#50  
قديم 05-12-2015, 07:12 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة الوجد عند الصوفية

الوجد عند الصوفية*
ــــــــــــ

23 / 7 / 1436 هــ
12 / 5 / 2015 م
ــــــــــــ




من رحمة الله تعالى بعباده أن أرسل إليهم الرسل والأنبياء ليبينوا لهم ما أحله لهم مما حرمه, ومن رحمته تعالى بالناس أيضا أن أكمل وأتم رسالة خاتم رسله محمد صلى الله عليه وسلم, ليكون الإسلام حجة على العالمين, قال تعالى: {...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ...} المائدة/3

فلا يجوز لأحد – بعد اكتمال الدين وتمامه – أن يبتدع شيئا ليس في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم, ثم ينسبه إلى الإسلام كذبا وبهتانا, كما لا يجوز لأحد أن يزيد على هذا الدين شيئا أو ينقص منه تحت أي دعوى, وكل من يفعل ذلك فهو مبتدع لا بد من رده عن بدعته وضلاله.

ولعل من أكثر من ابتدع في هذا الدين هم المتصوفة, فشطحاتهم لا تمت إلى الإسلام بصلة, و معظم مصطلحاتهم ليس لها سند أو دليل من كتاب الله أو سنة رسوله, ومن هذه المصطلحات والشطحات "الوجد", الذي سنلقي عليه بعض الضوء في هذا التقرير.

التعريف

اختلفت عبارات الصوفية في تعريف الوجد, فمنهم من لم يجعل له حدا معينا, منزها الوجد عن أن تحيط بحقيقته عبارة فقال عمرو بن عثمان المكي: لا يقع على كيفية الوجد عبارة, لأنها سر الله تعالى عند المؤمنين الموقنين. (1)

ومنهم من عرفه بأنه: لهيب ينشأ في الأسرار ويسنح عن الشوق, فتضطرب الجوارح طربا أو حزنا عند ذلك الوارد كما ذكر أبو الحسين النوري (2), بينما عرفه أبو سعيد بن الأعرابي بأنه: رفع الحجاب, ومشاهدة الرقيب, وحضور الفهم, وملاحظة الغيب, ومحادثة السر, وإيناس المفقود, وهو فناؤك من حيث أنت. (3)

وقال الكلاباذي: الوجد هو ما صادف القلب من فزع, أو غم, أو رؤية معنى من أحوال الآخرة, أو كشف حالة بين العبد والله عزوجل. (4) ليأتي الغزالي بتعريف شبه جامع للوجد بقوله: إنه عبارة عن حالة يثمرها السماع, وهو وارد حق جديد عقيب السماع, يجده المستمع من نفسه. (5)

ويعزى اختلاف الصوفية في تعريف الوجد – وغيره من المصطلحات – إلى أن كلا منهم قد عبر عنه بحسب حاله ومشهده الخاص به, ولذلك نجد بينهم مثل هذا الاختلاف.

الفرق بين الوجد و الكشف

1- أما الفرق بين الوجد والكشف فالوجد الصوفي مرتبط بالسماع كما سبق, وهو استماع الأشعار الملحنة بالأنغام والأوتار والدفوف وغير ذلك, فالسماع من أقوى بواعث الوجد, أما الكشف الصوفي فعلى الرغم من كون السماع لا يبعد أن يكون سببا له ما لم يكن مكشوفا من قبل كما قال الغزالي, إلا أنه على كل حال غير مرتبط بالأنغام والأوتار كما هو الحال في الوجد, فالسماع بالنسبة للوجد عامل أساسي وسبب أصلي, أما بالنسبة للكشف فهو ثانوي وقد يعد ضمن قائمة الكشف الكثيرة.

2- ومن الفروق أيضا أن المشاهدة في الوجد لا تكون إلا عن فناء ناجم من تأثير النغم, أما المشاهدة حال الكشف فتكون بفناء وبغير فناء, عن طريق الإسراءات والمعاريج الصوفية, وعن طريق الكشف الحسي بارتفاع الحجب الحسية وغير ذلك.

3- وبالإضافة لما سبق فالمشاهدة حال الوجد لا يطيق المرء البقاء تحت أعبائها, ولا الثبات عندها, فقد يؤدي ذلك إلى هلاك النفس وتلفها, وليس الأمر كذلك في المشاهدة حال الكشف.

4- أحوال الكشف تكون في حالة اليقظة أو النوم أو بينهما, أما الوجد فيحصل في حال اليقظة بفناء أو بغير فناء.

الفرق بين الوجد والذوق

1- الوجد الصوفي سببه – كما سبق – السماع, بينما الذوق سببه التجلي الإلهي على القلوب, والوجد لا تجلي فيه.

2- الوجد فيه فناء في بعض أحواله, بينما الذوق لم يذكروا فيه فناء.

3- الوجد فيه مشاهدة إلا أنها لا تدوم لأن فيها مهلكة العبد, بينما المشاهدة في الذوق مدعاة لطلب المزيد.

أنواع الوجد ودرجاته

1- التواجد: استدعاء الوجد كما قال القشيري, واستجلابه بالذكر والتفكر كما قال السهروردي, وظهور ما يجد في باطنه على ظاهره كما ذكر الكلاباذي. (6)

فالتواجد أمر سابق على الوجد, وهو محاولة اصطناع الوجد, إما عن طريق الذكر أو التفكر, وسماه الغزالي بالوجد المتكلف, وجعله قسيما للوجد الهاجم. (7)

وأحيانا ما تطلق كتب التصوف لفظ التواجد على غير معناه الاصطلاحي السابق, بل قد يطلقونه على الأثر الذي يحدثه السماع, من الحركة والاضطراب والرقص والغشي والصعق وتمزيق الثياب ونحو ذلك. (8)

2- الوجد: وهو وسط بين التواجد والوجود, قال القشيري: "فالتواجد بداية والوجود نهاية, والوجد واسطة بين البداية والنهاية". (9)

وقد قسم الصوفية الوجد إلى وجد متعلق بالأحوال, وهو لكل سائر إلى الله كل بحسب حاله مع الله, ووجد متعلق بالمكاشفات والمشاهدات, والأخير له ارتباط بالفناء الصوفي, وقد خصه الغزالي بالصديقين الذين جاوزا الأحوال والمقامات وبلغوا مقام الفناء. (10)

وهل يُملك الوجد أم لا؟ اختلف الصوفية, فاختار ابن عربي عدم القدرة على ملك الوجد فقال: "وعندنا أن الوجد لا يملك" (11), وذهب الغزالي إلى إمكانية تملكه, مفرقا بين الوارد إن كان قويا أم ضعيفا, وصاحب الوجد حسب قدرته على ضبط جوارحه من عدمه, ويفهم من كلامه أن الوجد الذي يملك أتم وأكمل وصاحبه كذلك. (12)

3- الوجود: هو آخر مراتب ودرجات الوجد, قال القشيري: " ... وأما الوجود فهو بعد الارتقاء عن الوجد, ولا يكون وجود الحق إلا بعد خمود البشرية, لأنه لا يكون للبشرية بقاء عند ظهور سلطان الحقيقة". (13)

ومن خلال أقوال الصوفية في الوجود يمكن استخلاص الفرق بينه وبين الوجد بأمور هي:

· كل وجود وجد ولا عكس فالوجود أخص من الوجد.

· الوجود معناه مشاهدة الحق "الله" في أثناء الوجد, أما الوجد فقد يحصل فيه ذلك أو لا.

· الوجود يكون عند الفناء عن الفناء, والوجد يكون عند الفناء.

· الوجود يدوم بدوام الشهود, والوجد لا يطيق صاحبه البقاء تحت سطوات المشاهدة, فتكون له كالبرق الخاطف.

وسائل الوجد وطرق استدعائه

الطريقة الأبرز لاستدعاء الوجد السماع: وهو من أقوى مثيرات الوجد وبواعثه, ولذلك قيل: الوجد عبارة عما يوجد عند السماع . (14), ويتنوع هذا السماع, فقد يحدث الوجد من سماع كلام منثور – ليس بقرآن أو حديث – غير منظوم, وقد يحدث الوجد من سماع القرآن, وقد يحدث من سماع الأشعار المطربة الملحنة, إلا أن المقصود بالسماع الصوفي عند الإطلاق هو السماع المقيد بالنغم. (15)

وتقوم فلسفة السماع عند الصوفية على أساس أثر الأصوات والألحان والأنغام العميق على الروح والقلب والبدان, قال الغزالي: ومعرفة السبب في تأثر الأرواح بالأصوات من دقائق علوم المكاشفات. (16)

ونجد عند الصوفية تعليلات فلسفية لسر الحركة والاضطراب عند السماع , فنقل الكلاباذي عن أبي القاسم البغدادي – في تعليل ذلك الاضطراب – أن حظ الروح وقوته: هو النغم, فإذا ظفر الروح بقوته أشرف على مقامه, وأعرض عن تدبير الجسم, فظهر – عند ذلك – من المستمع الاضطراب والحركة. (17)

والناس أقسام في السماع فهناك:

· السمع بالطبع: وهذا نوع يشترك فيه الخواص مع العوام, لأن كل ذي روح طيب يستطيب الصوت الطيب كما يقولون. (18), ويرى الغزالي هذا النوع – مع كونه مباحا – أخس وأدنى درجات السماع, لأنه لا حظ له من سامعه إلا مجرد استلذاذ النغم من غير فهم المعاني, وهو أمر تشترك فيه البهائم, وأما من يفهم المعاني وينزله لغرض رديء دنيء كالساب الثائر الشهوة فهي درجة أدنى من سابقتها .

· السماع بالحال: ومعناه أن ينزل المريد ما يسمعه من الكلام على أحوال نفسه في معاملته مع الله تعالى, فإذا سمع ذكر عتاب أو وصل أو هجر أو تأسف على فائت ... أنزله على حسب حاله مع الله, واعتبر الغزالي هذا النوع من وسائل تصحيح سلوك المريدين أثناء سيرهم إلى الله تعالى. (19)

· سماع الفقراء المجردين: الذين قطعوا العلائق ولم تتلوث قلوبهم بمحبة الدنيا, والاشتغال بالجمع والمنع, فهم يسمعون بطيبة قلوبهم ويليق بهم السماع, وهم أقرب الناس إلى السلامة وأسلمهم من الفتنة.

· السماع بالحق: وهو سماع من جاوزوا الأحوال والمقامات, فكان سماعهم بالله ولله ومن الله, فهؤلاء هم الذين وصلوا إلى الحقائق, وعبروا الأحوال, وفنوا عن الأقوال والأفعال ......وهذه هي حالة الفناء التي يفنى فيها السامع عما سوى الله تعالى. (20).

أدلة الصوفية على الوجد والرد عليها

استدل الصوفية على التواجد بحديث: (ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا ) رواه ابن ماجه برقم 1337 وضعف إسناده الأرناؤوط, كما استدلوا بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قصة أسرى بدر: (لما دخل على رسول الله صلى اله عليه وسلم – وأبي بكر رضي الله عنه – فوجدهما يبكيان فقال: "يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك ؟ فإن وجدت بكاء بكيت , وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما) صحيح مسلم بشرح النووي 12/86

قال السراج الطوسي: "فالتواجد من الوجد بمنزلة التباكي من البكاء .." (21)

وليس في الحديثين ما يدل على مشروعية التواجد الذي يفعله الصوفية عند حضور السماع, ناهيك عن كون الوجد الصوفي بدعة منكرة محرمة, والوسيلة إليها – وهي التواجد – حكمها حكمه.

ومن أدلتهم أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرئ عنده قول الله تعالى: {إن لدينا أنكالا وجحيما} المزمل/12 فصعق. البيهقي في الجامع لشعب الإيمان برقم 889 وغيره, وهو حديث ضعيف لا يستدل به.

واستدلوا على جواز الرقص والتواجد أثناء السماع بلعب الحبشة في المسجد, وعائشة رضي الله عنها تنظر إليها, ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترها بردائه. صحيح البخاري برقم 454, وهو استدلال باطل بسبب القياس الباطل, فما يفعله أهل السماع المحدث يختلف تماما عن لعب الحبشة الوارد في الحديث, وقد رد أبو العباس القرطبي رحمه الله على هذا الاستدلال الباطل بقوله: "هذا الحديث لا يتناول محل النزاع, فإن ذلك لم يكن من الحبشة رقصا على غناء ... وإنما كان لعبا بالسلاح, وتأهبا للكفاح ... فأين أفعال المخانيث والمجان, من أفعال الأبطال والشجعان" (22)

واستدلوا على جواز إنشاد الشعر بالدف – كما يفعله أهل السماع – بما ورد أن جارتين كانتا تضربان بالدف وتغنيان وعائشة رضي الله عنها معهن, وكان ذلك بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر من ذلك شيئا. البخاري برقم 949, وهو استدلال لا يصح من وجوه أهمها:

· أن الجويريتين صغيرتان دون البلوغ غير مكلفتين, وتغنيان بشعر العرب بما فيه من الشجاعة ومكارم الأخلاق, في بيت السيدة عائشة رضي الله عنها.

· قد سماه أبو بكر مزمار الشيطان ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم, فكيف يجعل قربة وطاعة لله تتنزل به الأحوال الإيمانية.

· هذا الأمر مرخص للنساء والصبيان في وقت خاص, فلا يجعل الخاص عاما.

· القياس على فعل الجاريتين بما تفعله الصوفية في حلقات السماع قياس فاسد.

وهناك الكثير من الأدلة التي أوردها الصوفية لم نأت على ذكرها, لكونها أحاديث باطلة أو موضوعة, ولا داعي لذكر مثل هذه الأدلة فضلا عن الرد عليها أو مناقشتها.

حقيقة وحكم الوجد عند أهل السنة

السماع الشرعي عند أهل السنة: هو سماع القرآن الكريم, قال ابن تيمية: "الله سبحانه شرع للأمة ما أغناهم به عما لم يشرعه ..., وهو سماع القرآن, الذي شرعه لهم في الصلاة التي هي عماد الدين, وفي غير الصلاة مجتمعين و منفردين" (23)

والوجد الشرعي عند أهل السنة: هو الوجد الناجم عن سماع القرآن الكريم, وقد أفاض شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان أقسام الناس في الوجد الشرعي عند سماع القرآن الكريم, وذكر أنهم على ثلاثة أحوال:

1- حال النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام: والوجد الحاصل لهم من سماع القرآن إما: وجل القلوب كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} الأنفال/2, وإما اقشعرار الجلواد المذكور في قوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} الزمر/23, أو البكاء ودموع العيون المذكور في قوله تعالى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} مريم/58

2- الظالم لنفسه: وهو القاسي القلب لا يلين لسماع القرآن والذكر, فهؤلاء فيهم شبه من اليهود, قال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} الحديد/16

3- حال المؤمن التقي: الذي ضعف عن حمل ما يرد على قلبه, فهذا الذي يصعق صعق موت أو صعق غشي, وذلك يكون لقوة الوارد وضعف القلب عن حمله, ومثل هذا قد يحدث في غير سماع القرآن من الأمور الدنيوية, فإن كانت أسبابها مشروعة وصاحبها صادقا, عاجزا عن دفعها, كان محمودا. (24)

وإذا كان هذا هو الوجد الشرعي, فإن كل وجد يخالفه هو نقص, هذا ما لو كان الوجد النافص – الذي هو الصعق بالموت أو الغشي ونحو ذلك – سببه السماع الشرعي الذي أمرنا بالاستماع إليه, فكيف إذا انضم إلى الصعق والاضطراب الأسباب المحرمة, كسماع الآلات والأشعار الفاجرة الماجنة, كما هو شأن أهل السماع البدعي.

وأما حكم الوجد

فهو عند أهل السنة محكوم عليه وليس حاكما, فلا اعتداد بالوجد إن خالف الكتاب أو السنة, كما أن الوجد لا يحتكم إليه ولا يعول عليه لعدم الدليل على ذلك, فقد أمرنا الله عند التنازع بالرجوع إلى الكتاب والسنة, قال تعالى: {....فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} النساء/59

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "... فمن عارض كتاب الله تعالى وجادل فيه بما يسميه: معقولات وبراهين, أو ما يسميه: مكاشفات ومواجيد وأذواق, من غير أن يأتي بما يقوله بكتاب منزل, فقد جادل في آيات الله بغير سلطان" (25)

ــــــــــــــــــــ

الفهارس

(1) طبقات الصوفية 202

(2) التعرف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي ص134

(3) اللمع في التصوف عبد الله بن علي الطوسي 302

(4) التعرف 302

(5) إحياء علوم الدين 2/268

(6) الرسالة القشيرية 34 و التعرف134 وعوارف المعارف 5/253

(7) إحياء علوم الدين 2/270

(8) اللمع 290 وإحياء علوم الدين 2/265

(9) الرسالة القشيرية 34

(10) إحياء علوم الدين 2/266

(11) الفتوحات المكية 2/537

(12) إحياء علوم الدين 2/277

(13) الرسالة القسشيرية 34

(14) إحياء علوم الدين 2/267

(15) إحياء علوم الدين 2/258- 267 و اللمع 282 والفتوحات المكية 2/367

(16) إحياء علوم الدين 2/256

(17) التعرف 191

(18) اللمع 278

(19) إحياء علوم الدين 2/263

(20) إحياء علوم الدين 2/266 واللمع 279

(21) اللمع 303

(22) كشاف القناع 145

(23) الاستقامة 1/302

(24) مجموع الفتاوى 11/ 8-13

(25) الاستقامة 1/22
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*{التأصيل للدراسات}
ـــــــــــ
رد مع اقتباس
  #51  
قديم 05-25-2015, 06:34 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة حد الإيمان عند فرق المرجئة

حد الإيمان عند فرق المرجئة
ــــــــــــــ

(رمضان الغنام)
ـــــــ

7 / 8 / 1436 هــ
25 / 5 / 2015 م
ـــــــــــ




عن المعنى اللغوي للإرجاء قال الشهرستاني: «الإرجاء على معنيين: أحدهما: بمعنى التأخير، كما في قوله تعالى: (قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ)([1]) أي أمهله وأخره، والثاني: إعطاء الرجاء، أما إطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأول فصحيح؛ لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية والعقد، وأما بالمعنى الثاني فظاهر، فإنهم كانوا يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة» ([2]).

ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن الصحيح هو أن اسم المرجئة مأخوذ من الإرجاء، لكنه يشارك الرجاء في الاشتقاق الأكبر([3]).

والمراد بالإرجاء في الاصطلاح العقدي هو: القول بإخراج أعمال الجوارح من الإيمان، وعدم الزيادة فيه أو النقصان. والمرجئة بعد ذلك مختلفة فيما تبقى غير الأعمال، فمنهم من يقول: الإيمان المعرفة بالله، ومنهم من يقول: التصديق فقط، ومنهم من يقول: النطق باللسان فقط، ومنهم من يقول: أعمال القلب جميعها، ومنهم من يقول: الإيمان اعتقاد القلب ونطق اللسان فقط.

وخلال هذا المقال سأسعى إلى تفصيل القول في هذه الاعتقادات، ببيان حد الإيمان عند كل فرقة من الفرق التي تلبست بهذا المعتقد الباطل.

1-الإيمان : المعرفة بالله فقط .

وهو قول الجهمية أتباع الجهم بن صفوان والجعد بن درهم، ومن شايعهم.

قال وكيع بن الجراح- رحمه الله-: «أهل السنة يقولون: الإيمان قول وعمل، والمرجئة يقولون: الإيمان قول، والجهمية يقولون: الإيمان المعرفة»([4]).

وعن حمدان بن علي الوراق، قال سألت أحمد- وذُكر عنده المرجئة- فقلت له: إنهم يقولون: إذا عرف الرجل ربه بقلبه فهو مؤمن، فقال: المرجئة لا تقول هذا بل الجهمية تقول بهذا([5]).

و قالت به أيضا الصالحية أتباع صالح بن عمر الصالحي، فالجهمية والصالحية، كلاهما يقول: أن الإيمان هو معرفة الله، والكفر الجهل به([6]).

2- الإيمان: التصديق فقط:

وهو قول الأشاعرة، والماتريدية، فهو القول الأول لأبي الحسن الأشعري، ووافقه عليه جمهور الأشاعرة، كالباقلاني، والجويني وغيرهما، وهو أن الإيمان مجرد تصديق القلب ومعرفته، ويختلف تعبير الأشاعرة هنا، فتارة يقولون المعرفة كقول جهم، وتارة يقولون التصديق([7]).

أما القول الثاني لأبي الحسن الأشعري: أن الإيمان قول وعمل واعتقاد، ذكره في المقالات، ضمن مقالة أصحاب الحديث وأهل السنة، وقال: أنه بكل ما قالوه يقول([8]).

وقال به أيضا النجارية، قال النجار في الإيمان: «إنه عبارة عن التصديق، ومن ارتكب كبيرة ومات عليها من غير توبة عوقب على ذلك، ويجب أن يخرج من النار، فليس من العدل التسوية بينه وبين الكفار في الخلود»([9]).

3- الإيمان: النطق باللسان فقط.

وهو قول الكرَّامية، أتباع ابن كرام السجستاني، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض الرد عليهم: «قولهم في الإيمان قول منكر، لم يسبقهم إليه أحد، حيث جعلوا الإيمان قول اللسان، وإن كان مع عدم تصديق القلب، فيجعلون المنافق مؤمناً، لكنه يخلد في النار، فخالفوا الجماعة في الاسم دون الحكم»([10]).

4- الإيمان: أعمال القلب جميعها.

وهو قول اليونسية، والشمرية، والغيلانية، وهم الذين لا يشترطون في الإيمان سوى أعمال القلوب من محبة وخوف ورجاء وترك الاستكبار عليه..الخ.

