#1  
قديم 03-21-2015, 09:00 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة مئذنة اليوسفية .. بقية من مدينة عباسية


مئذنة اليوسفية .. بقية من مدينة عباسية مندثرة
ــــــــــــــــــــــــ

(أ. د. عماد عبدالسلام رؤوف)
ــــــــــــــــ

غرة جمادى الآخرة 1436 هــ
21 / 3 / 2015 م
ـــــــــــــ

اليوسفية 11073575_813850072028929_5754376701765617831_n.jpg?oh=3d7273baa8b35d45cd266e3c271a5d4f&oe=55BDBE6D
ما تبقى من مئذنة اليوسفية




مئذنة اليوسفية .. بقية من مدينة عباسية مندثرة
-------------------------


في وسط حقل فسيح مترامي الأطراف، مطل على طريق ترابي يصل بين ناحية اليوسفية، ومنطقة بغداد الغربية[1]، وعلى نحو عشرة كيلو مترات من بلدة اليوسفية ذاتها، تقف مئذنة عتيقة وحيدة تصارع الرياح وعوادي البيئة. ليس حولها أي بناء، كما ليس لها من اسم سوى ما أطلقه عليها أهل تلك الناحية، وهو المكيطيمة، تصغير (المكطومة)، أي (المقطومة) دلالة على شكلها الناقص. ولا يعرف أهل المنطقة عن هذه المئذنة سوى خرافة لا يعتد بها على أية حال. ولكنهم أطلقوا، منذ عهد بعيد، اسمها على جدولي ماء يمران على جانبيها، هما جدول المكيطيمة الشرقي وجدول المكيطيمة الغربي وكلاهما يأخذ من نهر اليوسفية الحديث[2].

وعلى الرغم من خلو الجزء المتبقي من المئذنة من أية كتابة أثرية يستدل بها على سنة تأسيسها فإننا نستطيع أن نستدل من نوع آجرها وتكوينها المعماري المميز وزخارفها البنائية البديعة، على أنها ترتقي إلى القرن السادس أو السابع للهجرة (الثاني عشر أو الثالث عشر للميلاد) وأنها تشابه عدة مآذن عراقية عباسية أخرى، منها على سبيل المثال مئذنة جامع سنجار الأثرية (521 هـ/ 1127 م) ومئذنة جامع داقوق قرب كركوك (سنة 608هـ/1221م) والمئذنة المظفرية في ظاهر أربيل (٦٣٠- ٥٨٦ هـ /١١٩٠-١٢٣م).

اليوسفية 10999000_813872915359978_8881648749554506888_n.jpg?oh=cd703254a07fd0c63d2cbbba5ace7db0&oe=55BAC5C6&__gda__=1433413199_da8070a00e39ca6377abec158840fc94

اليوسفية 14717_813873245359945_9112754747903251901_n.jpg?oh=c84ad05d31a46e14716c50f285a1eb18&oe=557160D8

إن جميع ما تبقى من المئذنة مبني بالجص والأجر، وتبلغ أبعاد كل من نوعي الآجر المستخدم في البناء 24، 20 سم بثخن يبلغ 6 سم.

ولقد ذهبت عوادي الزمن المختلفة بالقسم العلوي من المئذنة بضمنه حوضها، فلم يتبق منها حالياً سوى ما ارتفاعه ستة أمتار و45 سنتيمتراً، والظاهر أنها كانت أعلى بكثير بدلالة ضخامة قاعدتها وسعة محيطها، وكان بعض أهل تلك الناحية قد أخبرني سنة 1967 أنها كانت أكثر ارتفاعاً عما هي عليه الآن بحوالي المتر أو أكثر، على ما شاهده قبل روايته هذه بسنين عدة. وبمقارنة ما تبقى من هذه المئذنة الآن والمآذن الأخرى المرتقية إلى عصرها، مما أشرنا إليه، نستطيع القول أن ارتفاعها كان يتجاوز الثلاثين متراً.

وللمئذنة قاعدة ترتفع عن الأرض مسافة 65، 2 م ( 31 صفا من الآجر تقريباً) وهي مضلعة الشكل ذات خمسة أوجه غير منتظمة الأبعاد تماماً، يتراوح عرض كل واحد منها بين 85 سم، و105 سم، وسبب هذا الاختلاف هو موقعها من الجامع الزائل، وكونها متصله ببنائه وعقوده سابقاً، حيث يتصل بأحد هذه الجوانب جزء من جدار ضخم يبرز عن بدن القاعدة المذكورة بنحو 70 سم، ويبلغ ثخنه 1،56م، وهو يتقوس من الأعلى ليكون عقداً مدبب القمة ضخماً يمثل مدخل الجامع نفسه، بيد أن بقية العقد زالت بفعل عوادي الزمن، ومن المؤكد أن أسس الجدار المقابل موجودة تحت طبقة مرتفعة قليلاً من الأتربة التي تعلو انقاض الجامع الزائل، وليس بمستبعد أن تكون هناك، تحت تلك الأتربة، أسس عمد وجدران، يمكن أن تظهر عند رفعها والعناية بالموقع.

