#1  
قديم 11-21-2016, 12:16 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي مقال رائع للدكتور مصطفى محمود (رحمه الله)


العذاب ليس له طبقة...،

مقال رائع للدكتور مصطفى محمود (رحمه الله)
-----

الذي يسكن في أعماق الصحراء يشكو مر الشكوى لأنه لا يجد الماء الصالح للشرب. وساكن الزمالك الذي يجد الماء والنور والسخان والتكييف والتليفون والتليفزيون لو استمعت إليه لوجدته يشكو مر الشكوى هو الآخر من سوء الهضم والسكر والضغط، والمليونير ساكن باريس الذي يجد كل ما يحلم به، يشكو الكآبة والخوف من الأماكن المغلقة والوسواس والأرق والقلق. والذي أعطاه الله الصحة والمال والزوجة الجميلة لا يعرف طعم الراحة. و الرجل الناجح المشهور النجم الذي حالفه الحظ في كل شيء وانتصر في كل معركة لم يستطع أن ينتصر على ضعفه وخضوعه للمخدر فأدمن الكوكايين وانتهى إلى الدمار.
والملك الذي يملك الأقدار والمصائر والرقاب تراه عبدا لشهوته خادما لأطماعه ذليلا لنزواته.
وبطل المصارعة أصابه تضخم في القلب نتيجة تضخم في العضلات.

