العودة   > >

مقالات وتحليلات مختارة مقالات ..تقارير صحفية .. تحليلات وآراء ، مقابلات صحفية منقولة من مختلف المصادر

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 04-27-2012, 02:16 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي النيوكولونيالية وإعادة صياغة خرائط المنطقة العربية



بقلم: د. إدريس جندا ري*
1- إيديولوجية الانفصال: الورم السرطاني الذي يهدد الجسد العربي
منذ مخطط (سايكس-بيكو) و إلى حدود مخطط (الشرق الأوسط الكبير)؛ عاش العالم العربي بمشرقه و مغربه على إيقاع التقسيم و التمزيق إلى دويلات /قبائل؛ خدمة للمصالح الغربية؛ التي تعمل بمقولة (فرق تسد) .
فبعد أن حكم العرب/المسلمون جغرافية تمتد من آسيا إلى إفريقيا و أوربا؛ أصبحوا الآن يعيشون في جغرافية أصبحت تضيق كل يوم أكثر؛ نتيجة المؤامرات الغربية؛ و كذلك نتيجة الضعف و التراجع العربي المتزايد؛ الذي يشجع هذه المؤامرات؛ و يوفر لها الظروف المواتية لتحقيق النجاح .
و في هذا الإطار تحضر إيديولوجية الانفصال؛ التي أصبحت سرطانا ينخر الجسد العربي؛ حيث تحولت الإثنيات و المذاهب و الأعراق المشكلة للعالم العربي؛ تحولت إلى مشاريع دويلات أنابيب مشوهة الخلقة؛ تخدم الأجندة الغربية في العالم العربي .
فكلما فكر الغرب في تمزيق دولة عربية؛ إلا و زرع فيها بذور الانفصال؛ عبر استغلال التعدد الإثني و العرقي و المذهبي الذي يميز العالم العربي؛ و ذلك عبر تحويل هذا التعدد إلى صراعات و حروب طائفية؛ تأتي على الأخضر و اليابس؛ و تكون سببا في تمزيق الدولة الواحدة القوية إلى دويلات؛ لا يمكنها أن تحيى و تستمر إلا عبر الدعم الغربي؛ الذي له مقابل باهظ الثمن طبعا؛ يكون على حساب السيادة الوطنية .

و إذا قمنا بإطلالة خاطفة على جغرافية العالم العربي من المشرق إلى المغرب؛ فإننا نجد جميع الأقطار العربية تقريبا مهددة بالانفصال؛ إما لاعتبارات إثنية و عرقية؛ أو لاعتبارات دينية و مذهبية ... و كلها اعتبارات؛ بدل أن تكون ثراء؛ تتحول إلى قنابل موقوتة؛ تهدد ببلقنة العالم العربي؛ و تحويله إلى دويلات و قبائل متناحرة؛ تخدم المصالح الغربية؛ طلبا للحماية.
إننا نعيش اليوم بحسرة كبيرة؛ على إيقاع التقسيم الذي يتعرض له السودان الشقيق؛ بدعم أمريكي-أوربي-صهيوني؛ و في نفس الآن خرج علينا أكراد العراق أخيرا ملوحين بخيار الانفصال؛ أما جمهورية مصر العربية التي كنا نتباهى كعرب بوحدتها؛ فإن فيروس الانفصال بدأ يخترق جسدها؛ من خلال الضجة الإعلامية التي أصبح يثيرها المسيحيون الأقباط؛ مستغلين الدعم الغربي المتزايد لأطروحتهم؛ التي أصبحت تعلن عن نفسها بشكل متزايد . أما لبنان فيشكل نموذجا للبلقنة و التقسيم؛ فهو يعيش لعقود على صفيح ساخن؛ و هو مستعد في كل يوم للتحول إلى دويلات؛ تخدم المحاور الدولية و الإقليمية المتصارعة .
