#1  
قديم 05-18-2013, 03:22 PM
ام زهرة غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: العراق
المشاركات: 6,886
افتراضي نزار قباني في ذكرى رحيله.. حضور أقوى من الغياب


يتمتع الشاعر الراحل نزار قباني بحضور قصيدته عبر أجيال متنوعة من متذوقي الشعر سواءً من حيث كونها نصا شفهيا أو حتى عبر الأغنية العربية التي أفادت كثيراً من شعبية ووضوح نصوصه التي قاربت الملحمة الشعرية وعبرت عن أحاسيس الملايين من عشاق الأرض والإنسان.

كما يعتبر شعر قباني من النصوص الشفهية التي حافظت على كينونتها عبر الصوت الذي تمثل في إلقاء هذا الشاعر العبقري لقصائده بصوته في أكثر من مناسبة فالقصيدة القبانية لا تكتمل إلا بتصويتها أي جعلها صوتاً يخرجها من خرسها على الورق إلى وجودها الفيزيائي أو ما يسمى باللوغوس المنطوق المعقول داعماً ذلك بقوله.. ما أقسى القصيدة التي لا تلقى.. إن طعمها في الحلق يصبح كطعم العصفور الميت.

ولهذا يعتبر النقاد أن قصيدة نزار هي قصيدة الصوت وليست قصيدة الكتابة حيث الأماسي الشعرية هي من سمحت لهذه الموهبة بالظهور والتحقق عبر صوت الشاعر ذاته مبررين كلامهم بأن شعر قباني يحيل أشياء العالم إلى أصوات تغدو في متناول الشاعر ويتجلى ذلك بقوله.. تصبح يد حبيبتي مكان يدي.. وفمها كتاباً أقروءه قبل أن أنام.. ودبوسها المنسي على الطاولة.. حمامةٌ لا تريد أن تنام.

وما يثير الانتباه في شعرية قباني الحضور الكبير لدمشق كمكان وكعشيقة أبدية للشاعر ما برحت تحفر في صوته وجسده إذ خص قباني هذه المدينة بكتيب طارت شهرته في كل أرجاء الأرض بعنوان /دمشق..نزار قباني/ حيث يقول الشاعر عن هذا الكتاب.. دمشق نزار قباني..عنوان يشبهني أكثر من كل التصاوير التي أخذت لي منذ ولادتي حتى اليوم..عنوان يجعلني محفوراً في ذاكرة الناس كما رباعيات الخيام وسونيتات بيتهوفن وخمريات أبي نواس.

ويتجلى عشق القباني لدمشق من خلال عدة مقطوعات شعرية لعل أهمها قصيدته المعنونة ب /دارنا الدمشقية/ التي يرسم عبرها دمشقه الصغرى وبيته العتيق الذي ولد فيه في 21 آذار من عام 1923 يقول فيها.. هل تعرفون معنى أن يسكن الإنسان في قارورة عطرٍ.. بيتنا كان هذه القارورة.. ولكن ثقوا أنني بهذا التشبيه لا أظلم قارورة العطر بل أظلم دارنا.. والذين سكنوا دمشق.. تغلغلوا في حاراتها وزواريبها الضيقة.. يعرفون كيف تفتح لهم الجنة ذراعيها من حيث لا ينتظرون.
ورغم سفر الشاعر الكثير بسبب عمله في السلك الدبلوماسي وابتعاده عن دمشق لسنواتٍ طويلة إلا أن صاحب /قالت لي السمراء/ يردد.. أبجديتي الدمشقية ظلت متمسكة بأصابعي وحنجرتي وثيابي وظللت ذلك الطفل الذي يحمل في حقيبته كل ما في أحواض دمشق من نعناع وفل وورد بلدي.