قال الشهرستاني في كلامه عن اليونسية: أصحاب يونس بن عون النميري، زعم أن الإيمان هو المعرفة بالله، والخضوع له، وترك الاستكبار عليه، والمحبة بالقلب، فمن اجتمعت فيه هذه الخصال فهو مؤمن، وما سوى ذلك من الطاعة فليس من الإيمان([11]).

5- الإيمان: اعتقاد القلب ونطق اللسان فقط.

وهم مرجئة الفقهاء الحنفية، أتباع الإمام أبي حنيفة– رحمه الله- وهم أقرب مذاهب المرجئة إلى أهل السنة.

يقول الدكتور غالب عواجي: «على أن في نسبة الإرجاء إلى أبى حنيفة من الخلاف الكثير بين العلماء ما لا يخفى، هل كان أبو حنيفة من المرجئة كما وصفه كتاب المقالات والفرق، أم كان ضد الإرجاء كما يصفه المدافعون عنه؛ لأن الإرجاء يتميز بالتساهل في الأعمال وتأخيرها من منزلة الإيمان، وأبو حنيفة رحمة الله تعالى بلغ حداً كبيراً في الاهتمام بالفروع، مما يدل على أنه يهتم بالعمل، وهذا عكس الإرجاء، فكيف يوصف بالإرجاء حسب هذا الدفاع عنه!! وأما ما جاء في الكتاب المنسوب إليه الفقه الأكبر، من عبارات تدل دلالة واضحة على إرجائه- فقد شكك هؤلاء المدافعون عنه في صحة نسبة هذا الكتاب إليه، بل كذبوا نسبته إليه...»

ثم قال الدكتور عواجي: «والواقع أن النقول بإرجاء أبي حنيفة كثيرة، وعلماء الفرق أغلبهم يقر نسبة الإرجاء إليه بالمعنى الذي قدمنا ذكره([12]). وهذا هو الثابت، ولا يقال: إن أبا حنيفة كان من غلاة المرجئة كالجهمية مثلاً، وذلك لموافقته أهل السنة والاعتقاد السليم في جوانب كثيرة في باب الإيمان وإن خالفهم فيما ذكر»([13]).

6- الإيمان: الإقرار بالأئمة وحبهم:

وهو قول الرافضة، الشيعة الإثنى عشر، قال الأشعري: «جمهور الرافضة يزعمون أن الإيمان هو الإقرار بالله، وبرسوله، وبالإمام، وبجميع ما جاء من عندهم، فأما المعرفة بذلك فضرورة عندهم، فإذا أقر وعرف، فهو مؤمن مسلم، وإذا أقر ولم يعرف فهو مسلم، وليس بمؤمن»([14]).

وبهذا أدخلوا الإيمان بالأئمة الإثنى عشر في مسمى الإيمان، وعليه فمن لم يعرف الأئمة ويؤمن بالله فليس بمؤمن. وقد أقر كبار علمائهم بأن معرفة الأئمة كافية، لإدخال الرجل في الإيمان وإخراجه من دائرة الكفر.

يقول الدكتور ناصر القفاري: «ولهذا عقد صاحب الكافي بابًا بعنوان: "باب أن الإيمان لا يضر معه سيئة، والكفر لا ينفع معه حسنة"، وذكر فيه ستة أحاديث منها قول أبي عبد الله: (الإيمان لا يضر معه عمل، وكذلك الكفر لا ينفع معه عمل)، والإيمان حسب مصطلحهم هو حب الأئمة أو معرفتهم»([15]).

هذا هو المعنى المقصود من كلمة إرجاء عند مختلف الفرق الإسلامية، وهذا ما أقره الشهرستاني وغيره من علماء الفرق والمذاهب.

وللإرجاء معان أخري أشار إليها العلماء، وهي:

- قالوا إن الإرجاء أطلق على كل من أخر علي رضي الله عنه من الدرجة الأولى إلى الدرجة الرابعة في مسألة التفضيل بينه وبين الخلفاء الراشدين: أبو بكر، وعمر، وعثمان([16]).

وهذا ما رمى به الشيعة خصومهم، ممن يقدمون العمرين على عليّ- رضي الله علي الجميع-.

وهم «يعنون بالمرجئة أهل السنة، ولهذا تجد شيخهم المجلسي يشرح حديثهم الذي يقول: (اللهم العن المرجئة فهم أعداؤنا في الدنيا والآخرة)، ويرجح أن المراد بالإرجاء في هذا النص تأخير عليّ عن الدرجة الأولى إلى الدرجة الرابعة»([17]).

- كما أطلق الإرجاء على كل من توقف في الحكم على الصحابة في الفتنه (علي، وعثمان، وطلحة والزبير)– رضي الله عنهم-، ولم يحكم عليهم وترك أمرهم لله.

وكان أول من أحدث هذا الحسن بن محمد بن الحنفية، فقد تكلم الناس في علي وعثمان وطلحة والزبير، فأكثروا والحسن ساكت ثم تكلم فقال: قد سمعت مقالتكم، ولم أر شيئا أمثل من أن يرجأ علي وعثمان وطلحة والزبير، فلا يتولوا، ولا يتبرأ منهم، فبلغ أباه محمد بن الحنفية ما قال فضربه بعصا فشجه وقال: لا تولي أباك عليا([18]).

ولكن الحسن رجع عما قاله، وندم عليه، فعن عطاء بن السائب عن زاذان وميسرة أنهما دخلا على الحسن بن محمد بن علي فلاماه على الكتاب الذي وضع في الإرجاء فقال لزاذان يا أبا عمر لوددت أني كنت مت ولم أكتبه([19]).

ولقد كان إرجاء الحسن هو النواة الأولى والبذرة التي خرج منها هذا المذهب الفاسد، الذي تطور وتحور فيما بعد. وقيل أن أول من قال بالإرجاء ذر بن عبد الله المذحجي، ثم تابعه غيلان الدمشقي، والجعد بن درهم. وقيل أنه الحسن كما ذكرنا آنفا- رغم أنه لم يعتقد بخروج الأعمال من الإيمان كما هو حال الباقين– وقيل أن أول من وضع الإرجاء هو أبو سلت السمان([20]).

وبهذا يتضح موقف المرجئة على اختلاف فرقها من مسألة الإيمان وحده عند كل فرقة من فرقها، مما ترتب عليه كثير من الانحرافات العقدية والسلوكية.

ــــــــــــ

([1]) سورة الأعراف، الآية: (١١١)، سورة الشعراء، الآية: (٣٦).

([2]) الملل والنحل للشهرستاني: (1/139)- تحقيق: محمد سيد كيلاني- دار المعرفة- بيروت- 1404هـ.

([3]) آراء المرجئة في مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية، عرض ونقد- د. عبد الله السند: (ص:83).

([4]) الشريعة للآجري: (2/684)– تحقيق الدكتور: عبد الله الدميجي– دار الوطن– الرياض– د.ت.

([5]) السنة للخلال: (3/571)- تحقيق: د.عطية الزهراني- دار الراية- الرياض-ط1-1410هـ- 1989م.

([6]) الملل والنحل للشهرستاني: (1/44)؛ ومقالات الإسلاميين للأشعري: (1/132-133)- تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية– بيروت– 1411هـ،1990م.

([7]) موقف ابن تيمية من الأشاعرة - للدكتور عبد الرحمن بن صالح اللحود: (3/1351)– مكتبة الرشد الرياض– ط1- 1415هـ،1995م.

([8]) موقف ابن تيمية من الأشاعرة لعبد الرحمن اللحود: (3/1350).

([9]) الملل والنحل للشهرستاني: (1/87).

([10]) الفتاوى لابن تيمية: (3/103).

([11]) الملل والنحل للشهرستاني: (1/139).

([12]) وهو أن الإيمان عندهم: قول باللسان وتصديق بالقلب، وأن العاصي تحت المشيئة، وأنه لا يخرج من الإيمان، وخالفوا أهل السنة في عدم إدخال العمل في الإيمان، وفي أن الإيمان يزيد وينقص.

([13]) فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام، وبيان موقف الإسلام منها–د. غالب بن علي عواجي: (2/930)-دار لينه للنشر والتوزيع– دمنهور– مصر– ط3 - 1418م ،1997م.

([14]) مقالات الإسلاميين للأشعري: (1/127).

([15]) أصول مذهب الشعية الإمامية الإثني عشرية عرض ونقد- د: ناصر القفاري :( 2/575).

([16]) الملل والنحل للشهرستاني: (1/138).

([17]) أصول مذهب الشعية الإمامية الإثني عشرية عرض ونقد – للدكتورناصر بن عبد الله بن علي القفاري: (2/745).

([18]) تهذيب الكمال للمزي: (6/321-322).

([19]) المرجع السابق: (6/322).

([20]) ينظر: الموسوعة الميسر في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة لمانع الجهني وآخرين: (2/1144).
------------------------------
رد مع اقتباس
  #52  
قديم 05-31-2015, 06:30 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة موقف المعتزلة من الحياة البرزخية

موقف المعتزلة من الحياة البرزخية*
ـــــــــــــــــ

13 / 8 / 1436 هــ
31 / 5 / 2015 م
ــــــــــــ



تعتبر الحياة البرزخية من الأمور العقائدية الغيبية, حيث تعتبر جزءا من الإيمان باليوم الآخر الذي هو ركن من أركان الإيمان, ومن المعلوم عند أهل السنة والجماعة أنه لا مجال لإعمال العقل في المسائل الغيبية, وإنما الاعتماد في الإيمان بهذا الأمر - وغيره من الغيبيات - على النص والخبر الصادق.

وأمام هذا الموقف الواضح لأهل السنة والجماعة من مسألة الإيمان بالحياة البرزخية, وما جاء بخصوصها من نصوص صحيحة, يتساءل المسلم عن موقف المعتزلة من هذه المسألة؟؟ وهم الذين يقدمون العقل على النص في كثير من المسائل, ويجعلون من العقل أصلا مقدما في فهم وتقرير أمور ومسائل العقيدة الإسلامية.

التعريف بالمعتزلة
----------

فرقة إسلامية نشأت في أواخر العصر الأموي وازدهرت في العصر العباسي، وقد اعتمدت على العقل المجرد في فهم العقيدة الإسلامية لتأثرها ببعض الفلسفات المستوردة, مما أدى إلى انحرافها عن عقيدة أهل السنة والجماعة.

وقد أطلق عليها أسماء مختلفة منها: المعتزلة والقدرية والعدلية وأهل العدل والتوحيد والمقتصدة والوعيدية.

نشأة المعتزلة
---------

الحقيقة أن نشأة الاعتزال كان ثمرة تطور تاريخي لمبادئ فكرية وعقدية وليدة النظر العقلي المجرد في النصوص الدينية, وقد نتج ذلك عن التأثر بالفلسفة اليونانية والهندية والعقائد اليهودية والنصرانية, فقبل بروز المعتزلة كفرقة فكرية على يد واصل بن عطاء، كان هناك جدل ديني فكري بدأ بمقولات جدلية كانت هي الأسس الأولى للفكر المعتزلي, ومن أهم هذه المقولات:

مقولة معبد الجهني بأن الإنسان حر مختار بشكل مطلق وهو الذي يخلق أفعاله بنفسه, ومقولة خلق القرآن التي قال بها الجهم بن صفوان, بالإضافة لمقولة نفي الصفات التي قال بها الجعد بن درهم.

برزت المعتزلة كفرقة فكرية على يد واصل بن عطاء الغزال (80 ـ 131هـ) الذي كان تلميذا للحسن البصري، ثم اعتزل حلقة الحسن بعد قوله بأن مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين (أي ليس مؤمناً ولا كافراً), وأنه مخلد في النار إذا لم يتب قبل الموت.

أبرز أفكار المعتزلة
--------------

1- القول بأن الإنسان مختار بشكل مطلق في كل ما يفعل، فهو يخلق أفعاله بنفسه، ولذلك كان التكليف.

2- القول بأن مرتكب الكبيرة ليس مؤمناً ولا كافراً ولكنه فاسق فهو "بمنزلة بين المنزلتين", هذه حاله في الدنيا, أما في الآخرة فهو لا يدخل الجنة لأنه لم يعمل بعمل أهل الجنة, بل هو خالد مخلد في النار، ولا مانع عندهم من تسميته مسلماً باعتباره يظهر الإسلام وينطق بالشهادتين ولكنه لا يسمى مؤمنا.

3- القول بالأصول الخمسة وهي: التوحيد والعدل والوعد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

موقف المعتزلة من الحياة البرزخية
-------------------

اشتهر بين الفرق أن المعتزلة ينكرون عذاب القبر ونعيمه على الإطلاق, وهذا ما نقله كثير من العلماء منهم الإمام أبو الحسن الأشعري حيث يقول: "واختلفوا في عذاب القبر فمنهم من نفاه وهم المعتزلة والخوارج" (1), وكذلك الآمدي الذي قال: "وقد اتفق سلف الأمة قبل ظهور الخلاف وأكثرهم بعد ظهوره على إثبات إحياء الموتى في قبورهم, ومسألة الملكين لهم, وتسمية أحدهما منكرا والآخر نكيرا, وعلى إثبات عذاب القبر للمجرمين والكافرين .... إلى أن قال: وذهب ضرار بن عمرو وبشر المريسي وأكثر المتأخرين من المعتزلة إلى إنكار ذلك كله" (2)

إلا أن ابن حزم ذهب مذهبا يخالف الأشعري والآمدي, حيث يرى أن المعتزلة تثبت عذاب القبر إلا "ضرار بن عمرو" أحد شيوخ المعتزلة فيقول: "ذهب ضرار بن عمرو والغطفاني أحد شيوخ المعتزلة إلى إنكار عذاب القبر, وذهب أهل السنة وبشر بن المعتمر والجبائي وسائر المعتزلة إلى القول به" (3)

كما أن ابن حجر يرى أن أكثر المعتزلة على إثبات الحياة البرزخية, وفي ذلك يقول: "خلافا لمن نفاه مطلقا – أي عذاب القبر ونعيمه – من الخوارج وبعض المعتزلة كضرار بن عمرو و بشر المريسي ومن وافقهما, وخالفهم في ذلك أكثر المعتزلة وجميع أهل السنة وغيرهم, وأكثروا من الاحتجاج به" (4)

وقد عقد القاضي عبد الجبار المعتزلي فصلا كاملا في كتابه "شرح الأصول الخمسة" يؤكد فيه ذلك فيقول: "فصل في عذاب القبر: وجملة ذلك أنه لا خلاف فيه بين الأمة إلا شيء يحكى عن ضرار بن عمرو – وكان من أصحاب المعتزلة ثم التحق بالمجبرة – ولهذا ترى ابن الراوندي يشنع علينا ويقول: إن المعتزلة ينكرون عذاب القبر ولا يقرون به" (5)

كما أورد القاضي في كتابه "فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة" ما يرد على نسبة نفي الإيمان بعذاب القبر ونعيمه مطلقا للمعتزلة, معتبرا أنها دعوى للتشنيع عليهم فحسب, فيقول: "فصل: في تشنيعهم علينا بذكر عذاب القبر وغيره مما قد أطقت عليه الأمة وظهرت فيه الآثار, قيل له: إن هذا الأمر إنما أنكره أولا ضرار بن عمرو, ولما كان من أصحاب واصل, فظنوا أن ذلك مما أنكرته المعتزلة, وليس الأمر كذلك, بل المعتزلة رجلان: رجل يجوز ذلك كما وردت به الأخبار, والثاني يقطع على ذلك, وأكثر أصحابنا يقطعون على ذلك لظهور الأخبار" (6)

ثبوت عذاب القبر عند المعتزلة
-----------------

ذكر القاضي عبد الجبار الأدلة على ثبوت عذاب القبر من القرآن الكريم فقال: "وأما ثبوته فالذي يدل عليه قوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا} نوح/25, فالفاء للتعقيب, وإدخال النار لا وجه له إلا التعذيب, ويدل عليه أيضا قول الله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} غافر/46, ووجه دلالته على عذاب القبر ظاهر, غير أنه يختص بآل فرعون ولا يعم جميع الكافرين.

ويرد على تخصيص المعتزلة للآية على آل فرعون وعدم شمولها جميع الكفار أمور أهمها:

1- احتجاج أهل العلم بهذه الآية على عذاب القبر, حتى إن ابن كثير قال: "هذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور" (7)

2- حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي, إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة, وإن كان من أهل النار فمن أهل النار, وقالوا هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة. وهذا في معنى الآية . صحيح البخاري برقم 1313 .

3- فهم الصحابة و التابعون عدم الخصوصية في الآية, ولذلك جعلوها مستندا لهم في إثبات عذاب القبر. (8)

ومن الأدلة العامة التي أثبت بها القاضي عبد الجبار عذاب القبر قوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} غافر/11, ولا تكون الإماتة والإحياء مرتين إلا وفي إحدى المرتين إما التعذيب في القبر أو التبشير. (9)

كما ذكر القاضي أدلة للمعتزلة على ثبوت عذاب القبر في السنة النبوية فقال: "ومما يدل على ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر بقبرين فقال: (إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا قَالَ لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا) صحيح البخاري برقم 218

وقد أثبت الزمخشري أيضا عذاب القبر ونعيمه, مستدلا على ذلك بنصوص كثيرة من القرآن الكريم في كتابه "الكشاف".

كيفية عذاب القبر عند المعتزلة
------------------

تحدث القاضي عبد الجبار عن كيفية عذاب القبر, وأثبت بالعقل ثبوت الحياة لهم, وأن الإحياء في القبر ضروري حتى يصح التعذيب - حسب رأي المعتزلة - فقال: "وأما الكلام في كيفية ثبوته – أي عذاب القبر – فاعلم أن الله تعالى إذا أراد تعذيبهم فإنه لا بد من أن يحييهم لأن تعذيب الجماد محال لا يتصور"

ثم مما أثبته بالعقل أيضا ثبوت العقل لهم حتى لا يعتقد المعذب أنه مظلوم فقال: "كما لا بد من الإحياء ليصح التعذيب, فلا بد أن يخلق الله فيهم العقل ليحسن التعذيب, وإلا اعتقد المعاقب المعذب انه مظالوم, ولهذا المعنى قلنا: إن آهل النار لا بد من أن يكونوا عقلاء. هذا هو الذي نعلمه من جهة العقل" (10)

ولا شك أن إثبات القاضي عبد الجبار هذه الأمور الغيبية بالعقل يخالف مذهب أهل السنة والجماعة, التي لا ترى للعقل مكان في الغيبيات, وأن النص هو المعتبر والمعتمد فقط في مسائل الغيبيات.

كما تناول القاضي مسألة من يقوم بالتعذيب في القبر وكيفيته, ولم ينكر قيام الملكان بذلك "منكر ونكير" مشيرا إلى هذه الأمور مما لا يمكن للعقل أن يهتدي إليها, وأن طريقه الوحيد هو السمع.

كما جوز القاضي أن يكون المعذب هو الله جل جلاله أو أن يكون غيره, لأن الدلائل دلت على العذاب فلا بد من معذب, وما دام السمع قد ورد بأن الله يكل هذا الأمر لملكين يسمى أحدهما "منكر" والآخر "نكير" فالمآل إليه.

كما أشار القاضي بأن تسمية الملكين "منكر ونكير" لا يستلزم وصفهما بما لا يليق, بل هذا جاء على سنن العرب في تسميتهم لأبنائهم وأعزتهم بصخر وكلب ونحو ذلك, من غير أن يفيد مدحا ولا ذما. (11)

وقت عذاب القبر عند المعتزلة
----------------

ذكر القاضي عبد الجبار أنه لا طريق لتعيين وقته لأنه أمر غيبي يتوقف على النقل, ثم ناقض قوله الأول و بين أنه جائز أن يكون بين النفختين دون دليل, وهو ما أكده بقوله: "وأما الوقت الذي يثبت فيه التعذيب - وتعيين ذلك فيما لا طريق إليه بالعقل - فمن الجائز أن يكون بين النفختين على ما جاء في قول الله تعالى: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} المؤمنون /100-101, والبرزخ في اللغة إنما هو الأمر الهائل العظيم ولا معنى له إلا العذاب" (12)

فائدة عذاب القبر عند المعتزلة
---------------

ذكر القاضي عبد الجبار فائدة عذاب القبر وإثباته بأن فيه مصلحة للمكلف من حيث أنه إذا علم بأن ثم عذاب في القبر ثم بعده عذاب في جهنم - والعياذ بالله – إن هو أقدم على ارتكاب السيئات وأخل بفعل الواجبات, وقد قال في ذلك: "وأما فائدة عذاب القبر وكونه مصلحة للمكلفين, فإنهم متى علموا أنهم إن أقدموا على المقبحات وأخلوا بالواجبات عذبوا في القبور ثم بعد ذلك في النار, كان ذلك صارفا لهم عن القبائح داعيا إلى الواجبات" (13)

ثم وضح أن في عذاب القبر لطفا للمعذب وللملك الموكل به, وما كان هذا شأنه فلا بد أن يفعله الله تعالى - بناء على أصلهم الفاسد بوجوب اللطف على الله تعالى - فقال: "وما هذا سبيله وكان في مقدور الله تعالى فلا بد أن يفعله , وكما يكون العلم باستحقاق ذلك داعيا ولطفا للمعذب , فإن تعذيبه يكون لطفا للملك الموكل إليه ذلك , فهذه فائدته" (14)

ومسألة إيجاب اللطف الإلهي على الله مخالف لمذهب أهل السنة والجماعة أيضا, فعلى الرغم من إثبات أهل السنة اللطف من الله تعالى لمن شاء من خلقه, لكنهم لا يعتبرونه واجبا كما ترى المعتزلة, بل هو تفضل من الله تعالى, وهو ما يسمى بالتوفيق إلى فعل الخير واجتناب الشر.