و في المغرب العربي؛ أصبحنا نعيش على واقع جديد؛ من خلال التدخل الغربي لدعم الأطروحة الانفصالية الأمازيغية في الجزائر؛ و التي تبلورت أخيرا على شكل حكومة صورية؛ أعلن عنها في فرنسا. أما المملكة المغربية فتعاني من أطروحة الانفصال المدعومة دوليا و إقليميا منذ 1975؛ حيث جسدت جبهة البوليساريو الانفصالية و بشكل جيد؛ الدعوات الاستعمارية الداعمة لتقسيم المغرب؛ لإحكام السيطرة عليه؛ و عرقلة تقدمه و ازدهاره ... و لعل القائمة تطول لتعم جميع أقطار العالم العربي؛ التي أصبحت مهددة بالتقسيم؛ إلى دويلات طوائف؛ تهدد العالم العربي بالانفجار و البلقنة على المدى القريب بله البعيد .
إننا هنا لا نتباكى على ما يجري في عالمنا العربي؛ بل لابد من محاولة فهم ما يجري؛ لتفادي الآثار المدمرة التي يمكن أن تهدد وجودنا في أية لحظة؛ و ذلك من خلال إثارة الانتباه إلى خطورة الموقف العربي الراهن؛ خصوصا في ظل المحاور العربية المتصارعة؛ و التي تلعب بالنار؛ حينما تستثمر في دعم التقسيم و الانفصال؛ خدمة لأجندة سياسوية ضيقة؛ هي في صالح القوى الاستعمارية بالدرجة الأولى .
و لعل أهم ما يجب أن نثير إليه انتباه الشعوب و الحكومات العربية؛ هو أن إيديولوجية الانفصال؛ التي أصبح يسوقها الغرب في بلداننا باعتبارها موضة العصر؛ هذه الإيديولوجية الخطيرة تعتبر البوابة الجديدة التي تعتمدها النيوكولونيالية؛ لفرض السيطرة على العالم العربي؛ و ذلك بهدف استنزاف ثرواته الطبيعية؛ التي يعتبرها الغرب المحرك الأساسي لثورته الصناعية .
لذلك فإن الواجب يفرض علينا أن نظل على تمام الوعي بالمخططات الاستعمارية؛ التي تسعى إلى تحويلنا إلى طوائف و إثنيات و مذاهب متصارعة؛ يغتنم كل مكون منها الفرصة لإعلان انفصال عبثي؛ لا يخدمه كما لا يخدم وطنه الأم؛ بل على العكس من ذلك يكرس الهيمنة الغربية؛ و يفتح المجال لسياسة الابتزاز التي يتقنها الغرب في التعامل معنا .


2- مخطط الشرق الأوسط الكبير : المشاريع الانفصالية القادمة
راج الحديث بإسهاب منذ أحداث الحادي عشر من شتنبر/أيلول 2001؛ عن منطقة الشرق الأوسط؛ التي تم التخطيط لها؛ باعتبارها امتدادا مستقبليا للمحور الأمريكي – الإسرائيلي . و تحقيقا لهذا الرهان؛ تم شن حرب مدمرة على العراق؛ باعتباره الدولة المارقة في المنطقة؛ و تؤكد الأحداث المتوالية على المنطقة أن العراق كان ضحية لهذه السياسة الاستعمارية الجديدة؛ و من خلال احتلال العراق؛ تم تدشين المرحلة الأولى من الأجندة الأمريكية – الإسرائيلية؛ في منطقة الشرق الأوسط .
لقد تم الترويج منذ البداية؛ من طرف صناع القرار الأمريكي – الصهيوني؛ لمفهوم يحمل أبعاد إستراتيجية خطيرة على المنطقة؛ إنه مفهوم الشرق الأوسط الكبير؛ و هو مفهوم أطلقته إدارة الرئيس الأمريكي ( جورج بوش الابن) على منطقة واسعة؛ تضم جميع دول العالم العربي؛ بالإضافة إلى تركيا؛ إسرائيل؛ إيران؛ أفغانستان؛ باكستان. و قد تم الإعلان عن هذا المشروع خلال قمة الدول الثماني في مارس 2004.
