العودة   > >

بحوث ودراسات منوعة أوراق بحثية ودراسات علمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 05-25-2019, 11:55 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي دراسة حول المدجنون في مملكتي قشتالية وبلنسية


المدجنون في مملكتي قشتالية وبلنسية
دراسة في أحوالهم العامة

بحث تقدم به الطالبان (علي عبد مسلم صيهود ) و ( علي حسن هاشم) إلى مجلس كلية التربية ــــــ قسم التاريخ وهو جزء من متطلبات نيل شهادة البكالوريوس في التاريخ




إشــراف
أ . م. د . سعد الجنابي










1439هـــ 2018م






-------------------------------------


الآية القرآنية
بسم الله الرحمن الرحيم


ﭐ ﱡﭐ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩﱪ ﱫ ﱬﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﱠ

صدق الله العلي العظيم
{ الأنعام: ١٢ }














الإهــــــــــداء


أهـــــــــدي هذا البحث المتواضع ...
إلى الأرواح الطـــــاهرة للصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس أهل البيت عليهم السلام وطهرهم تطهيراً .
إلـــى شهــــداء الحشد الشعبي المقدس ودمائهم الطاهرة .
إلــى والدي ووالدتي الذين لولاهم لما أصل لما أنا عليه الآن .
راجياً رضا ربنا وقبول العلم وإن ينفعنا في يوم نشرنا وحشرنا .














شكـــــر وتقديــــر


فإن الواجب عليّ اعترافاً لأهل الفضل بفضلهم أن أتقدم بالشكــــر الجزيل والامتنان العظيم إلى كل مَن مدّ لي يد العون المساعدة في إعداد هـــذا البحث وأخص بالذكر منهم مشرفي الكريم وأستاذي الفاضل الدكتور ( سعد الجنابي ) لما أولاني من عناية علمية و توجيهات وإرشادات فنية وجوهرية أوضحت لي الطريق وأزالت من أمامي العقبات فله من الله حسن الجزاء ومني جزيل الشكر وخالص الدعــاء .
كمــــا اتقدّم بالشكـــــر الجزيل إلى مَن ساعدني بإعارة كتاب أو توجيه أو نصيحة وأدعو الله لهم بالتوفيق وحسن المثوبة .
وأخيراً وليس آخراً لا سيما القول ألا الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين محمد و آله الطاهرين ...



البــــاحث

المحتويات
ت الموضوع الصفحة(من. الى)
1 الآية القرآنية المباركة ــــــــــــــــــــ
2 الإهداء ــــــــــــــــــــ
3 شكر وامتنان __
4 المقدمة أ
التمهيد: المدجنون لغة واصطلاحاً 1-3
5 الفصل الأول : المدجنون في مملكة قشتالة 4-22
المبحث الأول : الأوضاع العامة في مملكة قشتالة 4-10
المبحث الثاني : المدجنون في قشتالة 11-15
المبحث الثالث : الفن عند المدجنين 16-22
6 الفصل الثاني : المدجنون في بلنسية 23-50
المبحث الأول : الأوضاع السياسية لمسلمي بلنسية(المدجنون) تحت حكم مملكة ارغون 23-37
المبحث الثاني : الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمدجنين في بلنسية 38-50
7 الخاتمة 51
8 قائــــــــــــــمة المصادر والمراجع 52-54


المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على خير المرسلين نبينا محمد و على أهل بيته وصحبه المنتجبين
وبعد :
تعد قضية المدجنين من بين أبرز قضايا التاريخ الإسلامي لما لهذه الطبقة من التأثير الكبير على الحياة السياسية والدينية والاقتصادية ... فقد تحول عدد كبير من المسلمين بعد تداعي الوجود في الإسلامي في الأندلس إلى مدجنين بيد المماليك النصرانية وأصبحت هذه الطبقة طبقة مهمشة تحملت أعباء العمل القاسي من قبل النصارى إلا أنّ هذا الاضطهاد لم يصبح حائلاً دون لعب دور مهم في أحداث التاريخ الإسلامي .
قسمتُ بحثي هذا إلى تمهيد بينا فيه نشوء هذه الطبقة في المجتمع الاندلسي , وفصلين تناولنا في الفصل الأول المدجنين في مملكة قشتالة , أما الفصل الثاني فقد خصصناه لمدجنين فلنسية .
وواجه البحث بعص الصعوبات التي تمثلت بقلة المصادر عن هذه الطبقة ثم تمت الاستعانة ببعض الأساتذة المتخصصين الذين أرشدونا إلى مصادر مهمة وكانت الأساس في كتابة هذا البحث .


الباحث

تمهيد
المدجنون لغةً :
ولفظ المدجنون جاء من الفعل دجن وتدجن أي : أقام ، واستقرّ ، ومصدره الدَّجن والتّدجين ، واسم مفعوله مدجَّن ، فقد دجنهم حكام إسبانيا النصارى ليعيشوا تحت كنفهم، وقد ظلوا كذلك مدد متفاوتة ، طبقاً لتاريخ سقوط المدن والقرى التي كانوا يقطنونها ( ).
المدجَّنون اصطلاحاً :
اسم يطلق على أولئك المسلمين الذين بقوا تحت حكم إسبانيا النصرانية، بعد سقوط مدنهم وقراهم ، في أيدي حكامهم الجدد ، بعد أن كانوا يعيشون تحت حكم إسبانيا المسلمة قرون عديدة ، وقد آثروا البقاء بسبب أسرى ، أو لظروف اقتصادية ، أو اجتماعية ( ).
الواقع إن إسبانيا المسلمة التي كانت مسيطرة على جميع أرض الجزية الألبيرية ، عدا ثغور هنا أو هناك في أعالي الجبال ، قد أخذت في فقد أجزاء كبيرة من أراضيها في فترات متعاقبة ، وكانت ظاهرة الأفول قد بدت بعد تولّي عبد الرحمن شنجول ابن الحاجب المنصور بن أبي عامر شؤون البلاد وإعلانه المبايعة له بولاية العهد من قبل الخليفة هشام المؤيد الأموي ، أي أن حكم البلاد قد انتزع من بني أمية ليقع في يد ابن أبي عامر ، وهو لا يرقى في نسبه إلى البيت الأموي ، كما أن أمّه هي ابنة سانجو غرننسية ، ملك بافاريا ،العدوّ اللدود للمسلمين ( ).
لقد تقسَّمت البلاد الإسبانية المسلمة إلى طوائف ، وأخذت في التناحر ، ومن ثمَّ بدأ سقوط المدن الإسلامية الأندلسية العظيمة ،فسقطت طليطلة مفخرة المسلمين والمسيحيين الإسبان على السواء ،وذلك في عام 478ه الموافق 1085م أي قبل سقوط الأندلس الأخير بنحو أربعمائة عام ، وهناك من المسلمين من ترك طليطلة وما حولها ، ولجأ إلى المدن الإسبانية الأخرى ، ومنهم من تدجَّن ،وبقي على إسلامه ،في ظل حكم النصارى ،وأصبح مدجَّن ( ).
قدم المرابطون إلى الأندلس نصرةً للدين ،أو طمعاً في الدنيا ، أو هما معاً ولكنهم رغم محافظتهم على ما بقي من حواضر إسلامية ، وإرجائهم سقوط ما بقي إلى حين ، لم يستطيعوا انتزاع الأراضي الإسلامية التي اغتصبها النصارى ، وفي نهاية عصر المرابطين سقطت سرقسطة في عام 512ه الموافق1118م ، ثم عدد غير قليل من المدن مثلاً لاردة ، وافراغة ، ومكناسة ، وطرطوسة عام 542ه-544ه الموافق 1148-1149م ، وفي الفترة ذاتها سقطت في غرب الأندلس " البرتغال" أشبونة ، وشنترة ، وشنترين ، كما سقطت باجه في عامك 556ه الموافق 1161م ، وبعدها مدينة بايره عام 561ه الموافق 1165م ( ).
بعد تولّي الموحدين حكم المغرب ، ودخولهم إلى الأندلس حلَّت بالمسلمين موقعة العقاب المشهورة عام 909ه ، وبعدها خسر المسلمون معظم مدنهم وقراهم ، في نحو أربعين عاماً ، وزاد عدد المدجَّنين في بلاد النصارى ،وأصبحوا يشكلون أقلّية مهمة، يعملون عبيداً ، ومهنيين ، وحمّالين ، ومزارعين ماهرين ، لم يبقَ سوى غرناطة التي صمدتْ لمدة مائتين وخمسين عاماً أخرى ، وكان مؤسسها ابن الأحمر ، قد تعاون مع النصارى في سقوط عدد من المدن المهمّة مثل قرطبة عام633ه الموافق 1239م ، وأشبيلية بشكلٍ جلي 646ه الموافق 1248م ( ).
لم يكن لفظ المدجَّنين شائعاً إلا بعد أن كثر سقوط المدن الإسلامية ، وبقاء عدد غير قليل من المسلمين تحت حكم النصارى ، وكان معظم المدجَّنين في شرق الأندلس ، لا سيما بلنسية ومرسية ، وقد عاشوا في كنف الحكام الجدد في أمن وطمأنينة غير مكتملة ، محتفظين بدينهم ، ومساجدهم ، وكتبهم ، وكان لهم في بادئ الأمر محاكم خاصّة بهم ، وأما المنازعات التي تقع بين المسلمين والنصارى ، فكان ينتدب لها قاضي مسلم وآخر نصراني ليبتوا في الأمر ، ولم يرهقهم الحكم الجديد بمزيد من الضرائب ، وإنما ألزمهم بدفع الضرائب التي كانوا يدفعونها لحاكمهم المسلم قبل السقوط ، لكن ذلك الامتياز لم يدم طويلاً ، وأصدر الفونسو العاشر عام 1254م لسكان أشبيلية امتيازاً يخولهم حق شراء الأراضي من المسلمين ، وهذا يدلّ على أن المسلمين ظلوا محتفظين بأراضيهم التي تحت أيديهم إبان الحكم الإسلامي ، وأصبح لهم حق شراء وبيع العقارات ، مما أصبح منهم بعض ميسوري الحال ( ).

















