#1  
قديم 04-12-2012, 08:58 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,373
افتراضي جيوبوليتيكية الاقتصاد العالمي


النظام العالمي الذي يمثله كوكب الأرض بأغلفته الأربعة الصخري والمائي والحيوي والجوي ، لم يترك فيه مجال للصدفة ، وإنما كل بقعة من هذا الكوكب وضعت له الخطة التي تتناسب معه ، وهذه الخطط توضع من خلال اللاعبين الكبار الذين دائماً يبحثون عن دور عالمي في كوكب الأرض ، وهذا الدور أحياناً يكون أحادي القطبية ، وأحياناً أخرى ثنائي القطبية ، وفي بعض المراحل يُصبح متعدد الأقطاب 0
ومن أهم الخطط العالمية التي وضعت لكوكب الأرض ، هي السيناريوهات التي أعتمدتها مدرسة ميونيخ للدراسات الاستراتيجية عام 1920م تقريباً 0 وكانت استراتيجية هذه المدرسة تعتمد على ثلاثة مبادئ رئيسية هي :
1- مبدأ الدولة العملاقة 0
2- مبدأ الجزيرة العالمية 0
3- مبدأ ازدواجية القارات 0
والمبادئ الثلاثة المذكورة قادت مدرسة ميونيخ إلى وضع نظام عالمي جديد آنذاك في صورة مفهوم الأقاليم الكبرى ، على أن يكون مركز هذه الأقاليم بون ، أي كان المطلوب نظاماً أحادي القطبية ، وتوزيع الأقاليم هو كالتالي :
1- امريكا الكبرى : وتضم كل من الأمريكيتين تحت زعامة الولايات المتحدة 0
2- روسيا الكبرى : ويضم معظم الاتحاد السوفيتي عدا شرق سيبيريا ، كما تضم إيران وأفغانستان وشبه القارة الهندية 0
3- أوروأفريقيا : وهذا النظام يصعب تطبيقه الآن ، لأنه يمثل أوروبا ، ومعظم أوروبا الآن تحت مظلة السوق الأوروبية المشتركة ، والعالم العربي وتركيا وضع له سيناريو الشرق أوسطية تحت قيادة إسرائيل 0
4- آسيا الشرقية الكبرى : وهو يمثل ما تبقى من العالم جنوب اليابان ، بما فيه الصين وشرق الاتحاد السوفيتي ودول جنوب شرق آسيا واستراليا ومعظم مناطق المحيط الهادي رياض ص 91 ، 96 0 وهذا التصور أيضاً من الصعب تطبيقه الآن ، لأن اليابان أصبحت دولة لها وضع أمني وإقتصادي مقنن ، والصين لها أطماع استراتيجية إقليمية بتصورها الاشتراكي ، ودول جنوب شرق آسيا أصبح لهم وضع اقتصادي خاص تحت مظلة اسيان ، واستراليا تحاول أن تمارس نظام إقليمي خاص بها في أوقنانوسيا ، ومعظم مناطق المحيط أصبحت تحت سيطرة الولايات المتحدة 0
إذاً النموذجان اللذان سوف نحاول أن نسلط عليهم الضوء من خلال هذه الدراسة ، هما أمريكا الكبرى ، ومدى ارتباطها بتصور الجزيرة العالمية العالم القديم الذي اقترحه هالفورد ماكيندر منذ بداية القرن المنصرم 0 بالإضافة إلى بعض الاسقاطات على ما تبقى من العالم لغرض ربط التصور الاستراتيجي للاقتصاد العالمي 0
التصور الاستراتيجي للولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الأولى :
بعد الحرب العالمية الأولى اقتبست الولايات المتحدة تصوراً ووضعه لها السلف ممثلاً برئيسها جيمس مونرو عام 1823م ، ويسمى بمدأ العزلة المجذوب ، قانون دولي ، ص 165 0 وهذا المبدأ ظاهرياً ، كان يصور بأن الولايات المتحدة ستطبق العزلة وتبتعد عن مشاكل القارة العجوز أوروبا ، وسوف يركز الأمريكان مجهودهم في تطوير الولايات المتحدة من خلال توجيه الاستثمارات الضخمة إلى قطاع الأنشطة الأولية والثانوية والبنية التحتية ، وهذا التصور ، أدى إلى نشأة الدولة العملاقة التي نادى بها فريدريك راتزل في القرن التاسع عشر 0 والمرحلة الثانية اتجهت الولايات المتحدة إلى أمريكا الوسطى والجنوبية من خلال سيطرتها على البحر الكاريبي والانتيل والسيطرة التامة على قناة بنما بعد شقها ، ووجهت الاستثمارات الأمريكية إلى جميع القطاعات الأولية والثانوية والخدمية ، وذلك ممثلاً باحتكار الولايات المتحدة المحاصيل النقدية في أمريكا اللاتينية مثل الفواكه ، البن ، الكاكاو ، المطاط ، السكر ، والكولا0 وكذلك سيطرة الولايات المتحدة على الصناعات الإستخراجية مثل البترول في المكسيك وفنزويلا والنحاس في بيرو وتشيلي والقصدير في بوليفيا ، وكذلك وجهت الاستثمارات الأمريكية نحو المناجم والمصانع والسكك الحديدية وشركات الطيران حول أمريكا الجنوبية رياض ، ص 163 ، 164 0
ومن هذا المنطلق استطاعت الولايات المتحدة أن تحقق مبدأ ازدواجية القارات ، بحيث تكون قارة في الشمال تمتلك القوة العسكرية ، والموارد البشرية المؤهلة ، والتكنولوجيا المتطورة ، ورأس المال الكبير ، والأخرى في الجنوب يوجد فيها الأيدي العاملة والمواد الأولية والسوق الاستهلاكية 0 وفي عام 1930م أصبحت الثنائية واضحة في أمريكا قارة شمالية يوجد فيها تضخم رأسمالي ، وقارة جنوبية تابعة لاستثمارات الشمال 0 وفي هذه المرحلة أصيب رأس المال الأمريكي بالتخمة وأنطلق يبحث عن دور عالمي له 0 وكان ذلك واضحاً قبل الحرب العالمية الثانية من خلال التغلغل الأمريكي في جنوب شرق آسيا وأستراليا والبحث عن المعادن والمحاصيل النقدية في أفريقيا 0 ولكن الدور العالمي الفعلي بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية بات واضحاً ، عند بداية الحرب العالمية الثانية ، وشاركت فيها الولايات المتحدة من ضمن دول الحلفاء ضد دول المحور بقيادة المدرسة النازية الألمانية آنذاك 0
