#1  
قديم 11-22-2015, 08:50 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,159
ورقة إيديولوجية الأساطير الدينية


الصهيونية وإيديولوجية الأساطير الدينية
ــــــــــــــــــ

(د. مصطفى عطية جمعة)
ـــــــــــــ

10 / 2 / 1437 هــ
22 / 11 / 2015 م
ــــــــــــ

إيديولوجية الأساطير ط§ظ„طµظ‡ظٹظˆظ†ظٹط©1.jpg

الصهيونية وإيديولوجية الأساطير الدينية
-----------------------

في تعريف الصهيونية أنها:" حزب سياسي إرهابي يقضي لليهود، وقد اتخذوه ستارا باسم الدين، لتحقيق أطماعهم في فلسطين، وتأسيس دولة إسرائيل، وهو الأداة المنفذة لأغراض الاستعمار والقوى المتعصبة المتوترة ضد العرب، ورغم زعمه بمكانته العالمية، فهو إرهابي محدود بغرض الاستعمار في الشرق الأوسط، وبحجة جمع شمل الصهاينة للاتجاه نحو إسرائيل، والفرق واضح بينه وبين معتنقي الدين الموسوي "[1].

أوجز هذا التعريف طبيعة الصهيونية، تلك الحركة السياسية التي وقفت بشكل رئيس وراء تأسيس دولة إسرائيل، وقد ظهر كيف أنها كانت مرتبطة بأجندة الغرب، وكأنها أحد أذرعته للسيطرة على فلسطين، ولتكون شوكة في ظهر العرب والمسلمين كلما أرادوا نهضة أو وحدة، كما حدد أن هناك كثيرين من اليهود الذين عارضوا الصهيونية، على قناعة منهم أنها تخالف لب العقيدة اليهودية، وتعاليمها، وأنها حرفت وأولت نصوص التوراة، كي تتفق مع أجندتها السياسية، وهذا ما يفسر إحجام جماعات يهودية في مختلف بقاع العالم عن الهجرة إلى إسرائيل.

والمجتمع الصهيوني في إسرائيل ذو بناء صهيوني في جوهره، فبالرغم من أن إسرئيل تزعم أنها مستقلة نسبيا عن الإيديولوجيا (علمانية الطابع)، ولكن العلاقة بينها وبين الصهيونية علاقة قوية، وفريدة. " فكل مجتمع تقريبا يفرز الإيديولوجية التي تسود فيه وتهيمن عليه، لكن الصهيونية إيديولوجية أنشأت مجتمعا. ومن هنا جاءت السمات الفريدة للمجتمع الإسرائيلي، فقد أنشأت الحركة السياسية شعبا، ولم ينشئ الشعب الحركة السياسية " [2].

لقد نسج الصهاينة شبكة كثيفة من الرموز والأساطير من التراث الديني اليهودي وأعطوها مضموناً قومياً، فاختلطت المزاعم الدينية بالحياة السياسية، فعلم إسرائيل أبيض وأزرق: أبيض لون شال الصلاة اليهودي، وتتوسطه نجمة داود الزرقاء وهي رمز للملك داود، ويتحدث النشيد الوطني عن عودة اليهودي إلى وطنه (إسرائيل)، والبرلمان يسمى " الكنيست " وهو اسم ديني قديم بمعنى "مكان الاجتماع "، ويذكرنا بالمعبد اليهودي الذي يطلق عليه " بيت هاكنيست "، فأصبحت إسرائيل شيئا أشبه بالمتحف. والمواطن الإسرائيلي ينظر لفلسطين والشرق الأوسط من منظور الحقوق المطلقة (المقدسة) المستقاة من التوراة والتلمود، التي لا يمكن مخالفتها أو التشكيك فيها [3].

إن الإسرائيليين الذين يعيشون في فلسطين عادوا من شتاتهم بإيديولوجية صهيونية نشأت في أحياء اليهود في أوروبا، وهم يتلقون المعونات من يهود الشتات، والغريب أن التعصب الإيديولوجي يقتل المشاعر الإنسانية، فبعد أن يقوم الطيار الإسرائيلي بغارة جوية على العرب فإنه يعاني من الكوابيس أثناء نومه، ليس بسبب قتل من قتل من الأطفال العرب أثناء الغارة التي قام بها، ولكن بسبب عذابات الأطفال اليهود في " جيتوات " شرق أوروبا في المذابح التي اُرْتكِبَت في الماضي ضد اليهود [4].

