
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(د. محمد هشام راغب)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كيف تسللت؟ إلى اين وصلت؟ من هم شيوخها ورموزها؟ .. وكيف نوقف تمددها؟



الصراع القائم في مصر خلال المائة سنة الأخيرة، صراع بين الإسلام والعلمانية، بين الفكرة الإسلامية والفكرة العلمانية، بين منهج الإسلام للحياة ونظام الحياة العلماني، بين بسط الإسلام شرعه وطريقته على كل شعب الحياة وبين عزل الدين تماما عن الحياة. قد يأخذ هذا الصراع أحيانا صورا سياسية أو اجتماعية أو ثقافية، ولكنها أجزاء صغيرة من الصورة الكبيرة الكاملة لطبيعة هذا الصراع.

لم تعرف مصر العلمانية حتى أواخر القرن التاسع عشر، ثم تسللت بنعومة وقوة نحو مراكز التأثير بدءا بالصحافة الوافدة من الشام، وأدوات الحكم تحت مظلة الاحتلال الإنجليزي، وحتى تمكنت من مفاصل الدولة المصرية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين فدانت لها كل منابر التأثير الثقافي والتعليمي والإعلامي والفني تقريبا، بل ووصلت إلى عمق مؤسسة الأزهر الشريف حتى مشيخته بزعامة الشيخ مصطفى عبد الرازق. كيف تمكنت العلمانية من النخب المصرية بهذه السرعة وبهذه القوة ؟ .. وإلى أين وصلت في وقتنا الراهن؟ .. ومن هم شيوخها ورموزها؟ .. ثم: كيف نواجه هذا المد العلماني الذي يهدد الهوية المصرية، ومن ورائها الدول العربية والإسلامية بالضرورة نظرا لمكانة مصر المؤثرة في قلب العالمين العربي والإسلامي؟



هذه الدراسة تتناول هذه القضية المصيرية عبر استعراض عشرة من رموز العلمانية في المائة سنة الأخيرة. ليس المقصود هؤلاء الأشخاص بأعينهم، ولا يعنينا هذا، بل إن القارئ سيرى أن معظم هذه الرموز لم يكونوا يوما عملاء لجهات مصرية أو غير مصرية، بل كانوا مخلصين لفكرتهم وعقيدتهم العلمانية بعزل الدين عن الحياة، وقصره على العلاقة الفردية الخاصة بين كل إنسان وربه الذي يختاره لنفسه، وكان أكثرهم وطنيين اعتقدوا أنهم بهذه العلمانية سينهضون بمصر على خطى أوربا وأمريكا. وسنرى بعضهم له ملكات ومواهب إنسانية عظيمة, ومنهم شخصيات لا تنقصها اللياقة والطرافة، ولكننا هنا نعرض لهذه الأفكار العلمانية المدمرة التي تخرب على المصريين دنياهم وتفسد عليهم دينهم.

إن هؤلاء الرموز وتلاميذهم ومدارسهم، لهم تأثير بالغ على النخب الحاكمة النافذة من أهل السياسة والمال، كما أصبح لهم تأثير لا يستهان به على عموم الناس. إن صراعا هائلا ونشطا لم يتوقف أبدا بين الإسلام والعلمانية، وسنرصد بعض صوره وتجلياته حتى في أدق وأحرج الأوقات التي مرت بمصر، حتى كأننا بين صراع سياسي واجتماعي وثقافي ظاهر، ومن ورائه يستتر صراع فكري مرير وعاصف.

إن هذه الدراسة لا تهدف فقط لتوعية الرأي العام بحقيقة الصراع القائم وخطورته على هوية الأمة ودينها، وإنما تهدف أيضا للتحذير من سقوط مزيد من الشباب ذوي الطاقات والملكات العالية أن يصبحوا وقودا لهذه الحركة العلمانية من غير قصد وبحسن نية. إن استعراض سيرة هذه الرموز العشرة من شيوخ العلمانية سيكشف الأسباب والدوافع التي هوت بهم في هذا الطريق، والشبهات الفكرية التي كبلتهم، وظروف النشأة والبيئة التي غذت بمرارة وقوة العقيدة العلمانية في نفوسهم.



الفصل الأول



توفيق الحكيم .. صانع الأقنعة



كنا في صبانا ندرس بابا كاملا في مادة التاريخ عن الحملة الفرنسية على مصر. وكان يدهشني دائما لغة الانبهار والتقدير التي يتكلم بها المدرس عن تلك الحملة التي جاءتنا من "عاصمة النور" وأدخلتنا عصر النهضة بعد قرون من التخلف. لم يسغ لعقلي الصغير وقتها أن ينبهر إنسان بقوة جاءت لاحتلال بلاده، خاصة وأننا كنا ندرس مقاومة الشعب المصري وإعدام بعض رموزه قبل وبعد ثورتي القاهرة الأولى والثانية. تجرأت يوما وسألت أستاذي:

- ألم تكن الحملة الفرنسية حملة احتلال لمصر؟

- بلى.

- ألا يعتبر الاستعمار مجرما في حق الشعوب التي يحتلها؟

- يا بني ألم تفهم كيف عرفنا الطباعة بسبب الفرنسيين وكيف كانت هذه بداية نهضة كبيرة للنشر والترجمة؟. ألم تفهم أن اكتشاف حجر رشيد كان كشفا علميا رائعا عرفنا به تاريخنا الفرعوني العظيم؟. ألم تفهم أن عشرات العلماء الفرنسيين قد أجروا بحوثا علمية متقدمة جدا في مصر ووضعوا عصارة علمهم في كتاب "وصف مصر"؟... ثم ألم أشرح لكم كيف وضع الفرنسيون نظاما دقيقا للإدارة بإنشاء "الديوان" لحكم مصر فتعلمنا منهم النظم الحديثة في الإدارة والسياسة؟. ألا يعتبر كلامك إنكارا للجميل على أقل تقدير؟. .. فهمت ؟!

لم أقتنع بكلام أستاذي، ولكني جبنت عن الرد فآثرت الصمت. كانت لوحتان زيتيتان في كتاب التاريخ تؤلماني كلما تذكرتهما، لوحة لدخول خيول نابليون لجامع الأزهر الشريف، والأخرى لمعركة إمبابة والمصريون صرعى على الأرض بأسلحتهم البدائية البسيطة بينما الجنود الفرنسيون يختالون ببنادقهم على خيولهم والعلم الفرنسي يرفرف وراءهم وفوهات المدافع منصوبة في الطرف البعيد من اللوحة. لم ينسجم كلام أستاذي مع مشاعر الذلة التي كانت تعبث بنفسي الصغيرة.