الفصل الأول
المدجنون في مملكة قشتالة
المبحث الأول
الأوضاع العامّة في مملكة قشتالة
مملكة قشتالة (بالإسبانية : reino de castilla ) كانت واحدة من ممالك القرون الوسطى من شبه جزيرة أيبيريا . برزت ككيان سياسي مستقلّ في القرن التاسع الميلادي، وكانت تسمى مقاطعة كاستيا (قشتالة) من مملكة ليون .اسمها يفترض أن تكون لها صلة المضيف من القلاع التي شيِّدت في المنطقة . أنها واحدة من أجداد مملكتي تاج كاستيا castile ومملكة إسبانيا . ومملكة قشتالة هي إحدى أجزاء مملكة اليون في الشمال الغربي لشبه الجزيرة الإسبانية . وقد حدث في مملكة كاستيا سنة 970م حرب أهلية داخلية فانقسمت على نفسها إلى قسمين ، قسم غربي وهو مملكة ليون نفسها ، وقسم شرقي سمي مملكة قشتالة . وكلمة قشتالة هي تحريف لكلمة كاستولة يعني castil يعني قلعة . بدأت مملكة قشتالة تكبر نسبياً في أول عهد ملوك الطوائف فاستعان بها سليمان بن الحكم والبربر على حرب المهدي ( ).
ممالك شبه جزيرة أيبيريا
كانت سنة فتح العرب لمنطقة البروفانس الفرنسية قد أعقبت الاحتلال والتدمير النرويجي للمنطقة من إبادةٍ وسلبٍ ونهب ، ليستغلّ دوق " ليون " تلك الفوضى ، وبدعم من رجال الدين ، فيؤسس مملكته الخاصة مملكة ليون في البروفانس عام 879 م وعندما مات سنة887م كان وريثه صغيراً غير قادر على الحكم ، مما جعل بقية الأمراء المحليين ينتهزون الفرصة لتأكيد استقلالهم في الحكم ، مما جعل الامبراطورية الكارولنجية في فرنسا تنقسم إلى مملكتين شرقيّة وغربيّة ، كان شمال شبه الجزيرة الأيبيرية به ثلاثة ممالك مسيحية وهم أرجون ونافار وليون ، وكانت أكبرها هي مملكة اليون، وكانت هذه الممالك تجتري على الحدود الشماليّة الأندلسية وتهجم عليها ، واحتلت بعض المدن الإسلامية مثل مدينة سالمة ( ).
بروز مملكة قشتالة
برزت مملكة قشتالة عندما عندما استقلَّ بها فرنان غونزاليز Fernan Gonzalez عام 961م وتوسعت فيما حولها وأصبحت قادرة على منازلة ملوك الطوائف بسهولة وفرضت على بعضهم الجزية ، واشتهر من ملوك قشتالة ألفونسو السادس الذي استولى على طليلة عام 478ه / 1089 م مما دعا عرب الأندلس إلى الاستغاثة بالمرابطين ثمَّ الموحِّدين في شمال إفريقيا ( ).
انكفأ المسلمون في الأندلس التي كانت تشمل معظم أجزاء إسبانيا باستثناء بعض المناطق الشمالية الغربية مثل منطقة جليقية أو غاليسيا ، فإنَّ المسلمين لم يفرضوا سلطانهم تماماً على هذه النواحي لوعورة مسالكها وبرودة مناخها ، فأهملوا جانبها زهدة فيها واستهانة بشأنها . ولهذا استطاعت بعض فلول الجيش القوطي المنهزم بزعامة قائد منهم يدعى " بلاي " أن تعتصم بالجبال الشمالية في هذه المنطقة ، وعاشوا على عسل النحل الذي وجدوه في خروق الصخر .
ولمّا أعيا المسلمين أمرهم ، تركوهم وانصرفوا عنهم استخفافاً بشأنهم ، من هذه المناطق نبتت نواة دولة إسبانيا المسيحية . ونبتت معها حركة المقاومة الإسبانية التي أخذت تنمو وتتسع حتى سيطرت على جميع المناطق الشمالية الغربية التي أصبحت تعرف بمملكة ليون . ولقد أحاطت هذه المملكة نفسها بسلسلة من القلاع والحصون لحماية نفسها من هجمات المسلمين . ولم تلبث هذه القلاع أن اتَّحدت في القرن العاشر الميلادي تحت زعامة أقوى أمرائها ويدعي فرنان جون زالس ، واستقلَّت عن مملكة ليون وصارت تعرف بإمارة قشتالة ، وكانت الكنيسة الكاثوليكية في روما تحرِّض الإسبان بشكل مستمرّ على صدّ المسلمين وقتالهم ، ودعت هذه الكنيسة ملوك أوربا إلى مساعدة الإسبان ضد العرب والمسلمين ( ).
استرداد طليطلة
بعد أن ظلَّت الدولة الإسلامية في الأندلس بضعاً من الزمن متماسكة موحَّدة بدأت تقام ممالك مسيحية في شمال إسبانيا المحرّرة مثل ممالك قشتالة و" مملكة أراجون" و" مملكة ليون " و" الباسك" قامت دولة بني ذو النون في " طليطلة " وبدأ صراع مع ملك "سرقسطة" ابن هود ، ولجأ الطرفان يطلبان مساعدة ملوك إسبانيا المسيحيين ، وكان هؤلاء يساعدون المسلمين على بعض مقابل الحصول على مال أو قلاع أو أراضي أو مدن ، واستمرَّ نزاعهما من 1043 إلى 1046 ، وبعد فترة صراعات بين البيت القشتالي انتهى بوحدة مملكتي قشتالة وليون تحت صولجان " الملك فونسو السادس " ، وبعد أن استتبَّ له الأمر فرض الحصار على "طليطلة" في 1084 ، ولم يقم أحد بمساعدة إخوانهم المسلمين إلا المتوكل ابن الأفطس الذي أرسل جيشاً لنجدة توليدو . لكنهُ تعرض لهزيمة من الجيش المسيحي ، واستمرَّ الحصار 9شهور إلى أن استبدَّ الجوع بالناس ولم تفلح محاولات المسلمين بالوصول للتسوية ، فلم يرضَ " ألفونسو" سوى بتسلًّم المدينة كاملةً ، وفعلاً تمَّ ذلك في 25مايو 1080 ، وتوجّه إلى المسجد الكبير الذي حوّله مرة أخرى إلى كاتدرائية طليطلة ، وصلى فيه قدّاس الشكلر ، وصارت طليطلة العاصمة لمملكة قشتالة المسيحية ، وتمَّ استردادها وطلب من المسلمين مغادرتها ( ).
معركة الأرك
بعد هزيمة الفونسو الثامن ملك كاستيا وليون في معركة الأرك عقد هدنة مع المسلمين سنة 1198م ، غير أن تلك الهزيمة كانت تقضُّ مضجعه ، وتثير في نفسه نوازع الانتقام ، فانتهز فرصة الهدنة في تحصين قلاع بلاده الواقعة على الحدود ، ونبذ الفرقة والخصام مع خصومه ، حتى إذا وجد في نفسه القوّة فنقض المعاهدة وأغار على بلاد المسلمين ، فاستنفر سلطان الموحّدين الناصر (محمد بن يعقوب) الذي خلف والده المنصور المسلمين للغزو والجهاد من شمال أفريقيا . وعبر البحر إلى الأندلس في 19من ذي القعدة 607ه ، الموافق 4من مايو 1211م ، ووصل إلى أشبيلية ، وأقام بها الإعداد لجيشه وتنظيم قواته ، ثم تحرَّك في مطلع سنة (608ه= 1211م) صوب مملكة قشتالة ، واستولى على قلعة "شلطبرة" إحدى قلاع مملكة قشتالة بعد حصار دام ثمانية أشهر ، ثم عاد بجيشه إلى إشبيلية بعد دخول فصل الشتاء رغبةً منه في إراحة جيشه ( ).
ترك الفونسو الثامن قلعة شلطبرة تقع في قبضة المسلمين دون أن يتحرك لنجدتها وإنقاذها ، وصرف همّه إلى استنفار أوربا كلها ضد المسلمين في الأندلس ، وبعث الأساقفة إلى البابا " أنوست الثالث " بروما يناشده إعلان الحروب الصليبية في أوربا ، وحثَّ أهلها وشعوبها على السير إلى إسبانيا لقتال المسلمين ، وعقد مؤتمراً لتوحيد جهود الإمارات المسيحية في إسبانيا لقتال الموحّدين ، وأطلق صيحته المشهورة " كلنا صليبيون" ، فتوافدت على طليطلة جموع النصارى المتطوّعين من كافّة أنحاء المدن الإسبانية يقودهم القساوسة والأساقفة ، وقد أثمرت جهود " ألفونسو الثامن " في استنفار أوربا كلها ضد المسلمين ، حيث أنذرهم البابا بتوقيع عقوبة الحرمان الكنسي على كل ملك أو أمير يتأخر عن مساعدة ملك قشتالة ، كما أعلن الحرب الصليبية ، وتوافدت جحافل الصليبيين من كل أنحاء أوربا استجابةً لدعوة البابا ، واجتمع منهم نحو سبعين ألف مقاتل ، حتى أن طليطلة لم تتسع لهذه الجموع الجرارة ، فأقام معظمهم خارج المدينة ( ).
تحرّكت هذه الجيوش الجرارة التي تجاوزت مائة ألف مقاتل تحت قيادة " ألفونسو الثامن" من مدينة طليطلة في 17 من المحرّم سنة609ه الموافق 2 من يونيو 1212م، فاخترقت حدود الأندلس ، وضربت حصاراً حول قلعة رباح ، وكانت حاميتها صغيرة نحو سبعين فارساً ، دافعت الحامية عن موقعها بكل شجاعة وبسالة ، واستنجد قائد الحامية " أبو الحجاج يوسف بن فارس" بالخليفة الناصر الموحّدي ، لكنَّ رسائلهُ لم تكن تصل إلى الخليفة ، فلما طال الحصار ورأى " ابن قادس " استحالة المقاومة مع استنفاذ الأقوات وقلّة السلاح ، ويئسَ من انتظار وصول المدد ، صالح ألفونسو على تسليم الحصن له ، على أن يخرج المسلمون آمنين على أنفسهم ، واستمرَّ زحف القوات الصليبية ، فاستولوا على حصن الأرك وبعض الحصون الأخرى ( ).
ولمّا علمَ الناصر بخروج الجيوش المسيحية المجتمعة خرج للقائهم ، واستنفر الناس من أقاصي البلاد ، فاجتمعت إليه جيوش كثيفة من القبائل المغربية والمتطوّعة وجند الموحّدين النظاميين ، وجند الأندلس . وتألف من تلك الجموع الجرارة جيش عظيم بلغ نحو ثلاثمائة ألف مقاتل . وكان ممن وفد عليه بأشبيلية " أبو الحجاج يوسف بن قادس " قائد حامية رباح ، فأمر الناصر بقتله دون أن يسمع حجته أو يحاط علماً بملابسات التسليم ، وأثار قتله غضب الكتائب الأندلسية على الخليفة الناصر الموحّدي استعدَّ كل من الطرفين للقاء ، والتقيا في أحد الوديان بين جبال سير مورينا ، وهضبة لينارس ، بالقرب من بلدة " تولوسا" . ويطلق الأسبان على هذه الوديان اسم " تافاس " ، ولذلك عرفت الموقعة عندهم باسم " لاس نافا سدي تولوسا" . ويسمي المؤرخون المسلمون هذا الموضع بـ " العقاب " نسبةً إلى حصن أموي قائم بالقرب من المكان الذي دارت فيه المعركة . في17 من يوليو 1212م نشبت المعركة بين الفريقين ، وأقبلت مقدّمة جموع المسيحيين الضخمة ، فاجتاحوا الجند المتطوعة وكانوا في مقدّمة الجيش ، فأبادوهم عن آخرهم ، وتمكنوا من الوصول إلى قلب الجيش الموحدي واشتبكوا معه . لكن القلب صمد لهذا الهجوم الجامح ، ولاح النصر للمسلمين ، فلما رأى ذلك ملك قشتالة اندفع بقوّاته وقوات مملكتي ليون والبرتغال وكانت تمثل قلب الجيش الصليبي . واندفع وراءه ملكا "أرغون" و"نبرة " بقواتهما ،وكانا يمثلان جناحي الجيش ، فأطبقا على الجيش الموحّدي من كل جانب فاضطربت صفوف الجيش ولاذ الجند بالفرار ، مما أربك أوضاع الجيش الذي استسلم للهزيمة القاسية ، وفرَّ الناصر من ساحة القتال مع مجموعة من رجاله ، وخسر المسلمون الألوف من المقاتلين في الأندلس ، وعدداً كبيراً من العلماء والفقهاء والقضاة ، واستولى المسيحيون على معسكر الموحدين بجميع محتوياته من العتاد والسلاح والخيام والبسط والأقمشة والدوابّ ، ولا تزال بعض أعلام الموحّدين وخيمهم في معركة العقاب محفوظة في إسبانيا ( ).
وقد فجع الموحدون بهذه الهزيمة القاسية التي راح ضحيتها الألوف من زهرة جنود المسلمين ، مما أضعف دولة الموحّدين ، وأفقدهم هيبتهم وقوّتهم ، وبعد وفاة الناصر سنة (910ه – 1213م) بدأ الضعف يتسلَّل إلى الدولة ، ويتطرق إليها الخلاف والفرقة ، مما أضعف الأندلس أيضاً . وشجَّع المسيحين على تصفية ما بقي للمسلمين من أرض ، واختزلت دولتهم في مملكة غرناطة في جنوب الأندلس ، اتَّحدت مملكة ليون وقشتالة مع مملكة أراجون واستطاع الملك فيرنانديو والملكة إيزابيلا ، الاستيلاء على الممالك العربية في الأندلس الواحدة تلو الأخرى إلى أن سقطت في أيديهم غرناطة آخر قواعد المسلمين سنة 1992 م ( ).




























المبحث الثاني
المدجنّون في قشتالة
عدَّ سقوط قواعد ومدن المسلمين في الأندلس واحدة تلو الأخرى في يد الممالك النصرانية – قشتالة وأخواتها – أصبح الكثير من المسلمين رعايا يعيشون في ظلّ الحكّام الجدد ، صاروا يدفعون الضرائب والجزية بعدما كانوا أصحاب الأرض وحكامها ( ).
وبرغم أن المساجد تحوَّلت فور دخول القشتاليين لكنائس ، إلا أن المسلمين احتفظوا بدينهم وكامل شعائرهم ولكن في ظروف قاسية كونهم مواطنين من الدرجة الثالثة ، فقد تبدّل الحال تماماً وبرغم ذلك رفض معظمهم الهجرة لبلاد المغرب أو إلى غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس ، مفضلين البقاء في منازلهم خاضعين السيطرة القشتاليين والبرتغاليين ، وقد هاجرت بعض العائلات العريقة إلى المناطق الساحلية الجنوبية ( ).
أما من بقي في مناطق سيطرة الإسبان ، كان يتشبث بأمل عودة الجيوش الإسلامية ، فظلَّ بجوار أرضه ومزروعاته وتجارته ، وكان الأغلب ممن لم يهاجروا من الفقراء والضعفاء ، فعدم قدرتهم على الرحيل والهجرة جعلتهم عرضة لإغراءات نبلاء الإسبان ،فخدموا في الضياع والقصور ، وقد أطلق على هؤلاء اسم المدجنين Losmadejares، وقد ظلوا يحتفظون بدينهم وثقافتهم العربية الإسلامية ،ويعيشون في المجتمع المسيحي في أحياء خصصت لهم كمواطنين أقلّ درجة من المستوطنين الجدد الذين تمَّ ***هم من شتّى بقاع أوربا لتوطينهم في ديار المسلمين ( ).
أسباب إبقاء إسبانيا على المدجنين
كانت حروب الاستراد كما يسمّيها الغرب عبارة عن حملة صليبية تهدف لطمس أثر المسلمين من شبه جزيرة إيبريا ، وليس إسقاط الكيان السياسي لدولة المسلمين في الأندلس فقط ، ولكن كيف كان سيحدث ذلك في ظل وجود حكومات سياسية قوية في بعض المدن الأندلسية ، مدن تحوي على نسيج واحد من الناس تجمعهم هوية واحدة ، فكان من الصعب تهجير ذلك الكمّ الهائل من أهل البلاد ، فإن رحلوا فالأغلب أنهم سيتجهون جنوباً إلى غرناطة التي ستقوى بهذه الأعداد من الحرفيين والزراع ، وسيكون أغلبهم خط الدفاع الأول في هيئة جنود تحاول العودة واسترجاع مدنهم وحضارتهم ( ).
لذا نستطيع أن نقول إن بقاء المدجَّنين في إسبانيا لمدّة تصل إلى ثلاثة قرون كان نتيجة ( ):
1- وجود كيان قوي ممثل في مملكة غرناطة ، جعل قشتالة وحلفاءها يرجحون التمهُّل في مسألة الطرد والتنصير حتى يتمّ التخلّص من تلك اليتيمة –غرناطة- خوفاً من تجييش جيوش غرناطة والمغرب .
2- الخوف من عدم ملء فراغ المسلمين في الحقول والأسواق ، كما أنهم أعلم الناس بالأرض وفلاحتها ومنهم الحرفيين المهرة ، فما وجّه الاستفادة من مدن خاوية من أهلها ! ، فبعد سقوط قرطبة لم يجد القشتاليون سوى المدجَّنين ليتمّ تعيينهم في بعض المناصب داخل المدن وتولّيهم أمور العمارة والبناء والريّ .
3- محاولة الإبقاء على المدجَّنين والاهتمام بهم سيجعلهم ينصهرون مع المجتمع المسيحي باستخدام وسائل شتّى ، كالمصاهرة بين المدجَّنين والقشتاليين في بعض المناطق لتتحلَّل النزعة العصبية للإسلام ، وتعليمهم اللغة القشتالية ، فنجد بعد عدّة قرون أن المدجَّنين بعد أن تحوَّلوا لموريسكيين ، استخدموا لغة الخميادو –hgffdd- وتعني الأعجمية والتي تكتب بحروف عربية وتنطق بالقشتالية .
4- تلبية لمطالب نبلاء قشتالة وأراجون ، ليس من باب الرفق والعطف ، وإنما حرصا على مصالحهم وأعمالهم .
سياسة قشتالة تجاه المدجَّنين
عامل القشتاليون المدجَّنين معاملة سيئة فكانت توكّل لهم الأعمال الشاقّة بمبلغ زهيدوبلا مقابل في بعض الأحيان ، تمَّ تجميعهم في أحياء خاصة ، حتّى يتسنّى نقل مستوطنين من أوربا لديارهم في الأحياء القديمة ، وتمَّ إلزامهم بلباس خاص أو شارة تميّزهم هم واليهود ، وكانت توضع إشارة صفراء على صدورهم لتميّزهم ، كما تمَّ وضع بعض القوانين الخاصّة بهم مثل ( ):
1- لا يجوز لمسلم أن يستخدم مسيحياً في عمل ، ومن يخالف تصادر أملاكه ويسترقّ.
2- لا يسمح لدخول مسلم منزل مسيحي إلا إذا كان طبيباً .
3- من يرحل عن الديار وأمسك به يعتبر أسيراً وملكاً لمن يمسك به وتصادر أملاكه.
4- تحريم ركوب الخيل والتزيّن بالفضة والذهب نساءً ورجالاً .
5- عدم حمل السلاح واقتنائه.
6- من يعارض تنصير أو تعميد أحد أبنائه يحكم عليه بالسجن وغرامة فادحة .
كما تمَّ إجبارهم على العمل في الكنائس وصنع التماثيل وتغيير معالم الآثار الإسلامية ، ولا تزال الكثير من الآثار الإسلامية والمسيحية في إسبانيا تبرز براعة وفنّ المدجَّنين ، وقد صدر بيان من اليونسكو بالحفاظ على التراث المدجّن فهو فنّ فريد يجمع بين الأصالة الإسلامية والفنّ القوطي القديم والمسيحي الكاثوليكي ، ويظهر جليّاً في أبراج الكنائس وبعض القصور والمباني التي ما زالت تحفظ آثار أنامل صانعيها ( ).
حياة المدجَّنين
حاول البعض التأقلم مع تلك الأوضاع السيئة انتظاراً لانفراج الأمور ، والتي تضاءلت حتى صاروا يلتمسون ما يلقيه عليهم النبلاء من يعم ، وقد نجد أن مدجني أراغون كانوا أفضل حالاً من مدجني قشتالة والبرتغال ، فقد حافظوا على هويتهم ودينهم في القرى وبعض مدن الشرق الأندلسي كبلنسية ودانية ومرسية وشاطبة ، وكان منهم حرس خاص للملك – بيدرو القاسي – الذي كان وزيره يهودياً أيضاً خلافاً لكل ملوك الكاثوليك الإسبان ، أما مسلمو قشتالة فكانوا يتعرَّضون لأقصى درجات التنكيل فهرب الكثير منهم باتجاه غرناطة ومن بقيَ اندمج وكثر الزواج مع الإسبان ومع مضيّ الزمن وتعاقب الأجيال فقدوا دينهم ولغتهم وأصولهم العربية ( ).
ومع ظهور اللوثرية سخرت قشتالة كل قواها لحماية الكاثوليكية من أعدائها –المسلمين والبروتستانت- وبدأت مرحلة جديدة بالتنكيل والقتل والتشريد لكل من له أصل عربي مسلم ، لتبقى ممالك إسبانيا هي المهيمنة والقوى العظمى للمسيحيين في أوربا ( ).
وبعد صدور قرار التنصير الإجباري عام 1502م بأمر من إيزابيلا وفرناندو انتهى عصر المدجّنين ليتحولوا رغماً عنهم إلى موريسكيون ، ليفرض عليهم اسم جديد كسابقه ، وليبدأ فصل جديد من المعاناة ، ولم تنته بالطرد فقد بقي الموريسكيون قروناً يخفون إسلامهم وشعائرهم عن الحكومات الإسبانية المتتالية التي كانت تتعامل بصرامة مع كل ما يمت للإسلام بصلة ( ).



























