#1  
قديم 01-25-2012, 12:20 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,410
افتراضي الحسبة في النظام الإسلامي


الحسبة في النظام الإسلامي: أصولها الشرعية وتطبيقاتها العملية
رسالة ماجستير
للأخ الأستاذ إدريس محمد عثمان



البحث كاملاً في المرفقات

المقدمـــة
الحمد لله الذي أنزل الكتاب على عبده ورسوله بالقسط ولم يجعل له عوجا ،والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المجاهدين محمد e الذي صدع بالحق فبلغ الرسالة ،وأدى الأمانة صابرا محتسبا ابتغاء مرضاة الله تعالى فصل اللهم وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن سلك طريقه في الدعوة إلى الله تعالى على بصيرة وهدي القرآن الكريم ونهج النبوة القويم .
أما بعد ،
فإنّ موضوع الحسبة في النظام الإسلامي مرتبط بأهمّ القضايا الجوهرية المتعلقة بإصلاح العمق الاجتماعي في عقيدته وأخلاقه وسلوكه ، و في عموم نظم حياته ،وهو موضوع خطير، والبحث فيه شائق وفيه متعة ،كما قال أحد الباحثين،شائق لأنّه يمتّ بصلة إلى التاريخ الإسلامي في تلك الحقبة من عصور الإسلام الزاهرة ويدلي برحم وشيجة ترتبط بحكمة التشريع الإسلامي ، وتؤكد شرعة التعاون والتناصر بين بني الإنسان الذين ورثوا آدم خليفة الله في أرضه ليستمتع بما آتاه الله من فضله ، في المدى الذي قدر لبقاء العالم في تلك الحياة الدنيا .[1]
والسر في تشريع الحسبة في الإسلام أنّ الناس لا تتم مصالحهم إلاّ بالاجتماع والتعاون على *** المنافع ودفع المضار ،وأنهم محتاجون دائما إلى نظام يسيرون على هديه وسلطة تحرص على تحقيق هذا النظام في حياة المجتمع ،لأن " كل بني آدم لا تتم مصلحتهم لا في الدنيا ولا في الآخرة إلاّ بالاجتماع والتعاون والتناصر ؛ فالتعاون على *** منافعهم ، والتناصر لدفع مضارهم ؛ فإذا اجتمعوا فلابد لهم من أمور يفعلونها يجتلبون بها المصلحة وأمور يجتنبونها لما فيها من مفسدة ويكونون مطيعين للآمر بتلك المقاصد ، والناهي عن تلك المفاسد … وإذا كان لابد من طاعة آمر وناهٍ ، فمعلوم أن دخول المرء في طاعة الله ورسوله خير له ، وهو الرسول النبي الأمي المكتوب في التوراة والإنجيل ، الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث وذلك هو الواجب على جميع خلق الله تعالى "[2]
فالحسبة في الإسلام مبنية على أصل من أصول الإسلام العظيمة وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي وصف الله به المسلمين بقوله : ] كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ {[3]
وقد اهتمّ به سلف الأمة قولا وعملا ، فحقق الله الفتح على أيديهم ، ونشروا دعوة الحق في تلك البقاع الواسعة من العالم وتحقق لهم ما وعد الله به المؤمنين في قوله تعالى:] وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {[4]
ولكن لمّا استهانت الأمة بهذه الفريضة تقهقرت عن ركب الحضارة والتقدم في نظمها وقوانينها التي استحدثتها من النظم الوضعية التي تقوم على أسس وأصول استغنت عن الحسبة وأصولها ، وجعلت السلطة كلها نابعة من السلطة الوضعية المطلقة .فترتب على ذلك كله أنّ صار احترام القوانين وقوتها في نفسية الفرد المسلم والمجتمع المسلم عائد إلى أنها صادرة عن الدولة فحسب ولها قوة الإلزام البشري ،ولا بحث وراء ذلك عن العدالة والحق والبحث عن القيم الإسلامية السامية .أمّا الوضع في الإسلام فإن الأساس الذي يرتكز عليه النظام الإسلامي كله ـ في جميع نواحيه ـ هو الإيمان بالله تعالى وهو يقوم على العمل بما أنزل الله تعالى من نصوص الكتاب والسنة وتحري المصالح والمقاصد الشرعية التي يدور الاجتهاد في إطارها.

