العودة   > >

مقالات وتحليلات مختارة مقالات ..تقارير صحفية .. تحليلات وآراء ، مقابلات صحفية منقولة من مختلف المصادر

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 02-04-2018, 11:04 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي اثر صوامع التفكير والدراسات الامريكية في التخطيط الاستراتيجي الامريكي


علي بشار اغوان
يمكن لأي متتبع وباحث في الشؤون السياسية و الإستراتيجية الأمريكية ان يلاحظ تأثير دور المراكز البحثية او ما يسمى بالبيوت الفكرية الأمريكية او صوامع التفكير الاستراتيجي (think tanks) ودورها في صنع الإستراتيجية الأمريكية سيما بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991 وحتى في المرحلة التي سبقت التفكك ، وما ***ته هذه الأحداث من فرصة لإعادة تنشيط وتطوير الأفكار وإعادة صياغتها وتطبيقها على الساحة الدولية، اذ تعد المراكز البحثية أمثال مركز (اميركان انتربرايزر) و مؤسسة ( واشنطن للشرق الأدنى) و مؤسسة (مشروع القرن الأمريكي الجديد) ومؤسسة (راند) ومؤسسة (هيرتيج) و معهد دراسة الحرب Institute for the Study of War و معهد ويلسون The Wilson Center و مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية CSIS و المجلس الأميركي للسياسة الخارجية American Council on Foreign Policy وغيرها من المؤسسات التي تحسب وتصنف بعضها على تيار معين كتيار المحافظين الجدد أو تيار المدرسة المثالية و الواقعية أو الأحزاب السياسية الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية ، والتي تعمل على إصدار تقارير إستراتيجية دورية و سنوية تسمى بالمراجعات الإستراتيجية على شاكلة المرجعات الإستراتيجية التي تجريها الإدارة الأمريكية على وثائق الأمن القومي كل أربعة أعوام .
أهمية الموضوع : تعكس هذه الورقة البحثية أهمية الدور الذي تلعبه المراكز الفكرية في صياغة ومحاولة توجيه السياسة الخارجية في الولايات المتحدة و التخطيط الاستراتيجي لهذه السياسات ، اذ يوجد عدد من المؤسسات الفكرية المتخصصة في الشؤون الإستراتيجية الإقليمية والدولية ،التي تصوغ للإدارة الأميركية مشاريع إستراتيجية يأخذ بعضها طريقه للتطبيق.وتزود هذه المراكز القادة السياسيين في الولايات المتحدة بالبحوث والدراسات في كافة أمور التخطيط الاستراتيجي للسياسة الخارجية مما يجعل قضية دراستها و البحث فيها أمر يدعو للأهمية سيما و أنها برزت بشكل ملفت للعيان بعد تفكك الاتحاد السوفيتي رسميا عام 1991.اذ يقول) دونالد آبلسون) ، أُستاذ العلوم السياسية في جامعة (ويست أونتاريو) ومؤلف كتابين عن مؤسسات الفكر والرأي ، إنه في حين أصبحت مؤسسات الفكر والرأي، في السنوات الماضية "ظاهرة عالمية"، فإن المؤسسات الأميركية تتميز عن نظيراتها في البلدان الأخرى بقدرتها على"المشاركة بصورة مباشرة أو غير مباشرة في صنع السياسة داخليا و خارجية" و بإمكان صانعي السياسة إلى العودة إليها للمشورة السياسية.