وأثناء الحرب العالمية الثانية استطاعت الولايات أن تفاوض الحلفاء وخاصة بريطانيا على وضع إستراتيجية اقتصادية للعالم بقيادة الولايات المتحدة ، وذلك من خلال اتفاقية بريتون أند ودز في الولايات المتحدة منذ بداية الأربعينيات من القرن المنصرم ، ومن خلال هذه المفاوضات أدى إلى إنشاء المؤسسات الرئيسية التي يدور في فلكها الاقتصاد العالمي ، وهذه المؤسسات هي :
1- سيادة الدولار كعملة رئيسية عالمية وتمثل مخزن للقيم ، ومقياس للقيم ، ووسيلة للتبادل على أن يتواكب مع متطلبات العصر وقابليته للتجدد 0
2- التصور الذي وضعه الأمريكي هويت في عام 1942م وأدى إلى تأسيس البنك الدولي للإنشاء والتعمير ، ومهمته الاقراض طويل الأجل لكي يساهم في تنمية العالم 0
3- التصور الذي وضعه هويت الأمريكي وكينز الإنجليزي وأدى إلى نشأة صندوق النقد الدولي عام 1943م ، وهدفه الرئيسي حفظ التوازن لعملات الدول المشاركة من ضمن الصندوق وذلك من خلال الاقراض قصير الأجل 0
4- بروز الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية ( GATT) عام 1947م ، وفي عام 1995م سميت بمنظمة التجارة العالمية (WTO) ، وأصبح عدد المشاركين فيها الآن أكثر من 138 دولة 0
5- شعوب العالم المغلوب، والحكومات المتخلفة أنشأت ما يسمى بالاونكتاد منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية عام 1962/1964م دويدار ص 480 ، 515 0
وعندما وصلت الولايات المتحدة الأمريكية إلى مرحلة الإنطلاق العالمية نسفت توصيات السلف السابقة المتمثلة بمبدأ العزلة لمونرو ، وأقر الكونجرس مبدأ الرئيس ترومان عام 1947م ، الذي نستخرج من نصه ، إباحة تدخل الولايات المتحدة في جميع شئون الدول ، وتفرض عليها المخططات السياسية والاقتصادية والعسكرية ، وتعتبر نفسها العالم الحر وحامية حمى الديمقراطية المجذوب ، قانون دولي ، ص 166 0
ونجد التدخل الأمريكي العملاق في أوروبا من خلال قانون الجنرال مارشال عام 1947م ، الذي وقعت اتفاقيته عام 1948م في باريس وعلى ضوئها إنشأ مايسمى المنظمة الأوروبية للتعاون الاقتصادي ، ووصل أعضاء هذه المنظمة إلى 18 دولة أوروبية ، ورفض الأتحاد السوفيتي هذا العرض وتبعته دول الديمقراطيات الشعبية كما تسمى آنذاك ، ومن هنا أصبح بروز نظام عالمي جديد يتشكل من كتلتين من حلفاء الأمس ، الأول غربي بقيادة الولايات المتحدة ، والآخر شرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي ؛ وهذين التكتلين يمثلان انطلاق الحرب الباردة ، التي انتهت بإنهيار الاتحاد السوفيتي عام 1990م 0
أما بالنسبة لمسمى المنظمة المذكورة ففي عام 1960م عدل إلى مسمى جديد منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وأنضم إلى هذه المنظمة أعضاء جدد هم الولايات المتحدة الأمريكية ، كندا ، فنلندا ، اليابان ، استراليا ، ونيوزلندا المجذوب ، التنظيم ، ص 293 ، 294 0
وعن طريق مشروع مارشال تحققت الانطلاقة الأمريكية الحقيقية ، حيث هزيمة ألمانيا واليابان ، وخروج أوروبا مفلسة مخرّبة مما أعطى الفرصة الذهبية لرأس المال الأمريكي القوي فقام بدور هائل في بناء اقتصاد أوروبا الغربية عامة ، وألمانيا واليابان خاصة 0 وبذلك دخلت الولايات المتحدة شريكاً فعلياً في كثير من المؤسسات الصناعية الأوروبية واليابانية المزدهرة 0 والأهم من ذلك أن الولايات المتحدة ، أصبحت الوريث الشرعي لمستعمرات الدول المنهارة المذكورة سلفاً في عالم الجنوب ، فكان التغلغل الأمريكي الاقتصادي والأمبريالي في أجزاء كثيرة من أفريقيا وآسيا رياض ص 23 0
وكان متوازياً مع التصور العالمي للاستراتيجية الاقتصادية الأمريكية ، استراتيجية إنشاء أحلاف عسكرية ، وكان أهم هذه الأحلاف ، حلف شمال الأطلسي (NATO) ، وبداية انطلاق هذا التصور إلى حيز التطبيق هو عندما أوصى مجلس الشيوخ الأمريكي 11 يونيو 1948م قراراً يحبذ فيه اشتراك الولايات المتحدة في منظمات أمنية جماعية إقليمية 0 وفي 24 أغسطس 1949م دخل حلف الناتو إلى حيز التطبيق بمشاركة دول أوروبا الغربية ، وبعد انتهاء الحرب الباردة ، انضم إلى هذا الحلف بعض دول أوروبا الشرقية على سبيل المثال في مارس 1999م انضم كلاً من : التشييك والمجر وبولندا آل ثاني ، جريدة الوطن ، العدد 1353 ، 1354 0