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمفهوم الشامل تكليف ومسؤولية جماعية وفرض عين بقدر الوسع،ورقابة على حسن تنزيل القيم الإسلامية وبسطها على الواقع وهي نوع من منهج التقويم الدائم والمراجعة المستمرة والتسديد لكل خطوة نحو المفهوم الصحيح للمبادئ الإسلامية ،فهي المنهج الذي يوقظ روح الأمة ، ويضمن استمرارها ويحول دون خرابها وانقراضها بتسترها على الخطأ، وفي ذلك ما فيه من شيوع الظلم والانحراف.

فقد جاءت الشريعة الغراء بأحكام تحفظ مصالح الإنسانية كلها : من دين ونفس وعقل ونسل ومال وكل أحكام الشريعة في هذا الخصوص إنما هي أوامر ونواه للحفاظ على هذه الكليات الأصول المجمع على حمايتها في جميع الشرائع، والحسبة إنما شرعت في النظام الإسلامي للتحقق من تطبيق هذه الأوامر واجتناب النواهي في السلوك والمعاملات الاجتماعية.

ورسالة الإسلام تستهدف في إصلاحها ما يشمل العقيدة والشريعة والأخلاق وذلك بتوجه الفرد والمجتمع إلى الإيمان والعمل الصالح ، وبذلك ينتشر المعروف وينحسر المنكر ،ويندثر الظلم والبغي والعدوان والفساد في الأرض لتتحقق غاية الحسبة وهي غاية عالمية خالدة ،وهي في بعدها الإيماني ليست آنية يتوقف وجودها وإقرارها على وجود نظام بعينه. وهي في النظام تهدف إلى حفظ مقاصد الشريعة التي تشمل الضروريات والحاجيات والتحسينيات ، وبهذا شملت رسالة الإسلام الحياة الروحية والمادية الفردية والجماعية ،ورسمت من الأصول ، والقواعد ، والضوابط ، ما هو كفيل بحل المشكلات المتجددة في الحياة الإنسانية بأصولها الثابتة وقواعدها المرنة ومناهجها المتعددة الوسائل في تحقيق المقاصد ودرء المفاسد .

وقد شرع الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أجل حماية مقاصد الشريعة في الخلق ،فجعله تارة أمراً كفائيا ،وتارة عينيا حتى لا يشق على عباده ، وعلى هذا النهج التشريعي الموافق للفطرة الإنسانية السليمة سار النبي e في تطبيق قواعد الشريعة وآدابها ، ثم سار على نهجها الصحابة رضوان الله عليهم وتبعهم على منوالهم التابعون ، ومن بعدهم إلى عصرنا الحاضر حتى تبقى خاصية الخيرة التي وصفت بها هذه الأمة في قوله تعالى : ] كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ[[5] ،وما تمت هذه الفضيلة للأمة إلا بعد تحقيق الصفات المذكورة في الآية كما قال سيدنا عمر t في حجة حجها فرأى من الناس منكرا فقرأ الآية السابقة ثم قال:" من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها"[6]

وقد أمر الله تعالى بالقيام بواجب الاحتساب بصيغة الوجوب على الأمة لما يترتب عليه من حفظ مقاصد الشريعة وغاياتها ، فقال تعالى: ]وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[[7]، وقال النبي e "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الأِيمَانِ."[8]

ومن ثمّ اتفقت كلمة المجتهدين من السلف والخلف على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسبة لله تعالى بلا خلاف من أحد منهم.[9] فتطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة ، وهو أيضا من النصيحة التي هي الدين ."[10]

