#1  
قديم 03-19-2015, 08:31 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة الأزمة الأوكرانية جذورها


الأزمة الأوكرانية جذورها .. خلفياتها ومستقبلها..بين يدي الأزمة.. الإسلام والعلاقات الدولية.*
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

28 / 5 / 1436 هــ
19 / 3 / 2015 م
ـــــــــــــ

الأوكرانية 710518032015124212.jpg

يشبه الصراع الحالي في الغرب، الصراع الكبير الذي حدث في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، بين فارس والروم، ذلك الصدام الذي نزلت في شأنه الآيات الأولى من سورة الروم، والتي تعد أول نص قرءاني يشير إلى أهمية الالتفات إلى الصراعات العالمية التي تقع في العالم، خاصة تلك التي لها تداعيات مباشرة على الأمة الإسلامية، بل ويحض على الاهتمام باستشراف العلاقات الدولية ، التي يمكن أن تؤثر على الداخل الإسلامي وعلى الدعوة عموما، بدليل أن الآيات لم تتوقف عن نتائج المعركة بل تجاوزتها لتتحدث عن مستقبل الصراع وموقف المسلمين منه.

لذلك فإن الاهتمام بالصراع الحالي والخطير بين الغرب وروسيا، يدخل في هذا الباب، خاصة أن المسلمين يشهدون ضعفا شديدا في العلاقات الدولية، والتحكم في مخرجاتها، والاستفادة من الصراعات على النفوذ العالمي.
أما الباعث الآخر على الكتابة في الموضوع بهذا الإسهاب؛ فهووجود جالية مسلمة أصلية بالبلد، تقارب المليوني مسلم، حيث أثرت الأزمة الحالية على المسلمين أشد تأثير، وكانوا هم الخاسر الأكبر من التدخل الروسي في حوض الدونباس، الذي يعيش فيه أكثر من مائة ألف مسلم على الأقل، وهم مسلمون أصليون من تتار قازان والقرم ومن الأوكرانيين والسلاف، والخاسر أيضا من ضياع جزيرة القرم، التي عاش فيها المسلمون قرونا، وكانت تمثل مجدا من أمجاد المسلمين الذين وصلوا إلى موسكووفرضوا عليها الجزية.

ولذلك أحببنا تصدير هذا الملف بالحديث عن المسلمين في أوكرانيا، فإلى جانب مقدونيا وبلغاريا، تعد أوكرانيا البلد الثالث الذي يضم أقلية مسلمة أصلية كبيرة العدد، حيث يعيش المسلمون في مختلف المقاطعات الأربعة والعشرين، ويتركز وجود المسلمين خاصة في حوض الدونباس ومدينة دونيتسك بالأخص، حيث تنتشر الكثير من المساجد، ومراكز وجمعيات إسلامية، ويعيش فيها حتى اللاجئون القوقازيون الذين هربوا من جحيم الحرب الروسية على الشيشان في نهاية وبداية الألفية، إضافة إلى القوقازيين الذين جرى تهجيرهم من بلدانهم في منتصف القرن العشرين، كما تنتشر الكثير من المدارس العربية لتعليم اللغة العربية، وقد حدث تصاهر قوي بين المسلمين التتر والعرب هناك، ما جعل التعاون على خدمة الإسلام يكتسب متانة وقوة أكبر.

يعيش في جزيرة القرم حوالي مليون مسلم، هذه الأرض الإسلامية التي استولت عليها روسيا في عهد كاترينا الثانية، بعد معاهدة ياش سنة 1792، ذلك الاستيلاء الذي كان علامة واضحة على بداية نهاية الخلافة العثمانية، خاصة أن روسيا أنهكت الخلافة بالمؤامرات والخيانات والحروب المتعددة، روسيا التي رفعت شعار " حماية الاخوة السلاف من العثمانيين" تعود اليوم من بعيد لتحتل جزيرة القرم، التي تعج بالمسلمين الذين عادوا إليها من منفاهم في سيبيريا وكازاخستان، وطاجيكستان وأوزباكستان، بعد أن شردهم جوزيف ستالين في 18 من شهر مايو1944، بدعوى الخيانة العظمى لروسيا، ومساعدة ألمانيا، وهي التهمة المكذوبة، فالتاريخ يشهد ‘على أن تتار القرم قاوموا النازيين، لويكونوا طرفا في الحرب.
بعد استقلال أوكرانيا سنة 1991 رجع المسلمون التتر إلى قراهم ومداشرهم وبيتهم، بسبب مناخ الحرية المنتشر في البلد، غير أن السلطات الأوكرانية لم تتمكن من أن تسترجع لهم بيوتهم وأملاكهم من الروس، الذين جاء بهم ستالين واستوطنهم مكان التتر، ورغم ذلك فإن المسلمين استطاعوا العيش بحرية، ولم تضايقهم السلطا الأوكرانية حتى عندما أظهروا شعائر الإسلام، كما تمكنوا من تكوين عشرات جمعيات الإسلامية الخيرية، وبرلمانا خاص بهم، وقد انتشرت المدارس الإسلامية أيما انتشار، وتم ترميم أكثر من 17000 مسجد، حيث قادت الجمعيات الإسلامية هناك جهودا حثيثة لإعادة ترميم وإعمار المساجد، مما جعل المسلمين ينعمون بالحرية والاستقرار، لكن كابوس الاضطهاد عاد إليهم بعد احتلال روسيا للقرم، حيث خطف الكثير منهم، ووجد الكثير منهم مقتولا، كما صادرت القوات الروسية كل الكتب التي يتهمونها بالتطرف ككتب ابن تيمية ورياض الصالحين والبخاري وغيرها، وتم تطبيق قانون مكافحة الإرهاب الروسي بشكل رهيب، فمن بين أحكامه الجائرة النص على سجن وتغريم كل من يحمل كتبا غير مرخصة، فترجمة القرءان القادمة من السعودية، وكتيب حصن المسلم مثلا، قد تجر صاحبها إلى السجن من خمس سنوات إلى عشر سنوات، بناء على قانون مكافحة الإرهاب، الذي يهدف أساسا لمحاربة الإسلام.
كما فقد المسلمون جل النفوذ الإسلامي السني، لصالح فرقة الأحباش، الموالية للروس، والتي تكفر المسلمين وتضطهدهم، وتسعى لتطبيق الأجندة الروسية هناك.

أما في الدونباس فقد خسر المسلمون مدينتي دونيتسك ولوغانسك، حيث عشرات المصليات والمساجد والجمعيات الخيرية، والمراكز الدعوية، وترك غالبية المسلمين المدينة خوفا من بطش الروس بهم.
ولهذا فإن خسارة أرض الدونباس والقرم لصالح روسيا، كان كارثة حقيقية بالنسبة للمسلمين الأوكران، فالمسلمون كانوا يعيشون في حرية تامة في ظل الدولة الأوكرانية، أما اليوم فإن تقارير المنظمات غير الحكومية وحتى منظمة الأمم المتحدة تشير إلى الترهيب والاضطهاد، الذي ما فتيء يتصاعد من جانب القوات الروسية، التي تستمر في مداهمة المساجد والمنازل واعتقال الشباب، ومنع قيادات وأعيان المجتمع من السفر.
ويمكن القول بعد هذا الموجز المختصر لأوضاع المسلمين هناك، والذين يشكلون 4 بالمئة من إجمالي عدد السكان، أن مستقبل المسلمين في الأراضي التي احتلتها روسيا في أوكرانيا كارثي بكل ما تحمل الكلمة من معنى، لأجل هذا وجب الاهتمام بأوضاعهم ومد يد العون لهم نصرة لهم وحفاظا على وجودهم الذي اصبح مهددا، خاصة أن السطلات الأوكرانية تدعم المسلمين بشكل واضح، خاصة أنهم ساندوا الثورة الأوكرانية، ووقفوا ضد روسيا في القرم، وقبل ذلك كانت مشاركة العشرات منهم في ميدان الاستقلال، وفي الحرب ضد القوات الروسية والانفصاليين فعالة، مما سلط عليهم الأضواء، ونالوا احتراما أكبر من المجتمع، بدليل الدفاع المستميت عن مسلمي القرم من طرف السلطات الأوكرانية، واعتبارهم سكان القرم الأصليين للجزيرة، وتضامن الإعلام والمجتمع مع المضطهدين من المسلمين داخل القرم.
جذور الازمة الأوكرانية
تعود جذور الأزمة الأوكرنية الحالية إلى سنة 2010 عندما عادت السلطة لحزب الأقاليم الموالي لروسيا، بعد أن تمكنت الأخيرة من إسقاط مشروع الثورة البرتقالية التي اندلعت سنة 2004، تلك الثورة التي حملت أمال الشعب الأوكراني بالتخلص من الفساد، وخاصة من البيروقراطية الشيوعية، وتحقيق الرفاهية، وإنهاء معاناة الشعب من تأثيرات أزمة البطالة، وتدني الأجور، وتدهور القدرة الشرائية، حيث نجحت روسيا في استعمال سلاح الغاز ضد أوكرانيا، الأمر الذي تسبب في تدهور الاقتصاد الأوكراني، الذي يعتمد على 82 بالمئة من الغاز الروسي في إنعاش اقتصاده، خاصة أن أوكرانيا بلد بارد ومساحته كبيرة باعتباره ثاني أكبر بلد في أوروبا الشرقية بعد روسيا، لذلك يحتاج إلى الموارد الطاقوية وعلى رأسها الغاز، الذي يمثل عصب الحياة في البلاد.

شعرت النخب الأوكرانية المشبعة بالمباديء الغربية بالحسرة؛ على خسارة الثورة البرتقالية أمام الثورة المضادة، بقيادة روسيا ومؤيديها من الأوكرانيين الشرقيين من أعضاء حزب الأقاليم الموالي لروسيا- أغلب رؤساء أوكرانيا من شرق أوكرانيا الذي يتحدث الروسية كلغة رئيسة في 13 مقاطعة من أصل 24 مقاطعة-، خاصة أن سقوط رموز الثورة البرتقالية كان سقوطا مدويا، بدليل أن الشعب الأوكراني أعاد انتخاب الزمرة الموالية لروسيا، والمعروفة عنده بفسادها الفاضح، وهوما فهمته النخب بقيادة الرئيس السابق فيكتور يوشينكا، على أنه عقاب شعبي للثورة التي لم تحقق تلك الوعود الكبيرة التي أطلقتها في 2004، بل إن مؤشرات الفساد التي كانت في البلد قبل سنة 2004 بقيت نفسها سنة 2010، أي بعد ست سنوات من عمر الثورة التي لم تعمر طويلا، بل إن عهد رئيس الوزراء الموالية للثورة يوليا تيموشينكا؛ ساهم في عودة البيرواقراطية الشيوعية، وتمكنت في عهدها الطبقة الأوليغارشية، وزادت نقمة الشعب أكثر على رموز الثورة، بعد أن صار معظمهم أغنياء جدا،ورغم ذلك لكن رموز ونخب الثورة البرتقالية من الوطنيين المخلصين، لم يتوقفوا تماما عن محاولة إلحاق أوكرانيا بأوروبا، حتى وإن كان الأمر إبرام اتفاقيات شراكة سياسية واقتصادية، تمهد للانضمام الكامل للإتحاد الأوروبي.
فبعد سنتين من المفاوضات مع الإتحاد الأوروبي، توصلت أوكرانيا إلى اتفاق يقضي بتوقيع اتفاق شراكة اقتصادية مع أوروبا، في قمة فيلينيوس 28 نوفمبر2013، وأعطيت أوكرانيا فرصة للقيام ببعض الإصلاحات الهامة خاصة فيما يتعلق بالفساد القضائي.