إشكالية الموضوع : تنطلق إشكالية الموضوع من ان هناك جزء ليس بيسير من الباحثين و المتخصصين لا يعيرون اهتمام واسع لدور مراكز الدراسات الإستراتيجية في الولايات المتحدة وآثارها في التخطيط الاستراتيجي الأمريكي ، لذا فأننا و من خلال سياق هذه الورقة سنطرح أسئلة فرعية و سنحاول الإجابة عليها عبر سياق هذه الورقة وهي :
• ما هو مفهوم هذه المراكز و ما هي تصنيفاتها و أشكالها ؟؟
• ما هو مفهوم التخطيط و التخطيط الاستراتيجي ؟؟
• ما هي طبيعة العلاقة بين مراكز الدراسات و البحوث الإستراتيجية مع التخطيط الاستراتيجي الأمريكي ؟؟
فرضية الموضوع : تنطلق الورقة من افتراض رئيس مفاده ان لمراكز الدراسات الإستراتيجية اثر في التخطيط الاستراتيجي الأمريكي و صنع القرار السياسي الخارجي ، و هذا الأثر يصل الى مرحلة تبني مشاريع و استراتيجيات من قبل الإدارة الأمريكية و التي هي بالأساس صادرة من هذه المراكز الإستراتيجية ، لذا سنحاول عبر سياق هذه الورقة إثبات أو نفي هذا الفرض .
هيكلية الموضوع :
المحور الأول : اقتراب مفاهيمي نحو مفهوم مراكز الدراسات الإستراتيجية و التخطيط الاستراتيجي .
المحور الثاني : جدلية العلاقة بين مراكز الدراسات الإستراتيجية والتخطيط الاستراتيجي الأمريكي (نماذج مختارة) .

المحور الأول : اقتراب مفاهيمي نحو مفهوم مراكز الدراسات الإستراتيجية و التخطيط الاستراتيجي .
اولاً : مفهوم مراكز الدراسات الإستراتيجية الأمريكية
لا يوجد حتى الآن تعريف عام وشامل لهذه المؤسسات ، وتكمن صعوبة إيجاد تعريف كهذا إلى أن معظم المؤسسات والمراكز التي تقع تحت قطاع مراكز التفكير، لا تعرف عن نفسها بأنها (Think Tanks) في وثائق تعريف الهوية الذاتية ، وإنما تعلن عن نفسها كمنظمات غير حكومية (NGO) أو منظمات غير ربحية (non profit organization)، وهذا بالذات يعد احد التعريفات التنظيمية المعترف بها في القانون الأمريكي (1) ، ففي تعريفه لمراكز الفكر ، يشير (جولد شميتز) الى ان مركز الفكر هو عبارة عن مؤسسة تعنى بتوليد الأفكار والبحث والتعليم والتثقيف وتسهم في صناعة السياسات ، وهي كل مؤسسة لديها قيادة ذات طاقات تخيليه فكرية إبداعية تسهم في بلورة خيارات واقعية لها جذور فكرية للسياسات والبرامج والخدمات التي تقدمها (2)، ولكن على الرغم من هذه الإشكالية بخصوص هوية هذه المراكز هناك عدة تعريفات لهذه المراكز نحاول في هذه الورقة أن نعرض بعضاً منها ، فتعرفها الموسوعة المجانية المعروفة بنسختها البريطانية (Wikipedia) بأنها، أية منظمة أو مؤسسة تدعي بأنها مركز للأبحاث والدراسات أو كمركز للتحليلات حول المسائل العامة والمهمة (3).
ويعرفها بعض الكتاب والباحثين بالاتفاق على عمومياتها حول ان هذه المؤسسات تمثل أي منظمة تقوم بأنشطة بحثية سياسية تحت مظلة تثقيف وتنوير المجتمع المدني بشكل عام، وتقديم النصيحة لصناع القرار بشكل خاص ، وفي تعريف آخر تعد مراكز التفكير بأنها تلك الجماعات أو المعاهد المنظمة بهدف إجراء بحوث مركزة ومكثفة وتقدم الحلول والمقترحات للمشاكل بصورة عامة وخاصة في المجالات التكنولوجية والاجتماعية والسياسية والإستراتيجية أو ما يتعلق بالتسلح (4) ، و إذا ما ابتعدنا عن المفهوم وشرحه ، فقد انتشرت مراكز الأبحاث الفكرية والسياسية في العالم و الولايات المتحدة تحديداً بشكل كبير منذ بداية السبعينيات من القرن الميلادي الماضي ، وظهر تأثير هذه المراكز في صناعة القرار الخاص بالسياسة الخارجية الأمريكية بشكل واضح وملموس في السنوات الأخيرة ، ويبلغ عدد المؤسسات الفكرية في الولايات المتحدة الأمريكية بحسب بعض الإحصاءات ما يزيد على 1200 مركز ومؤسسة ، تضم هذه المراكز مجموعة متخصصة من الأكاديميين والسياسيين الذين يشتركون في الاهتمام بمجموعة من المواقف والقضايا السياسية العامة(5)، ويعملون بشكل منظم من أجل التعريف بهذه القضايا ، و يقسم الباحثون المراكز الفكرية في الولايات المتحدة الأمريكية إلى تصنيفات عديدة تختلف من حيث موضوعيتها :
1. مؤسسات تابعة للجامعات مثل مؤسسة بحوث الشرق الأوسط التابعة لجامعة كولومبيا.
