#1
|
||||
|
||||
مفازة حرف
مشى في مفازة لا أفق لها , لا زاد يقيه من هذا الاتساع الذي يتوالد من بعضه البعض , كان في قرارة نفسه متأكد أنه قد يهلك قبل أن يتم رحلته ’, و لكن رغبة ملحة تدفعه إلى اقتحام الأمام الذي يواجهه , كان لا يعد المسافة و لا ينتبه إلى ما حوله فقد كانت صور كثيرة تشغل نفسه , و تسيطر على عقله , المسافة في نظره تلك التي يشعر بها بداخله , في بعض الأحيان يخيل إليه أن أفقه يخلق له مستقرا فيقف ليستبين الأمر رغم أنه يعلم أنه مجرد سراب , و لكنه يسلي نفسه و يحاول أن يقنعها أن نهاية المشوار قريبة . لم يكن يحمل في جرابه القماشي إلا بعض الحروف التي لا تكمل الأبجدية و لا تُكَونُ من ذاتها ما يريده من الكلمات , كانت الحروف تُصدر صلصلة إذا ما اصطكت مع بعضها , فيطرب للصوت الصادر منها الذي يقتل الوحشة التي تلفه , كما كانت كل المعاني محفوظة في جيبه عارية كحقيقته , لينة كواقعه , لا تقوى على التلبس بحروفه الناقصة , و لا أن تتصلب في قوالب الجمل , إنها معان ناقصة لم تبلغ رشدها بعد. رغم كل هذا كان يستمر في المشي , و كأنه قدر استسلم له فلا يعارض و لا يحاول أن ينفك عنه . ما يزال على طرف الورقة , و هو إلى الآن لم ينثر حرفا , كيف يفعل و حروفه ناقصة , حاول أن لا يلتفت إلى خواطره الموجعة فهو يشعر أنه رجل بلا معنى . على حين عرة وجد حرفا ملقيا على أرضه , كان حرفا ماسيا يشع نورا , التقطه مسرورا بما وجد , فهذه اللُقطة لم تكن مما جمعه و كان له , وبعد برهة أحس أن جرابه القماشي ينتفض لم يكن إلا حرفه الماسي الجديد الذي لم يصبر على تفرده فبدأ يطلب تكملته , طرحه على الأرض فاستكان و جلس يرقبه متأملا جماله الأخاذ , و قد دخل حيرته بين أن يأخذه و لا يقدر على ما يطلبه و بين أن يدع هذا الحسن الذي لم ير مثله . طال به الزمن على تلك الحال حتى غلبه النعاس فنام بجانب حرفه , و من زمن بعيد لم يذق طعم النوم , إن لهذا الحرف سحرا . من نومه العميق الهادئ انزلق إلي مدنية الحلم فرأى عروسا سألته حرفا ماسيا ضاع منها . - هو عندي في جرابي هذا .... - الآن فقط اكتمل . في حركة سريعة فتش جرابه مرتعشا و لكنه سرعان ما عاد بوجهه إلى العروس التي تقابله مشدوها لم يجد الحرف . - هات أنا انتظر .. - .....في كلمات تخرج من شفتين مرتجفتين خاطبها : لقد نسيته مرميا على الأرض حيث كنت نائما . - عد إليه . - و لكن لو عدت فقدتك ,. - و لو بقيت معي بلا حرفي لم اكتمل.. - كيف؟ كيف أعيش بحقيقة نصفها واقع و نصفها حلم - عد وابحث إني وحرفي الضائع في نفسك , إن بين الواقع و الحلم ستارة مصنوعة من النفس , ألا تجدني كاملة فيها ألا تجدني عروسا متزينة لك لا ينقصها إلا حضنا منك , إن الانكسار صنيعة صور خلقها لأنفسنا ثم نصدقها إن ما تراه حلما ليس إلا واقعا تحاول أن تجمله بضباب الحلم . مد يدك لواقعك و التقط حلمك أو مد يدك لحلمك و التقط واقعك , بكاءك تحت الستارة لا يجدي . أميري ...الكلمات و الحروف لا تكون حتى يكتمل المعنى فأنظر إن اكتمل ما أعنيه لك عندها ستجدني أمامك . - علامات الدهشة اكتسحت وجهه من كلامها و لكنه سرعان ما تدارك ما هو فيه قائلا : - كيف افعل؟ - تخلص من الستارة ....واجمع ذاتك المبعثرة في غيرك , حاول أن تخرج من ظل أفكارهم إلى وهج ما تؤمن به , إن كلام الناس ما يزال يسد ثقوب نفسك فيمنعك أن تتنفس ذاتك , و لن ترى الحقيقة حتى تعاين وجهك بلا ندوب الكلام , أميري ...الحب اكتمال النفس بذاتها . أفاق من غفوته و كلماتها تتردد في تجاويف عقله , ليجد حرفه مازال ملقيا على الأرض و قد داهمه الليل , و لاحت النجوم في عليائها , و قد رسمت وجهها على صفحة السماء , أيقن أن أفق مقره قد قرب لأنه أحس أن نفسه تتخلق من جديد فقد خلف في مكان نومه الستارة يمزقها هواء الليل في تلك المفازة. المصدر: ملتقى شذرات |
#2
|
||||
|
||||
تشرفت بقراءة هذا النص ..
كل التقدير لك ولقلمك وحروفك الراقية
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201) |
#3
|
||||
|
||||
لي الشرف أن أكون قلما من أقلامكم الراقية
|
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
مفازة |
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع مفازة حرف | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
برنامج أفاست مكافحة ملفات التجسس والفايروسات اندرويد Avast! Mobile Security 2.0.4304 | Eng.Jordan | الحاسوب والاتصالات | 0 | 04-08-2013 01:43 PM |