لكن وجود رئيس أوكراني موالي لروسيا وهوالرئيس المخلوع فيكتور يانكوفيتش حال دون تحقيق ذلك في أخر لحظة، وهوالرئيس الذي حاول إمساك العصا من الوسط، عندما قبل بعد فوزه بالرئاسة بالمضي في مسار مفاوضات الانضمام لما يسمى مشروع الشراكة الشرقية،- وهومفهوم جديد ظهر بعد حرب الخمسة أيام بين روسيا وجوروجيا- حيث وافق مبدئيا على توقيع إتفاقية الشراكة بين أوكرانيا والاتحاد الاوروبي في مدينة فيلينيوس بليتوانيا،وعند وصول التاريخ المنشود لتوقيع الاتفاق، قامت روسيا بالضغط بشدة على الحكومة الأوكرانية، واستعملت كل الوسائل لمنعها من توقيعها، وهوما تحقق قبل 28 من شهر نوفمبر 2013، عندما أعلن الرئيس الأوكراني أسبوعا واحدا قبل انعقاد قمة الشراكة الاوروبية الشرقية في فيلينيوس تجميد توقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الاوروبي، وحاول إقناع الشعب أن هذا في صالح الاقتصاد الأوكراني، وسارعت روسيا للإعلان عن تقديم قرض ضخم بقيمة 18 مليار دولار وبشكل عاجل ، حيث قدمت فور إعلانها عن ذلك 3 مليار دولار، وكان الروس يظنون أن الإعلان عن هذا المبلغ كاف جدا لتهدئة الأوضاع، وتفادي وقوع اضطرابات نتيجة الإلغاء المعلن من طرف كييف الموالية لروسيا يومها، ولحاجة أوكرانيا للمال بسبب معاناة اقتصادها من شبح الانهيار والإفلاس، ولم تعتقد موسكو أنها ستواجه هذه المرة رفضا أوكرانيا عنيدا، تجلى في الاعتصامات المطردة التي شهدتها ساحة الاستقلال التي باتت تعرف فيما بعد بساحة الميدان الأوروبي، تطورت الاعتصامات وبدأت عدد المحتشدين يرتفع بشكل مطرد وسريع، رغم أن الأجواء كانت باردة جدا، وهوما يدل على إصرار أوكراني غير مسبوق على تحدي روسيا، وأخذ الموقف يتصاعد إلى أن استعملت الشرطة الرصاص الحي، وسقطت أول ضحية في يوم 21 من شهر جانفي سنة 2014، ليبدأ بعد ذلك فصل جديد لم يتوقعه أحد، حيث توالى سقوط القتلى بشكل رهيب عن طريق الضرب المباشر، والقنص من بعيد، وهوالأمر الي عجّل بإقناع مكونات اجتماعية هامة داخل المجتمع بالمشاركة في التظاهرات والاعتصامات، ولعل أهمها منظمة القطاع الأيمن المتشددة، المعروفة بحقدها الكبير على الدولة الروسية- شارك القطاع الأيمن بفعالية في الحرب الشيشانية الأولى التي دامت من سنة 1994 إلى غاية 1996 إلى جانب القوات الشيشانية ضد الروس- وهي منظمة غير معتمدة وشبه عسكرية، يداوم أفرادها على التدريبات والنشاطات القتالية، حيث كان وصولها إلى ميدان الاستقلال المنعطف الذي غير مجرى الأحداث، عندما ساهم أعضاؤها في إبطال فعالية تدخل الشرطة الموالية لموسكو، ثم قيامها باحتلال أغلب وأهم المباني الرئيسة في العاصمة كييف، وهوما جعل روسيا تقرر استخدام هذا الحدث لاحقا في اتخاذ خطوات لم يتوقعها أكبر المتشائمين سياسيا، حيث انطلقت الألة الدعائية الروسية بقوة، لتوحي للجماهير الأوكرانية من أصول روسية، داخل جزيرة القرم وشرق أوكرانيا وروسيا؛ بأن المتطرفين الأوكران سوف يستولون على البلاد، ويحدثون مجازر رهيبة في حق الناطقين بالروسية، خاصة مع اختلاف الولاء العقدي بين أوكرانيا وروسيا، فروسيا تتبع الكنيسة الأرثوذوكسية اليونانية، والمسماة أيضا بالكنيسة البيزنطية أوالرومية، بينما تتبع أوكرانيا وخاصة غربها الكنيسة الكاثوليكية الرومانية ،ويعود تاريخ هذا الإنشقاق لأكثر من عشرة قرون، وقد استفحل هذا الانشقاق في أيام ميخائيل كيرولارس، بطريرك القسطنطينية عام 1054 وكانت أسبابه الحقيقية سياسية أكثر منها عقدية. وهذا الخلاف العقدي لايزال مؤثرا بشكل قوي في أوروبا، لذلك غادر بابا الفاتيكان إلى اسطنبول لعقد صلح بين الكنيسيتين في شهر ديسمبر من سنة 2014. وهوالخلاف الذي يمكن أن يفجر أوروبا في أي مرحلة من مراحلها، كما فجرها في حرب الثلاثين سنة في القرن 17 ميلادي.
روسيا تمكنت من استغلال العداء التاريخي بين الكنيستين، وتأجيج نار العقيدة الأرثوذكسية بسرعة كبيرة في نفوس الناطقين بالروسية، واستغلت تهور بعض رموز المعارضة الأوكرانية الذين أعلنوا إلغاء الروسية كلغة ثانية للبلاد، وقاموا بتضخيم الأمر بسرعة، خاصة أن الأوضاع خرجت فعليا من يد روسيا بعد 18 فيفري، عندما قتلت السلطات الموالية لموسكوأكثر من 82 أوكرانيا في ساحة الاعتصام، بعد أن حاولوا اقتحام مقر البرلمان، وهي المجزرة التي سرعت تدخل أوروبا، وإقناع الرئيس فيكتور يانوكوفيتش يوم 21 فبراير بتحقيق مطالب المعارضة، ومنها إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
لكن تطورا خطيرا حدث في أوكرانيا بعد توقيع هذه الاتفاقية، حيث هرب الرئيس يانوكوفيتش إلى شرق البلاد ومن ثمة نحوروسيا، وطالب روسيا بحمايته من المتطرفين، وهي الخطوة التي تكون روسيا وراءها، وكان الهدف منها نشر الفوضى وإحداث فراغ دستوري، تمهيدا لسيناريوهات روسية، انتظرها بوتين منذ سنوات، وكان أهمها إعادة السيطرة على جزيرة القرم الاستراتيجية، تحقيقا لحلمه الكبير في استعادة مجد القياصرة الروس، وهوالمعروف عنه ولعه بالتاريخ الروسي، وشعوره بالغضب من سقوط الاتحاد السوفياتي، وهوما كان يصرح به كثيرا في خطاباته التي يعقدها مع طلبة الجامعات الروسية، أومع النخب الروسية الموالية للسياسات الروسية التي ينتهجها بوتين، والتي يقف على رأسها استرداد الهيبة الروسية المفقودة.
روسيا تضم القرم...
بعد أن فعّلت روسيا الألة الإعلامية الضخمة التي تمتلكها، وضبطتها على بروباغندا خطيرة، عنوانها الغرب يريد تدميرنا وتفكيكنا، انتقلت روسيا إلى سيناريولم يتوقعه حتى الشعب الروسي، حيث عمد بوتين إلى إرسال قوات ضخمة بلغ تعدادها 30 ألفا، وهي قوات مموهة، أطلق عليها قوات الدفاع الشعبي؛ بهدف مغالطة الرأي العام العالمي، وإقناعه بأن ما يحدث هناك هوتقرير مصير وفقا لمباديء الأمم المتحدة، وتسارعت الأحداث، حيث عمد الروس إلى محاصرة القوات البحرية الأوكرانية، واستولوا على البرلمان، ثم أقالوا عمدة أهم مدينة وهي سيفاستبول، التي يلقبها الروس بمجد البحرية الروسية، والتي منها دخلت الأرثوذوكسية إليها، ثم تم إعلان تنظيم استفتاء تقرير المصير يوم 16 من شهر مارس 2014، سبقه اعتماد مشروع قانون من الكرملين مفاده، إمكانية قبول انضمام أي أرض إلى روسيا بناء على رغبة شعبها، وهوما يؤكد التخطيط المسبق لهذا السيناريو، الذي انتهى بضم جزيرة القرم بالقوة تحت زعم وجود استفتاء شعبي يريد الانضمام إلى روسيا، وهوالاستفتاء الذي عارضه سكان القرم الأصليون، وهم مسلموتتار القرم، وانتهى الأمر بتوقيع بوتين يوم الجمعة 20 مارس مرسوما رئاسيا بضم جزيرة القرم إلى الفيدرالية الروسية.

العالم يتغير بعد 16 من شهر مارس..
إن ضم روسيا لجزيرة القرم مثل صدمة قوية في الداخل الأوروبي، فأوروبا لا تزال تستحضر أثار الحرب العالمية الأولى والثانية، وما خلفتاه من أثار عميقة، تلك الآثار التي جعلت الأمن الأوروبي على قمة اهتمامات الأوروبيين، على مدار العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية، - لذلك يأتي اهتمامهم بتقوية حلف الناتودوريا وبشكل مطرد؛ من باب الحفاظ على قوة الردع التي تؤمّن الأمن الاستراتيجي لأوروبا قاطبة-، لذلك استيقظ الأوروبيون أخيرا مما يسميه واضعوا سياسة الناتومن الغفلة الأمنية، التي ظهرت بوضوح أمام التراخي الأوروبي للغزوالروسي لجورجيا سنة 2008، عندما كانت روسيا على مقربة من تصفية ميخائيل ساكاشفيلي، وخذلت أوروبا الشعب الجورجي الذي كان يطمح لانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وإلى حلف الناتو، حينها تعالت أصوات كثيرة تنبه الأوروبيين إلى أن تخاذل القارة العجوز أمام طموحات روسيا بوتين، التي أقدمت على قضم جورجيا أمام كل العالم ستكون له تداعيات خطيرة، وهوما حدث فعليا في 16 من شهر مارس 2014، عندما ضمت روسيا جزيرة القرم في سابقة تاريخية لم يحدث مثلها بعد الحرب العالمية الثانية، وهوالأمر الذي غير تصورات كثيرة في أروبا عموما، وبأوروبا الشرقية خصوصا، حيث لم تشهد أوروبا تغيرات في الحدود منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، على الرغم من ظهور بؤر توتر في القارة، لعل أبرزها مشكلة كوسوفوومولدافيا وجورجيا، وهي المشكلات التي لم يكن يرى الأوروبيون فيها تهديدا حقيقيا لهم، باعتبار أن ما حدث لم يؤدي لقضم أجزاء من دولة وضمها لدولة أخرى بقدر ما كانت تغيرات داخل الدول، لكن الذي حصل في القرم يعد سابقة لم تشهدها أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، الشيء الذي ترك تداعيات كبيرة على الواقع الجيوسياسي والجغرافي بأوروبا، وهوما سنحاول تبيينه في التفصيلات التالية:
ماذا ربحت روسيا وماذا خسرت..
يعتقد فلاديمير بوتين أن ضم جزيرة القرم هوحق تاريخي لروسيا بعد أن منحها نيكيتا خروتشوف-أوكراني الأصل- سنة 1954 لأوكرانيا، ويرى الرئيس الروسي أن هذا المنح المجاني كان خطأ استراتيجيا، رهن مستقبل ومصير روسيا؛ أمام طموحات حلف الأطلسي المتنامي.
روسيا ربحت موطيء قدم استراتيجي في المياة الدافئة بالبحر الأسود، خاصة أنها كانت تشعر بالقلق من امكانية فقدانها الواجهة البحرية الأخيرة لها خارج المجال الحيوي الروسي، والوحيدة في البحر المتوسط، وهي قاعدة طرطوس البحرية بسوريا، فقد شكلت الثورة السورية تهديدا حقيقيا للتواجد الدائم للأسطول الروسي على ضفاف المتوسط، مما جعلها تضع في الحسبان فقدان هذا المرفأ الاستراتيجي، بدليل أن الروس تفاوضوا مع جمهورية الجبل الأسود لأجل تأجير مرفأ بحري يكون مربضا قارا للأسطول الروسي عى ضفاف المتوسط، بعد أن فقدت روسيا رومانيا وبلغاريا كحليفين سابقين لموسكو، خاصة أن رومانيا وبلغاريا تتحكمان مع تركيا في مضيق البوسفور، إلى جانب وجود هذه الدول الثلاثة داخل الحلف الأطلسي، وهذا ما يؤرق روسيا، رغم أن الاتفاقيات الدولية التي وقعت بشأن هذا المضيق، تنص على محدودية السفن التي يجب أن تمر وتتواجد بهذا المضيق الاستراتيجي .

