#1  
قديم 12-31-2012, 08:45 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي من أدب الرسائل رسالة دستوفسكي لأخيه بعد حكم الإعدام


ولد دستوفسكي عام 1822ومات في 1881 وكان مريضاً طوال حياته بمرض الصرع ،
أخرج قصته الاولى "المساكين "التي ألفها في عام 1846ووثب بها الى مصاف الأدباء الأفذاذ .
تمتاز قصص دستوفسكي بأن أبطالها يتسمون بالأحساس والذكاء معاً، وجميعهم شواذ مرضى ولكنهم عبقريون ..البطل عنده يحب المرأة البغي ويعبدها، لأنه يعبد آلامها وينغمس في دموعها ويكرع تعاستها وكأنه يبكي في هذا الحب تعاسة الناس وبغاء حياتهم، وجوعهم، فيستنبط معانٍ إنسانية تجعلنا نسموا على أنفسنا. فإن بطل الجريمة والعقاب طالب في الجامعة، يتأمل ويتفلسف ويتساءل ؟لماذا لايقتل العجوز الثرية التي لاتساوي حياتها شيء؟ أليس هو أولى بثروتها ينفقها في الخير ..فيقتلها ثم يعود الى التأمل والفلسفة فيجد شيئاً أكبر من ذكاء العقل ؟ذكاء الإحساس فيسلم نفسة للعقاب، ويشعر براحة رغم حكم النفي .. وأغلب قصصه تتسم بالأحساس الذي يفوق الذكاء .وقد تخلو أغلب قصصه من العقدة ، فهو يهدف الى تناول الواقع والسير به نحو آيات من الفن والشعر ، حيث يرتفع بالواقع الى المثليات فيعطي هذا الواقع دلالة جديدة .كفتاة تبيع عرضها لتنقذ إخوتها من الجوع.. والسكير الذي يتعلق بالدين.. والراهب الذي يحب ولايتزوج.. والأبله الذي يؤمن بالعلم فيقتل ..كل هذا يقع في قصص دستوفسكي ولفرط حنانه وجمال خياله قد يناقض العقل والمنطق.فقصصه تشيع الحنان والرقة في النفوس، وهي جميعاً دعوة إلى الخير وحب الأطفال وحماسة الأمومة ولذة التضحية وأرتفاع عن الحياة المادية. وحياته نفسه كانت مليئة بهذه العواطف ..وثلاثة يمثلون العبقرية البشرية،نابليون الذي يمثل عبقرية الإرادة، وأينشتين الذي يمثل عبقرية الذهن ،ودستوفسكي الذي يمثل عبقرية الإحساس..
والتجربة القاسية التي وقع بها قد أثرت في فنه تأثيراًعميقاً..
ففي عام 1849ألقي القبض عليه في بطرسبورج مع ثلاثين شاباً،بتهمة الأشتراك بجمعية سياسية، وكانت التهمة، أنهم يحتفلون بميلاد الكاتب الفرنسي فورييه ..الذي كان مشهوراً ببرنامج يقترحه لتغيير المجتمع، فهو ينص على تأليف جماعات لاتزيد عن 1600 شخص يعيشون معاً مستقلين متعاونيين مستقلين عن الجماعات الاخرى،وقيل أنهم تآمروا على ترجمة كتاب فورييه هذا،ومما زاد في هذه المؤامرة الخطيرة حينها، أن أحد الحاضرين قرأ خطاباً من أديب يدعى بلنسكي الى القصصي جوجول يوبخه فيه لأنه عاد الى الأيمان بعد الكفر.