بعد ذلك بسنوات قليلة – في مرحلة الدراسة الثانوية - كنت نهما في قراءة الروايات والمسرحيات الأدبية ودواوين الشعر القديم والحديث. كان توفيق الحكيم في البداية هو نجمي المفضل لبساطة أسلوبه وطرافته وسهولة حواراته وجاذبيتها وحلاوة خياله وسحره. قرأت كتب الحكيم كلها وأتيت على بعضها أكثر من مرة. لم يكن لي هدف محدد من القراءة أكثر من الاطلاع والثقافة العامة، وكانت دار الكتب في شبرا بالقاهرة معينا على هذا بالاستعارة المجانية من رصيدها الزاخر.

بدأت بعض الإشارات تقلقني في كتب الحكيم، كان أولها شعور غالبني أثناء قراءة "يوميات نائب في الأرياف"، أن الرجل كان يصف أعماق الريف المصري بلسان المتفرج عليه، لا بقلم المعايش له. قلت لنفسي وقتها "لو كتب أوروبي هذا الكتاب لما اختلف أسلوبه كثيرا.. وربما جاءت عواطفه مطابقة تماما".

عادت إليَّ الذاكرة المؤلمة لدروس الحملة الفرنسية وأنا أقرأ عشق الحكيم لباريس وعبقها وذوقها متنقلا بين حي مونبارناس ومونمارتر، يصف كثيرا كيف يتوق إلى فنجان شاي بفنادق باريس العريقة، ويسهر في مسارحها التاريخية ليلا ويتجول طويلا في المتاجر العتيقة بالباليه رويال نهارا، باحثا عن "البيريه" الذي يلبسه على رأسه،. لم أفهم وقتها إصرار الرجل على لبس البيريه، وقرأت له تبريرا سخيفا قال فيه (لبس البيريه لا يجعلني مضطرا أن أخلعها لأحيي الناس أو ألقي التحية علي صديق أو زميل.. وهذا شيء مهم، لأنه عندما يرتدي الشخص "برنيطة" فلابد أن يخلعها ليلقي السلام علي زميل أو صديق وعندما يضطر إلي وضع "البرنيطة" علي رأسه من جديد فهو معرض لزكام..).

تعجبت أن يكون البديل للبيريه هو البرنيطة !.

كانت جريدة الأهرام تنشر أحيانا صورا لمقتطفات من صحف فرنسية فيها ثناء على أدب توفيق الحكيم وفكره. كانت الصور من صحافة "عاصمة النور" عن كاتب مصري تشعر الكثيرين بالفخر، لكن ثمة غصة كانت بحلقي كلما جاء ذكر فرنسا.



لم أشأ أن أستغرق في اجترار آلام الذكرى البعيدة لدرس الحملة الفرنسية والتي تعوق استمتاعي بطرافة وجمال أدب الحكيم ونظرائه من أمثال طه حسين ويحيى حقي والمازني ومحمد حسين هيكل، فقررت أن أرجع لأطالع "الحقيقة" حول تلك الحملة المشئومة. لم أجد أمامي أفضل من "تاريخ الجبرتي" الذي كتبه المؤرخ المصري الشهير وقد عاصر بنفسه أحداث تلك الحملة فرصدها بدقة في كتابه (عجائب الآثار في التراجم والأخبار). وكذلك طالعت الجزء الخاص بالحملة الفرنسية من كتاب (قصة الحضارة) للمؤرخ الأمريكي الشهير "ول ديورانت" بتعريب إدارة النشاط الثقافي لجامعة الدول العربية (طبعة 1949). أزعجني في البداية أسلوب الجبرتي "القديم"، ولم نكن قد طالعنا بعد أي كتاب من كتب التراث الإسلامي، وكان انطباعنا العام عن تلك الكتب "الصفراء" أن اسلوبها عتيق ومُمِل ومفرداتها مهجورة وفكرها ضعيف، هكذا تكوَّن عندنا انطباع دون أن نقرأ منها كتابا واحدا، وكان هذا الانطباع من الآثار الجانبية الأولى للثقافة المطروحة من رموز عصر "التنوير".

بعد قليل من مطالعة تاريخ الجبرتي، وجدت عبارته ممتعة، وأسلوبه راقيا رائقا وأحكامه دقيقة ومزاجه متوازنا وكتابته تكاد أن تكون بماء واحد. ولفت نظري إنصاف الرجل بدءا بتنديده بظلم واستبداد حكام مصر المماليك وتخلفهم وضعفهم وإهمالهم في تحصين الثغور والحدود، وكذلك ثناؤه على صنعة الفرنسيين وحسن إدارتهم ودقة تنظيمهم.



يتبع ...



د. محمد هشام راغب

----------------------------------------
رد مع اقتباس
  #73  
قديم 11-27-2013, 09:22 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,159
ورقة

الليبرالية الجديدة .. القناع الجديد للنفوذ الأمريكي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ

23 / 1 / 1435 هــ
27 / 11 / 2013 م
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(شيماء نعمان)
ــــــــــــــــــــــ

http://taseel.com/UploadedData/Pubs/Photos/_3646.jpg


لم تكن يومًا الليبرالية اتجاهًا فكريًا واحدًا بل تعددت اتجاهاتها في صور شتى ما بين الليبرالية الكلاسيكية والاجتماعية إلى الليبرالية المحافظة والليبرالية السياسية الاقتصادية والثقافية وصولاً إلى الليبرالية الأمريكية الحديثة والتي ربما تمثل أهم سمات الوقت المعاصر. وعلى الرغم من أن مصطلح الليبرالية نفسه مصطلح عريض يتسم بالغموض وطالما كان محل جدل واسع بين منظريه إلا أن المبدأ الأساسي الذي يمكن القول بأنه القاسم المشترك بين التيارات الليبرالية الكلاسيكية والحديثة هي فكرة الحرية الفردية والمفتوحة.

والحقيقة أن هذا المبدأ الليبرالي الصميم كان له الأثر الأكبر فيما آلت إليه الليبرالية من غموض وتضارب في الأفكار بعدما حدث نزاع بين الاتجاهات الليبرالية المختلفة في تكييف معنى الحرية التي قصدها كل اتجاه على كافة المستويات.

ولعله من الأهمية بمكان أن نلتفت الى الظروف التي ظهرت فيها الليبرالية من أجل فهم جيد لاتجاهاتها؛ فقد نشأت الليبرالية كرد فعل على تسلط وظلم الكنيسة وكهنتها في عصور أوروبا المظلمة لتصبح هي بركان الفكر الثائر الذي عصف بقلعة القداسة الكنسية وسطوة الإقطاع ثم تطورت بعد ذلك في عصر التنوير في القرن 18 لتتطور فيما بعد بصورة معينة في كل بلد على حدة.

