#1  
قديم 12-31-2012, 07:54 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي كشف النقاب عن التناظر الفائق





ظاهرة غريبة مراوغة جرى تصورها في إطار فيزياء
الجسيمات الأولية، وكشف النقاب عنها في نوى الپلاتين والذهب.
<J. جولي>

التناظر الفائق هو تناظر غير عادي، فهو في فيزياء الجسيمات الأولية يبادل بين جسيمات من أصناف متباينة تمامًا ـ الصنف المسمى فرميونات fermions (مثل الإلكترونات والپروتونات والنيوترونات) وهي التي تشكل العالم المادي، والصنف المسمى بوزونات bosons (مثل الفوتونات) وهي التي تولّد قوى الطبيعة. فالفرميونات بطبيعتها هي الجسيمات الفردانية المحبة للعزلة في عالم الجسيمات الكمومية، إذ لا يشغل فرميونان مطلقا الحالة الكمومية نفسها. وكرهها للرفقة اللصيقة شديد لدرجة تجعل نجما نيوترونيا يقاوم الانهيار حتى عندما يكون الوزن التثاقلي الساحق قد تغلب على كل قوة أخرى من قوى الطبيعة. أما البوزونات فهي، على العكس من ذلك، ودودة محبة للتقليد وتتجمع في حالات متماثلة. وكل بوزون، وهو في حالة معينة، يشجع المزيد من أبناء جنسه على محاكاته. وتشكل البوزونات، في الظروف الصحيحة، جيوشا منظمة من الأنسال clones، مثل الفوتونات في حزمة ليزرية أو الذرات في الهليوم 4 الفائق الميوعة.

ومع ذلك فإن الفرميونات المتحفظة تبدو في مرآة التناظر الفائق، بطريقة ما كأنها *****، شبيهة بالبوزونات الأنيسة، والعكس بالعكس. ويمكن القول مجازا إن ما يجعلك تقارن التفاح بالبرتقال هو تناظر. ضع تفاحة أمام مرآة التناظر الفائق وسوف يظهر شكل انعكاسها وطعمه مثل برتقالة. إن جميع التناظرات العادية في الفيزياء تفتقر إلى مثل هذا *****. وهذه التناظرات يمكن أن تعمل مثل مرايا بيوت التسلية التي تشوه الأخيلة، فتجعل الإلكترونات المألوفة تبدو مثل النيوترينوهات الشبحية مثلا، ولكنها لا يمكنها أبدا أن تبدل الفرميون إلى بوزون. التناظر الفائق وحده هو الذي يفعل ذلك.

نظرة إجمالية إلى: رقصات مع النيوكليونات(**)
تُقسم جميع الجسيمات والحقول في الفيزياء الكمومية إلى نوعين متباينين تماما: الفرميونات والبوزونات. تشمل الفرميونات كلا من الإلكترونات والپروتونات والنيوترونات، وهي التي تشكل المادة. أما البوزونات فتشمل الفوتونات (المسؤولة عن الكهرمغنطيسية) والگلوونات (التي تربط الكواركات بعضها ببعض).
تؤدي التناظرات أدوارا رئيسية في الفيزياء كلها. وتحافظ جميع التناظرات العادية على الفرق بين البوزونات والفرميونات. أما نظريات التناظر الفائق فتحتوي على خواص رياضياتية فعالة تبادل بواسطتها البوزونات بالفرميونات. وقد تكون مثل هذه النظريات حاسمة لفهم فيزياء الجسيمات فهما عميقا، إلا أن التجارب لم تكشف بعد عن التناظر الفائق للجسيمات الأولية.
تشكل كل من الپروتونات والنيوترونات في النوى الذرية أزواجا تسلك سلوك البوزونات المركبة. ولذلك تصنف النوى في أربع طوائف (زوجية-زوجية وزوجية-فردية وفردية-زوجية وفردية-فردية) تبعا لإمكان تزاوج كل من الپروتونات والنيوترونات تزاوجا كاملا. وقد تنبأ الفيزيائيون بأن شكلا ما من التناظر الفائق يجب أن يكوّن علاقة بين أربع نوى من هذه الأنواع مشكلا «مربعا سحريا». وأثبت التجريبيون الآن هذه النبوءة.

تلك هي النظرية على الأقل. وقد درس الفيزيائيون النظريون المختصون بالجسيمات الأولية التناظر الفائق بصورة مكثفة منذ ابتكاره في السبعينات، ويعتقد الكثير منهم أن فيه مفتاح التقدم الكبير التالي في فهمنا للجسيمات والقوى الأساسية. ولكن التجريبيين بحثوا بواسطة مصادماتهم ذات الطاقة العالية عن الجسيمات التي تنبأ بها التناظر الفائق ولكن من دون طائل حتى الآن.

وفي الثمانينات، اقترح النظريون النوويون ما مفاده أن التصادمات الفائقة العنف ليست بالضرورة الطريقة الوحيدة لرؤية التناظر الفائق؛ وتنبؤوا بإمكان وجود شكل آخر من التناظر الفائق في نوى ذرية معينة. وهنا أيضا يربط التناظر بين أشياء متباينة تماما في الفيزياء: بين نوى ذات عدد زوجي من الپروتونات والنيوترونات وأخرى ذات أعداد فردية منها. (ولهذا علاقة بالفرميونات والبوزونات كذلك، لأن جسيما مركبا مكونا من عدد فردي من الفرميونات هو فرميون، في حين يعطي العدد الزوجي بوزونا.)
ولكي نفهم التناظر الفائق النووي بصورة أفضل، لنتخيل قاعة رقص ممتلئة بالراقصين بدلا من النيوكليونات التي تشكل النواة. فحين يكون عدد الراقصين زوجيا يكون لكل واحد منهم رفيق، وتوصف القاعة عندئذ بأنها مملوءة بأزواج من الراقصين. وفي الحالة الفردية هناك شخص إضافي يتخبط دون رفيق. أما في مرآة التناظر الفائق فيبدو هذا الشخص، بصورة سحرية، مثل زوج آخر يرقص بإيقاع مع الآخرين. وبصورة مشابهة فإن النواة ذات العدد الفردي من الپروتونات والنيوترونات والتي تدعى جميعها نيوكليونات، تقابلها نواة تكون فيها جميع النيوكليونات متزاوجة.