وبعد أن ألقى رجالات القيصر القبض عليهم وقضوا سبعة أشهر، حكم عليهم بالإعدام، ثم قضوا شهراً آخر قبل التنفيذ ..وفي يوم التنفيذ ،نصبوا الأعمدة، وألبسوا المتهمين لباس الإعدام وحضر القسيس، ووقف الجنود مع بنادقهم .وربط المتهمون كل الى عامود، وتجهز الجنود لتلقي أوامر إطلاق النار. في هذه اللحظة المروعة جاء حكم القيصر، بأستبدال الحكم من الإعدام الى النفي أربع سنوات لسيبيريا..هذا الأختبارالمؤلم، حين وقف أمام الجنود ينتظر أطلاق النار جعله ينظر للحياة من موقف الموت،وهو موقف جدير بأن يغير النظرة والنبرة للحياة معاً وواضح أنه لم ينسه في كل ماكتب..وإحساس دستوفسكي في جميع قصصه ،إننا نحن بنو البشر كيان واحد تعددت أجزاؤه وأنفصلت ،ولكن انفصالها لم يمنع بينها التراحم والحب والحنان.فكلنا عندئذٍَ،بعد تأمل الموت ،أب، وأم، وأخ لأبناء البشرجميعاً..
وقبل السفر الى سيبيريا كتب دستوفسكي الى شقيقه الخطاب التالي ..إحساساً حياً يرشح بالدم من نفس دوستوفسكي:
قلعة بطرسبورج في 22 ديسمبر 1849
" أخي ******: وصديقي حصل ماحصل ،وحكم علي بالسجن أربع سنوات وبعدها أعود لألتحق بالجيش ..في هذا اليوم نادونا وقرأوا علينا حكم الإعدام .ثم أمرونا أن نلثم الصليب، ونزعوا ملابسنا وألبسونا قمصاناً بيض .وربطوا ثلاثة منا الى عامود ليطلقوا النار عليهم .وكان دوري السادس وكان النداء على ثلاثة كل مرة ..لم يكن عندها باقياً لي من الحياة سوى دقيقة، وقد ذكرتك ايها الاخ أنت، وأولادك، وعرفت مقدار حبي لك، وقد تمكنت من أن أقبل"بلاتسياف ودوروف"..وكانا واقفين بجانبي وودعتهما .وأخيراً نفخ البوق وأُعلن الأمر بالرجوع ،وحل الذين كانوا قد ربطوا بالعامود.وقرأ علينا أمر الأمبراطور بمنحنا حياتنا والحكم علينا بالسجن..
وقد أبلغت أنهم ياأخي ****** سيرسلونني اليوم أو غداً. وقد طلبت رؤيتك فأخبروني أن هذا محال وأن كل مايستطيعونه أن يسمحوا لي بالكتابة إليك. وأنا أخشى أن يكون قد بلغك الحكم علينا بالإعدام ، فقد نظرت من نافذة العربة التي حملتنا الى ساحة الإعدام ورأيت في الطريق جمهوراً كبيراً وخشيت أن يكون من رأوني قد أبلغوك وآلموك بذلك . ولكن الآن يمكن أن تهنأ بشأني ياأخي .
لاتظن أن الحكم قد هدني أوغم علي.. فالحياة في كل مكان هي الحياة. هي بداخلنا وليست فيما هو خارج عنا...وسيكون قريباً مني أناس وسأكون رجلاً بينهم،وأبقى كذلك للأبد، ولن يهن قلبي أوتفشل عزيمتي أمام المصائب.وهذا في إعتقادي هو الحياة أو الواجب في الحياة. وقد حققت ذلك وصار هذا الخاطر جزءاً من لحمي ودمي .أجل فهذا الرأس الذي كان يبتكر ويعيش سمو الحياة الفنية والذي حقق أسمى الحاجات الروحية ،هذا الرأس قد قطع من عاتقي ولم يبق عندي سوى الذكريات والخيالات التي أخترعها ولكنها لم تتجسم في ذاتي بعد ،وأعرف أنها ستمزقني .ولكن مايزال باقياً لي قلبي وهذا اللحم والدم الذي مايزال قادراً على الحب والألم والرغبة.ولاتنس أن هذه هي الحياة.أجل.مازلت أرى الشمس ..
