#1  
قديم 04-05-2017, 02:04 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي مقدمة في التنمية الاقتصادية


مقدمة في التنمية الاقتصادية

اقتصاديات التنمية Development Economics فرع يانع جديد وشيق من فروع علم الاقتصاد، الذي يركز على دراسة أسباب التخلف وسبل الخروج منها باتباع إستراتيجيات وسياسات معينة. كما يهتم هذا العلم بالتخصيص الأمثل لموارد الإنتاج النادرة ونموها مع مرور الزمن، فضلا عن دراسة الترابط بين البنى الاقتصادية و السياسية والاجتماعية وكيفية تغيير هذه البنى بما يسمح بحدوث تحسنات مستمرة في مستوى المعيشة و القضاء على الجهل والتخلف.
يقال بأن آدم سميثAdam smith يعد أول كتاب أو اقتصاديي التنمية من خلال مؤلفه "ثروة الأمم"1776، إلا أن الكتابات المنظمة في مجال التنمية الاقتصادية لدول العالم الثالث ومشكلاتها لم تظهر بالفعل إلا قبل حوالي ستين عام، وبالتحديد منذ مولد العالم الثالث وبحصول العشرات من المستعمرات على استقلالها السياسي في الخمسينات والستينات من القرن الماضي.
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حظي موضوع التنمية باهتمام بالغ سواء على مستوى الشعوب أو الحكومات، وتزايد إحساس الشعوب بانقسام دول العالم إلى بلاد متقدمة وأخرى متخلفة، بلاد غنية تضم أقل من خمس سكان العالم وتحصل على ثلثي الدخل العالمي، وبلاد فقيرة تعيش مأساة التخلف وتضم على مسرحها أكثر من ثلثي سكان العالم بينما يقل نصيبها عن سبع الدخل العالمي، وتتوسط هاتان المجموعتان مجموعة من البلاد متوسطة الدخل تضم أقل من سبع سكان العالم وتحصل على خمس الدخل العالمي. ولما كانت الدول المتخلفة تقع في معظمها في جنوب الكرة الأرضية والمتقدمة معظمها في شمالها، فقد فرق الاقتصاديون بين شمال متقدم وجنوب متخلف، لتزداد أهمية التنمية للدول المتخلفة والتي يطلق عليها تأدبا الدول النامية، والتي تسعى إلى عبور فجوة التخلف وتأمل في تخطيها للإلحاق بركب التقدم.
أصبح العالم يعي أكثر من السابق أن معظم الحروب والثورات في عصرنا هذا يرجع إلى وجود فجوة التخلف السحيقة التي تفصل "الذين يملكون" عن "الذين لا يملكون". أصبحت المشكلات التي تواجه الدول النامية في سعيها الدؤوب لتحسين مستوى معيشة شعوبها، وتطوير اقتصادياتها والنهوض بها لمواكبة عجلة التقدم الاقتصادي العالمي من أهم التحديات التي تواجه حكومات هذه البلاد منذ حصولها على استقلالها السياسي.
شهد عقد السبعينات تغيرات جذرية في مفهوم التنمية، حيث أصبح أكثر شمولا من مجرد الزيادة في الدخل والناتج القومي الإجمالي، لكون التنمية بذلك المفهوم الضيق لم تعد كافية لحل المشكلات المزمنة التي تعاني منها الدول النامية والمتمثلة في الفقر والبطالة وسوء توزيع الدخل. بدأ التحول إلى التنمية الشاملة وتبني سياسات هادفة تتمثل في إزالة الفقر والبطالة وتحقيق العدالة في توزيع الدخل القومي، لتصبح هذه الأهداف هي المعايير الحقيقية للحكم على مدى نجاح وفشل السياسة الإنمائية لأي بلد. ويؤكد الاقتصادي الباكستاني "محبوب الحق" بأن التنمية يجب أن تعني توسيع خيارات كافة أفراد المجتمع في جميع الحقول الاقتصادية والسياسية والثقافية، كما أن التنمية بدون عدالة في توفير الفرص للجميع تعني تحديد الخيارات لكثير من الأفراد في المجتمع.
بعد أن أخفقت الدول النامية في تحقيق طموحاتها في مجال التنمية خلال عقد السبعينات، جاء عقد الثمانينات ليقضي على معظم الآمال بسبب التغيرات الجذرية التي طرأت على المسرح العالمي على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، والتي تسببت بإلحاق أضرار كبيرة بهذه البلدان مما أدى بكثير من الكتاب المهتمين بقضايا التنمية والعلاقات الدولية بوصف هذه الحقبة الزمنية "العقد الضائع". فعلى الصعيد الاقتصادي شهد الاقتصاد العالمي خلال النصف الثاني من عقد الثمانينات فترة ركود اقتصادي استمرت حتى أوائل عقد التسعينات. أما على الصعيد السياسي، فقد جاء تفكك الاتحاد السوفيتي في أوائل عقد التسعينات وتحول جمهورياته وبلدان أوروبا الشرقية من الاقتصاد المخطط مركزيا إلى اقتصاد السوق ليشكل ضربة قوية إلى القوة التساومية التي كانت تتمتع بها البلدان النامية في علاقاتها الدولية.
اشتدت المشكلات التي تواجه العالم النامي حدة منذ أوائل التسعينات نتيجة الديناميكية السريعة للأحداث الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وزيادة الضغوط التي تواجه هذه الدول من قبل المنظمات الدولية والرامية إلى وجوب تقليص دور القطاع العام في النشاط الاقتصادي وتحرير الاقتصاديات النامية من كافة أشكال القيود وبالتالي فتح أسواقها أمام المنافسة الخارجية. كما وقد شهد العالم الغربي تحولات على الصعيدين الاقتصادي والسياسي كان من نتائجها تدعيم هيمنة البلدان المتقدمة على الاقتصاد العالمي، فتحقيق دول أوروبا الغربية لوحدتها الاقتصادية والسياسية، واستكمال الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك لاجراءاتهم لاتفاقية التجارة الحرة، فضلا عن تكثيف الجهود اليابانية ودول جنوب شرق آسيا لتكوين تجمع اقتصادي مواز، كلها تحولات أضعفت من قوة الدول النامية وانعكست في صورة تراجعات في معدلات النمو الاقتصادي وزيادة أعباء المديونية.
وآزاء كل تلك التطورات السياسية والاقتصادية السريعة على الساحة الدولية كان لزاما على الدول النامية أن تعيد النظر في سياسيتها الإنمائية ومحاولة التكيف بصورة أقوى مع الأوضاع الاقتصادية الدولية الجديدة أو ما يعرف بالعولمة وثورة المعلوماتية، فلم تعد التنمية قضية اقتصادية فحسب إنما أضحت قضية حضارية تتداخل فيها عوامل البيئة السياسية والاجتماعية وجميع عوامل النهضة الحضارية. ونظراً لزيادة المضطردة لحاجة الإنسان للعديد من السلع والخدمات الأساسية منها والكمالية،وغير ذلك من الدوافع التيتدعو ضرورة الأخذ بالتخطيط نهجاً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول المتقدمة وبصورة أوضح في الدول النامية.
وعلى ذلك فسوف نحاول في هذه المادة التعرف على ماهية التنمية الاقتصادية والتخطيط الاقتصادي والتوصل إلى إجابات لأسئلة أساسية نلخصها في التالي:-