وقد رصد التجريبيون مؤخرا شكلا من هذا التناظر غير العادي في نظائر الذهب والپلاتين، حيث تجري الأمور وكأن الپروتونات والنيوترونات مجموعتان منفصلتان من الراقصين ـ مثل طلبة مدرستين تقيمان حفلتيهما الراقصتين في القاعة نفسها. وفي هذا التناظر الفائق النووي ترتبط أربع حالات، بدلا من اثنتين، ببعضها: الحالة التي يكون فيها في كل من المدرستين شاب دون رفيقة (عدد فردي من كل من الپروتونات والنيوترونات) والحالتان اللتان يتحقق فيهما ذلك في واحدة من المدرستين فقط (عدد زوجي من الپروتونات ولكن مع عدد فردي من النيوترونات، أو العكس) والحالة التي يكون فيها لكل فرد رفيقة (عدد زوجي من كل من الپروتونات والنيوترونات).

التناظر SCI2002b18N11-12_H09_002017.jpg
يختلف التفاح والبرتقال، اللذان يضرب المثل باختلاف أحدهما عن الآخر، بقدر ما يختلف نوعا الجسيمات المدعوان فرميونات وبوزونات. ومثلما أنه ليس بإمكان مرآة عادية أن تجعل تفاحة تبدو فيها مثل برتقالة، كذلك ليس بإمكان أي تناظر عادي في الفيزياء أن يحول فرميونا إلى بوزون أو بالعكس. ولإجراء مثل هذه الحيلة يلزم التناظر الفائق، الذي هو طائفة غير عادية من التناظرات التي قد يكمن فيها الحل لفهم الكون فهما عميقا.

إن النواة الذرية منظومة كمومية مذهلة فيها الكثير من الأسرار. وقد كانت دراستها على مر العقود مصدرا مستمرا للمشاهدات غير المتوقعة. ويجب على النظريين أن يستخدموا أدوات متعددة لكي يفهموا جميع جوانب الفيزياء البالغة التعقيد للنوى. وتضيف النتيجة الجديدة التناظر الفائق إلى مجموعة الأدوات هذه ـ وهي تبين أن التناظر الفائق ليس مجرد فضول رياضياتي ولكنه موجود في العالم.

وأبحاث الفيزياء النووية توفر هي الأخرى أدوات لازمة لفهم منظومات كمومية أخرى تتصف بصفات عامة تشبه النوى ـ وهي ما يدعى بمنظومات الأجسام المتعددة المنتهية التي تحوي أي عدد من الجسيمات بدءا من عدد قليل إلى المئات منها. وتتيح الطرائق التجريبية الآن دراسة مثل هذه الأجسام المؤلفة من أعداد صغيرة من الذرات أو الجزيئات. وربما كان التناظر الفائق مهما بالنسبة إلى هذه المجالات من الفيزياء كذلك.

نوى تكتنفها الأسرار(***)
كل شيء مادي في العالم من حولنا مؤلف من ذرات، وهي غمامات من الإلكترونات تحيط بنوى ذرية دقيقة ذات كتل كبيرة. يفهم الفيزيائيون والكيميائيون بصورة جيدة جدا كيف تنتظم الإلكترونات وكيف تنشأ الخواص التي تسود عالمنا المادي من تلك البنى. وتتعلق بعض أكثر التنبؤات دقة في العلم بالتفاصيل الدقيقة لمستويات طاقة الإلكترونات في الذرات. أما النوى الذرية فقد بقيت، على العكس من ذلك، أكثر غموضا بكثير.

ويكمن السبب الأساسي لهذا الاختلاف في طبيعة القوى ذات العلاقة. فالإلكترونات تبقى في مداراتها حول الذرات بفضل القوة الكهرمغنطيسية، وهي ضعيفة نسبيا. أما القوة المهيمنة داخل النوى فهي أقوى بنحو 100 مرة (ومن هنا اسمها: القوة النووية القوية). وحين يتعلق الأمر بقوة شديدة مثل القوة النووية فإن التقنيات النظرية التي تصف بنجاح القوى الضعيفة مثل الكهرمغنطيسية تفشل. يضاف إلى ذلك أن الإلكترونات هي جسيمات أولية عديمة البنية، في حين أن الپروتونات والنيوترونات هي نفسها حزم معقدة من جسيمات تدعى كواركات وگلوونات. والقوة المؤثرة بين هذه النيوكليونات ليست قوة أساسية مباشرة مثل الكهرمغنطيسية التي نعرف معادلاتها معرفة دقيقة، بل هي ناتج معقد من التآثرات بين الكواركات والگلوونات المكوّنة للنيوكليونات.