وقد كان لدعاة الإسلام أساليب ومناهج متعددة ،في بيان فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولكنهم يجتمعون في دائرة الإقتداء،والاقتباس من منهج الرسول الكريم e فجعل الله تعالى لجهودهم ثمارا أصبحت من الكنوز التي تفخر بها هذه الأمة في الحسبة والاحتساب ،وفي الدعوة إلى الإيمان بوحدانية الله عزّ وجل وهو الغاية والقضية الأساسية الكبرى التي تقوم عليها كل قواعد الشريعة ونظمها ، فكان أوّل ما اعتنى به الرسول e والمؤمنون دعوة الناس إلى الخير الذي أراده الله للناس كافة ،} وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ {[11]وهذا المقصد لا يتم كماله إلا بتطبيق أصول الإسلام وفروعه على واقع الحياة ، وكما يقول الإمام الغزالي ـ رحمه الله ـ "إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين وهو الأمر المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين ، ولو طوي بساطه وأهمل عمله ، لتعطلت النبوة ، واضمحلت الديانة وعمت الفترة ، وفشت الضلالة ، وشاعت الجهالة واستشرى الفساد واتسع الخرق ، وخربت البلاد ، وهلك العباد ، ولم يشعروا بالهلاك إلاّ يوم التناد."[12]
وواقع الأمة الإسلامية خير شاهد على انحراف أغلب المسلمين عن الدين الحق وانتشار المنكرات حتى جاهر بالمعاصي العصاة ،بل أصبحت الفضيلة عند بعض الناس أمرا مستغربا ، وأصبح الآمر بالمعروف يستهزأ به في بعض المجتمعات، وغاب مفهوم الحسبة عن أذهان الأجيال التي تربت على تشريعات النظم الوضعية التي لا تعير اهتماما لما هو حق لله تعالى ،وبهذا غابت الحقيقة القرآنيّة المركزيّة التي تؤكّد قوّة العلاقة القائمة بين أصول الإسلام وتشريعاته وبين مقاصده وغاياته ،كما في قوله تعالى : } الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ{[13]وهذا الأصل يدل دلالة واضحة على الهدف والغاية عند تمكين الأمة من حفظ شعائر الله وحدوده ومقاومة الشر والفساد ، باعتباره واجب منوط بالدولة.

وممّا لاشكّ فيه أنّ المصطفى e كان أوّل من عمل بمفهوم هذه الآيات ودعا الصحابة رضوان الله عليهم ، والناس جميعاً إلى كلّ ما ينضوي تحت أهدافها الجزئيّة والكليّة وهي كثيرة لا حصر لها في حياة الفرد والمجتمع والأمّة وسيأتي التمثيل لها في ثنايا البحث.


§ أهمية الموضوع وأسباب اختياره :-

إنّ أهمية موضوع الحسبة تكمن في كونها أصلا شرعيا من أصول الإسلام الذي تتعدد أهدافه وغاياته في النظام الإسلامي وفق مقتضيات الأحوال والأزمان، ومن ثمّ برز ت في النظام الإسلامي كأحد أهمّ تطبيقات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وعرفت بذلك عند أغلب الفقهاء، واعتبرت الحسبة في النظام الإسلامي ولاية دينية واجبة يقوم ولي الأمر ـ الحاكم ـ بمقتضاها يتم تعيين من يتولى مهمة الأمر بالمعروف إذا أظهر الناس تركه ،والنهي عن المنكر إذا أظهر الناس فعله ***** للمجتمع من الانحراف،وحماية للدين من الضياع ، وتحقيقا لمصالح الناس الدينية والدنيوية وفقا لقواعد الشريعة ومبادئها.

