#1  
قديم 09-20-2014, 08:32 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة موقف شيخ الإسلام من مسألة فناء النار


موقف شيخ الإسلام من مسألة فناء النار*
ــــــــــــــــــــ

25 / 11 / 1435 هــ
20 / 9 / 2014 م
ـــــــــــــ

_3989.jpg



بقدر ما واجه شيخ الإسلام من خصوم الإسلام ونافحهم ورد عليهم واقض مضاجعهم وزلزل أركان عقائدهم وأفكارهم الباطلة بقدر ما كان الهجوم عليه كبيرا في حياته وعلى سيرته بعد وفاته, فناله الكثير من الهجوم والتشويه والتكفير والتنفير عنه, فلم يجد عالم من العلماء المسلمين ما وجده شيخ الإسلام ابن تيمية من الطوائف الضالة الخارجة عن منهج الإسلام النقي.

ولقد قاتل رحمه الله بقلمه في كل الميادين دفعة واحدة, ولم يستطع خصوم الإسلام الرد على كتاباته العلمية بأسلوب علمي بل عمدوا دوما استخدم أساليب السباب والشتائم والتكفير والتبديع وتحذير الناس من قراءة كتاباته بل الناس في كثير من الأزمان لحرق كتبه, ولكنها رغم كل محاولاتهم ظلت وبقيت بينما يندثرون هم.

لم يترك شيخ الإسلام – والكمال لله وحده - باب بدعة أو ضلالة إلا وكتب وبين وجه الحق في المسالة, ووفقه لله سبحانه في ذلك وبارك له في كلماته وعلمه فأصاب أصحاب الأهواء في مقتل, فرد على الفلاسفة والمناطقة والمتكلمة في كتابه الشهير "درء تعارض العقل والنقل" وفند فيه المقولات المادية التي تظهر تعارض الدين والعقل أو الدين والعلم, وأثبت بالدليل والبرهان أن هذا التعارض تعارض غير حقيقي, وكرد على الشيعة جاء كتابه" منهاج السنة النبوية "الذي ناقش فيه وفنَد فيه أدلة الشيعة بأسلوب وأدلة عقلية كاملة لأنهم – كما يعلم هو وغيره من العلماء - أنهم لا يؤمنون – وان ادعوا ذلك تقية في بعض الأوقات - بصحة ما في أيدينا من الكتاب والسُنَّة ويدعون نقصهما, فحاكمهم إلى العقل فأبطل حججهم وأدلتهم الواهية, ورد على الصوفية أيضا بكتاب " الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان", وفيه فنَّد تخاريف كبار المتصوفة وأفكارهم وعقائدهم حول فكرة الاتحاد ووحدة الوجود والطواف بالقبور والتمسح والتبرك بها ودعاء أصحابها والاستغاثة بهم والحضرات والموالد وغير ذلك.

وكان من الطبيعي والمنطقي بعد خوضه لهذه المعارك أن تشوه صورته من قبل أتباع هذه الأفكار المنحرفة لا لكي يناقشوا كتاباته ويردوا عليها بأدلة علمية ثابتة ولكن آثروا الاختفاء خلف طعنه من الخلف بتشويه كتاباته والادعاء عليه ما لم يقله.

ولهذا جاء على موقع الشيعي علي الكوراني أنه ينسب إلى شيخ الإسلام قولا بأنه يقول بفناء النار, فقال ما نصه تحت باب يسميه " قول ابن تيمية بفناء النار ودخول أهلها الجنة " فيقول " ثبت أن ابن تيمية يقول بفناء النار ويدعي أن في المسألة نزاعاً معروفاً عن التابعين ومن بعدهم فيها ، والكل منا يعرف أن هذه المسألة من مسائل العقيدة لأنها لا تذكر في باب الوضوء من كتب الفقه ولا في باب الحيض والنفاس ولا في غير ذلك من الأبواب كالإجارة والنكاح وغيرها !! فإذن هي من مسائل أصول الاعتقاد ومع ذلك جرى الخلاف فيها بين ابن تيمية وتلميذه ابن القيم من جهة وبين الألباني من جهة أخرى ثم يتساءل: " ومنه يتبين أنهم يموجون في العقيدة ويضطربون كاضطراب الريح !! وهم متنازعون في هذه المسألة الاعتقادية !! أين الحق في هذه المسألة العقائدية هل هو عند ابن تيمية وابن القيم القائلين بفناء النار ؟ أم عند الألباني القائل ببقائها ؟!! "