وبالإضافة إلى الناتو أنشأت الولايات المتحدة أحلافاً استراتيجية في الشرق الأوسط ممثلة بالحلف المركزي ، وفي جنوب شرق آسيا ، ومن هنا نجد الولايات المتحدة تطبق الاستراتيجية التي وضعها الجيوبوليتيكين الأمريكيين الفرد ماهان 1840 - 1914م ، ونيكولاس سبيكمان 1942 حسين ، جغرافيا سياسية ، ص 400 ، 417 0 ومن خلال هذه الاستراتيجية طبقت سياسة الاحتواء الأمريكية مع الأتحاد السوفيتي أبان الحرب الباردة 0 وخلاصة الاستراتيجية الأمريكية قبل عام 1990م كانت :
1- سياسة الاحتواء والحرب الاقتصادية ضد الاتحاد السوفيتي وحلفائه 0 وانتهت في عام 1990م بانهيار الاتحاد السوفيتي 0
2- سياسة قمع الثورات في مهدها ومن الأمثلة على ذلك ، الحرب الكورية في الخمسينيات ، وتحولت كوريا رسمياً إلى كوريتين في الشمال والجنوب ، وحرب الفيتنام في الستينيات ، وفرض الحصار على كوبا ، ووصل الأمر بالولايات المتحدة إلى حتى التدخل المباشر في تغيير رؤساء الجمهوريات في البحر الكاريبي إذا تطلب الأمر ذلك 0
3- إجادة الولايات المتحدة وبإبداع إلى خلق تحالفات عدم التوازن في الشرق الأوسط، مثل دعم مركز الصهيونية العالمية ممثلاً بإسرائيل ، وفي نفس الوقت تقيم علاقات مميزة مع ألد أعدائها في المحيط الجغرافي ممثلاً بمصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية وسوريا 0 والنموذج الآخر في غرب آسيا بحيث الولايات المتحدة مع أربعة كتل باستراتيجيات متنوعة مثل : دول مجلس التعاون الخليجي التي يوجد فيها قواعد عسكرية أمريكية ، وإقامة علاقة مميزة مع اليمن في غرب الجزيرة العربية ، والاحتواء لكل من العراق ذو المذهب الأيديولوجي البعثي ، والجمهورية الإسلامية الإيرانية ذات المذهب الرئيسي الشيعي 0 ونفس الاستراتيجية تتبعها الولايات المتحدة في الشرق الأقصى ما بين تايوان والصين 0
4- الثلاث نقاط أعلاه سهلت على الولايات المتحدة إنشاء دولة عالمية أحادية القطبية، ويوجد لها أساطيل وقواعد عسكرية في جميع المحيطات الأطلسي والهادي والهندي ، بل ويوجد لها تواجد في جميع البحار الداخلية الاستراتيجية، مثل الكاريبي والبحر المتوسط والبحر الأحمر والخليج العربي وبحر الصين 0
النظام العالمي الجديد بعد الحرب الباردة :
عندما نسقط نظرة مقتضبة على المراحل التي صور بها الجيوبوليتيكيون العالم فسوف نلاحظ التالي :
1- المرحلة الأولى كانت تقوم على أساس مناخي ، أي نشأة الدول حول نويات محددة مثل حضارة بلاد الرافدين ومصر 0
2- المرحلة الثانية تقوم القوى العالمية على أساس قاري ، وهي عملية السيطرة على مناطق القاعدة في العالم القديم ، مثل السيطرة الإسلامية التي تمت على الهلال الخصيب وأواسط آسيا مما أعطى للمسلمين سيطرة عالمية في العالم القديم في العصور الوسطى 0
3- تقوم القوى بعد الثورة الصناعية ، على أساس الحركة ، من خلال الثورة الكبرى التي نشأت في وسائل المواصلات والنقل ، وتم من خلالها اكتشاف رأس الرجاء الصالح ، والأمريكيتين ، واستطاع العالم الصليبي من الوصول إلى عالم المحيط الهادي والمحيط الهندي ، مع تحاشي الاحتكاك مع القوة القارية العالمية في العصور الوسطى ممثلة بالدولة الإسلامية ، ومن هنا تم احتواء الدولة الإسلامية ووضع لها السيناريوهات المناسبة إلى أن تم انهيارها ، ووزعت كفريسة ما بين الدول الاستعمارية 0 وأن استقلت هذه الدول ما بين الخمسينيات والثمانينيات من القرن الماضي ، إلا أن جميعها بقي متأثراً بتبعية اقتصادية ، وتخلف سياسي قاتل 0
4- منذ أواخر القرن التاسع عشر ، وضعت المدارس الجيوبوليتيكة سيناريو القرن الواحد عشرين ، بحيث تقوم القوى العالمية على أساس التكتلات السكانية والاقتصادية ، وأكد على هذا التصور الأستاذ اتوماول أحد أعضاء مدرسة ميونيخ الاستراتيجية عام 1920م يقول : " أن التغلغل الاقتصادي الكامل له تماماً نفس الآثار المترتبة على الاحتلال العسكري " آل ثاني ، جغرافيا سياسية ، ص 125 ، 126 0
ومن هذا المنطلق نجد بأن الجيوبوليتيكا وضعت الخطة السياسية لكوكبنا منذ قرن مضى 0 وبعد انتهاء الحرب الباردة عام 1990م سعت الولايات المتحدة لتحويل نظرية القرن الواحد والعشرين ، إلى واقع عملي على الأرض ، وذلك من خلال تفعيل دور عالمي للمؤسسات الاقتصادية والأمنية المذكورة سلفاً 0 وخاصة منظمة الجات التي تعتبر شبه مجمدة منذ نشأتها عام 1947م 0 وفي عام 1993م عقدت الجات مؤتمرها في أورجواي حضرته 117 دولة ، وفي عام 1994م عقد مؤتمر للجات في مراكش حضره 124 دولة عبد الرسول ، ص 224 ، 225 0 ووصل عدد أعضاء هذه المنظمة الآن إلى ما يزيد على 138 دولة 0