·من هم الفقراء؟ و لماذا يعيشون في فقر؟ ولماذا تتسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء وعلى الدوام؟.

·ماذا نعني بالعالم الثالث؟ وما هي مشاكله؟

·كيف يتم النمو ؟ ومن هم المستفيدون محليا ودوليا؟

·ما هي حقيقة "التنمية"؟ وما هي النظريات والمبادئ المفسرة لها؟.

·ما هي العقبات التي تواجه الدول النامية؟ ما الاستراتيجية الأنسب لتنمية هذه الدول؟.

·هل للدول النامية القدرة على مواجهة التحديات العالمية المعاصرة ؟

·ما هي السياسات الكفيلة بحل مشاكل تلك الدول؟

·كيف يكون التخطيط الاقتصادي أداة فعالة لتحقيق التنمية؟


ماهية التنمية الاقتصادية

ــــــــــــ
بذلت الكثير من المحاولات لتحديد لمفهوم التنمية، حتى غدا هذا المفهوم من المفاهيم الشائعة لدى الأفراد أو الهيئات، هذا بعد أن تعددت مفاهيمها لدرجة أحدثت نوع من الخلط بينها وبين مفاهيم أخرى كالتطور والتقدم والنمو الاقتصادي. ويعد الاقتصادي "شومبيتر" أول من حاول التمييز بين النمو الاقتصادي والتنمية. فالنمو يحدث عادة بسبب نمو السكان والثروة والادخار، في حين أن التنمية تنتج من التقدم والابتكار التقنيين، وأن النمو يتمثل في حدوث تغيرات كمية في بعض المتغيرات الاقتصادية. أما التنمية فتتضمن حدوث تغيرات نوعية في هذه المتغيرات. ويتضح من ذلك أن النمو الاقتصادي يسبق التنمية وهو ظاهرة تحدث في المدى القصير، في حين أن التنمية لا تحل إلا على المدى الطويل، ولا يمكن الحكم عليها إلا بعد مضي فترة زمنية طويلة نسبيا.
وعلى ذلك نخلص إلى أن النموGrowth هو عملية زيادة تلقائية ثابتة مستمرة وتطور بطئ تدريجي يحدث في جانب معين من جوانب الحياة، أما التنمية Development فعبارة عن عملية تحقيق زيادة تراكمية متعمدة ودائمة تحدث عبر فترة من الزمن و تحتاج إلى دفعة قوية عن طريق جهود منظمة تخرج المجتمع من حالة الركود والتخلف إلى حالة التقدم والنمو. ويشير تقرير الأمم المتحدة إلى أن مشكلة البلاد المتخلفة ليست في حاجتها إلى مجرد النمو، وإنما في حاجتها للتنمية سواء الاجتماعية أو الاقتصادية بالأسلوب الكيفي والكمي.
جاء في تعريف هيئة الأمم المتحدة لعام 1956م أن التنمية هي العمليات التي يمكن بها توحيد جهود المواطنين والحكومة لتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات المحلية، ولمساعدتها على الاندماج في حياة الأمة والمساهمة في تقدمها بأقصى قدر مستطاع. هذا في حين يتفق كل من "سلتز" و "روستو" W. Rostow على اعتبار أن التنمية تكون بتخلي المجتمعات المتخلفة عن السمات التقليدية السائدة فيها، وتبني الخصائص السائدة في المجتمعات المتقدمة.
ويذكر "ماير" Meier أن التنمية عملية تفاعلية يزداد خلالها الدخل الحقيقي للدولة خلال فترة معينة، ويتفق معه "بولدوين" Boldwin في ذلك، ولكنه يضيف أن تحقق التنمية يتطلب توافر معدلات عالية من النمو في قطاعات اقتصادية واجتماعية وسياسية أخرى. ويشير سيد عويس إلى أن تنمية المجتمع تكون باشتراك أعضاء المجتمع انفسهم في الجهود التي تبذل لتحسين مستوى المعيشة في محيطهم بعد تزويدهم بالخدمات والمعونات اللازمة لمساعدتهم وبأسلوب يشجع على المبادرة والاعتماد على النفس والمشاركة الإيجابية، ويلزم لذلك أن يتميزوا بدرجة عالية من التعاون فيما بينهم. في حين يضيف عاطف غيث تعريفا آخر للتنمية يرى فيه أنها التحرك العلمي المخطط لمجموعة من العمليات الاجتماعية والاقتصادية ، تتم من خلال ايدلوجية معينة لتحقيق التغيير المستهدف، من أجل الانتقال من حالة غير مرغوب فيها إلى حالة مرغوب الوصول إليها.
أما "نيتل" و"روبرتسون"Nettle & Robertson فقد عرفا التنمية بأنها "العملية التي بمقتضاها تسعى الصفوف القومية بنجاح نحو الحد من انخفاض مكانة أممهم، والتحرك نحو مساواة هذه الأمم بالأمم الأخرى التي تحتل مكانة مرموقة".
ومما سبق نشير إلى أن مفهوم التنمية يتمثل في كونها "عمليات مخططة وموجهة في مجالات متعددة تحدث تغييرا في المجتمع لتحسين ظروفه وظروف أفراده من خلال مواجهة مشكلات المجتمع وإزالة العقبات وتحقيق الاستغلال الأمثل للإمكانات والطاقات، بما يحقق التقدم والنمو للمجتمع والرفاهية والسعادة للأفراد".
ماهية التخطيط الاقتصادي