إن القوة النووية هي قوة جذب قوي في مدى عدد صغير من الفمتومتر (15-10متر) تهبط إلى الصفر أبعد من ذلك. وهذه القوة هي التي ترصّ النيوكليونات قريبا من بعضها بعضا. ويتآثر كل نيوكليون بقوة مع النيوكليونات الأخرى التي تقع داخل المدى. (على العكس من ذلك تقع مدارات الإلكترونات على نحو 000 10 مرة أبعد من تلك.) إن البنية الحاصلة واحدة من أكثر المنظومات الكمومية المعروفة مدعاة للتحدي. وعلى مدى العقود طور الفيزيائيون العديد من النماذج النظرية لمحاولة وصفها [انظر الإطار في الصفحة المقابلة]. بعض هذه النماذج تعامل النواة كقطرة من مائع كمومي يمكنها أن تتذبذب وتهتز بطرق معينة. في حين يحاكي آخرون البنية التي تعمل بصورة جيدة جدا بالنسبة إلى الإلكترونات في مداراتها، بأنها طبقات *****s من المدارات المنفصلة التي تملؤها النيوكليونات تباعا ابتداء من أخفض مستوى طاقة.

تميل النماذج المختلفة لأن تعمل بصورة أفضل بالنسبة إلى طوائف معينة من النوى، وذلك تبعا لعدد النيوكليونات الكلي في النواة وتبعا لمدى امتلاء الطبقات الخارجية بالپروتونات والنيوترونات. ولما كانت الپروتونات والنيوترونات تميل إلى تشكيل أزواج فإن سلوك نواة ما يتوقف بصورة حاسمة على كونها تحوي عددا زوجيا أو فرديا من الپروتونات والنيوترونات [انظر الشكل في الصفحة 70]. وهكذا فإن النوى المسماة زوجية ـ زوجية هي الأبسط، تليها في ذلك الزوجية ـ فردية، ثم الفردية ـ فردية وهي أصعبها كلها.

إن التناظر أداة مهمة وفعالة لتطوير مثل هذه النماذج واستخدامها. ومبادئ التناظر تظهر في الفيزياء كلها، وغالبا بطرق لا يتوقعها المرء. فقانون انحفاظ الطاقة، على سبيل المثال، يمكن أن يُستخرج من مبدأ تناظر يشمل جريان الزمن. وتتمايز طبقات المدارات، للإلكترونات والنيوكليونات على السواء، بخواص تتعلق بالتناظرات، مثل الاندفاع (الزخم) الزاوي angular momentum للجسيمات في المدار، وفيما إذا كان المدار لا يتغير بالانعكاس (وهي خاصية تسمى النّديّة parity). كما أن المعادلات التي تحكم فيزياء الجسيمات الأولية تستند من حيث الأساس إلى التناظرات.

إن إحدى السمات الأساسية للتناظر في الفيزياء الكمومية هي تقسيم الجسيمات إلى بوزونات وفرميونات، ولهذه وتلك حالات كمومية متباينة بصورة أساسية وسلوك مختلف اختلافا كاملا. فالفرميونات تخضع لمبدأ الاستبعاد لپاولي Pauli exclusion principle الذي يقضي بأنه لا يمكن لفرميونين من النوع نفسه أن يكونا في الحالة الكمومية ذاتها في وقت واحد. في حين تفضل البوزونات، على العكس من ذلك، أن تتجمع في حالات متماثلة، وهذا ما تشهد عليه ذرات الهليوم 4 في مائع فائق.

وذرة الهليوم 4 مثال لجسيم مركّب هو بوزون. فهي مؤلفة من ستة فرميونات (پروتونين ونيوترونين وإلكترونين). والنيوكليونات نفسها هي في الحقيقة فرميونات مركبة يحتوي الواحد منها على ثلاثة فرميونات أساسية (كواركات). والقاعدة العامة تقول إن عددا زوجيا من الفرميونات يشكل بوزونا مركبا، في حين يشكل عدد فردي منها فرميونا مركبا. وتقابل التناظرات العادية بالضرورة البوزونات بالبوزونات والفرميونات بالفرميونات. أما التناظر الفائق فإنه يفتح ـ بمقابلته البوزونات بالفرميونات ـ طائفة جديدة من العلاقات المحتملة بين الجسيمات. وكذلك فإن الرياضيات الجديدة لهذه العلاقات تؤدي إلى قوة حاسوبية أعظم لتحليل سلوك منظومة ما أو التنبؤ به.

تناظرات نووية(****)
يؤدي التناظر دورا أساسيا فيما يسمى نموذج البوزونات المتآثرة interacting boson model للنوى، الذي ابتكره في منتصف التسعينات <A. أريما> [من جامعة طوكيو] و<F. إياشيلُّو> [الذي كان حينذاك في جامعة خرونينگن بهولندا] [انظر الإطار في الصفحة المقابلة]. يحلل هذا النموذج النوى كما لو أنها مؤلفة من أزواج پروتونية وأخرى نيوترونية؛ فالأزواج هي البوزونات في هذا النموذج. وقد وجد أريما وإياشيلو ثلاثة أنواع خاصة من النوى الزوجية-زوجية في نموذجهما؛ يرتبط كل منها بتناظر خاص. وكان اثنان من هذه الأصناف وتناظراتهما معروفين من قبل من نموذج القطرة السائلة السابق، وكانا مدروسين تجريبيا لكن الثالث اشتمل على تناظر لم يُشاهد قط في النوى. وفي أواخر السبعينات اكتشف كل من <F .R. كاستن> و<A .J. سيزڤسكي> [كانا حينذاك في مختبر بروكهاڤن الوطني] أن نوى الپلاتين تبدي التناظر الجديد، مما أدى إلى دعم نموذج البوزونات المتآثرة دعما كبيرا. وسرعان ما أصبح واضحا أن نموذج البوزونات المتآثرة يمثل تقريبا جيدا للعديد من النوى.