وختاما يمكن القول: إن المعتزلة عموما لا ينكرون عذاب القبر ونعيمه بل يقرونه ويثبتونه, ولكنهم يخالفون أهل السنة في بعض تفصيلات هذا الإيمان ومستنده كما هو مبين فيما سبق, وأن ما أشيع عنهم من نفي عذاب القبر مطلقا لا يصح نسبته إليهم, وما ذاك إلا إحقاقا للحق وتبيانا للحقيقة, وقد ثبت في كتبهم الإقرار بعذاب القبر ونعيمه, قال الصنعاني: "الذي في كتب المعتزلة الإقرار بثبوت عذاب القبر وسؤال الملكين .... " (15)

ـــــــــــــــــ

الفهارس

(1) مقالات الإسلاميين 430

(2) أبكار الأفكار 4/332

(3) الفصل في الملل والأهواء والنحل 4/117

(4) فتح الباري 3/298

(5) شرح الأصول الخمسة 730

(6) فصل الاعتزال وطبقات المعتزلة" للقاضي عبد الجبار ص201

(7) تفسير ابن كثير 7/146

(8) الدر المنثور للسيوطي 5/659

(9) شرح الأصول الخمسة 730

(10) المرجع السابق 731-732

(11) المرجع السابق 734-735

(12) المرجع السابق 732

(13) المرجع السابق732-733

(14) ترى المعتزلة أن الله خلق الإنسان وكلفه , ومنحه القدرة التامة على العمل , ولكن هذا لا يعني أن الله تركه دون معونة وتوفيق , بل أوضح المعتزلة العلاقة بين عناية الله وقدرة الإنسان بما أسموه "اللطف الإلهي" , ومعناه حسب ما قاله القاضي عبد الجبار "اعلم أن اللطف هو كل ما يختار عنده المرء الواجب ويتجنب القبيح , أو ما يكون عنده أقرب إما إلى الاختيار أو إلى ترك القبيح" شرح الأصول الخمسة 519

(15) شرح المقاصد 5/113

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رد مع اقتباس
  #53  
قديم 11-21-2015, 08:58 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة الماتريدية ومراحلها، وبعض عقائدها وأفكارها

الماتريدية ومراحلها، وبعض عقائدها وأفكارها، وبعض ما وافقوا وخالفوا فيه أهل السنة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(عبد العزيز الناصر)
ـــــــــــ


9 / 2 / 1437 هــ
21 / 11 / 2015 م
ـــــــــــ



من الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة .
- الندوة العالمية للشباب الإسلامي
- إشراف وتخطيط ومراجعة: د. مانع بن حماد الجهني

الماتريدية
---------

1 - التعريف:
----------

الماتريدية: فرقة كلامية (بدعية)، تُنسب إلى أبي منصور الماتريدي، قامت على استخدام البراهين والدلائل العقلية والكلامية في محاججة خصومها، من المعتزلة والجهمية وغيرهم، لإثبات حقائق الدين والعقيدة الإسلامية

2- التأسيس وأبرز الشخصيات:
مرت الماتريدية كفرقة كلامية بعدة مراحل، ولم تُعرف بهذا الاسم إلا بعد وفاة مؤسسها، كما لم تعرف الأشعرية وتنتشر إلا بعد وفاة أبي الحسن الأشعري، ولذلك فإنه يمكن إجمالها في أربع مراحل رئيسية كالتالي:
· مرحلة التأسيس: [333هـ] والتي اتسمت بشدة المناظرات مع المعتزلة، وصاحب هذه المرحلة:
ـ أبو منصور الماتريدي: [ 333هـ]: هو محمد بن محمد بن محمود الماتريدي السمرقندي، نسبة إلى (ماتريد) وهي محلة قرب سمرقند فيما وراء النهر، ولد بها ولا يعرف على وجه اليقين تاريخ مولده، بل لم يذكر من ترجم له كثيراً عن حياته، أو كيف نشأ وتعلم، أو بمن تأثر. ولم يذكروا من شيوخه إلا العدد القليل مثل: نصير بن يحيى البلخي، وقيل نصر وتلقى عنه علوم الفقه الحنفي وعلوم الكلام .
ـ أطلق عليه الماتريدية، ومن وافقهم عدة ألقاب تدل على قدره وعلو منزلته عندهم مثل: "إمام المهدى"، "إمام المتكلمين".
قال عبد الله المرائي في كتاب الفتح المبين في طبقات الأصوليين: "كان أبو منصور قوي الحجة، فحما في الخصومة، دافع عن عقائد المسلمين، ورد شبهات الملحدين.." (1 / 193، 194).
وقال عنه الشيخ أبو الحسن الندوي في كتابه رجال الفكر والدعوة "جهبذ من جهابذة الفكر الإنساني، امتاز بالذكاء والنبوغ وحذق الفنون العلمية المختلفة"(ص 139) بل كان يرجِّحه على أبي الحسن الأشعري في كتاب تاريخ الدعوة والعزيمة ( 1/114ـ115).
ـ عاصر أبا الحسن الأشعري، وعاش الملحمة بين أهل الحديث وأهل الكلام من المعتزلة وغيرهم، فكانت له جولاته ضد المعتزلة وغيرهم، ولكن بمنهاج غير منهاج الأشعري، وإن التقيا في كثير من النتائج غير أن المصادر التاريخية لا تثبت لهما لقاء أو مراسلات بينهما، أو إطلاع على كتب بعضها.
ـ توفي عام 333هـ ودفن بسمرقند، وله مؤلفات كثيرة: في أصول الفقه والتفسير.
ومن أشهرها:
تأويلات أهل السنة أو تأويلات القرآن وفيه تناول نصوص القرآن الكريم، ولا سيما آيات الصفات، فأوَّلها تأويلات جهمية.
ومن أشهر كتبه في علم الكلام: "كتاب التوحيد" وفيه قرر نظرياته الكلامية، وبيَّن معتقده في أهم المسائل الاعتقادية، ويقصد بالتوحيد: توحيد الخالقية والربوبية، وشيء من توحيد الأسماء والصفات، ولكن على طريقة الجهمية بتعطيل كثير من الصفات بحجة التنزيه، ونفي التشبيه؛ مخالفاً طريقة السلف الصالح. كما ينسب إليه شرح كتاب الفقه الأكبر للإمام أبي حنيفة، وله في الردود على المعتزلة رد الأصول الخمسة وأيضاً في الرد على الروافض، رد كتاب الإمامة لبعض الروافض، وفي الرد على القرامطة الرد على فروع القرامطة.

· مرحلة التكوين: [ 333 - 500 هـ ]: وهي مرحلة تلامذة الماتريدي ومن تأثر به من بعده، وفيه أصبحت فرقة كلامية ظهرت أولاً في سمرقند، وعملت على نشر أفكار شيخهم وإمامهم، ودافعوا عنها، وصنفوا التصانيف متبعين مذهب الإمام أبي حنيفة في الفروع (الأحكام)، فراجت العقيدة الماتريدية في تلك البلاد أكثر من غيرها.
ومن أشهر أصحاب هذه المرحلة:
أبو القاسم إسحاق بن محمد بن إسماعيل الحكيم السمرقندي (342هـ)، عرف بأبي القاسم الحكيم؛ لكثرة حكمه ومواعظه، وأبو محمد عبد الكريم بن موسى بن عيسى البزدوي (390هـ).

· ثم تلى ذلك مرحلة أخرى تُعتبر امتداداً للمرحلة السابقة.

ومن أهم وأبرز شخصياتها:
----------------

ـ أبو اليسر البزدوي [421 - 493هـ]: هو محمد بن محمد بن الحسين ابن عبد الكريم، والبزدوي نسبة إلى بزدوة ويقال بزدة، ولقب بالقاضي الصدر، وهو شيخ الحنفية بعد أخيه الكبير علي البزودي، ولد عام (421هـ).
ـ تلقى العلم على يد أبيه، الذي أخذه عن جده عبد الكريم تلميذ أبي منصور الماتريدي، قرأ كتب الفلاسفة أمثال الكندي، وغيره، وكذلك كتب المعتزلة أمثال الجبائي، والكعبي، والنّظام، وغيرهم، وقال فيها: "لا يجوز إمساك تلك الكتب والنظر فيها؛ لكي لا تحدث الشكوك، وتوهن الاعتقاد"، ولا يرى نسبة الممسك إلى البدعة.
كما اطلع على كتب الأشعري، وتعمق فيها، وقال بجواز النظر فيها بعد معرفة أوجه الخطأ فيها، كما اطلع على كتابي التأويلات، والتوحيد للماتريدي فوجد في كتاب التوحيد قليل انغلاق وتطويل، وفي ترتيبه نوع تعسير، فعمد إلى إعادة ترتيبه وتبسيطه مع ذكر بعض الإضافات عليه في كتاب أصول الدين.
ـ أخذ عن الشيخ أبو اليسر البزدوي جمٌّ غفير من التلاميذ؛ ومن أشهرهم:
ولده القاضي أبو المعاني أحمد، ونجم الدين عمر بن محمد النسفي صاحب العقائد النسفية، وغيرهما.
ـ توفي في بخارى في التاسع من رجب سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة.

· مرحلة التأليف والتأصيل للعقيدة الماتريدية: [ 500-700 ]: وامتازت بكثرة التأليف وجمع الأدلة للعقيدة الماتريدية؛ ولذا فهي أكبر الأدوار السابقة في تأسيس العقيدة، ومن أهم أعيان هذه المرحلة:
ـ أبو المعين النسفي [438 - 508هـ]: وهو ميمون بن محمد بن معتمد النسفي المكحولي، والنسفي نسبة إلى نسف وهي مدينة كبيرة بين جيحون وسمرقند، والمكحولي نسبة إلى جده الأكبر، ولكن نسبته إلى بلده غلبت نسبته إلى جده، وله ألقاب عدة أشهرها: سيف الحق والدين.
ـ ويعد من أشهر علماء الماتريدية، إلا أن من ترجم له لم يذكر أحداً من شيوخه، أو كيفية تلقيه العلم.
يقول الدكتور فتح الله خليف: "ويعتبر الإمام ! أبو المعين النسفي من أكبر من قام بنصرة مذهب الماتريدي، وهو بين الماتريدية كالباقلاني والغزالي بين الأشاعرة، ومن أهم كتبه "تبصرة الأدلة" ، ويعد من أهم المراجع في معرفة عقيدة الماتريدية بعد كتاب "التوحيد" للماتريدي، بل هو أوسع مرجع في عقيدة الماتريدية على الإطلاق، وقد اختصره في كتابه التمهيد، وله أيضاً كتاب بحر الكلام، وهو من الكتب المختصرة التي تناول فيها أهم القضايا الكلامية".
ـ توفي في الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة ثمانٍ وخمسمائة، وله سبعون سنة.

ـ نجم الدين عمر النسفي [462 -537هـ]: هو أبو حفص نجم الدين عمر بن محمد ابن أحمد بن إسماعيل … بن لقمان الحنفي النسفي السمرقندي، وله ألقاب عدة أشهرها: نجم الدين، ولد في نسف سنة إحدى أو اثنتين وستين وأربعمائة.

ـ كان من المكثرين من الشيوخ، فقد بلغ عدد شيوخه خمسمائة رجلاً ومن أشهرهم: أبو اليسر البزدوي، وعبد الله بن علي بن عيسى النسفي. وأخذ عنه خلقٌ كثير، وله مؤلفات بلغت المائة، منها: مجمع العلوم، التيسير في تفسير القرآن، النجاح في شرح كتاب أخبار الصحاح في شرح البخاري وكتاب العقائد المشهورة بالعقائد النسفية، والذي يعد من أهم المتون في العقيدة الماتريدية وهو عبارة عن مختصر لتبصرة الأدلة لأبي المعين النسفي قال فيه السمعاني في ترجمة له: "كان إماماً فاضلاً متقناً، صنَّف في كل نوع من التفسير والحديث.. فلما وافيت سمرقند استعرت عدة كتب من تصانيفه، فرأيت فيها أوهاماً كثيرة خارجة عن الحد، فعرفت أنه كان ممن أحب الحديث، ولم يرزق فهمه".
ـ توفي بسمرقند ليلة الخميس ثاني عشر من جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين وخمسمائة.

· مرحلة التوسع والانتشار: [700 - 1300هـ]: وتعد من أهم مراحل الماتريدية حيث بلغت أوجَ توسعها وانتشارها في هذه المرحلة؛ وما ذلك إلا لمناصرة سلاطين الدولة العثمانية، فكان سلطان الماتريدية يتسع حسب اتساع سلطان الدولة العثمانية، فانتشرت في: شرق الأرض، وغربها، وبلاد العرب، والعجم، والهند، والترك، وفارس، والروم.
وبرز فيها أمثال: الكمال بن الهمام صاحب المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة، والذي ما زال يدرَّس في بعض الجامعات الإسلامية. وفي هذا الدور كثرت فيها تأليف الكتب الكلامية من: المتون، والشروح، والشروح على الشروح، والحواشي على الشروح.
وهناك مدراس مازالت تتبنى الدعوة للماتريدية في شبه القارة الهندية وتتمثل في:
ـ مدرسة ديوبند والندوية [1283هـ ـ …] وفيها كثر الاهتمام بالتأليف في علم الحديث وشروحه، فالديوبندية أئمة في العلوم النقلية والعقلية؛ إلا أنهم متصوفة محضة، وعند كثير منهم بدعٌ قبورية، كما يشهد عليهم كتابهم المهنَّد على المفنَّد لـ الشيخ خليل أحمد السهارنفوري أحد أئمتهم، وهو من أهم كتب الديوبندية في العقيدة، ولا تختلف عنها المدرسة الندوية في كونها ماتريدية العقيدة.

ـ مدرسة البريلوي [1272هـ ـ…] نسبة إلى زعيمهم أحمد رضا خان الأفغاني الحنفي الماتريدي الصوفي الملقب بعبد المصطفي [1340هـ] وفي هذا الدور يظهر الإشراك الصريح، والدعوة إلى عبادة القبور، وشدة العداوة للديوبندية، وتكفيرهم فضلاً عن تكفير أهل السنة.

ـ مدرسة الكوثري [ 1296هـ ـ …] وتنسب إلى الشيخ محمد زاهد الكوثري الجركسي الحنفي الماتريدي (1371هـ) ويظهر فيها شدة الطعن في أئمة الإسلام ولعنهم، وجعلهم مجسمة ومشبهة، وجعل كتب السلف ككتب: التوحيد، الإبانة، الشريعة، والصفات، والعلو، وغيرها من كتب أئمة السنة، كتب وثنيةٍ وتجسيمٍ وتشبيهٍ، كما يظهر فيها أيضاً شدة الدعوة إلى البدع الشركية وللتصوف من تعظيم القبور والمقبورين تحت ستار التوسل.
انظر تعليقات الكوثري على كتاب الأسماء والصفات للبيهقي، وكتاب مقالات الكوثري.

3 - أهم الأفكار والمعتقدات:
----------------

· من حيث مصدر التلقي: قسّم الماتريدية أصول الدين حسب التلقي إلى:
ـ الإلهيات [العقليات]: وهي ما يستقل العقل بإثباتها والنقل تابع له، وتشمل أبواب التوحيد والصفات.
ـ الشرعيات [السمعيات]: وهي الأمور التي يجزم العقل بإمكانها ثبوتاً ونفياً، ولا طريق للعقل إليها مثل: النبوات، و عذاب القبر، وأمور الآخرة، علماُ بأن بعضهم جعل النبوات من قبيل العقليات.

ولا يخفي ما في هذا من مخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة، حيث إن القرآن والسنة وإجماع الصحابة هم مصادر التلقي عندهم، فضلاُ عن مخالفتهم في بدعة تقسيم أصول الدين إلى: عقليات وسمعيات، والتي قامت على فكرة باطلة أصّلها الفلاسفة من: أن نصوص الدين متعارضة مع العقل، فعملوا على التوسط بين العقل والنقل، مما اضطرهم إلى إقحام العقل في غير مجالات بحثه؛ فخرجوا بأحكام باطلة تصطدم مع الشرع ألجأتهم إلى التأويل والتفويض، بينما لا منافاة عند أهل السنة والجماعة بين العقل والسليم الصريح والنقل الصحيح.

· بناءً على التقسيم السابق فإن موقفهم من الأدلة النقلية في مسائل الإلهيات [العقليات] كالتالي:
ـ إن كان من نصوص القرآن الكريم والسنة المتواترة مما هو قطعي الثبوت قطعي الدلالة عندهم، أي مقبولاً عقلاُ، خالياً من التعارض مع عقولهم؛ فإنهم يحتجون به في تقرير العقيدة. وأما إن كان قطعي الثبوت ظني الدلالة عندهم أي: مخالفاً لعقولهم، فإنه لا يفيد اليقين، ولذلك تُؤوَّل الأدلة النقلية بما يوافق الأدلة العقلية، أو تفويض معانيها إلى الله عز وجل. وهم في ذلك مضطربون، فليست عندهم قاعدة مستقيمة في التأويل والتفويض؛ فمنهم من رجّح التأويل على التفويض، ومنهم من رجّح التفويض، ومنهم من أجاز الأمرين، وبعضهم رأى أن التأويل لأهل النظر والاستدلال، والتفويض أليق للعوام.
والملاحظ أن القول بالتأويل لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحاب القرون المفضلة، وإنما هي بدعة دخلت على الجهمية والمعتزلة من اليهود والنصارى، وإلى التأويل يرجع جميع ما أُحدث في الإسلام من بدع فرَّقت شمل الأمة، وهو أشرُّ من التعطيل؛ حيث يستلزم التشبيه، والتعطيل، واتهاماً للرسول صلى الله عليه وسلم بالجهل، أو كتمان بيان ما أنزل الله.
وأما القول بالتفويض فهو من أشر أقوال أهل البدع لمناقضته ومعارضته نصوص التدبر للقرآن، واستلزام تجهيل الأنبياء والمرسلين برب العالمين.
ـ وإن كان من أحاديث الآحاد فإنها عندهم تفيد الظن، ولا تفيد العلم اليقيني، ولا يعمل بها في الأحكام الشرعية مطلقاً، بل وفق قواعدهم وأصولهم التي قرروها، وأما في العقائد فإنه لا يحتج بها، ولا تثبت بها عقيدة، وإن اشتملت على جميع الشروط المذكورة في أصول الفقه، وإن وردت مخالفة للعقل ولا تحتمل التأويل رُدَّت بافتراء ناقله أو سهوه أو غلطة، وإن كانت ظاهرة فظاهرها غير مراد، وهذا موقف الماتريدية قديماً وحديثاً؛ حتى أن الكوثري ومن وافقه من الديوبندية طعنوا في كتب السنة بما فيها الصحيحين، وفي عقيدة أئمة السنة بما فيها الصحيحين، وفي عقيدة أئمة السنة مثل: حماد بن سلمة راوي أحاديث الصفات، والإمام الدارمي عثمان بن سعيد صاحب السنن. وهذا قول مبتدع محدث ابتدعته القدرية والمعتزلة، لأن الأحاديث حجة عليهم وهو مخالف لفعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يبعث الرسل إلى الملوك والرؤساء فُرادَى يدعونهم إلى الإسلام. وكذلك فإن تقسيم ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى متواتر وآحاد لم يكن معروفاً في عصر الصحابة والتابعين.
ـ كما رتبوا على ذلك وجوب معرفة الله تعالى بالعقل قبل ورود السمع، واعتبروه أول واجب على المكلف، ولا يعذر بتركه ذلك، بل يعاقب عليه ولو قبل بعثة الأنبياء والرسل. وبهذا وافقوا قول المعتزلة: وهو قول ظاهر البطلان، تعارضه الأدلة من الكتاب والسنة التي تبين أن معرفة الله تعالى يوجبها العقل، ويذم من يتركها، لكن العقاب على الترك لا يكون إلا بعد ورود الشرع، يقول الله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) [سورة الإسراء الآية 15] وأن أول واجب على المكلف، وبه يكون مسلماً: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والبراءة من كل دين يخالف دين الإسلام على الإجمال، ولهذا لما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن لم يأمره بغير ذلك. وكذلك الأنبياء لم يدعوا أقوامهم إلا بقول :
(اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) [سورة الأعراف الآية 59].
ـ وقالوا أيضاً بالتحسين والتقبيح العقليين ( * )، حيث يدرك العقل حسن الأشياء وقبحها، إلا أنهم اختلفوا في حكم الله تعالى بمجرد إدراك العقل للحسن والقبح.
فمنهم من قال: إن العباد يعاقبون على أفعالهم القبيحة ولو لم يبعث إليهم رسول ؛ كما سبق، ومنهم من قال بعكس ذلك.
ـ وذهبت كذلك الماتريدية كغيرها من الفرق الكلامية إلى أن المجاز واقع في اللغة والقرآن والحديث ؛ ويقصدون بالمجاز بأنه اللفظ المستعمل في غير ما وضع له، وهو قسيم الحقيقة عندهم. ولذلك اعتمدوا عليه في تأويل النصوص دفعاً ـ في ظنهم ـ لشبه التجسيم والتشبيه . وهو بهذا المعنى : قول مبتدع، محدث، لا أصل له في اللغة ولا في الشرع. ولم يتكلم فيه أئمة اللغة: كالخليل بن أحمد، وسيبويه فضلاً عن أئمة الفقهاء والأصوليين المتقدمين.
ـ مفهوم التوحيد عند الماتريدية هو: إثبات أن الله تعالى واحد في ذاته، لا قسيم له، ولا جزء له، واحد في صفاته، لا شبيه له، واحد في أفعاله، لا يشاركه أحد في إيجاد المصنوعات، ولذلك بذلوا غاية جهدهم في إثبات هذا النوع من التوحيد باعتبار أن الإله عندهم هو: القادر على الاختراع. مستخدمين في ذلك الأدلة والمقاييس العقلية والفلسفية التي أحدثها المعتزلة والجهمية ، مثل دليل حدوث الجواهر والأعراض، وهي أدلة طعن فيها السلف والأئمة وأتباعهم وأساطين الكلام والفلسفة وبينوا أن الطرق التي دل عليها القرآن أصح. بيّن ذلك أبو الحسن الأشعري في رسالته إلى أهل الثغر، وابن رشد الحفيد في مناهج الأدلة. وشيخ الإسلام ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل.

