#1  
قديم 01-09-2016, 08:46 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,044
ورقة السنة والجماعة صنوان لا يفترقان


السنة والجماعة صنوان لا يفترقان (كلمات حول الأحداث)
ــــــــــــــــــــــــــــ

(د. عبد الله بن **** الشيخ)
ــــــــــــــ

29 / 3 / 1437 هــ
9 / 1 / 2016 م
ـــــــــ

والجماعة 808012016080600.png

جاءت الشريعة المكرّمة بالحفاظ على ضروريات الناس التي لا بد لهم منها في معاشهم، والفلاح في معادهم (الدين والنفس والعقل والعرض والمال) كما قرّره أئمة الإسلام كالإمام أبي إسحاق الشاطبي في (الموافقات 1/31) وغيره. ودلائل ذلك من أدلة الشرع لا تخفى على طالب الحق، بل هي من العلم الضروري المستفاد من مجموع أدلة لا تنحصر في باب واحد.

وهذه الضروريات أجمعت الشرائع السماوية على رعايتها مِن حيث وجودها، ومِن حيث دفع العوادي عنها مِن تصرفات البشر، ولو كانت تلك العوادي تتلبّس بلباس الخير، أو تتدثّر بدثار المصلحة.
وذلك الإجماع دليل على عراقتها في تحصيل حكمة الوجود الإنساني على هذه الأرض.
على أنّ البشر الأسوياء العقلاء – وإن لم يكونوا من أتباع الديانات السماوية− يبثونها في تشريعاتهم، ويودعونها في دساتيرهم، مع إهمال لبعضها أو مبالغة في البعض الآخر؛ ولكن القدر المشترك بينهم وبين الشرائع الإلهية الحَدَب على رعايتها، والتشوُّف إلى تحقُّقها؛ نظرًاً لما ركزه الله في الفطرة البشريّة من محبة الخير والسعي إليه.

ولكن التحقُّق لهذه المصالح بعيد المنال إن لم يكن المجتمع يفيئ إلى تشريع واضح، وولاية وارفة الظلال، تأخذ على عاتقها بسط ذلك التشريع، والدوران مع غاياته، في منهجية منضبطة تنطلق من التشريع ذاته في أفراده وكلياته، وصُواه ومعالمه.
ومن هنا جاء الجمع بين الأمر بالتمسُّك بالسُّنة مقرونًا بالتمسُّك بالجماعة في كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه المشهور، وفيه: "فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ"، وفي معناه ما أخرجاه في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ؛ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ، وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ"

ومِن اللطيف في هذا السياق ما ثبت عن ابن عباس في "الصحيح" مِن تسمية دار الهجرة -التي تآلفت فيها قلوب المهاجرين والأنصار على السُّنّة، واجتمعوا عليها تحت قيادة نبيهم الأعظم ومن ثم من بعده خلفاؤه الراشدون، ونبذوا ما يخالفها أو يحرف عنها- بدار السُّنّة.

ومن ثم أصبح هذا الاسم (أهل السنة والجماعة) علماً على من تمسك بأمر السنة وأمر الجماعة معاً فلم يفرط في أحدهما بدعوى الحفاظ على الآخر فهما صنوان لا يفترقان، وأصبح حينئذ لزوم السُّنّة والجماعة شعاراً ومعلماً بارزاً من معالم الهدى والحقّ والفوز.

والسُّنّة في لسان الشرع تعني الحق ذاته الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم -وليست منحصرة في العرف الاستعمالي الذي سوغه تنوع العلوم الإسلامية وتفرعها، واقتضته ضرورات التأليف (انظر: مجموع الفتاوى 19/306-307). والجماعة الاجتماع على مَن يقود أمر الأُمّة وإنْ سُمِّي ما سُمِّي؛ خليفة أو مَلِكًا أو سلطانًا أو أميرًا، فالعبرة بحقائق الأمور دون أسمائها وظواهرها، وإنما مراد الشرع الاجتماع على مَن يسوس الناس بسياسة الشريعة الحكيمة؛ أمرًا ونهيًا، وأخذًا وردًّا.
والاقتران بينهما (لزوم السُّنّة والجماعة) في لسان الشرع نصًّا وفحوًى يُظهر ضرورة التلازم الواقعي بينهما في الوجود:

فمن أين للمكلف أن يقوم بدينه.؟
أو يتعبد لربه.؟
أو يؤدي حقوق العباد عليه؟
أويطالبهم بحقه عليهم؟

أو يسهم في بناء مجتمعه ؟ وهو يعيش مرعوب الفؤاد، قلق القلب، مشوش التفكير، يأخذه الخوف من كل مكان، وما هو بآمن، ويختصر آماله في نجاته من اعتداء، واتقائه من توحش، حتى أصبح الزمن في عينيه لا يتجاوز الساعة التي هو فيها.
بل قل لي: هل تحدِّث المكلَّفَ نفسُه أن ينداح في بساط الأرض يدعو إلى دِينه، ويُبشِّر بشريعة ربه، ويُرغِّب الناس في أحكام مِلَّتِه، وهو مِن أُمّة تعيش حياة الفرقة، وتكتوي بنار النزاع؛ ولا تعترضن على هذا بأقوام ذوي بصيرة ينظرون إلى المبادئ ولا يكترثون بالتطبيقات فيؤمنون بالحق من حيث هو حق ولا يكترثون بممارسات البشر الناقصين، فهؤلاء وإن كانوا نِعْمَ الخَلِيْقَة هُمْ ولكنهم في البشر كالشعرة البيضاء في الثور الأسود أو الشعرة السوداء في الثور الأسود ، وليست رسالة الإسلام لهؤلاء فحسب وإنما هي للبشر أجمعينً.