نماذج نووية(*****)
إن النوى (a)، وهي أكبر كثافة من الماء بمئة ترليون (1014) مرة، هي رزم متراصة جدا من الپروتونات (اللون البرتقالي) ومن النيوترونات (اللون الأزرق). وبسبب قوة وشدة تعقيد القوة النووية الشديدة التي تربط النيوكليونات بعضها ببعض، لجأ الفيزيائيون خلال حقبة طويلة من الزمن إلى نماذج تقريبية لوصف الحالات الكمومية للنوى.
يشبه النموذج الطبقي ***** model (b) إلى حد بعيد وصف الإلكترونات في الذرات. فهو ينظر إلى النواة الذرية كما لو أنها جملة من النيوترونات والپروتونات (النيوكليونات) المتآثرة تآثرا ضعيفا والمحصورة ضمن بئر طاقة كامنة. بإمكان النيوكليونات أن تحتل مدارات مختلفة مشابهة لمدارات الإلكترونات في الذرة، إنما توجد هنا مجموعتان منها ـ إحداهما هي الپروتونات والأخرى هي النيوترونات. والنيوكليونات، شأنها شأن الإلكترونات، هي جسيمات فرميونية ينطبق عليها مبدأ الاستبعاد، فلا يستطيع اثنان منها أن يشغلا المدار ذاته. وتشكل المدارات طبقات، أو مجموعات من المدارات ذات طاقات متماثلة تفصل بينها ثغرات طاقية. وتبدي النوى ذات الطبقة المغلقة (الممتلئة) من الپروتونات أو الطبقة المغلقة من النيوترونات (وبصورة خاصة النوى ذات الطبقتين المغلقتين) استقرارا كبيرا، مثلها في ذلك مثل ذرات الغازات النبيلة ذات الطبقات الإلكترونية الممتلئة.
وبالنسبة إلى النوى ذات العدد الإضافي الصغير من النيوكليونات خارج الطبقة المغلقة (c)، يمكن للمرء أن يهمل إلى حد ما النيوكليونات في الطبقة المغلقة ويركز على العدد القليل الموجود خارج هذه الطبقة. ولكن يجب أخذ التآثرات بين هذه النيوكليونات الخارجية بعين الاعتبار كذلك. وفي النوى الثقيلة، التي لها العديد من النيوكليونات خارج آخر طبقة مغلقة، تصبح الحسابات معقدة لدرجة مستحيلة حتى باستخدام الحواسيب الحديثة.
أما النموذج الجمعي collective، أو نموذج القطرة السائلة (d) فيصلح بالنسبة إلى النوى الثقيلة التي تتألف من نحو 100 نيوكليون أو أكثر. ولا يهتم النموذج بكل نيوكليون على حدة، وإنما ينظر إلى النواة وكأنها قطيرة من سائل كمومي يمكن أن تخضع لمختلف الاهتزازات والدورانات. وتكون خواص النواة محتواة في مظاهر مثل الكثافة والتوتر السطحي للسائل والشحنة الكهربائية المتوزعة فيها. وقد نجح هذا النموذج نجاحا باهرا في وصف طوائف معينة من النوى البعيدة عن نوى الطبقات المغلقة، أي تلك النوى ذات العدد الكبير من النيوكليونات في طبقتها الخارجية.
تأخذ الإثارات في الفيزياء الكمومية، مثل اهتزازات قطيرة، الكثير من مظاهر خواص الجسيمات، ويمكن إذا أن تسلك سلوك الفرميونات أو البوزونات. وحين يطبق النموذج الجمعي على أبسط المنظومات ـ النوى الزوجية-زوجية، التي فيها عدد زوجي من كل من الپروتونات والنيوترونات ـ فإن المكونات الأساسية للنموذج، أي الاهتزازات السطحية، تسلك سلوك البوزونات. أما حين يكون عدد النيوكليونات فرديا فيشغل النيوكليون الأخير مدارا يعتمد على حالة القطيرة وتكون الإثارات فرميونات.
يربط نموذج البوزونات المتآثرة (e) بين نموذج الطبقات ونموذج القطرة السائلة، وذلك بفضل استخدام خاصة التزاوج للقوة النووية [انظر الإطار في الصفحة 70]. ويحلل هذا النموذج النوى الثقيلة الزوجية-زوجية على أنها مجموعات من أزواج النيوكليونات خارج طبقة مغلقة، مثل وصف أناس في حلبة الرقص على أنهم أزواج يتنقلون (بدلا من كونهم أفرادا). وحين يتزاوج نيوكليونان يصبحان مثل بوزون. لكنّ هناك أنواعا مختلفة من الأزواج. ففي التشبيه بالرقص نقول إن هناك أزواجا ترقص رقصة ڤالس بطيئة، في حين تندفع أزواج أخرى في رقصة پولكا سريعة.
التناظر SCI2002b18N11-12_H09_002018.jpg
التناظر SCI2002b18N11-12_H09_002019.jpg

إن التناظرات التي تنبأ بها نموذج البوزونات المتآثرة هي من نوع خاص يعرف بالتناظرات الديناميكية. ويمكن تخيل التناظرات العادية (اللاديناميكية) على أنها تشبه كثيرا التناظرات المألوفة التي نراها حولنا. فلجسم ما تناظر مرآتي، مثلا، إذا ظهر بشكله نفسه حين ينظر إليه في مرآة. فيدك اليسرى هي تقريبا الخيال المرآتي ليدك اليمنى. أما التناظرات الديناميكية فهي، بخلاف ذلك، لا تتعلق بالأجسام ذاتها وإنما بالمعادلات التي تحكم ديناميك الأجسام. ولسوء حظ التجريبيين ليس هناك سوى طائفة محدودة من النوى تستطيع أن تبدي تناظرات ديناميكية.