وتأتي أهمية الحسبة في النظام الإسلامي لتحقيق شرعة التعاون على البر والتقوى حتى يتمكن الجميع من القيام بواجب الخلافة في الأرض ،وتحقيق الغاية الأساسية من خلق الإنسان ، وهي إفراد الله تعالى بالعبودية المطلقة في كل ما أوجبه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهو واجب يتطلب وسائل بيان المنهج في إلزام المجتمع بضوابط الشريعة ـ فيما أمر الله به وما نهى عنه ـ وهذا أمر تكليف ليس بهيّن ولا بيسير ؛ وذلك بالنظر إلى طبيعته،وصدامه بشهوات الناس ونزواتهم ، ومنافع بعضهم وغرور بعضهم وكبريائهم ،ففيهم الجبّار الغاشم وفيهم الحاكم المتسلّط ، وفيهم الهابط الذي يكره الصعود وفيهم المسترخي الذي يكره الاشتداد ، وفيهم المنحل الذي يكره الجدّ وفيهم الظالم الذي يكره العدل ،وفيهم المنحرف الذي يكره الاستقامة وفيهم من ينكرون المعروف ويعرفون المنكر ، وقد ظهرت كل هذه الأصناف في واقع الأمة المعاصر ،وغاب عن أذهان الأجيال الناشئة مفهوم الحسبة والاحتساب ، وأهميته ودوره في القضاء على المنكرات وإزالتها حماية لمقاصد الشريعة وآدابها وتعمل الحسبة على تهيئة المجتمع لقبول النظام الإسلامي ؛وذلك بتدعيم الفضائل وإنمائها ،وبإعداد المؤمن الإيجابي الذي ينتمي بشعوره للأمة ويسعى إلى حماية مبادئها وقيمها ،ويحرص على رعاية حقوق الأمة التي أمر الله برعايتها وهي مقاصد الشريعة وقيمها الروحية والمادية .

وبناء على ما سبق رأيت اختيار موضوع "الحسبة في النظام الإسلامي أصولها الشرعية وتطبيقاتها العملية " لعلي بذلك أسهم في إبراز دور هذا النظام في حماية قيم المجتمع الإسلامي الروحية والمادية .