و من خلال هذا المشروع فقد تم التأكيد من طرف صناع القرار الأمريكي؛ من المحافظين الجدد؛ على ضرورة التغيير في المنطقة؛ و ذلك عبر تغيير إستراتيجية الحفاظ على الوضع القائم؛ التي كانت معتمدة سابقاً؛ بعد أن بات هذا التغيير؛ وفق الرؤى الأميركية ضرورة ملحة لأمنها القومي ومصالحها الإستراتيجية، وبدعوى الحرب على الإرهاب؛ تحاول الإدارة الأميركية بسط السيطرة على النظام الدولي وقراراته .
لقد كان واضحا منذ البداية؛ أن المحافظين الجدد؛ في تحالفهم مع الصهيونية ؛ يسعون إلى تحقيق مصالحهم المشتركة؛ في السيطرة على ثروات المنطقة؛ و لن يتم ذلك إلا عبر رسم خطط جديدة؛ تقوم على مواجهة كل أنواع المقاومة – سواء تجسدت في جماعات أو دول – و في المقابل محاولة تدجين أنظمة و شعوب المنطقة؛ كي تستجيب للنزوات الأمريكية – الصهيونية .
2-1- رولف بيترز : الانفصال على أساس حدود الدم
و قد قام مشروع الشرق الأوسط الكبير؛ على خطة تشتيت دول المنطقة العربية إلى قطع دومينو؛ يتلاعب بها المحافظون الجدد و الصهاينة؛ لتشكيل بناء هرمي جديد؛ يستجيب لنزعاتهم الاستعمارية. و هذا هو السياق الذي جاء فيه مقال رالف بيترز :
" حدود الدم: ما هو شكل شرق أوسط أفضل؟ " (1)
Blood borders: How a better Middle East would look
و الذي نشر بمجلة القوات المسلحة الأمريكية في عدد يونيو/حزيران 2006 . و السيد بيترز ضابط متقاعد يحمل رتبة مقدم، في الاستخبارات العسكرية الأمريكية؛ وضع مخططا لإعادة تقسيم الشرق الأوسط.
في البداية ينطلق بيتزر من مقدمة أساسية؛ سيبني عليها جميع النتائج التي سيخلص إليها في الأخير؛ و هي أن الحدود التي تفصل بين الدول في العالم ليست عادلة, لكن الحدود الأكثر اعتباطية في العالم –في نظر بيترز- هي تلك التي تشكل الدول الإفريقية و دول الشرق الأوسط؛ تلك الحدود التي رسمها الأوربيون لحماية مصالحهم . و يستعير بيترز مصطلح الحدود غير العادلة من تشرشل؛ ليعبر عن الوضع القائم في الشرق الأوسط؛ و هذا الوضع في اعتباره؛ سيحضر كسبب رئيسي في اندلاع الكثير من المشاكل؛ بين الدول و الشعوب في المنطقة.
و يتوقف بيترز عند مشكل الأقليات؛ في منطقة الشرق الأوسط و ما لحقها من ظلم فادح –في نظره- و ذلك حين تم تقسيم الشرق الأوسط؛ أوائل القرن العشرين (يقصد اتفاقية سايكس بيكو) مشيرا إلى هذه الأقليات "بأنها الجماعات أو الشعوب التي خدعت؛ حين تم التقسيم الأول" ويذكر أهمها: الأكراد، والشيعة العرب و مسيحيي الشرق الأوسط، والبهائيين والإسماعيليين والنقشبنديين. ويرى بيترز أن ثمة كراهية شديدة؛ بين الجماعات الدينية و الإثنية بالمنطقة تجاه بعضها البعض، وأنه لذلك يجب أن يعاد تقسيم الشرق الأوسط؛ انطلاقا من تركيبته السكانية غير المتجانسة؛ القائمة على الأديان والمذاهب والقوميات والأقليات، حتى يعود السلام إليه !!!