ورغم وجود التصور للدور الكبير الذي يتوقع أن تلعبه منظمة التجارة العالمية ، من خلال النظام التجاري متعدد الأطراف 0 إلا أن السياسة تتدخل ما بين حين وآخر عندما تتعارض مصلحة دولة عظمى مع الاتفاقيات الدولية 0 فمثلاً حماية البيئة من الوقود الحفري ، التي وضعت تحت مسمى الاتفاقيات البيئية المتعددة الأطراف ، حتى يفرق بينها وبين اتفاقيات منظمة التجارة العالمية 0 ونجد اتفاقية البيئة بروتوكول كيوتو رغم التصور الأمريكي لها في التسعينيات ، ولكن عندما وجد الأمريكان بأنهم أكثر دولة مستهلكة للوقود الحفري في العالم آثروا عدم التصديق على هذه الاتفاقية إلى الآن أبريل 2001م ، عبد اللّه ، ص 230 ، رغم غضب حلفاء الأمريكان في أوروبا الغربية 0
أما بالنسبة لأهم النماذج الاستراتيجية للنظام العالمي الجديد بعد عام 1990م ، هو النظام الإقليمي الذي وزع عليه عالم اليوم ، من خلال كتل اقتصادية يكون بينها تعرفة جمركية موحدة ، وأبرز هذه الكتل نافتا ، ومركسور ، والسوق الأوروبية المشتركة ، وآسيان ، ومنظمة الشرق أوسطية وهي في عالمنا المقهور مرجئة إلى أن ترضى إسرائيل على المنطقة 0 ومن خلال هذه الكتل الاقتصادية يتم توحيد العالم ، تحت ما يسمى أهداف منظمة التجارة العالمية :
1- تحرير تجارة السلع الأولية ، وهي تمثل مصدر الرزق الأساسي لدول العالم النامي0
2- تحرير تجارة الخدمات 0
3- الدولة الأولى بالرعاية ، أي أن تكون معاملة العالم متساوية 0
4- ايقاف الدعم عن السلع الأساسية 0
5- تقديم الحماية للسلع الأساسية آل ثاني ، جيوبوليتيكية العالم ، الراية ، عدد 6765 0
وبالفعل بدأت الثورة الاقتصادية في العالم منذ بداية التسعينيات ، والدليل على ذلك أرتفع معدل التجارة العالمية إلى 60% ، ولكن بدايتها على شكل كتل اقتصادية نيوزويك 24/4/2001م ، فنجد كتلة نافتا بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وعضوية كلاً من المكسيك وكندا ، قفزت التجارة البينية فيها من 43% عام 1990م إلى 54% عام 1999م ، وطبعاً التصور الاستراتيجي الأمريكي يسعى لإنشاء منطقة تجارة حرة للأمريكيتين يغطي منطقة يزيد عدد سكانها على 800 مليون نسمة 0 ولكن المخططين السياسيين والاقتصاديين البرازيليين انتبهوا إلى الانفجار الهولامي الضخم بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والذي حسب تطور الأحداث يعكس للعالم مبدأ مونرو للعزلة الذي طبقته الولايات المتحدة على الأمريكيتين في عقد العشرينيات والثلاثينيات من القرن المنفلت 0 فأنشأ بقيادة البرازيل ما يسمى بمنطقة التجارة الحرة لدول مركسور في بداية التسعينيات والدول الرئيسة التي يتوقع أن تلعب دوراً فيه الأرجنتين والأرغواي والباراغواي ، وقفزت التجارة البينية في هذه الكتلة من 9% عام 1990م إلى 21% عام 1999م 0 وهذه الكتلة أصبحت تشكل عائقاً أمام حلم الولايات المتحدة الأمريكية بتشكيل منطقة تجارة حرة في الأمريكيتين ، ونجد الرئيس البرازيلي وعالم الاجتماع المشهور كارد سو يقول : " إن منطقة التجارة الحرة في الأمريكيتين خيار ، ولكن مركسور هي قدرنا " 0 نيوزويك 24/4/2001م 0
ومن هنا نجد بأن مؤتمر كيبك المعقود في كندا 2001 ، تحت مظلة منظمة التجارة العالمية ، واجه نوعين من التحدي الأول هو مخاوف بعض الدول وخاصةً مجموعة مركسور من ضم الـ 34 دولة في الأمريكيتين تحت مظلة اقتصادية واحدة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، وهو شبيه بتصور مدرسة ميونيخ 1920م لأمريكا الكبرى ، ولكن إدارته هذه المرة سوف تكون من واشنطن دي سي 0 ثانياً : مخاوف الشعوب الأمريكية ممثلةً بالطلاب وطبقة العمال وهم يمثلون القاعدة السكانية العظمى التي يقوم عليها المجتمع الأمريكي من السحق الاقتصادي ، وبهذه الحالة سوف ينقسم المجتمع الأمريكي إلى طبقتين لا ثالث لهما الطبقة العليا والطبقة المسحوقة وهو نفس تصور حضارات قبل التاريخ السالفة مثل الأغريق ، ولكن في هذه المرة سوف نجد الطبقة العليا تمثل الحكام والنبلاء والبورجوازيين ، والطبقة المسحوقة تمثل الفلاحين والأجانب والرعاة ومعهم الأساتذة أيضاً 0 ومن هنا سوف يقضى على ما يسمى بالطبقة الوسطى التي يفترض أن تكون هي الأساس لبناء أي مجتمع في الألفية الثالثة 0