وأيضاً خالفوا أهل السنة والجماعة : بتسويتهم بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، فالإله عند أهل السنة: المألوه المعبود الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له. وما أرسلت الرسل إلا لتقرير ذلك الأمر، ودعوة البشرية إلى توحيد الله تعالى في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته.

ـ أثبتوا لله تعالى أسماءه الحسنى، وقالوا: لا يسمَّى الله تعالى إلا بما سمى به نفسه، وجاء به الشرع. وفي ذلك وافقوا أهل السنة والجماعة في القول بالتوقيف في أسمائه تعالى إلا أنهم خالفوهم فيما أدخلوه في أسمائه تعالى: كالصانع، القديم،الذات … حيث لم يفرقوا بين باب الإخبار عن الله تعالى وباب التسمية.

ـ وقالوا بإثبات ثماني صفاتٍ لله تعالى فقط، على خلاف بينهم وهي: الحياة، القدرة، العلم، الإرادة، السمع، البصر، الكلام، التكوين. وعلى أن جميع الأفعال المتعدية ترجع إلى التكوين، أما ما عدا ذلك من الصفات التي دل عليها الكتاب والسنة [ الصفات الخبرية ] من صفات ذاتية، أو صفات فعلية، فإنها لا تدخل في نطاق العقل ، ولذلك قالوا بنفيها جميعاً. أما أهل السنة والجماعة فهم كما يعتقدون في الأسماء يعتقدون في الصفات وأنها جميعاً توقيفية، ويؤمنون بها " بإثبات بلا تشبيه، وتنزيه بلا تعطيل، مع تفويض الكيفية وإثبات المعنى اللائق بالله ـ تعالى ـ لقوله تعالى: ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ).

ـ قولهم بأن القرآن الكريم ليس بكلام الله تعالى على الحقيقة، وإنما هو كلام الله تعالى النفسي، لا يسمع، وإنما يسمع ما هو عبارة عنه، ولذلك فإن الكتب بما فيها القرآن مخلوقة ؛ وهو قول مبتدع محدث لم يدل عليه الكتاب ولا السنة، ولم يرد عن سلف الأمة. وأول من ابتدعه ابن كلاب. فالله تعالى يتكلم إذا شاء متى شاء بما شاء، ولا يزال يتكلم كما كلم موسى، ويكلم عباده يوم القيامة، والقرآن كلام الله تعالى على الحقيقة، غير مخلوق. وكذلك التوراة والإنجيل والزبور. وهذا ما عليه أهل السنة والجماعة من سلف الأمة الصالح ومن تبعهم بإحسان.

ـ تقول الماتريدية في الإيمان أنه التصديق بالقلب فقط، وأضاف بعضهم الإقرار باللسان، ومنعوا زيادته ونقصانه، وقالوا بتحريم الاستثناء فيه، وأن الإسلام والإيمان مترادفان، لا فرق بينهما، فوافقوا المرجئة في ذلك، وخالفوا أهل السنة والجماعة ، حيث إن الإيمان عندهم: اعتقاد بالجنان، وقول باللسان، و عمل بالأركان. يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية. ويجوز الاستثناء فيه [ والمقصود عدم تزكية النفس ] والإيمان والإسلام متلازمان، إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا.

· وافقت الماتريدية أهل السنة والجماعة في الإيمان بالسمعيات مثل: أحوال البرزخ، وأمور الآخرة من: الحشر، والنشر، والميزان، والصراط، والشفاعة، والجنة، والنار ؛ لأنهم جعلوا مصدر التلقي فيها السمع، لأنها من الأمور الممكنة التي أخبر بها الصادق صلى الله عليه وسلم، وأيدتها نصوص الكتاب والسنة.
ـ وبالتالي فإنهم أثبتوا رؤية الله تعالى في الآخرة ؛ ولكن مع نفي الجهة والمقابلة. وهذا قول متناقض حيث أثبتوا ما لا يمكن رؤيته، ولا يخفي مخالفته لما عليه أهل السنة والجماعة.
· كما وافقت الماتريدية أهل السنة والجماعة في القول في الصحابة على ترتيب خلافتهم، وأن ما وقع بينهم كان خطأ عن اجتهاد منهم ؛ ولذا يجب الكف عن الطعن فيهم، لأن الطعن فيهم إما كفر، أو بدعة ، أو فسق. كما يرون أن الخلافة في قريش، وتجوز الصلاة خلف كل برٍ وفاجرٍ، ولا يجوز الخروج على الإمام الجائر.
· وأيضاً وافقوا أهل السنة والجماعة في القول: بالقدر، والقدرة، والاستطاعة، على أن كل ما يقع في الكون بمشيئة الله تعالى وإرادته، وأن أفعال العباد من خير وشر من خلق الله تعالى وأن للعباد أفعالاً اختيارية، يثأبون عليها، ويعاقبون عليها، وأن العبد مختار في الأفعال التكليفية غير مجبور على فعلها.

- قالت الماتريدية بعدم جواز التكليف بما لا يُطاق موافقة المعتزلة في ذلك، والذي عليه أهل السنة والجماعة هو: التفصيل، وعدم إطلاق القول بالجواز أو بالمنع.

------------------------
رد مع اقتباس
  #54  
قديم 12-12-2015, 08:47 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة المرجئة تعريفهم و كلام السلف فيهم

المرجئة تعريفهم و كلام السلف فيهم
ـــــــــــــــــ

(محمد السحابي)
ــــــــ

غرة ربيع الأول 1437 هــ
12 / 12 / 2015 م
ــــــــــــ

المرجئة تعريفهم و كلام السلف فيهم
---------------------

تعريف المرجئة
----------


المرجئة لغة: من الإرجاء: وهو التأخير والإمهال (1) ، قال تعالى: قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ [الشعراء: 36]. أي أمهله، ومن الرجاء، ضد اليأس وهو الأمل (2) . قال تعالى: يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [البقرة: 218].

المرجئة اصطلاحاً:

وفي الاصطلاح كانت المرجئة في آخر القرن الأول تطلق على فئتين، كما قال الإمام ابن عيينة:
1- قوم أرجأوا أمر علي وعثمان فقد مضى أولئك.
2- فأما المرجئة اليوم فهم يقولون: الإيمان قول بلا عمل (3) .

واستقر المعنى الاصطلاحي للمرجئة عند السلف على المعنى الثاني "إرجاء الفقهاء"، وهو القول بأن: الإيمان هو التصديق أو التصديق والقول، أو الإيمان قول بلا عمل، "أي إخراج الأعمال من مسمى الإيمان"، وعليه فإن: من قال الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأنه لا يجوز الاستثناء في الإيمان من قال بهذه الأمور أو بعضها فهو مرجئ (4) .
ثم أطلق الإرجاء على أصناف أخرى كالجهمية القائلين بأن الإيمان هو المعرفة فقط، والكرامية القائلين بأن الإيمان هو قول اللسان فقط

************************
المرجئة

انحراف عقائد الفرق عن عقائد السلف



المرجئة:
-----

رأينا كيف بدأ الاختلاف بين المسلمين وما نجم عنه من ظهور آراء ونظريات الفرق مثل الخوارج والشيعة، وقد دخل هذا المعترك أيضًا فريق ثالث هم المرجئة.

وكلمة (مرجئة) مشتقة من (أرجأ) بمعنى آخر أمهل، فهم يرجئون أمر هؤلاء المختلفين إلى يوم القيامة، وبعضهم يشتق اسمهم من (أرجأ) بمعنى بعث الرجاء في نفوس العصاة، فهم يؤملون كل مسلم عاص بأن يتوب ويرجع إلى الله[1].

ثم بدأت هذه الفرقة تتناول المسائل الثلاث التي بحثها قبلهم الخوارج والشيعة. وقد تبين لنا أن الخوارج تعد كل كبيرة كفرًا، كما ذهب الشيعة إلى اعتبار الإمامة ركنًا أساسيًا في الإسلام، وجاء المرجئة فأعلنوا أن الإيمان هو المعرفة بالله سبحانه وتعالى ورسله عليهم السلام، فمن عرف أن لا إله إلا الله محمد رسول الله فهو مؤمن، أي أنهم لم يشترطوا العمل مع الإيمان، فكان ذلك ردا على الخوارج- الذين اشترطوا الإتيان بالفرائض والكف عن الكبائر، وكان هذا الرأي أيضًا بمثابة الرد على الشيعة الذين يعتقدون أن الإيمان بالإمام والطاعة له جزء من الإيمان.

وقد عرض ابن تيمية لمذهب المرجئة وأرجع أصول الخطأ عندهم إلى عاملين.
الأول:
ظنهم أن الإيمان في مرتبة واحدة، فقالوا: إيمان الملائكة والأنبياء وأفسق الناس سواء.. بينما الإيمان الذي أوجبه الله يتباين تباينًا عظيمًا، فيجب على الملائكة من الإيمان ما لا يجب على البشر، أو يجب على الأنبياء ما لا يجب على غيرهم، وليس المراد هنا أنه يجب عليهم من العمل فحسب، بل ومن التصديق والإقرار أيضًا.

الثاني:
لم يفطن المرجئة إلى تفاضل الناس في الإتيان بالأعمال، فليس إيمان من أدى الواجبات كإيمان من أخل ببعضها وليس إيمان السارق والزاني والشارب للخمر كإتيان غيرهم[2].

(4) القدرية (نفاة القدر):
يقول ابن تيمية (ثم في آخر عصر الصحابة حدثت القدرية وتكلم فيهم من بقى من الصحابة كابن عمر وابن عباس ووائلة بن الأسقع وغيرهم[3].

وهم يقولون: الأمر مستقبل وأن الله لم يقدر الكتاب والأعمال. ويقال أن أول من ابتدعه بالعراق رجل من أهل البصرة من أبناء المجوس، وتلقاه عنه معبد الجهني وأخذ غيلان عن معبد[4].

وسيأتي الشرح والتحليل لعقيدة الإيمان بالقدر، وتمهيدًا لذلك فإننا نضع هنا أمام القارئ نبذة مختصرة عنها.

فإن مذهب أهل السنة والجماعة في الإيمان بالقدر يقتضي- كما ينص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - أن الله تعالى خالق كل شيء وربه ومليكه لا رب غيره ولا خالق سواه، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.

وما يصيب العبد من النعم فالله أنعم عليه، وما يصيبه من الشر فبذنوبه ومعاصيه، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ [الشورى: 30] وقال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾ [النساء: 79] أي ما أصابك من خصب ونصر فالله أنعم به عليك، وما أصابك من حزن وذل وشر فبذنوبك وخطاياك. وكل الأشياء كائنة بمشيئة الله وقدرته وخلقه، فلابد أن يؤمن العبد بقضاء الله وقدره، وأن يوقن العبد بشرع الله وأمره.

والقدر السابق لا يحول بين العبد وبين العمل وفقًا لشرع الله تعالى وأوامره الدينية، فقد ورد في الصحيحين عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: ((كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببقيع الغرقد في جنازة فقال: ما منكم أحد إلا قد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة فقالوا: يا رسول الله: فلا نتكل على الكتاب وندع العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لا خلق له، أما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قوله تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ [الليل: 5 - 10].

ويتضح من ذلك أن ارتباط الأفعال بالنتائج في السلوك الإنساني كارتباط الأسباب بالمسببات في العالم الطبيعي بحكم العقل والتجربة، فإن الزرع ينبت ببذر البذور والسقاية بالماء، والشبع يتحقق بالأكل، والري بالشرب والموت يكون بالقتل.. الخ.

لذلك حث الرسول - صلى الله عليه وسلم - على العمل وحض عليه وكان الأسوة الحسنة في عمل كل ما يحبه الله تعالى ويرضاه وأمرنا بذلك، ففي الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
"المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن، فإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، كان لو تفتح عمل الشيطان".

فأمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بشيئين: أن نحرص على ما ينفعنا وهو امتثال الأمر وهو العبادة وهو طاعة الله ورسوله وأن نستعين بالله وهو يتضمن الإيمان بالقدر فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

أما من ظن أنه يطيع الله بلا معونته - كما يزعم القدرية - قد جحد قدرة الله التامة ومشيئته النافذة، وخلقه لكل شيء. ومن ظن في الطرف الآخر المقابل أنه إذا أعن على ما يريد كان محمودًا سواء وافق الأمر الشرعي الديني أو خالفه فقد جحد دين الله وكذب بكتبه ورسله ووعده ووعيده واستحق من غضبه وعقابه أعظم ما يستحق الأول.

إذن لابد من الإيمان بالقدر مع الإذعان للأمر والنهي الشرعيين وإذا أحسن العبد حمد الله تعالى وإذا أساء استغفر الله تعالى، وعلم أن ذلك بقضاء الله وقدره فهو من المؤمنين، فإن آدم - عليه السلام - لما أذنب تاب فاجتباه ربه وهداه، وإبليس أصر واحتج فلعنه الله وأقصاه فمن تاب كان آدميًا ومن أصر واحتج بالقدر كان إبليسيًا فالسعداء يتبعون آباءهم، والأشقياء يتبعون عدوهم إبليس[5].

هذه هي الفرق الأربعة التي ظهرت في عصر الصحابة، فقد حدثت الخوارج والشيعة في فتنة مقتل عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وظهرت المرجئة والقدرية في أواخر العصر، يقول عبدالله بن المبارك (أصول البدع أربعة الخوارج والشيعة والقدرية والمرجئة)[6].

[1] أحمد أمين: فجر الاسلام ص 2.

[2] ابن تيمية: الفرقان بين الحق والباطل ص 29.

[3] ابن تيمية: النبوات ص 142.

[4] شرح عقيدة الاسفراييني ج1 ص 251.

[5] ابن تيمية: النبوات ص 142- 143.

[6] مجموع فتاوى ابن تيمية ج2 ص 63-73 باختصار.


*******************************
دراسة المرجئة

أولاً: تمهيد:

المرجئة من أوائل الفرق التي تنسب إلى الإسلام في الظهور، وقد احتلت مكاناً واسعاً في أذهان الناس وفي اهتمام العلماء بأخبارهم وبيان معتقداتهم بين مدافع عنهم ومحاج لهم، وبين معجب بأدلتهم وبين داحض لها، ومن هنا نجد أن المقصود بالإرجاء بالذات لم يتفق علماء الفرق والمقالات على تعيينه دون اختلاف.
الفصل الأول

أذكر التعريف بالإرجاء لغة واصطلاحاً

وبيان أقوال العلماء في ذلك

الإرجاء في اللغة:يطلق على عدة معاني منها: الأمل والخوف والتأخير وإعطاء الرجاء.

تعريف الإرجاء في الاصطلاح:

اختلفت كلمة العلماء في المفهوم الحقيقي للإرجاء، مفاد ذلك نوجزه فيما يلي:
1- أن الأرجاء في الاصطلاح مأخوذ من معناه اللغوي؛ أي بمعنى التأخير والإمهال – وهو إرجاء العمل عن درجة الإيمان، وجعله في منزلة ثانية بالنسبة للإيمان لا أنه جزء منه كما أنه قد يطلق على أولئك الذين كانوا يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة.
2- وذهب آخرون إلى أن الأرجاء يراد به تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة.
3-وبعضهم ربط الإرجاء بما جرى في شأن علي رضي الله عنه من تأخيره في المفاضلة بين الصحابة إلى الدرجة الرابعة ، أو إرجاء أمره هو وعثمان إلى الله ولا يشهدون عليهما بإيمان ولا كفر
الفصل الثاني

ماهوالأساس الذي قام عليه مذهب المرجئة

الأساس الذي قام عليه مذهب الإرجاء هو الخلاف في حقيقة الإيمان ومم يتألف، وتحديد معناه، وما يتبع ذلك من أبحاث. وهل الإيمان فعل القلب فقط أو هو فعل القلب واللسان معاً؟ فرق المرجئة على أن الإيمان هو مجرد ما في القلب ولا يضر مع ذلك أن يظهر من عمله ما ظهر. وذهبت الكرامية إلى أن الإيمان هو القول باللسان، ولا يضر مع ذلك أن يبطن أي معتقد حتى وإن كان الكفر. وذهب أبو حنيفة رحمة الله إلى أن الإيمان هو التصديق بالقلب والإقرار باللسان، لا يغنى إحداهما عن الآخر؛
الفصل الثالث

بيان كيف نشأ الإرجاء وكيف تطور إلى مذهب
الإرجاء في بدء الأمر كان يراد به في بعض اطلاقاته أولئك الذين أحبو السلامة والبعد عن الخلافات وترك المنازعات في الأمور السياسية والدينية. إلا أنه من الملاحظ أنه بعد قتل عثمان رضي الله عنه وبعد ظهور الخوارج والشيعة أخذ الإرجاء يتطور تدريجياً.فظهر الخلاف في حكم مرتكب الكبيرة ومنزلة العمل من الإيمان، ثم ظهر جماعة دفعوا بالإرجاء إلى الحد المذموم والغلو، فبدأ الإرجاء يتكون على صفة مذهب، فقرر هؤلاء أن مرتكب الكبيرة كامل الأيمان وأنه لا تضر مع الإيمان معصية، ولاتنفع مع الكفر طاعة، وأن الإيمان في القلب.
وأهل هذه المرحلة ممقوتون ومذهبهم يفضي إلى درجة الإباحية والتكاسل والتعويل على عفو الله وحده دون العمل لذلك. ولقد احتدم النزاع بين أهل السنة والخوارج والمعتزلة من جانب، وبين المرجئة من جانب آخر في دخول الأعمال في مسمى الإيمان، فزعمت أن كل طائفة تنسب نفسها إلى الإسلام، وتصدق به تعد من المؤمنين الخلّص بغض النظر عن عملها بعد ذلك، بالخوارج والشيعة والمعتزلة وسائر الطوائف في نظر المرجئة هم من أهل الإيمان الكامل.
الفصل الرابع

بيان أول من قال بالإرجاء وبيان أهم زعماء المرجئة

يذكر العلماء أن الحسن بن محمد بن الحنفية هو أول من ذكر الإرجاء في المدينة بخصوص علىّ وعثمان وطلحة والزبير، ولكنه ندم بعد ذلك على هذا الكلام وتمنى أنه مات قبل أن يقوله، فصار كلامه بعد ذلك طريقاً لنشأة القول بالإرجاء،
ولم يلتفت الذين تبنوا القول بالإرجاء إلى ندم الحسن بعد ذلك، فإن كتابه عن الإرجاء انتشر بين الناس وصادف هوى في نفوس كثيرة فاعتنقوه. ولكن ينبغى معرفة أن إرجاء الحسن إنما هو في الحكم بالصواب أو الخطأ على من ذكرهم، ولم يتعلق إرجاؤه بالإيمان أم عدمه كما هو حال مذهب المرجئة أخيراً. وقيل: إن أول من قال بالإرجاء على طريقة الغلو فيه هو رجل يسمى ذر بن عبد الله الهمداني وهو تابعي، وهناك أقوال أخرى في أول من دعا إلى الإرجاء فقيل: إن أول من أحدثه رجل بالعراق اسمه قيس بن عمرو الماضري.
وقيل: إن أول من أحدثه حماد بن أبي سليمان وهو شيخ أبي حنيفة وتلميذ إبراهيم النخعى، وقيل: إن أول من قال به رجل اسمه سالم الأفطس،
ومن كبار المرجئة ومشاهيرهم: الجهم بن صفوان، وأبو الحسين الصالحى، ويونس السمري، وأبو ثوبان، والحسين بن محمد النجار، وغيلان، ومحمد بن شبيب، وأبو معاذ التومني، وبشر المريسي، ومحمد بن كرام، ومقاتل ابن سليمان المشبه لله عز وجل بخلقه ومثله الجواربي وهما من غلاة المشبهة.
الفصل الخامس

بيان أصول المرجئة

تكاد فرق المرجئة تتفق في أصولها على مسائل هامة هي:
تعريف الإيمان بأنه التصديق بالقول أو المعرفة أو الإقرار.
وأن العمل ليس داخلاً في حقيقة الإيمان، ولا هو جزء منه، مع أنهم لا يغفلون منزلة العمل من الإيمان تماماً إلا عند الجهم ومن تبعه في غلوه.
وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص؛ لأن التصديق بالشيء والجزم به لا يدخله زيادة ولا نقصان.
وأن أصحاب المعاصي مؤمنون كاملوا الإيمان بكمال تصديقهم وأنهم حتماً لا يدخلون النار في الآخرة.
ولهم اعتقادات أخرى: كالقول بأن الإنسان يخلق فعله، وأن الله لا يرى في الآخرة، وقد تأثروا في هذه الآراء بالمعتزلة، وكذا رأيهم في أن الإمامة ليست واجبة، فإن كان ولا بد فمن أي جنس كان ولو كان غير قرشي،
وفيما يلي تفصيل واضح لأقسام اتجاهات الناس في حقيقة الإيمان كما رتبها الدكتور/ سفر الحوالي:
أن الإيمان يكون بالقلب واللسان والجوارح:

1- أهل السنة 2- الخوارج 3- المعتزلة
أنه بالقلب واللسان فقط:

مرجئة الفقهاء الحنفية.
ابن كلاب، وكان على عقيدة المرجئة الفقهاء، وقد انقرض مذهبه.
أنه باللسان والجوارح فقط:

الغسانية.
فرقة مجهولة لم يصرح العلماء بتسميتها، ولعلها الغسانية.
أنه بالقلب فقط:

1- الجهمية 2- المريسية 3- الصالحية4- الأشعرية 5- الماتريدية.
5-أنه باللسان فقط:

الكرّامية: وقد انقرضوا.
الفصل السادس

ماهي أقسام المرجئة

انقسمت المرجئة في اعتقاداتها إلى أقسام وفرق كثيرة وفرق يطول ذكرها، ويمكن الإشارة هنا إلى رؤوس تلك الفرق،
مرجئة السنة: وهم الأحناف: أبو حنيفة وشيخه حماد بن أبى سليمان ومن أتبعهما من مرجئة الكوفة وغيرهم.
مرجئة الجبرية: وهم الجهمية أتباع جهم بن صفوان.
مرجئة القدرية: الذين تزعمهم غيلان الدمشقي، وهم الغيلانية.
مرجئة خالصة: وهم فرق اختلف العلماء في عدهم لها.
مرجئة الكرامية: أصحاب محمد بن كرام.
مرجئة الخوارج: الشبيبية وبعض فرق الصفرية.
الفصل السابع

ماهي أدلة المرجئة لمذهبهم والرد عليها
فمن القرآن الكريم: استدلوا بقول الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}

أما من السنة النبوية: فقد استدلوا بما يلي: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار".قال ابن مسعود: "وقلت أنا من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة"().
وقوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال: "يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة"(.