ــــــــــــــ
لما لم يكن علم الاقتصاد وليد الصدفة،إنما هو نتاج تطورات أجيال وتجارب إنسانية على مر العصور،فإن التخطيط الاقتصادي جاء بالتالي نتاج لتلك التطورات. تعودجذور التخطيط إلي أيام الإغريق، وبالتحديد في عهد أفلاطونالذي اشار بشكل غير مباشر لمفهوم وعملية التخطيط من خلالجمهوريته الفاضله. ولقد كانت قبل ذلك مصر الفرعونية مركز الإشعاع الحضاري وعلي مسيرة آلاف السنين، وليس منا من لا يعرف قصة نبي الله يوسف بن يعقوب مع عزيز مصر، فطبقاً لما جاء في العقد القديم بدأ يوسف عليه السلام تخطيط اقتصاد مصر وهو في الثلاثين من عمره حينما استدعاه الفرعون وجعله وزيراً للاقتصاد والمالية، وأعطاه صلا حيات مطلقه في إدارة اقتصاد البلاد. وفي ظل التقدم العلمي الملحوظ حينذاك تمكن يوسف عليه السلام من وضع خطة توزيع دقيقه قائمه علي حصر السكان الأحياء خلال الـ 14عاماً محل الخطة الموضوعه بأسلوب لايختلف كثيراً عما عما يدرس حالياً في نظرية الاحتمالات .. كما خصص لكل فرد حصته السنوية ونصيبه اليومي من المؤن على أساس ما يعرف اليوم بحد الكاف. كل ذلك يدل على أن العالم القديم عرف الأزمات الاقتصادية وتمكن من تطبيق نظام الطوارئ والتخطيط الاقتصادي لعلاج تلك الأزمات.
أما عن التخطيط الاقتصادي في الإسلام فقد هدف إلى أن يجد مل مسلم ما يكفيه من مال، فحرم الربا وأمر بالزكاة، ولم يكن هناك حاجة لتخطيط اقتصادي دقيق بمفهومه المعاصر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين لأسباب عديدة، لعل من أهمها أن ما كان يصل إلى المسلمين من الغنائم أكثر من حاجتهم وحاجة المسلمين. أما أول مثل للتخطيط في الدولة الإسلامية فكان في عهد الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث استبقى ريع الأراضي الزراعية التي حصل عليها المسلمون من فتوحاتهم كمورداَ ثابتاً للدولة بجانب الزكاة والخراج. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"ليس أحد أحق بمال الدولة من أحد ولا أنا أحق به من أحد، للرجل وقدمه في الإسلام وللرجل وبلاءه وللرجل وحاجته. والله لو طال بي العمر لجعلت راعي الغنم في جبال صنعاء يستلم حقه من هذا المال وهو يرعى غنمه" . كما و خصص رضي الله عنه أرض الحمى فاستحدث بذلك أول قطاع عام للدولة الإسلامية. ومن اجتهاداته رضي الله عنه في التخطيط الاقتصادي خطته لحفر قناة لأمير المؤمنين لتسهيل نقل الغلال من مصر إلى الحجاز والتي تربط بين نهر النيل والبحرالأحمر( قناة السويس حالياَ).
تطورت فكرة التخطيط خلال الحرب العالمية الأولى في ألمانيا من جهة وفرنسا وبريطانيا من جهة أخرى. واتخذ التخطيط أسلوباً لإدارة دفة الحرب، وتعبئة الموارد الاقتصادية لتجهيز الجيوش وإمدادها بما تحتاجه من جيوش وعتاد ومؤن وذخائر. واعتبر التخطيط في الدول الرأسمالية حينئذ وسيلة مؤقتة لتنظيم عملية تحول الاقتصاد القومي من ظروف السلم إلى ظروف الحرب. وما أن انتهت الحرب العالمية الأولى، حتى عصفت بالنظام الرأسمالي أزمة الكساد الكبير (1929-1932)، ففي تلك الفترة، انخفضت مستويات الإنتاج والاستهلاك والدخل، وارتفعت