ولكن لميزة الوعي الثقافي عند الإنسان الأمريكي بدأ ينظم نفسه لكي يتعامل مع الوضع الراهن ، فنجد نقابات العمال وحتى أولياء أمور الطلبة ، بدأوا بتمويل أي مشروع منظم يشكل معارضة للعولمة ، والملاحظة القوية بأن أي مؤتمر يعقد للعولمة تقوم ضده مسيرات شعبية منظمة وتصل إلى العنف أحياناً 0 وأقوى دليل على ذلك هو عندما نظم الكنديون أنفسهم أمنياً لاستقبال قمة كيبك 0 واقتبس الأمريكان من العالم النامي أسلوب الاضاءات التي يعامل بها الإنسان فوضع الكنديون للمتظاهرين ثلاثة مناطق ، الأولى خضراء وهي لجموع المتظاهرين ، والثانية صفراء يوجد فيها جمع كبير من أعضاء الاتحادات العمالية وأصحاب الرأي ، والثالثة حمراء مجاورة للحائط الأمني ويعتقل كل من يقترب منها ورغم كل الاحتياطات الأمنية إلا أنه شكلت هذه الحركات الكثير من الاضطرابات أثناء عقد القمة ، وكذلك أثرت على إرادة الزعماء في إتخاذ القرارات الحاسمة 0
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ؟ الحكومات تسعى لايجاد الآلية لتفعيل دور العولمة ، والشعوب رافضة لذلك ، فبالتالي هنا من الممكن أن تنشأ أيديولوجيات سياسية جديدة في الأمريكيتين وتتحول هذه الأيديولوجيات إلى جماعات ضغط وأحزاب سياسية ، وربما يصبح لها دور حتى في الحكم مستقبلاً 0 ومن هنا نجد الشغل الشاغل لمراكز اتخاذ القرار العالمي هو ما هي الآلية المناسبة لامتصاص نقمة الشعوب واقناعهم بأن مشروع العولمة هو من صالحهم ؟ 0
أما بالنسبة لبلقنة التجارة العالمية ، فنجد أن أوروبا يوجد لديها اتفاقيات مع 27 بلداً تحت مسمى التجارة التفضيلية ، وتصل نسبة التجارة البينية ما بين الدول الأوروبية إلى 64% عام 1999م من حجم التجارة الأوروبية 0 وآسيان رغم الأزمة الاقتصادية التي تعرضت لها هذه الكتلة ، إلا أن التجارة البينية في هذه الكتلة قفزت من 20% عام 1990م إلى 22% عام 1999م 0 ولكن الآسياويون مازالوا يبحثون عن سيناريو آسيوي يقزم دور صندوق النقد الدولي الذي يوجه له اللوم بأزمة 1997م الآسيوية ، وتتركز المباحثات الآن فيما بينهم على جمع احتياطياتهم البالغة ترليون دولار لإنشاء صندوق نقد آسيوي على غرار صندوق النقد الدولي في واشنطن 0
ولكن بطاقة اللعب بالأمن الآسيوي أيضاً موجودة في واشنطن دي سي ، فكلما ضغط الآسياويون بتشكيل نظام اقتصادي آسيوي كلما ضغطت عليهم الولايات المتحدة بالبطاقة الأمنية التي سوف نتطرق لها لاحقاً 0
أما بطاقة الضغط الثانية التي من الممكن أن تستخدم ضد آسيان ، هو من خلال تقديم بعض الاغراءات لبعض دول آسيا لكي تشق صف المنظمة ، وأكبر دليل على ذلك سنغافورة شقت صف آسيان وسعت وراء صفقات ثنائية مع الولايات المتحدة الأمريكية، مما جعل بعض المتنفذين في القرار الآسيوي بتسمية سنغافورة الولاية الأمريكية الواحدة والخمسون 0 ونجد دولاً مثل استراليا ونيوزيلندا رغم أنه لا يوجد لها تكتل اقتصادي بارز ، ولكن لها دور مؤثر في قرار التجارة العالمية ، وهو من خلال اتفاقيات التجارة التفضيلية التي قفزت من 100 إلى 240 للدولتين المذكورتين 0
سيناريو الحرب الباردة في الألفية الثالثة :
هناك بعض التصورات من خلال التنافس الأمريكي الصيني في الشرق الأقصى وبالتحديد في تايوان وكوريا والممرات المائية المجاورة للصين من ناحية 0 والتنافس الأمريكي الصيني في المحيط الهندي ، والتصور الأمريكي بأن الصين تدعم الدول الخارجة عن استراتيجية أمريكا للعالم مثل كوريا الشمالية وإيران وسوريا والسودان والعراق من ناحية تكنولوجية ، وخاصة تقنية الأسلحة المحرمة دولياً 0 وبالإضافة إلى أن الصين تقوم بكسر الحصار الاقتصادي المفروض على الدول المذكورة 0
هذا جعل بعض المحللين يتوقعون بأن يكون للصين دور عالمي ، وتسحب بساط أحادية القطبية من الولايات المتحدة ، ويصبح العالم ثنائي القطبية ، أي بمعنى آخر نشوء حرب باردة جديدة 0
ولكن هذا الاحتمال مستبعد الآن ، رغم أن الصين تشكل ما يقارب خمس سكان العالم ، ومعدل النمو الاقتصادي مرتفع فيها بشكل كبير يصل إلى 8% ، ويقابله معدل تضخم شبه منعدم 0 ولكن عندما نقارن ما بين الناتج المحلي الصيني والأمريكي، نجد بأن الناتج المحلي الصيني لا يصل حتى إلى 8% من الناتج المحلي الأمريكي ، ونصيب الفرد الصيني من الناتج المحلي لا يصل حتى إلى 12% من نصيب الفرد في الولايات المتحدة 0
ولكن هناك من المحللين من يرى بأن معدل النمو الاقتصادي الكبير في الصين ، من الممكن أن يؤهل الصين لكي تكون قوة اقتصادية منافسة للولايات المتحدة بعد خمسة عشر عاماً ، وأن الأمريكان الآن مركزين على استراتيجيتين لعرقلة التنمية الاقتصادية في الصين الأولى الاستفزاز الإقليمي المستمر في ممر تايوان وفي بحر الصين ، والثانية إحياء برنامج الدرع الدفاعي الأمريكي الذي سوف يضغط على الصينيين لاقتطاع جزء كبير من رؤوس الأموال المستثمرة في التنمية الاقتصادية وتوجيهها إلى صناعة اسلحة استراتيجية لخلق توازن مع الولايات المتحدة ، ولو فعل الصينيون ذلك ، فسوف يحدث لهم إنهيار اقتصادي مثل ما حدث للاتحاد السوفيتي السابق ، وسوف تفشل جميع برامج التنمية الاقتصادية لديهم 0