2. مؤسسات بحثية تميل لأحد الحزبين الرئيسين في الولايات المتحدة الأمريكية مثل معهد بروكنجز(Brookings Institution) الذي يميل إلي الحزب الديمقراطي و مؤسسة هيرتيج (Heritage Foundation) التي تميل إلي الحزب الجمهوري.
3. مؤسسات تابعة لهيئات حكومية مثل جامعة الدفاع الوطني (Nation Defense University ) ومركز بحوث الكونجرس (congressional Research Service).
4. مؤسسات بحثية تابعة لمؤسسات خاصة كبرى مثل مؤسسة كارينجي للسلام الدولي Carnegie Endowment For International Peace
5. المؤسسات التقليدية للسياسة الخارجية مثل مجلس العلاقات الخارجية Council Of Foreign Relation
6. مؤسسات متخصصة مثل الجمعية الوطنية للعلوم السياسية American Political Science Association
7. المؤسسات التابعة للوبي الصهيوني مثل اللجنة الوطنية اليهودية الأمريكية (American Jewish Committee).و لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية "إيباك"(Israel-American Public Affairs Committee).
8. مؤسسات مرتبطة بهيئات معارضة للسيطرة الأمريكية و معظمها من اليسار مثل (Nation Pacifica) و اليمين المعارض مثل لاروش.
9. مؤسسات أخرى تدخل ضمن المؤسسات البحثية التابعة للكنائس و الهيئات الدينية و الأقليات القومية و العرقية و اللغوية و الناشطين السياسيين و الاجتماعيين .
ثانياً : مفهوم التخطيط الاستراتيجي
عندما نحاول أن نَعرِفَ ما المقصود بالتخطيط الاستراتيجي فإننا سنجد الكثير من الباحثين والدارسين قد أعطوه تعريف خاص وفق وجهة نظرهم ووفق المجال الذي يعملون بهِ (مثل التخطيط عسكري , التخطيط اقتصادي , التخطيط حضري , التخطيط ثقافي ,التخطيط استراتيجي ......الخ) أو أن تعريفهم يتميز بالمطاطية مما يوقع الباحثين الآخرين بفخ خلط وتداخل مفاهيمي إلى حد لا يمكن الفصل بين التخطيط الاستراتيجي وبين مفاهيم تلتقي معه ببعض الخصائص والصفات ، وبهذا لم يعطوا مفهوم التخطيط الاستراتيجي بشكل عام حقه العلمي .
في البداية يعبر التخطيط بصفته المجردة على أنه ( ماذا تفعل قبل أن تفعل و كيف تفعل قبل ان تفعل) كونه حالة مرتبطة بالمستقبل ويعكس حقائق هامة جداً كالوقت والجهد المبذول في عملية التفكير , لذا هو العملية الأفضل للوصول إلى الهدف بطرقة منظمة (6 ).ونلاحظ مثلاً ( ألين و روبرت ) عرفه على أنه نشاط لا شعوري لكل شخص (7 ).ويعرّف (وليم بومان) التخطيط بأنه: التقدير سلفاً لما يجب عمله( 8).في حين يدلل ( أحمد عطية الله ) من لفظة التخطيط على أنه خطة أو برنامج للسير عليه في المستقبل وخلال مدة معينة(9 ) .وجاء تعريف التخطيط في الموسوعة السياسية بشكل عام على أنه (أسلوب في التنظيم يهدف إلى استخدام الموارد على أفضل وجه ممكن وفقاً لأهداف محددة ويقصد بهِ على النطاق القومي وضع خطة يسير عليها المجتمع خلال فترة معينة وذلك بغية تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ( 10) .
