البطيخ "المهرمن": وسائل إعلام تثير الرأي العام ولم تقدم إجابات شافية

"المهرمن": , البطيخ , الرأي , العام , تثير , تقيم , شافية , إجابات , إعلام , وسائل

2017 أيار 6 140
البطيخ
انشغل الرأي العام في الأيام الماضية بقضية فاكهة البطيخ، ومدى سلامته على الصحة العامة، واتهام المزارعين باستخدام مواد كيماوية مسرطنة في إنتاجه. وقد تصدرت هذه القضية اهتمام وسائل الإعلام، لكن التغطية اتسمت في أغلبها بالعمومية وإطلاق الأحكام دون التحقق بطريقة علمية من المتخصصين، مما يؤثر سلبا على المزارع والمنتَج والسوق.مرصد مصداقية الإعلام الأردني" أكيد": تابع القضية، وتداعياتها، وفقا للمعايير التي يطبقها في التحقق من المحتوى الذي ينتجه الإعلام الأردني، حيث تبين لنا من الرصد للأخبار المتعلقة بالقضية موضوع البحث أن دور الصحافة كان سلبيا، وظل يمارس دور ناقل الأخبار في كثير من الأحيان، ولم يبذل جهدا حقيقيا في تقديم صورة واضحة للناس، كما لم يقدم المعلومة الحقيقية التي تقنع المواطن في قضية كانت مثار شك، ومحط اهتمام دول تستورد هذه الفاكهة من الأردن.



والمرصد، في تقريره هذا يبرز ما أحدثته إشكالية هذه التغطية من نتائج، في وقت كان يمكن أن يكون للصحافة دور حاسم في التحقق من صحة ما يشاع، لو أنها طبقت المعايير المهنية عند نشر الأخبار، وبخاصة تلك المتصلة بـ "قواعد نشر المحتوى الذي ينتجه المستخدمون على شبكات التواصل الاجتماعي"، أو نقل الأخبار من مصادرها الموثوقة وذات العلاقة، ومن أصحاب الخبرة العلمية، أو بالاستناد إلى الجهد الصحفي الاستقصائي.تاريخ القضية وتطورهاـ بدأت القصة بخبر تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي، بتاريخ 20/4/2005 واستخدمته كثير من المواقع الإلكترونية، بعنوان "احذروا من هذا البطيخ الذي يباع في الأسواق الأردنية، مرفق بصورة لثمرة البطيخ، وتحت هذا العنوان خبر ينقل شكوى مواطنين من وجود بطيخ مضروب "مهرمن" في الأسواق المحلية وبكميات كبيرة ووجود غرز إبرة" ظاهرة من خارج البطيخة، تحتوي على عدة ألوان من الداخل خاصة مكان وجود الإبرة.ـ نشرت وزارة الزراعة بعدها خبرا يفيد بإتلاف خمسة أطنان من البطيخ لعدم اكتمال نضوج الثمرة، وربطت مواقع إلكترونية الخبر مع ما تناقله المواطنون من صور لثمار غير ناضجة، ووجود ثقوب في القشرة الخارجية.ـ أصدرت جمعية حماية المستهلك بيانا بتاريخ 23/4/ 2015 تقول فيه "إنها تلقت سيلا من شكاوى المستهلكين، أكدوا فيها أن غالبية ثمار البطيخ المعروض في الأسواق حاليا بيضاء اللون من الداخل، وبذورها غير ناضجة، وهي بلا طعم، وأن هذا يشكل خطرا على صحتهم، ولا بد من تشديد الرقابة، وأن بيع البطيخ غير الناضج واستخدام المواد الكيميائية الهرمونية من شأنه أن يلحق الضرر بصحة المواطنين وقد يتسبب بكثير من الأمراض لدى بعض الأشخاص".ردود الفعل:جوبهت هذه الأخبار بردود فعل كبيرة من الجهات "المتضررة"، وكان صداها واضحا في الإعلام، وجاءت كما يلي:ـ عبرت وزارة الزراعة عن أسفها لما صدر عن الجمعية الأردنية لحماية المستهلك من تصريحات "غير مدروسة" تدعو فيها المواطنين إلى التوقف عن شراء البطيخ، دون معرفة ودراية للحقيقة العلمية.