ولهذا نناقش اصل القضية وقول أهل السنة فيها ثم نعرض قول ابن تيمية في المسألة لنرى هل تطابق قوله مع قول إجماع أهل السنة أم خالفهم؟

هل ستفني النار ؟
-----------

الإيمان بالجنة والنار جزء من الإيمان باليوم الآخر الركن الخامس من أركان الإيمان الستة التي لا يصح الإيمان إلا بها, فالجنة هي دار النعيم والكرامة التي أعدها الله لأوليائه فيها من أنواع النعيم الدائم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، كما قال تعالى:"فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" [1], ومكان الجنة في السماء السابعة عند سدرة المنتهى كما قال تعالى: "وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى" [2]

وكذلك الإيمان بالنار التي هي دار العذاب والعقاب أعدها الله لأعدائه الكافرين والمنافقين، قال تعالى: "وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ"[3] وفيها أنواع من العذاب والنكال، والنار في الأرض السابعة كما قال تعالى:"كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ" [4]

ولا أقوال مختلفة بين أهل السنة في فناء الجنة وإنما قاله الجهمية، وقد جعل أهل السنة قول الجهمية هذا دليلاً يكفرونهم به كما نقل البخاري – رحمه الله - في كتاب" خلق أفعال العباد" عن خارجة بن مصعب، أنه قال:" كفرت الجهمية في غير موضع من كتاب الله، قولهم: إن الجنة تفنى، وقد قال الله:"إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ" فمن قال: إنها تنفد فقد كفر..." لكن وجود الأقوال في أهل السنة في فناء النار

موقف أهل السنة من قضية فناء النار
-------------------

هناك أقوال ثلاث في المسالة في أولهم إجماع لأهل السنة وهم:

الرأي الأول: القول بدوام النار وأبديتها وعدم فنائها.
------------------------------

ذهب جمهور أهل السنة من السلف والخلف إلى القول بخلود النار ودوامها وعدم فنائها، بل حكى عدد من أهل العلم الإجماع على ذلك.

وردت في القرآن الكريم آيات كثيرة تصرح بخلود الكفار في النار، ومنها ما صرح الله تعالى فيها بلفظ التأبيد وهي ثلاث آيات تذكر التأبيد مما ينفي تماماً أي احتمال للتأويل فالأبد هو: الدائم كما فسرته كتب اللغة وهو الشيء الذي لا نهاية له ولا انقطاع له كما بينه أهل العلم [5]

ومن الآيات التي ذكر فيها التأبيد : قوله تعالى:"إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم وليهديهم طريقا إلا طريق جهنم خالدين فيها أبداً" [6]

وأما الأحاديث الدالة على بقاء النار، واستمرار عذاب الكفار فيها فهي كثيرة - أيضاً - ومنها:

ما جاء في صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم:"أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون" [7]

وقال الإمام النووي - رحمه الله-: (الظاهر -والله أعلم- من معنى الحديث أن الكفار الذين هم أهل النار، والمستحقون للخلود لا يموتون فيها، ولا يحيون حياة ينتفعون بها، ويستريحون معها، كما قال الله تعالى:"لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا" [8].