الليبرالية وتضارب المفاهيم

يمكن تعريف الليبرالية على أنها مذهب فكري يرتكز على الحرية الفردية ويعتقد أن الوظيفة الأساسية للدولة هي حماية حريات المواطنين. إلا أن تاريخ هذا الفكر يثبت أن تعريف كالسابق ربما ليس كافيًا لفهم الاتجاهات المختلفة لليبرالية؛ ولننظر- على سبيل المثال- إلى مفهوم الليبرالية الكلاسيكية؛ فهي نوع من الليبرالية تقوم على فكرة الحقوق المطلقة لكل فرد بما فيها حرية التعبير وحرية الأديان. أما الليبرالية الاجتماعية فهي اتجاه آخر يشدد على العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق بين الجميع بصرف النظر عن الجنس أو العرق أو الطبقة الاجتماعية. أما إذا انتقلنا إلى ما يسمى بالليبرالية النفعية فإنها تولي اهتمامًا خاصًا بما اسموه الفعل الأخلاقي أي أن الفعل الذي يوفر أكبر ارتياح لأكبر شريحة من الناس هو دائمًا الفعل الأصح أخلاقيًا حتى وإن لم يكن كذلك! ناهيك عن الليبرالية الأمريكية الجديدة والتي أصبحت الأكثر شعبية خلال القرن الماضي ولا تزال حتى الآن.

مابين الليبرالية الأوروبية والأمريكية

ومن أجل رؤية أعمق لتفسير الاتجاه الليبرالي؛ كان لابد من التمييز بين الليبرالية الأوروبية والليبرالية الأمريكية نظرًا لأهمية كلاهما وكذلك للفروق الجذرية بين المفهومين. فقد كان من السائد التعامل مع المذهب الليبرالي كمذهب غربي فحسب؛ إلا أن الواقع الأوروبي والأمريكي يتعارض مع ذلك المعتقد. ولنبدأ بالليبرالية الأوروبية:

الليبرالية في أوروبا هي حركة سياسية تدعم تقليدا واسعا من الحريات الفردية وحكومة محددة المهام خاضعة للمسائلة دستوريًا وديموقراطيًا.وهذا يتضمن عادة مبدأ مفاده أنه ينبغي على الحكومة أن تعمل على التخفيف من حدة الفقر وغيره من المشكلات الاجتماعية ولكن دون تغييرات راديكالية في الهيكل المجتمعي. أما إذا تطرقنا إلى الليبراليين الأوروبيين فسنقف على حقيقة أنهم منقسمون فيما يتعلق بمسألة مستوى التدخل الرسمي والحكومي في مجال الاقتصاد؛ إلا أنهم بشكل عام يفضلون نوعًا من التدخل المحدود للغاية.

ويرى "هانز سلومب" أن معظم الأحزاب الليبرالية الأوروبية اليوم تلتزم بنهج الليبرالية المحافظة؛ فيما عدا أقلية تتمسك بمباديء الليبرالية الاجتماعية؛ ومن أشهر هذه الأمثلة حزب الليبراليين الديموقراطيين البريطاني.

أما إذا اقتربنا من مصطلح الليبرالية في الولايات المتحدة فسنجد أن الليبرالية الأمريكية هي فلسفة سياسية متشعبة ترتكز على الحقوق الأساسية للفرد في المجتمع. ومع ذلك فإنه منذ حقبة الثلاثينات تقريبًا يشير مصطلح الليبرالية في الولايات المتحدة إلى الليبرالية الأمريكية الحديثة والتي تربط الليبرالية الاجتماعية بدعم العدالة الاجتماعية والاقتصاد المختلط. كما ينافح الليبراليون الأمريكيون عن عدة قضايا يفردون لها اهتمامًا خاصًا مثل حق الإجهاض للمرأة وحقوق الأمريكيين الأفارقة في التصويت الانتخابي وكذلك زواج المثليين.

وسنعرض فيما يلي لعدد من نقاط الاختلاف بين هذين الاتجاهين لليبرالية:

يقول المؤرخ الأمريكي "آرثر شليزنجر" أن: "الليبرالية في الاستعمال الأمريكي لا يربطها الكثير من القواسم المشتركة مع نفس الكلمة المستخدمة في سياسة أي بلد أوروبي؛ ربما فيما عدا بريطانيا". فعادة ما يعني مصطلح الليبرالية في أوروبا ما يطلق عليه في بعض الأحيان الليبرالية الكلاسيكية، والالتزام بحكومة محدودة الصلاحيات واقتصاد عدم التدخل، وهو ما يتوافق بصورة أكبر مع التعريف الأمريكي لـ "الليبرتارية" الذي يفضل البعض تسميته بـ (مذهب مؤيدي مبادئ الحرية). وقد أرجع "لويس هاتز" في كتابه الشهير (التقليد الليبرالي في أمريكا) اختلاف الليبرالية في الولايات المتحدة عن أي بلد آخر في العالم إلى أن أمريكا لم يكن لديها يومًا أرستقراطية موروثة متأصلة ومن ثم فقد تجنبت أسوأ ما في الحرب الطبقية التي اجتاحت أوروبا.

ولعل من أكثر ما جعل تطور خط السير الليبرالي في أمريكا يتباعد عن الاتجاه الأوروبي لليبرالية في أوروبا هو أن الدول الأوروبية تمسكت بسيطرة قوية على النشاط الاقتصادي بعكس الحكومة الأمريكية غير المتدخلة نسبيًا.

وقد ظلت الليبرالية الأمريكية تضع عينها على المجتمع الأمريكي في معظم تواجدها، كما ضم كلا الحزبين الأمريكيين الرئيسيين الجمهوري والديموقراطي شخصيات تحسب على الاتجاه الليبرالي خلال معظم فترات القرن العشرين؛ إلا أنه بحلول نهاية القرن كان الحزب الجمهوري قد اعتنق التيار الاجتماعي وصارت الليبرالية مرادفًا لجناح اليسار في الشأن الاجتماعي والاقتصادي على حد سواء.

ويمكن القول أن السياسيين المعروفين بليبراليتهم كانوا من الناحية الاقتصادية غير ليبراليين بالمعنى الأوروبي للكلمة.

الجدير بالذكر أن هذا المصطلح صار يستخدم حاليًا بشكل أساسي كتعبير عن الازدراء فيما يفضل سياسيو ونشطاء تيار اليسار مصطلح "التقدميين" بدلاً منه.

ولم يكن التطور من نصيب الليبرالية الأمريكية فقط، إلا أن الليبرالية الأوروبية نفسها قد لحقت بعجلة التغييرات، حيث أوضح "ناثانيل ويليامز" أنه مع صعود حركة العمال المدعومة سياسيًا والحركة الاشتراكية، انفصلت الليبرالية الأوروبية بدرجة كبرى عن جناح اليسار. وأصبحت الحرية التجارية كما لو كانت في صراع مع التطلعات الاشتراكية؛ ومن ثم صار الليبراليون ممثلين عن مصالح الطبقة المتوسطة. وقد حقق الحزب الليبرالي في العديد من البلدان نفوذًا كبيرًا في مطلع القرن العشرين.بالرغم من ذلك وجدوا أنفسهم ليسوا إلا في منتصف الطريق بين حزبي العمل والمحافظين اللذين يحظيان باستقطاب متنامي. غير أنه مع سقوط الشيوعية الأوروبية واعتدال قوى العمال؛ فإن الأحزاب الليبرالية اقتصاديًا واجتماعيًا أصبحت تتمتع في الوقت الراهن بنوع من البعث المحدود.