الأوكرانية ouarsenis-ee7c95ad1b.jpg

ويجب التأكيد على أن روسيا حققت بضمها القرم مكسبا أخر، وهوإنهاء التهديد الأوكراني في البحر الأسود ، وهوالأمر الذي كان يرعبها، بسبب خوفها من التوجه الجديد لأوكرانيا نحوالغرب، وخوفها من التطلع للانضمام إلى الحلف الأطلسي، والذي يعني إطباق الحصار على روسيا في المياه الدافئة، وجعل درجة المناورة لديها تكاد تكون منعدمة، وهذا ما يفسر قيام موسكو سنة -2010 بعد فوز الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش برئاسة أوكرانيا - وهوالمسمى بالابن البار لروسيا، لتفانيه في خدمتها،- بعقد اتفاقية هامة مع يانوكوفيتش، تنص على تمديد تأجير المرفأ الاستراتيجي في جزيرة القرم ومدينة سيفاستبول لصالح الأسطول الروسي المرابض هناك إلى سنة 2045.
روسيا لم تكتف بهذه الخطوة، بل قامت بتحريك سكان شرق أوكرانيا، الذين يدين أغلبهم بالانتماء القومي لروسيا، ويعتبر شرق أوكرانيا ورقة ضغط قوية في يد روسيا، خاصة أنها تتفضل على الأوكرانيين ببناء الكثير من المصانع والجامعات هناك، حتى صار بمثابة القلب النابض للصناعات الثقيلة والاستراتيجية الأوكرانية، وسبب اهتمام روسيا بالشرق الأوكراني، هوأن أوكرانيا تعتبر دولة حديثة تشكلت بعد الحرب العالمية الأولى، أي أنها هجين من عدة اثنيات لم تتعايش فيما بينها قرونا، بل لم تكمل القرن الواحد، لذلك لا يعرف توجهها المستقبلي بدقة، خاصة أن الغرب الأوكراني يحمل القابلية للاندماج في منظومة القيم الحاكمة لغرب أوروبا، وثانيا لأن غرب أوكرانيا وقف بقيادة ستيفان بانديرا، الزعيم الروحي القومي للأوكران في وجه روسيا في الحرب العالمية الثانية، وحارب الجيش الأحمر، حتى شكل خطرا حقيقيا على استقرار السوفيات، مما جعل روسيا التي كانت العقل المدبر لكل الخطوات التي خطاها الإتحاد السوفياتي، تستشرف سيناريوهات المستقبل الأوكراني، ويستشعر قادتها الخطر الذي قد يأتي من أوكرانيا، لهذا شجعوا الشعب الروسي على الهجرة إلى كل الدول المكونة للإتحاد السوفياتي، ومن بين الدول التي توجه إليها الروس شرق أوكرانيا، بسبب وجود الأقطاب الصناعية والعلمية وبنية تحتية قوية ومتينة، ووقوعه في مساحة مسطحة شاسعة أيضا، فاستعملت هذا السلاح الفتاك لزعزعة أوكرانيا، حيث تسارعت الأحداث، وبدأ الأوكرانيون من أصل روسي إعلان تمردهم على السلطات الجديدة لكييف، ويبدوأن معرفة روسيا بجغرافيا الدونباس؛ قد ساعدت على سرعة انتشار التمرد والفوضى بالدونباس، خاصة أن روسيا لا تزال تحتفظ بالأرشيف الأوكراني إلى اليوم، وترفض تسليمه لكييف، بالإضافة لاختراقها المؤسسات والأجهزة السيادية الأوكرانية بشكل شبه شامل، وهذا ما يفسر السقوط السهل والسريع لكبرى المدن في حوض الدونباس، ونقصد بهما دونيتسك الغنية بمناجم الفحم والطاقة، ولوغانسك المتاخمة لروسيا، حيث سلمت الشرطة الأوكرانية، أسلحتها وأخلت كل مقارها، بل إن رجال الشرطة انضموا إلى الحركة الانفصالية، ثم حركت روسيا سلاحا أخر بعد أن تمكنت الدعاية الإعلامية الروسية من تجييش المشاعر القومية لسكان الدونباس، فبدأت الأسلحة وقوافل الدبابات والمدرعات ومجموعات المرتزقة تتدفق بشكل يومي على دونيتسك ولوغانسك، معقلا الحركة الانفصالية الموالية لروسيا، وسبب اهتمام روسيا بزعزعة الشرق الأوكراني يتلخص في أهداف هي:
أولا: زعزعة أوكرانيا ونشر الفوضى؛ من أجل إفشال الثورة الجديدة؛ بسبب الخسائر التي ستثقل كاهل الحكومة الأوكرانية.
وثانيا: بعد تأكد روسيا من إصرار الأوكران على التوجه نحوالغرب، خطط الروس لجعل مسرح المواجهة بينهم وبين الغرب في شرق أوكرانيا، بعيدا عن موسكو، خاصة أن لروسيا ثلاث بوابات رئيسة وهي ، أسيا الوسطى، والقفقاس، وأوكرانيا.

الأوكرانية Battle_of_Poltava.jpg

وقد كان الخطر دائما يأتي من أوكرانيا، فعبر سهولها عبرت جيوش الامبراطورية السويدية نحوروسيا، والتي يشير إليها المؤرخون بمعركة بولتافا، أحدة المعارك الهامة التي غيرت تاريخ أوروبا إلى اليوم ،في ما يعرف في التاريخ بالحرب الشمالية العظمى، والحروب النابليونية التي انتهت بتدمير كبير لروسيا، واحتلال موسكوفي القرن 19، ثم الحرب الوطنية العظمى بين الروس وبين الألمان، حيث عبر أوكرانيا مر أكثر من 4.5 مليون جندي ألماني وأجنبي السهول الأوكرانية نحوروسيا، وتاريخيا كانت أوكرانيا محط رحال الحملات العسكرية ضد روسيا، ففي سهولها كانت تستريح الجيوش، وتستعد للحرب من خلال إعادة ربط شبكة الإمدادات وتوفير المؤونة من خلال المزارع والبساتين التي تحتويها الأراضي الأوكرانية، هذه الاحداث جعلت الوعي القومي الروسي ينظر إلى أوكرانيا أنها بوابة التهديد الدائم لوجوده الحضاري، لذلك يصر على السيطرة عليها، والتحكم في مقدراتها وقرارها السياسي اليوم، مع وصول طلائع حلف الأطلسي إلى الحدود الروسية عبر دول البلطيق وعلى المياه الدافئة في البحر الأسود.
وثالثا: فإن كل الانتصارات التي حققها الروس على خصومهم عبر المحطات التاريخية الكبرى، كانت بفضل قسوة المناخ، وانقطاع الإمدادات عن الجيوش الغازية في أوكرانيا، وهذا ما يفسر محاولة روسيا السيطرة على هذه المساحات الشاسعة، للاستفادة منها مستقبلا في أي حرب مستقبلية مع الغرب.
ورابعا: فإن روسيا قد أعاقت فعليا أوكرانيا عن تحقيق هدفها بالصيغة والسرعة التي أرادتها النخب الجديدة الموالية للغرب، بسبب التكلفة الضخمة للحرب، وتأمل موسكوالذهاب إلى أبعد من ذلك، وهوفشل المشروع الأوكراني في الالتحاق بالاتحاد الأوروبي.
أما خسائر روسيا جراء ضم جزيرة القرم والتدخل في شرق أوكرانيا، فلعل أبرزها على المدى القصير:
أولا: وقوعها في عزلة دولية، سرعان ما فتئت تتنامى يوما بعد يوم، وهوما يفسر السهولة التي وجدها الاتحاد الأوروبي في إقناع الأوروبيين بجدوى تجديد العقوبات في نهاية شهر جانفي من السنة الحالية.
ثانيا: تعرض روسيا لعقوبات اقتصادية قوية، أقرها الإتحاد الأوروبي، ومست عدة مجالات حيوية روسية، حيث ألغيت الكثير من المشاريع المشتركة، وتم إيقاف توريد الكثير من التكنولوجيات التي تدخل في الصناعة الثقيلة والاستراتيجية ، التي تحتاجها روسيا؛ خاصة أنها متأخرة كثيرا عن التطور التكنولوجي الذي تعيشه أوروبا، كما تم فك الارتباط بين الإتحاد الأوروبي وروسيا، وأوقف التعاون في مجالات الصناعات الحربية الاستراتجية، والصناعات الالكترونية، ومجال الطاقة، وأبحاث الفضاء، وكذلك تم توقيف التعاون مع روسيا في مجال بناء بنية مصرفية روسية قوية.
ثالثا: ولعله الأمر الأخطر، وهوتوقف نموالاقتصاد الروسي، ودخوله مرحلة العجز، بسبب العقوبات الاقتصادية، ما أدى بالمستثمرين الروس والأجانب إلى سحب أموالهم من
روسيا، حيث تم نزوح أكثر من 150 مليار دولار من البلاد سنة 2014، وهوما خالف حتى توقعات البنك المركزي الذي توقع نزوح 100 مليار دولار على أقصى تقدير، ويؤكد مدير المركز الأوروآسيوي في المجلس الأطلسي جون هيربست على هذا فيقول '' إن العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا تركت أثارها على روسيا، حيث تم تسجيل تراجع في النموالاقتصادي الوطني، أكدتها تصريحات المسؤولين الروس، وهناك هروب كبير لرأس المال من روسيا'' ، وبسبب تدهور أسعار النفط والعقوبات الغربية، خسرت روسيا الكثير من احتياطاتها المالية، عندما حاولت وقف السقوط الحر للعملة الروسية الروبل، التي فقدت أكثر من 50 بالمائة من قيمتها، حيث تم بيع العملات الأجنبية من احتياط الصرف الأجنبي، وتم رفع معدل الفائدة إلى 17 بالمئة، لكن كل ذلك تهاوى بعد شهر واحد من استنفاذ هذه الإجراءات مفعولها، حيث ومع نهاية شهر جانفي، عاود الروبل سقوطه الحر، وهوما كبد روسيا خسائر فادحة.
كما أن الشعب الروسي يعاني من انهيار القدرة الشرائية بسبب انهيار العملة المحلية، وهوالذي قبل بالصفقة غير المعلنة بينه وبين العصبة الحاكمة في الكرملين، التي تقوم على معادلة بسيطة، وهي توفير الحكومة معيشة مستقرة وجيدة، مقابل تخلي الشعب عن الحرية،وعدم المناداة بالديمقراطية الأوروبية، التي صارت تنعم بها دول البلطيق وبولندا ورومانيا وبلغاريا على سبيل المثال.
ولعل الخسارة الأبرز لروسيا، خسارتها جوار الشعب الأوكراني، الذي يمتلك رصيدا لا بأس به من العداوة لروسيا تاريخيا، فالأوكرانيون شعب لم ينس جراحاته التي تسببت فيها روسيا على مدى التاريخ، ففقي ثلاثينات القرن العشرين، قتل ستالين 10 ملايين مزارع في غرب ووسط أوكرانيا، من أجل إحداث توازن ديمغرافي، كما أن مساهمة روسية الفعالة في إفشال الثورة البرتقالية، لا تزال راسخة في الوعي الجمعي الأوكراني، ما جعل الأمة الأوكرانية تعاني من مشاكل اجتماعية واقتصادية خانقة، كما أن التدخل الروسي الداعم للتمرد والانفصال عن أوكرانيا، ومساندته بالمرتزقة والمال والسلاح، زاد من تسارع نموالقومية الأوكرانية المناهضة لروسيا، خاصة مع سقوط آلاف القتلى من الأوكرانيين على يد الانفصاليين والمرتزقة والقوات الروسية، التي أكدت أوكرانيا والغرب دخولها إلى شرق أوكرانية.
أوكرانيا مخرجات الثورة وضريبة الحرية
أوكرانيا هي ذلك البلد العازل بين أوروبا وروسيا، - ولعل اسمها يشير إلى سبب تسميتها بأوكرانيا، فمن معاني كلمة أوكرانيا الحافة، فهي تقع على حافة القارة الأووربية- وهي أوكرانيا أكبر بلد أوروبي خارج الإتحاد الأوروبي، وثاني أكبر بلدان أوروبا الشرقية، عانت تاريخيا من الغزوالخارجي، رغم تمتعها دوما بالقوة والأرض، مما أدى في كثير من المرات إلى تقاسمها بين القوى الإقليمية المجاورة لها، فخضعت أجزاء منها للامبراطورية الليتوانية، وأخرى للامبراطورية البولندية، بعد أن انهارت في القرن 12 ميلادي، بسبب الغزوالمغولي للبلاد، رغم أنها كانت تعيش عصرها الذهبي قبله، وهي تمتلك أكبر جيش في أوروبا، وأراض خصبة، لذلك يعتبرها الأوروبيون السلة الغذائية المستقبلية لهم، فوجود الأنهار جعلها بلدا يتمتع دوما بالاكتفاء الذاتي في غذاءه، وهوالأمر الذي كان يركز عليه الغزاة تاريخيا، فمن أسباب إصرار هيتلر على ضمها لألمانيا، أنه كان يعتبر احتلاله لها أمرا قد يحقق لألمانيا رخاء في الغذاء، وهوالأمر الذي عاد اليوم بشكل أخر، فأوروبا تريد ضمها إلى ما بات يعرف بالشراكة الشرقية،- وهوالمشروع الذي ظهر بعد الحرب الروسية الجورجية- نظرا للمقدرات الإنسانية -46 مليون نسمة- والزراعية والصناعية الهامة التي يزخر بها هذا البلد.

