الموسوعة العربية : محمد عثمان - اليمن
لا أعتبر سيادة النقد السردي على النقد الشعري علامة أو مظهر لأزمة في الكتابة, سواء أكان لأمر بهذه أم بتلك, كما لا أرى أن اتساع نطاق المشهد السردي وكم المنتج منه علامة على تراجع الشعر بالضرورة.
إن ما يحدد توجهات النشاط النقدي هو اتجاهات النشاط الإبداعي. نوعية المنتج الإبداعي هو الذي يستدعي نوعية واتجاهات الطرائق النقدية في تناوله. بلغة أخرى فإن النقد نشاط تابع للنشاط الإبداعي. الإبداع يأتي أولاً ونقده ثانياً. نظرياً من الممكن أن يوجد نص إبداعي دون نقد يواكبه, لكن بالمقابل من غير المتصور أن يوجد نقد أدبي دون أدب يستثيره. إذن فإن تعاظم النقد الأدبي الذي يكرس للرواية قد يكون علامة على تعاظم الإنتاج الروائي في الفترات الأخيرة, وقد يكون أيضاً علامة على تحول ذائقة القارئ باتجاه الرواية, ولن ننسى أيضاً الاهتمام الإعلامي المتعاظم بالرواية. بالمقابل قد لا يعني انصراف النقد عن الشعر تراجع الإنتاج الشعري.. لكن على الأرجح تراجع الاهتمام العام به بالقياس إلى الرواية. إلى ذلك فإن الشعر أخذ نصيبه الوافر من النقد في الفترات السابقة. وهناك الخصائص الجديدة التي طرأت على الشعر والتي بموجبها أصبح أكثر ميلاً للفردية والغموض والنخبوية والانصراف عن الشؤون العامة التي تركها للمقالة والصورة..
وهو ما يعني أن الرواية استطاعت أن تجد لها مكاناً شاغراً, وكذلك بقية الفنون البصرية, أصبحت هناك منافسة قوية بين الأشكال الإبداعية المختلفة، وذلك لأن أدوات الفنون الأخرى تعددت، وتطورت، وأصبحت أكثر قدرة على خوض غمار السباق. أصبحت الحلبة أكثر اتساعاً ونزل إليها فرسان جدد غيروا من طرائقهم الابتكارية في المصارعة, لا أقول إن ذلك جاء على حساب الشعر, كما قد يستشف القارئ لما وراء الخبر؛ ولكن ما وددت الذهاب إليه هو أن الأشكال الإبداعية المختلفة لابد أن تتجاور كما أنه لابد أن تتعدد أساليب الحضور؛ حيث يمكننا اللجوء إلى وسائل ابتكارية جديدة ليس للحفاظ على الشكل الإبداعي ولكن لفتح انفساحات وانزياحات وضفاف تليق بالمتغير الكبير الذي يأتي من الآفاق البعيدة.