أما فيما يخص التخطيط الاستراتيجي فقد تعددت تعريفاته اذ عرفه البعض بشكل عام على أنه خطة عمل شاملة طويلة المدى تحدد أسلوباً ومسار و مبادئ و فلسفة بلوغ أهداف طويلة الأجل باستخدام الموارد المتاحة .
ولا يذهب (علي عجوة ) بعيداً عن ذلك في فـهـمـه للـتـخـطـيـط الاستراتيجي اذ يعرّفه : بأنه ذلك النشاط العقلي الإرادي الذي يوجه الاختيار الأمثل لمجموعة من الطاقات المتاحة لتحقيق أغراض معينة في مدة زمنية محددة(11 ).وفي محاولة لربط العلاقة بين النظرية والواقع عرّف( جون ميدلتون )التخطيط الاستراتيجي بأنه:تطبيق النظريات على الواقع لتقرير ما ينبغي عمله وأين وكيف خلال مدة زمنية بعيدة المدى ( 12).
و وردَ تعريف التخطيط الاستراتيجي في كتاب معجم الإدارة بأنه : منهج و فلسفة تتضمن عدة إجراءات لتحقيق غايات وأهداف بعيدة المدى مرغوب فيها ويشمل التنبؤ وتحديد الأهداف و الاستعداد لمواجهة المستقبل في ضوء الإمكانات والموارد المتاحة ورسم السياسات والإجراءات ووضع البرامج الزمنية لتنفيذ الأعمال, والتخطيط الكفء يعني اتخاذ قرارات رشيدة في رسم السياسات المختلفة وتنفيذها, حيث يجب أن تتضمن تقديراً دقيقاً للوسائل والغايات , ويرى البعض أن التخطيط أسلوب للتفكير المنظم يحاول أن يحيط بكل الأحداث التي تسود موقف معين (13 ).
ويذهب ( مجيد سعود ) إلى أن التخطيط الاستراتيجي : عبارة عن تحديد لمجموعة من الأهداف المتناسقة التي يُراد تحقيقها على وفق أولويات معينة , وخلال مدة زمنية محددة مع اختيار لمجموعة الوسائل والإجراءات اللازمة لتحويل هذه الأهداف إلى واقع (14 ).وعرفه (جورج تيري) بقوله: التخطيط الاستراتيجي هو الإختبار المرتبط بالحقائق ووضع واستخدام الـفـروض المتعلقة بالمستقبل عند تصور وتكوين الأنشطة المقترحة التي يُعتقد بضرورتها لتحقيق النتائج المنشودة( 15).ويقول ( لندول أورفيك ):التخطيط الاستراتيجي أساساً عملية ذهنية أو هي استعداد طبيعي لعمل شيء بطريقة منظمة أي التفكير قبل العمل وأن تعمل على ضوء الحقائق أجدى من التخمين( 16).
المحور الثاني : جدلية العلاقة بين مراكز الدراسات الإستراتيجية والتخطيط الاستراتيجي الأمريكي (نماذج مختارة)
يمكن لأي متتبع وباحث في الشؤون الإستراتيجية الأمريكية ان يلاحظ مدى تأثير دور المراكز البحثية و الإستراتيجية او ما يسمى بالبيوت الفكرية الأمريكية (think tanks ) أثرها في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية لاسيما بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991 ، وما ***ته هذه الأحداث من فرصة لإعادة تنشيط وتطوير الأفكار وإعادة صياغتها وتطبيقها على الساحة الدولية و التخطيط الاستراتيجي للسياسة الخارجية.