فالصهيونية حركة عنصرية قومية، لم تقم في أساسها على البعد الديني، ولكنه دخل إلى أدبياتها في مرحلة تالية. فكما تشير الدراسات التاريخية إلى شخصية بنجامين زئيف هرتزل (1860 - 1904م)، الذي يعد مؤسس الحركة الصهيونية الحديثة، فقد فكّر هرتزل في إيجاد بلد لليهود لحل ما أسماه المشكلة اليهودية في العالم، حيث رأى أن اليهود متعرضون للاضطهاد دائما، وفي مختلف أنحاء العالم، وهذا عائد إلى ممارساتهم الاقتصادية واستغلالهم الناس، غير التجاوزات السياسية، وكان الوطن المقترح دولا عدة منها: " الأرجنتين" لاتساع مساحتها وقلة سكانها، و" أوغندا "، و" فلسطين " وقد استقر عزمه على فلسطين نتيجة ترسخها في الوجدان الديني اليهودي، واتفاقا مع أطماع الدول الأوروبية الكبرى في تقسيم الدولة العثمانية، بوضع كيان غريب وسطها، كما أن ذكر فلسطين بوصفها أرض الوطن الذي يجمع شتات اليهود سيلهب مشاعرهم الدينية، ويدفعهم للهجرة إليه، ودعمه بأموالهم الطائلة [5] وقد قرَّ عزمه على ذلك، وأفصح عنه بقوله: " إن فلسطين هي وطننا التاريخي الذي لا يمكننا نسيانه. ومجرد الاسم هو صرخة عظيمة، لو يعطينا جلالة السلطان (العثماني) فلسطين لكنا نأخذ على عاتقنا إدارة مالية تركيا كاملة مقابل ذلك، ونقيم هناك جزءا من حائط لحماية أوروبا في آسيا يكون عبارة عن حصن منيع للحضارة في وجه الهمجية " [6]. ويجدر بالذكر أن الصهيونية كانت قسمين في زمن هرتزل: الصهيونية السياسية وتسعى لاستعمار أية بقعة في العالم، والصهيونية العملية وتسعى لاستعمار فلسطين. ثم توحدت الحركتان بعدما أقنعت الحكومة البريطانية جناح الصهيونية السياسية بالتخلي عن تصميمهم القديم، فاندمجت الحركتان من أجل استيطان فلسطين، وهذا ما قرره المؤتمر الصهيوني السابع عام 1905م[7].

يذكر أن هناك ثلاثة عوامل تضافرت من أجل تشجيع الاستيطان اليهودي في فلسطين من قبل الحكومة البريطانية وهي: ميزان القوى الأوروبي، وتأمين مصالحها في مصر والعراق المهددتين من قبل فرنسا وروسيا، وطريق العبور الآمن للهند عبر سوريا، فبدأ الاتحاد العجيب بين سياسة الامبراطورية ونوع من الصهيونية المسيحية الأبوية التي تتجلى في السياسة البريطانية فيما بعد [8].

ومن هنا بدأت محاولات هرتزل للاستعانة بالموروث الديني دون تمحيص، وعبر سياسة دبلوماسية هادئة، وبالتحالف مع دول استعمارية كبرى مثل: بريطانيا أولا ثم الولايات المتحدة الأمريكية لاحقا، بدأ تنفيذ هذا المخطط، وكان هرتزل يتمنى قبول الدولة العثمانية منحهم فلسطين في مقابل قيام اليهود بتسديد ديون العثمانيين، وحل مشاكلهم المالية. وبدأت منذ وقتئذ الدراسات اليهودية التي تدعم البعد الديني وإعادة بناء الهيكل، وحفز اليهود على هذا الأساس الديني.

والأبعاد الدينية ظهرت واضحة في فكر " دافيد بن جوريون " مؤسس دولة إسرائيل وزعيمها طيلة خمسة عشر عامًا منذ التأسيس حيث تولى رئاسة الوزراء ووزارة الدفاع مرات عدة، وارتبط اسمه بالتاريخ الإسرائيلي قبل قيام دولته عام 1948، وبعدها، وحتى استقالته من المناصب الرسمية عام 1963م، وقد كان له الأثر الأكبر في تدعيم الدين والأساطير في المعطيات السياسية وكانت خطاباته مزيجا من الدين والسياسة والقومية، يقول بن جوريون: " أمتنا أمة صغيرة لها روح عظيمة، وشعبنا كان يؤمن بأن عليه أن يؤدي رسالته الرائدة للعالم أجمع، تلك الرسالة التي بشّر بها جميع أنبياء بني إسرائيل. أعطى هذا الشعب للعالم حقائق ووصايا أزلية أخلاقية عظيمة. وقد ارتفع هذا الشعب إلى مستوى الوحي النبوي حول وحدة الخالق مع خلقه، وحول كرامة الفرد وقيمته اللامتناهية. لأن كل إنسان يولد على صورة الإله " [9].