الأوكرانية 201431710453641734_8.jpg

عادت للواجهة في في أوائل القرن العشرين، حيث ساهم البلاشفة في تكوينها، بعد أن كانت مقسمة إلى أربعة أجزاء هي :
- قسم تابع لروسيا عاصمته كييف حيث كان البولشفيون يُسيطرون؛
- قسم تابع لبولونيا وهوالقسم الذي كان تحت سيطرة الأمبراطورية النمساوية؛
- قسم سُمّي "أوكرانيا الصغيرة" وتمّ ضمّه إلى تشيكوسلوفاكيا؛
- والقسم الأخير سُمّي بالـ "بوكوفين" وتمّ ضمّه إلى رومانيا.
وفي هذا الصدد يقول أوليغ نيمينسكي وباحث في معهد الدراسات السلافية: " لا تعدّ الدولة الأوكرانية نتيجةَ تقرير الأوكرانيين لمصيرهم، فقد شكَّلها البلاشفة من أقاليم مختلفة جداً، وعلى مدى سنوات طويلة كانت الحياة السياسية الأوكرانية تتحدد عبر المواجهة ما بين قسمين متساويين تقريباً من جمهور الناخبين، وهما الغرب مع المنطقة الوسطى التي تميل نحوه والجنوب الشرقي، ذلك أن سكان هذه المناطق مختلفون من الناحية الثقافية، ففي الجزء الشرقي تسود اللغة الروسية بصورة مطلقة، أما في الغرب فاللغة الأوكرانية أكثر انتشاراً نسبياً، كما أنهما مختلفان اقتصادياً، ذلك أن الشرق صناعي بشكل أساسي، أما الغرب فهوزراعي.'' ومن هنا يظهر جليا أن حداثة وعي الشعب الأوكراني بمفهوم الدولة، كان سببا هاما للأزمة الحالية، حيث استغلت روسيا هذه الثغرة، لاستثارة الروح القومية للناطقين بالروسية، بعد أن أوعزت للآلة الإعلامية الضخمة بإثارة النعرة القومية ضد الغرب والجكومة الموالية له، ولذلك –على سبيل التمثيل- يضع الانفصاليون إشارات ذات ألوان برتقالية وسوادء، ترمز لانتصار الروس في الحرب العالمية الثانية، وهوما يعني أن روسيا تريد أن تجعل الشعب الروسي يعيش وهم وجود خطر غربي يماثل الخطر النازي، وسبب كل هذه الدعاية القوية؛ هوالخوف من الثورة الأوكرانية من أن تصل شرارتها إلى موسكووسيبيريا، حتى أن النخب الروسية الموالية لسياسة بوتين لم تخفي كرهها وتشويهها للقومية الأوكرانية حيث يقول الإعلام الروسي ما ملخصه:" اختلف جنوب ـ شرق أوكرانيا ما بعد الحقبة السوفييتية عن غربها بأنه لم يمتلك هويته الخاصة، ولذلك فإنه حتى عندما تواجد ممثلوالجنوب الشرقي ضمن هياكل سلطات كييف، فقد تُرك كل المجال الإنساني للسياسة بأيدي القوميين الأوكرانيين من غاليتشينا، فعلى مستوى إدارة نظام التعليم والسياسة الإعلامية خضعت جميعها لنزعة قومية موحدة، فالجيل الجديد من الأطفال الأوكرانيين يدرس الكتب المدرسية التي تعرض رؤية قومية متطرفة للتاريخ الأوكراني، وفي التلفزيون تُعرض باستمرار برامج حول الدعاية لأفكار القومية الأوكرانية المتطرفة، وها هي أوكرانيا تجني اليوم ثمار هذه التربية المدرسية والإعلامية'' فهذا النص يدل على مدى العداء الكبير الذي تكنه النخب الروسية لأوكرانيا، خاصة أنها دولة تحمل كل مقومات النجاح، تلك القومات التي لا يتملكه االروس، وهي المقومات الإنسانية، وحب الأوكرانيين للعمل، وتضلعهم في الصناعات، كما أن الساسة الموالين لروسيا من الأكرانيين المنضوين تحت المنظومة الشيوعية، لم يخفوا غضبهم من ثورة 2013 لذلك وجه الحزب الاشتراكي التقدمي مع مجموعة من المسؤولين السياسيين والجمعويين إلى السكرتير العام للأمم المتحدة، ولقادة الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة نداء جاء فيه ما يلي " .. أن تظاهرات الأوروميدان تخدم أجندة خارجية، تهدف من خلال معاهدة مجحفة إلى النيل من السيادة الوطنية الأوكرانية لصالح الشركات المتعددة الجنسيات ..وقد اتضح أن هذه الوثيقة تعارض إعلان السيادة الوطنية،الدستور،قرارات المحكمة الدستورية” وإرادة الشعب المعبر عنها في استفتاء 17مارس و1 ديسمبر1991." وجاء فيه أيضا ".. اتفافية الشراكة مع الاتحاد الأوربي تؤدي حتما إلى انهياراقتصاد، صناعة،فلاحة والقطاع العلمي للبلد..إنها مشروع مناهض لروسيا إذ يرمي إلى إخراج أسطولها من البحر الأسود،ويجر أوكرانيا إلى حلف الناتو''. هذه المقتطفات المقتبسة من النداء الذي وجهته النخبة الشيوعية الأوكرانية الموالية لروسيا، تظهر مدى الأخطار التي كانت تحيط بالثورة الجديدة، التي استفادت من الدروس السابقة، خاصة أن القيادة الحالية لها، تربت في الغرب، ودرست في جامعاته وتتحدث اللغة الانجليزية بطلاقة كبيرة، حيث ساهم كبير المنظرين الأمريكيين جين شارب في تكوينهم شخصيا، وهوما تفطن له الروس، وفهموا أنهم يواجهون نخبة محنكة تفهم جيدا قواعد اللعبة، وهو الشيء الذي جعل روسيا والنخب الأوكرانية الموالية لها، القادمة من الشرق الأوكراني، ترفض أن تدخل أوكرانيا في ما بات يعرف اليوم بالشراكة الأوربية الشرقية، ويصرون على ضمها إلى الإتحاد الأوراسي، وهنا نريد بسط القول في هذين المشروعين المتضادين، واللذين ألقيا بظلالهما على أوكرانيا:
الشراكة الأوروبية الشرقية: في سنة 2009 قامت روسيا بغزوجورجيا التي كانت تتمتع بحكم موال للغرب بقيادة ميخائيل ساكساشفيلي، في ما يعرف اليوم بحرب الأيام الخمسة، وكان السبب الظاهر هوالوقوف إلى جانب القومية الروسية الموجودة في أوسيتيا الجنوبية، لكن حقيقة الأمر كانت منع جورجيا من الانضمام إلى حلف الأطلسي، الذي يشترط لعضويته أن لا تكون الدولة المتقدمة بطلب الانضمام في صراع مع دولة مجاورة لها، وهوما حققته روسيا إلى اليوم، وهوالأمر الذي أثار مجموعة ألفسغراد ، وهي بولندا والمجر، والتشيك وسلوفينيا والسويد، وجعلها تقترح مشروع الشراكة الشرقية الأوروبية، الموجه نحوالدول الطامحة للتعامل مع، أوروبا لكنها تلقى معارضة روسيا، وهي : جورجيا وأرمينيا وأذربيجان في القفقاس، وبيلاروسيا ومولدافيا، وأكرانيا شرق أوروبا، ويعبر هذا المشروع عن نية أوروبا في تطوير سياسة الجوار الأوروبية، من أجل تطوير البعد الشرقي للسياسة الأوروبية الخارجية، التي تنوي في المستقبل تحقيق مشروع أوروبا العظمى، ويسعى هذا المشروع إلى التأثير على الداخل الروسي، من خلال تحقيق نماذج اجتماعية راقية، تجعل الشعب الروسي يتطلع إلى العيش ضمن مبادئها وقيمها، عبر تفعيل مشاريع الديمقراطية، والسوق الحرة، وإصلاح القضاء، ومحاربة الفساد، وتوفير سبل تعاون حقيقية في مجال الطاقة للتفلت من الهيمنة الروسية على الموارد الطاقوية التي تفتقر إليها أوروبا، مما يعني مستقبلا تغيير نظام الحكم داخل روسيا، الذي تعتبره النخب الأوروبية التهديد الأمثل لأمن أوروبا ووحدتها، ولابد من الإشارة إلى أن مشروع الشراكة الشرقية هوالتفات أوروبي ذكي على السياسة الروسية، الرافضة لانضمام هذه الدول إلى الفضاء الأوروبي، بحيث يساعد في الأخير على وصول الغرب إلى المياه الدافئة في البحر الأسود، والوتغل في القوقاز، الغني بمصادر الطاقة، وخلق مجال اقتصادي حيوي، وهوما فهمه الساسة الروس، حيث صرح سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي بما يلي: " ما معنى هذه الشراكة الشرقية؟ أليست محاولة من الاتحاد الأوربي لتوسيع دائرة نفوذه؟ "
أما المشروع الثاني والذي ذهبت أوكرانيا ضحية لحسابات الروس فهوما بات يعرف في الأوساط السياسية بمشروع الإتحاد الأوراسي:
يرى فلاديمير بوتين أن انهيار الإتحاد السوفياتي يشكل على حد تعبيره '' أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين" ويرى أن الغرب التف حول الاتفاق الذي كان بين غورباتشوف وأوروبا، حيث حل السوفيات حلف وارسو، لكن الغرب لم يوفي بوعده بحل حلف الناتو، عندما أخلف الرئيس الأمريكي الأب جورج بوش بوعده، ويرجع سبب ذلك لعد أسباب من بينها التخطيط لضم شرق أوروبا الاستراتيجي، وحرمان روسيا من الاستفادة من أي فرصة لإنشاء تكتل إقليمي تكون دول شرق أوروبا محوره، ما جعل روسيا بوتين تطمح لتأسيس تكتل إقليمي بالعدد الأقل والأهم من الدول التي لم تنضم بعد لفضاء دول شنجن.
في أكتوبر من سنة 2000 قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين " إن روسيا دولة أوراسية" ثم قال في 11 من نوفمبر 2011 –غداة التوقيع على مذكرة إنشاء الإتحاد الأورواسي، الذي تم التوقيع عليه رسميا في صيف 2014 ، ويدخل حيز التنفيذ ابتداء من الشهر الأول لسنة 2015- وبعد حفل توقيع اتفاقية الأمن الجماعي بين روسيا وكازاخستان وبيلاروسيا وأرمينيا وقيرغيزيا وطاجاكستان وأوزبكستان " إن الطاقة التي تحملها الأفكار الأوراسية تكتسب أهمية فائقة اليوم حين نبني علاقات متساوية حقاً بين بلدان الرابطة" وأضاف "إنه المستقبل الذي يولد اليوم" .
هذه التصريحات المقتضبة للرئيس الروسي، تؤكد الحلم الكبير الذي يراود الروس في إعادة إحياء أمجاد القيصرية الروسية، حتى وإن صرح بوتين عدة مرات أنه إتحاد دمج وتكامل، وليس على شاكلة الاتحاد السوفياتي المبني على الاستتباع، لذلك يريد فلاديمير بوتين أن يكون هذا الإتحاد شراكة فوق وطنية، تصل لأن تكون قطبا كاسحا للإتحاد الأوروبي والهيمنة الأمريكية.
بل إن الروس يرون في الإتحاد الأوراسي مشروعا هاما لجذب دول أسيا الوسطى، وتركيا وإيران، خاصة أن الكثير من المصالح المشتركة تجمع هذه الدول مع روسيا ومع بعضها البعض، لذلك تقام الملتقيات والندوات في هذه الدول لمناقشة هذا الكيان الاقتصادي، كما تهتم مراكز الدراسات الحكومية بهذه الدول بالدراسات التي تنتجها مختلف النخب، لمعرفة مدى فائدته، وإمكانية الالتحاق به في حال ما تجسد على أرض الواقع.
لكن هذا المشروع لا يمكن أن يتحقق، ولا يمكن أن تكون له فعالية حقيقية دون أوكرانيا، لذلك رفض الروس فكرة استقلال أوكرانيا عن الهيمنة الروسية، التي تعني في الأخير ضربة قاصمة للمشروع الروسي، وهوما يفسر التدخل الروسي لإفشال الثوة الأوكرانية عبر ضم جزيرة القرم، وإثارة الحرب في شرق أوكرانيا، خاصة أن الأمريكيين أبدوا منذ عقود خوفهم من ظهور هذا الشكل من التكتل حيث يقول بريجينسكي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي " يجب تفكيك أي تكتل أوراسي، وحرمان روسيا من ثلاث دوائر مركزية هي أوكرانيا أوزباكستان وأذربيجان'' ويظهر تصريح هلاري كلينتون في دبلن على هامش اجتماع منظمة الأمن والتعاون الأوروبي في ديسمبر 2011 المخاوف الأمريكية من محاولة إحياء تكتل أوراسي مناهض لأمريكا حيث قالت " إننا نشهد محاولة إحياء السوفييت في المنطقة بأسماء أخرى، فهي تارة اتحاد جمركي وأخرى اتحاد أوراسي، نعرف الهدف من هذا ونحاول أن نجد طرقا لمنعه".
ومن خلال هذا العرض الموجز للمشروعين، يظهر جليا أن وقوع أوكرانيا في المنطقة العازلة بين روسيا وأوروبا، جعلها تقع ضحية للحسابات الجيوسياسية للقوى العالمية والإقليمية.