مستويات الأسعار، وتكدست السلع في المخازن والمستودعات، مما أدى إلى تسريح العمال وانتشار البطالة والفقر. وأدت هذه الأزمة إلى زعزعة الثقة بالنظام الاقتصادي الحر، الذي اعتمد على فكرة التوازن التلقائي. وتبين أن اليد الخلفية التي تحدث عنها آدم سميث في كتابة ثروة الأمم غير كافية لضمان النمو والاستقرار والاستخدام الكامل للموارد الاقتصادية. كما تبين فشل قانون المنافذ الذي تحدث عنه ساي، والذي ينص على أن المنتجات تخلق الطلب عليها، أو العرض يخلق الطلب الخاص به.
جاءت أفكار الاقتصادي البريطاني جون مينرد كينز في كتابة الشهر المنشور عام 1936"النظرية العامة للفائدة والتوظف والنقود" لتناقض أفكار الفكر الاقتصادي الكلاسيكي بالتركيز على جانب الطلب بدل العرض. واقترح كينز للخروج من أزمة الكساد زيادة الإنفاق العام وضرورة تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، والتخطيط لزيادة حجم الطلب الفعال الذي يعيد النشاط والفعالية ويحرك عجلة الاقتصاد.
حلت الحرب العالمية الثانية لتحول اقتصاديات الدول من اقتصاديات السلم إلى اقتصاديات الحرب مرة أخرى. وهنا دعت الحاجة إلى قيام الدول بانتهاح أسلوب التخطيط تماما كما حدث في الحرب الأولى. وما أن حطت الحرب أوزارها حتى سارعت الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم مساعداتها لدول أوروبا الغربية لإعادة تعمير ما دمرته الحرب، وذلك من خلال ما عرف بخطة مارشال Marshal plan لمواجهة مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية والنهوض باقتصادياتها. وكان لزاما على الدول أن تنتهج أسلوباً تخطيطياَ لتقدير احتياجات إعادة التعمير (فرنسا وبريطانيا عام 1946).
وبانتهاء الحرب العالمية الثانية قسمت دول العالم إلى ثلاث مجموعات: دول العالم الأول وهي الدول الصناعية الرأسمالية (الاقتصاد الحر) ودول العلم الثاني وهي الدول الصناعية الاشتراكية (التخطيط المركزي)، ودول العالم الثالث وهي الدول الفقيرة المختلفة. وقد قامت عدة دول من الدول النامية وبمساعدة المنظمات الدولية بانتهاج أسلوب التخطيط الاقتصادي لرفع معدلات النمو الاقتصادي وتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية.
ارتبط مفهوم التخطيط الاقتصادي بدول الكتلة الشرقية والتي اعتمدت اسلوب التخطيط المركزي كنظام بديل لنظام السوق الذي ساد في الدول الرأسمالية. وعليه ساد الاعتقاد بأن انهيار الاتحاد السوفيتي في بداية التسعينات يعد نهاية للتخطيط الاقتصادي غير أن الواقع هو أنه ليس هناك ترادف بين التخطيط والاشتراكية أو بين عدم التخطيط والرأسمالية، حيث أن التخطيط الاقتصادي غير مقصور على الدول الاشتراكية بل هو ضرورة لأي دولة يعجز فيها نظام السوق وحده عن تحقيق التنمية المستدامة بالصورة المطلوبة.
التخطيط والمشكلة الاقتصادية:
كما سبق ودرسنا في مبادئ الاقتصاد أن هناك حاجة إنسانية تتحول إلى رغبة تتطلب الإشباع،وهناك وسائل كفيلة بإشباع هذه الرغبات. هذه الوسائل هي الموارد الاقتصادية Economic resources والمتمثلة في الموارد الطبيعية والبشرية والرأسمالية التي تستخدم في أنتاج السلع والخدمات المختلفة. وتتميز الموارد بأنها نادرة ومحدودة بالنسبة لكثرة الحاجات، ومعيار الندرة هو وجود ثمن لتلك الموارد، وعليه تسمى موارد اقتصادية تمييزا لها عن الموارد الحرة التي لا ثمن لها والتي توجد في الطبيعة بكميات كبيرة، ولا يبذل الإنسان أي جهد للحصول عليها، كالشمس والهواء ومياه البحر. كما تعرفنا على ماهية المشكلة الاقتصادية والمتمثلة في محدودية الموارد الاقتصادية المتاحة أمام الحاجات الإنسانية متعددة وغير محدودة، في حين أن الموارد المتاحة لإشباع هذه الحاجات محدودة مقارنة بالحاجة إليها، فإن المشكلة الاقتصادية تكون مشكلة "ندرة مطلقة Scarcityومشكلة "اختيار"choice. والندرة بالنسبة للحاجة إليها، ولحكمة أرادها الله عز وجل. ولحل المشكلة الاقتصادية يستوجب على المجتمع أن يجيب على ثلاثه أسئلة هي: ماذا ينتج؟ وكيف ينتج ؟ولمن ينتج؟. وتختلف الإةجابة على التساؤلات السابقه من مجتمع لاخر تبعاً لظروفه ومرحلة نمو وتطور وتبعاً للنظام الاقتصاديه المتبع، وهل هو نظام اقتصادي رأسمالي؟ أم نظام اقتصادي إسلامي؟.
في نظام السوق (النظام الرأسمالي) المتمتع بالمنافسه الكاملة ينتج المجتمع السلع والخدمات التي يفضلها المستهلكون. ويتم مزج عناصر الإنتاج واستخدامها وتحديد أساليب الإنتاج بما يحقق أعلى مستويات إنتاجة بأقل التكاليف الممكنة. هذا ويتم توزيع الإنتاج حسب دخول عناصر الإنتاج والمتحددة وفقاً لتفاعل قوى العرض والطلب في السوق (حسب الندرة النسبية). اما نظام الاقتصاد المخطط فينتج المجتمع تلك السلع والخدمات التي يحتاجها المجتمع ككل، بحيث تقوم هيئة تخطيطيه عليا باختبار أساليب الإنتاج المناسب بما يحقق أقل تكلفة إنتاجية. ويتم توزيع الإنتاج حسب الجهد المبذول من المشاركين في العملية الإنتاجية ووفق قرارات السلطة التخطيطية العليا. وكما يعتقد البعض، فإن أحد النظامين السابقين حصرياً غير وارد من الناحية العملية، حيث تمزج كل دولة بين النظامين وبدرجات متفاوتة. ولا يمكن الفصل بين النظامين قطعياً او إحلال أحدهما محل الآخر، فكما ان السوق يلعب دوراً مهماً في الاقتصاديات المخططة، فإن تدخل الدولة وتخطيط الاقتصادي لهما دورهما المهم في اقتصاديات السوق.
مفهوم التخطيط الاقتصادي:
التخطيط أو ما يعرف بالتخطيط القومي National planning هو نظام جديد لم يؤخذ به إلا في العشرينات من القرن الماضي، حيث لفتت الحربان العالميتان الأنظار لأهمية التخطيط سواء لكسب الحرب، أو لتعمير ما دمرته الحرب. ويرجع الفضل في استخدام اصطلاح التخطيط - كما أشرنا مسبقا- إلي النمساوي كريستان شويندر في مقال له عن النشاط الاقتصادي نشر في عام 1910م، ولم يكتسب اللفظ شهرته إلا بعد عام 1928 عندما بدا الاتحاد السوفيتي في استخدام التخطيط كأسلوب لتنظيم اقتصاده القومي.
التخطيط كما قال جواهر لال نهرو هو "ممارسة ذكية للتفاعل مع الحقائق والمواقف كما هي عليه في الواقع وحاولة العثور على حلول لمشاكل القادمة". وسوف نتناول في الأجزاء القادمة من المادة تعريف التخطيط الاقتصادي بشيء من التفصيل.
التخلف الاقتصادي