ومنذ حربي أفغانستان و العراق أصبحت الأبحاث أكثر تركيزا على إنتاج أفكار وتحليلات من شأنها أن تؤدي لتطوير، بل وإعادة مراجعة العلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي وكيفية إحداث التوازن بين اليقظة ضد الإرهاب وبين حماية الحريات المدنية ، وكذا الصراع العربي الإسرائيلي والحاجة لتبني أساليب الدبلوماسية التقليدية مع الأخذ في الاعتبار موضوع ظهور لاعبين خارج حدود الدول القومية، وكذلك النقاش حول الضربات الوقائية لإجهاض التهديدات من إرهابيين والدول التي تساندهم وكذا تطوير إستراتيجية عالمية لعالم ما بعد الحرب الباردة ومستقبل عدم التسلح وقضية أنظمة الصواريخ الدفاعية.
أن دور مراكز الفكر قد صار مركزيا وهاما لأنها أصبحت المصدر الرئيس للمعلومات والخبرات لصانعي السياسات بل والصحفيين أيضا و بالتالي صارت هذه المراكز و المعاهد من أهم أدوات التخطيط الاستراتيجي الأمريكي في القرن الحادي و العشرين ، ذلك أن تقاريرهم وتحليلاتهم يتم الاعتماد عليها بشكل أساسي لإرشاد أعضاء الكونجرس في رسم السياسات التشريعية وللصحفيين في كتابة تقاريرهم و للإدارة الأمريكية في رسم تطلعاتها المستقبلية فيما يخص السياسة الخارجية .
فعلى سبيل المثال : إن معهد بروكينجز عادة ما يشار إليه بوصفه جامعة بدون طلاب والمعهد يتضمن حوالي 75 زميلا بعضهم مندوب من جامعات وأبحاثهم عادة ما يتم مراجعتها أكاديميا و تقديمها لوزارة الخارجية و وزارة الدفاع و مؤسسة الرئاسة.و بعض الباحثين ببروكينجز يلقبون بـ ممارس أكاديمي وهو لقب عادة ما يطلق على الباحثين الذين يقبلون بوظائف في الحكومة، اذ يكون بإمكانهم أن يختبروا نظرياتهم وما توصلوا إليه من استنتاجات على أرض الواقع.وفي بروكينجز هناك أكثر من 12 باحث خدموا في وزارة الخارجية ومجلس الأمن الأن القومي (فمارتن إنديك) مدير مركز سبان لدراسات الشرق الأوسط كان يشغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الوسط وخدم فترتين كسفير لأمريكا في إسرائيل (17 ).
و من الشواهد الأخرى التي يمكن ان نتلمس اثر مراكز الدراسات الإستراتيجية الأمريكية و اثرها في التخطيط الاستراتيجي و صنع و اتخاذ القرار هو عندما قام الرئيس السابق جيمي كارتر بعد انتخابه عام 1976 بتعيين خبراء من مؤسسة بروكنغز و مجلس العلاقات الخارجية في حكومته و بعدها بأربع سنوات استعان رونالد ريغان بمئة و خمسون شخصا" من مؤسستي هيرتيج و هوفر ، و معهد انتربرايز.
و ايضاً ما قام به الرئيس رونالد ريغان حين تبنى إستراتيجية الدفاع بواسطة الصواريخ البالستية التي شغلت قبل تبنيها من قبل ريغان ، مكانة عليا في قائمة القضايا التي استحوذت على اهتمام مؤسسة هيرتيج (التراث) ، و اتضح ذلك حين قام ريغان إلقاء خطاب في آذار/مارس 1983، الذي أُنشئ بموجبه برنامج مبادرة الدفاع الاستراتيجي. فدراسة "الحدود العليا" التي رعتها مؤسسة هيرتيج ، والتي دعت فيها إلى نشر نظام دفاع فعّال من الصواريخ الباليستية كانت قد صدرت منذ عام 1982 وتبناها فيما بعد الرئيس السابق رونالد ريغان.

