#1  
قديم 01-29-2012, 09:13 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,419
افتراضي الفعلية في العربية


الفعلية في العربية

المرجع في المرفقات

د . عبد الوهاب حسن حمد
المقدمة
الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم والصلاة والسلام على حبيب الحقمحمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.
وبعد،فان موضوع هذا البحث موضوع مهم في الدراسات اللغوية والنحوية،فانه يبحث في دلالة الفعل وهو موضوع جدير بالبحث وبذل الجهد،أن نظرية العامل ومتاهات المنطق والفلسفة قد مدت بظلالها الكثيف على الدراسات النحوية فغفلت عن تلك اللمحات النادرة في الأسلوب العربي ومراميه وغطت درره وكوامن جماله وفتنته فأضحت هذه الدراسات تدور مع المنطق حيث دار تاركة البحث في أسرار الاختيار والتأليف في التراكيب العربية وما يعنيه السياق وطريقة الكلام إلاما جاء هنا وهناك موزعا في بطون الكتب من المخزون العربي الثر، فجزى الله أصحاب تلك الثمرات المباركة عن العربية كل خير ونحن عيال عليهم ولولاهم لضاع الكثير من كنوز لغتنا الخالدة التي شرفها الله فانزل بها كتابه المجيد وقد استعمل القرآن الفعل بكل انواعه وبجميع لواحقه وسوابقه وازمنته استعمالا فريدا معجزا فكان باعثا على البحث في درره التي لا تنفد ومعاني الفعلية لا تقتصر على الفعل بصيغه المعروفة، وانما تتجاوزها الى المصادر والصفات، لانهاتعمل عمل افعالها، وفيها مادة الفعل، وهي الحدث الذي يطلب فاعلا ومفعولا ومحلا وعلة، لذلك اتسع ميدان البحث لاستخراج معاني الفعلية ومزاياها. يقع البحث في أربعة مباحث تناولت في المبحث الأول معنى الفعل في العربية وأهميته وفي المبحث الثاني الزمن في العربية وفي الثالث الصيغ الزمنية في العربية واستعمالاتها، وفي الرابع أحكام الفعل الدائم، أن هذا البحث محاولة متواضعة أولية للسير في هذا الطريق المضني وحسبي منه لفت النظر إلىأمراحسبه مهما في الدراسات اللغوية والنحوية.
وقل ربِ زدني علما إنه سميع مجيب الدعاء .




المبحث الأول
معنـى الفعـل في العربـية
الفعل لغة (( عبارة عما وجد في حال كان قبلها مقدورا سواء كان عن سبب أولا ))([1])، إن تركيب الفعل يدل على إحداث شيء من العمل وغيره، وهذا يدل على أن الفعل أعم من العمل([2])،يقال : فلان يعمل الطين خزفا،ويعمل الخوص زنبيلاً،والأديم سقاءاً ولا يقال : يفعل ذلك، لأن فعل ذلك الشيء هو إيجاده في حال كان قبلها مقدورا والعمل : إيجاد الأثر في الشيء([3]) لذلك قال الجرجاني : ( قيل الفعل كون الشيء مؤثرا في غيره كالقاطع ما دام قاطعاً )([4])فقدم له بـ ( قيل ) لضعفه،لأنإيجاد الأثر للعمل وليس للفعل قال تعالى (( والله خلقكم وما تعملون – الصافات69)) أي خلقكم وخلق ما تؤثرون فيه بنحتكم إياه أو صوغكم له([5])، وهو (( نفس الحدث الذي يحدثه الفاعل من قيام أو قعود أو نحوهما ))([6])،لأنه يدل على الفعل الحقيقي، ألاترى أنك إذا قلت ( ضرب ) دل على نفس الضرب الذي هو الفعل في الحقيقة،فلما دل عليه سمي به،لأنهم يسمون الشيء بالشيء إذا كان منه سبب،وهو كثير في كلامهم([7]) .