§ الدراسات السابقة :-
الإشارة إلى موضوع الدراسات السابقة لدراسة أيّ موضوع تحتلّ مركزاً متميّزاً بالنسبة للموضوع ومجالاته وقضاياه ، وموضوعاته ، والحسبة في مصادر التراث الإسلامي التاريخيّة وكتب التفاسير والفقه والكتابات المستقلّة احتلّت مكاناً كبيراً نظراً لارتباطها بمسيرة الحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة ، إلاّ أنّ أغلب هذه الدراسات المستقلّة من كتب التراث قد ضاعت كما تشير إلى ذلك موسوعة الحضارة العربيّة الإسلاميّة ، ولكن هذا لا يمنع من الإشارة إلى ما نشر منها أو ما هو مخطوط أشارت إليه المصادر التي نقلت عنها سواء أكانت كتبا أم رسائل أفردت للحسبة ، أم مؤلفات تحدثت عن الحسبة ضمن موضوعاتها الفقهية أم التاريخية ، أم الموسوعية - ومن هذه المصادر:
أولاً : من أقدم الكتب التي تناولت الموضوع كتاب أحكام السوق ليحيى بن عمر ( ت : 289 هـ) وكتاب الاحتساب للإمام الزيدي (ت 304هـ ) الناطق بالحق، الناصر للحق والأحكام ، وكتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأبي بكر أحمد بن هارون المعروف بالخلال (ت:311هــ )، وكتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي الذي أفرد لها فصلاً مفصلاً في كتابه بعنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وكتاب الأحكام السلطانيّة للما وردي المتوفى ( 450 هــ )،وفي آداب الحسبة، للسقطي المالقي (ت : 500 هـ )،ورسالة في القضاء والحسبة لابن عبدون الإشبيلي (ت : 541 هـ ) ، وكتاب نهاية الرتبة في طلب الحسبة للشيزري (ت :589هـ )، وهو المصدر الذي اعتمده المؤلّفون في كتاباتهم، ممّن جاؤوا بعده وقد عنون بعضهم بنفس العنوان : ككتاب نهاية الرتبة في طلب الحسبة لابن بسّام المحتسب حوالي القرن السابع الهجري ، ومعالم القربة في أحكام الحسبة لمحمّد بن محمد بن أحمد القرشي المعروف بابن الأخوة (ت : 729 هـ ) ، ثم جاء السماني فألف كتابه نصاب الاحتساب ، لخص فيه مجمل القضايا التي تناولتها المصادر السابقة ،وقد توالت بعد ذلك الدراسات المستقلة التي أفردت لها عناوين متقاربة في أغلبها ومنها: رسالة الحسبة في الإسلام للإمام ابن تيمية (ت: 728هـ) المتفرّدة عن هذه المؤلّفات في تأصيلها للحسبة وإن كان فيها تقليد لمنهج الماوردي في التأليف من حيث المنهجيّة وسار على نهجه تلميذه الإمام ابن القيّم (ت : 751 هـ) في كتابه : الطرق الحكمية في السياسة الشرعيّة ، فتناول الحسبة ضمن أبواب كتابه .
ومن الكتب الموسوعية التى تناولت الحسبة ،كتاب :نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري (ت:733هـ) وكتاب صبح الأعشى في صناعة الأنشاء للقلقشندي (ت:820هـ.)
ومن كتب التاريخ كذلك ،مقدمة عبد الرحمن بن خلدون (ت:808هـ) وإغاثة الأمة بكشف الغمّة للمقريزي (ت:845هـ).
هذه بعض المؤلفات التراثية التي تناولت الحسبة ، وربما إحصاء مصادر الحسبة في التراث الإسلامي إحصاءا دقيقا صعبا إن لم يكن غير ممكن وذلك لسببين :-
الأول :– كثرة المصادر التي تناولت الحسبة في التراث الإسلامي .
الثاني : وجود بعض مصادر الحسبة في التراث المخطوط وفقدان بعضها . وبالرغم من ذلك يمكن تصنيف هذه المصادر التراثية مخطوطها ومطبوعها إلي قسمين :
أ- المصادر التي تناولت الحسبة في فصول ونبذ وهي أغلب مصادر التراث.
ب- المصادر التي تخصصت في الحسبة وأفردت لها مؤلفات مستقلة.
وهذه المؤلّفات مع قيمتها العلميّة لم يظهر أثرها في ثقافة الناس و ربما يرجع السبب في ذلك إلى عاملين أساسيين
أوّلهما : بعد المجتمعات الإسلاميّة عن المفاهيم و المصطلحات التي أنتجها التراث الفكري للحضارة الإسلاميّة ، وهذا يعدّ في ذاته غربة عن مفهوم القيم الإسلاميّة .
ثانيهما : فقدان أغلب المصادر التراثية وتناثر بعض موضوعات الحسبة ضمن أسفار ضخمة يصعب الوصول إليها من قبل العامة .
و بناء على ما أشرت إليه ، فإنّ الدراسات التاريخية السابقة تعدّ مصادر انطلاق لهذا البحث في كثير من قضاياه مرورا بما جد من دراسات حديثة وبهذا سيكون ضم الطارف للتليد إسهاما مفيدا دون أن يكون في ذلك تكرار مخل بموضوع البحث في النقل عن هذه المصادر إن شاء الله.
ثـانيـاً: أمّا الدراسات والبحوث المعاصرة عن الحسبة ، فهي عديدة وهي تتناول موضوع الحسبة من جوانب مختلفة ومتفرقة ،أشير إلى بعض الأبعاد التي تفترق فيها هذه الدراسة عنها في الآتي:-
أولاً: ولاية الحسبة في الإسلام د : عبد الله محمد عبد الله و هي أطروحة دكتوراه ، نوقشت في الأزهر الشريف ، وقد ركزت على الولاية كإحدى المؤسسات السياسية البارزة في تاريخ المسلمين ، وهذا المجال بالرغم من أهميته إلاّ أنّ الحسبة فريضة شرعية شاملة ،وأمر القيام بها غير محصور على الجانب التاريخي دون غيره من المجالات والجوانب الإنسانية والاجتماعية بعامة . وقد حاولت أن أبين العلاقة بين البعد التاريخي الحضاري ومستويات الواقع المعاصر الذي يتطلب أمر الحسبة : سواء أكانت متمثلة في النظام والسلطة والولاية أم الحسبة العامة التي لا تسقط عن الأمة إلا بالأداء ، وإني لم أتتبع الفترة التاريخية لتجربة الولاية كما في هذه الدراسة وإنما اكتفيت بنموذج عصر النبوة والخلفاء الراشدين في تطبيقات نظام الحسبة والتأصيل لها.
ثانيا: الحسبة المذهبيّة في بلاد المغرب العربي نشأتها وتطورّها ، لموسى لقبال وهي رسالة " ماجستير" نوقشت في جامعة الجزائر ،وهي تمثل دراسة تاريخية للحسبة في المغرب الإسلامي ، ولكنها اختزلت المغرب الإسلامي في الجزائر والأندلس بالرغم من سعة مفهوم المصطلح وشموله للعديد من أقطار المغرب الإسلامي . وهذا فيما أعتقد يعد قصورا فيها من الناحية المنهجية .
ولعل الفارق بين هذه الدراسات والدراسة التي أرمي إليها تكمن في أن هذه الأخيرة دراسة تأصيلية واقعية نقدية معاصرة ، ولا ينفصل عنها الجانب التاريخي في أنموذجه الأمثل في تطبيق نظام الحسبة .
§ منهج البحث :-