و من خلال إثارة بيترز لمشكل الأقليات في المنطقة؛ و التي عانت في اعتباره من التقسيم الفرنسي –البريطاني السابق؛ من خلال إثارة هذا المشكل؛ ينتقل بيترز ليصوغ الحل المناسب لهذا المشكل؛ و يقوم هذا الحل على إعادة تقسيم منطقة الشرق الأوسط؛ على أساس عرقي ديني (حدود الدم) . و هو يقدم هنا نموذجين دالين:
- النموذج الأول يرتبط بإسرائيل؛ الطفل المدلل للاستعمار الأمريكي الجديد؛ و هذا المعيار في التقسيم سيكرس طابع الدولة العرقي و الديني؛ كدولة لليهود (تحطيم معيار الديمقراطية الغربية ) !!!
- النموذج الثاني؛ يرتبط بالأكراد؛ الذين خصص لهم بيترز حيزا مهما من مقاله؛ و هو يتأسف عن غياب دولة كردية مستقلة. فهناك ما بين 27 و 36 مليون كردي يعيشون في المناطق المجاورة في الشرق الأوسط ؛ و حتى الرقم الأدنى يجعل الأكراد؛ المجموعة العرقية الأكبر في العالم من دون دولة خاصة بهم . لكن هل هذا كله من أجل سواد أعين الأكراد؛ أم إن في الأمر غاية أخرى ؟ يجيب بيترز بالمباشر : " إن كردستان حرة؛ تمتد من ديار بكر إلى تبريز؛ ستكون الدولة الأكثر دعما للغرب بين بلغاريا و اليابان " !!!
إن الحدود القائمة على العرق و الدين (حدود الدم)؛ هي الحل الوحيد في نظر بيترز للحفاظ على المصالح الأمريكية في المنطقة؛ حيث يجب توسيع رقعة الدول الداعمة للوجود الأمريكي؛ حتى و لو تطلب الأمر خلق (دول أنابيب ) مشوهة؛ لا تخضع لأبسط شروط الولادة الطبيعية .
من هذا المنظور يقدم بيترز خريطته الجديدة للشرق الأوسط ؛ كما يتصوره؛ فيتحدث بداية؛ عن تقسيم العراق إلى ثلاثة أجزاء، دولة كردية بالشمال، ودولة شيعية بالجنوب، ودولة سنية بالوسط؛ ستختار الانضمام إلى سوريا مع مرور الزمن.
ويصف المقدم المتقاعد السعودية بأنها دولة غير طبيعية، ويقترح أن يقتطع منها كل من مكة والمدينة المنورة؛ حتى تنشأ فيها "دولة إسلامية مقدسة" على رأسها مجلس يترأسه بالتناوب أحد ممثلي الحركات والمدارس الإسلامية الرئيسية، أي أن يكون المجلس نوعا من "فاتيكان إسلامي أعلى".
كما يقترح إضافة الأرض المقتطعة من شمالي السعودية إلى الأردن، وأن تقتطع أرض من جنوبي البلاد كي تضاف إلى اليمن، وأما شرقي البلاد فلن تسلم أيضا من المقص، إذ تقتطع منها حقول النفط لمصلحة دولة شيعية عربية.
أما المملكة الأردنية الهاشمية فستحتفظ بأراضيها؛ وتضاف إليها أرض من شمالي السعودية، كما سيرتبط "مستقبل الضفة الغربية بها".
أما الإمارات فيطلق السيد بيترز عليها اسم "الدولة المدينية" (تشبها بالمدن اليونانية قديما)؛ وقد يُدمج بعضها مع الدولة العربية الشيعية التي تلتف حول الخليج، وستصبح قوة توازن؛ مقابل دولة فارسية لا حليف لها .
