#1  
قديم 02-03-2012, 02:52 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي إيقاعات الزمن الراقص


إيقاعات الزمن الراقص

قصة قصيرة

بقلم علي السباعي
- انتهى الدرس، وبانتهائه بدأت عجلة الحياة تدور في الاتجاه المعاكس، الدقائق بدأت تحصدها مناجل من لحظات راقصة، وبحركات رشيقة، اهتزازات متقنة، ترقص المخلوقات. إذ أصبح هذا الرقص جزءاً من حالات انتهاء الدرس لحركات الراقصين والراقصات، تتكسر الثواني كما الزجاج المتكسر من نوافذ المنازل بفعل ارتجاج عقارب ساعات الرقص. الأيام هجرها الزمن، ضاع الإنسان، وضياعه هذا تولَّد من أفعال معاكسة لإرادات جبارة، يقال إن البطريق إذا ضلَّ طريقه إلى أفراد فصيلته يصاب بالحزن-إذ سرعان ما تحتضنه كل البطاريق، وتجعله يأنس معها-.. الآن –أعني اليوم- الإنسان ضاع إلى الأبد، ولا يجد في ضياعه غير المادة. بهذا بدأ أستاذنا الجامعي محاضرته في درس التاريخ المعاصر، استأنف قائلاً:
-طويت صفحة من التاريخ بتداعي الاشتراكية، تكسرت عقاربها المتحركة فوق جليد البريسترويكا، بدأت صفحة أخرى، وعقارب جديدة، حديدية، قوية، وسريعة تدعى: النظام الدولي الجديد!
هكذا! هو التاريخ –كديناميكية الحركة التي تتولد من السكون.
وفي صمت كنت أتمعن في كلام الدكتور المحاضر وهو لا يزال مستمراً بإلقاء محاضرته:
-إما أن يأكلنا النظام الدولي الجديد أو نأكله- قد يكون هذا مبهماً، أصم عقيماً فقط للوهلة الأولى. فلا بد أن يحدث تغيير. جاء في الماضي الاسكندر المقدوني، أكل العالم –فأكله التاريخ، جاءت حقبة الحربين أيضاً ابتلعهما التاريخ. إذن! ستبدأ عقارب الساعة بالتراجع من الرقم الأعلى إلى الصفر عكس المعهود- لن تبدأ من الصفر لأن الحياة بكونها بدأت من الصفر، وتخطته إلى حواجز عديدة. سقطت كل الأقنعة، تكسرت عقاربها على ميناء التاريخ تخلصنا من القديم بالدمار. نعم! التاريخ قد يكون الدمار، الجوع، الحرب، ولن يكون الرقص.
أستغرب حديث الدكتور، ما دخل الرقص بمحاضرة عن التاريخ المعاصر؟ تذكرت بأن الليلة ستقام حفلة راقصة في نادي الساحل الأزرق، أيقظت بي أحلاماً لعالمي الخاص الذي لم يكن أبداً خيالياً. كما حدثنا أستاذنا عن: ثورة الزنوج، الثورة الفرنسية، والعالم الجديد... إن هذه المحاضرة حلم أيضاً، بينما الرقص حقيقة ملموسة... أوه... ما زال الدكتور يلعلع بحماس:
-التاريخ المعاصر للعالم أصبح: الصراع بين القديم والجديد، البداوة والتكنولوجيا، اللا مألوف والمألوف.
ولم يتبدل الوضع إلا بالحرب التكنولوجية. فالتكنولوجيا تسخرها القوة العظمى للهيمنة على العالم، وفرض النظام الرأسمالي رغم انتهاء الصراع الأيديولوجي بين الماركسية والليبرالية. أصبح الوضع في إطار اقتصادي بحت، عجزت الدول النامية عن استثمار التكنولوجيا التي أصبحت سلاحاً لحل معظم المشاكل في العالم –هنا- انهار التوازن والعالم يرقص على إيقاعات انهيار دقائق ساعة البلدان النامية.
دكتورنا المحاضر يبدو كنابليون الخاسر في واترلو، أستعيد لحظات العشق، الصخب، والموسيقى... أشعر بتدفق دمي وهو يصعد إلى رأسي بازدياد صخب موسيقى الجاز، اهتزازات، انحناءات، التواءات أجساد الفتيات الغضة الناعمة- عندما تداعبها أصابع الراقصين تجد الحياة حلوة بكل ما فيها وسط النظام الدولي الجديد. يا ليت المحاضرة تنتهي. إلا أن أستاذنا يستطرد مضيفاً:
-عمرنا قصير، ولن نعيش طويلاً. لهذا أنتم التاريخ المتجدد بأجيالكم القادمة، وجيلكم سيدحر النظام الدولي الجديد...
فيقاطعه أحد الطلاب:
-دكتور! أصبحنا نفتقد الآن أشياء إذا ما تذكرناها سنبكي، أضحينا بحاجة ماسة إلى تلك الأشياء الثمينة.
فمن الواضح أن الإنسانية غارقة وسط ضجيج الرقص، وصخب الإعلانات المزعجة. تنهد أستاذنا الجامعي وأجاب:
-كلامي صحيح بعض الشيء!
سأضرب لكم مثالاً يفند ما أشرت إليه: إذا حدث طلاق بين زوجين في أمريكا، وكان الذي قد طالب بالطلاق الزوجة، وسبب دعواها للانفصال: قد وضعت في سرير الزوج قططاً، وعمدت إلى تدثيرها بدثار الزوج مدعية بأن الزوج بإمكانه تحمل البرد بينما القطط لا يمكنها ذلك. أرأيتم؟!
رغم هذا لا يكون ما يفقدونه ضرورة تجعلهم يخسرون حياتهم. بل يجددونها...
قاطعه زميل آخر قائلاً:
-إن كلامك يا دكتور يقودنا إلى التساؤل التالي: -ما هي الحياة؟
أوه... الحياة... إن هؤلاء الطلاب وأستاذهم يعيشون في وهم كبير اسمه: الحياة! إن الحياة تعني المادة –ثم المكانة المرموقة- وامرأة حسناء. إنهم يجهدون أنفسهم بتنظيرات قد دهستها أقدام الزمن، وما فتئت تطفو على أفواههم من جديد، يرد الدكتور على زميلي الطالب، وكأنه اكتشف كنز السندباد:
-إن دستوفيسكي يصف الحياة بأنها وقفة مع كل صورة حلوة ورحلة مع كل صورة معذبة. أليس كذلك يا أحبائي؟
يا للشيطان! إنني محتاج إلى حفلة راقصة لأعبر عما يعتلج داخلي من معارك نفسية متى ستنتهي هذه المحاضرة؟
***
وبانتهائها بدأت الموسيقى تصدح، اهتزازات، تشنجات، والتواءات أجساد الفتيات وهن يرقصن على فقاعات الزمن الجديد، ليبدأ التاريخ يولد من...؟


***





المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الراقص, الزمن, إيقاعات


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع إيقاعات الزمن الراقص
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
بائعة السمن صابرة الملتقى العام 0 11-22-2016 08:41 AM
تبدّل الزمن وتغيّر المعادلات عبدالناصر محمود مقالات وتحليلات مختارة 0 05-21-2015 09:50 AM
توسعة الحرمين تسابق الزمن. عبدالناصر محمود الصور والتصاميم 0 05-07-2015 06:48 AM
ارادة السمو زهير شيخ تراب الشاعر زهير شيخ تراب 2 08-20-2014 07:55 AM
اللعب في الزمن الضائع جاسم داود شذرات إسلامية 0 04-20-2012 02:44 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 01:54 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59