أما بالنسبة لعدد أفراد القوات المسلحة المطلق وحجم التسليح المطلق ، لم يعد يعطي أي معنى في الوقت الحاضر ، وأقوى دليل على ذلك أكثر من كدس أسلحة استراتيجية هو الاتحاد السوفيتي ولكن ذلك لم يمنعه من الأنهيار 0 ولكن حتى لو قارنا ما بين الأسلحة الاستراتيجية الصينية والأمريكية لوجدنا بأن المقارنة لصالح الولايات المتحدة من حيث برامج التسليح ذات التقنية العالية ، أو كما تسمى الأسلحة الذكية 0 ولكن الأهم من ذلك بأن الولايات المتحدة أصبح لها بعد جيوبوليتيكي عالمي من خلال تحالفاتها الاقتصادية والعسكرية ، وهذا التواجد في كل العالم تقريباً وهو يمثل شبه احتواء للصين ، فمثلاً الولايات المتحدة متواجدة في أوروبا ، والشرق الأوسط ووسط آسيا وجنوب شرق آسيا والشرق الأقصى 0
وفي نفس الوقت الولايات المتحدة مستثمرة بطريقة أو بأخرى التنافس الاستراتيجي الموجود ما بين الهند والصين في المحيط الهندي ، وما بين الصين وروسيا على أواسط آسيا ، وبالتالي تصور الحرب الباردة ما بين الصين والولايات المتحدة الآن مستبعد أطلاقاً 0
ولكن في هذا المنوال لا نستطيع أن ننفي ، بأن الصين من ناحية إقليمية ممكن أن تخلق توازن للدول الصغيرة لكي يكون لها دور في هامش ضيق جداً لكي تلعب توازن خاص لها ما بين الولايات المتحدة والصين 0 ولكن هذا التوازن الهش مازال سهلاً على الاستراتيجية الأمريكية لاختراقه ، فمثلاً مجرد استقبال اليابان للرئيس التايواني السابق في أبريل 2001م ، أدى ذلك إلى توتر العلاقات ما بين الصين واليابان ، وفي هذه الحالة سوف تجمد أية مفاوضات ما بين دول آسيان والصين ، إلى أن يوجد حل دبلوماسي للنزاع المذكور 0 وهناك بطاقات معلقة كثيرة ضد الصين إقليمياً منها كوريا الشمالية وفيتنام وتايوان ، ونموذج الاقتصاد الاشتراكي الذي تحللت منه معظم الدول التي طبقته ، وأهمها الأتحاد السوفيتي السابق الذي كان يقود التصور لهذه النظرية عالمياً 0 وكذلك مطلوب من الصين تطبيق ملف الديمقراطية بمفهومه الغربي ، وهناك ورقة الضغط على الصين من حيث حقوق الإنسان ، وأخطرها كلها على الصين ملف الصراع الحضاري الصيني للاقليات السلالية والأيديولوجية 0
جيوبوليتيكة النظام الإقليمي الإسلامي :
المسمى المذكور أكثر الأنظمة العالمية هشاشةً رغم أن هذا النظام يمثل ربع العالم من ناحية سكانية ، وأكثر من خمس كوكب الأرض من ناحية مكانية ، ويعتبر قلب العالم من ناحية جيوبوليتيكة ، بحيث من المستحيل وضع أي تصور جيوبوليتيكي عالمي قاري أو بحري أو جوي ، دون تصور مركزي لهذا النظام 0 ويتوزع جغرافياً في هذا النظام جميع المواد الأولية في العالم بكميات تجارية ضخمة ، وعلى رأسها الطاقة الهايدروكاربونية ممثلة بالنفط والغاز الطبيعي ، بحيث يوجد ما يقارب 72% من احتياطيات العالم من النفط ، و 35% من احتياطيات العالم من الغاز الطبيعي 0 آل ثاني ، جيوبوليتيكية العالم ، الراية ، العدد 6763 0
وتبلغ مجموع دول هذا النظام 56 دولة ، ولكن هذا النظام مخترق بشكل كلي من قِبَلْ الدول الاستعمارية سابقاً ، ومن الأمبريالية العالمية الآن 0
ولكن للعقم السياسي الذي أصاب هذه الأمة بقيت مكبلة ، ولم ينفع معها ولا سيناريو استراتيجي ، وحتى السيناريو الذي ساهم الغرب في وضعه ، وهو إنشاء الجامعة العربية ، وذلك من خلال مطالبة أنطوني أيدن بطريقة مباشرة في البرلمان البريطاني في 29 مايو 1941م بإنشاء منظمة عربية تجتمع تحت رايتها جميع الدول العربية ، ونشأت بالفعل الجامعة العربية ، عام 1945م آل ثاني ، جغرافيا سياسية ، ص 128 0 وفشلت الجامعة في أول اختبار اقتصادي لها ، وهو من خلال إنشاء السوق العربية المشتركة عام 1965م ، والتي بقيت على ورق إلى الآن ولم يفعل دورها 0
وفي عام 1969م أنشأت منظمة المؤتمر الإسلامي ، وكانت هناك الكثير من التوصيات لقيام تكامل اقتصادي إسلامي 0 ومن هذه التوصيات :
1- التنسيق ما بين الخطط والأهداف الاقتصادية الإسلامية 0
2- توجيه الاستثمارات للبنية التحتية الإسلامية ، وكذلك الأنشطة الاقتصادية الأولية والثانوية 0
3- دعم مجالات البحث لتطوير الأنشطة الاقتصادية الأولية والثانوية والثالثة 0
4- إقامة جهاز لتبادل المعلومات 0
5- سهولة إنتقال العمالة الإسلامية 0
6- إنشاء سوق إسلامية مشتركة يونس ، ص 143 ، 144 0