من جانب اخر ، يمثّل النقاش حول توسيع الحلف الأطلسي في بداية التسعينات و تحيديداً في مرحلة رئاسة بوش الاب من القرن الماضي ، إحدى هذه الانجازات التي تولدت في عقول مراكز الدراسات الاستراتيجية الامريكية و عملت على تطويرها ، فقد لعبت مخازن التفكير دوراً أساسياً في تطوير وتعزيز التأييد لقرار الولايات المتحدة توسيع الحلف كجزء من إستراتيجية أشمل لإلغاء تقسيم قارة أوروبا الذي جاء نتيجة للحرب الباردة، وإقامة أوروبا كاملة غير مقسمة ومن اهم تلك المراكز هو معهد هوفر.
وفيما يخص فترة رئاسة بيل كلنتن ،فقد سعت دوائر و مؤسسات بحوث و مخازن للتفكير إلى محاولة إقناع الرئيس بل كنتون باستبدال سياسة الاحتواء المتبعة مع الحكومة العراقية حينها ، إلى سياسة تغيير النظام بالكامل،اذ قدم مجموعة من خبراء مركز بحوث القرن الأمريكي الجديد (PNAC) رسالة إلى الرئيس بل كلنتون بهذا الشأن.و قد تحولت الرسالة إلى مشروع عمل للمنظومة السياسية الأمريكية حيث صدر عن الكونغرس الأمريكي حينها ما سمي بـ (قانون تحرير العراق) ( 18).
اما في رئاسة جورج وكر بوش الأولى و تحديداً في مرحلة ما قبل احداث 11 ايلول 2001 و ما بعدها ، اجتمع لمدة عام كامل أكثر من مئة شخصية تعرف بمجموعة عمل الرئاسة بينهم إعلاميين و خبراء مراكز أبحاث و مسؤولين أمنيين و عسكريين و سياسيين سابقين مرموقين ، و عقدت عشرات الندوات و أجريت زيارات لمختلف دول العالم لوضع خطة عمل الرئاسة للسنوات الأربع و هو ما بات يعرف بـ (تقرير هيئة الرئاسة) ، الذي تضمن خطط و تكتيكات جديدة للتعامل مع قضايا القرن الحادي و العشرين كالإرهاب و إعادة هندسة الشرق الأوسط الكبير وفقاً للرؤية الأمريكية و جعل العراق اليه من آليات الانطلاق تجاه باقي المناطق و فقاً لخطط منظمة و مدروسة سلفاً .
بعد انتهاء الدراسة قدم لبوش تقرير مطول عرف باسم (ملاحة في بحر مضطرب) شخص الواقع الدولي ، بما فيه الشرق الأوسط و قدم خريطة طريق لإدارة العالم تضمنت خططاً و خطط بديلة لكل قضية و مفصل و كيف تدار لما فيه مصالح الأمن القومي الأمريكي بكل أبعاده و الشروع بانتهاج أسلوب الضربات الوقائية و الاستباقية.
ذلك التقرير الذي جعلت رصانته و عمق التحليلات و الأفكار التي احتوها الرئيس شبه ملزم بإتباعه و قد صيغت على هديه الكثير من القرارات ، و ما أن انتهت فترة السنوات الأربع التي خصصت لأعداده و تنفيذه (2001 – 2004) حتى كانت نخبة مماثلة تنهي تقريرها الثاني باسم تحديات الإصلاح و الأمن القومي والسلام لفترة الرئاسة الثانية (2005-2008) (19).
