#1  
قديم 11-20-2015, 07:45 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,134
ورقة تـسـلـط الإعـلام


تـسـلـط الإعـلام
ـــــــــــ

(د. إيهاب عويص)
ــــــــــ

8 / 2 / 1437 هــ
20 / 11 / 2015 م
ـــــــــــ

الإعـلام 819112015102916.png

منذ بداية الإسلام برسالته الشاملة بدأ الصراع بين الحق والأباطيل على اختلاف مشاربها، ولكن طوال التاريخ الإسلامي لم ينجح أعداء الاسلام الخارجيين، على قوتهم وكثرتهم وشقاقهم، ولا الداخليين، على تلونهم وغدرهم وخيانتهم، في النيل من أمته ولا إستباحة بيضتها مثلما يحصل الآن في زمننا الحاضر. بالطبع هناك أسباب كثيرة أخذ بها أعدائنا حتى تحققت لهم هذه النتيجة المؤسفة، ولكن المتتبع لتاريخنا يجد أنهم قد أخذوا بنفس هذه الأسباب في الماضي مراراً وتكراراً دون أن تحقيق هذا النجاح الحالي، ولا حتى الاقتراب منه. فما الذي استجد مؤخراً؟ أنه الإعلام. الإعلام، الذي أصبح انتشاره وتسلطه بل وتغوله هو سمة هذا العصر بلا منازع.

لن نضيع الوقت في تبيان ما لوسائل الإعلام المتعددة، خصوصاً المرئية منها، من تأثير هائل على الناس، حتى أضحت المصدر الأساسي، وأحياناً، الوحيد، للمعلومات، ولا في إثبات أن المتحكمين بهذه "الصناعة" عالمياً هم من أعداء الإسلام، ولا في ضرب الأمثلة على أن وكلائهم المحليين، رغم معرفتهم بذلك، قلما يخرجون عن الخطوط العريضة لتوجهاتهم. فتلك أمور جلية لم تعد تخفى على أحد، ولكننا سنكتفي في هذا المقال باستعراض ثلاثة من أهم تلك الأسباب، وما أضفاه عليها الإعلام من إشهار زاد من فعاليتها، وعلا بها، وأعطاها قوةً وزخماً لم يكونوا ليتوفروا لها في السابق:
رسخ الإعلام الغربي صورة نمطية عن المسلم بشكل عام تتكون من ثلاث محاور رئيسية هي: الإرهاب والشبق الجنسي والتخلف الحضاري، وتكرر ذلك بشكل شبه حرفي في كثير من وسائل إعلامنا المحلي، ولكن خُص به المسلم المتدين. هذه الصورة عن المسلمين ليست جديدة، ونراها واضحة في أدبيات أعدائنا في القرون الماضية، ولكنها لم تكن تتمتع بمصداقية معتبرة، ولم تحظى بانتشار واسع، خاصة مع ما يراه الناس من جرائم مروجي هذه الأكاذيب التي تفوق ما اتهمونا به.

فأما بالنسبة للتخلف الحضاري فلا مجال هنا في إثبات عظمة حضارتنا الإسلامية المشهود لها من كافة المنصفين، ولا لمقارنة قصر فترة تكونها، وطول فترة استمرارها، مع بقية الحضارات التي تطلبت مئات من السنين لتتكون ثم انهارت في سنوات قليلة، فهذا المجال قد سبقنا فيه الكثيرون. كما لن نتطرق لمقارنة نسب الشذوذ الجنسي أو حالات الإغتصاب أو الأمراض الجنسية أو انتشار الدعارة بين مجتمعاتنا وبقية المجتمعات وبالذات الغربية، فذلك واضح أيضاً وضوح الشمس. ومهما تفننت الأفلام والمسلسلات والبرامج الفضائية والأخبار المنتقاة وتحليلاتها في صناعة أكاذيب وأنصاف حقائق لتغييب الحقائق الكاملة، فهي لن تخدع إلا البسطاء، ولن يصدقها إلا من يريد تصديق ذلك فعلاً لحاجة في نفسه.
سنتحدث هنا عن الإرهاب بالذات. فقد سيطر هذا "الوهم" على العالم بأسره، وأصبح من المسلمات، حتى صدقه كثير من المسلمين أنفسهم للأسف الشديد. متناسين تسامح ديننا وتعصب أديان متهِمينا على مر العصور، ومقارنة النصوص التي يُفهم منها الدعوة إلى الإرهاب، بزعمهم، في قرآننا الكريم، مع النصوص الداعية إلى الإرهاب صراحة في كتبهم المقدسة الحالية، وبالذات في العهد القديم بالنسبة للمسيحيين، أو التوراة بالنسبة لليهود. والتي كانت الأساس لحروبهم الدينية، وإبادة شعوب برمتها، واستعباد شعوب أخرى. ومتناسين كذلك محاكم التفتيش والكنائس التي ازدانت بفخر بآلاف من جماجم معارضيها، كتلك الكنيسة التي لا تزال قائمة في التشيك إلى يومنا هذا مزخرفة بأربعين ألف هيكل عظمي. وأن أكثر الحروب دموية وهمجية على مر التاريخ، وحتى في زمننا الحالي، والتي أسفرت عن ملايين الضحايا، قد قامت بها دولهم لا دولنا الإسلامية. بما فيها إستيطانهم للأمريكيتين، وحربيهما العالميتين وحروب إستعمارهم للعالم الثالث، وكثير قبلها وبعدها. وكذلك سبقِهم وتفننهم بل وتفردهم في صناعة الأسلحة ووسائل الدمار الشامل.