قبل زوجتك وأولادك وأذكرني عندهم كيلا ينسوني فعلنا نلتقي يوماً ما.
أخي أوصيك بالعناية بنفسك وأولادك وأن تعيش في هدوء ويقظة .وأن تفكر في مستقبل أولادك
عش عيشاً إيجابياً إني ماشعرت قط بوفرة الحياة الروحية في شخصي كما أشعر بها الآن وأنا مريض .ولكني لاأبالي بذلك .أخي لقد كابدت من الحياة الشيء الكثير حتى مايكاد شيء يخيفني الآن في العالم فليكن ماهو كائن وسأكتب اليك في أول فرصة وأرجو أن تضغط على أيدي الجميع وتصافح جميع أولئك الذين لم ينسوني. وأكتب خطاباًالى إخوتي وأخواتي وأفعل ذلك باسمي وأدعوا لهم بالسعادة .
"ربما نلتقي ياأخي في المستقبل .لاتهمل العناية بنفسك بل عش وأبق حياً فعلنا نتعانق يوماً ونذكر شبابنا ذلك الوقت الذهبي ،ذلك الشباب وتلك الآمال التي أمزقها الآن من قلبي ودمي كي أدفنها "
"هل يمكن أن أتناول القلم بيدي مرة أخرى؟أظن أني سأعود للكتابة بعد هذه السنوات الأربع وسأرسل لك كل شيء أكتبه إذا أنا كتبت .وارباه ..كم من خيالات عشت فيها , أخترعتها ستموت وتنطفىء في دماغي ،أوتتمزق وتسير في دمي كالسهم أجل .اذا لم يسمح لي بالكتابة فإني سأموت .وخير لي من ذلك أن أسجن خمس عشرعاماً ويكون في يدي قلم .أكتب لي كثيراً وأكتب بالتفصيل والإسهاب وأذكر لي حقائق كثيرة .وفي كل خطاب أكتب لي عن الأسرة مع التفصيل ومع ذكر ألأشياء التافهه .ولاتنس هذا، الخطابات تعيد لي الرجاء والحياة.آه لو تعرف كم أحيتني وأتعستني رسائلك التي وصلتني وأنا في القلعة.. والشهرن والنصف الماضيه حين منعوني من كتابة الرسائل أوتسلمها من أشق ما كابدته وقد كنت مريضاً "
"ولما أهملت أنت إرسال النقود إلي ساورني القلق من أجلك لأني فهمت من عدم إرسالك للنقود إنك في حاجة شديدة .قبل الأطفال مرة أخرى ,فوجوههم الصغيرة لاتغيب عن بالي. ولاتحزن لأجلي وثق إني لم أهن والرجاء لم يهجرني، وبعد أربع سنوات سأعود وأعانقك لقد كنت في قبضة الموت ثلاثة أرباع الساعة وعشت هذه المدة بهذا الخاطر. وبلغت آخر لحظة من الحياة وهاأنا ذا حي مرة أخرى ..
"وإذا كان أحد يتذكرني بسوء ،أوإذا كنت قد تشاجرت مع أحد أوأسأت إليه فأخبره إذا لقيته بأن ينسى الإساءة وليس في نفسي مرارة أونقمة على أحد ،وأود أن أعانق في هذه اللحظة كل واحد من أصدقائي السالفين ،وقد شعرت اليوم بالراحة وأنا أودع أحبابي الأعزاء قبل الموت، وخطر ببالي في هذا الوقت أن خبر إعدامي سيقتلك ولكن إسترح الآن فأنا مازلت حياً
أسأل ماذا تفعل،وبماذا فكرت اليوم ،وهل عرفت شيئاً عنا ، وماهو مقدار البرد اليوم .آه ماأشوقني الى أن يصل خطابي هذا اليك بسرعة.إذا تأخر فاني سأبق أربع أشهر بدون خطاب منك.وقد رأيت الرسائل التي أرسلت فيها النقود لي منذ شهرين وكان عنواني مكتوباً عليها بخطك سررت برؤية الخط.