ـ نفت وزارة الزراعة وجود أي استخدام للهرمونات في المزروعات الأردنية.ـ أصدرت نقابة تجار ومصدري الخضار والفواكه والجمعية الأردنية لمصدري ومنتجي الخضار والفواكه بيانا مشتركا، جاء فيه "إن ما تناولته بعض المواقع الإخبارية ووسائل الإعلام المختلفة عن مادة البطيخ واحتوائها على الهرمونات ما هو إلا إشاعات عارية عن الصحة؛ لأن البطيخ الأردني خالٍ تماماً من الهرمونات".ـ جمعية حماية المستهلك توضح بأن بيانها اعتمد على شكوى المواطنين وليس على رأي علمي.تداعيات القضية:ـ المعلومات السابقة، كانت مثار نقاش الرأي العام، وألقت بنتائجها على المواطنين الذين تراجعوا عن شراء البطيخ.ـ تناقلت وسائل إعلام عربية أخبارا تتضمن دعوات لعدم تناول مواطنيها البطيخ في الأردن، أو شراء المستورد منه، ومن هذه الدول الكويت، التي أصدرت فيها جمعية الخط الأخضر البيئية الكويتية بيانا يدعو المواطنين والمقيمين إلى التوقف فورا عن شراء ثمار البطيخ الأردني.نقيب تجار ومصدري الفواكه، سعدي أبو حماد، يؤكد في تصريحات لـ "أكيد" على أن تداول أخبار عن استخدام الهرمونات في إنتاج البطيخ قد "ترك تأثيرات سلبية على المستهلك الأردني، وانعكس ذلك على الصادرات الأردنية"، مضيفا "أن أخبار الإنتاج الزراعي الأردني هي محط اهتمام صحف عربية كثيرة".وقال: "لولا الجهود التي بذلتها وزارة الزراعة، والجهات المعنية، لكانت النتائج أكثر كارثية على القطاع، وعلى شريحة واسعة من المزارعين".وبين أبو حماد أن سعر البطيخ انخفض في السوق المحلي إلى أكثر من 40 بالمئة، وتوقفت في البدايات دول عربية عن استيراده من الأردن، لكن تلك الدول عادت مجددا لتستورده بعد أن توضحت لها حقيقة القصة.وأشار إلى أن المستهلك الأردني، وقع تحت تأثير الأخبار المشوهة، وتراجع شراء البطيخ في السوق، وقال "إن جمعية حماية المستهلك بتقريرها المتسرع ألحقت ضررا كبيرا في القطاع، وهي جهة غير مؤهلة فنيا ولا مهنيا لإصدار تقارير علمية".ورأى أن على الصحافة دور مهم في أن تتناول الأخبار بمهنية أكبر، وأن تتجنب نشر الأخبار دون سند علمي ووثائق حقيقية، حتى لا تكون جزءا من نشر الأخبار والمعلومات غير الدقيقة، لافتا إلى تجارب سابقة تم تداول أخبار غير صحيحة مثلما حدث حين قيل أن فاكهة الكلمنتينا فيها ديدان، وقبل أيام قيل أن الشمّام فيه ديدان أيضا.وتساءل ابو حماد "إين المشكلة في ذلك؟ الفاكهة تتعرض لأسباب عديدة تنتج هكذا حالات، وهذا أمر طبيعي، وغير الطبيعي أن يتم استهداف القطاع الزراعي بأكمله وتروج الأخبار والشائعات عنه".إشكالية الأخبار:يرى "أكيد" أن تلك الأخبار التي احتلت صدارة اهتمام المواطنين شابها كثير من الإشكاليات، ونحن نؤمن أن الأخبار التي تتصل بصحة المواطن يجب أن تكون في صدارة اهتمام وسائل الإعلام، لكن في المقابل يجب أن تلتزم بالمعايير المهنية من أجل نشر أخبار دقيقة وواضحة وتستند إلى الواقع.