والفعل اصطلاحا : (( كلمة تدل على معنى مختص بزمان دلالة الإفادة ))([8])، أو ما دل على معنى في نفسه مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة([9])، وقيل ما دل على حدث وزمان حاضر أو مستقبل نحو قام يقوم،وقعد يقعد وما أشبه ذلك([10])، يلاحظ اضطراب موقف ابن هشام في تقسيم الفعل فتارة يأخذ برأي البصريين القائل بتقسيم الفعل على ثلاثة : ماضي ومضارع وأمر وتارة يأخذ برأي الكوفيين، القائل بتقسيم الفعل على قسمين ( ماضٍ، ومضارع ) وان الأمر مضارع دخلت عليه لام الأمر فجزمته ثم حذفت حذفا مستمراً وتبعتها حروف المضارعةويرجح قول الكوفيين بقوله : (( وبقولهم أقول، لأن الأمرمعنى حقه أن يؤدى بالحرف، ولأنه أخو النهي، ولأن الفعل إنما وضع لتقييد الحدث بالزمن، وكونه امرا أو خبرا خارج عن مقصوده، ولانهم قد نطقوا بذلك الأصل ))([11])،كما انه غفل عن القسم الثالث للفعل عند الكوفيين حيث جعلوا اسم الفاعل أو اسم المفعول قسما ثالثا من أقسام الفعل واصطلحوا على تسميته بالفعل الدائم([12]) وسيأتي تفصيل القول فيه والحقيقة أن ما ذكر من حدود للفعل قد أوجدت بونا شاسعا بين اللغة العربية،كما نطق بها أصحابها ومن ثم نزل بها الذكر الحكيم (( إنا أنزلناه قرآنيا عربيا لعلكم تعقلون – يوسف 2)) و(( بلسانعربي مبين – الشعراء195))، وكما دونت بها آدابهم وعلومهم وأفكارهم وبين النحو العربي الذي كان تعبيرا لقوالب الفكر المتأثر بالمنطق والفلسفة فليست العربية قاصرة في الدلالة الزمنية على كلمتي ( ماض ) و( مستقبل ) ،كما ذهب إلى ذلك ( وليم رايتW. Right )([13]) أو ( إن الزمان ليس شيئا أصيلا، وإن اقتران الفعل العربي به حديث النشأة،بعد أن وجدت صيغة ( فَعُلَ ) المتطورة عن صيغة ( فَعِلٌ ) وهي الصيغة التي يسمونها Prmonsive أو الفعل الدائم في تعبير الكوفيين ، والتي يعدونها اقدم من الفعل الماضي )([14])، كما ذهب الدكتور المخزومي حيث استنتج أن العربية ( إذا أرادت التعبير عن الفعل الماضي المطلق، والماضي التام والماضي غير التام، لم تجد من الأبنية إلا بناء ( فَعَل ) للتعبير عما لا يعبر عنه في الإنكليزية إلا بعدة صيغ، وإذا أرادت التعبيرعن المستقبل باختلاف مجالاته الزمنية لم تجد الا بناء (( يفعل )) للتعبير عن الحاضر والمستقبلْ )([15]) وهذا يعني أن العربية قد اهملت المجالات الزمنية التي يتضمنها الزمن الواحد كالماضي مثلاً، ولم يكن لديها من الأبنية ما تعبر به عن تلك المجالات ويقرر أيضا([16]) أن مثال ( فاعل ) لا دلالة له على زمان معين إذا لم يوصل بصلة من مضاف إليه أو مفعول ويوافقه الدكتور السامرائي([17])على رأيه ويقول : (( وقول السيد المخزومي السابق صحيح وهذا وهم من المستشرقين ومن تبعهم من العرب المحدثين وسيأتي تفصيل القول في الدلالات الزمنية للفعل واشير إلى أن رايت ( wright ) نفسه قد تنبه إلى مسألة الاستعمال في اللغة بعيدا عن تقسيم النحاة لصيغ الفعل حسب زمانه – حين لاحظ أن ( قد فعل ) تدل على وقوع الحدث قبل قليل من زمان التكلم([18]) , ورأي الاستاذين لا يجعل للقرائن الحالية أي وزن