المبحث الثالث
الفن عند المدجَّنين
الفن المدجّن هو ما خلفه المسلمون بالأندلس الذين بقوا تحت حكم النصارى في المقاطعات الأندلسية التي انتزعت من أيدي المسلمين قبل ذهاب الدولة الإسلامية نهائيّاً بسقوط غرناطة بيد النصارى .
إنَّ الموضوع يحتاج إلى مجهود كبير ودراسة طويلة وبحث عميق ؛ لأن له ارتباطات بجوانب متعدّدة ، فالفنّ الأندلسي بل الفنّ الإسلامي كله له علاقة بفنون غيره من الأمم التي دخلت في الإسلام أو التي لم تدخل فيه ، بل احتكَّت به بكيفية أو أخرى ، أو تساكنت معه ، فجعلت فنّاً يمتزج بالحياة الإسلامية وينصهر فيها ، فيأخذ طابعها ويتأثر ببيئتها ، ثمَّ يأخذ طابعاً خاصّاً فيه ، فليس من الغريب مثلاً أن يكون الفرس حين دخلوا في الإسلام غيروا بعض الشيء من فنّهم ، فقد كان فنّهم قبل اعتناقهم الإسلام يمثل عقيدتهم القديمة ، ويعبر عن تعاليمها ، ولكن بعد دخولهم في الإسلام فلا يمكن –والحالة هذه – أن يبقى لفنهم مظهره السابق ، كما أن القوط والروم حين احتكوا بالإسلام طرأ على فنهم نفس الشيء ، وكذا أخذ المسلمون عنهم فنَّهم النصراني وأصبغوا عليه صبغتهم الإسلامية ودعوا جانباً ما لا يتناسب وعقيدتهم الدينية ، لهذا نجد أن الفن الإسلامي الأندلسي المدجّن يمتزج بفنّ النّصارى ، فتتجلّى فيه بعض المظاهر المسيحية برسم بعض شعاراتها وزخاريفها التي تعبّر عن أفكار وآراء بعيدة كل البعد عن روح الإسلام إرضاءً للحكام النصارى الذين كانوا يستخدمون في قصورهم ومعابدهم ، كل هذا يجعلنا نرى الفن يتطور بتطور الأمم ، فيعبر عن نفسية أهلها وما تجيش به قرائحهم ومواهبهم حسب البيئة التي يعيشون فيها ، لذا نجد أن الفن المدجّن بالأندلس تأثر بالبيئة الدينية المسيحية الحاكمة والمسيطرة ، وأهم ما خلفه لنا المدجنون من فنهم ، يتجلى على الخصوص في فن المعمار ، وخاصة في بناء المعابد والأبراج والحصون وأهم الأمكنة التي احتفظت بقسط وافر من مآثرها الفنية هي مدينة طليطلة ، وإن كان يوجد لهم تراث فني في أماكن أخرى من مدن الأندلس والسبب الذي جعل هذه المدينة تزخر بمآثر فنية للمدجَّنين أكثر من غيرها لأنها المدينة الأولى من بين العواصم ذات الأهمية القصوى بالأندلس التي سقطت بأيدي النصارى ، وطالت إقامة المسلمين بها في ظل حكم المسيحيين بقرون قبل سقوط آخر حاضرة إسلامية بغرناطة فتعايشوا مع النصارى في أمن وسلام ، الأمر الذي جعلهم يطلقون عليهم لقب " المدجَّنون " . كانت هذه المدينة من بين المدن الأندلسية التي تكثر بها الطائفة اليهودية والتي ساهمت أيضاً بدورها في تشييد مباني المعابد على النمط العربي بيد فنانين مسلمين ؛ لأن اليهود كما هو معلوم لا يتعاطون إلا التجارة بدليل أن لا توجد من المدن العربية الأندلسية مدينة تتوفر على أهم بيعة لليهود إلا طليطلة ، وما زالت لحد الآن آثارها وفنها سالماً تقريباً من الاندثار ومكتمل البنيان وحي يحمل اسمهم لحد الآن ( ).
إن ملوك النصارى الذين حكموا طليطلة اهتموا كثيراً بالفنّ العربي ، وخاصّة الفونصو السادس ، فكان يغدق الأموال على أرباب الحرف والفن والبناء ، فشيد القصور والمعابد على النمط العربي حتى لا ينعت بالجهل وعدم الذوق لأنها عقدة كانت تسيطر على النصارى لتخلفهم عن العرب في ميدان العلوم والفنون وغيرها من المظاهر الحضارية التي كان للعرب فيها إذ ذاك القدم المعلى دليل على ذلك ما أشار به القسّ المستشار الخاص لألفونصو العاشر الذي قال له : لا يمكن أن تكون لنا الغلبة على المسلمين بالأندلس إلا محاربتهم بسلاحهم ، فسأله الفونصو : ما هو هذا السلاح ؟ ، فقال له القسّ الريموندو : إنه العلم أي علم العرب ، فكانت نتيجة ذلك أن عمِلَ بمشورة مستشاره ، فأسس مدرسة للترجمة بعاصمة مملكة طليطلة فجمع فيها علماء من مسلمين ويهود ، فترجموا لأول مرة إلى اللاتينية القرآن والتلمود وغيرهما من العلوم ، فكانت النواة الأولى للنهضة العلميّة بإسبانيا ، فحقَّ بهذا أن يلقَّب هذا الملك بالفونصو الحكيم ، كما أن ملوك النصارى كانوا يريدون مضاهاة المسلمين في حياتهم بإقامة قصورهم ومعابدهم وزخرفتها على الطراز العربي ويقلدون ملوك المسلمين في مظهرهم وأبهتهم ، وبما أن العنصر العربي هو الذي كان يتوفر على الخيرة والمعرفة بفن المعمار والزخرفة ، فكانوا يلجأون إليه لتحقيق رغباتهم ويسخرونه فيما يريدونه مقابل السماح له بمزاولة طقوسه الدينية وإقامة شعائره الإسلامية ، ومنحه كامل حريته الدينية والتجارية ، بل كانوا يسندون إليه مهام أخطر من ذلك لها صفة عسكرية لحماية الحصون والأبراج وغيرها إرضاءً له حتى لا يشعر بأي ضغط عليه أو مضايقة ، لذا كان المدجنون يتمتعون بمعنوية عالية جعلتهم ينتجون ويعملون زيادة على أن عصرهم طال أمده ، أي من احتلال طليطلة سنة 1080م إلى سقوط غرناطة سنة1992م ، فكانت مدة كافية لتخليد كثير من الآثار ، وإن كان ما هو موجود ومعروف لا يتناسب والمدّة التي سطرها تاريخ وجودهم ؛ لأن التعصب المسيحي بعد حروب الاسترداد وانتهاء دولة الإسلام بالأندلس عمل على طمس كثير من المعالم الإسلامية على العموم ، والمعالم التي تركها المدجنون على الخصوص إلى أن أنار الله بصيرة الجيل الجديد ، وخاصة منهم ذوو العقول النيرة والأفكار المتفتحة كمن علماء وبحاث وغيرهم من المختصين في مجال التنقيب على الآثار الإسلامية بالأندلس ، فأصبحوا ينقبون ويبحثون ويكتبون عما عثروا عليه والذي كان في حكم العدم ( ).
العمارة الإسلامية عند المدجنين
وهناك الفن المدجّن أو المعمار الذي قام بتشييده المدجّنون ، وهم العرب المسلمون الذين بقوا في البلاد التي استعادها الإسبان ، وكان منهم بناؤون مهرة استعان بهم حكام المقاطعات الإسبانية في تشييد الأبواب الكبرى للمدائن ، وفي تشييد القصور والكنائس والأديرة والقناطر وسائر أنواع المعمار ، وكان الصناع المدجنون يستخدمون الزخرفة للكنائس والدور في كافة أنحاء إسبانيا ، ومثال صناعتهم يتجلى في البهو البديع بقصر الانفنتادو وادي الحجارة ، وكذلك نرى أثر العمارة الإسلامية واضحاً في كنيسة مدينة سرقسطة التي بنيت في عصر " المدجَّنين " في القرن 16 م ، ، وتلك الكنيسة مبنية من الطوب وفتحاتها كلها معقودة ، أما برج الكنيسة فيشبه تخطيط المآذن في المساجد الأندلسية التي في شمال إفريقيا ، وخصوصاً مِئذنة مسجد القيروان ، هذا إضافةً إلى استعمال الطوب في عمل الزخرفة التي على برج الكنيسة ، كما استعملت المقرصنات( ).
وقد بنى المدجنون القصر المعروف بالكازار للملك بدرو القاسي في إشبيلية على طراز إسلامي خالص ، وكان يستخدم لمقام الملك ، وأصبح منذ إعلان الجمهورية متحفاً ، وأخذ الغرب عن العمارة الأندلسية أشكال المآذن المربعة التي أصبحت أبراجاً للكنائس ، تجسدت على سبيل المثال في برج ساحة القديس مرقص ( سان ماركو) في البندقية ، وقد استخدمت في تلك الكنيسة العقود المدببة التي كانت قد أصبحت أهم مميزات العمارة العربية الإسلامية ، وكذلك اقتبس الغرب القوس المدبب ، حيث حلّوا فيه مشكلة السقوف المفصصة والمتقاطعة التي تشكل إحدى واجهات مسجد قرطبة ، واستمرَّ تأثير العمارة الأندلسية حتى بعد خروج المسلمين من إسبانيا ، وبرز بعد ذلك طراز إسلامي جديد يسمى طراز المدجَّنين ، واستمرَّ تأثيره حتى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، بل وصل إلى القرن العشرين ، وتمثل ذلك في الكثير من الأعمال العمرانية الإسبانية منها ساحة مصارعة الثيران في مدريد والتي نرى فيها تجسيداً واضحاً وخالص للعمارة الأندلسية ( ).
وقد ترك المسلمون طابعاً فنياً ومعمارياً غنيّاً على كامل التراب الإسباني ، إلا أن أبرز هذه الآثار المعمارية ما هو موجود في إقليم الأندلس الحالي ، أي : جنوب إسبانيا ، كما هو الحال بالنسبة إلى مسجد قرطبة الجامع ، وقصر الحمراء ، والزخارف الرائعة في غرناطة ، وقد انتشرت الأقبية ذوات النوات ، خصوصاً في قرطبة ، ونجد تأثيرها في الكنائس الرومانية والكنائس القوطية في شمال إسبانيا ، كما في كنسة طوريس دل ريو وكنيسة سان ميان في شقوبية ، ومن الآراء التي لها وجاهتها القول بأن القبو ذا النتوء الذي انتشر في المعمار الأموي في الأندلس ، قد ساهم في اختراع متقاطع الأوجيف ، الشهير في الفنّ القوطي ، لما هناك من صلة واضحة بين الأقبية ذوات النوات وبين متقاطع الأوجيف ( ).
وقد بلغ تأثير جامع قرطبة أقصاه في كنائس " جليقية " مثل " سانتا جودي بنياليا " و"سان مارتين ودي باثو " ، حيث نرى العقد المتجاوز الذي يمتدّ إلى ثلثي نصف القطر ، كما أن توزيع سنجاته مركزي ، وتلتف حوله طرة مربعة ، هذا إلى وجود نوافذ مزدوجة( ).
وشهد العمران والعمارة في جنوب أوربا وإسبانيا على وجه الخصوص الإبداعات التي تتجلى في بناء العقود ، وطريقة عمل الأقبية في كنيسة " سان ميجل دي إسكالادا " المبنية عام 1301 -913م ، وابليون وهي الكنيسة التي بناها القسّ الفونسو مع صحبه والذين قدموا من قرطبة سنة913م ، وكنيسة " سان ميلان دي لاكوجويا " سنة 984م ، و" سان ثبريان دي ماثوتي " التي بناها القس القرطبي خوان سنة 921م ، وكنيسة سان باوديل دي برلانجا ، وكنيسة المزان في قشتالة ، وجميع عقود هذه الكنائس متجاورة ، ونسبتها في إسكالادا تبلغ ثلاثة أرباع القطر ، وفي كنيسة "سان سلفادور بقلد ديوس " نافذة بها زخرفة هندسية جصية متشابكة تشبه تشابكات إحدى نوافذ جامع قرطبة ، ويتجلى في " ماثوني " عقد قرطبي التخطيط ، يتعاقب في سنجاته اللونان الأبيض والأحمر ( ).
ويقول المؤرخ سيجفريد جيديون صاحب كتاب " الفراغ والزمن والعمارة " إنه يمكن الفرض باطمئنان أن قبة كنيسة سان لورانزو في إسبانيا لم يكن لها أن تصمم ما لم يكن جوارينو جواريني قد شاهد قبة المحراب في مسجد الحاكم بقرطبة الذي أنشئ عام 165م ، فعقود محراب قرطبة كما يقول جيديون تعتبر أول عينة عرفت في التاريخ أعطي فيها بناء العقد وظيفة إنشائية ، ومن تحليل العمارة الإسلامية يتضح مدى التزامها القوي بأسلوب التعبير عن الإنشاء أو التعبير عن الوظيفة ، هذا وقد تأثر كثير من المعاصرين في الغرب بالقيم المعمارية للعمارة الإسلامية ليس فقط من ناحية التصميم ولكن أيضاً من ناحية التعبير المعماري ثم المعالجات المعمارية للعوامل المناخية ( ).
وهناك برج الخيرالدا ، هو برج قائم في أشبيلية ومن أهم معالمها ، كان في السابق مئذنة في مسجد من عهد الموحدين ، إلا أنه اليوم أصبح برجاً للأجراس ، ويعد جزءاً من كاتدرائية أشبيلية ، أهم معالم المدينة ، ويظهر في بناء البرج تأثير الحضارة الإسلامية ، ويمكن تشبيهه بالملوية في سامراء ( ).
واتخذت منارة الخيرالدا نموذجاً لكثير من الأبراج في كنائس إسبانيا الجنوبية بل لقد تسرب تأثير الفن الإسلامي إلى الهياكل ذاتها ، فنرى مثلاً مصلى دير لاس هولجاس أو الدير الملكي في مدينة بزغش (بورغوس) وقد صنع على الطراز الإسلامي ، وعليه قبة عربية مقرنصة الزخارف ، وثمة منارة صغيرة تشبه الخيرالدا باقية حتى اليوم في كنيسة سان خوان الملوك بطليطلة ( ).
يتضح مما سبق الدور الرائع للحضارة الإسلامية في إيجاد تواصل وحوار بين الثقافات والحضارات عن طريق تأثير الفنون الإسلامية في الفنون الأوربية ، وأن الحضارة الأوربية الحديثة استندت إلى أسس الحضارة العربية الإسلامية .. وكان هناك تلاقٍ بين الشرق والغرب لا تنكره العين المجردة ووثائق التاريخ والجغرافيا( ).






