ورغم ذلك فإن أوكرانيا أعلنت صراحة عزمها على الالتحاق بالفضاء الأوروبي، للعيش ضمن المباديء القيم الأوروبية، حيث يتمتع الإنسان الأوكراني بقابلية للعيش ضمن الفضاء الأوروبي، ويرجع السبب في تبلور قناعة راسخة لدى الشعب الأوكراني بأن التغيير الاجتماعي والاقتصادي لن يأتي إلا بالتحرر من التبعية لروسيا والانضمام للأوروبيين، حيث يعاني الأوكرانيون من المافيا المالية، إذ يسيطر رجال الاعمال المرتبطين بالكرملين على الحياة في أوكرانيا، وينهبون ثرواتها، كما أن سيطرتهم شملت القضاء الذي طاله الفساد، ووصل الأمر إلى تشريع قوانين حامية للطبقة الأوليغارشية- القلة الحاكمة من رجال المال والأعمال والصناعة- التي تستأثر بخيرات البلاد، بينما تترنح الطبقات الاجتماعية في الفقر والبطالة، وغياب أوتدني الخدمات، ولعل نظرة على متوسط الدخل الأوكراني تشير لمدى التدهور الذي وصلته البلاد، فمعدل دخل الفرد الواحد في أوكرانيا قبل سقوط العملة للمستويات، لا يتجاوز 200 دولار شهريا، بينما متوسط الدخل في أوروبا 3300 يورو، وهوفارق كبير جدا، خاصة أن بولندا ودول البلطيق كانت بالأمس القريب تعيش نفس المستوى المعيشي مع أوكرانيا، وهوالأمر الذي جعل الأوكران يحلمون بالانضمام للإتحاد الأوروبي، لتحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية على غرار الدول السابقة في الاتحاد السوفياتي مثل ليتوانيا ولاتفيا وبولندا.
وتنتفض أوكرانيا..إنه الربيع الأوكراني ..
ليست هي الثورة الأولى ولا الثانية، إنها الانتفاضة الثالثة لدرة التاج السوفياتي المنهار، ومركز الصناعات وسلة الخبز في الإتحاد السوفياتي سابقا وعلى مدار التاريخ، لقد أثبت الأوكرانيون أنهم العقبة الكؤود في وجه الحكم الروسي، حيث لم يستسغ الروس إلى اليوم خروجها عن سيطرة السوفيات، وفتحها الباب لاستقلال باقي الجمهوريات، عندما أعلنت أوكرانيا استقلالها في مطلع الألفية الجديدة، وانتقم الروس منهم بسلاح الطاقة، لكنهم عادوا في 2013 أكثر إصرار مما مضى، وهم يعلمون تكلفة وضريبة الحرية التي سيدفعونها بفضل النضج الذي وصل إليه الشعب الذي مرّ بمنعطفات ثورية عديدة، وهوالوعي الذي لم يتفطن له الرئيس الروسي، ولم تتنبأ مخابراته بإمكانية وقوع ثورة حقيقية، فقد كانت روسيا تظن أن ما يحدث في ميدان الاستقلال مجرد فوضى تحركها أمريكا انتقاما من دور روسيا في سوريا، لذلك حاول رشوة الثوار بمبلغ 18 مليار دولار لعلهم يرجعون إلى بيوتهم، لكن الأوكران أداروا ظهرهم لهذا الإغراء، ولم يتوقفوا عند هذا الحد بل إنهم لم يلتفتوا نحوتحديد روسيا بقطع إمدادت الغاز عن بلادهم في مرات عديدة، وهي الرسالة التي فهم الروس منها، أنهم يواجهون هذه المرة ثورة ناضجة، عكس الشعب الروسي الذي رضي بتسليم حريته، مقابل تحسين معيشته، تلك القاعدة التي تدل في الوعي الشعبي الأوكراني على فاشية الحكم الروسي، لذلك فاجؤوا عصبة سان بطرسبورغ الحاكمة بالرفض والتحدي، بدليل عدم توقفهم عن الثورة، رغم التقتيل والخطف والترهيب الذي مارسته الحكومة الموالية لروسيا آنذاك.
لقد كسرت الثورة الأوكرانية الوصاية الروسية على هذا البلد، وتحررت من عبث ضباط المخابرات الروسية، الذين عاثوا في اوكرانيا فسادا، فهم من يقرر أولويات السياسة الداخلية، وهم من يتحكم بمقدرات الدولة، وهم من يضبط الصلات الخارجية للدولة.
حقق الأوكرانيون أخيرا الاستقلال الحقيقي الذي طالما حلموا به، وهوالخطوة الهامة من أجل بناء دولة عادلة على أساس التوزيع العادل للثروة، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
خسر الأوكرانيون جزيرة القرم، وخسروا الكثير من مقدراتهم المالية، حيث هوت العملة إلى أدنى مستوياتها في تاريخ الدولة الأوكرانية، لكنهم ربحوا أشياء كثيرة، قال الكثير منهم من ميدان الثورة ومن ساحات المعارك في الدونباس "لقد استفقنا، وصرنا نعرف معنى الأرض والوطن، إننا عندما نسمع النشيد الوطني الأوكراني نفهم معانيه، التي تتحدث عن الأخوة ومقاومة الأعداء والحرية، فالوعي بالذات الجمعية من أهم ما تحرص عليه الشعوب الواعية"
ويصر الأوكرانيون علة المضي قدما في بناء الدولة، رغم انتشار الفساد والتضخم، والمعناة من الديون التي ثقل خزينة الدولة.
أوروبا..والحريق الأوكراني
خسرت أوكرانيا الكثير جراء محاولتها الانضمام إلى أوروبا، فخسرت جزيرة القرم، ثم ما لبثت أن خسرت اجزاء هامة من حوض الدونباس الاستراتيجي والمعروف بحوض التعدين، لكن مع امتداد الوقت على الأزمة الأوكرانية بدأت الخسائر الأوروبية تظهر على الساحة الأوروبية، ويمكن تنصيفها إلى أقسام:
الجانب الأمني:
لا تزال الأثار النفسية التي خلفتها الحرب العالمية الثانية، تلقي بظلالها على الأمن في أوروبا، حيث يعتبر الأمن والسلام مركز السياسات الداخلية والأوروبية، ولذلك يحاول الأوروبيون توسيع الاتحاد الأوروبي ليشمل كل القارة من غربها إلى شرقها، من أجل تعميم مناخ السلام والاستقرار، لكن المشكل الرئيس الذي يواجه هذا المفهوم الأوروبي للأمن، هوالمفهوم الروسي للأمن، جاء في التقرير الاستراتيجي الذي أعده حلف الناتو" قد أدى واقع كون الغرب وروسيا قد رسما طوال معظم السنوات الخمس عشرة الأخيرة خلاصات شديدة الاختلاف حول أسباب مراحل حقبة ما بعد الحرب الباردة ونتائجها، مثل ثورة الألوان في جورجيا وأوكرانياـ وأزمات الغاز في العامين 2006 و2009 والحرب الروسية-الجورجية في 2008، إلى تعظيم هذا التباين في فهم الأمور. وما الأزمة الأوكرانية سوى مثال آخر على ذلك" فالروس ينظرون إلى النظرية الأوروبية الأمنية على أنها تهديد قوي لمستقبلهم وأمنهم القومي، خاصة مع وصول الحلف الأطلسي إلى دول البلطيق ونفوذه إلى المياه الدافئة في البحر الأسود عبر رومانيا وبلغاريا، ويعملون من خلال هذه النظرة على تحديث الجيش، وإعادة نشر الأسطول البحري في العالم، وإعادة بعث ناشطات القاذفات الاستراتيجية عبر العالم، وهوالأمر الذي بدأ يقلق الأوروبيين كثيرا، خاصة مع فشلهم في التنبؤ بالحرب الروسية على جورجيا، وفشلهم في ردع بوتين عن أطماعه هناك، حيث يشدد خبراء السياسات الأمنية والخارجية الأوروبية ، على أن أوروبا ارتكبت خطأ فادحا عندما استأنفت العلاقات مع روسيا بعد خمسة أشهر من نهاية الحرب الجورجية الروسية سنة 2008، وهوالأمر الذي تأكد عندما تجرأ الروس على خرق كل مباديء القانون الدولي، بضمهم لجزيرة القرم، وزعزعتهم للاستقرار في شرق أوكرانيا، يقول وزير خارجية ليتوانيا لينس لينكفيتشوس في حديثه لمجلة الناتوفي مارس 2014 ( عندما قامت روسيا بضم مناطق جورجيا الواقعة في جنوب أوسيتيا وأبخازيا في عام 2008، حذر بعض السياسيين الغربيين من أن روسيا لم تنته بعد. لقد قلنا في ذلك الوقت أن الأمر سيتطور لما هوأبعد من ذلك، ولكن لم يستمع إلينا أحد. وقد ذكرنا، بالمناسبة، شبه جزيرة القرم، وذكرنا ترانسنيستريا. وقد جاء الدور على شبه جزيرة القرم، وربما لم يأت دور ترانسنيستريا، لكن من يمكنه استبعاد ذلك؟ لقد تعلم الروس دروسًا من عام 2008. وللأسف، لم تتعلم الدول الغربية دروسًا بنفس القدر. وأبدت العديد من الدول الغربية اهتمامًا بالحفاظ على استقرار العلاقة مع روسيا .. أعتقد أن رد الفعل تجاه غزوجورجيا كان ضعيفًا للغاية في المقام الأول، ومستغربًا إلى حد ما في المقام الثاني. وقد قلنا بعد ذلك في عام 2008: دعونا نتسق مع أنفسنا. دعونا نفعل ما قررناه. دعونا ننفذ ودعونا نتمسك بذلك، كما تعلمون،لأننا أدلينا بتصريحات جيدة جدًا في ذلك الوقت، وقدمنا مطالب جيدة جدًا. يمكننا إلقاء نظرة على ذلك. الوثائق متاحة. في الاجتماعات والاتصالات... لقد قضينا بعض الوقت في الصياغة والتنظيم.وعدنا بعد شهرين إلى العمل كالمعتاد. يشعر البعض أن رد فعل الغرب يمكن أن يكون قد عزز مزيدًا من الثقة في الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.إن حسابات رجل لديه تاريخ في الاستخبارات السوفيتية، وممارس لرياضة الجودو؛ وفي هذا السياق فإن ذلك يعني أنه يستغل قوة الخصم في طرحه أرضًا، كما أن الرجل له تاريخ في التعامل مع عصابات بطرسبرغ، وكما ذكر البعض، فقد كان همجيًا في فترة شبابه.إن التصور العام في موسكوهوأن الغرب ضعيف. أنا لا أسعى إلى إجراء تحليل نفسي لبوتين،لكن هذا هوالشعور العام في الطبقة السياسية. وأنا أتفق بالفعل مع ذلك.أنت تنظر إلى أكثر إدارة) هذا التصريح الهام لوزير خارجية ليتوانيا، التي تعد دولة رائدة في التصدي للسياسات الروسية إلى جانب لاتفيا و بولندا، يظهر الخوف الكبير الذي يتملك دول شرق أوروبا، التي كانت في السابق منضوية تحت حلف وارسو، خاصة مع تغيير روسيا لعقيدتها العسكرية،وتوالي التصريحات المهدة والمستفزة، ففي تصريح لجريدة روسيا ما وراء العناوين، يقول يوري بالويفسكي، القائد السابق للأركان العامة للجيش الروسي:" لن يكون في العقيدة الجديدة للأمن القومي- التي يجري اليوم الإعداد للإعلان عنها بسبب التحديات المستجدة لأمن روسيا- فقرة حول توجيه ضربة نووية وقائية في حالة نشوء تهديدات لأمن دولتنا. ومع ذلك، تحتفظ موسكولنفسها بحق امتلاك السلاح النووي وبحق استخدامه في حالة الضرورة" ويضيف دميتري ليتوفكين لروسيا ما وراء العناوين " ترى روسيا في التهديد العسكري المتمثل في توسيع حلف شمال الأطلسي نحوالشرق دافعاً يجبرها على تحديث أسلحتها النووية الاستراتيجية. وفي هذا السياق، طورت روسيا أنواعا جديدة من الصواريخ الباليستية، كما تواصل تحديث طيرانها الاستراتيجي وبناء غواصات جديدة ونشر منظومة حديثة لرصد المجال الفضائي." وهي التصريحات التي أخذها حلف الأطلسي على محمل الجد، فقام بإنشاء ست مراكز قيادة ونشر قوات سريعة التحرك، هدفها التمهيد لوصول قوات أضخم في حال وجود هجوم على دول أوربا الشرقية المنضوية تحت الحلف.
إن أهم ما تواجهه أوروبا أمنيا، إثبات قدرتها على كبح جماح أي تحد روسي، فغالبية دول شرق أوروبا تمتلك جيوشا ضعيفة، وضئيلة الحجم، ولا يمكنها مواجهة القوة الروسية المتنامية منذ الإصلاحات التي أدخلت على الجيش الروسي سنة 2008.
كما تواجه أوروبا تهديدا أخر وهواستمرار السياسة الروسية الرامية للتشويش على السلام الأوروبي، ومنع دول البلقان من الانضام إلى الإتحاد الأوروبي، بدليل زيارة بوتين إلى صربيا، وضغط روسيا على دول البلقان ، ففي 5 من شهر ديسمبر 2014 حث الاتحاد الأوروبي روسيا على ألا تقحم بلدان غرب البلقان في النزاع المتزايد بين موسكووالغرب بشأن أوكرانيا وهوما يوضح القلق خشية أن تصبح هذه المنطقة محلا آخر للتوتر بين الشرق والغرب.
وتتطلع بلدان غرب البلقان إلى نيل عضوية الاتحاد الأوروبي لكن دبلوماسيين غربيين يقولون إن موسكوتستغل الأوضاع الاقتصادية الصعبة والمشاعر الموالية لروسيا بين بعض السلاف الأورثوذكس لبناء نفوذ لها في المنطقة.