وكما أن النصوص تظهر ضرورة هذا التلازم بين السُّنّة والجماعة مِن حيث الإيجاب، فهي مشتملة على آثار هذا التلازم مِن حيث السَّلب، فما وهت السنة إلا ووجدت الفرقة، وما تضعضعت الجماعة إلا وهجرت السنن وقامت سوق البدع، وإلى ذلك التلازم السلبي يشير قول الحق سبحانه {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]،
وقد حفلت تطبيقات الصدر الأول برعاية هذا التلازم، فأنت تشاهد هذا في أول حادثة بعد موت المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث شغل أصحابه رضوان الله عليهم بأمر الاجتماع قبل أن ينفذوا سُنّة الصلاة والدفن لحبيبهم صلوات الله وسلامه عليه، فسارعوا إلى جمع كلمتهم على رجل منهم يقودهم بكتاب الله، ويدرأ عنهم سُلُوب الفرقة والنزاع قبل أن يواروا جسده الشريف، وما فعلوا ذلك إلا وقد فقهوا من نبيّهم هذا الترتيب بين أحكام الشريعة والتمييز بين مراتب الأعمال، فأصبحوا يُقَدِّمون ما يُقَدِّمون عن علم ويؤخّرون ما يؤخّرون عن فقه. وقد شرع لهم نبيهم أنْ يقدّموا مصلحة الاجتماع على مصلحة تحصيل بعض الأعمال الفاضلة، كما كان منه صلى الله عليه وسلم من ترك إعادة بناء البيت على قواعد إبراهيم عليه السلام خشية التفرُّق الذي ربما حدث في قلوب قريش حينما ترى معالم البيت الذي أعادت بناءه قد تغيرت.

ولا غرو حينئذ أن ترى الصحابي الفقيه ابن مسعود يصلي خلف عثمان أيام مِنَى الصلاة تامّة، وهو يرى أنّ السُّنّة أنْ تصلَّى مقصورة، ولكنه آثر الاجتماع على فضيلة سنة القصر، فترك ما يعتقده سُنّة لما يرجوه مِن الأُلفة، وحينما أراد البعض أن يثير حفيظته ما زاد على أنْ قال: "الخلاف شر"
وطَرْدًا لهذا الأصل الكبير في بناء المجتمع المسلم، جاءت الأحاديث الصحيحة، بل المتواترة عند أهل الحديث في ذم الخوارج -الممزِّقين لرداء الاجتماع بسفك الدماء وأخذ الأموال والخروج بالسيف -، بل وبالأمر بقتالهم، بينما لم يصح مرفوعًا شيء من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في غيرهم مِنَ الفِرَق، وإنما ثبت الذمّ لبعض الفِرَق كالقدرية والمرجئة من كلام الصحابة كابن عمر وابن عباس، كما قرره أبو حفص الموصلي في "المغني عن الحفظ والكتاب" (ص29) وانظر: مجموع الفتاوى (13/35).
وليس هذا تهويناً مِن أمر البدع المخالفة لأمر السُّنّة، حاشا وكلّا، ولكن في ذلك إضاءة إلى دركات الفساد، فبعضها أكثر فسادًا من بعض.

وحقيق بمن هداه الله للحقّ، ونوّر بصيرته بدلائل الشرع، أنْ يكون حريصًا على الأمرين (السنة وللجماعة )، وأن يَحْذَر كل الحذر أنْ يُسهِم في توهينهما بقوله أو فعله أو رأيه؛ فإنما هو البوار حينئذ، والبلاء الذي إذا نزل لم يعرف متى يرتفع، وربما لا يرتفع حتى يهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد.

ونحن ننعم في بلاد الحرمين - حرسها الله - بالسنة والاجتماع ولا يمنع من تقرير هذه الحقيقة ما تراه من نقص هنا أو هناك مما لا يخلو منه فعل البشر، ولا يُسوِّغ ذلك بحال من الأحوال عند من وفقه الله تضعيف أمر السنة أو توهين أمر الجماعة؛ بل ذلك موجب لبذل مزيد من الجهد في التناصح والتعاون والتآلف والتآزر لتعظيم أمر السنة وتقوية أمر الجماعة في موازنة شرعية

تدرك الوَهَاء فتسده
والفتق فترتقه
والضعف فتقويه

في تقوى عميقة ومنهج صحيح وصدق مع الله ونصرة لدينه؛ فإنما تستبقى نعم الله - ومن أجَلّها السنة والجماعة - بالقيام بأمر الحق والعزيمة على الرشد والتواصي على البر (ولو أن أهل القرى ءامنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) اللهم احفظ علينا ديننا واجمع على الحق قلوبنا واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين.

------------------------------------
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
السنة, يفترقان, صنوان, والجماعة


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع السنة والجماعة صنوان لا يفترقان
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
المبتدعة وموقف أهل السنة والجماعة منهم عبدالناصر محمود دراسات ومراجع و بحوث اسلامية 0 09-05-2014 07:33 AM
مشروع : على هذا فلنجتمع // (أصول أهل السنة والجماعة) ابو الطيب شذرات إسلامية 0 09-23-2013 05:22 AM
الرؤى عند أهل السنة والجماعة والمخالفين Eng.Jordan كتب ومراجع إلكترونية 0 04-08-2013 12:54 PM
الإحصاء والتخطيط الاستراتيجي صنوان متلازمان لعملية التنمية Eng.Jordan بحوث ودراسات منوعة 0 03-21-2013 03:09 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 03:38 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59