الفصل الثاني
المدجنون في بلنسية
المبحث الأول
الأوضاع السياسية لمسلمي بلنسية ( المدجنون ) تحت حكم مملكة ارغون


اطلق على المسلمين الذين احتفظوا بإسلامهم تحت حكم الملوك النصارى قبل سقوط غرناطة اسم المدجنون( ), ويذكر برامون( ) أنّ المدجنهو المسلم الذي بقي في الأراضي الفالنسية بعد أن غزاها خايمي الأول, وظل يواظب على إقامة شرائع الإسلام في مجتمع مسيحي , وكان يفعل ذلك علانية وبحرية تامة , بفضل سلسلة من المعاهدات التي عقدتها الطائفة المسلمة المهزومة مع الذين غزوا أراضيهم , وأن هذا المصطلح ظل شائع الاستعمال حتى أصدر الملك شارل الأول قراره في سنة ( 932ه/ 1525م ) يقضي بتنصير جميع المسلمين في بلنسية , ليحل محل مصطلح المدجنون مصطلح آخر هو الموريسكيون أي المسيحيون الجدد , ويضيف هارفي( ) أن مصطلح المدجنون ينطوي على نوع من الخضوع , إذ أنّ كلمة الدجن تستعمل للإشارة إلى الحيوانات الأليفة والطيور والحيوانات الداجنة .
كان المدجنون يمتهنون التجارة ويسكنون في أحياء جنباً إلى جنب مع المسيحيين , ونتيجة لمعاملة السلطات السيئة والتنكر للوعود وجد المدجنون أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما أما ترك البلاد أو إعلان الثورة ضد السلطة الحاكمة وبما أنّ الأمر الأول ليس بمتناول اليد لما يترتب على ذلك من صعوبات فكان إعلان الثورة والمطالبة بالحقوق هو الخيار الأمثل , لذلك ثار المسلمون ثورتهم الأولى في بلنسية سنة ( 952ه / 1254م )( ) وتزعم هذه الثورة رجل يدعى الأزرق واستولى الثوار على عدد من الحصون والقلاع الواقعة بين شاطبة ولقنت , وسيطروا على المنطقة الجبلية الواقعة جنوب نهر (شقر) وبقيت هذه الثورة محصورة بهذه المنطقة فقط , ولكنها سرعان ما امتدت إلى المناطق الأخرى فتوجه خايمي الأول على رأس جيش إلى بلنسية وعقد فيها اجتماع لمجلس النواب ( الكورتس ) وقرر هذا الاجتماع اتخاذ قرارات حازمة تجاه المتمردين من المسلمين ولعل أبرز هذه القرارات هو طردهم من مملكة بلنسية واحلال النصارى محلهم , بعد أن سمح لهم بأن يحملوا معهم ما يستطيعون حمله من أموالهم وامتعتهم( ), أثار هذا القرار حفيظة المسلمين مما أدى إلى اتساع نطاق الثورة لتشمل جميع مملكة بلنسية , وانضم إليه عدد كبير من المدجنين بلغ تعدادهم أكثر من ستين ألفاً , ويشير براتشينا( ) إلى أنّ هذه الثورة تلقت الدعم من أمراء غرناطة والمغرب , استطاع الثوار أن يستولوا على أكثر من (12) حصناً ونتيجة لطول مدة الحصار الذي فرضه خايمي الأول على الثوار فضلاً عن عدم التكافؤ بين الطرفين و قلة المساعدات الخارجية القادمة من غرناطة , جعلت امكانية تحقيق النصر على القوة العاتية التي كان يقودها خايمي الأول ضرباً من الخيال , لذلك اضطر الثوار بعد ذلك إلى الدخول بمفاوضات مباشرة مع خايمي الأول , سمح بموجبها الأخير للثوار بالنزوح إلى المناطق القريبة ( ) و بذلك خرج آلاف من المسلمين المدجنين من اراضي بلنسية فقصدوا مدينة مرسية وأعمالها وتفرقوا بها , وذهبت مجموعة أخرى منهم إلى غرناطة , واشتد ساعد مملكة مرسيه بمن وفد إليها من هذه الجموع المهاجرة , واستطاعت أن تفرض احترام استقلالها الداخلي على النصارى مرة أخرى ( ) أما بالنسبة لقائد الثورة الأزرق فقد تابع نضاله في المناطق الجبلية واستمرت ثورته لأكثر من ثلاث سنوات , أرهق خلالها جون خايمي الأول , مما اضطر الأخير إلى اللجوء إلى الحيلة لتشتيت شمل الثوار , فاتصل ببعضهم وعرض عليهم عقد هدنة مؤقته , ثم أغرى بعد ذلك أحد قادة الأزرق بالمال وطلب منه أن يبيع له كميات من المؤن المدخرة في القلاع الثائرة , على اعتبار أن الهدنة تمتد إلى ما بعد موسم المحاصيل ( ) وممكن تعويض هذه المؤمن حينما تنزل المحاصيل الجديدة , فباع الأخير كميات كبيرة من المؤن المدخرة في حصونه , ولما تأكد خايمي من قلة المؤن الموجودة في الحصون قام بمحاصرته ( ) , وبذلك اسدل الستار عن أول ثورة قام بها المدجنون للمطالبة بحقوقهم المصادرة تحت السيدة المسيحية بعد أن شاهدوا بأم أعينهم السياسة المتسامحة التي انتهجتها الدول العربية الإسلامية اتجاه أهل الذمة القاطنين في مملكة بلنسية خلال حقبة الحكم الإسلامي لهذه المنطقة .
أما بالنسبة لموقف الكنسية المسيحية في روما من الأحداث في بلنسية فغالباً ما كان يتسم بالشدة والعداء للمسلمين , إذ أشترط البابا كليمانت الرابع على الملك خايمي الأول أن يقسم أمام مذبح العذراء في كنسية بلنسية بإبادة المسلمين في مملكته مقابل التنازل عن حصته في الضرائب المسماة بالعشر , فأقسم الملك على ذلك والتزم به علناً , ولما انتهت الثورة وطرد الملك من طرده ( ) وجد خايمي الأول نفسه عاجزاً عن تلبية مطالب البابا بطرد المسلمين من بلنسية لعدة أسباب منها أهمية المسلمين بالنسبة لاقتصاد المملكة , وأن أي إجراء من هذا النوع سوف يصطدم بمعارضة قوية من النبلاء الذين يعتمدون بشكل أساسي على المدجنين المسلمين في زراعة أراضيهم , فضلاً عن ذلك فإن انتهاج سياسة من هذا النوع ستنعكس سلباً على مشروع خايمي الأول في السيطرة على مناطق اضافية من أراضي الأندلس , لاسيما إذا ما علمنا أن ملك ارغون خايمي الأول كان يواجه منافسة شديدة من مملكة قشتالة في الاستيلاء على الأراضي الإسلامية التي ما زالت بيد المسلمين فأي سياسة اضطهاد ستبعد المسلمين عنه وتجعلهم يقتربون من مملكة قشتالة( ).
وبـــهذا الإجراء فتح الباب على مصراعيه أمام العصابات والأشقياء الذين ليس لهم سوى جمع المال والفتك بالمسلمين وبما يتلائم مع توجيهات البابويه , وابتعد خايمي عن اتخاذ أي إجراء بشأن ما يحدث بحق المسلمين رغم الشكاوى التي كانت ترفع له , وبذلك تخلص من الحرج الكبير الذي كان يساوره بشأن الالتزامات التي قطعها للكنيسة ( ) وترك المسلمين فريسة للعصابات الأسبانية التي اتخذت من حصن اليقنت القريب من مدينة بلنسية مقراً لها , وبدأت بمهاجمة القرى التابعة للمدينة وخطف الناس من الشوارع والحقول وبيعهم كرقيق بأبخس الأسعار , فضلاً عن نهبهم لدور المسلمين دون أي واعز من ضمير , ولا رادع من دين أو سلطة( ).
واتجاه هذا الوضع الغريب والظلم الذي لم يشهد له التاريخ مثيلاً رفع المسلمون شكاوى للملك خايمي يطلبون منه وضع حد لتجاوزات هذه العصابات , إلا أنّ مطالبهم لم تجد آذاناً صاغية , واكتفى خايمي بأن سمح لهم بترك الأودية والسهول التي يعيشون فيها والاستقرار بالمناطق المحصنة في الأماكن المرتفعة ( ) ازاء هذا الوضع المزري الذي أصاب المدجنون في مدينة بلنسية لم يكن أمامهم خيار سوى إعلان الثورة والتكفل بحماية أنفسهم من عبث العصابات والأشقياء وكان إعلان الثورة في سنة( 675ه/ 1279م) في جنوب نهر شقر , واحتلّ المدجنون دفعة واحدة اربعين حصناً وعقلاً ( ) وارسلوا إلى أبي عبدالله أمير غرناطة يسألونه العون والنجدة ( )لم يكن بمقدور الملك خايمي في هذ الأثناء مواجهة الثورة على الرغم من وجوده في مملكة بلنسية لأنه لا يمتلك القوات الكافية للقيام بمثل هذا العمل , لذلك لجأ إلى التفاوض مع الثوار على أمل وصول الإمدادات العسكرية من المناطق الأخرى , فأعلن للثائرين بأنه يمنح هدنة لجميع الحصون التي لا ترفع علم غرناطة , أما الحصون الذي ترفعه فسوف يهاجمها فور( ),
ولما تجمعت لدى ملك ارغون بعض القوات قام بمحاصرة مدينة شاطبة مركز الثورة , وفي هذه الأثناء وصلت قوات من غرناطة ومتطوعين من المغرب اسندت قيادتهم إلى الأزرق قائدة ثورة بلنسية الأولى , وبذلك أصبح المسلمون بمركز قوي يمكن أن يهدد الجيوش النصرانية ويسبب لها الحرج إلا أن مقتل زعيم الثورة الأزرق في كمين نصب له أضعف الثورة , وعلى الرغم من ذلك استطاع الثوار الصمود لأكثر من سنة واستولوا على الكثير من المناطق القريبة من بلنسية ( ) في هذه الأثناء توفي خايمي الأول فأوصى ابنه وخليفته بيدور الثالث بطرد المسلمين من بلنسية وجاء في وصيته (( لقد تقدمنا بالوعد أمام مذبح العذراء في بلنسية بأن نخرج المسلمين من أرضنا , وذلك مقابل تنازل البابا عن العشر , فإننا نرجو من ولي العهد دون بدور أن يطرد جميع المسلمين من مملكة بلنسية وأن لا يبقي منهم فيها أحد لأي سبب كان , حتى ولو دفعوا ما عليهم ))( ). وبذلك يقول براتشينا( ) (( حينما كان الملك دون خايمي مريضاً في الثيرا على فراش الموت , إلا أنّ إيمانه جعل يكلف ابنه دون بيدور بالخروج إليهم لمحاربتهم )) . لم يلتزم بيدور بوصية والده ودخل في مفاوضات مع رؤساء الثورة واتفق معهم على هدنه مدتها ثلاثة أشهر , واستثني من هذه الهدنة بعض الحصون التي اعتقد بأن بمقدرته اخضاعها في فصل الخريف عن طريق الحصار وقطع المؤن عنها ( ).
عاد بعد ذلك بيدور إلى سرقسطة حيث توج فيها ملكا , وبقي في مملكة ارغون يدير أمورها حتى نيسان من سنة (676ه / 1277م ) ليتجه بعد ذلك إلى بلنسية ليواصل حملته ضد المدجنين المسلمين وأعد العدة لمهاجمة الحصون الستة التي استثناها من شروط الهدنة , وبالفعل قام بمهاجمة هذه الحصون كميات من المؤن تكفيها لمدة طويلة , لذلك انسحب الثوار إلى حصن ( مونتيسا ) الحصين , وكان بيدور ينتظر اجتماع الثوار في هذا الحصن ليقضي عليهم دفعة واحدة قبل أن تصلهم النجدات من غرناطة والمغرب , وبالفعل تم له ما راد في أيلول من نفس السنة إذ تمكن من دخول هذا الحصن بعد محاصرته من كل الجهات , فلم يكن أمام المحاصرين من خيار سوى الاستسلام دون قيد أو شرط , وبذلك انتهت هذه الثورة( ) ويشير براتشينا( ) إلى أن بيدور عمد بعد استيلائه على حصن ( مونتيسا ) على الإبقاء على المدجنين للاستفادة من خبرتهم الاقتصادية في إعمار البلاد , وعمد أيضاً إلى تنصيرهم بشكل طوعي , وأسند هذه المهمة إلى أخوان دي بويربينتوس الذي كان يجيد اللغة العربية , ووعدهم مقابل اعتناقهم للدين المسيحي بإعطائهم امتيازات خاصة .
ففي سنة ( 982ه / 1283م ) أصدر الملك بيدور الثالث قانوناً يسمح فيه لرعاياه المسلمين الاقامة حيثما شاؤوا في مملكته كما سمح لهم بممارسة التجارة بحرية تامة , لكنه حرم عليهم وظائف القضاء والشرطة والمالية , والزمهم بأن يقسموا يميناً بأن لا يقرضوا أموالاً بفائدة تزيد على 20% سنوياً ويعاقب المخالف بغرامة مالية قدرها خمس دوقات ذهبية , ومنع قبول شهادة المسلم إلا بشروط حددها , وقضى بسقوط الدين غير المعقود أمام القضاء بعد ست سنين إذا كان المقرض مسلماً( ).
أصدرت بعد ذلك السلطة العديد من القرارات التي تخص المسلمين في مملكة بلنسية إلا أن هذه القرارات لم تفرض أي قيود على الحرية الدينية للمجتمع المسلم في بلنسية , وإنما كانت تهدف إلى تنظيم العلاقة بين المسلمين وأسيادهم المسيحيين , واستمرت هذه القرارات بالصدور طيلة القرنين الرابع عشر والخامس عشر( ) إّ تمتع المسلمون في بلنسية خلال القرنين المذكورين بحرية تامة في ممارسة طقوسهم الدينية , ولم تسجل المصادر الإسبانية أي حادثة من شأنها أن تعكر صفو العلاقة بين المسلمين والمسيحيين خلال هذه الحقبة التاريخية , باستثناء حادثة واحدة حدثت في سنة ( 890ه/ 1455م ) إذ تعرضت الأحياء الإسلامية في مدينة بلنسية إلى هجوم من بعض العصابات الإسبانية إذ هاجمت هذه العصابات بيوت المسلمين في المدينة وعملت على نهبها ولم توضح المصادر الإسبانية سبب مهاجمة هذه العصابات لبيوت المسلمين إلا أنّ هارفي علل سبب صمت المصادر الإسبانية عن ذكر المدجنون في بلنسية طيلة القرنين الرابع عشر والخامس عشر فيقول (( وبما أن المدجنين كانوا يعيشون داخل المجتمعات المسيحية , فقد كانوا بالطبع جزءاً من النسيج الذي يكون تاريخ الدولة المسيحية , وكان غيابهم عن المسرح السياسي دليلاً صامتاً على موقف التسامح منهم , وقد كانوا عموماً رعايا واتباع مطيعين , وموضع تقدير بهذا المعنى , ولذا كان المؤرخون الذين ينظرون نظرة عامة إلى المجتمع الأوسع الذي كانوا يعيشون فيه نادراً ما يجدون ما يدفعهم للحديث عنهم إلا حديثاً عابراً , فلم يكن الأمر أفضل من ذلك على أيدي الكتاب المسلمين المعاصرين , أو عند المؤرخين المحدثين للحضارة الإسلامية ))( ).
وأنّ سبب انفتاح السياسة الإسبانية على المدجنين في شبه الجزيرة الايبرية هو وجود مملكة غرناطة الإسلامية في جنوب إسبانيا , وما كانت تمثله هذه المملكة من ضمانة أخيرة لحقوق المسلمين الخاضعين للسيادة المسيحية , فضلاً عن أنّ السياسة الإسبانية كانت تفضل بقاء هؤلاء المسلمين على هجرتهم لأهميتهم الاقتصادية إذ أنها لو لم تتبع هذه السياسة المتسامحة بحق المسلمين لهاجر معظم السكان ولا قفرت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية لاسيما إذا ما علمنا أنّ المستوطنين الجدد لم تكن لهم دراية بالأعمال الزراعية , وكان جل اعتمادهم على المسلمين( ).