وبقي كل مجهود عربي إسلامي مجمد ، إلى أن أنتهت الحرب عام 1990م ، وبدأت عملية السلام العربي الإسرائيلي في مدريد عام 1991م ، وكان من أهم مشاريع عملية السلام هو إحياء الفكرة التي نادى بها أبا إيبان وزير خارجية إسرائيل آنذاك في ديسمبر 1973م عندما أخبر حلفائه الأمريكان بأن المنطقة لن تستقر سياسياً إلا من خلال ابتكار كتلة اقتصادية شرق أوسطية ، تكون بالطبع إسرائيل هي اللاعب الرئيسي فيها 0 آل ثاني ، جغرافيا سياسية ، ص 131 0 وبالفعل عقدت أربع مؤتمرات لمشروع الشرق الأوسطية كان أولها في فاس بالمملكة المغربية ، وثانيها في عمان بالمملكة الأردنية الهاشمية ، وثالثها في القاهرة بجمهورية مصر العربية ، ورابعها في الدوحة بدولة قطر عام 1997م 0 ورحمةً من اللّه لهذه الأمة فشل مشروع الشرق الأوسطية ، وسوف نتجنب من خلال هذا التحليل الجانب الحضاري رغم أننا جميعاً نؤمن بهويتنا القومية العربية وديننا الإسلامي الحنيف 0 ولكن لكي نثبت استراتيجياً بأنه لو نجح مشروع الشرق أوسطية ، لنهب عالم الشمال الصناعي جميع الموارد الطبيعية الموجودة في الشرق الأوسط ، والأمثلة على ذلك كثيرة أمامنا ومنها :
أولاً : عندما نراجع أهداف منظمة التجارة العالمية 1995م المذكورة سلفاً ، لوجدناها شبيهة ومعززة لأهداف صندوق النقد الدولي ، التي طالب بتطبيقها في الدول النامية عام 1975م وهي :
1- تحرير التجارة الخارجية ، أي أزالة العوائق أمام الصادرات والواردات 0
2- تحرير سوق الصرف ، وتحرير الأثمان في الداخل ، لكي يسهل على الدول الصناعية ذات القيمة المضافة التهام الدول النامية التي عمودها الفقري الاقتصادي يعتمد على المواد الأولية 0
3- عدم تدخل الدولة في سوق العمل 0
4- التركيز على النشاط الاقتصادي الفردي ، أي تدعيم للنظرية الرأسمالية وفتح الأسواق أمام الشركات الاحتكارية الكبرى 0 دويدار ، ص 501 ، 502 ، 504 0
نحن لا نستطيع أن ننكر بأن هذه البرامج لو طبقت على دولة غنية وصناعية تمر في حالة من التضخم والعجز في الميزان التجاري ، ربما تكون ناجحة أحياناً ، مثلاً المملكة المتحدة في عام 1976م ، عندما أوصاها صندوق النقد الدولي بتخفيض قيمة العملة الجنيه الاسترليني كانت هذه الاستراتيجية ناجحة بالنسبة للاقتصاد البريطاني ، لأن بريطانيا تملك ناتج محلي ضخم ، وتخفيض العملة زاد من صادرات السلع البريطانية إلى السوق الدولية ، وذلك ساهم في تعديل الميزان التجاري البريطاني إلى التعادل والفائض أحياناً ، فحلت المشكلة الاقتصادية في المملكة المتحدة 0
ولكن عند تطبيق هذه التوصيات على دولة نامية ذلك سوف يسبب لها انهيار اقتصادي 0 النموذج ماثل أمام معظم المهتمين في هذا المجال في العالم 0 فالمكسيك عندما طبقت عليها سياسة صندوق النقد الدولي عام 1982م وهي دولة مستوردة للسلع المصنعة ، أدى ذلك إلى رفع أسعار السلع المستوردة على المستهلك المحلي ، والدولة لكي تعالج هذه المشكلة لابد لها من الاستدانة من الخارج ، لأنها تعتمد أصلاً في عائداتها من العملة الصعبة على مواردها الطبيعية وعدم وضع قيود لهذه الموارد يؤدي إلى انخفاض قيمتها في السوق الدولية 0 وفي العام المذكور أعلاه توقفت المسكيك عن خدمة الدين الخارجي وذلك مثل انهيار اقتصادي في المكسيك 0 وكان علاج المؤسسات المالية العالمية للمكسيك هو الاقراض أيضاً ، وعلى شكل القرض المرتهن ، أي دخول الشركات الاحتكارية العالمية الكبرى إلى المكسيك وتملكها أسهماً من ثرواتها الطبيعية ، أي أصبحت الموارد الطبيعية المكسيكية ملكاً للدول الصناعية ، وعلى نفس المنوال تسير الأرجنتين الآن التي يبلغ مجموع ديونها 140 بليون دولار 0
الوضع أعلاه يحدث في دول مشاريعها الاقتصادية أفضل بدرجات كبيرة ، من دول العالم الإسلامي ، إذاً ما هو الوضع المتوقع للعالم الإسلامي إذا دخل من ضمن جيوبوليتيكية العولمة ، وخاصةً إذا كانت الديون المترتبة على العالم الإسلامي أكثر من 702 بليون دولار ، ولخدمة فوائدها السنوية تزيد على 80 بليون دولار ، وحجم التجارة البينية بين دولة لا تزيد على 7% ، ونصيبه من التجارة الدولية 3% فقط 0 والأسوأ من ذلك كله بأن المتسلطين على مراكز القوى في العالم الإسلامي مغيبين دور الإنسان تماماً ، ولا يهم إلا مصلحتهم الاقتصادية والوظيفية ، وذلك عكس جميع الكتل المذكورة أعلاه 0 ففي دولة عظمى مثل الولايات المتحدة ، رغم وجود الديمقراطية على النموذج الرئاسي ، والرئيس ذو السلطة المنفردة التي استمدها من الأمة الأمريكية يملك قوة إتخاذ القرار ، ولكننا نجد البيت الأبيض والكونجرس دائماً يراقب مطالب جماعات الضغط الأمريكية فمثلاً :