ولا يعتدان إلا بالقرائن المقالية، كما أن الدكتور السامرائي اختار امثلته بحيث يغلب عليها أن تكون مجرد صفات واغفل ما يمكن عده دالاً على الحدث والزمان ومستحقا لأنيوصل بالمتعلقات([19])،فليست صيغة ( فَعَل ) وحدها تدل على الزمن الماضي، بل قد لا تدل عليه أو قد تكون الدلالة مطلقة عامة فيحددها السياق وكذا صيغة ( يفعل ) و ( افعل ) و ( فاعل )، لأن الزمن الصرفي غير الزمن النحوي الذي يتعين من مجرى السياق، إن تعيين الزمن بدلالة اللفظ عليه بوضعه له وتقسيم الفعل على الأزمنة الثلاثة رأي بدأه سيبويه([20])، وتبعه النحاة([21])وبخاصة البصريين حيث قال : ( واما الفعل فأمثلة اخذت من لفظ احداث الأسماء،وبنيت لما مضى،ولما يكون ولم يقع، وما هو كائن لم ينقطع )([22]) ويقول في موضع آخر : ( ويتعدى إلى الزمان، نحو قولك ذهب، لانه بني لما مضى منه وما لم يمضِ، فإذا قال سيذهب، فانه دليل على أنه يكون فيما يستقبل من الزمان، ففيه بيان ما مضى وما لم يمض منه، كما أن فيه استدلالا على وقوع الحدث )([23]). ويثير حده هذا جملة قضايا :
الأولى : اصل الاشتقاق ودلالة الفعل على الحدث .
والثانية : الزمان وتخصيص كل صيغة به والثالثة : التقسيم الثلاثي للفعل.
اما الأولى فهي مسألة خلافية ولم يقطع فيها برأي مثلها مثل اصل اللغة أهي توقيف أم اصطلاح؟ ثم إن للفعل الواحد ولا سيما الثلاثي مصادر متعددة فمن أي المصادر أخذ؟ وذلك كالفعل لقي – مثلا – فمن مصادره لقىً ولقاء ولقيان ولقيْ([24]). وقد أختص القرآن الكريم قسما من المصادر بمعنى معين كالصوم والصيام فقد اختص كلمة ( الصوم ) بمعنىالصمت قال تعالى (( إني نذرت للرحمن صوما فلن اكلم اليوم انسيا – مريم 260)) ولم ترد كلمة الصوم في القرآن في غير هذا الموطن وكانها لما كانت بمعنى الصمت جيء بها على وزنه وخصها الله به، واما ( الصيام ) فقد وردت في تسعة مواطن من القرآن كلها بمعنى العبادة المعروفة([25])،واما دلالة الفعل على الحدث فهناك أفعال تخلو من الحدث وهي الأفعال الناقصة والأفعال الجامدة كليس ونعم وبئس، واما الزمان فدلالة الفعل عليه ليست بالصيغة وحدها ولا بمادته وانما بمقتضى السياق، ثم أن هناك أفعالا لا يراد بها الوصف ولا التحديد الزمني، كما سيأتي ؛ واما التقسيم الثلاثي ففيه عموم واطلاق وتخصيصه أو تحديده متوقف على مجرى السياق وطريقة تأليف الكلام، كما أن الماضي ليس قسيما للمضارع ولا المضارع قسيما للأمر من حيث الدلالة([26]). وقد رفضت مدرسة الكوفة أن يكون فعلالأمرقسما مستقلا بذاته، لأن دلالة الامر فيه عائدة الى اللام المحذوفة تخفيفا، وهي لام الأمر : ( واما صيغته فمن لفظ المضارع ينزع منه حرف المضارعة )([27])، وقال الفراء إن القسم الثالث هو اسم الفاعل العامل([28])، وزاد ابن جني على ( الحدث ) و( الزمان ) الدلالة على الفاعل، لأنكل واحد من الأفعال يحتاج إلى الفاعل حاجة واحدة،وهو استقلاله به،وانتسابه إليه،وحدوثه عنه،أو كونه بمنزلة الحداث عنه …ألاترى إلى الفعل ( قام ) ودلالة لفظه علىمصدره،ودلالة بنائه على زمانه،ودلالة معناه على فاعله ؟([29]).