ويمكن أن نضيف سبب آخر دفع المملكة الإسبانية إلى انتهاج سياسة التسامح تجاه المسلمين , هو أنّ هذه المملكة كان تخشي أن يتعرض المسيحيون في البلاد الإسلامية إلى مضايقة كرد فعل لما يتعرض له المسلمين في البلاد المسيحية( ) واتضح ذلك جلياً بعد سقوط غرناطة سنة ( 897ه/ 1992م ) إذ تخلى الملكان الكاثوليكا نفرديناند و ايزابيلا عن العهود التي قطعت للمسلمين وفق معاهدة تسليم غرناطة والتي ضمنت لهم سلامة أنفسهم وأموالهم وعقيدتهم , ودعا الملكان المذكوران في سنة ( 904ه/ 1999م ) إلى تنصير جميع المسلمين في إسبانيا( ) لا سيما إذا ما علمنا أنّ دولة المماليك كانت تسيطر على الأماكن المقدسة بالنسبة للمسيحيين في بيت المقدس , إلا أنّ سلطان المماليك في ذلك الوقت ( قانصوه الغوري ) لم يستطع التحرك بهذا الاتجاه بسبب الضغوط الكبيرة التي كانت تمارس عليه من قبل الإسبان الذين تملكوا زمام المبادرة خلال هذه المرحلة لامتلاكهم القوة البحرية الكبيرة التي كانت تسيطر على الملاحة في البحر الأبيض المتوسط , ولتحييد المماليك ومنعهم من تقديم أي مساعدة لمسلمي غرناطة , أرسل ملك إسبانيا فرديناند مبعوثاً إلى مصر هو العالم بيتر مارتر , لتوضيح وجهة النظر الإسبانية لما يحدث في غرناطة , ولعرض مساعدات على سلطان المماليك , فضلاً عن إشعاره بقوة المملكة الإسبانية لذلك ذكر بيتر للمماليك أنّ ملوك إسبانيا ليسوا مرغمين على تبرير أفعالهم لأنهم قوى كبرى لا تخضع لأي ملك في العالم , وإنّ ما يحدث في غرناطة هو نتيجة تمرد المسلمين على المسيحيين وقتلهم أعداداً كبيرةً منهم لذلك فإن السلطات الإسبانية وضعت هؤلاء المتمردين أمام خيارين إما ترك البلاد أو الدخول في الدين المسيحي , فدخلت أعداد كبيرة منهم عن طواعية ( ).
وحذر بيتر المماليك بأن أي خطوة تتخذ من قبل المماليك اتجاه المسيحيين الشرقيين فإنّ المدجنين في بلنسية لن يكونوا بمنجاة من المتاعب , وهم الذين كانوا حتى ذلك التاريخ ينعمون بحسن المعاملة (( حيث كان الموريون يعيشون بسلام بين المسيحيين لديهم مساجدهم الخاصة , ولهم خيولهم الخاصة التي يمتطونها ومعهم رماحهم وأسلحتهم , وكانوا يعاملون بعدالة كما يعامل المسيحيون ))( ).
ومن الجدير بالذكر أنّ مدينة بلنسية احتفظت بأعداد كبيرة من المسلمين تفوق كثيراً المدن الاندلسية الأخرى التي سقطت بيد الإسبان , بسبب ضعف تدفق المسيحيين لهذه المنطقة على الرغم من دعوة الملك لذلك ,فبقيت الكثير من المناطق ذات أغلبية إسلامية( ) ويختتم هارفي( ) حديثه عن مدجني بلنسية بقوله (( والخلاصة أنّ التشريع المسيحي بخصوص المسلمين في بلنسية كانت فيه مظاهر تسامح ومظاهر بخلاف ذلك , فهو تشريع يرمي إلى طرد المسلمين كما يرمي إلى حصر حركاتهم , وكان يضمن لهم حرية ممارسة الشعائر الإسلامية , كما يسعى في الوقت نفسه إلى القضاء على تلك الشعائر وكانت مثل هذه التناقضات توجد في أماكن أخرى , لكن وجود أعداد كبيرة من المسلمين في بلنسية كان يعني أن سياسات المسيحيين المتقلبة قد أدت إلى مزيد من العنف وسفك الدماء في بلنسية مقارنة بما كان عليه الحال في أماكن أخرى وعلى الرغم من المضايقات التي تعرض لها المدجنون في الديار المسيحية في الأندلس وفي بلنسية على وجه الخصوص ، فإنهم ظلوا متمسكين بعقيدتهم الإسلامية بشكل كبير يفوق التصور ، وكانوا مستعدين للتضحية بالغالي والنفيس من أجل الاستمرار بممارسة الشعائر الإسلامية ، فهم بحق كان ينطبق عليهم قول الرسول (ص) : ( المتمسك يومئذٍ بدينه كالقابض على الجمرة ) ( ).
وكان المسلمون في بلنسية يأملون من إخوانهم في الدين الموجودين في غرناطة الإسلامية أو في الشمال الأفريقي أن يمدوا لهم يد العون في نضالهم المستمر ضد السلطات المسيحية الحاكمة إلا أن شيئاً من هذا القبيل لم يحدث على الرغم من الثورات العديدة التي قامت في بلنسية والتي أشرنا إليها فيما مرَّ آنفاً ، وإذا كنا نلتمس العذر للسلطات الإسلامية على أنها غير قادرة على مواجهة الطاغوت الإسباني لضعف الإمكانية المادية والعسكرية فكان يجب عليها أن تحث علماءها على إصدار فتاوى تشد من أزر هؤلاء المستضعفين من أجل الحفاظ على دينهم ، وأن تدعو الفقهاء الأندلسيين على عدم ترك البلاد المذكورة ليكونوا عوناً ومرشداً للمسلمين في تلك الديار لمواجهة الضغوط من قبل الكنيسة الإسبانية التي كانت تسعى باستمرار إلى تنصيرهم ، إلا أننا وجدنا عكس ذلك تماماً إذ أصدر فقهاء المسلمين في المغرب العربي فتاوى لا تجيز للمسلمين البقاء في الديار النصرانية ، ومن هذه الفتاوى الفتوى التي أصدرها مفتي وهران أبو زيد عبد الرحمن الصنهاجي الملروف بابن مقلاش (عرفت أعمال في حدود عام 794ه /1392م ) : (( إن الله عدوّ الكافرين ، وهم أعداء أنبيائه ورسله ، فكيف يمكن للمسلم أن يكون جاراً لمن هو عدوّ الله؟ وعدوٌّ لنبيه ؟ الإذعان لقوانين الشرك من الأمور المحظورة قطعاً ، واحد أسباب بقاء الناس بين المشركين ضعف الإيمان ، وغياب القناعة ))( ). غير أن أشهر فتوى صدرت بحق المسلمين المقيمين في الديار المسيحية هي تلك الفتوى التي صدرت عن الونشريسي (المتوفى 914ه / 1508 م) ، والتي لم تخرج عن سياق فتوى ابن مقلاش في تحريم إقامة المسلمين في الديار النصرانية ، إذ حكم الونشريسي ( ) على المسلمين المتخلفين في الأندلس بالكفر والعصيان : (( لأن مساكنة الكفار من غير أهل الذمة والصغار لا تجوز ولا تباح ساعة من نهار ، لما تنتجه من الأدناس والأوضار والمفاسد الدينية والدنيوية ، طول الأعمار منها أن غرض الشرع أن تكون كلمة الإسلام وشهادة الحق قائمة على ظهورها عالية على غيرها منزهة من الازدراء بها ، ومن ظهور شعائر الكفر عليها ، ومساكنتهم تحت الذل والصغار تقتضي ولا بد أن تكون هذه الكلمة الشرفة العالية المنيفة سافلة لا عالية ، ومزدرى بها لا منزهة ، وحسبك بهذه المخالفة للقواعد الشرعية والأصول وبمن يتحملها ويصبر عليها مدة عمره من غير ضرورة ولا إكراه )) .
كذلك أصدر الونشريسي ( ) فتوى بشأن رجل من الأندلسيين التمس موافقة الفقهاء على البقاء في الأندلس لمعاونة إخوانه الضعفاء والتكلم باسمهم عند السلطات ومداخلة الرؤساء لرعاية شؤونهم ، فأجاب الونشريسي طلب ذلك الرجل بالرفض وألزمه بالهجرة إلى دار الإسلام .
وبذلك وضع الونشريسي ( ) المسلمين في معظم أرجاء إسبانيا في موقف حرج ، بعد أن حرمهم من قيادتهم ، ولو أقام الرؤساء والأعيان ونقباء أهل المهن وشيوخ الدين لما انحلَّ أمر هذه الجماعات وأصبحوا أرقّاء في مزارع النبلاء الأسبان ، ولكان لهم شأن آخر ، شأنهم في ذلك شأن المستعربين الذين عاشوا في كنف الدولة العربية في الأندلس في ذمة الإسلام ، إذ ساهم بقاء رؤسائهم وقساوستهم فيما بينهم في حفظ كيانهم وشخصيتهم وزاد من احترام المسلمين لهم بعدهم يمثلون مكوناً أساسياً من مكونات المجتمع الأندلسي ( ).
وبذلك يمكن القول بأن الفتوى التي أصدرها الونشريسي بشأن المسلمين في أرض الدجن ، لم تأخذ بنظر الاعتبار ، أن أغلب الناس غير قادرين على ترك بلادهم، إذ أن الهجرة لم تكن في ذلك الوقت أمرٌ يسير يتوقف على رغبة المسلم بل كانت أمراً عسيراً كل العسر حافلاً بالصعوبات والمخاطر والمكاره ، إذ كان لا بدَّ للعازم عليها أن يؤدي قدراً من المال ذهباً حتى تأذن له السلطات في الانتقال ( ). كذلك فإن الطرق التي كان يسلكها المهاجر غير آمنة تجعله عرضةً للقتل أو السطو أو البيع بسوق الرقيق ، فيما إذا نجا من تقلبات البحر الذي لا تؤمن فيه صغار السفن التي يستطيع المهاجرون الركوب فيها ( ) ، فضلاً عما كان يتعرض له المهاجرون من عمليات السلب والنهب والقتل في العدوة المغربية من قبل قطّاع الطرق الذين لا همّ لهم سوى الحصول على المغانم ( ) ، وعلاوةً على هذا وذاك فقد أصدرت السلطات المسيحية في مملكة ارغون وبالتحديد في مدينة بلنسية على عهد الملك دون بيدور الرابع قراراً في سنة (772ه /1370م ) يحرم على المسلمين ترك المملكة والهجرة إلى أفريقيا وغرناطة حتى لو دفعوا خمس أموالهم ؛ نظراً للأهمية الاقتصادية لمدجني بلنسية ( )، أمام كل هذه العوائق لا يمكن لأي منصف أن يلقي اللائمة على المسلمين في أرض الدجن لعدم ترك أوطانهم والتوجّه إلى المغرب ؛ لأن السلطات في تلك البلاد لم تكن حريصةً على توفير الظروف الملائمة لهؤلاء المهاجرين ، ويتضح ذلك جليّاً من خلال الاستفتاء الذي قدم للونشريسي بشأن جماعة من الأندلسيين الذين تركوا الأندلس واستقرّوا في المغرب ، إلا أنهم ندموا بعد ذلك على تركهم الأراضي الأندلسية لانعدام الأمن في المغرب ، وضيق المعاش ، وتدهور الأحوال ، وأخذوا يفكرون في العودة إلى حكم النصارى ؛ لأنه أرحم بالنسبة لهم( ) ، وهذا ما أكده الونشريسي ( ) على لسان هؤلاء المهاجرين حين قال : (( إلى ها هنا يهاجر من هناك ، بل من ها هنا تجب الهجرة إلى هناك )) .
ويعزو هارفي ( ) سبب حفاظ المجتمع الإسلامي في بلنسية على الكثير من خصائصه العربية الإسلامية إلى وقتٍ متأخر ، وبالتحديد حتى بداية القرن السادس عشر إذ ما قورن بالمناطق الأخرى إلى أن أغلبية سكان بلنسية كانوا من المسلمين ، وبذلك يقول : (( فقد استغرق تنامي المسيحيين زمناً طويلاً فبقيت كثير من المناطق ذات أغلبية مسلمة تتكلم العربية ، وربما كان المسيحيون غير راغبين في النزوح إلى هذا المحيط الغريب ، وهكذا بقي مجتمع المسلمين على حاله تقريباً في بلنسية لمدّة أطول بكثير مما في غيرها )) ، ويضيف هارفي ( ) (( إن بقاء الكثير من ماضي المسلمين في بلنسية لا يعني أن حضارة الإسلام قد بقيت على حالها من دون تغير ، فلو نظر المرء في نص عربي بلنسي لوجد ظاهرة في لغة لا شكّ أنها عربية ، ولكن يتشربها على مستويات لغوية عديدة ما دخل عليها من لغة الغالبين الرومانس ، وقد بقيت العربية لغة حية ، ولكنها لم تنجُ من التغيير وقد بقيت كذلك مؤسسات ومنظمات اجتماعية بحيث يبدو أن بلنسية قد حفظت كثيراً من مظاهر الدولة الإسلامية ، ولكن عدم وجود سلطان أو إمام على رأس الهرم الاجتماعي ، بل وجود ملك مسيحي يغير التوازن في كل شيء ، لقد استمرَّ بقاء الإسلام من دون إمام ولم يستطع المبشرون المسيحيون التغلغل بين الجماهير الإسلامية ، لكن الإسلام الصحيح هو الذي تحمل العبء )) .
إلا أن حالة التعايش السلمي والتسامح الذي كان يعيشه المسلمون المدجنون في بلنسية في ظل السيادة المسيحية لم يستمر طويلاً ، إذ أصدر الملك شارل الأول ملك أرغون قراراً يقضي بتنصير جميع المسلمين في بلنسية ، وقد صدر هذا القرار سنة (932ه / 1525م) ( ) ، وبذلك فإن السلطات المسيحية في بلنسية وضعت المسلمين أمام ثلاث خيارات لا يمكن الحياد عنها : الأولى اعتناق المسيحية بشكل صادق وهذا الخيار يكاد يكون شبه مستحيل للاتصاق المسلمين بدينهم ، أما الخيار الثاني فهو رفض التنصير وقبول نتائج هذا الرفض وقد جرب المسلمين هذا الخيار إلا أنه لم يأتِ بنتائج طيبة إذ تعرَّض المسلمون إلى أقسى أنواع الاضطهاد على يد عصابات الخيرمانيا ( ) التي هاجمت الأحياء الإسلامية في بلنسية ، وقامت بقتل أعداد كبيرة من المسلمين ، أما من سلم منهم فقد تعرَّض إلى التنصير القسري ، وبذلك لم يبقَ أمام المسلمين سوى الخيار الثالث والأخير هو القبول بتنصير شكلي زائف يحافظ فيه المتنصر على دينه سرّاً بعد عدم السماح له بممارسة شعائره الدينية بحرّية ( ).
وفي ظل هذه الظروف كان على مسلمي بلنسية (المسلمون المدجنون) أن يكيفوا أنفسهم مع الوضع الجديد ، وأن يمارسوا الإسلام بشكل سرّي ؛ لأنهم أصبحوا نظرياً مسيحيين ، وقد استفاد المسلمون المدجنون في بلنسية من تجربة إخوانهم في قشتالة وغرناطة الذين تم تنصيرهم في سنة (908ه/1502م) أي قبل ثلاثة وعشرون سنة من تنصير المسلمين في بلنسية ، إذ نجح مورسيكيو غرناطة في إيجاد صيغة للحفاظ على إسلامهم دون أن تكتشفهم السلطات الحاكمة ، إذ طلب مورسيكيو غرناطة من مفتي وهران في الجزائر أن يصدر لهم فتوى تجيز لهم ممارسة بعض التقاليد المسيحية من أجل الحفاظ على إسلامهم من أن يكشف ، وبالتالي يتعرضون إلى العقوبات ، فأصدر مفتي وهران أحمد بن جمعة المغراوي في سنة ( 910ه / 1508م) فتوى تجيز للمسلمين التساهل في القواعد الصارمة والمفاهيم المحددة في الإسلام يستطيع المسلم من خلالها التحايل على السلطة الحاكمة ويظهر أمامها بمظهر الملتزم بتعليمات الديانة المسيحية .




