كلنا نخرج من الدنيا بحظوظ متقاربة برغم ما يبدو في الظاهر من بعض الفوارق. وبرغم غنى الأغنياء وفقر الفقراء فمحصولهم النهائي من السعادة والشقاء الدنيوي متقارب. فالله يأخذ بقدر ما يعطي، ويعوض بقدر ما يحرم، وييسر بقدر ما يعسر..
ولو دخل كل منا قلب الآخر لأشفق عليه، ولرأى عدل الموازين الباطنية برغم اختلال الموازين الظاهرية.. و لما شعر بحسد ولا بحقد ولا بزهو ولا بغرور.
إنما هذه القصور والجواهر والحلي واللآلئ مجرد ديكور خارجي من ورق اللعب...وفي داخل القلوب التي ترقد فيها تسكن الحسرات والآهات الملتاعة.
والحاسدون والحاقدون والمغترون والفرحون مخدوعون في الظواهر غافلون عن الحقائق...
و لو أدرك السارق هذا الإدراك لما سرق، ولو أدركه القاتل لما قتل، ولو عرفه الكذاب لما كذب.
ولو علمناه حق العلم لطلبنا الدنيا بعزة الأنفس ولسعينا في العيش بالضمير ولتعاشرنا بالفضيلة فلا غالب في الدنيا ولا مغلوب في الحقيقة والحظوظ كما قلنا متقاربة في باطن الأمر ومحصولنا من الشقاء والسعادة متقارب برغم الفوارق الظاهرة بين الطبقات...
فالعذاب ليس له طبقة وإنما هو قاسم مشترك بين الكل.. يتجرع منه كل واحد كأسا وافية ثم في النهاية تتساوى الكؤوس برغم اختلاف المناظر وتباين الدرجات والهيئات..
وليس اختلاف نفوسنا هو اختلاف سعادة وشقاء وإنما اختلاف مواقف...
فهناك نفس تعلو على شقائها وتتجاوزه وترى فيه الحكمة والعبرة وتلك نفوس مستنيرة ترى العدل والجمال في كل شيء وتحب الخالق في كل أفعاله...
وهناك نفوس تمضغ شقاءها وتجتره وتحوله إلى حقد أسود وحسد أكال... وتلك هي النفوس المظلمة الكافرة بخالقها المتمردة على أفعاله...
وكل نفس تمهد بموقفها لمصيرها النهائي في العالم الآخر.. حيث يكون الشقاء الحقيقي.. أو السعادة الحقيقية...
فأهل الرضا إلى النعيم وأهل الحقد إلى الجحيم...
أما الدنيا فليس فيها نعيم ولا جحيم إلا بحكم الظاهر فقط بينما في الحقيقة تتساوى الكؤوس التي يتجرعها الكل...
...والكل في تعب...
إنما الدنيا امتحان لإبراز المواقف... فما اختلفت النفوس إلا بمواقفها، وما تفاضلت إلا بمواقفها... وليس بالشقاء والنعيم اختلفت، ولا بالحظوظ المتفاوتة تفاضلت، ولا بما يبدو على الوجوه من ضحك وبكاء تنوعت. فذلك هو المسرح الظاهر الخادع. وتلك هي لبسة الديكور والثياب التنكرية التي يرتديها الأبطال حيث يبدو أحدنا ملكا والآخر صعلوكا وحيث يتفاوت أمامنا المتخم والمحروم.
أما وراء الكواليس... أما على مسرح القلوب... أما في كوامن الأسرار... وعلى مسرح الحق والحقيقة...
فلا يوجد ظالم ولا مظلوم، ولا متخم ولا محروم.. و إنما عدل مطلق، واستحقاق نزيه، يجري على سنن ثابتة، لا تختلف،
حيث يمد الله يد السلوى الخفية يحنو بها على المحروم،
وينير بها ضمائر العميان،
ويلاطف أهل المسكنة،
ويؤنس الأيتام والمتوحدين في الخلوات،
ويعوض الصابرين حلاوة في قلوبهم...
ثم يميل بيد القبض والخفض...
فيطمس على بصائر المترفين،
ويوهن قلوب المتخمين،
ويؤرق عيون الظالمين،
ويرهل أبدان المسرفين...
وتلك هي الرياح الخفية المنذرة، التي تهب من الجحيم،
والنسمات المبشرة، التي تأتي من الجنة..
والمقدمات التي تسبق اليوم الموعود.. يوم تنكشف الأستار، وتهتك الحجب، وتفترق المصائر إلى
شقاء حق،
وإلى نعيم حق...
يوم لا تنفع معذرة...
ولا تجدي تذكرة...
وأهل الحكمة في راحة لأنهم أدركوا هذا بعقولهم،
وأهل الله في راحة لأنهم أسلموا إلى الله في ثقة،
وقبلوا ما يجريه عليهم...
ورأوا في أفعاله عدلا مطلقا دون أن يتعبوا عقولهم...
فأراحوا عقولهم أيضا...
فجمعوا لأنفسهم بين الراحتين راحة القلب وراحة العقل، فأثمرت الراحتان راحة ثالثة هي راحة البدن...
بينما شقى أصحاب العقول بمجادلاتهم.
أما أهل الغفلة...
وهم الأغلبية الغالبة...
فمازالوا يقتل بعضهم بعضا من أجل اللقمة والمرأة والدرهم وفدان الأرض،
ثم لا يجمعون شيئا إلا مزيدا من الهموم وأحمالا من الخطايا، وظمأً لا يرتوي... وجوعا لا يشبع...

.فانظر من أي طائفة من هؤلاء أنت؟...
وأغلق عليك بابك وابك على خطيئتك...
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
(رحمه, للدكتور, محمود, مصطفي, لقاء, الله), رائع


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع مقال رائع للدكتور مصطفى محمود (رحمه الله)
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الدكتور مصطفى محمود وقصص حول أثر قوة الإيمان والدعاء في علاج الإنسان Eng.Jordan المسلمون حول العالم 0 08-04-2015 11:30 AM
مصطفى محمود..علم نفس قراني جديد احمد ادريس بحوث و مراجع و دراسات تربوية واجتماعية 4 06-19-2012 04:45 PM
مقال بعنوان الدعوة للأديب مصطفى لطفي المنفلوطي Eng.Jordan أخبار ومختارات أدبية 0 04-19-2012 12:28 PM
الطريق الى النجاح للدكتور ابراهيم الفقى رحمه الله فديو 28 حلقه احمد ادريس الملتقى العام 4 03-30-2012 11:17 PM
الأدارسة (172 - 375هـ) حقائق جديدة للدكتور محمود إسماعيل احمد ادريس كتب ومراجع إلكترونية 0 01-11-2012 08:50 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 12:25 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59