الليبرالية الجديدة

وإذا كنا قد ألقينا الضوء فيما سبق على هيكل الليبرالية الأمريكية، فإنه لابد من الإشارة إلى التطور الجذري الذي لحق بها ليس فقط كنوع من الليبرالية البراجماتية بل كتعديل أساسي في الفكر الليبرالي الأمريكي ليظهر نوع جديد من الليبرالية تسمى بـ "الليبرالية الجديدة" أو كما يسميها "جون مينارد كينز" الليبرالية الاشتراكية. وهي تمثل أحدث أطوار الفكر الليبرالي والتي تبنتها الدول الصناعية الكبرى والمنظمات الدولية كمنظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي؛ لتبدأ آثاره في الظهور حتى على الدول التي تعتنق مذاهب اقتصادية مغايرة، حيث لم يعد الاقتصاد السياسي الكلاسيكي هو الصورة الملائمة للقطب الأمريكي الذي يسعى لتبرير التوسع الرأسمالي.

وبشكل أو آخر، يمكن اعتبار الليبرالية الجديدة عودة إلى فلسفة الليبرالية الكلاسيكية وإن كانت تذهب إلى أبعد منها في كون هدفها النهائي هو خلق عالم يسيطر فيه السوق الحر على العمل السياسي. وهو ما أكده باحثون في جامعة أسلو بالنرويج اذ ذهبوا إلى أن الليبرالية الجديدة يمكن اعتبارها الأيديولوجية السائدة التي تشكل عالمنا اليوم وأننا نعيش في عصر الليبرالية الجديدة أو الحديثة أو Neoliberalism .

وينزع دعاة الليبرالية الجديدة إلى القول بأنه يتحتم على الدولة أن تلعب دورًا فاعلاً في الاقتصاد ولا تتبع نظام الحكومة غير المتدخلة بحيث أن يتصاغر دور الافراد .

ومثل تلك الرؤى "المعاصرة" يمكن أن نربطها بمنظري القرن التاسع عشر مثل "بنيامين كونستانت" و"جون ستيوارت ميل"؛ وكذلك بمنظري العصر الحديث أمثال "ويليام بيفريدج" و"جون راؤل" اللذين تحدثا عن أيديولوجيات مماثلة. كما يمكن اعتبار أن الليبرالية الجديدة هي جيل من الليبرالية الأكثر راديكالية؛ وهي تشبه في ذلك ظاهرة "المحافظون الجدد" والذين لا يمثلون إحياء للمذهب "المحافظ التقليدي" بل اتجاهًا جديدًا متفردًا ذي مجموعة من الأفكار السياسية المتصلبة؛ وهو ما يظهر جليًا في الحزب الجمهوري بالولايات المتحدة الأمريكية، بينما عادة ما ترتبط الأيديولوجية الليبرالية الأمريكية المعاصرة بالحزب الديموقراطي؛ الأمر الذي يمثل حاليًا احتدامًا كبيرًا بين دعاة التيار المحافظ والتيار الليبرالي الأمريكي حتى باتت كلمة "ليبرالي" تمثل نوعًا من الاستهزاء أو الازدراء بين السياسيين الأمريكيين.

الليبرالية الأمريكية الجديدة والعالم الإسلامي

الحقيقة التي تطل برأسها في شتى البحوث والكتابات الأمريكية أن بحثا حثيثا يحصل بين المفكرين الأمريكيين لانشاء رؤية ليبرالية جديدة تستطيع التعامل مع مستجدات العالم الجديد بعد فشل واضح للقوانين الليبرالية النظرية في العقدين الأخيرين .

لقد تحدثت دوائر بحثية غربية واسعة عن تراجع كبير في الفكر الليبرالي المزروع في الدول الإسلامية برغم كل هذه الجهود والأموال المنفقة لنشره , ويبدو أن الفكر الليبرالي الجديد التي تحاول أمريكا تصديره الآن هو فكر التدخل بالقوة سواء من الحكومات التابعة لها في بلاد الإسلام أو من مراكز القوى المختلفة .

إذن فنحن باختصار أمام نوع من الليبرالية جديد يستند على شتى مبادئها القديمة مضافا لها استخدام لاستراتيجية القوة في تنفيذ المبادىء الليبرالية التي اصطدمت مع قيم المجتمع الإسلامي ومبادئه ... فهل تنجح النسخة الجديدة من الليبرالية فيما فشلت فيه سابقتها ؟!

------------------------------------------
{التأصيل للدراسات}
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
رد مع اقتباس
  #74  
قديم 11-28-2013, 08:24 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,159
ورقة

العلمانية في مصر
ــــــــــــــــــــــــــ

24 / 1 / 1435 هــ
28 / 11 / 2013 م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(د. محمد هشام راغب)
---------------

توفيق الحكيم .. صانع الأقنعة

- رأى توفيق الحكيم في طفولته الأسياد والعبيد .. ومع ذلك اختار أن يكون من العبيد الجنتلمان !

- العلامة محمود شاكر انتبه لخطورة "القاهرة الجديدة" التي أريد للمثقفين فيها أن يتبختروا في شوارعها خدما فارهين للسادة الأحرار الأوروبيين أبناء " الحرية والإخاء والمساواة".


... ولقد ذكر توفيق الحكيم لمحات من نشأته في مصر تعكس كراهية مفترضة لظلم الغرب وإذلاله للشعوب التي استعمرها، ولكنها تعكس أيضا بذور النشأة العلمانية. إن العبارات التي وصف بها تلك النشأة تتفق تماما مع نشأته لأب قاض وأم متفاخرة لأنها من أصل تركي وكانت تقيم العوائق بين توفيق الحكيم وأهله من الفلاحين فكانت تعزله عنهم وعن أترابه من الأطفال وتمنعهم من الوصول إليه، ولعل ذلك ما جعله يستدير إلى عالمه العقلي الداخلي (كما جاء في دراسة د. إسماعيل أدهم ود.إبراهيم ناجي عن توفيق الحكيم، والتي وافق الحكيم على نشرها). يقول الحكيم على لسان بطل روايته (نفسه):" نُشِّئ محسن على الكراهية.. كراهية الإنجليز.. أنه لن ينسى قط صورة أبيه الشاحبة حين دخل البيت – ذات مساء- مضطرباً، متأثراً...كان محسن يسمع المستشار من فتحة الباب يخاطب زوجه، ويقول : إما التخلي عن الوظيفة.. وإما التخلي عن ضميري كقاض.. إن أكل العيش أصبح مهدداً..كانت أم محسن عملية، متيقظة، فأحست بانتفاضة.. كانت طبيعتها متغيرة، متناقضة.. فهي شجاعة، ومع ذلك تراها خائفة.. وهي رحيمة وقاسية.. قوية وضعيفة.. وهي تحب العظمة إلى أبعد الحدود، ولكن العظمة التي لا تكلف صاحبها شيئاً كثيراً، والتي لا تتطلب التضحية، ولا التي تهدد الحياة، ولا حتى الأرزاق..