المبحث الثاني
الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمدجنين في بلنسية
أولاً : الحياة الاجتماعية
على الرغم من قلة النصوص التاريخية التي تناولت الحياة الاجتماعية للمدجنين في بلنسية لعدم اهتمام المؤرخين العرب والإسبان بتاريخ هذه الفئة الاجتماعية ، وقد وضحنا أسباب ذلك في مقدمة البحث ، إلا أن ذلك لا يعني أن نبقى مكتوفي الأيدي تجاه النقص الواضح في المعلومات الخاصة بتاريخ المسلمين في بلنسية في مرحلة الدجن والتي امتدت قرابة الثلاث قرون ، وبما أن العادات والتقاليد الخاصة بمختلف المجتمعات لا تتعرض إلى تغيرات كبيرة بحكم أنها تمثل ثقافة مجتمع وفي ضوء هذه الفرضية تسنى لنا أن نميط اللثام عن الكثير من العادات والتقاليد الاجتماعية الخاصة بالمجتمع البلنسي في مرحلة الدجن ، وقد اعتمدنا في معلوماتنا على بعض النصوص التاريخية المتأخرة نسبيّاً عن مدّة البحث لا سيما تلك النصوص التي تناولت الحياة الخاصة التي تناولت الحياة الخاصة بالمسلمين في المدينة المذكورة بعد صدور قرار التنصير سنة (932ه /1525م) وأغلب هذه النصوص كانت على درجة كبيرة من الأهمية ( ).
ومن الجدير بالذكر أن المصادر الإسبانية لم تطرح المعلومات الخاصة بالحياة الاجتماعية للمدجنين في بلنسية بهدف التأريخ لهذه الفئة الاجتماعية ، وإنما كان الهدف من ذلك هو تنبه السلطة الحاكمة إلى خطر استمرار المسلمين بممارسة العادات والتقاليد الإسلامية سرّاً بعد أن أصبحوا مسيحيين من وجهة نظر الكنيسة الإسبانية ( ). وبذلك قدمت هذه المصادر ومن دون قصد مادة تأريخية مهمة عن الحياة الاجتماعية للمدجنين استطعنا توظيفها بالشكل المناسب لخدمة البحث .
الأعياد والاحتفالات
لقد مثلت الأعياد الإسلامية بالنسبة للمدجنين مظهر من مظاهر الارتباط بالإسلام والبقاء على العادات والتقاليد الإسلامية ، ومن أبرز الأعياد التي احتفل بها مسلمو بلنسية هو عيد الفطر المبارك وموعده في نهاية شهر رمضان ، ويسمى عند المسلمين المدجنين ( الأغيث اصاغير) أي : العيد الصغير ( ) وتتركز وتتركز أهميته في أعمال البر التي تتجلّى بالتصدق على الفقراء ، ويحتفل بهذا العيد لمدة ثلاثة أيام ، أما العيد الثاني فهو عيد الأضحى الذي يسميه المسلمون المدجنون ( أهيف الكفير) أي : العيد الكبير ، وكان يطلق عليه المسيحيون عيد الخروف حيث تذبح فيه الخراف إحياء لذكرى تضحية إبراهيم بابنه إسماعيل ( ) وقد تطرقت إحدى المخطوطات المورسيكية إلى تفاصيل هذا العيد والأسباب الموجبة له فضلاً عن تحديد أنواع الأضاحي التي يستحسن ذبحها ( ).
في حين أطلق على العيد الثالث عيد ( الثورة) أي عيد عاشوراء وهو يوم الأنبياء ، ويتم الاحتفال به وصومه ، ثم بعد ذلك بثلاثة أشهر يتم الاحتفال بيوم التوسعة ، إذ يذكر دومينغيث ( ) إنه لا يعرف شيء عن هذا العيد ولا سبب الاحتفال به ، ويضيف بأن يوم الجمعة كان من الأيام التي يحتفل بها المسلمون أيضاً ، إذ توزع الصدقات ويتوجه المسلمون المدجنون للصلاة بقيادة الفقيه أو الزعيم الروحي لهم ، كما اعتادوا في مثل هذا اليوم على الاهتمام بأمور الطهارة والاجتماع على موائد الطعام .
ومن المناسبات الأخرى التي يحتفل بها المسلمون المدجنون هي أيام الميلاد والزواج ، وبذلك يقول دومينغيث ( ): (( أما بالنسبة للميلاد فالعادات المهمة هي الفضض ويعني ذلك أن يوهب الطفل لله ، وعندما يكمل أسبوعاً يرسل من أجل تطهيره ويكتبون على جبهته بعض الكلمات ، ويعلقون في رقبته الأحجية التي تتضمن آيات قرآنية ويسمى باسم إسلامي . ويذبح ذبيحة ، ويضاف إلى هذه العادات الختان الذي يجري في اليوم التاسع ، ثمَّ اجل فيما بعد حتى وصل الى العام التاسع )) .
أما بالنسبة لمراسيم الزواج بالنسبة لمسلمي بلنسية فقد نقل لنا لونغاس ( ) قصة زواج مسلم منصر في بلنسية إذ يذكر تفاصيل هذه القصة بقوله : (( بعد أن تناول العريس طعام الغداء في الساعة الثالثة تقريباً توجّه إلى الحمام الذي يبعد عن القرية مسافة قوس تقريباً ،فتبلل واغتسل كما يقولون ، بعد ذلك ذهب بعض الرجال والنساء والأطفال من القرية لإخراجه من الحمام في احتفال ، وأحضروه حتى ساحة القرية ، ووضعوه على لوحة مستديرة لها ثلاث أرجل .. وجلست النساء حولها على كراسي ، وقامت إحداهن بخلع غطاء رأسه والثانية خلعت عنه الكوفيه ، وقامت أمه بتمشيط شعره وصب ماء الورد ...تناولوا بعد ذلك العشاء وأكلوا جدياً أو اثنين ، ويقولون أنهم ذبحوها وهما متوجهان إلى القبلة ، وبعد العشاء حملوا العريس بالشموع في احتفال وطبول إلى الساحة ، وكان في الساحة كرسي تزينه أغصان الغار ، وأجلسوا العريس على الكرسي كما لو كان سيحلق وقصوا لحيته ، ثم ظل جالساً على الكرسي ...وصبَّ عليه الحلاق ماء الورد . وبعد ذلك قدم عليه الرجال واحداً واحداً أو اثنين اثنين كل منهم يضع عملات نقدية على وجه العريس أو جبهته أو عينه أو فمه ، وهكذا فعل كل الموجودين ثم فعلت النساء مثل ذلك ، ثم حملوه إلى بيت العروس وكانت العروس جالسة على وسادتين ، وعلى جنبها امرأة تحمل شمعة متقدة ، وعلى جانبها الآخر امرأة أخرى ، وكانت العروس جامدة لا تتحرك يدها ولا قدمها ولا عيناها كما لو كانت حجراً ، ثم أعطوا العروس شراباً من العسل والفلفل والماء ...كان البيت مفروشاً بالوسائد والقمصان وأشياء أخرى جميلة ، وكانت النساء الأخريات ترقصن وفقاً لعادتهم المورسيكية ) ويضيف دومنغيث ( ) أن العروس يجب أن تضع وردة ملونة على رأسها وتدخل بيت زوجها بقدمها اليمنى .
كذلك احتفل المسلمون المدجنون بالأعياد المسيحية كعيد ميلاد المسيح ، وعيد العنصرة ، وعيد سان خوان وغيرها من الأعياد ( )إذ ورث المدجنون هذه الظاهرة من الحقبة الإسلامية ، إذ كان المسلمون يحتفلون بالأعياد المسيحية منذ عصر الخلافة في الأندلس ، ويعزو العزفي ( ) سبب انتشار الظاهرة المذكورة إلى الاختلاط بين المسلمين والنصارى من خلال الزواج من الإسبانيات (( إن من أعظم أسباب هذه البدعة وأقوى دواعيها مطاوعة الرجال للنساء على الاستعداد لها والتفخيم لشأنها وانقيادهم لهن في ذلك عاماً بعد عام حتى رسخت في صدورهم وتصورت في عقولهم وتاقت إليها أنفسهم ، وقد نبّأنا القرآن بما امتحن به آدم (عليه السلام) لما أطاع زوجته على أكل الشجرة )) .
ومن الجدير بالذكر أن السلطات المسيحية قد حرمت على المسلمين المدجنين الاحتفال بالأعياد الإسلامية، إذ أصدر الملك شارل الأول في سنة (933ه / 1029م) مرسوم يقضي بمنع المسلمين من الاحتفال بالأعياد والمناسبات الإسلامية ، كما يحتم على كل مسلمة حامل أن تحضر قابلة مسيحية تعينها على الوضع فضلاً عن ذلك فقد تضمَّن القرار إلزام المسلمين المنصرين بترك أبواب منازلهم مفتوحة في أيام الأعياد والجمعة والسبت كما يمنعون من تسمية أبنائهم بأسماء عربية ( ).
اللغة العربية عند المسلمين المدجنين
على الرغم من سقوط مدينة بلنسية منذ وقت مبكر وبالتحديد منذ عام (636ه/ 1238م) إلا أن اللغة العربية قد استمرَّت في الوجود في المدينة المذكورة إلى أن تمَّ طرد المسلمين من الأندلس في حدود ( 1017ه/1909م ) وهذا ما أكَّده هارفي ( ) إذ ذكر بأن اللغة العربية في بلنسية بقيت لغة حية على الرغم مما كان يشوبها على مستويات لغوية عديدة ما دخل عليها من لغة الرومانس . ويبدو أن سبب استمرار استخدام اللغة العربية في هذه المدينة هو أنها كانت تضم تجمعات سكانية كبيرة قياس بمناطق الأندلس الأخرى ( ).
وقد أكَّد الحسن الوزّان ( )على استمرار استخدام اللغة العربية في بلنسية وذلك حينما زار مدينة تونس في سنة (921ه / 1515م) إذ قال : (( ونزلت ضيفاً عند السفير الذي بعث به إلى إسبانيا وعاد حاملاً معه زهاء ثلاث آلاف مخطوط عربي اشتراها من شاطبة إحدى مدن مملكة بلنسية )) ، وعلى الرغم من أن الملك شارل الأول أصدر قراراً في سنة ( 933ه / 1529م) حرَّم فيه التخاطب باللغة العربية أو الكتابة بها أو استخدامها في العقود والمعاملات ، إلا أن المسلمين المدجنين في بلنسية استطاعوا الالتفاف على هذا القرار ، إذ أرسل سكان المدينة المذكورة وفداً إلى الملك شارل الأول يطلبون فيه السماح لهم بالاستمرار باستخدام اللغة العربية ، فوافق الملك على السماح لهم باستخدام العربية لمدّة عشرة أعوام ( ).
وعلى الرغم من القرارات الكثيرة التي أصدرتها السلطات المسيحية في بلنسية والتي ترمي إلى منع المسلمين في المدينة المذكورة من التعامل باللغة العربية ، إلا أن المؤشرات تشير إلى استمرار مسلمي بلنسية بالتخاطب باللغة العربية حتى طردهم من إسبانيا وهذا ما أكَّده الحجرية ( ) وهو مؤلف مسلم دون اخباره عن المسلمين المنصرين بعد الطرد بثلاثين عاماً ، إذ أشار إلى أن اللغة العربية ظلت مستخدمة في بلنسية حتى الطرد ، وذكر أن في زيارته لغرناطة سنة (1020ه / 1911م) عرض عليه أحد القسّيسين قراءة رقّ عثر عليه في أحد جبال غرناطة يعتقد أنه من المخلفات المسيحية التي تعود إلى القرن الأول للميلاد ، وكان مكتوباً باللغة العربية ، فسأله القسّ عن المصدر الذي تعلم منه العربية فأجابه الحجري بأنه رجل أندلسي من الجبل الأحمر تعلم اللغة العربية على يد طبيب أندلسي من أهل بلنسية ، وظلَّ القسّ يسأل عن الطبيب الأندلسي فأجابه الحجري بأنه مات بنحو السنتين أو الثلاثة ، ويختم الحجري الحديث بأن (( القراءة بالعربية لأهل بلنسية مباحة في غير دين الإسلام وممنوعة لسائر أهل بلاد الأندلس )) ، أما بالنسبة للغة الإلخميادو التي انتشرت في القرن السادس عشر الميلادي في الأندلس فيبدو أنها كانت موجهة في البداية إلى المسلمين المدجنين الذين يعيشون بين أكثرية مسيحية لأنهم فقدوا لغتهم وكثير من عادتهم بمرور الوقت وتأثروا بجيرانهم المسيحيين وتعلَّموا لغتهم إلا أنهم ظلوا متعلقين بماضيهم وبالنسبة لهم كان الخط العربي مصاحباً للإسلام ، ولهذا فأنهم كانوا يكتبون بحروفه ، ولكن باللغة القشتالية التي كانوا يجيدونها أكثر من العربية ، ثمَّ إن هذه اللغة (اللخميادو ) انتشرت بعد ذلك بين المسلمين المنصرين عموماً خاصة في الثلث الأخير من القرن السادس عشر ، إذ استخدمت هذه اللغة إلى جانب اللغة العربية في المناطق ذات الأكثرية المسلمة ولا سيما بلنسية ( ) ، وهذا ما أكده هارفي ( ) حينما قال : (( فحتى عام 1570م ، كان التنوع بين المسلمين في مختلف أصقاع شبه الجزيرة مسألة ملحوظة ، لذا يجب النظر إلى تاريخ الممالك المختلفة وثقافتها على أنها ظواهر معقدة ومنفصلة وبعد عام 1070م لم تمحُ جميع الفوارق الإقليمية ، وبقيت بلنسية بشكل خاص ، وهي آخر جماعة كبيرة تتكلم العربية على الأرض الأسبانية ، تشكل حالة مستقلّة ، ولكن بعد عام 1570م وسع الحديث عن مشكلة مورسيكية واحدة )) .