لقد أصبح الإعلام من القوة والهيمنة بحيث يمحو من الذاكرة الجماعية كل هذه الملايين من الضحايا، ويركز على مئات هنا وعشرات هناك وآحاد هنالك. وحتى أحداث ١١ سبتمبر على تفردها من حيث الضخامة العددية بين العمليات الإرهابية المرتبطة بالمسلمين (هذا على فرض أن مخططيها بل وحتى منفيذيها كانوا من المسلمين فعلاً) فإن عدد ضحاياها قد بلغ ٢٨٢٣ مدنياً فقط. بينما بلغ عدد الضحايا المدنيين للحرب التي شنتها الولايات المتحدة بسببها على أفغانستان وباكستان والعراق، في العشر سنوات الأولى فقط، إلى ١.٣ مليون قتيل على الأقل، ويمكن أن يكون مليوني نسمة. وذلك بناءً على تقرير من ٩٧ صفحة من قبل أطباء حاصلين على جائزة نوبل للسلام، أصدرته منظمة "أطباء من أجل المسئولية الاجتماعية" في واشنطن، منتقدةً التلاعب والتزوير الذي اختصر هذا الرقم إلى عدة مئات من الآلاف فحسب. ووفقاً لتقرير آخر أصدرته "جامعة شمال كارولاينا" عام ٢٠١٤، فإنه منذ الحادي عشر من سبتمبر حتى موعد إجراء الدراسة (حوالي ١٣ سنة) كان عدد القتلى بأمريكا في عمليات إرهابية ارتبطت بمسلمين ٣٧ شخصاً فقط، بينما قُتل في نفس الفترة الزمنية ما يقرب من ١٩٠ ألف شخص في عمليات وحوادث إرهابية ارتبطت بغير مسلمين. وهناك تقرير آخر صادر عن "اليوروبول" وهو أعلى مؤسسة أمنية أوروبية، استند إلى سجلات الـ "أف.بي.آي" (مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي) بَين أن ٦٪ فقط من الهجمات الإرهابية داخل الولايات المتحدة من سنة ١٩٨٠إلى سنة ٢٠٠٥ نُفذت بأيدي إسلاميين متطرفين، أما الـ٩٤٪ الباقية من الهجمات فقد نفذتها مجموعات أخرى؛ فـ٢٤٪ نفذتها مجموعات من أميركا اللاتينية، و٢٤٪ نفذتها مجموعات يسارية، و٧٪ نفذها يهود متطرفون، و٥٪ نفذها شيوعيون، و١٦٪ نفذتها جميع المجموعات الأخرى. كما أن نسبة الهجمات الإرهابية في أوربا التي يمكن أن تنسب إلى إسلاميين كانت ٠.٤٪ بينما ٩٩.٦٪ نفذتها مجموعات غير إسلامية، منها مجموعات انفصالية لا صلة لها بالإسلام إطلاقا بنسبة ٨٤.٨٪ والنسبة الباقية قامت بها المجموعات اليسارية. وكما هي العادة فمثل هذه التقارير تُنشر لمرة واحدة فقط، ثم يُعتم عليها إعلامياً إلى الأبد، وبعد ذلك تأتي حادثة كهجوم" شارلي ابيدو" (والذي بالمناسبة تحوم الشكوك أيضاً حول منفذيه، وأخطاء غبية قادت إلى اكتشافهم بعد كل هذا التخطيط، ومقتلهم قبل التحقيق معهم) فتقوم قيامة الدنيا لمقتل إثني عشر شخصاً. وستستضيف وسائل الإعلام خبيراً تلو آخر ليُعلم الناس كيف يمكن أن يوقفوا المسلمين عن قتل المزيد منهم، بالرغم من أن أياً منهم أقرب إلى الموت بواسطة ثلاجة تسقط على رأسه من أن يُقتل بواسطة إرهابي مسلم، حسب تعبير الكاتب السياسي الأمريكي "دين عبيد الله". إنه الاستغباء بعينه.

في الماضي قيل أنه من الممكن خداع بعض الناس لبعض الوقت، ولكن من المستحيل خداع كل الناس لكل الوقت. في عصرنا الحالي نُقضت هذه المقولة من أساسها بواسطة المتحكمين بـ"صناعة الكذب" وآلتهم الإعلامية الضخمة التي تستطيع التعتيم على بعض الأمور وتسليط الضوء على أمور أخرى، توجيه العامة نحو مزاج بعينه وصرف أنظارهم عن أمزجة أخرى، تضخيم حوادث معينة وتقزيم حوادث أخرى، بل ونشر أكاذيب من المستحيل تصديقها في الأحوال العادية، ثم مناقشتها من كافة الجوانب وتحليلها وتكرار ذلك ليلاً نهاراً وبصور إعلامية متعددة بما فيها وسائل الترفيه والتسلية، حتى تصبح من المسلمات، أو على الأقل أمراً واقعاً. ولكن هل تسلُط الإعلام في عصرنا الحالي يقتصر على هذا المجال فحسب؟

------------------------------
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الإعـلام, تـسـلـط


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 07:49 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59