كما يؤكد المرصد، أن كشف مواطن الفساد والخلل هو في صلب عمل الصحافة وفي طليعة مهامها، بالاستناد إلى المعايير المهنية والأخلاقية. فحق المجتمع في المعرفة باعتباره حقا من حقوق الانسان، يشكل المهمة الأساسية لوسائل الإعلام والأساس المتين لعمل الصحافة ووسائل الإعلام الذي يفترض الحرص الدائم عليه بصون المصداقية.ومن خلال تتبع الأخبار الخاصة بتغطية قضية البطيخ وتحليلها نجد أن أغلبها:ـ استند إلى شكاوى مواطنين في البداية، وليس لرأي علمي، ثم أصدرت حكمها بأن البطيخ يحتوي على الهرمونات.ـ لم يتضمن جهدا صحفيا مهنيا، يعطي إجابات واضحة للمواطنين.ـ نشر بيان جمعية حماية المستهلك، دون أن يسأل الجمعية عن نتائج الفحوصات التي قامت بها، وكيف توصلت لتلك النتيجة.ـ غياب الجهد الاستقصائي: أي الذهاب إلى الميدان والدخول في المزارع، وأخذ عينات وإجراء فحوصات، أو فحص عينات من الأسواق، وأخذ رأي مختبرات محايدة.ـ لم يراعِ انعكاس نشر مثل هذه الأخبار وتأثيرها على القطاع الزراعي، وبخاصة أن جمعية حماية المستهلك تراجعت عن بيانها التحذيري.ـ لم يأخذ رأي الأطراف الأساسية في القضية؛ المزارعين، والخبراء، والمختصين.هل تستخدم الهرمونات في الزارعة؟لم تقدم وسائل الإعلام، حتى اليوم جوابا شافيا للقصة الجدلية عن مدى استخدام الهرمونات في المزروعات. فهل يتم استخدامها فعلا؟ وهل يشكل استخدامها خطرا على صحة الإنسان؟ وهل تستخدم بالطرق الآمنة؟.الناطق الرسمي باسم وزارة الزراعة نمر حدادين في تصريحات لـ "أكيد" يؤكد على أنه لا يوجد استخدام للهرمونات في الأردن، وأن ما يستخدم هو مخصبات النمو التي تزيد من الإنتاج الخضري. ويرى الاكاديمي المتخصص في مجال النباتات في كلية الزراعة في جامعة العلوم والتكنولوجيا الدكتور محمد علي الفقير أن ما يستخدم في الزراعة هو منظمات النمو، التي يتوجب استخدامها ضمن ضوابط معينة.وقال الفقير في تصريحات لـ "أكيد": "إن هذه المنظمات تستخدم من أجل تلقيح الازهار، فهناك أنواع من المنتجات الزراعية لا يكتمل نموها إلا بذلك، وبخاصة تلك التي تزرع في البيوت البلاستيكية، وهذه المواد هي بديلة عن التلقيح الطبيعي".وأضاف: "إن هناك استخداما لمواد الإنضاج المعتمدة دوليا، ولا يوجد ضرر منها، لكن المشكلة تكمن في الممارسات الخاطئة من حيث وضع الجرعة الآمنة، فهناك فترات أمان يجب اتباعها، وهي المدة التي يتم استخدام هذه المواد فيها".وبين أن هذه المواد هي مثل الأدوية التي يستخدمها الإنسان يجب أن تعطى ضمن وصفات وبجرعات صحيحة وفق ما هو مقرر علميا.وحول موضوع ثمار البطيخ ومدى إمكانية حقنه بمواد تغير لونه وطعمه، يرى أستاذ الخضروات في كلية الزراعة في جامعة العلوم والتكنولوجيا الدكتور إبراهيم المخادمة، أن ذلك غير ممكن علميا "فالثمرة لها أوردة وشرايين ولا يمكن أن يتم تغيير لونها وطعمها بطريقة الحقن، كما يشاع.وبين "أن البذور البيضاء في البطيخ هي دليل على عدم اكتمال النمو، وهذا شيء طبيعي وليس دليلا على استخدام الهرمونات"، مبينا أن بيع البطيخ في هذه الفترة، التي ترافقت مع إصدار البيانات التحذيرية، هو في موسمه، فالأغوار تطرح هذا المنتج مبكرا بسبب الحرارة المرتفعة عن باقي المناطق.

المصدر: ملتقى شذرات