ـــــــــ
من السهولة بمكان أن نتحدث عن التخلف الاقتصادي، غير أنه من الصعب علينا أن نضع تعريفا شاملا دقيقا لمعنى التخلف. فإذا كان علماء الاقتصاد لم يتوصلوا إلى اتفاق على تعريف علم الاقتصاد، فليس بالأمر الغريب أن يخفقوا في التوصل إلى تعريف موحد لأحد فروعه المسمى باقتصاديات التنمية أو لأحد مفاهيمه"التخلف الاقتصادي". ويرى الاقتصادي الشهير "كوزنيتس"Kuznets التخلف يحمل ثلاثة معان:-
أولا- التخلف يعني عدم الاستفادة من القدرة الإنتاجية التي يتيحها استخدام الطرق الفنية والتكنولوجية الحديثة بسبب المقاومة الشديدة التي تبديها المؤسسات الاجتماعية في وجه مثل هذا الاستخدام.
ثانيا- التخلف يعني ضعف الآداء الاقتصادي في الدولة المتخلفة مقارنة بأكثر الدول تقدما في لحظة معينة.
ثالثا- التخلف حالة الفقر التي يعيشها البلد المتخلف والمتمثلة بعدم قدرته على ضمان الحد الأدنى من الرفاهية المادية لمعظم سكانه.