كانت تفهم معنى الكلمات الرنانة مثل: الضمير – الحكمة – الشجاعة...وحالما علمت أن ضمير زوجها القاضي، كان ألعوبة، لم تتردد في أن ترتفع بأفكارها .. ناسية في هذه اللحظة ما يترتب على فقدان المركز، فأعلنت رأيها لزوجها قائلة: إن ضمير القاضي وشرفه قبل كل شيء...لقد كانت تعلم كل ما يدور حول هذا الموضوع... والناس يتكلمون عن قضية في الاستئناف... والهمس يدور في كل مكان.. "إن القضية مؤامرة من مؤامرات الإنجليز" ضد مدير أحد أقاليم الدلتا الذي اتهموه بالكبرياء...وكان المدير ابناً لإحدى الأسر الغنية في الوجه القبلي، تلقى علومه في "أكسفورد"، وعاش مدة كبيرة في إنجلترا، وكان يحبها مثل ما يحب بلاده، بل كان يحب كل ما هو إنجليزي..


وجاء إلى بلده، فكان يرسل ملابسه مرتين في الشهر إلى إنجلترا لغسلها وكيّها... ثم عين يوماً مديراً لإحدى محافظات الوجه البحري.وهناك اكتشف لأول مرة وجه الانجليزي الحقيقي..لم يكن ذلك الجنتلمان الذي عرفه في إنجلترا "رجلاً محبوباً وشريفاً". لقد أصبح كائناً آخر، ذا خلق يتعارض مع مثيله الإنجليزي في بلاده.. إنه الحاكم الذي يفرض سلطانه، ويصدر أوامره على أكبر الشخصيات المصرية... إنه لأمر عادي أن يستقبل المدير – وهو موظف كبير- أي موظف إنجليزي صغير يمر بالمحافظة... وكان هذا المدير – صديق الإنجليز- غير جاهل هذا التقليد المهين، ولكن الشيء الذي كان يجهله أن ذاك الإنجليزي المحتل لا يقر صداقته للمصري... إن قاموسه لا يحوي غير كلمتي "سيد وعبد"...إن المدير، كان قد قرر الاستقالة، ولما علم الإنجليز بذلك لفقوا له تهمة.. فاتهموه ظلماً بأنه عذب بعض المتهمين في قضية للحصول على اعترافات منهم، وهذا عمل غير مشروع في قوانين الإنسانية، والقوانين المدنية!!...لقد كانت عمليات ظاهرها الرحمة، وباطنها الانتقام من شخص أرادوا إذلاله.. فباسم الإنسانية يهاجمون أعداءهم ويحاكمونهم... هذه كانت طريقة الإنجليز التي يتقنونها...".


وقد لاحظت أن توفيق الحكيم في أول معايشة له مع الغرب، أدرك الانحطاط الأخلاقي الذي يعيشونه، وعبر عنه وقتها في "عصفور من الشرق" أيضا في عدة مناسبات يجمع بينها تكرار وصفه للغربيين بأنهم عبيد في منظومة حضارتهم، وهذه أمثلة لتلك الأوصاف:
• الوقت عسير يا عزيزتي، والمصانع لا تريد أن تمنح أمثالنا القوت ، لأن لديها حاجتها من العمال.. من أولئك العمال المساكين الذين تسخرهم طول اليوم من أجل لقمة كالعبيد!..

• يا لها من وحشية!.. إن هذا لم يعد يسمى عملاً، إنما هو الاسترقاق... الرق لم يذهب من الوجود... لقد اتخذ شكلاً آخر يناسب القرن العشرين... ها هي ذي جيوش من العبيد يسخرها أفراد معدودون من السادة الرأسماليين!..

• لم يعد هنالك بيت واأسفاه! ولم تعد هنالك أسرة... الرجل والمرأة في المصنع طوال النهار!.. يا له من زمن عجيب!...

• قلت لكم هذا عصر العبيد قد عاد من جديد!..

• وانتبه محسن لهذه العبارة، فلمعت عيناه ببريق غريب، ثم لم يلبث أن استأذن من الحاضرين في الصعود إلى حجرته، فأذنوا له باسمين، فصعد وجلس إلى مكتبه في الظلام، وهو يهمس: نعم، لن يذهب الرق من الوجود.. لكل عصر رقه وعبيده!...


كانت ذكريات الحكيم عن نشأته كفيلة وحدها بأن ترده عن عشقه الأعمى لباريس وأهلها، كان يكفيه أن يتذكر ما كتبه عن ذلك المدير الضحية (وهناك اكتشف لأول مرة وجه الانجليزي الحقيقي..)، كما كانت انطباعاته الأولى في زهرة شبابه قوية وواضحة، لكنه لسبب غامض لم يفعل. إن أي محاولة لتفسير هذا التناقض الشديد لابد أن تقودنا إلى احتمالات ثلاثة:- إما أن الرجل كان يعبث بعقولنا فيعرض الآراء المتناقضة والمفاهيم المتضاربة وهو منعزل عنها لا يؤمن بأي منها .. وهذا بعيد.- أو أنه كان يخفي بهذه الأفكار عشقه الحقيقي للغرب ويبعد بهذه التقريرات التهمة عن نفسه ويحجب بتلك الهجمات المفتعلة القبلة التي يمم وجهه شطرها .. قِبلة الغرب، وهذا أقرب. - أو أنه قدر صعوبة – أو استحالة – ان يساهم في تحويل بلاده ونهضتها، فاختار أن يبقى من العبيد الجنتلمان الهائمين في أودية أوروبا.


وعودة إلى الحملة الفرنسية التي أثارت هذه الأفكار، وتأمل معي وقارن موقف الحكيم بموقف العلامة الأديب محمود محمد شاكر الذي يقول معلقا وملخصا رؤيته للحملة الفرنسية، فيقول:
"إن هجمة نابليون على مصر هي من أجل إجهاض ما كان يمكن أن يكون من نهضة لهذه الأمة .. وئدت اليقظة أو كادت، وخربت ديارها أو كادت، واستؤصلت شأفة أبنائها أو كادت، واقتطعت أسبابها بالسطو أو كادت،

والحمد لله على نعماء (الحملة الفرنسية) التي كان سفاحها نابليون ( المتحضر) ينوي أن ينشىء لبقايا السيف والتدبير من أبناء القاهرة العتيقة المهدمة (قاهرة جديدة) يستمتعون فيها بجمالها وفنونها، ومسارحها وملاهيها، وقصورها ومتنزهاتها، ويتبخترون في شوارعها خدما فارهين للسادة الأحرار أبناء " الحرية والإخاء والمساواة".