أما عُمان والكويت، فتحتفظ كل منهما بأراضيها. ويفترض أن إيران، وفقا لهذا المشروع، ستفقد الكثير من أراضيها لصالح أذربيجان الموحدة، وكردستان الحرة، والدولة الشيعية العربية، وبلوشستان الحرة، لكنها ستكسب أراضي من أفغانستان حول هيرات. ويطرح رالف بيترز تصوره بأن إيران سوف تصبح في النهاية بلدا إثنيا فارسيا من جديد.
ينتهي السيد بيترز إلى أن تعديل الحدود بناء على رغبات الناس قد يكون مستحيلا، لكنه من الممكن أن تنشأ حدود جديدة مع الزمن. فتعديل حدود الشرق الأوسط الأكبر، بناء على روابط الدم الطبيعية والعقيدة الدينية، ضرورة ملحة لحقن الدماء!! ومن هنا مسؤولية الولايات المتحدة وحلفائها!
ويختتم الرجل مخططه بقوله "سيستمر جنودنا، رجالا ونساء، في الحرب من أجل الأمن والسلام ضد الإرهاب، من أجل فرصة نشر الديمقراطية، ومن أجل حرية الوصول إلى منابع النفط بمنطقة مقدر لها أن تحارب نفسها".
و تفوح من هذا المقال الاستراتيجي منذ البداية رائحة سايكس بيكو النتنة؛ حيث تمت شرذمة المنطقة العربية؛ على المقاس الفرنسي البريطاني؛ أوائل القرن العشرين؛ و ذلك لفسح المجال أمام إنشاء كيان غريب؛ تحت الرعاية البريطانية؛ التي جسدها وعد بلفور .
و إذا كان مقص التقسيم في المرحلة الأولى أوربيا؛ يرتبط بمرحلة استعمارية؛ سيطرت خلالها أوربا على قسم كبير من العالم في إفريقيا و آسيا؛ فإن نفس هذا المقص هو الذي ما يزال يواصل وظيفته؛ لكن هذه المرة من منظور استعماري جديد؛ تشرف عليه القوة الاستعمارية الأمريكية . و الهدف الواضح – طبعا – يؤكده السيد بيترز بوضوح تام:
( الوصول إلى منابع النفط ) !!!
و لعل المطلع على هذا المقال الخطير؛ ليفهم بوضوح الإستراتيجية الأمريكية؛ في مشروع الشرق الأوسط الكبير؛ و التي تقوم على تامين مصادر النفط؛ و أي تشويش على هذا الهدف؛ فهو مبرر كاف لقلب جميع التوازنات القائمة في المنطقة. و قد أدى العراق الثمن باهظا؛ حينما حاول التشويش على هذا الهدف؛ حيث تم تدميره على جميع المستويات؛ و من ثمة تحقق الانتقال به؛ من دولة قوية قادرة على عرقلة الخطط الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط؛ إلى دولة تقوم نيابة عن المحافظين الجدد؛ بدعم هذه الخطط؛ و فسح المجال لتطبيقها بنسبة عالية من النجاح .



2-2 - هنري كيسنجر : إعادة صياغة خرائط المنطقة العربية
إن هذه الرؤية الإستراتيجية؛ التي يصوغها السيد رالف بيترز –في الحقيقة – ترتبط براءة اختراعها؛ بوزير الخارجية الأمريكي؛ ورئيس مجلس الأمن القومي الأمريكي السابق ( هنري كيسنجر )؛ الذي وضع مخططا مماثلا لتمزيق الوطن العربي .
و سواء مع رالف بيترز أو مع هنري كيسنجر؛ تحضر إستراتيجية واحدة؛ تقوم على السيطرة على مصادر النفط في المنطقة العربية؛ و لن يتم ذلك إلا عبر اللعب في خرائط المنطقة؛ و إعادة صياغتها على المقاس الأمريكي في كل مرة .
يقوم التصور الخرائطي لمنطقة الشرق الأوسط؛ كما صاغه هنري كيسنجر – كما هي عادة جميع المخططات الأمريكية – على اعتبار أن الدول المشكلة للعالم العربي؛ قطع دومينو؛ يمكن التلاعب بها حسب المصالح الأمريكية-الصهيونية ؛ و كأنها دول فقاقيع؛ لا تمتد جذورها في الأرض التي تنتمي إليها - و هذا مكمن الداء الأمريكي - !!!