دلالة الفــعل
قال اللغويون : الاسم كلمة تدل على معنى من غير اختصاص بزمان([30])، وهو يفيد الثبوت، والفعل يفيد التجدد والحدوث،لأن موضوع الاسم على أن يثبت به المعنى للشيء من غير أن يقتضي تجدده شيئا بعد شيء وأما الفعل فموضوعه على انه يقتضي تجدد المعنى المثبت به شيئا بعد شيء فإذا قلت : زيد منطلق فقد اثبت الانطلاق فعلا له من غير أن تجعله يتجدد ويحدث منه شيئا فشيئا بل يكون المعنى فيه كالمعنى في قولك زيد طويل وعمرو قصير فكما لا يقصد ههنا إلى أنتجعل الطول أو القصر يتجدد ويحدث بل توجبهما وتثبتهما فقط بوجودهما على الإطلاق كذلك لا تتعرض في قولك : زيد منطلق،لاكثر من إثباته لزيد وأما الفعل فانه يقصد فيه إلى ذلك فإذا قلت : زيد ها هو ذا منطلق فقد زعمت أن الانطلاق يقع منه جزءاً فجزءاً وجعلته يزاوله ويزجَّيه([31])، لأن الاسم له دلالة على الحقيقة دون زمانها، فإذا قلت زيد منطلق لم يفد إلاإسناد الانطلاق إلى زيد،واما الفعل فله دلالة على الحقيقة وزمانها فإذا قلت انطلق زيد أفاد ثبوت الانطلاق في زمان معين لزيد وكل ما كان زمانيا فهو متغير والتغير مشعر بالتجدد فاذن الاخبار بالفعل بفيد وراء اصل الثبوت كون الثابت في التجدد والاسم لا يقتضي ذلك. ويشبه أن يكون الاسم في صحة الأخبار به اعم وان كان الفعل فيه اكمل واتم،لأنالأخبار بالفعل مقتصر على الزمانيات أو ما يقدر فيه ذلك والأخبار بالاسم لا يقتضي ذلك )([32])، وبذلك كان الاسم دالا على الثبوت والفعل دالا على الحدوث والتجدد قال تعالى (( سواء عليكم ادعوتموهم أم انتم صامتون – الاعراف 193)) ففرق بين طرفي التسوية فقال ( ادعوتموهم ) بالفعل ثم قال : " أم انتم صامتون " بالاسم ولم يسوِ بينهما قال الزمخشري : ( فان قلت : هلا قيل أم صمتم ولم وضعت الجملة الاسمية موضع الفعلية ؟ قلت لانهم كانوا إذا حزبهم أمر دعوا الله دون اصنامهم فكانت حالهم المستمرة أن يكونوا صامتين عن دعوتهم فقيل إذ دعوتهم لم تفترق الحال بين احداثكم دعاءهم وبين ما انتم عليه من عادة صمتكم عن دعائهم )([33])، وذلك أن الحال الثابتة للإنسان هي الصمت وانما يتكلم لسبب يعرض له فلو رأيت إنسانا يكلم نفسه لا تهمته في عقله،فالكلام طارئ يحدثه الإنسان لسبب يعرض له ولذا لم يسو بينهما بل جاء للدلالة على الحال الثابتة بالاسم ( صامتون ) وجاء للدلالة على الحالة الطارئة بالفعل ( دعوتموهم ) أي أأحدثتم لهم دعاءً أم بقيتم على حالكم من الصمت([34])، وقال تعالى (( اولم يروا إلى الطير فوقهم صافاتٍ ويقبضن – الملك 19)) فقد فرق بين ( صافات ) و( يقبضن ) فلم يقل : صافات وقابضات أو يصففن ويقبضن، وذلك (( لأن الأصل في الطيران هو صف الأجنحة،لأنالطيران في الهواء كالسباحة