الأوكرانية 22.1.10.1_01.jpg

وفي إشارة إلى "التوترات" بين الإتحاد الأوروبي وروسيا قالت فيديريكا موغيريني منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي التي كانت تقوم بزيارة للبوسنة إنه من مصلحة الجانبين "إيجاد وتطوير سبل التعاون لا سبل التنابذ." وقالت في مؤتمر صحفي موجهة رسالة لروسيا "لا شك أنها ستكون فكرة جيدة إبقاء غرب البلقان بعيدا عن هذه التحركات "
ولذلك فإن متاعب أوروبا ستزداد بشكل مطرد، في حال ما استمر الروس في النفث في روح القومية لدى شعوب البلقان، واستعمالها كسلاح مضد للدعاية الأوروبية التي تريد استقطاب هذه الدولة التي تعاني من وضع اجتماعي واقتصادي هش.
يقول دونالد توسك رئيس الوزراء البولندي الساق وب " إن روسيا تمثل تهديدا استراتيجيا لأوروبا، لذلك يجب وضع خطط طويلة الأمد للتعامل مع هذا التهديد" .
لقد أدرك الأوروبيون أنهم يواجهون خطر محدقا بهم، لذلك تتداعى المؤسسات الامنية لدراسة كافة التحديات والحلول، التي نتجت بعد نشوب الازمة الاوروبية، ومؤتمر ميونيخ من شهر فبراير2015 هوأحد المؤتمرات التي ناقشت كثيرا قضية الخطر الروسي على الأمن القومي الأوروبي.
غير أن معاناة الأوروبين من أزمات داخلية كثيرة جعلتهم ينكفؤون على أنفسهم، مما يجعل مواجهة الأمر بشكل حاسم وفعال غير متاح الأن، والدليل أن أوروبا لا تزال منقسمة في قضية العقوبات على روسيا، وتفضل الحلول الدبلوماسية على تصعيد الصراع مع روسيا.
كما أن أوروبا توشك أن تخسر ثقة أعضاءها في قدرتها على حماية دولها من التهديد الروسي، وما تململ المجر وسلوفاكيا واليونان وميلهم نحوالروس سوى مظهر من مظاهر هذا الضرر البالغ الذي أصاب المنظومة الأمنية الأوروبية.
-وتعاني أوروبا من ظهور آلة إعلامية روسيا قوية، تمارس بروباغندا خطيرة، حيث نجت في جعل المواطن الروسي يصطف إلى جانب القيادة الروسية،ويعادي التوجهات الأوروبية والأمريكية أيما عداء، هذه البروباغندا التي ظهرت بعد أن تمكن بوتين من كسر كل القنوات المستقلة حيث أُجبِرت قناتا “بوريس بيريزوفسكي” و”فلاديمير غيزينسكي” اللتان تمثلان قطبين مهمّين في المشهد الإعلامي الروسي على ترك إمبراطوريّتيهما الإعلاميتين ومغادرة البلاد، وفي الوقت الراهن يدفع فلاديمير بوتين مئات الملايين من أجل مقابلات تلفزيونية ضحلة على سبيل ما يفعله الرئيس الإيطالي سيرفيوبيليسكوني، ويطغي في هذه المقابلات بروباغاندا ضد الغرب وضد أوكرانيا.
يقول الخبراء الأوروبيون في تقرير نقلته رويترز "أين جواب الغرب على كل هذا؟ كل هذا الكم من الأفكار حول “التواصل الإستراتيجي”، لقد قام الناتوبإنشاء وحدة خاصة به تعمل على البحث عن آليات للتصدّي لروسيا في هذا المجال، أما في الاتحاد الأوروبي فهناك مخططات ليتوانية وأخرى إيستونية، كما بعثت كل من الحكومة البريطانية والحكومة الدانماركية رسائل للمفوّضية الأوروبية في بروكسل في نفس الإطار، وعرض الهولنديون نصف مليون يورولاستغلالها في تمويل إحدى المشاريع المقترحة، وحتى المنظمة الغير حكومية تدخّلت في هذا الشأن، وأخيرًا أخذت فيديريكا موغيريني الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية التعليمات بأن تأخذ على عاتقها مقاومة البروباغاندا الروسية."
ويمارس الروس الكذب دون انقطاع، قال ممثل الحكومة الليتوانية المهتم بشأن البروباغاندا الروسية حول عمل الأخيرة: “إنهم يكذبون بدون انقطاع، إنهم يُخفون الحقائق، إنه أمر مثير للاشمئزاز، فالبروباغاندا أمر غير أخلاقي وغير مؤثر”، إنه مُحق في معظم ما قاله – ماعدا آخر كلامه -، فالبروباغاندا كما تُبين ذلك القناة الأمريكية المحافظة “فوكس نيوز” لها تأثير كبير جدًا، ويبقى الغرب عاجزًا عن مجابهة ما وصفتها فيكتوريا نولاند بأنها “حملة بروباغاندا جديدة وشريرة ومموّلة من الخارج والتي تبُث على شاشاتنا وفي مجالنا الإعلامي العمومي”، وقد أضاف ممثل الحكومة الليتوانية قائلاً: “الكل متفقون على أنه لابد أن يحدث شيء ما، ولكن ماذا؟” هذا السؤال لا يزال محور نقاش"
وتواجه أوروبا مأزقا كبيرا، زاد من حدته صعود اليمين المتطرف، الذي يميل إلى روسيا، خاصة أن الأخيرة قدمت قروضا بملايين الدولارت للأحزاب اليمينة الأوروبية، مكافأة لها على حضورها الاستفتاء المزعوم الذي نظمته روسيا في جزيرة القرم، وهي الأحزاب التي قد تثير الكثير من المشاكل والقلاقل داخل القارة الأوروبية، فقد أيد حزب ماري لوبان، والحزب الشيوعي في ألمانيا سياسات بوتين، وخرجت مظاهرات في ألمانيا مؤيدة لروسيا نهاية سنة 2014.
أما الجانب الاقتصادي فقد دفعت أوروبا ثمنا باهظا، عندما قامت روسيا بمنع السلع الغذائية من دخول روسيا، ومهوالأمر الذي سبب للأوروبيين خسائر فادحة، وصلت إل 50 مليار يوروسنة 2014، واضطرت الكثير من الحكومات كفرنسا وإسبانيا إلى تقديم دعم مالي لابأس به للمزارعين الأوروبيين.
وتواجه ألمانيا خطر إغلاق 6000 شركة ألمانية تنشط في روسيا، ويعمل بها أكثر من 3 ملايين ألماني.
كما أن السياسات الأمنية تتطلب ضخ أموال إضافية لدعم موازنة الدفاع، مما ينهك الاتحاد الأوروبي، الذي لم يتعافى بعد من الأزمة المالية العالمية.
كما أن إلغاء روسيا لمشروع ساوث ستريم الطاقوي بين روسيا والإتحاد الأوروبي، يعد ضربة موجعة أخرى تلقتها أوروبا، وهوالمشروع الذي كان ينتظر منه إنهاء أزمة الطاقة في أوروبا، وكان وراء إلغاء الصفقة الأمريكان، مما يدل على أن القرار السياسي الأوروبي صار ضعيفا أكثر بعد أزمة أوكرانيا، التي أثبتت أن أوروبا دون القوة الأمريكية قد تتعرض لخطر يهدد وجودها ككتلة واحدة.
لقد أدرك الأوروبيون أنهم وإن كانوا يمثلون ثقلا اقتصاديا عالميا إلا أن التحكم في القرار السياسي يبقى ضعيفا، وعاجزا عن مواجهة التحديات الكبرى، بدليل كثرة الانشقاقات السياسية داخلها، مما يجعل أوروبا مجبرة مرة أخرى على الرجوع إلى أحضان السياسة الأمريكية، التي تهدف إلى احتواء أوروبا، وجعلها تابعة للسياسة الخارجية الأمريكية، التي تهدف من بين ما تهدف إليه إلى إلغاء التقاليد الأوروبية العتيقة، وإحلال النظم الليبيرالية المتطرفة بنظر الكثير من المنظرين الأوروبيين مثل الكسندر دوغين.
أوروبا هي الخاسر الأكبر من الأزمة الأوكرانية خارج الحدود الأوكرانية، ولذلك بدأ الساسة الأوروبيون يدقون ناقوس الخطر، ويعيدون تقييم مفهوم الأمن القومي الأوروبي نظرا للتهديدات الجادة التي يشكلها الروس، خاصة مع تصريح بريدلوف الجنرال الأمريكي في الناتوأن روسيا قد تصبح قادرة على فتح أكثر من جبهة بعد ثلاث سنوات من الآن.
أمريكا الرابح الأكبر..
حصدت أمريكا مكاسب كبيرة من وراء الأزمة الأوكرانية، فبعد ضم روسيا جزيرة القرم، أعطاها ذلك فرصة كبيرة لاستعادة دورها الكامل في القارة الأوروبية، فالأوروبيون وإن كانوا يمثلون ثقلا اقتصاديا إلا أنهم سياسيا يعانون من أزمات داخلية عديدة، أثرت على وحدة القرار السياسي.
فبعد نهاية الحرب الباردة، تنادى الكثير من الساسة الأوروبيين باستقلال السياسة الخارجية الأوروبية عن نظيرتها الأمريكية، ولم ينجح هذا الأمر كثيرا، بسبب ظهور عدة أحداث جعلت الأوروبيين يعيدون التقارب مع الأمريكان، فأحداث 11 سبتمبر أظهرت للأوروبيين مدى حاجتهم للمارد الأمريكي، الذي من دونه لا يمكن تحقيق الشيء الكثير في محاربة ما يسمونه " الخطر الإسلامي" كما أن حرب جورجيا أعادت هزت ثقتهم بقدرتهم على مواجهة التحديات الأمنية الكبرى، ثم أعطى الروس للأمريكان فرصة لطالموا حلموا بها، فضمهم لجزيرة القرم، جعل الأوروبيين يستفيقون من غفلتهم الأمنية حسب التعبير الأمريكي الذي كان يعاتب أوروبا على محاولات التقارب مع روسيا،فكان من مكاسب الأمريكان على الجبهة الأوكرانية عزل روسيا دوليا، وإدانتها في كل المحافل الدولية، بل تم استبعاد روسيا حتى من اجتماعات الدول الثمانية الكبرى، ولم توجه الدعوة للرئيس الروسي للإنضمام للاحتفال السنوي الذي يقام في بولندا، حيث يحتفل الحلفاء بتحرير أخر معسكرات الجيش النازي في أوروبا، رغم أن الروس كانوا أصحاب الفضل في تحريره .
-استطاع الأمريكيون تثبيت ودعم حكم موال لهم في كييف، فأغلب النخب الحاكمة الآن في أوكرانيا نخب تكونت وتربت في أحضان كبار السياسيين الأمريكيين، وهوما يضمن راحة أكبر لأمريكا على المدى البعيد، وقد بلغت الزيارات الرسمية الأمريكية لأوكرانيا عددا قياسيا، حيث شارك الأمريكون في تنصيب الرئيس الأوكراني، وهي إشارة قوية لروسيا على أن عهدا جديدا قد بدأ، حيث حضر جوبايدن مراسيم تنصيب بيتروبوروشينكو، وساهم الأمريكان في تسريع تسليم الصندوق الدولي لحزمة المساعدات، ولم تتوقف المساعدات المالية والعينية الأمريكية لأوكرانيا، ترسيخا لقضية هامة، وهي أن أمريكا تتبنى الحكومة والشكل الجديد الذي صارت عليه الدولة الأوكرانية، ولعل أبسط دليل على ذهاب البيت الأبيض بعيدا في دعمه لها، هوالمناورات التي جرت في أوكرانيا في 15 من شهر سبتمبر2014، الأمر الذي أغضب روسيا كثيرا، فلأول مرة تحدث مناورات على هذا المستوى وبحضور أكثر من 1300 ضابط أمريكي.
وتستمد أمريكا شرعية تدخلها من الاتفاق التاريخي الذي جرى في بودابست سنة 1994، عندما وقعت أوكرانيا وروسيا وأمريكا وبريطانيا اتفاقا تتنازل بموجبه أوكرانيا عن السلاح النووي، وتضمن لها الدول الثلاثة وحدة أراضيها وسلامة ترابها.
-على صعيد أخر استطاع الأمريكيون التأثير على أوروبا، حيث فرضوا عقوبات هامة شهر مارس وشهر جويلية 2014 على روسيا بمعية أوروبا، تلك العقوبات التي جعلت الاقتصاد الروسي ينكمش، ومعدلات النموتتوقف، وجعل رؤوس الاموال تهرب من روسيا، كما تم شل أهم القطاعات الاستراتيجية بسبب هذه العقوبات، مما جعل روسيا محرومة من التكنولوجيا، ومحرومة من الوصول لأهم الأسواق المالية في العالم.
-استطاعت أمريكا أن توقف برامج اقتصادية وعسكرية روسية كثيرة حاولت روسيا المضي في تجسيدها، حيث ساهمت العقوبات في إلغاء الكثير من البرامج، وهوما يصب في مصلحة أمريكا التي تريد إضعاف روسيا.
ومقابل هذه المكاسب، كسبت أوروبا مكسبا هاما، لعله يخفف وطأة العقوبات الروسية عليها، حيث عمد الأمريكيون إلى خفض أسعار البترول من أجل هدفين هامين:
1- أنه بعد استنفاذ وسائل الردع السبع التي منها العقوبات الاقتصادية وغيرها، لجأت أمريكا إلى استعمال سلاح النفط، بعدما لاحظوا أن الاقتصاد الروسي الريعي يكتسب قوته الآنية من مداخيل النفط، حيث عمدت أمريكا إلى ضرب مصدر المداخيل الروسية، بعد الاتفاق الذي جرى بينها وبين السعودية ضمنيا، فالسعودية تستفيد من إنزال أسعار البترول، حيث تواجه إيران التي تتدخل في سوريا، والتي تعتمد على النفط في دعم ميزانيتها، كما أن النظام السعودي سيستفيد من إضعاف روسيا التي رفضت كل المبادرات السعودية لوقف التدخل في سوريا، خاصة مع بروز التحالف الروسي الإيراني في المنطقة وتأثيره الكبير عليها.