الأزياء الإسلامية في بلنسية
على الرغم من عدم امتلاكنا معلومات كافية عن الأزياء الإسلامية في مدينة بلنسية إلا أننا يمكن أن نستنتج أن الأزياء في هذه المدينة كانت امتداداً لما كان عليه الحال في العصر الإسلامي مع بعض التأثر بالأزياء المسيحية إذ كان الرجال والنساء يرتدون أقمصة مصنوعة من الكتان والقطن تليها سراويل طويلة وضيقة لا تتجاوز الركبة وتربط السراويل بأحزمة لتثبيتها ، وكان هذا النوع من الألبسة يستخدم في فصل الصيف ، أما في فصل الشتاء فكانوا يلبسون أقبية ثقيلة محشوة بالقطن أو حللاً من أفرية الخراف والأرانب ( ).
وفيما يتعلق بكسوة الأقدام والسيقان فكانت تتخذ الجواريب الصوفية الطويلة لكسوة الساق حتى أعلى الركبتين ، ثم ينتعلون نعالاً من الجلد المبطنة باللباد ، وذلك في فصل الشتاء ، أما في فصل الصيف فيتخذون نعالاً من الخشب أو الحلفاء مزودة بمشبك ( ) ، أما بالنسبة لغطاء الرأس فيذكر المقري ( ) أن أهل بلنسية وشرق الأندلس امتازوا بترك العمائم ، وغالباً ما كانوا حاسري الرأس (( وأما زي أهل الأندلس فالغالب عليه ترك العمائم ، لا سيما في شرق الأندلس )) ، ومن المعلوم أن المقري كان يتحدث عن مسلمي بلنسية في العصر الإسلامي ، أما بعد خضوعهم للحكم الأرغوني فإن هنالك إشارات كثيرة تدلّ على أنهم كانوا يضعون على رؤوسهم القبعات كما يفعل المسيحيون ، إذ يذكر كاردياك ( ) في سياق حديثه عن تعميد المسلمين في بلنسية سنة ( 932ه / 1525م) أن الملك شارل الأول أمر بتمييز المسلمين المنصرين في المدينة المذكورة عن المسيحيين بأن توضع على قبعاتهم علامات خاصّة بهم وهي عبارة عن قطعة قماش زرقاء اللون على شكل نصف هلال وبحجم برتقالة ، أما بالنسبة للنساء فغالباً ما تكون ملابسهن من أقمشة فاخرة جدّاً موشاة بالذهب لزوجات الأثرياء وأقمشة أقل جودة مثل القطن بالنسبة لزوجات الحرفيين الأندلسيين ( ) . ومن الجدير بالذكر أن ملابس المسلمين المدجنين في بلنسية والتي تعود إلى أصول إسلامية قد تعرضت إلى المنع بعد تنصير المسلمين في هذه المدينة إذ تضمن قرار التنصير الذي أصدره الملك شارل الأول فقرة تخص الملابس الإسلامية ، إلا أن بعض أغنياء بلنسية استطاعوا إقناع الملك بغض النظر عن هذه الملابس لمدة أربعين عاماً ( ).
وتشير راشيل أريه ( ) إلى أن النساء المسلمات في بلنسية كن يرتدين الصايات ذات الألوان الغامقة ، وكن يغطين وجوههن بالحجاب ، إلا أن ذلك لم يستمر طويلاً بسبب قرارات المنع المتوالية بحق ملابس المسلمين المدجنين ، فهنالك إشارات تدل على أن النساء في بلنسية كن يرتدين عند الخروج المعاطف والقبعات مع كشف وجوههن ( ).
وقد احتفظت الملابس الريفية بالأزياء الإسلامية إلى مدة متأخرة من الوجود الإسلامي في الأندلس ، إذ أن (( الحياة الاجتماعية ظلت متأثرة تأثّراً جوهريّاً بالحياة الإسبانية الإسلامية فقد ظلت الريفيات محجبات عدّة قرون ))( ).
في الختام يمكن القول أن المسلمين المدجنين في بلنسية قد نجحوا في الحفاظ على الأزياء الإسلامية التي ورثوها عن أسلافهم المسلمين مع بعض التأثر بالأزياء المسيحية ، ومما يؤكد ما ذهبنا إليه هو استمرار السلطات الحاكمة في بلنسية بإصدار القرارات الخاصة بمنع الملابس الإسلامية إلى وقت متأخر من وجود المسلمين في المدينة المذكورة ( ).
الأطعمة وطريقة الأكل
إن جميع العادات الاجتماعية التي مارسها المسلمون في بلنسية كانت تعد مظهراً من مظاهر ارتباطهم بالإسلام كما تدلّ على انتمائهم القومي ، لا سيما ما يتعلق بنوع الأطعمة التي يتناولونها إذ كان المسلمون المدجنون شديدي الحرص على عدم تناول الأطعمة التي حرمها الإسلام ، والتي أوجزها دومينغيث ( ) بثلاثة أنواع هي لحم الخنزير وشرب الخمر ، ولحم الحيوان الذي ذبح والذي لم يذكر اسم الله عليه أو ذبح على غير الطريقة الشرعية ، ويضيف لونغاس ( ) إلى ذلك لحوم الدواب والوحوش الضارية كالخيل والحمير والبغال والقطط والثعالب والميتة والطعام المستخدم كقربان في احتفالات دين غير الإسلام ، أما بالنسبة لأنواع الأطعمة التي كان يتناولها المدجنون في بلنسية والتي ورثوها عن أسلافهم العرب هي وجبة من الطعام كانت تسمى (الخليع) يصفها دومينغيث( ) بأنها (( لحم يصنعه المسلمون لكي يستعملوه في كل وجبة كما يستخدم المسيحيون لحم الخنزير وهو يؤكل مع خبز ساخن في الصباح كما يؤكل الزبد ، ويؤكل في أي وقت وفي أي يوم من العام ، ويصنع الخليع بالطريقة الآتية : يأخذ المسلمون لحم أي ماشية كانت وينزعون عنه العظم ، ويصنعون منه شرائح مملحة ، ثم تجفف ، وبعد أن تجف يصنعون منها شرائح ثم يطبخونها ثم تقلى الشرائح في إناء وإذا كانت الشرائح رقيقة يضعون دهناً وبعد إن تقلى الشرائح يضعون دهناً حسب كمية اللحم ، وتكون كمية الدهن ضعف كمية اللحم ، ثم يضعون كل ذلك في إناء ليبرد ، ثم يحفظونه لكي يأكلوا منه على مدار السنة ، ويقال أن هذا الخليع لا يصنع كاحتفال إسلامي ، وإنما كمخزون طعام كالخنزير واللحم المقدد بالنسبة لنا )) .
فضلاً عن أن هنالك وجبة أخرى من الطعام كانت تصنع في المناسبات وسائر الأيام الأخرى كانت تسمى وجبة الكسكو ( ) والتي عرفت في المغرب والأندلس منذ أيام الموحدين وانتشرت بين المغاربة والمسلمين في الأندلس ( ) ، ويعلق كاردياك ( ) على هذا النوع من الطعام الذي يتناوله المسلمون المدجنون بقوله (( تجدهم متربعين وواضعين الكسكي في إناء وسطهم ليأكلوه بأيديهم على شكل كرات حسب عادة العرب ، وهم بهذا يداومون على اتباع حفلات دين محمد)) .
من خلال القراءة المتأنية للنصوص التاريخية الآنفة الذكر يتضح لنا استمرار المسلمين في بلنسية بتناول بعض الأطعمة التي كانت لها صلة بعادات وتقاليد العرب والمسموح بها من قبل الشرع الإسلامي ، وامتناعهم عن تناول بعض الأطعمة ذات الصلة بالعادات والتقاليد المسيحية والتي يرفضها الشرع الإسلامي مما عرض المسلمين إلى الملاحقة من قبل محاكم التفتيش الإسباني ؛ لأنم قبول نوع معين من الطعام والامتناع عن نوع آخر كان دليلاً كافياً لمحاكم التفتيش الآنفة الذكر للتأكد من أن المسلمين لا زالوا يمارسون شعائر الإسلام بشكل سرّي ، وأن قبولهم للديانة المسيحية هو أمرٌ شكلي زائف .
النظافة والحمّامات
إن اهتمام المسلمين بنظافة أبدانهم واجبٌ ديني أملته عليهم الشريعة الإسلامية ، فنظافة الجسد ضرورية لأداء الواجبات الدينية ، إذ كان على المسلم أن يقوم بالوضوء قبل كل صلاة من الصلوات الخمسة ( ) وبذلك قال المقري ( ) في وصفه لنظافة أهل الأندلس (( وأهل الأندلس أشد خلق الله اعتناءً بنظافة ما يلبسون وما يفرشون ، وغير ذلك مما يتعلق بهم وفيهم من لا يكون عنده إلا ما يقوته يومه ، فيطويه صائماً ، ويبتاع صابوناً يغسل به ثيابه ولا يظهر فيها ساعةً على حالة تنبو العين عنها)) .
ومن الجدير بالذكر أن عادة الاستحمام كانت محرمة في إسبانيا في العصور الوسطى ، وينظر إليها على أنها عادة وثنية لا يجب ممارستها ( ) إذ يذكر أحد الباحثين( ) : (( إن راهبة دونت في بعض مذكراتها في صلف وعجب أنها إلى سن الستين لم يمس منها الماء إلا أناملها عندما كانت تغمسها في ماء الكنيسة المقدس )) ، وبذلك كانت القذارة من مميزات القداسة عند المسيحيين في القرون الوسطى إذ أهملت نظافة البدن تماماً بعد انقراض الدولة الرومانية التي كانت تهتم بإقامة الحمامات والعناية بالنظافة العامّة ، أما في العصر الإسلامي فقد اشتهرت الأندلس بكثرة حماماتها ونظافة أهلها ، وكان بناء الحمامات صفة ملازمة لتخطيط المدن في الأندلس ، إذ شهدت مدينة قرطبة لوحدها بناء إحدى وعشرون حماماً موزعاً على أرباضها المختلفة ( ) ، وتشير أريه ( ) أن عدد الحمامات في قرطبة في العصر الإسلامي أخذ بالازدياد إلى أن وصل إلى (600) حمام ، ولم يكن الاستحمام مقتصراً على الرجال ، بل شاركت النساء بفاعلية بارتياد الحمامات ، وكان حضورهن مقصور على المساء ؛ لأن الصباح من حصة الرجال ، وكان الذهاب إلى الحمامات بالنسبة للنساء فرصة لهن لكي يلتقين بصديقاتهن.
استمر عادة الاستحمام في الأندلس طيلة العصر الإسلامي ، وأخذت تلقي بظلالها على المسيحيين الإسبان إذ تشير هونغه ( ) إلى أن التأثير العربي الإسلامي في مجال النظافة والاعتناء بالصحة لم يكن مقتصراً على جيرانهم المسيحيين الإسبان ، بل تعدى ذلك ليشمل بعض الدول الأوربية التي اقتبست هذه الظاهرة عن طريق المسافرين من إسبانيا ، وتضيف أريه ( ) أن التأثير العربي الإسلامي كان واضحاً في مجال بناء الحمّامات في إسبانيا .
بعد سقوط غرناطة بيد الإسبان سنة (897ه/1492م) أخذت ظاهرة الاستحمام تختفي رويداً رويدا بين المسيحيين الذين أخذوا بالتراجع عن ظاهرة الاستحمام والنظافة ، وعدّوا هذا التقليد عادة وثنية ومدعاة للتخنث ؛ لأن العفة عندهم تقاس بدرجة القذارة وترك الاستحمام ؛ لذلك نجد أن الملكة إيزابيلا التي عاصرت سقوط غرناطة تفتخر بأنها لم تغسل قدميها إلا مرة واحدة في الشهر ، ولم تستحم بحياتها إلا ثلاث مرات في يوم ولادتها ويوم زواجها ويوم أن ماتت ( ) ، وقد انعكس ذلك بصورة سلبية على المسلمين في الأندلس إذ منعوا من ارتياد الحمامات ؛ لأنها تذكرهم بعادتهم الإسلامية ، فضلاً عن ذلك فقد تعرضت الحمامات العامة في غرناطة إلى الحرق ، وحول بعضها إلى مخازن ومتاجر ، أما في بلنسية فقد تأخر حريم الحمامات إلى سنة (939ه/ 1532م) إذ صدر قرار يحرم على المسلمين المدجنين دخول الحمامات إلا في أوقات محدَّدة ، كذلك حرِّم عليهم ترميم أبنيتها بحجة الخوف من اتخاذ المسلمين لهذه الحمامات أماكن لممارسة الشعائر الإسلامية ( ) ، ومن العادات الأخرى التي حرص المسلمون المدجنون على الحفاظ عليها هي عادة تغسيل الميّت وتكفينه ، وهذه العادة ورثها المسلمون المدجنون عن أسلافهم المسلمين ، وقد انتقلت هذه العادة إلى المسيحيين الأسبان بحكم جوارهم للمسلمين ( ) ، فمنذ اللحظة الأولى لوفاة المسلم لا يستطيع أحد أن يلمس الجثة إلا بعد نطق الدعاء (( اللهم اغفر لي )) ثلاث مرات ، وبعد ذلك يغسل الميت كما يغتسل الحي بالوضوء ( ) ، إلا أن الدفن على الطريقة الإسلامية بالنسبة للمدجنين في بلنسية قد تعرَّض هو الآخر إلى التحريم من قبل السلطات المسيحية بعد صدور قرار تنصير مسلمي بلنسية ، إذ عد هذا الأمر دليلاً كافياً على ارتباط المسلمين المنصرين بدينهم الإسلامي ، لذلك صدرت العديد من القرارات التي تحرم على المسلمين الدفن وفق الطريقة الإسلامية ( ).














