العودة   > > >

أخبار ومختارات أدبية اختياراتك تعكس ذوقك ومشاعرك ..شاركنا جمال اللغة والأدب والعربي والعالمي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 02-03-2012, 02:16 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي مؤثرات عربيّة في أدب تولستوي


مؤثرات عربيّة في أدب تولستوي

الدكتور ممدوح أبو الوي

قبل أن أتحدث عن تاريخ معرفة القراء والكتّاب العرب إبداع ليف تولستوي، لابأس في أن نتوقف قليلاً عند موضوع علاقة تولستوي بالأدب العربي.
في أيلول من عام 1844، قبل ليف تولستوي طالباً في جامعة كازان-كلية اللغات الشرقية، قسم اللغتين التركيّة والعربيّة، ولقد اختار ليف تولستوي هذا الاختصاص لسببين: الأول لأنّه أراد أن يصبح دبلوماسياً في الشرق العربي، والثاني، لأنّه مهتم بآداب شعوب الشرق.
لقد أضمر الكاتب الروسي احتراماً خاصاً للأدب العربي، والثقافة العربية، والأدب الشعبي العربي. فعرف الحكايات العربية منذ طفولته. عرف حكاية "علاء الدين والمصباح *****ي". وقرأ "ألف ليلة وليلة"، وعرف حكاية "علي بابا والأربعون حرامي"، وحكاية "قمر الزمان بين الملك شهرمان"، ولقد ذكر هاتين الحكايتين ضمن قائمة الحكايات، التي تركت في نفسه أثراً كبيراً، قبل أن يصبح عمره أربعة عشرعاماً. وكتب حول هذا الموضوع في رسالته
(114-ص67) ، إلى م.م. ليدرلي بتاريخ 25 تشرين الأوّل من عام 1891.