ومن بين هذه الأفكار التي تم توظيفها و التخطيط لها في الولاية الثانية للرئيس الامريكي جورج وكر بوش و من خلال بيوت الفكر الأمريكي هو تكتيك الفوضى الخلاقة ، اذ تمثل المراكز البحثية و الدراسات الإستراتيجية احد اهم المصادر الأمريكية بالتخطيط الاستراتيجية و صياغة سياسة خارجية للولايات المتحدة الأمريكية ((مثال مركز (اميركان انتربرايزر) و مؤسسة ( واشنطن للشرق الأدنى) و مؤسسة (مشروع القرن الأمريكي الجديد) ومؤسسة (راند) ومؤسسة (هيرتيج) وغيرها من المؤسسات التي تحسب وتصنف بانها ذراع من اذرع المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية )) .
و على سبيل المثال : تعد مؤسسة (اميركان انتربرايزر) من أهم المؤسسات البحثية التي شاركت في بلورة و إعطاء هذا الزخم الكبير لهذا المصطلح - الفوضى الخلاقة - الذي شاركت في بلورته عن طريق عقد مجموعة من الندوات والمحاضرات وحلقات النقاش العلمية التي شارك فيها مجموعة ليست بصغيرة من الباحثين والمختصين بالشؤون الأمريكية الداخلية والخارجية ،ومن مختلف الاختصاصات،إذ تم تكوين هذا المصطلح بعناية تامة وبرؤى معمقة و نابعة من العقلية الفكرية الأمريكية البرغماتية التي تعد المصلحة الأمريكية فوق كل شي بغض النظر عن الطريقة أو الوسيلة لتحقيق تلك المصلحة (20) .
و من مجمل ما تقدم يمكننا ان نستنتج ان للمراكز البحثية الإستراتيجية الأمريكية او ما تسمى ببيوت الفكر او (صوامع التفكير الاستراتيجي) اثر ملموس و واضح على السياسة الخارجية الأمريكية و طبيعة توجهاتها و الأدوات التي تستخدمها في تنفيذها وعلى هذا نؤكد ما جاء في الفرضية الرئيسة التي طرحناها في أعلاه و استنتجنا الأتي من كل ما سبق :
1- تأكيد تواصل مراكز البحوث و الدراسات الإستراتيجية في الولايات المتحدة مع مواقع صناعة القرار و مواقع العمل السياسي و الدبلوماسي لتبادل الأفكار و الخبرات و تبني المشاريع و الدراسات التي تتعلق بالإستراتيجية الأمريكية و بأمن الولايات المتحدة القومي .
2- تبني الإدارة الأمريكية عدد ليس بقليل من المشاريع و التكتيكات الإستراتيجية التي تطرحها مثل هكذا مراكز و تعد بمثابة مراجعات لتقييم عمل الإدارة الأمريكية و إضافة الى تقديم المقترحات من قبل هذه المركز الى الإدارة الأمريكية .
3- استقطاب و استخدام الطاقات الأمريكية ذات الخبرة العالية و الإبداع في المجال الوظيفي في حلقات و دوائر صنع القرار لتشارك في مختلف المراحل في مجالات عديدة لإثراء البحوث و الدراسات و الندوات و الحلقات الدراسية التي من شانها ان تخدم صانع القرار الامريكي.
4- تمكين الطاقات البحثية من الخروج خارج المواقع البحثية الأكاديمية و دعمها للتحرك و الاحتكاك بدوائر صنع السياسة و القرار السياسي و الدبلوماسي الأمريكي .
5- تشجيع الاتصال و تبادل الخبرات فيما بين مراكز و مؤسسات البحوث أفقياً و عموديا و داخليا و خارجيا مع مراكز السلطة و صنع القرار في الولايات المتحدة .


قائمة المصادر :

(1)Anderson .G Keg , American Think Tanks and their role in US Foreign Policy Donald E Abelon , first edition , St Martin Press , Inc New York , 1996, P 1.
(2) Lee Edward The Power of Ideas: The Heritage Foundation at 25 Years Ottawa:, first edition ,Jameson Books, New York , 1997, P 16 – 33 .
(3) نقلا عن موسوعة ويكبيديا (النسخة البريطانية) على شبكة المعلومات الدولية (الانترنت)
www.Wikipedia.com
(4) James G . Mcgann , think tanks and civil societies program ,think tank network publishing foreign policy research institute. 2007 P 4- 9 .