في الماء والأصل في السباحة مدّ الأطراف وبسطها واما القبض فطارئ على البسط للاستظهار به على التحرك فجيء بما هو طارئ غير اصل بلفظ الفعل على معنى انهن صافات ويكون منهن القبض تارة بعد تارة، كما يكون من السابح ))([35])، نخرج من ذلك بان الفعل عبارة عن حركة الفاعل أو الحدث وهذه الحركة متأتية من حيث كونه يدل على الحدوثوالتجدد وبناءاً عليها بتبيين السبب في عمل الفعل ،لان الفعل ايجاد الاثر في الشيء والفعل مقيد بزمن في حين أن الاسم غير مقيد بزمن من الأزمنة فهو اشمل وأعم واثبت (( ولكون الاسم دالا على الثبوت كان الوصف بالاسم أقوى من الوصف بالفعل فقولك ( هو مطلع )اثبت واقوى من قولك ( هو يطلع )،و( هو متعلم ) اثبت من قولك ( هو يتعلم ) و( هو جواد ) اثبت من قولك ( هو يجود ) ))([36])، قال تعالى (( هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام – الذاريات 24-25))، فقد جعل السلام الأول بالنصب والثاني بالرفع ففرق بين الاثنين ولم يسو بينهما، وذلك ( لأن إبراهيم عليه السلام اراد أن يرد عليهم بالاحسن،فأتى بالجملة الاسمية فانها أدل على الدوام والاستمرار،لأنالفعل لابد فيه من الانباء عن التجدد والحدوث فلما قالوا : سلاما قال : سلام عليكم مستمر دائم )([37])، فسلام مصدر ساد مسد الفعل مستغنى به عنه واصله نسلم عليكم سلاما واما سلام فمعدول به إلى الرفع على الابتداء وخبره محذوف معناه عليكم سلام، لان الرفع دليل النسبة الى المحدث، ولا يكون إلا ثابتا معروفا، لانه لا يصح النسبة الى الفعل، لانه وصف للدلالة على ثبات السلام كأنه قصد أن يحييهم بأحسن مما حيوه به آخذا بأدب الله تعالى([38])وعلى هذا فالفعل كلمة أنبأت عن حركة صادرة عن المسمى وهو الفاعل أو الحدث وهذا الانباء ناشئ من صيغته ومادته وهو المصدر وهذا بخلاف ما ذهب إليه الأصوليون حيث قالوا : ( فالفعل كلمة تنبئ عن ( حركة ) صادرة عن المسمى وهذا الأنباء ناشئ من صيغة الفعل لا من مادته )([39])، فقد أنبأ المصدر ( سلاما ) عن حركة الفاعل، لانه بتقدير فعل أي نسلم سلاما. وقال الدكتور مصطفى جمال الدين : (( ويبدو لي أن ربط الفعل بـ ( حركة الحدث ) اقرب إلى المدلول اللغوي لكلمة ( الفعل )، كما أن ( حركة الحدث ) اقرب إلى معنى ( التجدد والحدوث ) الذي يمتاز به الفعل الاصطلاحي عن المصدر والاسماء المشتقة ))([40])، فالفعل هو حركة المسمى أو الانباء عنه وليست الصيغة المجردة،لأنالمصدر والاسماء المشتقة قد تنبيء عن حركة الحدث،لأنفيها رائحة الفعل ونتيجة لهذه الحركة كان الفعل اكثر تأثيرا في غيره، وقد عده النحاة اقوى العوامل فهو يعمل متقدما، كما يعمل متأخرا ويعمل مذكورا، كما يعمل محذوفا([41]) ولكونه اقوى العوامل