حاولت أن أجمع بين عدة مناهج في دراسة هذا الموضوع ، ولعلّ من أهمها المنهج الوثائقي في تأصيل المسائل من أهمّ مصادر الحسبة الأصول : من كتب السنة والتفاسير وأمهات كتب الحسبة كما استخدمت المنهج التحليلي ، والوصفي وغيرهما حسب مقتضيات الحال ، وأعتقد أن تعدد المناهج في موضوع الحسبة تفرضه طبيعة الموضوع من ناحيتين : في الجانب التأصيلي الذي يعتمد على نصوص شرعية من القرآن والسنة ،ومن الناحية التاريخية التي تطور في ظرفها نظام الحسبة وأخذ مساحة كبيرة من جوانب الحياة الاجتماعية ، والاقتصادية والسياسية.ومن هنا اقتضت الضرورة استخدام المنهج المقارن .


خطة البحث
أما هيكل البحث فقد اشتمل على مقدمة وتمهيد وثلاثة فصـول وخاتمة :
وتقسيم البحث على هذا النحو اقتضته أولاً موضوعات البحث وخصوصياته والإطار العام الضابط لجزئياته .
المقدمة :وفيها طرحت جملة من القضايا العامة ، ذوات العلاقة بقضية الحسبة،وأشرت إلى أهم مصادر الحسبة كما سبق ذكره، وما من شك في أنّ أهم ما يقتضيه البحث هو :
1- تحديد العلاقة بين القيم التي يتضمنها مفهوم الاحتساب في قلب وسلوك المسلم ، وبين هذه التداعيات والانهيارات التي تعانى منها الأمة الإسلامية ، ومن ثمّ تعاني منها البشرية كلها حيث تفتقد كل الأمم والشعوب في هذا العصر النموذج الصحيح والأوفى للأمة المؤمنة حقا.
2- قواعد الضبط الجماعي بأصول شرعية ؛ تحدد للمسلم عمليا حقوقه وواجباته في علاقاته الخاصة مع الجماعة المسلمة داخل الأمة ، ثمّ في علاقاته العامة مع كل الناس .وهذه القواعد موجودة نظريا لكنها ممتهنة عمليا . ولعلّ في إثارة قضية الحسبة علميا وإعلاميا ما يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح نحو إعادة الاعتبار من قبل الجميع لهذه القواعد ، وإدراجها في المنظومات التي تتكيف بها المجتمعات الإسلامية عمليا .
3- هناك سلبية لايماري فيها أحد تتمثل في العلاقة المهزوزة بين المسلم والدولة ، وهذا الموضوع يحتاج إلى مراجعة ومعالجة . وفي عمليات البحث للكشف وإظهار هذا المعلم الإسلامي ما يساعد على حلّ بعض المشكلات القائمة في هذا الوسط .
هذه بعض القضايا التي يلزم فيما أرى التقديم بها بين يدي هذا الموضوع الذي أحسب أني اخترت لفصوله أهم قضاياه في الآتي :
· تمهيد ويشتمل على أربعة مباحث :-
المبحث الأول : نشأة الدولة وتجربة الحسبة.
المبحث الثاني : العلاقة بين الأمة والدولة في النظام الإسلامي .
المبحث الثالث : النظام الإسلامي مفهومه وخصوصياته .
المبحث الرابع : عناصر الخصوصية في بناء الأمة الإسلامية .