ومن الشبهات التي تعلق بها المرجئة أيضاً على أن العمل ليس من الإيمان قولهم:
إن الكفر ضد الإيمان فحيثما ثبت الكفر نفي الإيمان، والعكس.
ومنها ما جاء في نصوص كثيرة فيها عطف العمل على الإيمان.
ومن أدلة الأحناف على أن الإيمان قول واعتقاد فقط
إن الإيمان في اللغة المقصود به التصديق فقط، والعمل بالجوارح لا يسمى تصديقاً فليس من الإيمان.
لو كانت الأعمال من الإيمان والتوحيد لو جب الحكم بعدم الإيمان لمن ضيع شيئاً من الأعمال،
الرد على أدلة المرجئة: إن هذه النصوص تفيد أن من لم يقع في الشرك مع التوبة والقيام بأمر الله والانتهاء عن نهيه-أن الله يغفر له الذنوب التي هي دون الشرك، فإذا مات على بعض الذنوب يرجى له المغفرة ابتداء، أو يعاقبه الله بذنبه ثم يدخله الجنةوأما احتجاجهم بقولهم: إن الكفر ضد الإيمان فحينما ثبت الكفر انتفى الإيمان والعكس.
فإنه يقال لهم: إطلاق القول بأن كل كفر هو ضد الإيمان ويخرج من الملة مطلقاً ليس صحيحاً على إطلاقه هكذا إلا عند الخوارج في حكمهم على أصحاب المعاصي بالكفر المخرج من الملة، فإن الإيمان درجات، وهو اسم مشترك يقع على معان كثيرة، منها ما يكون الكفر ضداً له ومنها ما يكون الفسق ضداً له لا الكفر، كترك بعض الأعمال المفروضة مع الاعتراف بوجوبها. وأما ما استدلوا به من ورود نصوص كثيرة فيها عطف العمل على الإيمان، وأن المعطوف والمعطوف عليه بينهما مغايرة وفرق وإلا لما عطف عليه، فالواقع أن النصوص كما يتضح منها، أحياناً يرد فيها ذكر الإيمان في حالة العطف بمعنى الدين وذلك في حال إطلاق الإيمان وحده، فإنه يدخل فيه الأعمال، فإذا أطلق لفظ الإيمان فقط تبادر إلى الذهن أن المقصود بذلك الإيمان القلبي وعمل الجوارح والنطق باللسان ولا يفهم منه التصديق فقط أو الإقرار فقط إلا عند المرجئة، حيث تكلفوا دعوى وقوع ذلك. وأما في حال ذكر الإيمان والعمل معاً فلا مغايرة بينهما في الحكم الذي ذكر لهم، بل يكون ذلك من جنس عطف الخاص على العام مثل قوله تعالى: ] حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى[ . فإن الصلاة الوسطى من ضمن بقية الصلوات وإنما أفردت بالذكر الخاص بعد الذكر العام لمزيد العناية والاهتمام بها وأما ما استدل به الأحناف من أن الإيمان في اللغة المقصود به التصديق، والعمل لا يسمى تصديقاً فيقال لهم: إنه لم يسم التصديق بالقلب دون التصديق باللسان والعمل إيماناً في اللغة، ولم يعرف عن العرب أنهم يحكمون للشخص بالتصديق والإيمان بشيء صدقه بقلبه ثم أعلن التكذيب به بلسانه، كذلك لم يعرف في اللغة أن التصديق باللسان فقط دون التصديق بالقلب يعتبر إيماناً. ويرد على من ذهب مذهب الإمام أبى حنيفة في إخراج العمل عن الإيمان، واستدل باللغة على أن الإيمان هو التصديق – يرد عليهم بما ذهبوا إليه هم أيضاً من عدم جواز إطلاق الإيمان على الشخص إلا إذا صدق بالله عز وجل وبرسوله، وبكل ما جاء به القرآن والبعث والجنة والنار والصلاة والزكاة، وغير ذلك ومعلوم أن هذا الإيمان قد اشتمل على أعمال، فكيف يحق لهم بعد ذلك عدم اعتبار الأعمال من الإيمان، وهم يشترطون لثبوت إيمان الشخص ما ذكر.
نعم إن أصل الإيمان في اللغة هو التصديق بالقلب واللسان معاً بأي شيء كان إلا أن الله عز وجل وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أوقع لفظة الإيمان على العقد بالقلب لأشياء محدودة مخصوصة معروفة لا على العقد لكل شيء.
وأوقعها أيضاً سبحانه على الإقرار باللسان بتلك الأشياء خاصة لا بما سواها.
وأوقعها أيضاً على أعمال الجوارح لكل ما هو طاعة له تعالى فقط. والله عز وجل هو خالق اللغة وأهلها، فلا يجوز لأحد مخالفة الله عز وجل فيما أنزله وحكم به والتعلل باللغة في دفع الحق.
الفصل الثامن

بين مذهب أهل السنة في تعريف الإيمان

مذهبهم في الإيمان أنه قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي".
الفصل التاسع

بيان منزلة مذهب المرجئة عند السلف

مذهب المرجئة المتأخرين منهم مذهب رديء وخطير، يهون المعصية، ويدعو إلي الكسل والخمول، ولذا تجد السلف يحذرون منه كثيراً ويذمونه لما اشتمل عليه من فساد وإخمال لشعلة الإيمان في القلوب، وتمييع لمنزلة العمل في النفوس. وهذا المذهب ومذهب القدرية من المذاهب الرديئة.
ويذكر بعض العلماء روايات في ذمهم والتنفير من معتقداتهم، ومن تلك الروايات.
1-"صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب؛ المرجئة والقدرية.
2-"صنفان من هذه الأمة لا تنالها شفاعتي؛ المرجئة والقدرية.
3-"ألا وإن الله لعن القدرية والمرجئة على لسان سبعين نبياً.
وهذه الروايات ظاهرة في ذم المرجئة والقدرية لو كانت صحيحة بالرغم من تعدد طرقها، وبالرغم من كثرة احتجاج العلماء بها على القدرية والمرجئة.
وهناك من ضعفها لضعف أسانيدها، وإن ذكرها فمن باب تنوع الردود علي ذم القدرية والمرجئة، ويتلخص من كلام العلماء أنها دائرة بين الصحة والضعف والحسن.
ومهما كان فإن علماء السلف قد أدوا ما عليهم من النصح بوقوفهم في وجه هذه الطائفة، وتبيين ضلالها والخطر الذي يكمن في دعوتهم، ونصحوا للمسلمين بالابتعاد عن أقوالهم.


*************************
مجمل أقوال أئمة السلف في ذم الإرجاء وأهله

* * *

قال الذهبي رحمه الله: (غلاة المعتزلة، وغلاة الشيعة، وغلاة الحنابلة، وغلاة الأشاعرة، وغلاة المرجئة، وغلاة الجهمية، وغلاة الكرامية قد ماجت بهم الدنيا وكثروا، وفيهم أذكياء وعباد وعلماء، نسأل الله العفو والمغفرة لأهل التوحيد، ونبرأ إلى الله من الهوى و البدع، ونحب السنة وأهلها، ونحب العالم على ما فيه من الإتباع والصفات الحميدة، ولا نحب ما ابتدع فيه بتأويل سائغ، إنما العبرة بكثرة المحاسن) [سير أعلام النبلاء].
* * *


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فالمتأمل في كتابات المعاصرين من الإسلاميين يحسب أن فرق الضلالة التي حذر منها المصطفى صلى الله عليه وسلم قد اختفت من الساحة ولم يبقى منها إلا فرقة الخوارج، فهذه الفرقة تمثل الشغل الشاغل للجماعات الإسلامية على اختلاف مشاربها، وكأن الأرض عندهم قد طُهّرت من الكفر والردة والزندقة العلمانية ولم يبق فيها إلا ضلال الخوارج! وكأن خوارج اليوم ألوف مألفة وجنود مجندة تستعد للانقضاض على الخلافة الراشدة التي ينعم تحت ظلها أهل الإسلام!

الخوارج في زماننا، لمن عرفهم، شرذمة متفرقة محدودة التأثير بالمقارنة مع بقية الفرق الضالة، يرون أن الأصل في الناس اليوم هو الكفر ويتوقفون أو يكفرون من يُظهر الإسلام ولا يَظهر عليه ناقض من نواقضه، مع فضاضة وغلظة في الطبع وكبر يذكر بسلفهم من أهل النهروان، فكم عدد هؤلاء على الساحة الإسلامية اليوم وكم نسبة ضحاياهم مقابل ضحايا العلمانين وأنصار الصليبيين الذين لا يكادون يذكرون بسوء؟

أمّا تهمة الخارجية، فهي تهمة قديمة تلاحق أهل السنة و التوحيد في كل زمان ومكان و لم يسلم منها الإمام أحمد ولا ابن تيمية و لا ابن عبد الوهاب ولا كل من سار على منهجهم واتبع طريقتهم واقتدى بإبراهيم عليه السلام ومن معه في البراءة من الشرك والمشركين. وأهل الباطل من كفرة مرتدين ورهبان ضالين يجدون في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخوارج مطية لصد الناس عن كل دعوة إصلاحية بتهمة الحرورية، جاهلين أو متجاهلين أن سبب تعدد ذكرهم في الأحاديث الصحيحة ليس لأن خطرهم بهذه الدرجة التي يصورها المبطلون، إنما هو لأنها أول فرقة ظهرت في من ينتسب للإسلام، فسن بها صلى الله عليه وسلم سنة التعامل مع غيرها من فرق الضلالة. وقد زامنها وجاء من بعدها من الفرق ما يفوق ضلالها أضعافا مضاعفة بل ويخرجها من الملة بالكلية، ورغم ذلك لم يأت فيها أي حديث صحيح. فهذه السبئية قد زامنت ظهور الخوارج و فرخت الرفض والباطنية اللذان يجران على المسلمين إلى اليوم أشد الويلات بسبب دولهم التي رعت هذا الإلحاد على امتداد العصور المتأخرة. وقل مثل ذلك عن بدعة القدر التي أدركها صغار الصحابة وكفروا مبتدعيها، وبدعة التجهم التي صارت تعصف بالأمة في الإيمان والتوحيد ولم يسلم منها إلا من رحم الله، بلوغا إلى بدعة التصوف التي أفرزت بدع الطرقية و شركيات القبورية. فهل الخوارج أضل من هؤلاء؟

وفي المقابل نجد أن الإرجاء الذي هو موضوعنا هنا، قد صار المذهب الرسميّ لعامة المسلمين وخاصتهم - إلا من رحم الله - و صار صك غفران لكل زنديق وملحد وفتح الباب واسعا أمام الدعوات العلمانية لتتحلل من الشريعة وتنشر الفجور والإباحية، ورغم ذلك لا ترى في التحذير منه إلا بعض الكتب والمقالات، يعد أصحابها على أصابع اليد الواحدة. والأعجب من هذا أن القلة الباقية التي كتبت في هذا الباب لم تكتب فيه إلا من باب تحصيل الشهادات و الترف العلمي أو الفتوى النظرية، وأعمال هذه الطائفة و واقعها يخالف ما قررته من فساد هذا المذهب و زيغ منتحليه، بل إن الكثير من هذه الأعمال ترقيع للمرتدين و تقرير للإرجاء في أقبح صوره: الإرجاء الغالي الذي كفّر السلف القائلين به.

وقد رأيت مستعينا بالله جمع ما يمكن جمعه من أقوال أئمة السلف المتقدمين في التحذير من هذا المذهب الباطل وبيان خطره على الأمة، خاصة أن الكثير من دعاته اليوم لا يستحي من نسبة أقواله للسلف بل و لخيارهم من الصحابة رضوان الله عليهم، فكان بذلك تلبيسهم أشد وضررهم أعظم.

وسأذكر قبل ذلك - بعون الله سبحانه - نبذة مختصرة عن أبرز أصول الإرجاء القديمة والمعاصرة في مسمى الإيمان والكفر، حتى تتضح صورة هذا المذهب الخبيث أمام القارئ ويتوقاه أضعاف ما يتوقى مذهب الخوارج لأن خطره كما بين السلف أشد، لما فيه من تمييع للدين يتماشى مع طبيعة البشر في التساهل والتنصل من التكاليف الشرعية.

فنقول وبالله التوفيق:

الإرجاء لغة هو التأخير و قد سمي المرجئة مرجئة لتأخيرهم العمل وإخراجه من مسمى الإيمان، وهذا غير المذهب المنسوب إلى الحسن بن محمد بن الحنفية في إرجاء أمر عثمان وعلي رضي الله عنهما وعدم الشهادة لهما بالجنة، كما جاءت الأحاديث في ذلك.

وأول من ظهر من فرق الإرجاء في الإيمان مرجئة فقهاء الكوفة من الأحناف القائلين بأن الإيمان هو الاعتقاد والقول وأن العمل ليس من الإيمان، وقد ألزم السلف الصالح مرجئة الفقهاء بإخراج الأعمال من المكفرات كما أخرجوها من الإيمان. فلجأوا إلى القول بأن الأعمال المكفرة دليل على كفر القلب، لعدم قدرتهم على إنكار ما أجمعت الأمة على كفر فاعله، فهم يتفقون مع السلف في التكفير بالمكفرات، بل هم أكثر من توسع فيها في أبواب الردة من كتب الفقه دفعا لتهمة الإرجاء. لكنهم يجعلون الأعمال المكفرة دليلا على الكفر ولا يجعلونها كفرا مجردا كما دلت نصوص الكتاب والسنة وكما أجمع علماء الأمة، فالخلاف معهم خلافُ تصورٍ لعلة الحكم وليس خلافا في الحكم نفسه، وهذه مسألة هامة يجب مراعاتها حتى لا ننسب لمرجئة الفقهاء من هم منه براء.

وقد أعقبهم وزاد عليهم في الضلالة مرجئة الجهمية القائلين بأن الإيمان هو المعرفة وأن الكفر هو التكذيب والجحود، ولهم قول يوافق مرجئة الفقهاء في التكفير بالمكفرات و اعتبارها دليلا على الكفر، إلا أن المشهور من مذهبهم عدم التكفير بالمكفرات والشركيات وإلحاقها بالمعاصي التي دون الكفر، كالزنا والسرقة والشرب. وهؤلاء يسمون أيضا غلاة المرجئة وقد كفرهم السلف كنافع و وكيع وأبي عبيد واحمد بن حنبل والحميدي وابن القيم و غيرهم، رحمهم الله جميعا.

ومن فرقهم أيضا مرجئة المتكلمين من أشاعرة وماتريدية، وهم يقولون بقول الجهمية في تعريف الإيمان بالتصديق وبقول مرجئة الفقهاء في جعل المكفرات دليلا على كفر الباطن وانتفاء التصديق.

أما المرجئة المعاصرون، أدعياء السلفية، فهم من شر طوائف البدع المنتسبة إلى الإسلام وخطرهم أشد من خطر غيرهم لأنهم ينسبون بدعتهم إلى السلف الصالح ويزعمون إتباع الأثر والحديث ويشتغلون بنشر تصانيف السلف النافعة فيدسون فيها سمهم الزعاف، ويصدون عن مذهب السلف بأقوال السلف أنفسهم في التحذير من أهل البدع من أمثالهم، فتلبس حالهم على الكثير من الناس، والله المستعان. يقولون بقول السلف في تسمية الإيمان و يشرحونه بتعريف مرجئة الفقهاء، ويتخبطون في مسألة الكفر على أقوال: فمنهم من لا يرى الكفر بالقول و العمل إطلاقا، وينكر التكفير بالمكفرات المجمع على التكفير بها، ومنهم من يرى أنها دليل على الكفر، ومنهم من ينتقي من المكفرات، فيرى أن بعضها مخرج من الملة والبعض الآخر غير مخرج، مجاراة لهوى الطواغيت المشرعين مع الله سبحانه! فالتشريع واستحلال المحرمات القطعية والتحاكم إلى طواغيت الشرق والغرب والمظاهرة الصريحة للكفار في قتال المسلمين عندهم كفر دون كفر، وهم في المقابل يتشددون في شركيات العوام، وبعضهم لا يعذرهم بعذر إطلاقا بل ويعتبرهم كفارا أصليين! وقد أضافوا إلى هذا شناعات أخرى مثل تكفير الدعاة بمحض التوحيد و الجهاد واستحلال دمائهم وتحريض الطواغيت عليهم وتأثيم نواياهم والحكم على خواتيمهم عند الله سبحانه، رغم أنهم لا يعتدّون بالحكم على الظواهر في تكفير المرتدين، و يحرمون دماء المشركين من غير ذمة ولا عهد صحيح! وأحمق من رأيت منهم دعيّ علم زنيم يعتبر جملة من أعيان مشايخ التوحيد المعاصرين طواغيتا لأنهم يحكمون بغير ما أنزل الله - على حد زعمه - ، ويقصد بذلك الخلافات العلمية، بينما يرى أن تشريع و تحكيم القوانين الوضعية الطاغوتية كفر دون كفر! فأيّ ضلال فوق هذا الضلال؟

وقد أحدث هؤلاء الجهمية ضوابطا وشروطا للتكفير لا يقوم عليها دليل ولم يسبقهم إليها عالم معتبر، كاشتراط قصد الكفر لتكفير من جاء بالكفر مختارا، و الامتناع من تكفير الأعيان والاقتصار على تجريم الفعل والتكفير العام دون الفاعل أو تعليق حكم التكفير على شيخ أو شيخين دون غيرهم من علماء الأمة، فعطلوا بذلك حكم الردة وتوابعه من أحكام فقهية وولاء وبراء وهجرة وجهاد، وفتحوا الأبواب للزنادقة للتحكم في رقاب المسلمين، فكانت بذلك الفتنة والفساد الكبير الذي توعد الله به من ترك معاداة أهل الكفر ومناصرة أهل الإسلام.

وبقية الفرق الإسلامية لا تخرج عن هذا الواقع في فهم الإيمان مع ما اختصت به من ضلالات أخرى قد تبلغ أحيانا الكفر الصراح، ولا حول ولا قوة إلا بالله. أما عوام المسلمين اليوم فهم في الغالب لا يعرفون ولا يثبتون للإسلام ناقضا! ويكتفون بمجرد الشهادة في إثبات حقيقة الإيمان، جهمية خلّص لا ينكرون الصلاة على من مات يسب الله ورسوله، وبعضهم لا يرى حتى كفر اليهود والنصارى تبعا لمشايخ الضلال الذين رفعهم الطاغوت لخدمته وسخر لهم وسائل إعلامه، فضربوا في البلاد وضيعوا دين أهلها، فالله نسأل أن يريح الأمة من هذه الشرور وأن يمكن لأهل التوحيد من نشر عقيدة السلف خالصة من شوائب الإرجاء والتجهم التي أفسد بها هؤلاء البلاد والعباد.

وإليك في الختام؛ أخي الموحد مجمل أقوال السلف الصالح في ذم الإرجاء وأهله، مع التنبيه أن أكثرها كما هو ظاهر مقصود به مرجئة فقهاء الكوفة، وهم أهون فرق المرجئة ضلالا، وكان فيهم – عفا الله عنهم - فقهاء وعبّاد وزهّاد ومجاهدين في سبيل الله، فلا تلتفت إلى ما يتناقله المعاصرون - دون فهم - عن شيخ الإسلام ابن تيمية في اعتبار الخلاف بين السلف ومرجئة الفقهاء "خلافا لفظيا" فكلامه رحمه الله ليس على إطلاقه، فهو في إثبات الوعيد لأهل الكبائر، و الخلاف بينهم وبين السلف حقيقي من أكثر من وجه، وحسبك من ذلك إثباتهم إسلام من مات مصرا على ترك الفرائض - كما يروج مرجئة العصر - ورد الأحاديث الثابتة في وصف الأعمال بالإيمان، و ما كان السلف ليغلظوا عليهم بمثل هذه الشدة في خلاف لفظي كالخلاف في التفريق بين مسمى الإيمان ومسمى الإسلام.

فكيف بمن كان حاله كحال من ذكرت عن المعاصرين! نسأل الله السلامة والعافية.

سعيد بن جبير رحمه الله (ت 95):

عن عطاء بن السائب قال: ذكر سعيد بن جبير المرجئة فضرب لهم مثلا قال: (مثلهم مثل الصائبين، إنهم أتوا اليهود فقالوا: ما دينكم؟ قالوا: اليهودية، قالوا فما كتابكم؟ قالوا: التوراة، قالوا فمن نبيكم قالوا: موسى، قالوا فماذا لمن تبعكم؟ قالوا: الجنة، ثم أتوا النصارى فقالوا: ما دينكم؟ قالوا: النصرانية، قالوا فما كتابكم؟ قالوا: الإنجيل، قالوا فمن نبيكم قالوا: عيسى، ثم قالوا فماذا لمن تبعكم؟ قالوا: الجنة، قالوا فنحن بين دينين) [1].

وعن المغيرة بن عتيبة عن سعيد بن جبير قال: (المرجئة يهود القبلة) [2].