من الطبيعي أن يحقق نموذج البوزونات المتآثرة أفضل نجاحاته بالنسبة إلى النوى الزوجية-زوجية. أما النوى الفردية-زوجية فلديها دائما نيوكليون منفرد، مثله مثل شخص زائد يتجول وسط أزواج من الراقصين. توصف نواة كهذه في النموذج بواسطة n بوزون، وفرميون واحد هو النيوكليون المنفرد. ويمكن أن تستخدم التناظرات الديناميكية، في بعض الحالات، لتحليل النوى الفردية-زوجية، لكن العملية أكثر تعقيدا بكثير منها في الحالة الزوجية-زوجية. وفي عام 1980 اقترح إياشيلو، وكان قد انتقل وقتهاإلى جامعة ييل، توسيعا جريئا لنموذج البوزونات المتآثرة لوصف النوى الفردية-زوجية بطريقة أكثر إتقانا.

قياس الحالات النووية وتحديد هويتها(******)
التناظر SCI2002b18N11-12_H09_002020.jpg

اقترح إياشيلو استخدام التناظر الفائق لمقارنة النواة ذات n بوزون وفرميون واحد وتلك ذات n+1 بوزون. فلو أن هذا التناظر الفائق الديناميكي كان موجودا في الطبيعة لأظهر نفسه في صورة حالات مثارة لنواة فردية-زوجية وللنواة المجاورة الزوجية-زوجية. وعلى سبيل المثال في حالتي الزرنيخ 75 (33 پروتونا و42 نيوترونا) والسلينيوم 76 (34 پروتونا و42 نيوترونا). تصنف الحالات الكمومية بواسطة أعدادها الكمومية التي ترتب الحالات في مجموعات تبعا لخواصها مثل اندفاعها الزاوي. وباستخدام التناظر الفائق الديناميكي يمكن أن تكفي مجموعة واحدة من الأعداد الكمومية لتصنيف حالات نواتين في مجموعات مرتبطة. ويمكن للمرء أن يبدأ بالحالات الأبسط لنواة السلينيوم 76 الزوجية-زوجية ثم يتنبأ بحالات الزرنيخ 75 (أي يتنبأ بما هي الحالات التي يمكن أن توجد وما هي خواصها مثل اندفاعها الزاوي وطاقتها التقريبية).

خلال الثمانينات جمع التجريبيون بيانات من نوى قادرة على إظهار التناظر الديناميكي ووجدوا مؤشرات على التناظر الفائق، لكنهم لم يتمكنوا من تأكيد فكرة إياشيلو تأكيدا لا لبس فيه، إذ لم يمكن تحديد بنية نواة فردية-زوجية تحديدا كاملا بدءا من النواة الزوجية-زوجية المرافقة.

مربعات سحرية(*******)
في عام 1984 قمت مع كل من <V .P. إيساكر> و<G .L .K. هايد> [وكنا حينذاك في جامعة Ghent ببلجيكا] بالاشتراك مع <A. فرانك> [من جامعة المكسيك] باقتراح توسيع التناظر الفائق لإياشيلو. وكانت الفكرة أن نتعقب أزواج النيوترونات والپروتونات بصورة منفصلة. ويتيح هذا التناظر الفائق الموسع للمرء أن يصف رباعية من النوى في إطار مشترك. وتتألف هذه الرباعية، المسماة مربعا سحريا، من نوى لها العدد الإجمالي نفسه من البوزونات (النيوكليونات المتزاوجة) والفرميونات (النيوكليونات المنفردة). فهي تتألف من نواة زوجية-زوجية ونواتين كل منهما فردية-زوجية ونواة فردية-فردية. والنوى الثقيلة، أي تلك التي تحوي الواحدة منها 100 أو نحو ذلك من النيوكليونات، هي الأجسام الأكثر تعقيدا التي وجدت في دراسة البنية النووية المنخفضة الطاقة. ولكن لو أن هذا التناظر الفائق الديناميكي الجديد كان فاعلا في الطبيعة لاستطاع المرء التنبؤ بطيف الطاقة للنواة الفردية-فردية من الطيوف الأبسط لشريكاتها الثلاث. وقد كان رصد مثل هذا التناظر تجريبيا ذا أهمية ليس بالنسبة إلى الفيزيائيين النووين فحسب وإنما بالنسبة إلى جميع التطبيقات الأخرى للتناظر الفائق في الفيزياء؛ فمع أن النظريين يستخدمون التناظر الفائق استخداما واسعا، إلا أنه يفتقر إلى التحقيق التجريبي.