1- عندما قررت الحكومة الأمريكية اقراض مصر عام 1955م ، قرضاً طويل الأجل لإنشاء السد العالي ، مارست جماعات الضغط الأمريكان على الحكومة الأمريكية ضغوطاً لإثنائهم عن هذا القرار ، لأن نجاح مشروع السد العالي ، سوف يوفر مياه كثيرة ، وذلك سوف يساعد المصريين على زيادة حجم الأراضي المخصصة لإنتاج القطن الطويل التيلة ، وفي هذه الحالة سوف يصبح القطن المصري منافساً شرساً للقطن الأمريكي ، وذلك ينتج عنه كساداً لمنتجو القطن الأمريكان 0 واستجابت الحكومة الأمريكية لهذا الضغط وأوقفت القرض المخصص لمصر 0
2- مصدر الرزق الرئيسي لسكان العالم الإسلامي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة هو الثروة الهايدروكاربونية ، وأكبر دولة مستهلكة للنفط في العالم الولايات المتحدة الأمريكية بحيث تصل حصتها ما يقارب 25% من الاستهلاك العالمي 0 ونجد البورصة الحقيقية لسعر النفط موجودة ولدى جماعة الضغط الأمريكان ، فعندما ينخفض سعر النفط إلى أقل من 10 دولار للبرميل ، يتحرك منتجوا النفط الأمريكان ويطلبون من حكومتهم رفع الأسعار لأن ذلك سوف يؤدي إلى ايقاف حقول الإنتاج الأمريكية التي تصل تكلفة إنتاج البرميل فيها إلى أكثر من 10 دولار أحياناً ، ويقابله تكلفة إنتاج برميل النفط العربي في بعض الحقول إلى أقل من دولار واحد أحياناً 0 وعندما يرتفع سعر النفط في السوق العالمية إلى أكثر من 20 دولار يتحرك المستهلك الأمريكي ويطالب حكومته بالضغط على الدول المنتجة للنفط لتخفيض أسعارها ، لأن أرتفاع أسعار الطاقة ينعكس بصورة غير مباشرة على أرتفاع أسعار السلع الصناعية والخدمية 0
هذا هو وضعنا الآن 0 والسؤال الذي نطرحه على حكوماتنا الشرق أوسطية ، أو الإسلامية ، أو العربية كيفما أرادوا يسمونها ، ما هو السيناريو المعد لهذه الأمة عندهم ، والتي يعاني 677% من أبنائها من فقر مدقع 0 وفي الختام نقول لجميع حكوماتنا الإسلامية بأن جميع الأمم وضعت سيناريوهات لمستقبلها ولرفاهية وإسعاد وحرية شعوبها ، باستثناء المسميات الثلاث المذكورة ولن يتغير وضعنا الحالي إلا بوضع تصور براغماتي يتعامل مع الإنسان
إلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه تعالى 0
المراجــع
1- آل ثاني ، فهد جريدة الوطن القطرية ، العدد 1353 ، 1354 0
2- آل ثاني ، فهد ، دراسات في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا ، عمان ، دار وائل للنشر، 2000م 0
3- آل ثاني ، فهد ، جيوبوليتيكية العالم الإسلامي ، جريدة الراية القطرية ، العدد ، 67763، 6765 0
4- آل ثاني ، فهد ، استراتيجية التنمية في دول مجلس التعاون الخليجي ، الدوحة ، دار الشرق ، 2001م 0
5- حسين ، عبد الرزاق ، الجغرافيا السياسية ، بغداد ، مطبعة أسعد ، 1976م 0
6- عبد اللّه ، حسين ، مستقبل النفط العربي ، بيروت ، المركز العربي للدراسات ، نوفمبر 2000م 0
7- دويدار ، محمد ، مبادئ الاقتصاد السياسي ، بيروت ، الدار الجامعية ، 1998م 0
8- رياض ، محمد ، الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا ، بيروت ، دار النهضة العربية ، 1979م 0
9- عبد الرسول ، كوثر ، الجغرافيا الاقتصادية ، بيروت ، دار النهضة العربية ، 1996م 0
10- المجذوب ، محمد ، التنظيم الدولي ، بيروت ، الدار الجامعية 0
11- المجذوب ، محمد ، القانون الدولي العام ، بيروت ، الدار الجامعية 0
12- نيوزويك ، 24/4/2001م 0
13- يونس ، عادل ، العالم الإسلامي اليوم ، القاهرة ، مكتبة ابن سينا ، 1989م 0
14- The Military Balance 1999/2000, The International Institute for Strategic Studies, Oxford, Oxford University Press.
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الاقتصاد, العالمي, جيوبوليتيكية


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع جيوبوليتيكية الاقتصاد العالمي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
المركزي الياباني: الاقتصاد العالمي يدخل مرحلة جديدة بعد الأزمة Eng.Jordan أخبار اقتصادية 0 01-17-2017 03:47 PM
عام 2017.. الاقتصاد العالمي في عيون الخبراء Eng.Jordan أخبار اقتصادية 0 01-17-2017 03:44 PM
رغم تباطؤ الاقتصاد العالمي .. المطارات العربية تشهد ازدهارا كبيرا عبدالناصر محمود أخبار اقتصادية 0 10-14-2013 04:58 AM
البنوك الإسلامية واختراق منظومة الاقتصاد العالمي Eng.Jordan بحوث ومراجع في الإدارة والإقتصاد 0 06-20-2012 12:05 PM
العقوبات ضد ايران تلقي بظلالها على نمو الاقتصاد العالمي احمد ادريس أخبار اقتصادية 0 03-26-2012 06:45 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 12:28 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59