وهناك دليل آخر على احترام ليف تولستوي للتراث العربي. فيذكر الكاتب، أنّه أمضى إحدى الليالي في غرفة جدته، وأصغى إلى حكايات المحدث الأعمى ليف ستيبا نفتش، الذي كان يعرف حكاياتٍ عربيةً كثيرةً، ومنها حكاية "قمر الزمان بن الملك شهرمان".
كتب ف.ف.لازورسكي في مذكراته:"وحدثنا ليف نيكولايفتش حكايةً عربيةً، من "ألف ليلة وليلة"، حيث تحول الساحرة الأمير إلى فرسٍ، إنّه يحبّ كثيراً الحكايات العربية، ويقدرّها تقديراً عالياً.ويقول: يجب معرفتها منذ الطفولة... ويرى تولستوي إنّها نافعة أكثر من مقالة "ماهي الليبرالية"، التي نشرت في مجلة "النقد الأدبي"(162،ص 460) .
عتب ليف تولستوي على خ.د. التشيفسكيا، لأنّها لم تضمّن قائمة الكتب المقترحة للقراءة الشعبية الحكايات العربية فكتب لها، "لماذا لم تقترحي الحكايات العربية؟ إنّ الشعب يرغب قراءتها! هذا تقصير من جانبك،
(84 ص-111) .
استلم تولستوي، في السنة الأخيرة من عمره، طبعةً فرنسيةً جديدةً "لألف ليلة وليلة"، وقرأها من جديدٍ بكلّ سرورٍ.
تعود علاقة تولستوي الأولى بالأدب الشعبي العربي إلى عام 1882، فلقد نشر في ملحق مجلته التربوية (يا سنايا بوليانا) ، بعض الحكايات العربية الشعبية، منها حكاية "علي بابا والأربعين حرامي".
يرى النقاد السوفييت، ومنهم أ.ي.شيفمن والناقدة ي.زايد نشنور أنّ تولستوي نشر حكاياتٍ عربيةً في السبعينات من القرن الماضي بعد أن أعطاها طابعاً روسياً، مثلاً غيّر الأسماء العربية بأسماء روسيةٍ، محتفظاً بالفكرة الأساسية، وبالشكل الفني للحكاية وبأحداث الحكاية. واختار تولستوي الحكايات العربية، التي تمجّد العمل، ولاسيما العمل بالأرض، وتدين الملوك، ولاسيما الظالمين منهم.
تذكرنا حكاية من حكايات "ألف ليلة وليلة" بقصة تولستوي "لحن كريتسر" وهي حكاية: "الملك شهريار وأخيه الملك شاه زمان". فيقول بطل قصة تولستوي إنّ زوجته مثل زوجة الملك شهريار التي خانت زوجها مع عبده، والتي قتلت الملك شهريار، وقتل عبده لأنّه" وجد زوجته راقدةً في فراشه، معانقةً عبداً أسود من العبيد"(1ص6) .
وذهب بعد ذلك إلى مدينة أخيه الملك شاه زمان... وعرف أيضاً أن زوجة أخيه تخونه مع العبد مسعود...أيّ أنّ بطل قصة "لحن كريتسر" 1889، يتذكر مطلع "ألف ليلة وليلة"، ويشبّه حالته بحالة الملك شهريار.
ويذكر تولستوي مشهداً من مشاهد "ألف ليلة وليلة"، وهو مشهد من الحكاية الخامسة من حكايات السندباد البحري، يذكر مشهداً من هذه الحكاية في بحثه، "عبودية عصرنا"، الذي ألّفه عام(1900) .
وترى الباحثة أولغا فرالوفا- رئيسة قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة لينينغراد الحكومية، أنّ رواية تولستوي "آنا كارينينا" التي كتبت مابين عام 1873- وعام 1877 ذات طابع شرقي، وكأنها كتبت بقلم كاتبٍ شرقي. بقي فقط أن نبدّل الأسماء، فالأحداث تجري في الرواية بحماسةٍ وحرارةٍ، وكأنّها تجري تحت سماء الشرق، وتستمد قلوب الأبطال حرارتها من شمس الشرق.
والملاحظة الثانية على هذه الرواية، أنّ عقوبة القتل القدري الذي تنتهي إليه بطلة الرواية، قلما نجدها في روايات الكتّاب الغربيين. فبطلة الرواية (آنّا كارنينا) ، خانت زوجها، وتلقت عقوبتها من الحياة نفسها. لم يقتلها زوجها، ولم يقتلها عشيقها فرونسكي، وإنّما رمت بنفسها تحت عجلات القطار. وتمزق جسدها بين عجلات القطار وسكة الحديد. رمت نفسها دون أن يكون لديها عمد مسبق. هكذا انتهت حياة آنا كارينينا نهايةً مؤلمةً قاسيةً. تمزق جسدها تحت عجلات القطار، بعد أن مزقته الحياة، فخسرت ابنها أيّ فقدت جزءاً منها من قلبها، من جسدها، قبل أن تنتحر، أو تفكر بالانتحار. فهذه النهاية القاسية لخطيئة الخيانة الزوجيّة، قلما تتصف بها رواية أوروبية، فكأنها رواية شرقية.
كتب تولستوي قصة "الحاج مراد" مابين عامي 1896-1905، ولا نستطيع القول إنّ هناك تأثيراً للأدب العربي. ولكننا نقرأ أسماءً عربيةً مثل مراد، شامل، محمد، أحمد، سعدو، ونقرأ عباراتٍ عربيةً، مثل، السلام عليكم، ولا إله إلا اللّه. ونتحسس تعاطف تولستوي مع الحاج مراد وتفهمه لشخصيته.