الفصل الأول :- الحســــــــبة – التعريف والتأصيل الشرعي .

وعقد الفصل الأول هذا من أجل تحديد علمي لمحيط الدائرة التي يتحرك فيها البحث ، بفصوله ومباحثه كلها وأحسب أن هذا التحديد أمر لازم ، باعتبار توجيه البحث في خطه الصحيح وباعتبار عدم الخلط لدى الباحث والقارئ ، كليهما بين قضايا هذا البحث وبين ما قد يوازيها، أو يتقاطع معها من بحوث ذات علاقة بهذا الموضوع ، لكنها تختلف عنه في الدوافع والغايات وقد تحددت مباحث هذا الفصل على النحو الآتي :

المبحث الأول : تعريف الحسبة لغة واصطلاحاً
المبحث الثاني : التأصيل الشرعي للحسبة .
المبحث الثالث : المجال التطبيقي للحسبة .
المبحث الرابع : المفهوم الشرعي للمعروف والمنكر .
المبحث الخامس : وسائل الحسبة لتغيير المنكر .

الفصل الثاني :تطبيقات الحسبة في النظام الإسلامي النشأة والتطور .

وعقد هذا الفصل لإبراز الخلفية التاريخية لنشوء هذه النظرية في المحيط الإسلامي، و لإبراز تميز النظام الإسلامي منذ النشأة وعبر مراحل تطوره بهذا التوجه الإصلاحي العملي الشمولي بانعكاساته الشعورية الفردية وأبعاده الاجتماعية ، أما مباحث هذا الفصل فهي :
المبحث الأول : نظام الحسبة النشأة والتطور.
المبحث الثاني : نظرية الحسبة .
المبحث الثالث : صور الاحتساب ودرجاته .
المبحث الرابع:- شروط المحتسب .
المبحث الخامس : - آداب المحتسب .

الفصل الثالث :- نظام الحسبة بين النظرية والتطبيق .
وهذا الفصل برهنة على أنّ نظام الحسبة يقوم على مجموعة من القيم الحياتية العملية التي لا تستقيم الحياة بالمفهوم الإسلامي في غيابها . كما أنّ في هذا الفصل كذلك محاولة للتنبيه على أنّ التوجه الأتم إلى إدراج كلّ القيم والمفاهيم الإسلامية في قوالب نظرية إنما يتم بالتدرج ،وأنّ مفهوم الحسبة بأبعاده الإيمانية الحياتية يعطى أمثلة وافية للجانب التطبيقي ، ثمّ بعد هذه التجربة يكون الباب مفتوحاً لإدراج كل التشريعات الإسلامية على نسق تطبيقات الحسبة في واقع الحياة .وقد تحددت مباحث هذا الفصل على النحو الآتي :-
المبحث الأول :- الحسبة في الإطار العام لمقتضيات الإسلام.
المبحث الثاني :- من تطبيقات الحســـــــــــــبة .." صور ونماذج ."
المبحث الثالث :- صورة المجتمعات الإسلاميــــــــة في غياب نظام الحسبة .
المبحث الرابع :- نظــــــــــام الحســبة وبدائلــــــه.