2-هدف الثاني والهام من خفض أسعار البترول هودعم الموقف الأوروبي الموحد مع أمريكا، حيث تستفيد أوروبا من نزول أسعار النفط والغاز بما نسبته 45 بالمئة، مما يخفف حدة الخسارة المالية التي تكبدتها أوروبا والتي سبق وأن أشرنا إليها.
-ومن مكاسب الأمريكان الهامة، حرمان روسيا من تكريس تبعية أوروبا لها في مجال الطاقة، حيث ضغطت أمريكا على أوروبا، التي ضغطت بدورها على بلغاريا لإلغاء مشروع ساوث ستريم الذي كان سيدخل حيز التنفيذ هذه السنة لوتمت الامور كما أراد الروس، يقول جون ماكين" إن أوروبا ستبقى ضعيفة مادامت تستورد الطاقة من روسيا" لذلك أصروا على كسر هذه الصفقة ، يقول مانيلودينوتشي وهوجغراف يوجيوسياسي غربي "وينص مشروع ساوث ستريم على أن يشتمل خط الغاز على جزء بحري بطول 930 كم عبر البحر الأسود (في المياه الإقليمية الروسية والبلغارية والتركية) وعلى قسم أرضي عبر بلغاريا وصربيا والمجر وسلوفينيا وإيطاليا، يصل حتى منطقة تارفيسيو(مقاطعة أوديني). في عام 2012 دخلت الشركة الألمانية "وينسترشل" ضمن الشركة التي تمول تنفيذ القسم البحري وكذلك الشركة الفرنسية "أ.دي.أف" بـ15 بالمئة لكل منهما، في حين تحتفظ ’ايني’ (التي سبق وتخلت عن 30 بالمئة) 20 بالمئة، وتملك شركة غاز بروم نسبة 50 بالمئة من الأسهم. وانطلقت اشغال بناء خط انبوب الغاز في ديسمبر 2012 بهدف الإمداد الغاز عام 2015. في مارس عام 2014، ناقصت سايبم (ايني) بـ2 ملياري دولار لبناء خط الأنابيب الأول تحت مياه البحر."
خريطة تظهر خط الطاقة ساوث ستريم.
على أن هدفا أخر كان وراء إفشال هذه الصفقة حسب مانيلووهواستغلال الغاز الصخري في أوروبا " انطلقت الشركة الأمريكية شيفرون التنقيبات في بولندا ورومانيا وأوكرانيا لاستخراج الغاز الصخري القاري، بواسطة تقنية التكسير المائي: يتم ضخ الماء والمذيبات الكيميائية في الطبقات الصخرية العميقة بضغط عال. هذه التقنية شديدة الخطورة تجاه البيئة والصحة، بسبب تلويث المياه الجوفية على وجه الخصوص. إن خطة واشنطن الرامية الى استبدال الغاز الطبيعي الروسي المورّد الى الاتحاد الأوروبي بذلك المستخرج من الصخر القاري في أوروبا والولايات المتحدة ليس سوى خدعة حقيقية، من جانب التكاليف الباهظة والأضرار البيئية والصحية الناتجة عن هذه التقنية الاستخراجية في آن. إن عدة جماعات محلية، تتمرد، في الواقع، في بولندا ورومانيا."
ولعل هذه المكاسب التي تحققت لواشنطن، هي التي جعلت الروس يصرون على المضي قدما في استعمال الحرب الهجينة في شرق أوكرانيا.
مستقبل وسيناريوهات الأزمة الاوكرانية:
أوكرانيا:
ستواجه أوكرانيا صعوبات كبيرة لبناء دولة عصرية وقوية، بسبب تكريس روسيا للمناطق الانفصالية، التي سيكون الهدف منها رفع الفيتوفي وجه أي نية أوكرانية للانضمام لحلف الناتو، وإلا سيتم تحريك الحرب مرة أخرى، لكن الأمور قد تتغير بعد سنتين، في حال بقاء أسعار البترول منخفضة، واستمرار العقوبات، فإن اللحظة التي ستسلم فيها روسيا سوف تكون قريبة جدا، وبالتالي فإنها أضعف من أن تواصل دورها في زعزعة شرق أوكرانيا، لأن أي عقوبات جديدة عليها ستجعل البلاد معرضة للتفكك وانهيار النظام.
أما الخطر الذي يتربص بالثورة الأوكرانية فهوخطر التعرض لشبح الإفلاس، حيث كان يمكن للأزمة أن لا تكون بهذه الحدة لوكانت الحكومة الأوكرانية أكثر راحة فيما يتعلق باستقرارها الاقتصادي. وتعاني الحكومة من أزمة ديون تقدر بأكثر من 13 مليار دولار هذا العام، زيادة على 16 مليارا ينبغي دفعها قبل نهاية 2015. ويقول المحلل الاقتصادي لوبومير ميتوف إن أوكرانيا تحتاج للأموال الآن حتى تتجنب انهيارا كاملا. ويزداد الأمر سوءا مع إعلان كييف أن الحرب تكلفها أكثر من 10 ملايين دولار يوميا، وفقدان العملة المحلية لخمسين بالمئة من قيمتها. وتتعلق آمال أوكرانيا الآن بإنقاذ من قبل صندوق النقد الدولي الذي أعلنت مديرته كريستين لاغارد أن الصندوق يناقش مع كبار مساهميه كيفية توفير 35 مليار دولار لكييف إذا عبرت عن حاجتها لذلك. ولكن حتى تتقدم المفاوضات لا بديل عن عودة الاستقرار للبلاد.
روسيا:
استمرار التدخل الروسي على مشارف أوروبا، سيزيد من عزلتها، كما أن بقاء العقوبات سيؤدي فعليا إلى انهيار الاقتصاد الروسي بعد سنتين على الأكثر، لأن روسيا دولة ريعية، تمتلك كل الموارد الأولية، لكنها دولة لا تخرج عن كونها دولة من دول العالم الثالث، وهوما أقره الرئيس الروسي في 4 ديسمبر2014 عندما قال "يجب أن نلتفت للاقتصاد التفاتة حقيقية"، لكن الخبراء يتحدثون عن فشل روسيا في بناء اقتصادها في أربع محاولات شهيرة بدأت في ستينيات القرن الماضي، ما يجعل استمرار العقوبات الغربية عليها تهديدا لوجودها كقوة إقليمية، وهذا الاحتمال لا يغادر أذهان المسؤولين الروس الذي "يفحصون حاليا بكل جدية التداعيات الاقتصادية" لتحركاتهم العسكرية والسياسية، وفقا للسفير الأمريكي السابق في موسكوجون بيرلي في تصريحاته لقناة السي أن أن. الذي أضاف " أن روسيا أصبحت مرتبطة بالاقتصاد العالمي أكثر مما كانت عليه قبل 10 سنوات "فنصف تجارتها الآن أصبحت مع دول الاتحاد الأوروبي، كما أنها تعيش على الواردات الأوروبية التي تملأ رفوف البضاعة التي اعتاد مواطنوها عليها".
-إثارة روسيا للقلاقل وللحقد الأوكراني، وانهيار القدرة الشرائية للروس، وتشجيع الانفصاليين، والوزن بمكياليين، واستمرار انهيار الروبل، وانخفاض المداخيل، كلها عوامل قد تؤدي في المستقبل إلى انهيار الفديرالية الروسية، التي تعاني أصلا من موجات نفور شديدة من المركز من عدة جمهوريات، مثل جمهوريات القفقاس، وأديغا وموردوفيا، وهي الجمهوريات التي تقطنها جاليات مسلمة كثيرة، كما يرجح الخبراء تشجيع الغرب للحركة الانفصالية العتيقة في سييريا، التي تعد منطقة ضخمة وغنية بمختلف الموارد الطاقوية والأولية.
أوروبا:
أوروبا هي الخاسر الأكبر، فالتهديدات الامنية كبيرة، والخطر الروسي يحدق بها، خاصة مع إبداء الروس نيتهم لدحر الناتوفي أي فرصة قد تتاح لهم، لذلك تبقى تعيش خطر حرب على أبوابها، قد تأتي على الأخضر واليابس، كما ستستمر المعاناة الأوروبية في مجال الطاقة، وتبيعتها لروسيا لعقود أخرى إذا لم يتم إنجاز خط نابوبكوالممتد من قطر إلى أوروبا، وهوالخط الذي تم إنجاوتسعين بالمئة من أشغاله، وبقي الجزء الذي يقع في سوريا، وهوالذي يعيق استكمال المشروع الذي سيعزل روسيا، ويضمن استقلالية أوروبا نهائيا من التبعية لروسيا طاقويا، وهذا أحد الأسباب التي تجعل الروس يصرون على عدم ترك سوريا، كما يشار إلى تضرر أوروبا بشدة بعد إلغاء خط ساوث ستريم القادم من روسيا إلى أوروبا عبر البحر الأسود، والذي كان سيريح أوروبا من الخوف من تعطل الإمدادات القادمة عبر أوكرانيا من روسيا.
أمريكا:
أما أمريكا فإنها ستراهن على تقوية أداء الحلف الأطلسي، واستغلال المخاوف الأوروبية من التهديدات الروسية لأجل التأثير بشكل أكبر على السياسة الداخلية والخاريجة لأوروبا، كما ستعمل على استمرار عزل روسيا دوليا، واستغلال ضم روسيا لجزيرة القرم لإبقاء العقوبات، التي يبقى الهدف الأمريكي غير المعلن عنه، هوإسقاط النظام الروسي، وتحقيق مشروع أوارسيا على الصبغة الأمريكية، التي تحدث عنها كيسنجر كثيرا، من أجل الوصول إلى مصادر الطاقة في القفقاس البحر الأسود.
المنطقة العربية:
يقول الخبير السياسي ساطع نور الدين عن الثورة الاوكرانية '' حدث عالمي مهم، هوبلا شك اهم من الربيع العربي الذي عارضه الروس منذ اللحظة الاولى وما زالوا يطاردون تياراته ورموزه، ويخترقونهم بمئات من المتشددين الاسلاميين القوقاز الذين تقطعت بهم السبل الروسية، وهم اليوم يساهمون مع " مجاهدين"مثلهم في تحويل الثورة السورية الى كارثة انسانية.. الثورة الاوكرانية يمكن ان تعيد الامور الى نصابها، وان تجبر روسيا على الانكفاء خلف حدود ازماتها الداخلية المؤجلة منذ انهيار نموذجها السوفياتي الفريد، والتي كانت مقاربتها تقتصر على الامن، كما في العهود الاشتراكية الغابرة..لن تختصر الثورة الاوكرانية المسار المتعرج والمتعثر للربيع العربي، لكنها بالتأكيد يمكن ان تخفض تدريجيا عدد البراميل المتفجرة الروسية المنشأ التي تدمر حلب وحمص ودرعا، وغيرها من المدن والقرى السورية.. تمهيدا لوقفها نهائيا."
وقد تشهد المنطقة العربية علاقات أكثر متانة بين روسيا وإيران، التي تعد الحليف الأساسي للروس في المنطقة، من أجل إثارة القلاقل وإحراج الأمريكان في مناطق نفوذهم.
كما سيحاول الروس استغلال التردد الغربي، للعودة إلى المنطقة العربية، ومحاولة بسط نفوذهم على مناطق جديدة غير سوريا، كاليمن وليبيا ومصر.
كما سيستغل الروس المنطقة لزيادة فتيل الحرب، من أجل توريد كميات هائلة من الأسلحة، والاستفادة من ذلك في تخفيف حدة العقوبات الغربية عليهم، وهوما يشاهد في مصر والعراق وسوريا.
أما من الناحية الإقتصادية فإن البنك الدولي يتوقع تأثر دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا بالازمة في أوكرانيا حيث جاء في أحد تقاريره " أن الأزمة الحالية قد تؤثر على الأسواق العالمية، فروسيا وأوكرانيا منتجان ومصدران زراعيان رئيسيان. وفي عام 2012، بلغت صادرات روسيا وأوكرانيا 11 و5 في المائة من الصادرات العالمية للقمح، واستأثرت أوكرانيا بأكثر من 14 في المائة من صادرات الذُرة العالمية (ثالث أكبر حصة على الصعيد العالمي). ومن المحتمل أن يؤدي اضطراب صادرات روسيا وأوكرانيا إلى خفض حجم التجارة على الصعيد العالمي وبشكل خاص لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي واحدة من المنطقتين الأكثر اعتماداً على القمح المستورد (بعد أفريقيا جنوب الصحراء). ويذهب أكثر من 50 في المائة من صادرات القمح الروسي إلى مصر يليها لبنان والأردن واليمن (الجدول 1). وتعتمد هذه البلدان أيضاً على أوكرانيا للحصول على أكثر من 50 في المائة من إمداداتها من القمح والذرة (60 في المائة بالنسبة للبنان و50 في المائة بالنسبة لمصر، انظر الجدول). وفي حال اضطراب المعروض من روسيا وأوكرانيا، فسيتعين على هذه البلدان زيادة وارداتها من مصادر أخرى بأسعار أعلى يمكن أن يكون لها على الأرجح آثار اقتصادية كبيرة.