فقد عملت بعض الاسماء لتضمنها معناه كاسم الفاعل واسم المفعول وعملت بعض الحروف، لانها اشبهته من حيث المعنى واللفظ كالحروف التي تنصب الاسم وترفع الخبر وهي ( إن، أن، ولكن، وليت، ولعل )([42])،كما أنه أحد الأركان الرئيسة التي يقوم عليها بناء الجملة وهو أيضا أحد الاقسام المهمة التي يقوم عليها الكلام،لانه يدل على معنى، وهو الحدث أو المصدر أو اسم الفعل والفعل مشتق منه ويتضمن الدلالة على الفاعل وحركته المتمثلة بدلالته على الزمن العام أو المطلق ويتخصص بالزوائد واللواحق والسوابق والتضعيف علاوة على الحركات. فاحرف المضارعة تنقله من التحقيق والوقوع في الماضي الى المتصور في الحال والاستقبال، وتغيير البنية بالضبط يحوله من المعلوم الى المجهول، واحرف الزيادة والتضعيف في الثلاثي المجرد الذي على وزن ( فَعَلَ ) و( فَعِلَ )، و(فَعُلَ ) تدل على معاني الدخول في الزمان والمكان. مثل اصبح وامسى واصحر، وللدلالة على وجود الشيء على صفة معينة نحو ابخلته أي وجدته بخيلا، وللدلالة على السلب نحو احصد الزرع أي استحق الحصاد ولدلالة على الكثرة نحو اشجر المكان أي كثر شجره وللدلالة على الصيرورة نحو اورقت الشجرة أي صارت ذات ورق، اما معاني التضعيف فتدل على التكثير والمبالغة نحو: طوّف اذا اكثر الطواف والتعدية نحو فرّحته وخرّجته، وللدلالة على التوجه نحو شرّق وغرّب اذا توجه شرقا وغربا وللدلالة على النسبة نحو كذّبته اذا نسبته الى الكذب وللدلالة على السلب نحو قشّرت الفاكهة اذا ازلت قشرتها وللدلالة على اختصار الحكاية نحو كبّر وهلّل اذا قال الله اكبر ولا إله إلا الله وللصيرورة نحو قوّس وحجّر اذا صار مثل القوس والحجر وكذلك تكون الدلالات لرباعي ( فاعَل ) والخماسي ( انفعل ) و( افتعل ) و( تفاعل ) و( تفعّل ) و( افعلّ ) والسداسي ( استفعل ) و( افعوعل ) و( افعال ) و( افعوّل ) ولمزيد الرباعي ( تفعلل ) و( افعتّلل ) و( افعللّ )، اما السوابق واللواحق فتحدد زمنه مع القرائن الحالية والاجتماعية والتأريخية والدينية وغير ذلك.
والتضمين يعير معنى الفعل الظاهر بدليل تغير التعدية ، وبالتالي تتغير دلالته الزمنية ، نحو قوله تعالى (( وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة – البقرة 55 )) ، فقد تعدى
( نؤمن ) بالام ، لانه تضمن معنى الانقياد ، لا الايمان هو التصديق بالقلب ، اما اللسان فيتعدى اللام ، والاول يتعدى بالباء . وفي قوله تعالى ((
الم نر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤوهم أزّا – مريم 83 )) ، تضمن ( أرسلنا ) معنى سلطانا ، ولذلك تعدى بعلى . وفي قوله تعالى (( وزوجناهم بجور عين – الطور 20 )) ، تضن (زوجناهم ) معنى قرناهم ، لذلك تعدى بالياء .