ومن ثم الخاتمة التي ضمنتها أهمّ النتائج المستخلصة من الدراسة ، وأخيرا أحمد الله الذي وفقني في البدء
والختام فله الشكر والثناء على ما وفق وأعان في إتمام هذا البحث المتواضع وأسأله ـ سبحانه ـ أن ينفع به ويبارك فيه ويجعله في ميزان حسنات كل من ساهم فيه ، ولا يفوتني أن أتقدم بجزيل الشكر والعرفان لأستاذي الفاضل الدكتور السائح علي حسين الذي أشرف على هذا البحث وقد أعطى من وقته وجهده ، ومشورته ونصحه ومن إبداء توجيهاته السديدة كلما رجعت إليه ، فكان لي مثالا عاليا للأستاذ الأمين ، والمحتسب الناصح والعالم المخلص المحب لطلابه الخير ، وقد قدّم لي منهجاً متكاملاً في كتابة البحث العلمي وسرت على نهجه في كل الرسالة وبخاصة في منهجية الهوامش المتسلسلة للرسالة ، وبالرغم من المتابعة والتوجيه قد يرد الخطأ والنسيان فإن ورد تقصير أو خطأ في متن أو هوامش الرسالة فهو تقصير غير مقصود منى ، أسأل الله المغفرة في ذلك، وبالله التوفيق .


[1] - انظر : الحسبة في الإسلام لأحمد المراغي 693/ مقال في مجلة الأزهر 1/2/1346هـ.

[2] - الحسبة في الإسلام لابن تيمية 1/دار الحداثة / بيروت/1995م.

[3] - سورة آل عمران الآية110

[4] - سورة النور الآية 55.

[5] - سورة آل عمران 110

[6] - جامع البيان عن تأويل آي القرآن 4/43/دار الفكر / بيروت/1405هـ .

[7] - سورة آل عمران الآية 104

[8] - صحيح مسلم /كتاب الإيمان/ باب كون النهي عن المنكر من الإيمان/ح70 .

[9] - انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم تحقيق:محمد إبراهيم نصر 4/171 /ط1/ مكتبة عكاظ/السعودية/1402هـ - 1982م.

[10] - صحيح مسلم بشرح النووي 2/22

[11] - سورة الذاريات الآية 56

[12] - إحياء علوم الدين للغزالي 2/333 /ط1/دار قتيبة /بيروت /1412هـ 1992م.

[13] - سورة الحج الآية41.

المصدر: ملتقى شذرات

الملفات المرفقة
نوع الملف: rar alhisbah.rar‏ (244.8 كيلوبايت, المشاهدات 80)
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 03-12-2015, 12:46 AM
أبوالحسن أحمد غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Mar 2015
المشاركات: 1
Awt6

شكرااااااااا
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الحصبة, الإسلامي, النظام


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الحسبة في النظام الإسلامي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تعزيز ثقافة الحسبة (1ـ2) عبدالناصر محمود دراسات ومراجع و بحوث اسلامية 1 01-02-2017 08:47 AM
الحسبة والمحتسبون (احتساب أبي بكر رضي الله عنه) عبدالناصر محمود شذرات إسلامية 0 11-11-2016 08:10 AM
النظام المعرفي الإسلامي عبدالناصر محمود دراسات ومراجع و بحوث اسلامية 0 12-20-2014 09:32 AM
مؤسسات النظام السياسي الإسلامي ومعالمها عبدالناصر محمود دراسات ومراجع و بحوث اسلامية 0 12-06-2014 08:49 AM
فيروس الحصبة قادر على العودة عبدالناصر محمود الملتقى العام 0 11-15-2014 08:00 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 03:32 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59