إجماع العلماء على هذا الرأي
-------------------

وقال القرطبي -رحمه الله- حاكيا للإجماع في معرض رده على من قال بفناء النار:" فمن قال:إنهم يخرجون منها، وإن النار تبقى خالية بمجملها، خاوية على عروشها، وإنها تفنى وتزول فهو خارج عن مقتضى المعقول، ومخالف لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وما أجمع عليه أهل السنة والأئمة العدول" [9]

وقال أبو زيد القيرواني – رحمه الله–: في كتابه الجامع (فمما أجمعت عليه الأمة من أمور الديانة، ومن السنن التي خلافها بدعة وضلالة.... وأن الجنة والنار قد خلقتا، أعدت الجنة للمتقين، والنار للكافرين، لا تفنيان ولا تبيدان) [10]

وقال عبد القاهر البغدادي – رحمه الله –: في كتابه الفرق بين الفرق( الفصل الثالث: في بيان الأصول التي اجتمع عليها أهل السنة، - ثم ذكر أموراً – وقال:( الركن الثاني عشر: وقالوا بدوام نعيم الجنة على أهلها، ودوام عذاب النار على المشركين والمنافقين، وقالوا إن الخلود في النار لا يكون إلا للكفرة) [11].

الرأي الثاني: القول بفناء النار
-------------------

فيرى أصحاب هذا القول أن النار تبقى زماناً طويلاً ثم تفنى بعد ذلك, واستدل أصحاب هذا المذهب بعدة أدلة منها:

أ - آية سورة النبأ:(لابثين فيها أحقابًا) فتقييد لبثهم فيها بالأحقاب يدل على مدة مقدرة يحصرها العدد، لأن ما لا نهاية له لا يقال فيه: هو باق أحقابًا.

ب - آية سورة الأنعام:"قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم".

ج- آية سورة هود:"خالدين فيها مادامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد".

الرأي الثالث: التوقف في هذه المسألة.
---------------------

ذهب بعض أهل العلم ممن لم يصح عنده الإجماع على عدم فناء النار إلى القول بالتوقف في هذه المسألة وتفويض علمها إلى الله تعالى، وذلك استنادا منهم إلى أنه لم يصح الإجماع على عدم فنائها وأن الأدلة محتملة لكلا القولين.

ولاشك أن الرأي الأول هو الأرجح والأصوب لقوة أدلته ووضوحها ولحصول الإجماع عليه من علماء الأمة ولضعف المرويات التي تنسب للصحابة قولهم بالرأي الثاني

قول ابن تيمية في المسألة وهل خالف إجماع الأمة؟
----------------------------

لم يخرج ابن تيمية عن إجماع الأمة في القول بعدم فناء النار في كتبه ورسائله فلم يثبت عنه شيء منها , ومن النقولات من كتبه التي صرح فيها بدوام النار ما يلي:

- حكى الإجماع على عدم فناء النار في عدد من كتبه فكيف يخالف ذلك؟ ومن هذه المواضع قوله في مجموع الفتاوى" وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية كالجنة والنار والعرش وغير ذلك. ولم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين كالجهم بن صفوان ومن وافقه من المعتزلة ونحوهم، وهذا قول باطل يخالف كتاب الله وسنة رسوله وإجماع سلف الأمة وأئمتها" [12].

- قال في منهاج السنة(فإن نعيم الجنة، وعذاب النار دائمان، مع تجدد الحوادث فيهما) [13]

- لم يتعقب كلام ابن حزم في كتابه (مراتب الإجماع) حيث قال – ابن حزم - ص 173:(وأن النار حق وأنها دار عذاب أبدا لا تفنى ولا يفني أهلها أبدا بلا نهاية) فأقره شيخ الإسلام ولم يتعقبه بشيء مع أنه تعقبه في غيرها.

وذهب إلى نفي القول بفناء النار عن شيخ الإسلام هذا جماعة من أهل العلم , ومنهم

- تصريح عدد من أهل العلم المحققين أن هذا القول ثابت له ومنهم الإمام الصنعاني والإمام الألباني [14] والشيخ عبد الرزاق عفيفي عضو اللجنة الدائمة للإفتاء، وعضو هيئة كبار العلماء بالمملكة [15]وغيرهم.