الزمن في العربية
ربط الكثير من النحاة الزمن بالأفعال غير أن الزمن يلحظ في غيرها من نحو اسم الفاعل واسم المفعول والمصدر واسماء الأفعال والصفة المشبهة في تراكيب بعينها، كما انهم قسموا الفعل بحسب حركات الفلك لا بحسب مراد المتكلم ومجرى السياق (( ولما كانت الأفعال مساوقة للزمان والزمان من مقومات الأفعال توجد عند وجوده وتنعدم عند عدمه انقسمت بأقسام الزمان ولما كان الزمان ثلاثة ماضٍ وحاضر ومستقبل وذلك من قبل أن الأزمنة حركات الفلك فمنها حركة مضت ومنها حركة لم تاتِ بعد ومنها حركة تفصل بين الماضية والآتية كانت الأفعال كذلك ماضٍ ومستقبل وحاضر ))([43]) وهذا يعني انهم اعتمدوا الزمان الفلسفي أساسا لتقسيم الفعل، وهو تقسيم عام يفتقر إلى الدقة فحقيقة استعمالات العرب غير ما ذكروا في حين أن تقسيمهم لا يستند على النحو بوصفه علما قائما على دراسة التراكيب المتآلفة في الأساليب المختلفة حسب اختلاف المقامات والأحوال ودواعي المتكلمين ومرادهم بل جاء موافقا لفلسفة المنطق وفيه متاهات لا يمكن الخروج منهاإلابنتائج ظنية لا تخدم النحو في شيء، لأنهم خلطوا بين منهجين مختلفين هما المنهج النحوي والمنهج الفلسفي في تفسيرهم لمعنى ( الزمن )، وقد فرق المحدثون بين الزمن والزمان وعندهم : أن الزمن تعبير لغوي والزمان مقياس فلسفي، أي انهما ليسا مترادفين،لأنالثاني لا علاقة له بالحدث والكلمات المستعملة لإفادة الزمان المجرد لا تحمل مدلولا على الحدث في صيغه وامثلتها : أمس – اليوم – غداً – البارحة – الضحى – الليل – العصر – الصبح – المساء([44]) وهذا يؤكد ماذهب إليه اللغويون في قولهم : (( إن كل اسمين يجريان على معنى من المعاني وعين من الأعيان في لغة واحدة فان كل واحد منهما يقتضي خلاف ما يقتضيه الآخر، وإلا لكان الثاني فضلا لا يحتاج إليه ))([45])، لقد اتهم بعضهم([46]) اللغة العربية بالعقم، لأن وضعية الفعل فيها وضعية ضعف : أشكال الفعل العربي قليلة جدا إذا ما قورنت بعدد أشكال الفعل في اللغات الأخرى، الفعل في اللغة العربية، لا يتعدى شكلين أساسين، الماضي والمضارع أما الأمر فانما هو صورة من المضارع تدل على معنى خاص .
قال المستشرق زيجس بلاشير : (( إن تصريف الفعل العربي فقير إذا ما قورن مثلا بتصريف الفعل في اللغات الهندية الاوربية،وينبغي أن نلاحظ،أولا،إن لمفهوم الزمان وضعا غير متين ))([47])، لا يخفى على كل ذي حجا ما في هذا الرأي من ضعف،لانه لم يقم على استقراء صحيح لأساليب العربية وخصائصها المميزة وشرع المستشرق برجشتراسر يبين تلك الخصائص بقوله : (( ومما يزيدها – أي العربية – تمييزاً عن سائرها – ويعني اللغات السامية – تخصيص معاني أبنية الفعل وتنويعها،وذلك بواسطتين إحداهما : اقترانها بالأدوات،نحو ( قد فعل ) و ( قد يفعل ) و ( سيفعل ) وفي النفي ( لا افعل ) بخلاف ( ما فعل ) و ( لن يفعل )بخلاف : ( لا يفعل ) و ( ما يفعل ). والاخرى : تقديم فعل ( كان ) على اختلاف صيغه، نحو ( كان قد فعل ) و( كان يفعل ) و( سيكون قد فعل ) إلى آخر ذلك،فكل هذا ينوع معاني الفعل،تنويعا اكثر بكثير مما يوجد في أية لفة كانت،من اللغات السامية ))([48])، وإن سياق الكلام هو الذي يحدد نوعية الزمن المقصود من صيغة الفعل فقد تكون الصيغة الفعلية مهيأة، لأن تكون زمنا متى دخلت التركيب أما وهي صيغة مجردة فهي مجرد كلمة لا يصح أن ينسب إليها زمنا ماإلاعلى