ويعلو قاعدة المئذنة الجزء الأسطواني منها (ويسمى محليا بدن المئذنة)، وارتفاعه وحده 3،80 ويبلغ محيطه نحو 5 أمتار وثخن جداره 35 سنتمتراً. له مدخل من جهة الشمال، ذو عقد مدبب أحيط أعلاه بشريط من الآجر، ويبلغ ارتفاع هذا المدخل 1،75 متراً وبعرض 80 سم، ينفذ منه إلى سلم حلزوني يلف داخل البدن على النمط المعروف محلياً بـ(الفحل)، وثمة إحدى عشرة درجة لما تزل سليمة منه، ارتفاع كل منها 30 سم. وعرضها 70 سم، وليس لما تبقى من المئذنة نوافذ أو كوى مما هو معتاد في أكثر المساجد. وواضح من ارتفاع مدخل المئذنة أن المؤذن لم يكن يصعد إليها من أرض المسجد مباشرة، كما في المئذنة المظفرية في إربل، وإنما عن طريق شرفة تتصل بالطابق العلوي من المسجد، كما هو الحال في مئذنة جامع القصر (جامع الخلفاء) في وسط بغداد.

ويمكننا أن نرى في المئذنة عدة ملامح فنية عراقية واضحة تساعدنا على تحديد تاريخ إنشائها، ففي أعلى القاعدة المضلعة شريط بنائي جميل بارتفاع 30 سم، يتشكل من قطع الآجر المتداخلة عمودياً. وهي ميزة نجدها في أغلب المنشآت العراقية التي ترقى إلى العصر العباسي، كمئذنة جامع سنجار ومئذنة جامع القصر أو جامع الخلفاء المبنية بعد سنوات قلائل من نهاية ذلك العصر سنة 678هـ/ 1289م وغير ذلك. وأول ما ظهر هذا الأسلوب في دار الإمارة بالكوفة، وهو على ما يبدو مبالغة في تحصين البناء وتقويته فضلاً عن تشكيله، في الوقت نفسه، حلية بنائية بين صفوف الآجر.

وفي الجزء الأسطواني أيضاً، بعد نحو 30 قطعة آجر، شريط آخر مماثل للشريط مار الذكر، تعلوه حلية بنائية جميلة تتكون من رصف أفقي لقطع الآجر على شكل XXX مؤلفة من الأسفل عدة مثلثات تستند قواعدها على الشريط الآجري الأول الذي يعلو عقد باب المئذنة مباشرة، ثم تعلوها عدة مربعات كاملة تقف على إحدى زواياها، ثم ملأت دواخل كل مربع برصف عمودي لقطع آجر أخرى بالحجم نفسه، وثمة قطع صغيرة مربعة ومزخرفة من الآجر تفصل بين نوعي الرصف الأفقي والعمودي، وفي وسط كل تشكيل توجد واحدة من هذه القطع الصغيرة، فيشكل ذلك كله منظراً هندسياً جميلاً. وهذا النمط من البناء مشابه جداً لما هو موجود على بعض جدران المدرسة المرجانية (جامع مرجان) ببغداد، ولا يختلف عنه إلاّ بزيادة تلك القطع الآجرية المزخرفة. كما توجد في أعلى الجزء المتبقي من العقد المتصل بقاعدة المئذنة، مساحة مثمنة الأضلاع كانت تحتوي- فيما يبدو - زخارف أو كتابات قبل أن تسقط بفعل عوادي الطبيعة.

اليوسفية 11081001_813873542026582_2023135690713908372_n.jpg?oh=a3e48131870724ab4c2a4d855b932f7a&oe=5578041A&__gda__=1437990186_765fa50a5d24c3af5e8d999462efb56e

ولما كان بناء مئذنة ضخمة على نحو منفرد وسط البرية مما لا يعقل أصلاً، وإنما يكون لجامع رئيس وسط مدينة زاهرة، فرجعنا إلى المنطقة نفسها نفتش فيها عن جواب، فلاحظنا أن ثمة تل أثري قريب من المئذنة يكاد يتصل بها لولا أن يفصله عنها جدول المكيطيمة الغربي، وبما أن هذا الجدول، كمُحاذيه الشرقي، وهو من الجداول الحديثة إذا ما قيست بمجاري الأنهار القديمة في المنطقة، فإن لنا أن نقول بأن هذا التل ليس إلا بقايا تلك المدينة المندثرة، وتبلغ المساحة التقريبية للتل نحو ستة دونمات[3]، ويغطي هذه المساحة ما لا يمكن عده من قطع الآجر والخزف الفاخر وأنواع الفخار الملون العائد إلى العصر الإسلامي. ولا نشك في أن أعمالاً تنقيبية فيها من شأنها أن تكشف عن مدينة عراقية عباسية مهمة.