التناظر الفائق في فيزياء الجسيمات(********)
في النموذج العياري (القياسي) Standard Model لفيزياء الجسيمات، جميع الجسيمات المشكّلة للمادة ـ الكواركات والإلكترونات ـ هي فرميونات، وكذلك شأن الجسيمات الأخرى المتعلقة بها مثل الميون والتاو والنيوترينوهات. وجميع الجسيمات المولّدة للقوى ـ الفوتونات والگلوونات وجسيمات W وZ ـ هي بوزونات. وكذلك شأن الگراڤيتون المفترض وجسيم هيگز.
تشكل التناظرات أساس النموذج العياري. فالإلكترونات والنيوترينوهات الإلكترونية، على سبيل المثال، ترتبط بتناظر واحد يربط أيضا الكواركات «العلوية» بالكواركات «السفلية». ويربط شكل آخر من التناظر نفسه جسيمات Z وW. وجميع الگلوونات مرتبطة بتناظر «لوني» يربط كذلك «الألوان» المختلفة للكواركات. وجميع هذه التناظرات تقابل الفرميونات بالفرميونات والبوزونات بالبوزونات؛ ذلك أن الحالات الكمومية للبوزونات وللفرميونات متباينة جدا بحيث لا يمكن لتناظر عادي أن يربط بينها.
إن الاختلاف الجوهري بين البوزونات والفرميونات هو التالي: إذا استبدل فرميونان متماثلان أحدهما بالآخر في جملة من الفرميونات (بأن نبدل مثلا بين إلكترونين) انقلبت الحالة الكمومية الكلية للجملة (تصور استبدال ذرا ووهاد موجة إحداها بالأخرى). وعلى العكس من ذلك فإن تبديل بوزونين متماثلين أحدهما بالآخر يَدَعُ الحالة الكلية دون تغيير. وقد أدت هذه الخواص إلى مبدأ پاولي في الاستبعاد الذي يحظر على فرميونين شغل الحالة ذاتها، وإلى ميل البوزونات لأن تتجمع مع بعضها في حالة مشتركة، كما هي الحال في الحزم الليزرية وفي كُثافات بوز-آينشتاين.
تصف التناظرات العادية رياضياتٌ تدعى زمر وجبور «لي» groups and Lie algebras (سميت باسم الرياضياتي النرويجي سوفس لي). لا تستطيع جبور «لي» ولا الزمر أن تُدخل أو تلغي الانقلاب الغريب الذي يحدث حين تستبدل الفرميونات أحدها بالآخر، ولذلك فهي لا تستطيع تحويل الفرميونات إلى بوزونات أو العكس. أما التناظر الفائق الذي ابتكر في السبعينات، فيستخدم جبور «لي» المتدرجة أو الجبور الفائقة. ومن حيث الجوهر فإن تحويلات التناظر الفائق تضيف مكوِّنة فرميونية أخرى إلى كل جسيم، وهذه تكفي لاستبدال البوزونات والفرميونات.
ولكي تخضع الجسيمات المعروفة للتناظر الفائق يجب أن يكون لكل منها «شريك فائق» ـ أي يجب أن يكون لكل بوزون نظير فرميوني والعكس بالعكس. لكن ليس للجسيمات المعروفة الخواص المناسبة لكي يكون كل منها شريكا لآخر، ولذلك يُتنبأ بجسيمات جديدة، ويوسّع النموذج العياري ليصبح فائق التناظر. ويطلق على الشريك الفرميوني أسماء مثل: فوتينو photino، گلووينو gluino، وينو Wino، زينو Zino، گراڤيتينو gravitino أو هيگزينو higgsino. أما الشريك البوزوني فيضاف حرف "S" إلى اسمه، مثل: سلكترون selectron، سميون smuon، سنيوترينو sneutrino أو سكوارك squark.. وهكذا. ولم يكتشف بعد أي من هذه الجسيمات.
وللتناظر الفائق للجسيمات الأولية هذا علاقة وثيقة بتناظرات الزمكان (الزمان ـ مكان) التي هي في أساس نظرية آينشتاين النسبية الخاصة. أي إن التناظر الفائق يوسع تلك التناظرات. أما التناظر الفائق للنوى فهو مختلف اختلافا جوهريا لأنه ليست له تلك العلاقة بالزمكان، والشيء المشترك بين هذين التطبيقين للتناظر الفائق في الفيزياء هو أن كليهما يعتمدان على الجبور الفائقة.
التناظر SCI2002b18N11-12_H09_002021.jpg

وكان إثبات هذه الأفكار يحتاج إلى معرفة مفصلة بالنوى الثقيلة الفردية-فردية، وبدأت بعض المجموعات البحثية التجريبية والنظرية بمثل هذه الدراسات في مختلف أنحاء العالم. وقد وجدت بعض الأدلة المحدودة حول التناظر الفائق، لكن ما كانت تبحث عنه مثل هذه التحريات بشدة وهو خريطة مفصلة لحالات الذهب 196، بقي خارج متناول اليد. فهذه النواة، ذات ال79 پروتونا وال117 نيوترونا، تعتبر الاختبار النهائي للتناظر الفائق في الفيزياء النووية وذلك لأسباب ثلاثة: أولا، من المعروف أن منطقتها من النوى (أي التي لها نحو 80 پروتونا ونحو 120 نيوترونا) تظهر تناظرات ديناميكية وتحقق شروطا تقنية أخرى لازمة لوجود التناظر الفائق. وثانيا، إن منطقتها هي الأكثر صعوبة لوصف النوى الفردية-فردية فيها. وأخيرا، في عام 1989، حين استخدمنا التناظر الفائق للتنبؤ بمجموعة كبيرة من حالاتها، لم يكن أي من هذه الحالات معروفا تجريبيا؛ فكانت التجارب حاسمة إما أن تثبت النظرية وإما أن تقتلها.