المجال التحليلي،كما تنسب معنى الظرفية للحرف ( في ) وهو منعزل عن السياق وذلك،لأنالزمان وظيفة للسياق والسياق معناه ملاحظة وظائف الكلمات واللغوي يهتم بالكلام وبصيغه([49])، لان النحو : هو القصد إلى أساليب العرب في الكلام([50])، وهو منهج علمي لدراسة العلاقات بين الأبواب النحوية[51] وعند استقراء الأساليب العربية استقراءاً سليما يتوضح أن كل فعل قد لا يقتصر على الزمان الذي حدده النحاة بل قد يتعداه بحسب ما يتطلب السياق، وقد لفت المحققون من العلماء انظار الدارسين الى قيمة العلاقات في النظم ودعوا الى استنباط اللمحات النادرة في الدلالات وغلى الأخذ بالاختيار والتأليف في الكلم وذلك (( أن لا نظم في الكلم ولا ترتيب حتى يعلق بعضها ببعض ويبنى بعضها على بعض وتجعل هذه بسبب من تلك ))([52])، وواضح أن الترتيب بين الكلمات في السياق هو أساس التماسك فيما بينها،وهو مبني على المعنى الذي يدور حول وظيفة الكلمة في التراكيب وعلى هذا فالزمن النحوي ليس هو دلالة الصيغة وحدها وانما راجع إلى السياق،وما تدل عليه الصيغة ليسإلااتجاها شكليا لا وظيفياً (( والزمن النحوي خير مثل لخروج اللغة عن دائرة المنطق ))([53]) وهذا ما ذهب إليه المحدثون فقد تناولوا الفعل من حيث ما يؤديه من وظائف لغوية في أثناء الجملة إذ أنه يدل على الاحداث وعلى أزمانها، ثم هو احد مقومات الجملة المهمة ولا سيما الجملة الفعلية إذ منه يستمد الاسناد، وهو اكثر اقسام الكلام شيوعا في العربية([54])، فالفعل كلمة قد تدل على الحدث، لأن منه ما لا يدل عليه، وانما يختص بالزمن كافعال الكينونة والمقاربات وقد لا يدل على زمن بعينه بل يدل على العموم الزمني ويحتاج إلى سوابق ولواحق وزوائد للتخصيص ولا يشترط وقوعه في أحد الأزمنة الثلاثة، لأنذلك يخرجه من المنهج النحوي الذي يهتم بوضع الكلمة في التركيب، فالزمن النحوي إذاً وظيفة تؤديها الصيغة في اثناء الجمل وسياق الكلام، وتحدده احوال وظروف المتكلم والمخاطب، فالافعال تدل على الحدث من حيث الاشتقاق وعلى الزمن المطلق من حيث صيغها الصرفية .

المصدر: ملتقى شذرات

الملفات المرفقة
نوع الملف: doc الفعلية في العربية.doc‏ (611.5 كيلوبايت, المشاهدات 9)
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
العربية, الفعلية


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الفعلية في العربية
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الجامعة العربية ترفض أي تعديلات على المبادرة العربية للسلام عبدالناصر محمود أخبار عربية وعالمية 0 06-05-2016 06:13 AM
المملكة العربية السعودية ستمثل مجموعة الدول العربية في أعلى هيئة تنفيذية في الأمم المتحدة لمدة عامين Eng.Jordan أخبار عربية وعالمية 0 10-16-2013 09:45 PM
أسلوب التعلّم عند دارسي اللغة العربية: طلاب كلية اللغة العربية في جامعة الإنسانية بقدح نموذجاً Eng.Jordan بحوث و مراجع و دراسات تربوية واجتماعية 0 06-16-2013 10:09 AM
دور جامعة الدول العربية في دعم وتعزيز حقوق المرأة العربية Eng.Jordan بحوث ودراسات منوعة 0 07-01-2012 01:36 PM
الشخصية العربية الاسلامية في الأدبيات المعادية للأمة العربية محمد خطاب الكاتب محمد خطاب ( فلسطين) 0 01-24-2012 08:25 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 02:50 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59