من هذا المنظور يعتبر السيد كيسنجر؛ أن العالم العربي؛ يتشكل من أربع وحدات جغرافية متمايزة:
- منطقة الهلال الخصيب ( سوريا؛ العراق؛ لبنان؛ الأردن؛ فلسطين)
- منطقة الخليج العربي ( الإمارات؛ الكويت؛ السعودية؛ البحرين؛ سلطنة عمان)
- منطقة المغرب العربي ( المغرب؛ الجزائر؛ تونس)
- منطقة شمال إفريقيا ( مصر؛ ليبيا؛ السودان )
و تتميز أوضاع هذه المناطق بالاضطراب؛ و بضعف المؤسسات السياسية؛ و بافتقار قياداتها إلى الرؤيا؛ و بفساد أجهزتها الإدارية؛ و بضعف بنيتها الداخلية.
و يعرض كيسنجر لأوضاع بعض دول المنطقة العربية؛ على الشكل التالي:
- سورية: بلد ذو بنية متطرفة؛ لا يمكن ضبطه إلا بحكم عسكري.
- لبنان: بلد هش التركيب؛ قابل للتعدد و الانقسام.
- العراق: بلد ذو ثلاثة أجنحة؛ يعيقه الجناح الثالث عن الانطلاق.
- الكويت: مدينة لا تستطيع أن تستمر و تعيش دون حماية خارجية.
- السعودية: دولة ذات أجساد متعددة و لها رأس واحد.
- مصر: دولة مستعرة الفقر و المشكلات.
- الجزائر: دولة تنفق من رصيد ثورتها القابل و المشرف على النفاذ. (2)
و اعتمادا على هذا التشريح الذي قام به السيد كيسنجر للمنطقة العربية؛ فإنه يفتتح لإستراتيجية جديدة؛ لقلب الأوراق؛ و إعادة تشكيلها على مقاس المصالح الأمريكية-الصهيونية . و كيسنجر هنا لا ينظر للفراغ؛ بل يضع خططا؛ يمكنها أن تستمر؛ حتى بعد مغادرته لمنصب صنع القرار في الإدارة الأمريكية .
و لعل هذا هو ما تم بالضبط؛ حيث أن الإدارة الأمريكية؛ منذ كيسنجر و حتى الآن؛ تحسب أن الشرق الوسط يضم بلدانا يمكن الاستغناء عنها؛ ثمة دول فائضة فيها؛ و حدود دولها غير ثابته – كما ردد ذلك رالف بيترز– فهي تتحرك بتحرك الجماعات العرقية و الدينية؛ التي تقوم عليها فرضية الدويلات؛ التي من شانها تجزئة الدول العربية؛ و تفتيت وحداتها الوطنية .
إن هذا المخطط الكيسنجري هو الذي وجه خطط الإدارة الأمريكية؛ في شراكتها مع الكيان الصهيوني بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر/أيلول . و يمكن التوقف عند مشروعين؛ جسدا هذه الخطط؛ بنسبة كبيرة من النجاح :
- المشروع الأول يدخل في إطار خطة إستراتيجية؛ وضعها وولفوفيتس و ديك تشيني؛ تهدف إلى إعادة رسم خارطتي الشرق الأوسط و أوربا الوسطى؛ و تستند إلى اقتراحات أرييل شارون و شاوول موفاز ؛ و ملخصها هو الآتي:
أ‌- تقسيم العربية السعودية؛ بما يسمح بإقامة دولة أو محمية خاضعة مباشرة؛ لسيطرة شركات النفط الكبرى؛ و على رأسها أرامكو؛ و إقامة دولة تفتقر إلى النفط؛ و إلحاق بعض المناطق باليمن و بالعراق الجديد
ب‌- بعد إطاحة الرئيس صدام حسين يتم ما يلي:
• طرد الفلسطينيين من غرب فلسطين
• جعل إسرائيل دولة يهودية (صافية العرق)
• توطين الفلسطينيين في مناطق عراقية؛ بمن فيهم الفلسطينيون الموجودون في سوريا و لبنان.