من الصعب في الوقت الحاضر التوصل إلى اسم هذه المدينة العباسية، لا سيما وإنا نعلم بوجود عدد من المدن والقرى الزاهرة في هذه المنطقة التي تمثل طريق الحاج التاريخي بين الكوفة وبغداد، وقد مر به عدد من الرحالين فوصفوا كثافة السكن فيها واتصال القرى ببعضها وكثرة ما يخترقها من جداول وما يصل بينها من حقول وبساتين. ولعل أبرز من وصف هذا الطريق الرحالة الأندلسي ابن جبير، وذلك حين مر به متوجها من الكوفة إلى بغداد.

ومما يؤكد وجود بقايا هذه المدينة تحت ركام التل وترابه، أن آثار مجرى نهر واسع نسبياً يمكن تتبعها الآن، كانت تصل إلى هذا الموقع، مبتدئة من مجرى نهر اليوسفية القديم المندثر، وهو يقع إلى الجنوب من نهر اليوسفية الحديث، فهذا النهر كان يروي تلك المدينة بمياهه. ويبلغ عرض النهر المندثر الآن، بقياس ما بين كتفيه، نحو عشرة أمتار، ويمضي الطريق الترابي الموصل إلى موقع المكيطيمة حالياً في عقيقه.

ومن المؤسف حقاً أن هذه المدينة ومسجدها ومدينتها بقيت حتى يومنا هذا بعيدة عن أية عناية أثرية. وكل ما في الأمر أن مديرية الآثار القديمة العامة (المؤسسة العامة للآثار والتراث فيما بعد) سجلت المئذنة (أثراً) سنة 1937. أما التل الأثري المجاور فلم يسجل كأثر حتى الآن رغم ما يحفل به سطحه من لُقى أثرية متنوعة واتصاله بالمئذنة ذاتها. ومن الغريب أن إشارة إلى هذه المئذنة لم ترد في الأطلس الذي نشرته مديرية الآثار العامة بعنوان (أطلس المواقع الأثرية في العراق) (بغداد 1975 خارطة رقم 27) مع أنها مسجلة أثراً منذ أمد بعيد على ما ذكرنا.

إننا هنا ندعو المؤسسة العامة للآثار والتراث إلى العناية بهذا الموقع الأثري المهم، فترمم مئذنته، وتكشف عن أسس جامعها، وتجري التنقيبات اللازمة في مدينته المندثرة، فذلك كله من الأمور الممكنة حالياً، ولكنه لن يكون كذلك إذا ما امتد العمران إلى المنطقة بازدياد عدد القرى المجاورة واستغلال سكانها ما تحتويه من قطع آجرية ومخلفات أثرية أخرى[4].
--------------------------------------------------
[1] اليوسفية بلدة قديمة في وسط العراق، نسبت إلى اسم خان قديم فيها، وهي مركز لناحية تابعة لقضاء المحمودية من أقضية محافظة بغداد.
[2] إن المعلومات التي نوردها في هذه الدراسة تستند إلى معطيات عدة زيارات قمنا بها إلى هذه المئذنة في صيف سنة 1967م.
[3] الدونم يعادل 2500 متر مربع.
[4] كتبنا هذا البحث سنة 1967 وصورناه سنة 1980 ولا ندري ما آل إليه حال هذه المئذنة وما حولها بعد ذلك التاريخ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
مدينة, مئذنة, اليوسفية, بقية, عباسية


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع مئذنة اليوسفية .. بقية من مدينة عباسية
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تعرف على مدينة الجن, مدينة أثرية عملاقة تحت الأرض Eng.Jordan الصور والتصاميم 0 07-20-2014 12:06 PM
بناء أول مئذنة في مدينة كريفلد عبدالناصر محمود المسلمون حول العالم 0 05-18-2014 07:58 AM
للحياة بقية... صباح الورد نثار الحرف 75 09-16-2013 02:16 PM
هدم مئذنة مسجد بدعوى التأكد من جودتها عبدالناصر محمود المسلمون حول العالم 0 08-31-2013 07:12 AM
لأول مرة بالسويد..رفع أذان الصلاة من مئذنة مسجد Eng.Jordan المسلمون حول العالم 1 05-01-2013 06:25 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 05:07 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59