وتحتل المرأة في شعر صاحب /طفولة نهد/ مكان الصدارة من خلال تكثيف العالم في هيئة امرأة معشوقة كما في مجموعاته الشعرية التي بدأها بديوانه الأول قالت لي السمراء1944 و يوميات امرأة لا مبالية 1968 وقصائد متوحشة 1970 حيث تتربع الأنثى على الخطاب الشعري لنزار دامجاً بينها وبين الكون والحياة والمصير يقول قباني.. بعينيكِ يبدأ تاريخ الفرات.. ويبدأ حزني الجميل الذي يتكلم سبع لغات.. ويبدأ عشقي العظيم الذي.. يتسلقِ جدرانكِ كالنبات.

كما تتحول المرأة في النص الشعري القباني إلى هيئة الأرض ولأنها الأنثى الأرض تصير هذه المرأة كائنا سحريا يقبع بين الممكن والمستحيل لتوءسس المكان بحضورها اللامرئي ولتصبح مكمن المعرفة والمغامرة يقول نزار.. أحبكِ قبل الأنوثة.. بعد الأنوثة.. شرق الأنوثة.. غرب الأنوثة.. يا امرأةً لا أراها.. ولكنها في جميع الجهات.

وتغدو الأنثى المستحيلة في شعر نزار تاريخاً للجمال والجميل من خلال مفردات امتاز بها نصه الشعري على نحو.. الحرير.. الياسمين.. الطيور.. الزهور.. العطر.. العصافير.. عابراً بذلك إلى الأنثى المتعالية بذاتها التي ستنقرض الحياة بلا وجودها في حياته ولتصير المرأة هي الثبات والضمان لفعل الحياة ذاتها ولتاريخ هذه الحياة يقول الشاعر الدمشقي.. لأشهد أنكِ آخر بيتٍِ من الشعر يروى.. وآخر مروحةٍ من حرير.. وآخر طفلٍ في عائلة الياسمين.

ويقول الشاعر أدونيس في تجربة نزار قباني الشعرية.. إن نزار كان منذ بداياته الأكثر براعة بين معاصريه من الشعراء العرب في الإمساك باللحظة التي تمسك بهموم الناس وشواغلهم الضاغطة وبخاصة همومهم المكبوتة والمهشمة إلى أكثرها إيغالاً بالحلم والحق في حياةٍ أفضل.
ويعزو أدونيس إعجاب الناس بشعرية نزار قباني إلى قدرة هذا الأخير بابتكار تقنية لغوية وكتابية خاصة تحتضن مفردات الحياة اليومية بتنوعها ونضارتها لتشيع فيها النسيم الشعري صانعاً منها قاموساً يتصالح فيه الفصيح مع الدارج والقديم مع الحديث والشفوي مع الكتابي.

وقال محمود درويش في تجربة نزار قباني إنها كانت فوق التجارب منصرفاً لمخاطبة مراهقتنا وكان يقول أشياء لا تقال فبشعره كان يستطيع قول كل شيء.


دمشق-سانا/ سامر اسماعيل
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 05-21-2013, 12:20 PM
الصورة الرمزية جملة شاردة
جملة شاردة غير متواجد حالياً
كاتب وأديب قدير
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
الدولة: K.S.A
المشاركات: 92
افتراضي

شاعر الصّوت
والنّداءات النديّة

كان مميّزاً

كل التقدير
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 05-21-2013, 05:56 PM
ام زهرة غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: العراق
المشاركات: 6,886
افتراضي

يسعدني مروركِ الراقي وإضافتك المشرقة
دمتِ متميز ة
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
أقوى, الغياب, ذكرى, حضور, رحيله, نزار, قباني


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع نزار قباني في ذكرى رحيله.. حضور أقوى من الغياب
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حضور نصراني وغياب إسلامي عبدالناصر محمود شذرات مصرية 0 10-28-2015 07:46 AM
قصيدة نزار قباني في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم ابراهيم الرفاعي أخبار ومختارات أدبية 5 10-14-2012 03:41 PM
أحزان في الأندلس لـ نزار قباني علي بن محمد شذرات إسلامية 0 01-27-2012 12:46 PM
نزار قباني حياتة و اعمله مهند أخبار ومختارات أدبية 13 01-10-2012 03:22 PM
الكاتبة: غالية قباني مهند أخبار ومختارات أدبية 1 01-10-2012 02:11 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 10:42 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59