الكون المتناظر(*********)
التناظر SCI2002b18N11-12_H09_002022.jpg
تكثر في العالم الطبيعي من حولنا التناظرات والتناظرات التقريبية ـ مثل التناظر الثنائي الجانب لمعظم الحيوانات والتناظر الدوراني للشمس والتناظر الخماسي للعديد من أسماك نجوم البحر والتناظرات المتعددة للفواكه والأزهار. ويصبح التناظر شائعا لدرجة يتطلب معها شيئا خارقا مثل ندفة ثلج لتوقظ انتباهنا.
ويتبين أن الكثير من الفيزياء الأساسية يتلخص في كشف النقاب عن أنواع أخرى من التناظرات التي يتسم بها الكون. فنظرية النسبية الخاصة لآينشتاين، مثلا، هي نظرية تناظرات المكان والزمان الخاليين وتحكمها زمرة پوانكاريه Poincaré group [الزمر هي البنى الرياضياتية التي تصف التناظرات]. إن آثارا مثل تقلص الطول وتمدد الزمن، حيث تتفلطح الميقاتيات التي تتحرك بسرعة ويتباطأ سيرها، هي عمليات لزمرة التناظر، مثلها مثل تدوير نظرك في الفضاء، إنما باعتبار الزمن جزءا من «الدوران».
إن فيزياء الجسيمات مملوءة بالتناظرات: وبصورة خاصة فإن القوى الأساسية تمليها تناظرات تدعى تناظرات المعايرة gauge symmetries. يكفي أن تعين زمرة المعايرة وشدة التآثر ليكون سلوك القوة كله قد تحدد عمليا. فالكهرمغنطيسية، مثلا، تتضمن زمرة تناظر معايرة تدعى U 1 ، وهي تناظر دورانات دائرة في مستوي.
إن انحفاظ الشحنة الكهربائية هو نتيجة للتناظر U 1 . وكما برهنت الرياضياتية <E. نوثر> في عام 1915، فأينما ظهر تناظر في الميكانيك وُجد أيضا قانون انحفاظ. إن نظريتها تصلح لكل من الميكانيك الكلاسيكي والكمومي وتفيدنا، على سبيل المثال، بأن قانون انحفاظ الطاقة ينتج من التناظر بالنسبة إلى الانسحاب في الزمن، أي إن الطاقة محفوظة لأن معادلات الحركة بالأمس هي مثل معادلات اليوم. وكذلك فإن انحفاظ الاندفاع (تناظر بالنسبة إلى الانسحاب في الفضاء) وانحفاظ الاندفاع الزاوي (تناظر بالنسبة إلى الدورانات) مشابهان.
وأخيرا انظر إلى تعريف «الجسيم» في نظرية الحقل الكمومي الذي يعود إلى الفيزيائي <E. فيگنر>: الجسيم هو «تمثيل غير قابل للاختزال لزمرة پوانكاريه.» إن هذه الرابطة المباشرة بين التناظر والبنية الأساسية للمادة والقوى هي ما يستدعي أن يكون للإلكترونات وللجسيمات الأخرى مقدار ذاتي من الاندفاع الزاوي يعرف بالسپين. ويقوم السپين مقام عُلاّمة تحدد أي «تمثيل غير قابل للاختزال» هو الجسيم ويتصادف أن يرتبط بدورانات، ومن ثم باندفاع زاوي. هذا وكتلة الجسيم هي أيضا عُلاّمة مرتبطة بتناظر.
وإذا قارنا ندف الثلج بالتناظرات التي تسود الكون بدت لنا هذه الندف عادية تماما.
<P .G. كولينز>، محرر في مجلة ساينتفيك أمريكان

الضالة التجريبية المنشودة(**********)
من أجل دراسة النوى الذرية، يعمد الفيزيائيون إلى قذفها بالنيوترونات أو الفوتونات أو الجسيمات المسرّعة وذلك لإثارتها ورصد كيفية استجابتها ـ فالحالات المثارة غير مستقرة، وسرعان ما تعود النواة إلى حالتها الطاقية الدنيا متدرجة في الهبوط عبر سلسلة من الحالات ومصدرة فوتونات گاما أو أشعة X عالية الطاقة، وهذه يمكن قياسها بدقة.

إن الإشعاع الملاحظ من النوى الفردية-فردية بالغ التعقيد لأن عددا كبيرا من الحالات مأهول، وطاقات الفوتونات هي الفروق بين طاقات الحالات. إن النوى الزوجية-زوجية والزوجية-فردية أبسط لأن عدد مثل هذه الحالات فيها أقل عند الطاقات المنخفضة. ويضيف نظير الذهب 196 تحديا آخر لأنه نشيط إشعاعيا ويضمحل في نحو أسبوع، ويتم ذلك في معظم الأحيان بواسطة أسر إلكترون والتحول إلى الپلاتين 196، مما يوجب على التجريبيين إنتاجه بصورة مستمرة بواسطة قذف نظير مستقر بجسيمات مسرّعة مثل الپروتونات.

تبين أنه يصعب كثيرا استنتاج بنية الذهب 196 من مثل هذه القياسات لدرجة أن بعض الفرق العاملة تخلت عن مسعاها. حتى إن إحدى الفرق وجدت أن البيانات التجريبية يجب أن تعني أن التناظر الفائق الديناميكي أصابه الخلل. وفي لحظة اليأس تلك في منتصف التسعينات قام تعاون جديد يجمع بين مجموعتي في جامعة فريبورگ بسويسرا ومجموعتي <C. گونتر> في جامعة بون و<G. گراو> في جامعة ميونيخ. وفيما بعد ساهمت كذلك مجموعة كاستن في ييل. وقد خططنا للقيام بمحاولة أخيرة لدراسة الذهب 196 باستخدام مطيافية داخل الحزمة in-beam spectroscopy التي تقيس الإشعاع الذي تصدره أيونات الذهب 196 المنتَجة داخل حزمة جسيمات. لقد استخدمنا ثلاثة أجهزة: سيكلوترون فيليپس التابع لمعهد پول شيرر في سويسرا وسيكلوترون بون والمسرّع WSNL Tandem في ييل.

أجرت مجموعة گراو تجربة «ترحيل» تممت نتائج مطيافية داخل الحزمة وحلت معضلة أساسية كانت السبب في الصعوبات التي أحبطت الجهود السابقة. ففي تجربة الترحيل تقصف القذيفة النواة الهدف وتأخذ معها أحد نيوكليوناتها مخلِّفة وراءها نواة وليدة في حالة مثارة [انظر الشكل في الصفحة 70]. ونحن نحدد هوية الجسيم المأخوذ ونقيس طاقته. وحين نجري الموازنة نجد أن طاقة الإثارة للنواة الوليدة «مفقودة». فبهذه الطريقة تنتج تجارب الترحيل بيانات تختلف عن تلك التي تعطيها مطيافية داخل الحزمة، فهي تحدد مباشرة طاقة الحالات المثارة لنواة ما بدلا من العدد الأكبر بكثير من فروق الطاقة بين الحالات. إضافة إلى ذلك يمكننا أن نحصل على معلومات حول الاندفاعات الزاوية للحالات المثارة بواسطة استخدام حزم من قذائف مستقطبة ودراسة كيفية تطاير نواتج التصادم.