• إطاحة النظام السوري؛ و تأسيس دولة سورية مؤيدة للولايات المتحدة.
- أما المشروع الثاني؛ فقد وضعته إدارة بوش-تشيني؛ و هدفه خلق (شريفية جديدة)؛ فالسلالة الهاشمية التي كانت تحكم السعودية و الكويت و اليمن مرشحة لتكوين شريفية جديدة. أي مملكة أردنية؛ تمتد من نهر الأردن إلى الحدود الإيرانية؛ و تضم العراق (مملكة هاشمية - فلسطينية - عراقية)؛ و ينقل الفلسطينيون إليها من غزة. أما الضفة الغربية؛ فتخضع لحكم مشترك من الشريفية الجديدة؛ و من حكومة إسرائيل؛ و لاحقا تلتحق بالمملكة الشريفية؛ كجزء من الاتحاد الكونفدرالي المؤلف؛ من العراق و الأردن و ما تبقى من فلسطين . (3)
سواء مع (هنري كسنجر) أو مع (رالف بيترز)؛ و من خلالهما صناع القرار الأمريكي- الصهيوني؛ حضرت خطة إعادة تقسيم منطقة الشرق الأوسط؛ و إعادة صياغة خرائطها. و هذه الخطة جزء من استراتيجية شاملة؛ تقوم على ربط المنطقة بالمصالح الأمريكية؛ و ما ارتبط منها بموضوع الطاقة على وجه التحديد .
و في إطار إعادة صياغة خرائط المنطقة؛ تم توطين الكيان الصهيوني؛ باعتباره شرطي مرور؛ ينظم حركة السير على إيقاع اتجاه واحد؛ هو الاتجاه الأمريكي. و من هذا المنظور فإن الاستراتيجية الأمريكية- الصهيونية؛ تنحو في اتجاه صناعة خارطة؛ تتشكل من دول (دمى) تحركها حسب مصالحها .
و في هذا السياق بالذات؛ يحضر مشكل الأقليات في المنطقة؛ و التي اعتبرت في جميع خطط التقسيم؛ المدخل الرئيسي لإنجاح أية خطة. فقد تم اللعب طوال مراحل الصراع؛ على هذا الوتر الحساس في المنطقة؛ و تم استغلال الأقليات؛ كورقة ضغط رابحة؛ تمكن صناع القرار الأمريكي – الصهيوني؛ من ربح رهان إعادة الهيكلة على مقاسهم الخاص .
و ضمن هذا التصور حضر الموضوع الكردي؛ في منطقة المشرق العربي كحصان طروادة؛ يركب في كل مرة و يطلق له العنان بلا قيود؛ و في نفس السياق يحضر موضوع الأمازيغ و موضوع الصحراء الغربية في منطقة المغرب العربي؛ و الذي يستغل من طرف القوى الاستعمارية الكبرى لكبح جماح أي تطور يمكن أن يهدد مصالحها.
و هكذا تمتلك السياسة الأمريكية – الصهيونية أوراق رابحة مدعومة من الداخل؛ و هي بذلك تهدد الكثير من دول المنطقة العربية بالبلقنة؛ و ذلك من منطلقات عرقية؛ لم يعد يقبلها الحس الديمقراطي الغربي؛ الذي يدعمها؛ و الذي حسم مع هذا الطرح؛ منذ تشكل دولة المؤسسات؛ التي تضم عرقيات و أديان و مذاهب مختلفة ضمن إطار واحد؛ يحتكم فيه لحقوق وواجبات المواطنة؛ بغض النظر عن الانتماء العرقي أو الديني أو المذهبي . و الكثير من الدول التي تشجع هذا الطرح العرقي؛ تمور داخليا بأعراق و أديان و مذاهب مختلفة؛ اندمجت ضمن التصور الديمقراطي و المؤسساتي للدولة الحديثة .