الخاتمة
توصّل البحث إلى عدة نتائج أهمها :
1- كانت طبقة المدجنين من بين طبقات المجتمع الأندلسي ذات التأثير الاجتماعي كونها تمثل شريحة مسلمة احتفظت بعاداتها وطقوسها ولو بشكل سري.
2- كان للمدجنين دور كبير في مجال الفنون حيث برعوا في فن الزخارف والنقوش .
3- تعد طبقة المدجنين من الطبقات المهمة في فن العمارة والبناء .
4- كان للمدجنين تأثير كبير في الحياة السياسية من خلال قيامهم بالعديد من الثورات .
5- كثرة المدجنين في مملكة بلنسية وبذلك أصبح المسلمون بمركز قوي يمكن أن يهدد الجيوش النصرانية ويسبب لها الإحراج ويعزز هاربي أن المدجنون حافظوا على الكثير من خصائصهم العربية الإسلامية إلى وقت متأخر حتى بداية القرن التاسع عشر .
6- تعرض المدجنون في مملكة قشتالة إلى سقوط قواعد ومدن المسلمين في الأندلس واحدة تلو الأخرى في يد الممالك النصرانية قشتالة وأخواتها




المصادر والمراجع
1- ابن الخطيب ، لسان الدين أبو عبد الله محمد (ت779ه / 1379م) ،الإحاطة في أخبار غرناطة ، تح : محمد عبد الله عنان ، مكتبة الخانكي ، القاهرة ، 1973 .
2- ابن خلدون ، عبد الرحمن بن محمد (ت808ه/ 1905م) ، تاريخ ابن خلدون ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ، 1971.
3- أحمد ، مريم آيت ، فن المعمار الإسلامي جسر للتواصل الحضاري الإنساني ، مجلة حراء ، ع: 21 ، أكتوبر ، ديسمبر 2010 .
4- أحمد بن خالد السلاوي ، الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى ، دار الكتاب ، الدار البيضاء ، 1954.
5- الاستبصار في عجائب الأمصار ، دار الشؤون الثقافية ، بغداد ، 1989.
6- بني ياسين ، يوسف ، بلدان الأندلس ، مركز زايد للتراث ، ط1 ، 2004 م .
7- تراث الإسلام ، ترجمة : محمد زهير السمهوري ، وآخرون ، عالم المعرفة ، ط2 ، الكويت ،1988.
8- ثويني ، علي ، معجم عمارة الشعوب الإسلامية ، دار حوران للطباعة ، دمشق ، 2004 .
9- الحجي ، عبد الرحمن علي ، التاريخ الأندلسي (من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة ) ، دار التعليم، بيروت .
10- د. محمد علي طقوس ، تاريخ المسلمين في الأندلس ، دار النفائس ، بيروت ،800.
11- السيد عبد العزيز سالم ، المغرب الكبير (العصر الإسلامي ) ، الدار القومية للطباعة والنشر ، القاهرة ، 1966م.
12- شاخت ، تراث الإسلام .
13- شاك ، فون ، الفن العربي في إسبانيا وصقلية ، دار المعارف ، 1985 .
14- الشريف الإدريسي ، نزهة المشتاق واختراق الآفاق ، عالم الكتب ، بيروت 1989.
15- شمهود ، كاظم طاهر ، العمارة الإسلامية في إسبانيا ، العربي للنشر والتوزيع ، 2005 م .
16- شيلو ، محمد ، الفن المدجن ودوره في حياة آخر المسلمين في الأندلس ، مجلة دعوة الحق ، ع: 232 ، سنة 1983.
17- الطريحي ، فخر الدين ، مجمع البحرين ، تح: أحمد الحسيني ، دار الثقافة الإسلامية ، 1408ه ، الزبيدي ، محب الدين أبي فيض ، تح : علي شيري ، دار الفكر للطباعة ، بيروت 1994.
18- عاشور ، سعيد عبد الفتاح ، وآخرون ، دراسات في تاريخ الحضارة ، منشورات ذات السلاسل ، ط2 ، الكويت 1989 .
19- عبد الله جمال الدين ، تاريخ المسلمين في الأندلس ، دار سفير ، القاهرة ،1994م .
20- عنان ، محمد عبد الله ، دولة الإسلام في الأندلس ، ج7 ، الهيئة المصرية للكتاب ،2001 .
21- محمد عبد الله عنان ، دولة الإسلام في الأندلس –عصر المرابطين والموحدين- ، القاهرة ،( 1384ه/ 1964م) .
22- مرسي ، نادية ، العلاقات الإسلامية المسيحية في إسبانيا ، دار الفكر ، بيروت ، 1990 .
23- المقري ، أحمد بن محمد التلمساني (ت1041ه / 1931م) نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب ، تح : محمد محيي الدين عبد الحميد ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، 1999.
24- مؤلف مجهول ، أخبار مجموعة في فتح الأندلس وذكر أمرائها والحروب الواقعة بينهم ، مجريط ، 1847 .
25- مؤلف مجهول ، كان حيّاً ، (278ه /1192م) .
26- الناصري ، أبو العباس أحمد بن خالد الناصري (ت1315ه/ 1917م) ، الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى ، دار الكتاب ، الدار البيضاء ،1954.
27- النعيم ، غازي عيسى ، أثر فن العمارة الإسلامية على فنون العمارة الغربية ، مجلة الوعي الإسلامي ، ع: 532 لسنة 2010 م.
28- هشام ابو رميلة ، علاقات الموحدين في الممالك النصرانية والدول الإسلامية في الأندلس ، دار الفرقان ، عمان ، ( 1404ه = 1984م).
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
مملكتي, المدجنون, دراسة, وبلنسية, قشتالية


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع دراسة حول المدجنون في مملكتي قشتالية وبلنسية
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حراسة الفرائض صابرة شذرات إسلامية 0 05-15-2016 05:27 AM
دراسة عن التوحد Eng.Jordan بحوث ودراسات منوعة 1 04-14-2014 10:08 PM
شعر المعارضات .. دراسة مطر وقمح دراسات و مراجع و بحوث أدبية ولغوية 2 02-21-2013 09:18 PM
دراسة حديثة توفيق بن علو علوم وتكنولوجيا 0 06-10-2012 12:18 PM
دراسة مدى وعي مسئولي الشركات الكويتية نحو استخدام المعلومات الإستراتيجية: دراسة ميدانية Eng.Jordan بحوث ومراجع في الإدارة والإقتصاد 0 01-29-2012 07:14 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 08:14 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59