وعن أم عبد الله بن حبيب عن أمه قالت سمعت سعيد بن جبير وذكر المرجئة فقال: (اليهود) [3].

وعن أيوب قال: قال سعيد بن جبير غير سائله ولا ذاكرا ذاك له: (لا تجالس طلقا). يعني أنه كان يرى رأي المرجئة. وفي رواية أخرى قال: قال لي سعيد بن جبير: (ألم أرك مع طلق؟) قلت: بلى، فما باله؟ قال: (لا تجالسه فإنه مرجئ)، قال أيوب: وما شاورته في ذلك ولكن يحق للمسلم إذا رأى من أخيه ما يكرهه أن يأمره وينهاه[4].

وطلق هو طلق بن حبيب كان يرى الإرجاء.

قال عنه أيوب: ما أدركت بالبصرة أعبد منه ولا أبر بوالديه منه.

وعن العلاء بن رافع أن ذرا - أبا عمر - أتى سعيدا بن جبير يوما في حاجة فقال: (لا، حتى تخبرني على أي دين أنت اليوم أو رأي أنت اليوم، فإنك لا تزال تلتمس دينا قد أضللته، ألا تستحي من رأي أنت اليوم أكبر منه؟) [5].

وعن أبي الحجاف قال: قال سعيد بن جبير لذر: (يا ذر ما لي أراك كل يوم تجدد دينا؟) [6].

وعن أبي المختار الطائي قال: شكى ذر سعيد بن جبير إلى أبي البختري فقال: مررت فسلمت عليه فلم يرد، فقال أبو البختري لسعيد بن جبير فقال سعيد: (إن هذا يجدد كل يوم دينا، والله لا أكلمه أبدا) [7].

وعن حبيب ابن أبي ثابت قال: كنت عند سعيد بن جبير في مسجد فتذاكرنا ذرا في حديثنا فنال منه، فقلت: يا أبا عبد الله إنه لواد لك بحسن الثناء إذا ذكرك، فقال: (ألا تراه ضالا كل يوم يطلب دينه؟) [8].

إبراهيم النخعي رحمه الله (ت 96):

عن سعيد بن صالح قال: قال إبراهيم: (لفتنة المرجئة أخوف على هذه الأمة من فتنة الأزارقة) [9].

وعن حكيم بن جبير قال: قال ابراهيم: (المرجئة أخوف عندي على أهل الإسلام من عدتهم من الأزارقة) [10].

والأزارقة فرقة من فرق الخوارج، نسبة لنافع بن الأزرق.

وعن مسلم الملائي عن ابراهيم قال: (الخوارج أعذر عندي من المرجئة) [11].

وعن مؤمل قال سمعت سفيان يقول: قال إبراهيم: (تركت المرجئة الدين أرق من ثوب سابري) [12].

والثوب السابري نوع من الثياب رقيق.

وعن أبي يحيى النخعي عن أبيه عن إبراهيم قال: (ما أعلم أحمق في رأيهم من هذه المرجئة، لأنهم يقولون مؤمن ضال ومؤمن فاسق) [13].

وعن الحسن بن عبيد الله قال: سمعت إبراهيم يقول لذر: (ويحك يا ذر ما هذا الدين الذي جئت به؟) فقال ذر: ما هو إلا رأي رأيته. قال ثم سمعت ذرا يقول: إنه لدين الله عز وجل الذي بعث به نوحا عليه السلام! [14].

وذر، هو الهمداني وكان مرجئا مع زهد وتعبد. قاتل الحجاج مع ابن الأشعث.

وعنه أيضا قال: (مر ابراهيم التيمي بإبراهيم النخعي فسلم عليه فلم يرد عليه) [15].

وعن ميمون بن أبى حمزة قال: قال لي إبراهيم النخعي: (لا تدعوا هذا الملعون يدخل علي بعد ما تكلم في الإرجاء) – يعني حمادا – [16].

وحماد هو حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة وكان رأسا في الإرجاء.

وعن أبي حمزة التمار قال قلت لإبراهيم: ما ترى في رأي المرجئة فقال: (أوّه، لفقوا قولا فأنا أخافهم على الأمة، والشر منهم كثير فإياك وإياهم) [17].

ووقال منصور عن ابراهيم: (كفى به عمى الذي يعمى عليه أمر الحجاج) قال وذكر الحجاج فقال: (ألا لعنة الله على الظالمين) [18].

قلت: فكيف بمن يعمى عليه أمر الطواغيت المشرعين الذين يتولون اليهود والنصارى؟

مجاهد بن جبر رحمه الله (ت 104):

عن الوليد بن زياد قال: قال مجاهد: (يبدؤون فيكم مرجئة ثم يكونون قدرية ثم يصيرون مجوسا) [19].

قلت: ما أبعد نظره رحمه الله، فقد قال أحدهم في كتاب واحد أن العبد مؤمن وإن اجترح كل المعاصي! و دعى لترك الجهاد حتى يخرج المهدي! ثم قال عن قول المجوس "دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله"، أنها "كلمة حكيمة"!

نافع مولى ابن عمر رحمه الله (ت 117):

عن معقل بن عبيد الله العبسي قال: قلت لنافع: إنهم يقولون نحن نقر بالصلاة فريضة ولا نصلي وإن الخمر حرام ونحن نشربها وأن نكاح الأمهات حرام ونحن نفعل، قال فنتر يده من يدي ثم قال من فعل هذا فهو كافر[20].

ميمون بن مهران رحمه الله (ت 117):

عن أبي المليح قال: سئل ميمون عن كلام المرجئة فقال: (أنا أكبر من ذلك) [21].

محمد بن علي بن الحسين رحمه الله (ت 118):

عن محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين: (ما ليل بنهار أشبه من المرجئة باليهود) [22].

قتادة بن دعامة رحمه الله (ت 118):

عن الأوزاعي قال: كان يحيى وقتادة يقولان: (ليس من الأهواء شيء أخوف عندهم على الأمة من الإرجاء) [23].

محمد بن مسلم الزهري رحمه الله (ت 124):

عن الأوزاعي عن الزهري قال: (ما ابتُدعت في الإسلام بدعة أضر على أهله من هذه) [24] - يعني الإرجاء -

أبو إسحاق السبيعي رحمه الله (ت 127):

قال معمر بن راشد: كنا نأتي أبا إسحاق فيقول: من أين جئتم؟ فنقول: من عند حماد، فيقول: (ماذا قال لكم أخو المرجئة؟) فكنا إذا دخلنا على حماد قال من أين جئتم؟ قلنا: من عند أبي إسحاق، قال: إلزموا الشيخ فإنه يوشك أن يطفى، قال معمر: فمات حماد قبله[25].

يحيى بن أبي كثير رحمه الله (ت129):

عن الأوزاعي قال: كان يحيى وقتادة يقولان: (ليس من الأهواء شيء أخوف عندهم على الأمة من الإرجاء) [26].

أيوب السختياني رحمه الله (ت 131):

عن سلام بن أبي مطيع قال: كنت مع أيوب السختياني في المسجد الحرام فرآه أبو حنيفة فأقبل نحوه، فلما رآه أيوب قال لأصحابه: (قوموا بنا لا يعدنا بجربه، قوموا بنا لا يعدنا بجربه) [27].

وقد أنكر عامة السلف على أبي حنيفة قوله بقول شيخه حماد بن أبي سليمان في الإيمان، ويذكر أنه رجع عن هذا القول، وهو حري بذلك رحمه الله.

وعن سلام بن أبي مطيع قال: قال أيوب: (أنا أكبر من المرجئة) [28].

منصور بن المعتمر رحمه الله (ت 133):

عن جعفر الأحمر قال: قال منصور بن المعتمر في شيء: (لا أقول كما قالت المرجئة الضالة المبتدعة) [29].

عن مفضل بن مهلهل عن منصور بن المعتمر قال: (هم أعداء الله، المرجئة والرافضة) [30].

مغيرة بن مقسم الضبي رحمه الله (ت 133):

عن الأسود بن عامر قال: سمعت أبا بكر بن عياش ذكر أبا حنيفة وأصحابه الذين يخاصمون - أي في الإيمان - فقال: كان مغيرة يقول: (والله الذي لا إله إلا هو لأنا أخوف على الدين منهم من الفساق) [31].

وقال جرير: كان المغيرة يقول: (حدثنا حماد قبل أن يصير مرجئا وربما قال قبل أن يفسد) [32].

سليمان الأعمش رحمه الله (ت 148):

عن الأسود بن عامر قال: سمعت أبا بكر بن عياش ذكر أبا حنيفة وأصحابه الذين يخاصمون فقال: حلف الأعمش قال: (والله الذي لا إله إلا هو ما أعرف من هو شر منهم) [33].

قال جرير: ذكر الإرجاء عند الأعمش فقال: (ما ترجو من رأي أنا أكبر منه) [34].

محمد بن عجلان رحمه الله (ت 148):

قال الحميدي: حدثنا يحيى بن سليم أن سعيد بن سالم قال لابن عجلان: أرأيت إن أنا لم أرفع الأذى عن الطريق، أكون ناقص الإيمان؟ فقال: (هذا مرجئ، من يعرف هذا؟) قال: فلما قمنا عاتبته، فرد علي القول، فقلت: هل لك أن تقف فتقول يا أهل الطواف إن طوافكم ليس من الإيمان، وأقول أنا بل من الإيمان، وننظر ما يصنعون؟ قال: تريد أن تشهّرني؟ قلت: فما تريد إلى قول إذا أظهرته شهّرك؟[35].

عكرمة بن عمار رحمه الله (ت 159):

عن أبي عاصم قال: جاء عكرمة بن عمار إلى ابن أبي رواد فدق عليه الباب وقال: (أين هذا الضال؟)، يعني بالإرجاء[36].

سفيان الثوري رحمه الله (ت 161):

عن عبد الله بن نمير قال سمعت سفيان وذكر المرجئة فقال: (رأي محدث أدركنا الناس على غيره). وفي رواية الخلال قال: سمعت سفيان يقول: (دين محدث دين الأرجاء) [37].

وعن محمد بن يوسف قال: دخلت على سفيان الثوري في حجره المصحف وهو يقلب الورق فقال: (ما أحد أبعد منه من المرجئة) [38].

وعن أبي نعيم الفضل بن دكين قال: كنا مع سفيان جلوسا في المسجد الحرام، فأقبل أبو حنيفة يريده فلما رآه سفيان قال: (قوموا بنا لا يعدنا هذا بجربه)، فقمنا وقام سفيان. وكنا مرة أخرى جلوسا مع سفيان في المسجد الحرام فجاءه أبو حنيفة فجلس ولم نشعر به، فلما رآه سفيان استدار فجعل ظهره إليه[39].

وعن وكيع قال: لما تكلم أبو حنيفة في الإرجاء وخاصم فيه قال سفيان الثوري: (ينبغي أن ينفى من الكوفة أو يخرج منها) [40].

عن إبراهيم بن المغيرة قال: سألت سفيان الثوري، أصلي خلف من يقول الإيمان قول بلا عمل؟ قال: (لا، ولا كرامة) [41].

عن ابي نعيم قال: (مرت بنا جنازة مسعر بن كدام منذ خمسين سنة ليس فيها سفيان ولا شريك) [42].

ومسعر بن كدام هو ابو سلمة الكوفي ثقة ثبت فاضل نسب إلى الإرجاء.

شريك بن عبد الله القاضي رحمه الله (ت 177):

قال حجاج سمعت شريكا وذكر المرجئة فقال: (هم أخبث قوم، وحسبك بالرافضة خبثا ولكن المرجئة يكذبون على الله) [43].

وعن عبد الرحمن بن مهدي قال: بلغني أن شعبة قال لشريك: كيف لا تجيز شهادة المرجئة؟ قال: (وكيف أجيز شهادة قوم يزعمون أن الصلاة ليست من الإيمان؟) [44].

عن ابي نعيم قال: (مرت بنا جنازة مسعر بن كدام منذ خمسين سنة ليس فيها سفيان ولا شريك) [45].

مالك بن أنس رحمه الله (ت 179):

حدث الحميدي عن معن بن عيسى أن رجلا بالمدينة يقال له أبو الجورية يرى الإرجاء فقال مالك بن أنس: (لا تناكحوه) [46].

شهاب بن خراش الشيباني رحمه الله (ت 179):

قال هشام - بن عمار -: لقيت شهابا وأنا شاب في سنة أربع وسبيعن فقال لي: (إن لم تكن قدريا ولا مرجئا حدثتك، وإلا لم أحدثك)، فقلت: ما فيّ من هذين شيء[47].

عبد الله بن المبارك رحمه الله (ت 181):

عن علي بن الحسن بن شقيق قال قال رجل لعبد الله بن المبارك يا معشر المرجئة، فقال عبد الله: (رميتني بهوى من الأهواء) [48].

عن إسحاق بن راهوية قال: سمعت معاذ بن خالد بن شقيق يقول لعبد الله بن المبارك: أيهم أسرع خروجا الدجال أو الدابة؟ فقال عبدالله: (استقضاء فلان الجهمي على بخارى أشد على المسلمين من خروج الدابة أو الدجال) [49].

وفلان هو عبد الله بن أبي حنيفة وكان مرجئا.

الفضيل بن عياض رحمه الله (ت 187):

قال محمد بن علي بن الحسن، سمعت الفضيل يقول: (أهل الإرجاء يقولون: الإيمان قول بلا عمل. وتقول الجهمية: الإيمان المعرفة بلا قول ولا عمل ويقول أهل السنة: الإيمان المعرفة والقول والعمل) [50].

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: وجدت في كتاب أبي رحمه الله قال: أخبرت أن الفضيل بن عياض قال: (قول أهل البدع: الإيمان الإقرار بلا عمل والإيمان واحد وإنما يتفاضل الناس بالأعمال ولا يتفاضلون بالإيمان. ومن قال ذلك فقد خالف الأثر ورد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان" وتفسير من يقول أن الإيمان لا يتفاضل يقول أن إن فرائض الله ليس من الإيمان، ومن قال ذلك فقد أعظم الفرية أخاف أن يكون جاحدا للفرائض رادا على الله عز وجل أمره ... فما أسوأ هذا من قول وأقبحه فإنا لله وإنا إليه راجعون) [51].

وكيع بن الجراح رحمه الله (ت 196):

قال: (أحدثوا هؤلاء المرجئة الجهمية، الجهمية كفار والمريسي جهمي، وقد علمتم كيف كفروا: قالوا يكفيك المعرفة وهذا كفر، والمرجئة يقولون الإيمان قول بلا فعل وهذا بدعة) [52].

وقال أيضا: (قالت المرجئة: الإقرار بما جاء من عند الله عز وجل يجزئ من العمل، وقالت الجهمية المعرفة بالقلب بما جاء من عند الله يجزئ من القول والعمل وهذا كفر) [53].

سفيان بن عيينة رحمه الله (ت 199):

سئل رحمه الله عن الإرجاء، فقال: (الإرجاء على وجهين: قوم أرجوا أمر علي وعثمان، فقد مضى أولئك. فأما المرجئة اليوم فهم يقولون الإيمان قول لا عمل. فلا تجالسوهم ولا تؤاكلوهم ولا تشاربوهم، ولا تصلوا معهم ولا تصلوا عليهم) [54].

وعن سويد بن سعيد الهروي قال: سألنا سفيان بن عيينة عن الإرجاء فقال: (يقولون الإيمان قول، ونحن نقول الإيمان قول وعمل والمرجئة أوجبوا الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله مصرا بقلبه على ترك الفرائض، وسموا ترك الفرائض ذنبا بمنزلة ركوب المحارم، وليس بسواء لأن ركوب المحارم من غير استحلال معصية، وترك الفرائض متعمدا من غير جهل ولا عذر، كفر. وبيان ذلك في أمر آدم صلوات الله عليه وأمر إبليس وعلماء اليهود، أما آدم فنهاه الله عن أكل الشجرة وحرمها عليه فأكل منها متعمدا ليكون ملكا أو يكون من الخالدين فسمي عاصيا من دون كفر، وأما إبليس لعنه الله فإنه فرض عليه سجدة واحدة فجحدها متعمدا فسمي كافرا، وأما علماء اليهود فعرفوا نعت النبي صلى الله عليه وسلم وأنه نبي رسول كما يعرفون أبناءهم وأقروا باللسان ولم يتبعوا شريعته فسماهم الله عز وجل كفارا، فركوب المحارم مثل ذنب آدم عليه السلام وغيره من الأنبياء، وأما ترك الفرائض جحودا فهو كفر مثل كفر إبليس لعنه الله، وتركها على معرفة من غير جحود فهو كفر مثل كفر علماء اليهود، والله أعلم) [55].

قال التونسي: ومذهب مرجئة العصر في ترك الفرائض لا يخرج عن ما قرره سفيان بن عيينة في مرجئة زمانه مع ما أضافوا عليهم، فأي سلفية هذه؟

يزيد بن هارون رحمه الله (ت 206):

عن محمد بن أسلم قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: (من كان داعية إلى الإرجاء فإن الصلاة خلفه تعاد) [56].

وعن إسحاق بن بهلول قال: قلت ليزيد بن هارون: أصلي خلف الجهمية؟ قال: (لا)، قلت: أصلي خلف المرجئة؟ قال: (إنهم لخبثاء) [57].

جعفر بن عون رحمه الله (ت 207):

قال إسحاق: قال لي ابن عون: (كان حماد بن أبي سليمان من أصحابنا حتى أحدث ما أحدث). قال أحدث الإرجاء[58].

عبد الرزاق بن همام الصنعاني رحمه الله (ت 211):

قال سلمة بن شبيب: كنت عند عبد الرزاق فجاءنا موت عبد المجيد، وذلك في سنة ست ومائتين، فقال: (الحمد لله الذي أراح أمة محمد من عبد المجيد) [59].

عبد المجيد هو عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد.

قال عنه أبو داود: كان عبد المجيد رأسا في الإرجاء.

وقال هارون بن عبد الله الحمال: ما رأيت أخشع لله من وكيع، وكانت عبد المجيد أخشع منه. قال الذهبي رحمه الله: خشوع وكِيع مع إمامته في السنّة جعله مقدّما بخلاف خشوع هذا المرجئ - عفا الله عنه - أعاذنا الله وإياكم من مخالفة السنة.

وقال الحسن بن وهب: قدم عبد العزيز بن أبي روّاد وهو شاب فمكث فينا أربعين أو خمسين سنة , لا يُعرف بشيء من الإرجاء، حتى نشأ ابنُه عبد المجيد , فأدخله في الإرجاء، فكان أشأم مولود ولد في الإسلام على أبيه.

عبد الله بن يزيد المقرئ رحمه الله (ت 213):

قال ابن السرماري: سئل المقرئ، فقيل له: إن رجلا ببخارى يقال له أحمد بن حفص يقول: الإيمان القول، فقال: مرجئ. وكنت قدامه فقلت: وأنا أقول كذلك، فأخذ برأسي ونطحني برأسه نطحة وقال: (أنت مرجئ يا خرساني) [60].

عبد الله بن الزبير الحميدي رحمه الله (ت 219):

قال حنبل: حدثنا الحمدي قال: (وأخبرت أن أناسا يقولون: من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيء حتى يموت، ويصلي مستدبر القبلة حتى يموت فهو مؤمن ما لم يكن جاحدا، إذا علم أن تركه ذلك فيه إيمانه وكان مقرا بالفرائض واستقبال القبلة، فقلت: هذا الكفر الصراح وخلاف كتاب الله وسنة رسوله وعلماء المسلمين. قال تعالى {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين}).

وقال حنبل سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: من قال هذا فقد كفر بالله ورد عليه أمره وعلى الرسول ما جاء به عن الله[61].

قلت: فانظر عدد من يقول بهذا اليوم ممن ينتسب زورا وبهتانا إلى السلف، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

إسحاق بن راهويه رحمه الله (ت 238):

عن حرب بن إسماعيل قال سمعت إسحاق وسأله رجل قال: الرجل يقول أنا مؤمن حقا؟ قال: (هو كافر حقا) [62].

أحمد بن حنبل رحمه الله (ت 248):

روى الخلال عن أبي داوود قال: قلت لأحمد: يُصلى خلف المرجئ؟ قال: (إذا كان داعية فلا تصلي خلفه) [63].

وعن أبي بكر المروذي قال: سمعت أبا عبد الله يقول: (المرجئ إذا كان يخاصم فلا يصلى خلفه) [64].

وعن إسحاق بن منصور أنه قال لأبي عبد الله: المرجئ إذا كان داعيا؟ قال: (إي والله يجفى ويقصى) [65].

وحدث أبو حارث أن أبا عبد الله قال: (إذا كان المرجئ داعية فلا تكلمه) [66].

وفي كتاب السنة ورسالة الإصطرخي عنه قال: (المرجئة: وهم الذين يزعمون أن الإيمان مجرد النطق باللسان وأن الناس لا يتفاضلون في الإيمان، وأن إيمانهم وإيمان الملائكة والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم واحد وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص وأن الإيمان ليس فيه استثناء، وأن من أمن بلسانه ولم يعمل فهو مؤمن حقا. هذا كله قول المرجئة وهو أخبث الأقاويل). وقال: (وأما المرجئة فيسمون أهل السنة شكاكا، وكذبت المرجئة بل هم بالشك أولى وبالتكذيب أشبه) [67].

حدث الحسن بن علي بن الحسين الأسكافي أنه سأل أبا عبد الله عن حديث من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن قال أبو عبد الله: من سرته سيئته فأي شيء هو؟ سلهم![68].

حدث حمدان بن علي الوراق حدثهم قال سألت أحمد وذكر عنده المرجئة فقلت له إنهم يقولون إذا عرف الرجل ربه بقلبه فهو مؤمن فقال: (المرجئة لا تقول هذا بل الجهمية تقول بهذا المرجئة تقول حتى يتكلم بلسانه و "إن لم" تعمل جوارحه والجهمية تقول إذا عرف ربه بقلبه وإن لم تعمل جوارحه وهذا كفر إبليس قد عرف ربه فقال {رب بما أغويتني}، قلت فالمرجئة لو كانوا يجتهدون وهذا قولهم؟ قال: البلاء) [69].