لكن الأمر مختلف تماما في تصور الشرق الأوسط الكبير؛ الذي يراد له أن يحتكم إلى حدود الدم ( Blood borders) حيث يحضر مشكل الأقليات خارج أي حس ديمقراطي و مؤسساتي؛ و تعلن الدعوة بالصريح و المباشر إلى تشكيل كيانات على أساس العرق و الدين؛ في تناقض صارخ مع جميع القيم السياسية؛ التي تقوم عليها الديمقراطية الغربية؛ التي يتم التبشير بها كخيار استراتيجي في المنطقة .
و هذا يؤكد بالملموس و المباشر؛ أن الهدف الرئيسي؛ الذي يتمحور حوله الصراع؛ يرتبط بالهيمنة و السيطرة ؛ من منظور استعماري قديم؛ يقوم على استغلال الشعوب و الدول في بناء القوة المهيمنة الواحدة . و هذا ما كنا نظن أن قيم العصر الحديث قد قطعت معه؛ لكن المكبوت يعود في كل مرة و يهدد ببروز حركات استعمارية جديدة؛ على شاكلة ما عرفته مرحلة القرن التاسع عشر.
و لذلك يحق لنا أن نتساءل: ما هو الفارق بين مخطط سايكس-بيكو و مخطط الشرق الأوسط الكبير ؟
إن البعد الاستعماري حاضر بقوة في كلا المخططين؛ من منطلق إعادة صياغة خرائط منطقة الشرق الأوسط؛ بهدف المحافظة على مصالح الدول الاستعمارية؛ و جميع الوسائل التي يمكن أن تحقق هذه الغاية مباحة و مشروعة؛ حتى و لو كانت تتناقض مع التصور السياسي؛ الذي أقامه الغرب على أساس الديمقراطية و المواطنة و دولة المؤسسات .
و لذلك فإن هذا الحس الاستعماري؛ يدفع الكثير من الدول التي تدعي حماية و دعم المؤسسات الدولية؛ يدفعها إلى استغلال هذه المؤسسات؛ بما تجسده من قيم كونية؛ في تبرير قيم الحرب و الاستعمار؛ كما يدفعها إلى الدفاع عن نماذج سياسية قديمة –تحاربها داخليا- تقوم على أساس العرق و الدين .
----------
*كاتب و باحث أكاديمي مغربي
ـــــ
الهوامش:
1-Ralf Peters – Blood borders: how a better middle east would look – AFJ (Armed Forces Journal.
2- ساسين عساف – الوحدة العربية في مواجهة المشروع الصهيوني – مجلة المستقبل العربي- فبراير/شباط 2010 – ع: 372- ص: 19
3- نفس المرجع – ص: 20-21 .
--------------------
هذه الدراسة تعبر عن رأي كاتبها
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
المنطقة, العربية, النيوكولونيالية, خرائط, شجاعة, وإعادة


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع النيوكولونيالية وإعادة صياغة خرائط المنطقة العربية
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سقوط شهب على المنطقة العربية عبدالناصر محمود الملتقى العام 0 05-03-2015 06:30 AM
الصمت الأمريكي.. استراتيجية أطاحت بمستقبل المنطقة العربية Eng.Jordan مقالات وتحليلات مختارة 0 04-08-2015 11:19 PM
مرتكزات المشروع المجوسي في المنطقة العربية عبدالناصر محمود مقالات وتحليلات مختارة 0 05-02-2013 12:59 PM
قراءة في الدوافع المشتركة للموجة الثورية في المنطقة العربية Eng.Jordan مقالات وتحليلات مختارة 0 04-30-2013 09:48 AM
إحصائيات الفيس بوك في المنطقة العربية مع نهاية Eng.Jordan مواقع التواصل الاجتماعي 0 01-02-2013 10:47 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 08:52 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59