(5) Anderson .G Keg , op . cit , p P 1.
(6) James A.Obrien , op . cit , p502 .
(7) H. w. Allen sweey and Robert rahchlin , Hand book of Budgeting, first edition, John Wiley & sons , INC , USA , 1981 , p22 .
(8) عبد الله محمد عبد الرحمن , علم اجتماع التنظيم , ط1 ، دار المعرفة الجامعية , الإسكندرية , 1988 , ص134 .
(9) أحمد عطية الله , القاموس السياسي , ط3 ، دار الحنان ، القاهرة , 1968 , ص275 .
(10) عبد الوهاب الكيالي و كامل زهيري وآخرون , الموسوعة السياسية , ط1 ، مطبعة المتوسط , المؤسسة العربية للدراسات والنشر , بيروت – لبنان , ط1 , 1974 , ص148 .
(11) علي عجوة , الأسس العلمية للعلاقات العامة , ط1 ، عالم الكتب , القاهرة , 1977 , ص85 .
(12) جون ميدلتون , نهوج في تخطيط الإتصال , ط1، ترجمة : منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو ) , فرنسا , 1985 , ص19 .
(13) إبراهيم بدر شهاب الخالدي , معجم الإدارة , ط1, دار أسامة للنشر والتوزيع, الأردن – عمان , 2011, ص118 .
(14) مجيد سعود , التخطيط للتقدم الإقتصادي والإجتماعي , ط1 , دار الشباب للنشر والترجمة والتوزيع , قبرص , 1987 , ص7.
(15) بشير العلاق , الإشرافية والقيادة , ط1, دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع , الأردن – عمان , 2009 , ص16 .
(16) لندول أورفيك , عناصر الإدارة , ط 1، تعريب ، علي حامد بكر , المطبعة العالمية – دار الفكر العربي ,القاهرة , سنة الطبع بلا , ص54 .
(17) سعيد عب الهادي ، مراكز الفكر الأمريكي...قراءة في خرائط مراكز الفكر الأمريكية،صحيفة المؤتمر، العدد الالكتروني 2850 ليوم 31 تشرين الأول 2013،على شبكة المعلومات الدولية(الانترنت) http://www.almutmar.com/index.php
(18) بسمة خليل نامق ، مؤسسات مخازن التفكير Think Tanks ودورها في صياغة السياسة الخارجية للدولة الحديثة النموذج الأمريكي ، مجلة القادسية للقانون و العلوم السياسية ، جامعة القادسية ، العدد الثاني ، المجلد الثاني ، كانون الاول ، 2009 ، ص 179 – 184 .
(19) المصدر نفسه ، ص 179 - 184 .
(20) نبيل البكري ، الفوضى الخلاقة : مزيدا من المصطلحات مزيدا من الفشل ، مجلة العصر الالكترونية ، العدد 39 ، سبتمبر 2009 ، ص 5 وما بعدها .
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الامريكي, الامريكية, الاستراتيجي, التخطيط, التفكير, صوامع, والدراسات


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع اثر صوامع التفكير والدراسات الامريكية في التخطيط الاستراتيجي الامريكي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
برنامج تدريبي في التخطيط الاستراتيجي Eng.Jordan عروض تقدمية 1 09-26-2014 10:46 PM
التخطيط الاستراتيجي في مؤسسات المعلومات Eng.Jordan بحوث ومراجع في الإدارة والإقتصاد 0 12-30-2012 01:54 PM
التخطيط الاستراتيجي للتعليم المستمر Eng.Jordan بحوث و مراجع و دراسات تربوية واجتماعية 0 11-15-2012 05:41 PM
التخطيط الاستراتيجي Eng.Jordan بحوث ومراجع في الإدارة والإقتصاد 2 01-20-2012 05:51 PM
التفكير الإيجابي والفعل الاستراتيجي Eng.Jordan الملتقى العام 0 01-09-2012 07:09 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 10:27 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59