وهو يؤكد على الجرح اليهودي والمأساة التي روجوها عن اضطهادهم، وترسخت في الضمير الغربي حتى الآن، يقول: " اليهود هم المثل الوحيد على شعب صغير عاش منفيا ومكروها ومع هذا استطاع أن يصمد ولم يستسلم منذ ثورته ضد اضطهاد هارديان، حتى ثورات حارات اليهود الانعزالية في وارسو ولوبلين وبياليستوك، إن أهمية التاريخ اليهودي في بلاد المنفى تكمن في مقاومة شعب صغير لأعداء كثيرين وأقوياء عبر قرون عديدة، إنها تكمن في رفض هذا الشعب أن يستسلم للقدر الذي أنزله به التاريخ "[10].

كما ظهر جيل جديد من الصهاينة، تماشى مع الاتجاه السياسي الذي يدعو إلى تلاقي مصالح اليهود مع مصالح القوى الاستعمارية الكبرى حول فلسطين، من أجل تغذية التوجه الديني، وهو ما يسمى الاستعماريين الجدد، وكان نشاطهم مركزا في بريطانيا، وهم ممن أثروا في السياسة البريطانية نحو فلسطين، وسعوا إلى ربطها بتحالف استراتيجي، ومن أبرز هؤلاء: " سايد بوئام " الذي نبّه في مقالاته عام 1915 م، إلى أهمية فلسطين لبريطانيا لحماية مصالحها في مصر وقناة السويس، كما أن السيطرة على فلسطين تعني تأمين مصر والعراق وسورية لبريطانيا. ويؤكد على أن لا وجود لفلسطين كوطن قومي مستقل إلا ما كان لها من تاريخ اليهود القديم، ففلسطين هي الأرض المقدسة للمسيحيين، وكذلك لليهود [11].

إننا أمام مجتمع قائم على أفكار سياسية، مقنَّعة برؤى دينية، مختلطة بأساطير ضاربة في أعماق الزمن، محملة بمشكلة انعزال اليهود في أحياء خاصة بهم، في البلاد التي عاشوا فيها. والغريب أن موقف الطيار المذكور شاهد على تمويت الحس الإنساني، ومنع التفكير في نفس الطيار، الذي تلقى تعليما وتدريبا على أعلى مستوى، ومع ذلك فهو يقتل الطفل العربي في أواخر القرن العشرين أو مطلع القرن الحادي والعشرين بغلٍ، انتقاما لمقتل طفل يهودي فيما قبل الحرب العالمية الثانية، في أوروبا الشرقية (ألمانيا وحلفاؤها)، فيحمّل العربي مشكلة لم يصنعها، وإنما صنعتها حكومات أخرى في قارة أخرى، في زمن آخر فهذه هي مشكلة من يرى بغير عينيه، ويشعر ويفكر وهو مغيب بالأسطوري الديني.

---------------------------------------------
[1] معجم العلوم السياسية الميسر، إعداد: د. أحمد سويلم العمري، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1985م، ص133.
[2] الإيديولوجية الصهيونية: دراسة حالة في علم اجتماع المعرفة، د. عبد الوهاب المسيري، القسم الثاني، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1403هـ، 1983م، ص450.
[3] راجع تفصيلاً: المرجع السابق، ص452، 453.
[4] نفسه، ص459.
[5] انظر: موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية، (1897 – 1909 م)، إحسان علي حلاق، ط2، 1400هـ، 1980م، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت، ص111- 114.
[6] الفكرة الصهيونية: النصوص الأساسية، م س، ص120.
[7] انظر: موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية،م س، ص213، 214.
[8] الصهيونية غير اليهودية: جذورها في التاريخ الغربي، د. ريجينا الشريف، ترجمة: أحمد عبد الله عبد العزيز، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1985م، ص 92.
[9] الفكرة الصهيونية: النصوص الأساسية، م س، ص474.
[10] المصدر السابق، ص 476.
[11] راجع: الصهيونية غير اليهودية: جذورها في التاريخ الغربي، م س، ص166 – 168.

-----------------------------
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الأساطير, الحيوية, إيديولوجية


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع إيديولوجية الأساطير الدينية
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من الأساطير المؤسسة لليبرالية العربية عبدالناصر محمود مقالات وتحليلات مختارة 0 02-12-2014 08:44 AM
مكتبة الكتب الدينية Eng.Jordan دراسات ومراجع و بحوث اسلامية 0 05-07-2013 10:07 AM
الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية Eng.Jordan كتب ومراجع إلكترونية 0 01-22-2013 12:35 PM
عالم النبات بين الأساطير والعلم Eng.Jordan الملتقى العام 0 11-09-2012 05:40 PM
الأساطير الكونية - المهندس فايز فوق العادة Eng.Jordan علوم وتكنولوجيا 0 11-03-2012 11:39 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 06:01 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59