حدث أبو الحارث قال: قال أبو عبد الله: (كان شبابة يدعو إلى الإرجاء وكتبنا عنه قبل أن نعلم أنه كان يقول هذه المقالة كان يقول الإيمان قول وعمل فإذا قال فقد عمل بلسانه، قول رديء).

وفي رواية الأثرم قال: سمعت أبا عبد الله وقيل له شبابة أي شيء يقول فيه؟ فقال شبابة كان يدعو إلى الإرجاء، قال: وقد حكى عن شبابة قول أخبث من هذه الأقاويل ما سمعت أحدا عن مثله قال: قال شبابة إذا قال فقد عمل. قال الإيمان قول وعمل كما يقولون فإذا قال فقد عمل بجارحته أي بلسانه حين تكلم ثم قال أبو عبدالله: هذا قول خبيث ما سمعت أحدا يقول به ولا بلغني[70].

حدث إسحاق قال: قال أبو عبدالله قال شعبة قلت لحماد بن أبي سليمان هذا الأعمش وزبيد ومنصور حدثونا عن شقيق عن عبدالله عن النبي سباب المسلم فسوق فأيهم نتهم أنتهم الأعمش أنتهم منصور؟ (قال لا، أتهم أبا وائل) قال إسحاق قلت لأبي عبدالله وأيش إتهم من أبي وائل؟ قال: (إتّهمَ رأيه الخبيث)، يعني حمادا بن أبي سليمان[71].

محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله (ت 256):

عن الحسين بن محمد بن وضاح ومكي بن خلف بن عفان قالا: سمعنا محمد بن إسماعيل يقول: (كتبت عن ألف نفر من العلماء وزيادة ولم أكتب إلا عن من قال الإيمان قول وعمل، ولم أكتب عمن قال الإيمان قول) [72].

جماعة من السلف: أبو البختري وميسرة وأبو صالح والضحاك وبكير الطائي رحمهم الله جميعا:

عن سلمة بن كهيل قال: (اجتمع في الجماجم، أبو البختري وميسرة وأبو صالح والضحاك المشرقي وبكير الطائي فأجمعوا على أن الإرجاء بدعة، والبراءة بدعة والشهادة بدعة) [73].

جماعة من السلف: عطاء بن أبي رباح وميمون بن مهران والزهري ونافع والحكم بن عتييبة وعبد الكريم بن مالك الجزري رحمهم الله جميعا:

عن معقل بن عبيد الله العبسي قال: قدم علينا سالم الأفطس بالإرجاء فعرضه فنفر منه أصحابنا نفارا شديدا وكان أشدهم ميمون بن مهران وعبد الكريم بن مالك فأما عبد الكريم فأنه عاهد الله عز وجل أن لا يأويه وإياه سقف بيت إلا المسجد، فحججت فدخلت على عطاء بن أبي رباح في نفر من أصحابي فإذا هو يقرأ سورة يوسف، قال فسمعته يقرأ هذا الحرف {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا} مخففة، قال: قلت إن لنا إليك حاجة فاخلوا لنا ففعل، فأخبرته أن قوما قبلنا قد أحدثوا وتكلموا، وقالوا أن الصلاة و الزكاة ليستا من الدين، فقال: أوليس يقول الله عز وجل {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة} فالصلاة والزكاة من الدين، قال فقلت له: إنهم يقولون ليس في الإيمان زيادة، قال أوليس قد قال الله عز وجل في ما أنزل {فزادتهم إيمانا} فما هذا الإيمان الذي زادهم؟ قال، قلت: فإنهم قد انتحلوك وبلغني أن ذرا دخل عليك في نفر من أصحاب له فعرض عليك قولهم فقبلته وقلت هذا الأمر. فقال لا والله الذي لا إله إلا هو ما كان هذا - مرتين أو ثلاث - .

قال ثم قدمت المدينة فجلست إلى نافع فقلت له يا أبا عبد الله إن لي إليك حاجة، قال أسر أم علانية؟ قلت لا بل سر، فقال رب سر لا خير فيه، فقلت له ليس من ذاك، فلما صلينا العصر قام وأخذ بيدي وخرج من الخوخة ولم ينتظر القاص، فقال: ما حاجتك؟ قلت أخلني من هذا، فقال تنح يا عمرو، فذكرت له بدو قولهم فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أمرت أن أضربهم بالسيف حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله"، قال قلت: إنهم يقولون نحن نقر بالصلاة فريضة ولا نصلي وإن الخمر حرام ونحن نشربها وأن نكاح الأمهات حرام ونحن نفعل، قال فنتر يده من يدي ثم قال من فعل هذا فهو كافر.

قال معقل ثم لقيت الزهري فأخبرته بقولهم فقال: سبحان الله، أو قد أخذ الناس في هذه الخصومات؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حيت يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهم مؤمن ولا يشرب الخمر شاربها حين يشربها وهو مؤمن".

قال معقل ثم لقيت الحكم بن عتيبة فقلت: إن ميمونا وعبد الكريم بلغهما أنه قد دخل عليك ناس من المرجئة فعرضوا عليك قولهم فقبلته، قال فقبل علي ذلك ميمون وعبد الكريم؟ قلت: لا، قال: دخل علي منهم اثنا عشر رجلا وأنا مريض فقالوا: يا أبا محمد بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل بأمة سوداء أو حبشية فقال يا رسول الله إن علي رقبة مؤمنة، أفترى هذه مؤمنة؟ قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أتشهدين أن لا إله إلا الله؟" قالت نعم، قال:" وتشهدين أني رسول الله" قالت: نعم، قال:"وتشهدين أن الجنة حق وأن النار حق" قالت: نعم، قال:" أتشهدين أن الله يبعث بعد الموت؟" قالت: نعم قال:" فأعتقها فإنها مؤمنة". قال فخرجوا وهم ينتحلوني.

قال معقل: ثم جلست إلى ميمون بن مهران فقيل له يا أبا أيوب لو قرأت لنا سورة ففسرتها؟ قال: فقرأ {إذا الشمس كورت} حتى إذا بلغ {مطاع ثم أمين} قال: (ذاك جبريل صلوات الله عليه، والخيبة لمن يقول أن إيمانه كإيمان جبريل) [74].

جماعة من السلف حفظ عنهم يعقوب بن سفيان رحمه الله (ت 277):

قال رحمه الله: الإيمان عند أهل السنة: الإخلاص لله بالقلوب والألسنة والجوارح وهو قول وعمل يزيد وينقص، على ذلك وجدنا كل من أدركنا من عصرنا بمكة والمدينة والشام والكوفة.

منهم: أبو بكر الحميدي وعبد الله بن يزيد المقري في نظائرهم بمكة. وإسماعيل بن أبي أويس وعبد الملك بن عبد العزيز الماجشون ومطرف بن عبد اليساري في نظائرهم بالمدينة. ومحمد بن عبد الله الأنصاري والضحاك بن مخلد وسليمان بن حرب وأبو الوليد الطنافسي وأبو النعمان وعبد الله بن مسملة في نظائرهم بالبصرة. وعبيد الله بن موسى وأبو نعيم وأحمد بن عبد الله بن يونس في نظائرهم كثير بالكوفة. وعمر بن عون بن أويس وعاصم بن علي بن عاصم في نظائرهم بواسط. وعبد الله بن صالح كاتب الليث وسعيد بن أبي مريم والنضر بن عبد الجبار ويحيى بن عبد الله بن بكير وأحمد بن صالح وأصبغ بن الفرج في نظائرهم بمصر. وابن أبي إياس في نظائرهم بعسقلان. وعبد الأعلى بن مسهر وهشام بن عمار وسليمان بن عبد الرحمن وعبد الرحمن بن إبراهيم في نظائرهم بالشام. وأبو اليمان الحكم بن نافع وحيوة بن شريح في نظائرهم بحمص. ومكي بن إبراهيم وإسحاق بن راهويه وصدقة بن الفضل في نظائرهم بخرسان،

كلهم يقولون (الإيمان القول والعمل ويطعنون على المرجئة وينكرون قولهم) [75].

وفي هذا القدر إن شاء الله كفاية من كلام الأئمة الذين لا يستوحش بذكرهم، في ذم هذا المذهب و ذم من قال به، مع ما كان عليه الكثيرون منهم من علم وفضل و ديانة، فأين مرجئة اليوم من مرجئة الأمس بصدقهم وخشوعهم وورعهم ونصرتهم للدين وجهادهم في سبيل الله ومفارقتهم للظلمة، وكيف لو أدرك السلف ما نحن عليه اليوم؟

فحري بمن قرأ هذه الورقات أن يكون حذرا على دينه منهم وأن يجتنب هذه البدعة وأهلها حق الاجتناب، حتى لا تصيبه عدواهم، ولا يغتر بما هم عليه من علم أو عبادة ماداموا على هذه الحال من السكوت عن الطواغيت أو مناصرتهم والذب عنهم، فإنه يَخشى على نفسه أن يضل كما ضلوا، والمرء على دين خليله، فكم من مؤلف في الإرجاء والتحذير منه صار يرى أن الدخول في البرلمانات الشركية لا شيء فيه! وأن مناصرة الصليبيين في حروبهم علينا معصية دون الكفر! تبعا لشيوخه وأقرانه، وكم منهم قد عادى إخوانه ووضع يده في يد المشرعين من دون الله ليرقع باطلهم وهم لا يرقبون فيه إلا ولا ذمة ويتربصون به الدوائر.

فلا تغتر بأسمائهم و ألقابهم وكثرة مريديهم، فليسوا هم بأكثر علم وعبادة من سلفهم في الضلالة، والأولى هجر دعاتهم واجتناب الصلاة وراءهم بل و ترك كلامهم و سلامهم حتى يتوبوا، تأسيا بمن سلف.

واعرف - وفقني الله وإياك - أهل السنة الحق وناصرهم وانصرهم وكثر سوادهم وادفع عنهم ماداموا على ما كان عليه سلفنا الصالح عسى الله أن يكتبنا معهم، واسأل الله الثبات وحسن الخاتمة فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء و قد كان أكثر دعائه صلى الله عليه وسلم: (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك).

وما أحسن ما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في هذا، حيث قال: (فالله الله يا إخواني، تمسكوا بأصل دينكم، أوله وآخره وأُسه ورأسه شهادة أن لا إله إلا الله، واعرفوا معناه وأحبوها وأحبوا أهلها واجعلوهم إخوانكم ولو كانوا بعيدين، واكفروا بالطواغيت وعادوهم وابغضوهم وأبغضوا من أحبهم أو جادل عنهم أو لم يكفرهم أو قال ما علي منهم أو قال ما كلفني الله بهم، فقد كذب هذا على الله وافترى، فقد كلفه الله تعالى بهم وافترض عليه الكفر بهم والبراءة منهم ولو كانوا إخوانهم وأولادهم، فالله الله يا إخواني تمسكوا بذلك لعلكم تلقون ربكم وأنتم لا تشركون به شيئاً . اللّهم توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين).

نسأل الله جل وعلى أن يرنا الحق حقا ويرزقنا أتباعه و أن يرنا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه وأن يتوفنا على سنة نبيه غير مبدلين، وللأهواء مجانبين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


[كتبه إيمانا واحتسابا راجي عفو ربه؛ أبو عبد الله التونسي | 3 / 8 / 1425 هـ]


---------------------------------
[1] رواه عبد الله بن أحمد 1/312 - 324 الآجري 3/680 واللالكائي5/ 1063 وابن بطة 1/377.
[2] رواه عبد الله بن أحمد1/341 واللالكائي5/ 1061 وابن بطة 1/377
[3] رواه عبد الله بن أحمد 1 / 323 وابن بطة 1/377
[4] رواه أبو عبيد 34 وعبد الله بن أحمد 1/314 الآجري 3/681 واللالكائي5/1062 وابن بطة 1/378
[5] رواه عبد الله بن أحمد 1/326 وابن بطة 1/378
[6] رواه عبد الله بن أحمد 1/328 واللالكائي5/1062 وابن بطة 1/379
[7] رواه عبد الله بن أحمد 1/328 واللالكائي 5/1062 وابن بطة 1/379
[8] رواه عبد الله بن أحمد 1/333
[9] رواه عبد الله بن أحمد1/313 والخلال3/562 و الآجري 3/678 واللالكائي5/1061 وابن بطة 1/378
[10] رواه عبد الله بن أحمد 1/313 و الآجري 2/678 وابن سعد 6/274 وابن بطة 2/376
[11] رواه عبد الله بن أحمد1/337
[12] رواه عبد الله بن أحمد1/313 وابن سعد 6/274 واللالكائي5/1061
[13] رواه عبد الله بن أحمد1/341
[14] رواه عبد الله بن أحمد1/335
[15] رواه عبد الله بن أحمد 1/327 وابن بطة 1/379 واللالكائي5/1061
[16] رواه عبد الله بن أحمد 1/365
[17] رواه الآجري 3/678 وابن بطة 1/379
[18] رواه عبد الله بن أحمد 1/327
[19] رواه اللالكائي 5/1060
[20] رواه عبد الله بن أحمد 1/382 و اللالكائي 5/1024 وابن بطة 1/340 ويأتي بتمامه
[21] رواه عبد الله بن أحمد 1/318 والخلال واللالكائي 5/1073 وابن بطة 1/378
[22] رواه اللالكائي5/1064
[23] رواه عبد الله بن أحمد1/318 - 345 والآجري 3/682 و اللالكائي5/ 1064 وابن بطة 1/376
[24] رواه أبو عبيد34 والآجري 3/676 وابن بطة 1/376
[25] أورده الذهبي في السير 5/233
[26] رواه عبد الله بن أحمد1/318 - 345 والآجري 3/682 و اللالكائي5/1064 وابن بطة 1/376 وقد تقدم
[27] رواه عبد الله بن أحمد1/189
[28] رواه اللالكائي 5/1075
[29] رواه عبد الله بن أحمد1/312 والآجري 3/682 و اللالكائي 5/1064 وابن بطة 1/376
[30] رواه اللالكائي 5/1064
[31] رواه عبد الله بن أحمد 1/190
[32] رواه اللالكائي 5/1075
[33] رواه عبد الله بن أحمد 1/190
[34] رواه اللالكائي 5/1075
[35] أورده الذهبي في السير 8/320
[36] رواه اللالكائي 5/1064
[37] رواه عبد الله بن احمد1/311 والخلال 3/563 والآجري 3/681 وابن بطة 1/385 و اللالكائي 5/1075
[38] رواه اللالكائي 5/1067
[39] رواه عبد الله بن أحمد 1/199
[40] رواه عبد الله بن أحمد1/222
[41] رواه اللالكائي 5/1064
[42] رواه اللالكائي 5/1067
[43] رواه عبد الله بن أحمد 1/312 والآجري 3/683 واللالكائي 5/1066 وابن بطة 1/377
[44] رواه عبد الله بن أحمد 1/334 والخلال 3/585
[45] رواه اللالكائي 5/1067 وقد تقدم
[46] رواه اللالكائي 5/1067
[47] أورده الذهبي في السير 8/285
[48] رواه عبد الله بن أحمد1/336
[49] رواه عبد الله بن أحمد1/214
[50] رواه عبد الله بن أحمد 1/347
[51] رواه عبد الله بن أحمد1/374
[52] رواه البخاري في خلق أفعال العباد ص15
[53] رواه عبد الله بن أحمد 1/232 وابن بطة 1/385
[54] رواه الطبري في تهذيب الآثار 2/181
[55] رواه عبد الله بن أحمد 1/348
[56] رواه اللالكائي 5/1067
[57] رواه عبد الله بن أحمد 1/123
[58] رواه الخلال 3/599
[59] ذكره الذهبي في السير 9/436
[60] ورده الذهبي في السير 13/36
[61] رواه اللالكائي 5/957 والخلال 3/587
[62] رواه الخلال 3/569
[63] المسائل والرسائل 2/370
[64] المسائل والرسائل 2/370
[65] المسائل والرسائل 2/371
[66] المسائل والرسائل 2/371
[67] المسائل والرسائل 2/371
[68] رواه الخلال 3/570
[69] رواه الخلال 3/570
[70] رواه الخلال 3/571
[71] رواه الخلال 3/599
[72] رواه اللالكائي 5/959
[73] رواه أبو عبيد34 وعبد الله بن أحمد 1/326 واللالكائي 5/1050 وابن بطة 1/386
[74] رواه عبد الله بن أحمد 1/382 و اللالكائي 5/1024 وابن بطة 1/340
[75] رواه اللالكائي 5/1035
---------------------------
رد مع اقتباس
  #55  
قديم 03-05-2016, 08:16 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة البكداشية .. طريقة جمعت الخبثين معا الصوفي والشيعي