يتبع ...

د. محمد هشام راغب

----------------------------------
رد مع اقتباس
  #75  
قديم 12-03-2013, 08:58 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,159
ورقة

العلمانية في مصر
ـــــــــــــــــــــــــ

29 / 1 / 1435 هــ
3 / 12 / 2013 م
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(د. محمد هشام راغب)
-----------------


توفيق الحكيم .. صانع الأقنعة



بدأ الحكيم مقاله المشئوم عن "حياد مصر" بقوله:

" لن تعرف مصر لها راحة، ولن يتم لها استقرار . ولن يشبع فيها جائع الا عن طريق واحد: يكفل لها بذل مالها لإطعام الجائعين والمحتاجين ، وتكريس جهدها للتقدم بالمتخلفين، وتوجيه عنايتها الى الارتقاء بالروح والعقل فى مناخ الحرية والأمن والطمأنينة.. وهذا لن يكون أبدا مادامت الأموال والجهود تضيع بعيدا عن مطالب الشعب، بدافع من مشكلات خارجية ودولية تغذيها الأطماع الداخلية والشخصية .. ما هو الطريق إذن الى واحة الراحة والاستقرار وطعام المعدة والروح والعقل ؟ ..ان هذه الواحة المورقة المزدهرة اسمها " الحياد ".

نعم ... إن مستقبل مصر الحقيقى هو في حياد مثل حياد سويسرا والنمسا .. هذا الحياد الذي أنقذهما من المنازعات والتيارات التي ألقت بكثير من الدول في خضم بحار مضطربة من السياسات المتعارضة .. وقد اعترف العالم لسويسرا والنمسا بهذا الحياد، مع أن مبررات حيادهما أقل فائدة بكثير للعالم من حياد مصر".

وأنهى الحكيم مقاله بهذه العبارة الركيكة:

" فرأيي الذى أومن به وسأظل أدعو اليه، هو هذا الحياد لمصر .. هذا الحياد الضرورى لها والمفيد لأشقائها العرب .. حياد مصر الذى يجعل منها الصدر الحنون للجميع .. فلا تشعر مصر أنها فى حالة رهن دائم، وأن مصيرها ومستقبلها وكيانها مرهون فى "بنك رهونات" النزاعات والمشكلات التى تعرقل جهودها فى إطعام شعبها وفى التقدم النافع لها ولأشقائها .. إنى أعرف الصعوبات القائمة فى هذا الطريق .. فمن الأفراد والجماعات والدول من يريد زج مصر فى المعترك، ليستخدمها لمنفعته أو لمصلحة طرف ضد طرف .. ولكن المخلص الحقيقى لمصر .. والناظر النزيه بعين الفائدة إلى منطقتنا وإلى الإنسانية سيرى الحق كله فى هذا الرأي .. وإني أعرضه اليوم لينظر فيه الشرفاء المخلصون فى كل مكان .. ولن أكف عن العمل من أجله، وسأكون مع كل فرد أو حزب أو هيئة تجعله من شأنها واهتمامها وبرنامجها ..".



وفي الحقيقة إن هذه الرؤية لم تكن جديدة على توفيق الحكيم، بل عبر عنها بوضوح وقناعة أشد قبل ذلك بأربعين عاما، فقد كتب رسالة إلى الدكتور طه حسين في مجلة الرسالة بدأها بفوله:

"يا دكتور

يعنيك طبعاً أن تعلم كيف يرى الجيل الجديد عملك وعمل أصحابك، إن رسالتي إليك ليست حكماً يصدره الجيل الجديد، إنما هي تفسير لذلك العمل، لك أن تقره ولك أن تنكره. لا ريب إن العقلية المصرية قد تغيرت اليوم تحت عصاك *****ية، كيف تغيرت؟ هذا هو موضوع الكلام، إن شئون الفكر في مصر حتى قبل ظهور جيلك كانت قاصرة على المحاكاة والتقليد، محاكاة التفكير العربي وتقليده، كنا في شبه إغماء، لا شعور لنا بالذات، لا نرى أنفسنا ولكن نرى العرب الغابرين، لا نحس بوجودنا ولكن نحس بوجودهم هم..".



ثم مضى في رسالته الطويلة وقال في ثناياها:

" ومن المستحيل أن نرى في الحضارة العربية كلها أي ميل لشؤون الروح والفكر بالمعنى الذي تفهمه مصر والهند من كلمتي الروح والفكر. إن العرب أمة عجيبة، تحقق حلمها في هذه الحياة، فتتشبث به تشبث المحروم، وأبت إلا أن تروي ظمأها من الحياة وأن تعب من لذتها عباً قبل أن يزول الحلم وتعود إلى شقاوة الصحراء، وقد كان. إن موضع الحضارة العربية من (سانفونية) البشر كموضع الـ (سكِيْرتزو) من سانفونية بيتهوفن: نغم سريع مفرح لذيذ!!

لا ريب عندي أن مصر والعرب طرفا نقيض: مصر هي الروح، هي السكون، هي الاستقرار، هي البناء، والعرب هي المادة، هي السرعة، هي الظعن، هي الزخرف!" اهـ.

إن هذه المقتطفات القصيرة هي جزء من رسالة طويلة كلها تدندن حول هذا المعنى وحول ضرورة إبعاد العقلية المصرية عن فكر العرب وتراثهم وحضارتهم. إن نفرة توفيق الحكيم – أو قل احتقاره – للحضارة العربية لا يحتاج لدليل أوضح من كلماته السابقة، ونحن نعلم أن الحضارة العربية هي في حقيقتها الحضارة الإسلامية لا غير. والرجل يراها حضارة جائعة للمادة محرومة لشئون الروح وهي مفارقة عجيبة أن يصف "مفكر" الحضارة الإسلامية بهذا الوصف الجائر. من الصعب معرفة السبب في "إخفاء" توفيق الحكيم لمعتقده هذا كل تلك السنوات، إلا أن يكون المناخ السياسي في مصر قد حال دون ذلك، ثم واتته الفرصة بعد توقيع السادات معاهدة كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني، وقطيعة العرب لمصر بعدها، فرآها الحكيم فرصة لإحياء فكرته القديمة التي ألح بها على الدكتور طه حسين قبل أربعين عاما.



وقد انضم اليه في ذلك الجنون من النخبة "المستنيرة"، كتيبة من "الفراعين الجدد" مثل:حسين فوزى ولويس عوض ووحيد رأفت يؤكدون ما قاله ، ويتحدثون عن الغزو العربى الإسلامى لمصر ، وعن مصر الفرعونية وحضارة 5000 سنة ..الخ. لقد حاول الحكيم وفرقته العلمانية تمرير هذا الفكر المنحرف ضد عروبة مصر من منظور علماني، فقط لاقتران التعريب بالإسلام والفتح الاسلامى. ولقد تداول كثير من الأدباء حينئذ مقولات بأن توفيق الخكيم حاول أن يقدم قرابين تقربه للترشح لجائزة نوبل قبل موته بهذه الأفكار السياسية الرامية لتغيير هوية مصر.

