#1  
قديم 05-02-2017, 08:46 PM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,147
ورقة الإنصاف في الخصومة!!


الإنصاف في الخصومة!!
ـــــــــــ

(زكريا حسين)
ـــــــ

6 / 8 / 1438 هــ
2 / 5 / 2017 م
ــــــــــــ

الإنصاف الخصومة!! 1440464733253.jpg





الإنصاف في الخصومة!!
-------------

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

أخي الكريم - وفقك الله لمراضيه - إن الحال الذي نعيشه، والواقع الذي نعانيه ونعاينه، يلزمُنا ويدعونا ويهتف بنا أن ندندن حول خُلُق الإنصاف؛ وذلك أنه معنًى من أعظم معاني العدل والإحسان؛ إذ به يستقيم ميزان التعامل، وتزداد روابطُ الأخوَّة قوة ومتانة، ويسود الأمن والاطمئنان، وأيُّ تفريطٍ في هذا الخُلُق العظيم؛ فمآلُ ذلك: الاختلافُ المفضي إلى الفُرقة والشقاق، والنزاع والظلم، والمؤلم أن الإنصاف لا تكاد تراه إلا أن يشاء الله؛ فهو عزيزٌ في زماننا، بل أندَرُ من الكبريت الأحمر ليس نادرًا في زماننا!!

قال الإمام مالك - رحمه الله - في القرن الثاني الهجري: "ما في زماننا شيءٌ أقل من الإنصاف".

قال القرطبي - رحمه الله - في القرن السادس الهجري معلقًا على كلام مالك -: "هذا في زمن مالكٍ، فكيف في زمانِنا اليوم الذي عمَّ فينا الفساد، وكثُر فيه الطغام، وطُلِب فيه العلم للرياسة لا للدراية، بل للظهور في الدنيا، وغلَبةِ الأقران بالمِراء والجدال الذي يقسِّي القلب، ويُورث الضغن؛ وذلك مما يحمل على عدم التقوى وتركِ الخوف من الله تعالى"؛ الجامع لأحكام القرآن (1/286 - 287).

رحِم الله سلفنا الصالح، ما عساهم أن يقولوا لو رأوا الفضائياتِ والإذاعات، والإنترنت والمنتديات، وشبكات التواصل، وفيها ما فيها من الفتن والمصائب والمدلهمات!! وما الفوضى العِلمية التي نشاهدُها ونسمَعُ بها هنا وهنالك إلا بسبب التفريط في الإنصاف؛ و﴿ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ ﴾ [النجم: 58].

أخي الكريم - وفقك الله لهداه - إليك هذه الكوكبةَ من نصوص الوحيين التي تجسِّد لنا أهميةَ هذا الخُلق العظيم:
قال الله -تعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 8].

وروى البخاريُّ ومسلم من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يُؤْمِنُ أحدُكم حتَّى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسِه)).

وروى مسلمٌ في صحيحه من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: ((فمَنْ أحبَّ أنْ يُزَحْزَحَ عنِ النَّارِ ويُدْخَلَ الجنَّةَ، فلتَأْتِه مَنيَّتُه وهو يُؤمِنُ باللهِ واليوم الآخِرِ، ولْيَأتِ إلى النَّاسِ الَّذِي يُحبُّ أنْ يُؤتَى إليه)).

وروى الإمام أحمدُ في مسنده - وصحَّحه الألباني في السلسلة - من حديث يزيدَ بن أسد القسريِّ - رضي الله عنه - قال: قال لي رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أَتُحِبُّ الجنَّةَ؟))، قلت: نعم، قال: ((فَأَحِبَّ لأخيك مَا تُحِبُّ لنفسِكَ)).

وهنا أقول:
أخي ****** - سدَّدك الله - كن منصفًا حتى مع خصومك.. لا تتسرَّعْ في الحُكم على أخيك = خَصمك!! عامِلْ خَصمك بما تحبُّ أن يعاملَك به غيرُك.. ضَعْ نفسَك في موقفِه، وعِشْ في حالته ومكانه وزمانه، ولا تكن مسلحًا بالظنون الفاجرة، والأحكام المسبقة الجائرة، وسَلْ نفسك: لِم فعَل هذا؟ ولمَ تكلَّم بهذا؟ ومتى وأين؟ انظُرْ لواقعه، وتأمَّل في المعطيات التي دعته لذلك؛ لعل له عذرًا، لعله لم يقُلْ ولم يفعَل، اسمع منه! ثم تحدَّث مع نفسك وقل: ما عساي أن أفعل وأقول لو كنتُ على حاله؛ فـ: "الحُكْم على الشيءِ فرعٌ عن تصوُّره"!

وما زال العلماء يحثُّون على هذا المعنى:
----------------------

• قال ابنُ حزم - رحمه الله -: "مَن أراد الإنصافَ، فليتوهَّم نفسَه مكان خَصمه؛ فإنه يلُوح له وجهُ تعسُّفه"؛ الأخلاق والسِّير (ص: 80).

• وقال ابنُ القيِّم - رحِمه الله -: "والإنصافُ أن تكتالَ لمُنازِعِك بالصاع الذي تكتال به لنفسِك؛ فإنَّ في كل شيء وفاءً وتطفيفًا"؛ تهذيب السُّنن (122/1).

• وقال ابن المقفَّع - رحمه الله -: "أعدلُ السَّير أن تقيسَ الناسَ بنفسِك، فلا تأتيَ إليهم إلا ما ترضى أن يؤتى إليك"؛ الأدب الصغير والأدب الكبير (ص: 73).

وأخيرًا أقول:
-------

سلوكُ مسلَكِ الإنصاف وكسبُه ليس بالأمر الهين؛ قال - سبحانه -: ﴿ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا ﴾ [النساء: 135]؛ لذلك ينبغي أن توطِّن وتُعوِّد وتُمرِّنَ وتجاهِدَ نفسك وهواك! فمن تعوَّد على شيء أدمنه؛ قال - جل وعلا -: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69]، ومَن أدمَن النَّظرَ في كتب سِيَر السلف الصالح، فسيرى نماذجَ عجيبة، ومواقفَ رهيبة يُقتَدى بها، تثور بها الهممُ إلى القِمَم حتى تكون ترياقًا مداويًا، وبلسمًا شافيًا؛ ليصبح الإنصافُ مَلَكةً وسجيَّةً، والله - وحده - المستعان.

جعَلني اللهُ وإيَّاكم من الذين يستمعون القولَ فيتَّبعون أحسَنَه، إنه وليُّ ذلك والقادرُ عليه.








ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الخصومة!!, الإنصاف


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الإنصاف في الخصومة!!
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الإنصاف .. والانتصاف. عبدالناصر محمود دراسات ومراجع و بحوث اسلامية 0 03-09-2015 08:32 AM
الاستشراق والقرآن الكريم بين الإنصاف والإجحاف عبدالناصر محمود دراسات ومراجع و بحوث اسلامية 0 05-29-2014 07:44 AM
الجدل و المراء و الخصومة عبدالناصر محمود الملتقى العام 1 01-15-2012 10:26 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 05:52 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59