ويرى كتاب آخرون أن التخلف هو حالة البلدان التي تكون مستويات الإنتاج والدخل فيها أقل بكثير مما تسمح به مواردها برفع مستويات إنتاجها ودخلها أكثر بكثير مما هي عليه، فهي دول فقيرة أو نامية ، لكنها ليست دولا متخلفة. وحسب هؤلاء فإن التخلف يوحي دائما بأن التنمية هي أمر ممكن ومرغوب فيه".
أما الكاتب الفرنسي "ايف لاكوست"Yves Lacoste فيرى في التخلف ظاهرة تاريخية نتجت عن وضع اقتصادي واجتماعي متناقض، فمن جهة نتج عن هذا الوضع نمو سكاني سريع في الدول المتخلفة. في حين أن حالة التخلف لا تسمح بتلبية الحاجات التي تولدت عن النمو السكاني المتزايد. وهكذا يرى "لاكوست" أن هناك معنى داخليا بحت للتخلف، إضافة إلى ما يعنيه التخلف من انخفاض في الإنتاج و الدخل مقارنة بالدول المتقدمة.
وعلى ذلك نقول بأن التخلف حالة مجموعة من الدول تجمعها خصائص مشتركة أهمها: انخفاض مستوى مساهمة القطاع الصناعي في الناتج القومي وفي استخدام قوة العمل، ارتفاع البطالة المقنعة في القطاع الزراعي و الحكومي، انخفاض حجم رأس المال المتاح، بدائية وازدواجية التكنولوجيا المستخدمة، التبعية للخارج، الانفجار السكاني، انخفاض المستوى الصحي والتعليمي، ندرة المنظمين والإداريين الأكفاء، وسيادة قيم اجتماعية ومعنوية بالية..الخ.