لقد بدا وقتها أن انحدار الرجل ما له من قرار، لكنه لم يتوقف عند هذا وأبى إلا أن يختم حياته بما هو أفظع، فنشر أربعة مقالات في الأهرام بعنوان "حديث مع وإلى الله" فيها من التجديف والتخليط والانحرافات العقدية وعدم تقدير الله تعالى حق قدره.



يتبع ...

د. محمد هشام راغب

---------------------------
رد مع اقتباس
  #76  
قديم 12-11-2013, 08:41 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,159
7

العلمانية في مصر
ــــــــــــــــــــــــ
8 / 2 / 1435 هــ
11 / 12 / 2013 م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(د. محمد هشام راغب)
-----------------

سلامة موسى: عدو نفسه وعدو الحق
-----------------------


في 28 إبريل عام 2010 نشرت جريدة الأهرام مقالا للدكتور سعيد اللاوندي يناشد فيه مكتبة الأسرة (ورئيستها وقتئذ سوزان مبارك) إعادة نشر السيرة الذاتية لسلامة موسى احتفاء بقامة من قامات مصر الشامخات وإحياء لمعارك سلامة موسى مع الجامدين وانصار القديم والكارهين ـ بالضرورة ـ للآفاق الجديدة في الفكر والحياة، وقد قدم المناشدة بقوله " لقد ملأ هذا الكتاب الدنيا وشغل الناس في زمانه فلا يوجد كاتب أو مشتغل بالأدب والثقافة في القرن العشرين إلا وقرأه وعلق عليه واعتبره بوابته نحو الفكر وعشق الحياة الجديدة‏".



تأملت تلك المناشدة بحزن بالغ وألم شديد وسألت نفسي: من وراء هذه الفكرة الشيطانية الذي يريد نفخ الروح من جديد في فكر متطرف عدو لكل ما هو إسلامي؟. كانت مصر في ذلك الوقت تعيث فيها قوى الفساد، فالأفق السياسي مسدود تماما، الحكومة وقد أوقفت رقابة القضاء على الانتخابات العامة الوشيكة تعد عدتها وتعلن صراحة بأن الإخوان المسلمين لن يكرروا نجاحهم السابق في انتخابات 2005، وكان بعض رموز البرامج الحوارية (التوك شو) يجاهرون بأن نواب الإخوان يمضون وقتها شهورهم الأخيرة في البرلمان الذي لن يرونه بعد ذلك. كان الأزهر وشيخه يشنون حملة إعلامية على النقاب ويصدرون فتاوى، تبعتها قرارات إدارية بمنع أي طالبة منتقبة من حضور امتحانات آخر العام الوشيكة.

كانت دول حوض النيل قد وقعت اتفاقية لموارد مياه النيل في غياب مصر، وقد كتب بعض الأمريكيين وقتها يتساءل: لماذا لا تسعى مصر لتحلية مياه البحر وتنهي المشاكل العالقة ؟!، وكل هذا وسط صمت حكومي مريب. كانت غزة غارقة في الظلام وإسرائيل تضغط لإذلال الفلسطينيين، ومصر تمنع بعض القوافل الغربية من إدخال المساعدات الطبية برا عن طريق العريش. كانت الصورة قاتمة جدا ومحبطة للغاية، فإذا بأصوات تطالب بإحياء تراث مظلم حاقد على هوية مصر وأهلها، وتروج له.



والعجيب أنه تمت الاستجابة لهذه الدعوة، واستغرق الأمر وقتا فصدر كتاب "تربية سلامة موسى" في آخر أغسطس 2012 بعد الثورة وبعد الانتخابات وبعد أن اصبح د. محمد مرسي رئيسا لمصر. اصدرت الهيئة العامة للكتاب تلك السيرة الذاتية ضمن إصدارات مكتبة الأسرة. ثمة دوائر ثقافية خبيثة كانت تعمل بنشاط محموم لتقويض الثورة المصرية، وتتبوأ منابر وآليات ثقافية وفكرية وتعمل وكأن ثورة لم تحدث. لا أعرف هوية تلك الخلايا الثقافية النائمة التي تسعى سعيًا حثيثا للتحكم في العقل المصري وإعادة أسره لمنظومة النظام البائد.

سلامة موسى (1887 – 1958) كان من أخطر وأخبث النخب الثقافية التي حاولت هدم هوية مصر العربية الإسلامية، وجاهر بذلك عبر نشاط كثيف في الكتابة والنشر امتد لقرابة الخمسين عاما بدءا بكتابه (مقدمة السوبرمان) عام 1910 وحتى قبيل وفاته. ولم يكتب سلامة موسى مقالا ولا كتابا ولا تعليقا ولا دراسة، إلا وقد ركز فيها على أربعة قضايا رئيسية:

أولا: الإلحاد وإنكار الأديان السماوية

ثانيا: التوجه للغرب قلبا وقالبا

ثالثا: الدعوة إلى القطيعة المعرفية الكاملة مع التراث العربي والحضارة الإسلامية

رابعا: المرأة



سنتناول بعض آثاره المدمرة في هذه القضايا الأربع بشيئ من التفصيل لتتكشف لنا بعض ملامح الشبكة التي تسعى لتشويه ومسخ الهوية المصرية.



يتبع ...

د. محمد هشام راغب

--------------------------------------
رد مع اقتباس
  #77  
قديم 12-14-2013, 05:49 PM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,159
ورقة

الليبراليون يتداوون بـ"قنديل أم هاشم"!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
11 أغسطس 2011م