البكداشية .. طريقة جمعت الخبثين معا الصوفي والشيعي*
ــــــــــــــــــــــــــــ

25 / 5 / 1437 هــ
5 / 3 / 2016 م
ــــــــــــ






البكداشية طريقة صوفية نشأت فرقة دينية سرية في القرن الثالث عشر الهجري أسسها محمد بن إبراهيم أتا ويسمى بـ "الحاج الولي بكداش " المتوفي في عام 1336م، وهي شديدة الارتباط بعلويي تركيا لحد أنهما يمكن اعتبارهما فئة واحدة تشكل ثقافة واحدة يطلق عليها الثقافة والأفكار العلوية وتطورت حتى أصبحت خليطا من عدة طرق صوفية مثل القلندرية واليسوية والحيدرية.
وكما هو الحال في جميع الطرق الصوفية وفي الشيعة معا أنهم يعلنون – كذبا وافتراء - أن طريقتهم الوحيدة هي طريقة أهل البيت عليه رضوان الله، فيقول أحمد سري (شيخ مشايخ الطريقة)، الطريقة العلية البكتاشية هي طريقة أهل البيت الطاهر رضوان الله عليهم أجمعين، وقد انحدرت أصولها من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وعن أولاده وأحفاده إلى أن وصلت إلى مشايخنا الكرام، يداً بيد وكابراً عن كابر، وعنهم أخذنا مبادئ هذه الطريقة الجليلة " [1].
مراسم الدخول في الطريقة
الغريب أن هذه الطريقة تشابه النصرانية أيضا، فقبل دخول المريد فيها يلزمه التعميد وهو ما يسمى عندهم بالعهد لدخول الطريقة، وله نظام خاصة فيقرا المريد أبياتا معينة من الشعر في التكية ثم يقول اللهم صل على جمال محمد، وكمال علي والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ثم يقول:
جئت بباب الحق بالشوق سائلًا.. مقرًا به محمدًا وحيدرًا [2]
وطالب بالسر والفيض منهما .. ومن الزهراء وشبير [3]
وبعد أن يقرأ الشيخ على الطالب آية البيعة في القرآن الكريم يقول الطالب هذه الأبيات:
وبالحب أسلمت الحشا خادمًا لآل العبا[4].. وملاذي هو الحاج بكتاش قطب الأوليا!!
وبعدها يبدأ إذلال المريد بالعمل كخادم في التكية كأن يكون ساقيًا للقهوة أو فلاحًا، أو خادمًا للضيوف أو طباخًا أو غيره [5].
مراتب الطريقة البكتاشية:
وقسم أرباب هذه الطريقة المنتسبين إلى طريقهم على النحو التالي حسب درجاتهم:
1- العاشق: وهو الذي يحب الطريق ويعتنق مبادئها وتسيطر عليه الروح البكتاشية، وله رغبة في الانضمام إلى الطريقة، ويكثر من الحضور إلى التكية ويسمع ما يدور بها. ويرشحه الشيخ ليكون في المنزلة التالي وهي درجة الطالب.
2- الطالب: وهو الذي يعلن رغبته في الانضمام ويرشحه الشيخ لذلك ليتقبل الإقرار، ويعطي العهد. وتقام له حفلة بذلك.
3- المحب: وهو الطالب الذي انتسب إلى هذه الطريقة بعد حفلة الإقرار والبيعة.
4- الدرويش: الذي يتبحر في آداب الطريقة وعلومها ويلم بأركانها ومبادئها. ويهب نفسه للخدمة العامة فيها.
5- البابا: وهي درجة المشيخة ولا يصل إليها الدرويش إلا بعد مدة طويلة حيث يكون قد عرف الرموز الصوفية وأحاط بها..
6- الددة: وهو الخليفة، ولا يمنح هذه المنزلة إلا شيخ المشايخ ويكون هذا رئيسًا لفرع من فروع الطريقة في مصر.
7- الددة بابا: شيخ المشايخ وينتخب من بين الخلفاء وهو المدير العام لشئون الطريقة في العالم وهو الذي يعين البابوات وله حق عزل المشايخ." [6]
المغالاة في تعظيم الشيخ
كعادة الصوفية يغالي البكداشية في شيوخهم، فالشيخ في العادة لا يجلس مع المريدين، ولا يزار إلا أذن بذلك ، ولا يزوره المريد إلا بصحبة الدرويش المختص.
وللشيخ عندهم آداب وقواعد في الدخول عليه، منها أنه على المريد أن يخلع حذاءه ويدخل مطأطئ الرأس ويقف على بعد خطوات منه ويقرأ:
وجهك مشكاة وللهدى منارة ** وجهك لصورة الحق إشارة!!
وجهك الحج والعمرة والزيارة ** وجهك للطائعين قبلة الإمارة
وجهك القرآن الموجز العبارة !!
وبعد ذلك يتقدم المريد فيقبل يد الشيخ ثم يعود بظهره بضع خطوات ولا يجلس حتى يأذن له الشيخ بالجلوس وعند الوقوف أمام الشيخ لا بد من مراعاة ما يلي:
1- أن يضع إبهام القدم اليمنى فوق اليسرى.
2- وضع اليدين على الصدر فوق السرة!! [7]
فلسفة الطريقة
يرى بعض البحاثة أن الطريقة البكتاشية، هي مزيج من عقيدة وحدة الوجود،. وقد وضع الحاج بكتاش كتاباً سماه (مقالات) اتبع فيه فكرة الاثني عشرية والتولي والتبرئة، وهي من مصطلحات الشيعة.
مواطن انتشارها
انتشرت البكتاشية في تركيا واتصلت بفرقة الأنكشارية العسكرية التركية. وقد سار السلطان أورخان التركي (1326 – 1389م) مع فرقة الإنكشارية إلى الحاج بكتاش، وطلب منه أن يباركها فوضع الشيخ يده على رأس أحد جنودها ودعا لهم قائلاً : (فليكن اسمهم إنكشارية)، اللهم اجعل وجوههم بيضاء وسيوفهم فواصل، ورماحهم قاتلة، واجعلهم منتصرين قاهرين لأعدائهم. ومن هنا سمى الإنكشارية أنفسهم بالبكتاشية، وتوثقت العرى بين الطريقة البكتاشية، وأقوى فرقة جيش في تركيا حينها، بل وفي السلطة العثمانية. وكانت التكايا البكتاشية المنتشرة في أرجاء السلطة العثمانية موئلاً للإنكشارية، وكان لكل ثكنة عسكرية إنكشارية مرشد بكتاشي، كما أقيمت تكية بكتاشية قرب كل معسكر للإنكشارية، وبذلك تسلطت البكتاشية على الإنكشارية تسلطاً تاماً إلى أن قضى السلطان محمود الثاني على نفوذ أتباع هذه الطريقة ومشايخها على الإنكشارية والدولة عام 1826م، لكن أتباعها أخذوا بنشرها في صفوف الشعب التركي ومنها انتشرت في دول كثيرة منها ألبانيا ومصر حيث توجد التكية البكداشية منذ زمن.
الأوراد البكتاشية التي تثبت شيعيتها :
الورد البكتاشي يبدأ بذكر لله ثم للرسول ثم لعلي ثم لفاطمة ثم للحسن ثم للحسين ثم لعلي زين العابدين ثم الباقر، وهكذا إلى الإمام الثاني عشر عند الشيعة ثم الإعلان أن الذاكر بهذا الذكر متول للشيعة، بريء من جميع أهل السنة، ثم بعد ذلك ورد خاص في لعن الصديق أبي بكر رضي الله عنه وكل من رضي وتابع له، ثم في النهاية إشهاد الله أن الخلفاء بعد الرسول هم الأئمة الاثنا عشر دون غيرهم.
وهذه بعض نصوص هذه الأوراد البكتاشية.
1- اللهم صل وسلم وزد وبارك على السيد المطهر، والإمام المظفر والشجاع الغضنفر إلى شبير وشبر- قاسم طوبى وسقر [8].
2- اللهم صل وسلم وزد وبارك على السيدة الجليلة الجميلة الكريمة النبيلة المكروبة العليلة ذات الأحزان الطويلة!! في المدة القليلة المعصومة المظلومة، الرضية الحليمة، العفيفة السليمة، المدفونة سرًا، والمغصوبة جهرًا، المجهولة قدرًا، والمخفية قبرًا، سيدة النساء الأنسية، الحوراء البتول العذراء، أم الأئمة النقباء النجباء فاطمة التقية الزهراء عليها السلام
وهذا عين ما يقوله الشيعة في الدس والطعن واتهام الصحابة رضوان الله عليهم بظلم فاطمة رضي الله عنها وغصبها، وادعاء العصمة المطلقة لها.
3- اللهم صل وسلم وزد وبارك على السيد المجتبى والإمام المرتجى سبط المصطفى وابن المرتضى علم الهدى.. الشفيع ابن الشفيع المقتول بالسم النقيع - المدفون بأرض البقيع.. الإمام المؤتمن.. والمسموم الممتحن.. الإمام بالحق أبي محمد الحسن " [9].
4- ولابد للبكتاشي أن يلعن الصحابة وخصوصا الشيخين رضي الله عنهما " "اللهم العن أول ظالم ظلم حق محمد وآل محمد وآخر تابع له على ذلك"[10] وبالطبع هم يعنون بذلك الصديق أبا بكر رضي الله عنه وكل مسلم رضي بولايته إلى يوم القيامة!!
وبهذا يتضح التلازم والتطابق بين التصوف والتشيع في هذه الطريقة، التي تعتبر همزة الوصل بينهما لعبور الفكر الشيعي الباطني إلى ديار الإسلام، فلاشك أن التصوف كان المعبرة الرئيسية التي عبرت بها كل الفلسفات وكل أشكال الإلحاد والزندقة والتخريف إلى العالم الإسلامي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ
[1] الرسالة الأحمدية في تاريخ الطريقة البكتاشية ، تأليف أحمد سري بابا شيخ تكية أبي عبد الله المناوري ص69
[2] وحيدر هو سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه
[3] وشبير المقصود علي بن أبي طالب أيضًا
[4] آل العبا يعنون بهم أهل الكساء وهم علي وفاطمة والحسن والحسين والعباس
[5] يراجع الرسالة الأحمدية في تاريخ الطريقة البكتاشية
[6] الرسالة الأحمدية
[7] الرسالة الأحمدية ص74
[8] شبير: هو لقب يطلقونه على علي لأنه كان قصيرًا دون الربعة. ومعنى أنه قاسم طوبي وسقر أن له الجنة والنار وهو يدخل من يشاء كيف يشاء فالقسمة إليه
[9] الرسالة الأحمدية ص83
[10] الأحمدية ص90



ـــــــــــــــــــــــــ
*{التأصيل للدراسات والبحوث}
ــــــــــــــــ
رد مع اقتباس
  #56  
قديم 03-06-2016, 08:05 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة الأزارقة.. الوجه القاتم للغلو والتكفير

الأزارقة.. الوجه القاتم للغلو والتكفير*
ـــــــــــــــــــ

26 / 5 / 1437 هــ
6 / 3 / 2016 م
ـــــــــــــ







إذا كانت آراء وأفكار الخوارج من أكثر الآراء والأفكار انحرافا عن منهج أهل السنة والجماعة, فإنَّ فرقة الأزارقة المنبثقة عن الخوارج هي الوجه الأكثر غلوا والأشد تطرفا في مسألة التكفير التي يحتاط السلف الصالح فيها احتياطا شديدا. ومن هنا فإنَّ إلقاء الضوء على هذه الفرقة الشديدة الانحراف عن منهج أهل السنة والجماعة يكشف الكثير من الحقائق عن أصول الفكر المتطرف الذي ابتليت به أمة الإسلام منذ عهد ظهور الخوارج وحتى يومنا هذا, كما يظهر الآثار الكارثية له على مدى قرون من الزمان، ناهيك عن أن تناول هذا الفكر بالنقد والتحليل يُبصّر المسلمين بحقيقة هذا الفكر, وينبه إلى خطورته وانحرافه عن جادة الحق والصواب.

والأزارقة فرقة من فرق الخوارج، سميت باسم زعيمها نافع بن الأزرق الحنفي. ظهرت بعد أن فارق الخوارج عبدالله بن الزبير بسبب مخالفته لهم الرأي في بعض المسائل، وعلى رأسها الرأي في عثمان -رضي الله عنه. وهي من أشد فرق الخوارج ترفا في التكفير والغلو.

النشأة والتأسيس:
---------

يذكر علماء التاريخ أن بداية ظهور الأزارقة كان في النصف الثاني من القرن الأول الهجري، وكانت بداية ظهورها بعد أن فارق الخوارج عبدالله بن الزبير الذي قدموا عليه من مكة، وقاتلوا معه الحُصينَ بن نُمير السكوني قائد جيش الشام، فلما مات يزيد بن معاوية، وبعد أن امتحن الخوارج ابن الزبير وتبين لهم خلافه لرأيهم خرجوا عنه سنة 64هـ، فخرجوا من مكة إلى جهتين هما:
البصرة: وممن توجه إليها نافع بن الأزرق، وعبدالله بن الصفار السعدي، وعبدالله بن إباضي، وحنظلة بن بيهس، وبنو الماحوز عبدالله وعبيدالله بن الزبير.

اليمامة: وممن توجه إليها أبو طالوت، وعبدالله بن ثور أبو فديك، وعطية الأسود اليشكري.
فأما أهل البصرة فقد أمروا عليهم نافع بن الأزرق؛ وأقام بالبصرة إلى أن خشي من أهلها، فخرج إلى الأهواز وتبعه أتباعه إلى هناك.

وأما أهل اليمامة فولوا عليهم أبا طالوت ثم خلعوه وولوا عليهم نجدة بن عامر.
وعندما خرج أهل البصرة لقتال الخوارج خرج نافع بن الأزرق منها إلى الأهواز, التي غلبوا عليها وعلى كورها وما وراءها من بلدان فارس وكرمان في أيام عبدالله بن الزبير، وقتلوا عماله بهذه النواحي, واستقر لهم الأمر فيها. وقد استطاع نافع بن الأزرق من استقطاب العديد من الرجال والمؤيدين. وسمي الذين أخذوا برأيه الأزارقة، وكانت غالبيتهم من تميم, وهذا يعود لأنه كان يتمتع بصفات مميزة وشخصية قوية مكنته من قيادة أكثر فرق الخوارج تطرفا[1].

أبرز الشخصيات:
-------------

نافع بن الأزرق: بن قيس الحنفي، البكري الوائلي، الحروري، أبو راشد. رأس الأزارقة وإليه نسبتهم، كان أمير قومه وفقيههم. وهو من أهل البصرة. صحب في أول أمره عبدالله بن عباس -رضي الله عنه، وله أسئلة رواها عنه. قال الذهبي: مجموعة في (جزء) أخرج الطبراني بعضها في مسند ابن عباس -رضي الله عنه- من المعجم الكبير.

كان هو وأصحاب له من أنصار الثورة على عثمان -رضي الله عنه. ووالوا عليا -رضي الله عنه، إلى أن كانت قضية (التحكيم) مع معاوية -رضي الله عنه، فاجتمعوا في "حروراء"، وهي قرية من ضواحي الكوفة، ونادوا بالخروج على علي. وعرفوا لذلك هم ومن تبع رأيهم (بالخوارج). وكان نافع -صاحب الترجمة- يذهب إلى سوق الأهواز، ويعترض الناس بما يحير العقل كما يقول الذهبي.[2]
كان شديد الجرأة في انتقاص بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وعلى رأسهم عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبدالله بن عباس وغيرهم -رضي الله عنهم أجمعين. وفي تاريخ الطبري الكثير من هذه الجرأة المنبوذة.[3]

يعد نافع بن الأزرق من مشاهير الخوارج. فقد كان هو وفرقته السبب في تشعب آراء الخوارج على هذا النحو. فهو أول من فتح أبواب الخلاف بين الخوارج بتلك الأحداث التي بينها صاحب كتاب (الأديان) بقوله: "ولم يزالوا على ذلك -أي على الاتفاق- إلى أن مرق عليهم نافع بن الأزرق, فشتت كلمتهم, وفرق جماعتهم, وخالف أمرهم, وحاد عن اعتقادهم... وتتابعت الخوارج وافترقت إلى ستة عشرة فرقة بفرقة أهل الاستقامة"؛ ويقول عن مخالفة نافع لما عرف عند الخوارج من اعتقاد: "إنه أول من خالف اعتقاد أهل الاستقامة، وشق عصا المسلمين وفرق جماعتهم. انتحل الهجرة, وسبى أهل القبلة, وغنم أموالهم, وسبى ذراريهم, وسن تشريك أهل القبلة, وتبرأ من القاعد ولو كان عارفا لأمره تابعا لمذهبه، واستحل استعراض الناس بالسيف، وانتحل المهجرة وحرم مناكحتهم وذبائحهم وموارثتهم، وابتدع اعتقادات فاسدة وآراء حايدة، خالف فيها المسلمين وأهل الاستقامة في الدين"[4].
قُتِلَ نافع في سنة خمس وستين، في شهر جمادى الآخرة، عندما اشتدت المعركة بينه وبين جيش أهل البصرة بقيادة مسلم بن عبيس ابن كريز بن ربيعة -في ناحية الأهواز, الذي جهزه عامل البصرة من قبل عبد الله بن الزبير عبد الله بن الحارث الخزاعي. وبعد قتل نافع في هذه المعركة ولى الخوارج أمرهم قطري بن الفجاءة الذي انشقت عليه الأزارقة فيما بعد.[5]

قطري بن الفجاءة (توفي 78 ه- 697 ه): أبو نعامة، ابن الفجاءة، واسمه جعونة ابن مازن بن يزيد الكناني المازني التميمي. من رؤساء الأزارقة "الخوارج", من أهل "قطر" بقرب "البحرين". كان خطيبا فارسا شاعرا. استفحل أمره في زمن مصعب بن الزبير، لما ولي العراق نيابة عن أخيه عبدالله. وبقي قطري ثلاث عشرة سنة يقاتل ويسلم عليه بالخلافة وإمارة المؤمنين, والحجاج بن يوسف يسير إليه جيشا بعد جيش، وهو يردهم ويظهر عليهم, وكانت كنيته في الحرب أبا نعامة، ونعامة فرسه، وفي السلم أبا محمد.
اختلف المؤرخون في مقتله، فقيل: عثر به فرسه، فاندقت فخذه فمات، وجئ برأسه إلى الحجاج, وقيل: توجه إليه سفيان بن الأبرد الكلبي، فقاتله وقتل في المعركة بالري أو بطبرستان.[6]

أهم آرائهم الاعتقادية:
---------------

تتفق بعض آراء الأزارقة الاعتقادية مع آراء فرق الخوارج بشكل عام, لكونها فرقة من فرق الخوارج على كل حال, كالخروج على جماعة المسلمين وإمامهم, وتكفير بعض الصحابة الكرام، وعلى رأسهم علي بن أبي طالب، بسبب مسألة التحكيم, وتكفير مرتكب الكبيرة سواء كفر نعمة أو كفر اعتقاد... الخ.
إلا أن الأزارقة تمتاز عن غيرها من فرق الخوارج بأنها الأشد غلوا وتطرفا في آرائها, والأكثر تكفيرا للمسلمين من بين فرق الخوارج, والأسوأ معاملة للمسلمين من حيث انتهاك دماءهم وأموالهم وأعراضهم لأتفه الأسباب والحجج الواهية.

وقد ذكر الشهرستاني في كتابه "الملل والنحل" بعض آرائهم الاعتقادية الشاذة، ومنها:
تكفيرهم لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه, وزعمهم أن الله تعالى أنزل في شأنه: ((ومِن النَّاسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا ويُشهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلبِهِ وهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ))، البقرة: 204؛ كما أنهم يصوبون فعل عبدالرحمن بن ملجم الذي قتل علي بن أبي طالب غيلة, ويزعمون أن الله أنزل بشأنه: ((ومِن النَّاسِ مَن يَشرِي نَفسَهُ ابتِغَاءَ مَرضَاتِ اللهِ واللهُ رَءُوفٌ بِالعِبَادِ))، البقرة: 207. وقد نقل الشهرستاني شعرا نسبه لعمران بن حطان -مفتي الخوارج وزاهدها وشاعرها الأكبر- يمتدح فيه ضربة ابن ملجم لعلي رضي الله عنه, مؤكدا أنه على هذه البدعة مضت في الأزارقة.
تكفيرهم عثمان وطلحة والزبير وعائشة وعبدالله بن عباس -رضي الله عنهم، وسائر المسلمين معهم، وتخليدهم في النار جميعا.

تكفيرهم القعدة، وهم الذين قعدوا عن قتال من رأوا وجوب قتاله، وهم أول من أظهر البراءة منهم، وإن كانوا موافقين لهم على دينهم.
أباحوا قتل أطفال المخالفين لهم ونساءهم, زاعمين أن الأطفال هم أيضا مشركون, بل ومخلدون في النار مع آبائهم.

إسقاطهم لحد الرجم عن الزاني المحصن, إذ يزعمون أنه ليس في القرآن ذكر له.
إسقاطهم لحد القذف عمن قذف المحصنين من الرجال مع وجوب الحد على قاذف المحصنات من النساء.
يزعمون أنه يجوز أن يبعث الله تعالى نبيا يعلم أنه يكفر بعد نبوته أو كان كافرا قبل البعثة.
يزعمون أن من ارتكب كبيرة من الكبائر فهو كافر كفر ملة, ويخرج بذلك عن الإسلام جملة, بل ويكون مخلدا في النار مع سائر الكفار. واستدلوا بكفر إبليس وقالوا: ما ارتكب إلا كبيرة, حيث أُمر بالسجود لآدم -عليه السلام- فامتنع, وإلا فهو عارف بوحدانية الله تعالى.[7]

بعض مسائل ابن الأزرق مع ابن عباس:
----------------

لزعيم الأزارقة بعض المحاولات للانتقاص من حبر الأمة عبدالله بن عباس -رضي الله عنه, من خلال بعض الأسئلة التي تشير إلى أنها تهدف إلى التعجيز وإظهار النقص, أكثر من كونها مجرد أسئلة للتعلم ومعرفة الحق, وقد ذكر الطبري بعض تلك المسائل التي تشير إلى مدى الغلو والتطرف الذي وصل إليه الأزارقة في تأويل آيات القرآن الكريم تأويلا فاسدا. ومن تلك المسائل:
ما أورده الطبري عن عكرمة أن نافع بن الأزرق قال لابن عباس: تزعم أن قوما يخرجون من النار، وقد قال الله عزَّ وجل: ((ومَا هُم بِخَارِجِينَ مِن النَّار))، البقرة: 167, قال ابن عباس: ويحك اقرأ ما فوقها هذه للكفار.[8]

وذكر الطبري عن ابن عيينة عن عمرو قال: أخبرني من سمع ابن عباس يخاصم نافع بن الأزرق، فقال ابن عباس: الورود الدخول, وقال نافع: لا فقرأ ابن عباس: ((إِنَّكُم ومَا تَعبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُم لَهَا وارِدُونَ))، الأنبياء: 98, أورود هو أم لا؟! وقال: ((يَقدُمُ قَومَهُ يَومَ القِيَامَةِ فَأَورَدَهُمُ النَّارَ وبِئسَ الوِردُ المَورُودُ))، هود: 98, أورود هو أم لا؟! أمّا أنا وأنت فسندخلها فانظر هل نخرج منها أم لا, وما أرى الله مخرجك منها بتكذيبك. قال فضحك نافع –استهزأ.[9](9)

والحقيقة أن أمثال هذه المسائل اشتهرت بين أهل العلم، وهي منثورة في تراجم أبواب صحيح البخاري معلقة عن ابن عباس -رضي الله عنه، وهي من جهة الإسناد ليست قوية. وهي كثيرة جدا لا يمكن إيرادها في هذا التقرير؛ ويكفي المثالين السابقين كنموذج عنها.
وقد روى الطبراني عن قصة هذه الأسئلة في (المعجم الكبير)، عن الضحاك بن مزاحم الهلالي قال: خرج نافع بن الأزرق ونجدة بن عويمر في نفر من رؤوس الخوارج حتى قدموا مكة, فإذا هم بعبدالله بن عباس قاعدا قريبا من زمزم..، وإذا ناس قيام يسألونه عن التفسير.. فقال له نافع بن الأزرق: ما أجرأك يا بن عباس على ما تجريه منذ اليوم؟ فقال له ابن عباس: ثكلتك أمك يا نافع وعدمتك ألا أخبرك من هو أجرأ مني؟! قال: من هو يا ابن عباس؟ قال: رجل تكلم بما ليس به علم و رجل كتم علما عنده. قال: صدقت أتيتك لأسألك. قال: هات يا بن الأزرق فسل... [10](10).

وبغض النظر عن اختلاف العلماء في الحكم على الخوارج عامة -ومنهم الأزارقة، بين من كفرهم ومن توقف عن تكفيرهم, فإنَّ الجميع مجمعون على جواز قتالهم بل وجوبه, ناهيك عن إجماعهم على غلوهم وتطرفهم الشديد في الدين, وبدعتهم التي تعتبر من أشد البدع في الإسلام.

-----------------------------------
[1] الملل والنحل، للشهرستاني: ج1/118.
[2] الأعلام، للزركلي: ج7/351.
[3] تاريخ الطبري: ج6/228.
[4] كتاب الأديان (ص97)، نقلا عن كتاب: الخوارج تاريخهم وآراءهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها، غالب العوجي: ص199.
[5] تاريخ الطبري: ج5/613، والكامل لابن الأثير: ج4/195.
[6] الأعلام للزركلي: ج5/200- 201.
[7] الملل والنحل: ج1/118.
[8] تاريخ الطبري: ج6/228.
[9] تاريخ الطبري: ج16/108.
[10] المعجم الكبير، للطبراني: ج10/248، برقم: 10597.

---------------






ــــــــــــــــ
*{التأصيل للدراسات والبحوث}
ـــــــــــــ
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الميدان, الميسرة, المعاصرة, الموسوعة, والمذاهب, والأحزاب


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
لماذا تتعثر الثورات في بلاد الطوائف والمذاهب والقبائل؟ Eng.Jordan مقالات وتحليلات مختارة 0 02-29-2016 09:38 AM
الأسباب الميسرة لقيام الليل _2_ صابرة شذرات إسلامية 1 06-26-2015 08:18 AM
الأسباب الميسرة لقيام الليل ! صابرة شذرات إسلامية 0 06-21-2015 10:38 AM
إسرائيل بيتنا والأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب بسبب خلافات مع نيتانياهو يقيني بالله يقيني أخبار الكيان الصهيوني 0 05-11-2012 05:40 AM
الاراء والمذاهب الفكرية عن الطبيعة البشرية وموقف الاسلام منها محمد خطاب الكاتب محمد خطاب ( فلسطين) 0 01-23-2012 12:30 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 05:55 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59