الفقراء من مسمى دول العالم الثالث إلى الدول النامية:-

ـــــــــــــــــــــــــــــ

ظهر تعبير "العالم الثالث"The Third World لأول مرة في عام 1952،عندما استخدمه الفرنسي "ألفريد سوفيه" Alfred Sauvy، لتلقى هذه التسمية انتشارا وشيوعا خاصة وأن المقصود بها تلك الدول التي تمثل الطرف الثالث في أي عمليات أو اتفاقات بين العالم الرأسمالي الغني وبين الاشتراكية المخططة مركزيا، وهو اصطلاح يتغلب معه الطابع السياسي على الطابع الاقتصادي. قبل انتشار هذا الاصطلاح كان يطلق على هذه المجموعة اسم البلاد الفقيرةPoor Countries أو البلاد المتأخرةBackward Countries ، لكن سرعان ما اتضح أن هذا الاصطلاح لا يوحي فقط بتأخر هذه الدول اقتصاديا وتكنولوجيا، وانما أيضا اجتماعيا وحضاريا الأمر الذي يحرج شعوب تلك الدول ويجرح مشاعرها، خاصة وأن هذه الشعوب كانت في وقت من الأوقات مهدا لحضارات عريقة مثل الهند ومصر والصين وغيرها.

وعليه تم استبدال هذه التسمية باسم الدول الغير متطورةUndeveloped Countries، ورؤيي تعديلها إلى الدول المتخلفة Underdeveloped Countries محاولة للتخفيف من الأثر السلبي الذي تركه الاصطلاحين السابقين، ولكون علماء الاقتصاد يرون بأن هذا الاصطلاح له إيجابيات مهمة، منها أن الدول التخلفة تعني نسبية مفهوم التخلف والتقدم، أي أن وجود دول متخلفة مرتبط بوجود دول متقدمة. هذا وكما أن اصطلاح الدول المتخلفة باللغة العربية أكثر فائدة وايحاء من مقابله باللغة الانجليزية، لكونه يوحى بأن الدول المعنية قد تخلفت عن الركب الحضاري لسبب أو لأخر، ولزمن قد يطول أو يقصر. وعلى الرغم من ذلك فقد ظهر وبسرعة أن وقع هذا المسمى على الدول المعنية لم يكن أفضل مما سبقه، إذا أنه يوحي تقريبا نفس المعنى، أي تخلف هذه الشعوب عن مهد الحضارة اقتصاديا واجتماعيا وتكنولوجيا وحضاريا.
ابتدأ المهتمون بقضايا التنمية باستخدام اصطلاح "الدول الأقل تقدما" Less Developing Countries ليقابله من الجهة الأخرى "الدول الأكثر تقدما"، اعتقادا بأنه مسمى أكثر حيادية علمية، ويعطي نسبية أكثر لمفهومي التخلف والتقدم ممما قبله. ورغم إيجابيات هذا المسمى، إلا أن العددية التي حققتها دول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية على مؤسسات الأمم المتحدة دفعت خبراء هذه الأخيرة إلى استحداث واستخدام اصطلاح"الدول النامية"Developing Countries بهدف الإيحاء الإيجابي بكون هذه الدول سائرة في طريقها للنمو. والواقع أن المشكلة هنا تكمن في أن مسمى "النامية" يكاد يكون مرادفا لمسمى "متقدمة" في اللغة العربية، وليس كما أريد لها في اللغة الانجليزية أن تعني "في طريق النمو". ولكن إذا كان مسمى "الدول النامية" يلقى الترحيب من حكومات و شعوب هذه الدول، فإن التسمية لن تغير شيئا بالنسبة لواقعها.
ويمكن القول بأن الاستخدام السليم للغة يحتم التفرقة بين دول نامية ودول غير نامية، وبين دول متخلفة ودول متطورة، ففي العالم مناطق غير نامية تتسم بالركود لخلوها من الموارد الاقتصادية اللازمة للتنمية بعكس مناطق أخرى تنتج وتمتلك الموارد الطبيعية والبشرية وتفتقر إلى التكنولوجيا المتقدمة، وهناك مناطق تمتلك جميع المقومات التي يمكن من خلالها أن يطلق عليها دول متقدمة.

المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
مقدمة, الاقتصادية, التنمية


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع مقدمة في التنمية الاقتصادية
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
التنمية الاقتصادية المحلية Eng.Jordan بحوث ومراجع في الإدارة والإقتصاد 1 04-04-2017 03:22 PM
التجربة الصينية في التنمية الاقتصادية Eng.Jordan بحوث ومراجع في الإدارة والإقتصاد 0 06-20-2012 12:34 PM
الجودة ودورها في التنمية الاقتصادية Eng.Jordan بحوث ومراجع في الإدارة والإقتصاد 0 06-20-2012 12:22 PM
دور حوكمة الشركات في التنمية الاقتصادية Eng.Jordan بحوث ومراجع في الإدارة والإقتصاد 0 02-27-2012 02:31 PM
التنمية الاقتصادية بين الدولة والقطاع الخاص Eng.Jordan بحوث ومراجع في الإدارة والإقتصاد 0 01-10-2012 12:50 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 04:05 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59