كتبه/ غريب أبو الحسن
--------------

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد دأب العلمانيون على اصطناع معركة وهمية بيْن الإسلام وبين العلم، مستحضرين معركة حقيقية دارت بيْن "الكنيسة والعلم" راح ضحيتها العديد مِن العلماء حرقـًا، أو تحت حد المقصلة؛ لا لشيء إلا أن أحدهم قد يكون قال: "إن الأرض كروية"!
يقوم العلمانيون بافتعال هذه المعركة بين "الإسلام والعلم"؛ ولأنهم لو فتشوا في التاريخ الإسلامي لن يظفروا بحرق عالِم، ولا بحز رقبته -كما في تاريخ الكنيسة-، بل سيجدوا كل الدعم والاهتمام مِن الدولة الإسلامية بعلمائها في شتى أنواع المعرفة؛ فلهذا السبب حرص العلمانيون على اختصار المشهد الإسلامي الواسع وحصره في "الصوفية"، بل وحصره في "شطحات الصوفية"!
ومِن هذه القصص والمعارك المفتعلة.. تلك القصة الشهيرة: "قنديل أم هاشم" التي كتبها "يحيى حقي"، وملخصها كما في "ويكيبيديا": "إسماعيل طالب، يعيش في حي "السيدة زينب" مع أمه وأبيه، ثم يسافر لاستكمال دراسة الطب في إنجلترا، حيث يحتك بالحضارة الأوروبية وهناك يتعرف على فتاة إنجليزية تعلمه كيف تكون الحياة؟ ثم يعود إسماعيل.. ويعمل طبيبًا للعيون، ويفتح عيادة في نفس الحي -السيدة زينب-، ويكتشف أن سبب زيادة مدة المرض عند مرضاه هو استخدامهم قطرات من "زيت قنديل المسجد"، وعندما يكتشف أيضًا أن خطيبته تعالج بنفس الأسلوب يحطم قنديل المسجد، وينفض عنه مرضاه وأهله؛ لاعتقادهم أنه يهاجم ويتحدى معتقداتهم الدينية".
هكذا كانت خطة العلمانيين؛ لتنفير الناس مِن الإسلام.
إيهام الناس أن "الإسلام هو الصوفية"، ثم التركيز على "خرافات الصوفية"، وما بها من دجل وشعوذة، وتكون المحصلة النهائية: "أن الإسلام يعادي العلم"!
ولكن يدور الزمان دورته، وتقع مصر تحت حكم "جبري دكتاتوري" يسعي لوأد الكفاءات، وقتل الطاقات، فإما أن تدور في فلكه مسبحًا بحمده؛ وإلا كان نصيبك الإقصاء والإبعاد والاضطهاد.
وابتلي الناس جميعًا -علمانيون، وإسلاميون-؛ فاختار العلمانيون رغد العيش في كنف النظام وتولوا أرفع المناصب في نظام يصفونه بالدكتاتورية، بل كانوا سدنة النظام، وحماته المخلصون!
اختار العلمانيون "قاعات المؤتمرات المكيفة"، و"فنادق الخمس نجوم".. الأمر الذي جعل "وزير الثقافة السابق" يتباهي أنه أدخل جميع المثقفين الحظيرة!
اختاروا هذا المسلك على حساب منهجهم الذي ينتحلونه؛ فانفصلوا عن الناس، وانفصل الناس عنهم، وانعزلوا عن الناس، وانعزل الناس عنهم.
واختار "الإسلاميون" الثبات على منهجهم، ودفعوا ثمن ذلك غاليًا مِن حريتهم وأمنهم.. اختار "الإسلاميون" الثبات على منهجهم، ودعوة الناس إليه دون وعد بثواب دنيوي، بل الوعد بالثواب الأخروي، أما في الدنيا فكان معلومًا أن كل مَن يلتزم ذلك المنهج يلاقي شتى أنواع الاضطهاد.
اختار "الإسلاميون" البقاء وسط الناس يعانون مما يعاني منه الناس، بل اختاروا مع معاناتهم أن يخففوا عن الناس معاناتهم!
قام "الإسلاميون" بما يستطيعون من فروض الكفايات مِن جمع الصدقات وتوزيعها على الفقراء، وتعليم جاهلهم، وفض المنازعات، والسعي في الصلح بينهم.
أما "الليبراليون" فلما تغيرت ظروف البلاد بعض الشيء، تحول جزء منهم إلى "معارضة ظلت معارضة تدور في فلك النظام"، ومِن خلال الفنادق، ووسائل الإعلام.
ثم جاءت "ثورة يناير"؛ التي كشفت الغطاء عن الجميع، ووضعت الجميع أمام مرآة يرى فيها نفسه، ويراه كذلك الآخرين.
رحل "النظام".. وترك أيتامه حائرون.. ينظرون للمستقبل بعين الوجل والقلق.
لن نتحدث عن تحول الكثير من العلمانيين إلى ثوار، وكانوا بالأمس القريب حربًا على هؤلاء الثوار!
ولن نتحدث عن تعجب العلمانيين من أين أتى السلفيون؟! فلو كانوا يعرفون الشعب المصري حق المعرفة لم تكن أعينهم لتخطئ السلفيين؛ فيصدر هذا السؤال الساذج: "من أين خرج السلفيون"؟!
لن نتحدث عن رفع شعار: "دماء الشهداء"؛ لحشد الناس، ثم تحويل هذا الشعار: "للدستور أولاً"، ثم لمجلس رئاسي مدني، ثم اعتصام؛ لابتزاز الحكومة، والمجلس العسكري!
ولكن جاء رد فعل "الليبراليين" على "مليونية الإسلاميين" غاية في العجب والطرافة! كان وقع "المليونية المهيبة" على العلمانيين صادمًا جدًا، ومزعجًا جدًا..
ومرة أخري يتنكر العلمانيون لمنهجهم، ولكن هذه المرة بصورة أكثر فجاجة.. فقد طالعتنا وسائل الإعلام عن "مليونية" يتحد فيها "الليبراليون مع الصوفيين"؛ للرد على "الإسلاميين"!
أدرك "الليبراليون" أنهم غير قادرين على حشد الناس؛ لأن الناس لا تعرفهم إلا مِن خلال "البوق الإعلامي" الذي كان "يُسبح بحمد النظام السابق صباح مساء".. ثم هو هو وبنفس الأشخاص "الآن يلعن النظام السابق صباح مساء"!
راح العلمانيون يتسولون المَدد مِن الصوفية.. يتسولون المدد من جوار "قنديل أم هاشم"! فلا أدري: هل اقتنع "إسماعيل" أن "زيت قنديل أم هاشم" دواء ناجع، ثم عمد إلى شهادة الدكتوراه؛ فمزقها بعد أن ثبت عدم جدواها؟!
أم أن العلم الحديث أثبت أن "زيت قنديل أم هاشم" شفاء مِن كل داء؟!
معاشر المحترمين.. إن ما حدث سقطة مدوية.. "للمنهج الليبرالي"!
-----------------------------------------
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الآلام, الحلف, الرجوع, إلى, والتقدم


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الرجوع إلى الأمام والتقدم إلى الخلف
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تجار الآلام عبدالناصر محمود شذرات إسلامية 0 09-04-2015 02:04 PM
الحلف المصري الإماراتي عبدالناصر محمود شذرات مصرية 0 08-27-2014 03:17 PM
الرئيس اوباما يتمتع بصلاحيات شن هجوم على سوريا دون الرجوع للكونغرس عبدالناصر محمود أخبار عربية وعالمية 0 09-08-2013 06:48 AM
علماؤنا الرواد رفعوا مشعل النهضة والتقدم Eng.Jordan علماء عرب 0 11-03-2012 12:45 PM
حكم الحلف بحياة القرآن جاسم داود شذرات إسلامية 0 10-15-2012 04:14 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 01:04 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59