والجدير بالذكر أنّ تولستوي نظر إلى شخصية الرسول العربي نظرةً كلّها احترام وتقدير ولعل أكبر دليل على ذلك أنّه أصدر كتاباً باللغة الرّوسية بعنوان "حِكم النبي محمد" في عام 1909، أيّ قبل وفاته بعامٍ واحدٍ، إذ أنّ كاتب روسيا العظيم توفي في عام 1910، وقصد تولستوي من كتابه هذا الدفاع عن الإسلام. نقل هذا الكتاب من اللغة الروسيّة إلى اللغة العربيّة في عام 1912، خريج دار المعلمين الروسية في مدينة الناصرة بفلسطين واسمه سليم قبعين، الذي كان يعتبر نفسه من أتباع مذهب تولستوي واستند تولستوي في كتابه "حِكم النبي محمد" على كتاب حول هذا الموضوع صدر في الهند باللغة الإنكليزية في عام 1908 لمؤلفه عبد الله السهروردي.
ولابدّ من الإشارة إلى أنّ تولستوي قرأ القرآن الكريم باللغة الفرنسية وتوجد نسخة من القرآن الكريم في مكتبة ليف تولستوي في بيته في قريته "ياسنايا بوليانا". وترك الكاتب الروسي بعض الملاحظات، التي تدل على قراءته للقرآن الكريم. هذه النسخّة محفوظة في مكتبته البيتية التي تحولت في يومنا الحاضر إلى متحفٍ أدبيٍ.
ويرى الدكتور عبد الله ركيبي في مقالته "تولستوي والإسلام"
(80 ص288) ، أنّ تولستوي من بين الذين اعترفوا بما في تراثنا من قيمٍ إنسانيةٍ ودعوةٍ إلى المحبة والتسامح والخير والعدل والرحمة والعطاء والمساواة.
كتب ليف تولستوي إلى ابنه، الذي كان يزور مصر، ووصل إلى مدينة أسوان في عام 1904، رسالةً يطلب يطلب منه فيها أن يزوده ببعض المعلومات حول الشرق.
جرت مراسلات في العام نفسه بين تولستوي وبين الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية، ورئيس جامعة الأزهر آنذاك. كتب الشيخ محمد عبده إلى تولستوي وأجابه تولستوي. ونشعر من خلال قراءة مراسلاتهما أنّ نظرتهما إلى أمور الدنيا متشابهة ومتقاربة.
توجد في مكتبة تولستوي الخاصة كتب تاريخية، تثبت اهتمام الكاتب الروسي العظيم بالشرق. من هذه الكتب "تاريخ الدولة الآشورية منذ قيامها حتى سقوط نينوى"، الذي صدر عام 1902، لمؤلفه روفازيني وكتاب للبرفسور اندرسون "تاريخ حضارات الشرق المندثرة"، الذي صدر عام 1904. وكتاب للبرفسور استافييف "آثار بابل وآشور، المكتشفات الحديثة"، عام 1882، كما تحفظ مكتبة تولستوي كتاباً بعنوان "القصص السورية" لمؤلفه كوندوروشكين، صدر عام 1908، وكتاباً بعنوان الأساطير العربية "لمؤلفه ابن علي".
وضمّن تولستوي كتاباً له بعنوان "أفكار الحكماء لكلّ يومٍ"، الذي صدر عام 1903، كثيراً من الأمثال والحكم والأقوال المأثورة العربية وأصدر بعد ذلك جزءاً ثانياً لهذا الكتاب، الذي ألفه مابين عامي (1906-1910) وضمّنه أيضاً أمثالاً عربيةً.
لقد أجاب تولستوي برسالته المؤرخة بتاريخ 8 تموز عام 1908 من قريته "ياسنايا بوليانا"، رجل الدين واسمه سولوفيوف، الذي طلب منه العودة إلى رحاب الكنيسة الروسية، أجابه بما يلي:-"في إحدى الحكايات العربية قرأت مايلي:"...(108 ص178) ، ويذكر هنا تولستوي حكايةً عربيةً خلاصتها أنّ اللّه يتقبل الصلاة، التي تصدر من أعماق القلب، حتى وإن كانت بالشكل لا تتطابق مع الصلوات التقليدية ويقول تولستوي إنّ هذه الحكاية أعجبته كثيراً.
هذه الأمثلة، إن دلت على شيء، فإنّما تدل على الاحترام الكبير الذي تضمنه فكر كاتب الأرض الروسية العظيم وتراثه للشعب وللتاريخ وللفكر وللأدب وللتراث العربي.


المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
أدب, مؤثرات, تولستوي, عربيّة


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع مؤثرات عربيّة في أدب تولستوي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تحميل كتاب مؤثرات عربية و اسلامية في الادب الروسي Eng.Jordan كتب ومراجع إلكترونية 0 12-30-2012 02:55 PM
الشر والعقاب بين تولستوي ودوستويفسكي وبولفاكوف وشامالوف Eng.Jordan أخبار ومختارات أدبية 0 09-11-2012 12:25 PM
مؤثرات الأدب العربيّ في أدب بوشكين Eng.Jordan دراسات و مراجع و بحوث أدبية ولغوية 0 02-03-2012 02:40 PM
رسائل القراء العرب إلى ليف تولستوي Eng.Jordan أخبار ومختارات أدبية 0 02-03-2012 02:21 PM
انتشار أدب تولستوي في روسيا وبلاد الشام ومصر، وبواعثه Eng.Jordan أخبار ومختارات أدبية 0 02-03-2012 02:18 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 10:14 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59