لدراسة مستويات طاقة الذهب 196 المتقاربة جدا استخدمنا أحدث ما تم التوصل إليه من أجهزة يوفرها مقياس الطيف المغنطيسي Q3D التابع لمختبر المسرّع في ميونيخ. وحين قام <A. ميتس> ومعاونوه في جامعة ميونيخ بتحليل تجارب الترحيل وجدوا أن الحالة الأساسية للذهب 196 ثنائية doublet ـ أي تتضمن مستويي طاقة متقاربين جدا. لقد كان هذا الاكتشاف حاسما لحل المسائل التي كانت تقابلنا سابقا لدى تحليل حالات النواة. كما أظهرت هذه التجارب بصورة مباشرة طاقات معظم الحالات المثارة. وهكذا أصبح بالإمكان، بعد هذا كله، استخدام بيانات داخل الحزمة لتحديد السپين والندّية لكل حالة مثارة.

اتفقت النتائج اتفاقا جيدا مع التنبؤات النظرية المبنية على التناظر الفائق الديناميكي [انظر الشكل في الصفحة 70]. فقد أمكن تصنيف حالات النوى الأربع كلها في مجموعة مشتركة من الأعداد الكمومية الفائقة التناظر، كما أن عبارة رياضياتية واحدة ذات وسطاء قليلة توافق مستويات الطاقة توافقا جيدا لدرجة معقولة. إن إمكانية حدوث ذلك بالنسبة إلى إحدى أكثر النوى الذرية تعقيدا لهو إثبات قوي للتناظر الفائق، لكنه يضع كذلك تحديا جديدا أمام النظريين. بإمكان المرء أن يدرس الذهب 196 كحالة فردية لأجسام كمومية عديدة متآثرة. وعلى النظريين أن يشرحوا، طبقا لنظرية الأجسام الكمومية العديدة، لماذا تكون إثارات الذهب 196 محكومة بالتناظر الفائق الديناميكي. هناك عدة مجموعات بحثية تعالج هذه المسألة معالجة مكثفة.

توجد الفرميونات المتزاوجة ـ التي تسلك سلوك البوزونات ـ في عدة حقول مختلفة في الفيزياء بما في ذلك الموصلية الفائقة. وقد يكون التناظر الفائق الديناميكي مثل ذلك الذي يرى في النوى الذرية، مفيدا في تلك الحقول أيضا. إلا أن هناك شيئا واحدا مؤكدا: إن التناظرات ـ «فائقة» كانت أو عادية ـ سوف تستمر في قيادة الرقص في الفيزياء الكمومية.

المؤلف
Jan Jolie
بدأ جولي حياته العملية فيزيائيا نظريا بعد أن حصل على الدكتوراه في الفيزياء النظرية من جامعة Ghent في بلجيكا عام 1986. وبعد أن أمضى خمس سنوات في معهد لُو-لانجفان بمدينة گرونوبل بفرنسا حوّل اهتمامه إلى العمل التجريبي حين قبل عام 1992 منصبا في جامعة فريبورگ بسويسرا. وإضافة إلى إجرائه التجارب المذكورة في هذه المقالة عمل في تطبيقات أكثر صلة بالواقع مثل التصوير الطبقي بأشعة گاما وبالنيوترونات وبناء مصادر لأشعة گاما قابلة للتوليف. وهو يرأس الآن معهد الفيزياء النووية في جامعة كولون بألمانيا. وقد قُلّد عام 2000 جائزة Yale University's Leigh Page تقديرا لأعماله حول التناظرات الديناميكية والتناظرات الفائقة في النوى الذرية.
مراجع للاستزادة
The Interacting Boson-Fermion Model. F. lachello and P. Van Isacker. Cambridge University Press, 1991.
Supersymmetry Stands the Test. Piet Van Isacker in Physics World, Vol. 12, No. 10, pages 19-24; October 1999. http://physics***.org/article/world/12/10/3
Nuclear Structure of 196Au: More Evidence for Its Supersymmetric De******ion. J. Groger et al. in Physical Review C, Vol. 62, No. 6, pages 64304-64329; 2000.
Supersymmetry in Nuclei. F. lachello in Nuclear Physics News, Vol. 10, No. 2, pages 12-15; 2000.
Scientific American, July 2002

UNCOVERING SUPERSYMMETRY(*)
Overview/ Dances with Nucleons(**)
Mysterious Nuclei(***)
Nuclear Symmetries(****)
Nuclear Models(*****)
Measuring and Identifying Nuclear States(******)
Magic Squares(*******)
Supersymmetry in Particle Physics(********)
The Symmetric Universe(*********)
The Experimental Quest(**********)

المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
التناظر, الفائق, النقاب, كشف


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع كشف النقاب عن التناظر الفائق
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حبس مسلمة بسبب النقاب عبدالناصر محمود المسلمون حول العالم 0 12-23-2015 07:38 AM
ترامب يسخر من النقاب عبدالناصر محمود المسلمون حول العالم 0 10-30-2015 07:32 AM
حظر ارتداء النقاب بالكونغو عبدالناصر محمود المسلمون حول العالم 0 05-05-2015 06:48 AM
تداعيات حظر النقاب بفرنسا عبدالناصر محمود مقالات وتحليلات مختارة 0 07-06-2014 05:30 AM
إتش تي سي تكشف النقاب عن هاتفها الجديد عبدالناصر محمود علوم وتكنولوجيا 0 06-21-2013 06:33 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 09:18 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59