- الشيخ عبد الرحمن بن قاسم - رحمه الله – صاحب مجموع الفتاوى حيث قال معلقاً على قول شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية (وأن بقاء الجنة والنار بقاء مطلق) قال ابن قاسم: وهذا مع ما يأتي يكذب ما افتراه أعداؤه من القول بفناء النار) [16]

- الشيخ ابن جبرين – رحمه الله - قال في تقديمه لكتاب إيقاف الفريقين على خلود أهل الدارين (فقد تبين من هذه النقول أن من عزى إلى الشيخين رحمهما الله تعالى القول بفناء النار وانقطاع العذاب فقد تخرص وتكلم فيهما بغير علم فإن مؤلفاتهما متوفرة بأيدي الناس، وهي في متناول الأيدي، وقد اشتملت على أنواع من علوم العقيدة، ومن ذلك التصريح بدوام النعيم والعذاب في الآخرة دون الإشارة إلى فناء النار والميل إليه …).

- أكد ذلك عدد من الباحثين منهم الدكتور علي جابر الحربي في كتابه(كشف الأستار لإبطال ادعاء فناء النار المنسوب لشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم), وخليل السبيعي في مقدمته لكتاب(توفيق الفريقين على خلود أهل الدارين) لمرعي بن يوسف الحنبلي والبهيجي في كتابه الاستنفار لمحق القول بفناء النار " , وغيرهم.

والخلاصة: أنه لا يصح نسبة القول بفناء النار لشيخ الإسلام وإن قال به عدد من أهل العلم، وذلك لأنه خلاف ما صرح به هو نفسه في أكثر كتبه والذي ثبت عنه في كتاب واحد من كتبه, فكم شنع على هذه الرجل وكم نسبت إليه أقوال لم يقلها؟!!

رحم الله شيخ الإسلام وجعل ما كتبه في ميزان حسناته

ـــــــــــــــ

[1] السجدة: 17 .

[2] النجم: 13 – 15.

[3] آل عمران: 131.

[4] المطففين: 7.

[5] تفسير الطبري (5/144).

[6] النساء: 168، 169

[7] صحيح مسلم في كتاب الإيمان باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار حديث رقم: 185

[8] فاطر: 36

[9] التذكرة"(ص/437

[10] الجامع ص 110

[11] ) الفرق بين الفرق 348

[12] مجموع الفتاوى 18 / 307..

[13] منهاج السنة النبوية 1/146.

[14] رفع الأستار للصنعاني بتحقيق الألباني

[15] قال – رحمه الله - "والواقع ان القول بفناء النار متصل بابن تيمية خلافا لمن نفي نسبة هذا القول " فتاوى الشيخ عبدالرزاق عفيفي 372

[16] بيان تلبيس الجهمية 1/157.

-----------------------------------------------
*{التأصيل للدراسات}
ـــــــــــ
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
مسلمة, موقف, الإسلام, النار, فناء


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع موقف شيخ الإسلام من مسألة فناء النار
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
موقف الإسلام من كتب اليهود والنصارى عبدالناصر محمود دراسات ومراجع و بحوث اسلامية 0 09-14-2014 08:28 AM
كيري : نتنياهو يتصل بي يوميا خمسة مرات ويطلب مني التوصل لوقف اطلاق النار Eng.Jordan أخبار عربية وعالمية 0 07-29-2014 10:06 PM
من أجل امرأة مسلمة ام زهرة شذرات إسلامية 0 04-21-2013 06:09 PM
مجلس الأمن يصوت بالإجماع لإرسال مراقبين دوليين لوقف إطلاق النار في سوريا يقيني بالله يقيني أخبار عربية وعالمية 0 04-15-2012 07:20 AM
أول طيارة مسلمة ركبت الطائرات كانت طيارة مسلمة عثمانية محمد خطاب الملتقى العام 0 01-25-2012 09:22 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 01:37 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59