الأوكرانية 11074444_812672848813318_5310923343367714046_n.jpg?oh=10b125605e98c4189b9a247ff2b4b82b&oe=557830F0&__gda__=1434277274_59ea73f780d003f287d5d89d2e676d53

ويمكن أن يؤثر توقف صادرات روسيا وأوكرانيا من هذه السلع على أسعار السلع الأولية عالمياً. وتوضح بيانات حديثة من البنك الدولي أن أسعار القمح والذرة قفزت مع بداية الأزمة بنسبة 4 إلى 6 في المائة. وقد يؤدي ارتفاع الأسعار العالمية لهذه السلع الأولية إلى تفاقم العجز في الحسابات المالية والجارية المرتفعة بالفعل في تلك البلدان التي تأثرت مباشرة من الصدمة. وهذا قد يشكل ضغوطاً إضافية على المستويات المرتفعة بالفعل للدين العام. وعلاوة على ذلك، فإن هذه البلدان لديها مساحة ضئيلة للتحرك في السياسات المالية والنقدية كي تواجه التدعيات، لا سيما في حال تحقق السيناريوالأخطر وهوانهيار الصادرات الروسية والأوكرانية
ختاما..
فإنه على المسلمين ترقب ما ستتمخض عنه هذه الأحداث الهامة، والتي ستترك أثارا قوية على العلاقات بين الغرب وروسيا، كما تعد هذه الأزمة فرصة حقيقية للمسلمين، للضغط على روسيا والغرب، بفضل سلاح النفط الذي لا يزال فعالا، كما تعد الأزمة الحالية فرصة حقيقية، لاستكشاف نقاط الضعف في العالم النصراني والاستفادة منها.
أما عن المسلمين في أوكرانيا، فإنه لا مفر من مساندتهم، والترعيف بقضيتهم، والوقوف ضد الاضطهاد الروسي لهم، وإسماع صوتهم في كل المحافل الدولية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*{مركز البيان للبحوث والدراسات}
ــــــــــــــــ
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الأزمة, الأوكرانية, جذورها


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الأزمة الأوكرانية جذورها
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
القرم تؤمم المنشآت الأوكرانية على أراضيها عبدالناصر محمود أخبار عربية وعالمية 0 03-07-2014 07:21 AM
بالأرقام.. القوات الروسية ضد الأوكرانية من الرابح؟ Eng.Jordan أخبار عربية وعالمية 0 03-03-2014 10:59 AM
وزير الدفاع الأمريكي يبحث هاتفيا مع نظيره الروسي تداعيات الأزمة الأوكرانية عبدالناصر محمود أخبار عربية وعالمية 0 03-02-2014 07:27 AM
ظاهرة الهيمنة الغربية على العالم: جذورها ومرتكزاتها Eng.Jordan مقالات وتحليلات مختارة 0 06-02-2013 12:45 PM
ظاهرة الهيمنة الغربية على العالم: جذورها ومرتكزاتها Eng.Jordan مقالات وتحليلات مختارة 0 04-25-2012 08:43 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 02:34 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59