"عندما التفت الى الماضي وأتذكر مقدار الوقت الذي ضاع عبثاً وكم منه ضاع في الأوهام والكسل والجهل بالعيش،وكيف أني لم أقدرالوقت حق قدره،وكيف جنيت على قلبي وذهني ,أحس أن قلبي يسيل دماً.أجل ان الحياة عطية وهي سعادة وكان من الممكن أن نجعل من كل دقيقة منها عصراً طويلاً من السعادة
"والآن حياتي تتغير وأنا أولد من جديد في شكل آخر .أخي .أقسم لك أني لن أفقد الأمل وسأصون روحي وقلبي في الطهارة ،وميلادي الجديد سيكون الى حال أحسن من حالي الماضية .وهذا كل رجائي وعزائي.
ان حياة السجن قد قتلت في جسمي مطالب اللحم التي لم تكن كلها طاهرة، ولم أكن قبل هذه الحياة أعنى بنفسي كثيراً أما الآن فالحرمان لاقيمة له عندي ولذلك لاتخشى علي من المشاق المادية وتحسب أنها ستقتلني ،لن يحدث هذا..
"وداعاً.وداعاً ياأخي .إني أعانقك بقوة وأقبلك بحرارة ،تذكرني بلا ألم في قلبك، فأرجو أن لاتحزن..وسأخبرك في خطابي الآتي بما يتم لي ..وتذكر عندئذٍ ما أخبرتك به:لاتعش جزافاً دائماً دبر حياتك ورتب حظك وتفكر في أولادك.آه لو أراك اني أنزع نفسي الآن من كل شيء أحببته.وهذا النزاع مؤلم .ومن الموجع أن أقطع نفسي نصفين وأشق قلبي شقين ..وداعاً ولكني سأراك، أنا واعٍ فلاتتغير وأحبني ولاتدع ذاكرتك تبرد..وذكراك ستكون أحسن شيء في حياتي ...ومرة أخرى وداعاً .وداعاً لكم جميعاً..
:لما قبض علي أخذوا مني كتباً عدة ولم يكن بينها سوى كتابين ممنوع تداولهما.فهل لك أن تطلب الباقي لنفسك ،ولكن لي طلباً وهو أن أحد الكتب يحتوي على مؤلفات فاليرمان مايكوف.وهو مقالاته الأنتقادية .وهذه النسخة كنت أخذتها من أوجينيا بتروفنا .وكانت تعدها كنزاً وقد أقرضتها لي ،ولما قبض علي طلبت من الشرطي أن يرد اليها الكتاب وأعطيته عنوانها .ولاأعرف إذا كان قد رده .أسأل عن ذلك ،لأني لاأحب أن أحرمها هذه الذكرى وأخيراً وداعاً
أخوك
ف.دستوفسكي
على الهامش: لاأعرف هل أمشي أم أركب فرساً.وأظن أنهم سيركبون الخيول.ربما.قبل يد أميلي فيدروفنا وقبل الصغار وأذكرني عند كريافسكي .وأكتب لي عنك..
أخوك:
ف.دستوفسكي ...

المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
لأخيه, أدب, الرسائل, الإعدام, بعد, دستوفسكي, حكم, رسالة


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع من أدب الرسائل رسالة دستوفسكي لأخيه بعد حكم الإعدام
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الرسائل الدماغية صابرة الملتقى العام 0 12-24-2015 08:40 AM
الرسائل المغلقة للأخت المطلقة _7_ صابرة البيت السعيد 0 08-14-2015 07:03 AM
افتحي هذه الرسائل من فضلك صابرة الملتقى العام 0 05-05-2015 06:36 AM
الأمانة في الرسائل عبدالناصر محمود شذرات إسلامية 0 02-26-2015 08:21 AM
أدب الرسائل جاسم داود الملتقى العام 0 10-19-2012 11:58 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 11:10 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59