#8
|
||||
|
||||
و قال عنهم الذهبي : الكذب شعارهم و التقية و النفاق دثارهم . و قال عنهم ابن القيم : الرافضة أكذب خلق الله ، و أكذب الطوائف . و قاله عنهم ابن حجر : الشيعة لا يُوثق بنقلهم . و قال عنهم الشهرستاني : أكاذيب الروافض كثيرة ))[1] . ثم تحوّل الكذب عند هؤلاء إلى فلسفة مهذبة سموها التقية ، التي أصبحت شعارهم و دثارهم[2] .
و ثانيا أن الفكر السبئي –عند نشأته-تمثلت مظاهره في الطعن في القرآن ،و سب الصحابة ،و ادعاء الوصية و العصمة لعلي ،و الزعم بألوهيته و رجعته بعد موته ، و تفضيله على كل الصحابة[3] . و هذا يعني أن السبئية هي التي أرست الأسس الفكرية لكل الاتجاهات الشيعية على اختلافها ،فهي لا تخرج عن تلك الأسس على اختلافها و تنوعها، بمعنى أن الفكر السبئي تفرّق في كل الاتجاهات الشيعية بنسب مختلفة . فقال بالرجعة رشيد الهجري،و أصبغ بن نباتة،و جابر الجعفي،و المغيرة بت سعيد،و محمد بن السائب الكلبي،و عثمان بن عمير،و الحارث بن حضيرة الأزدي و غيرهم . و سب الصحابة و شتمهم جابر الجعفي، و عمر بن شمر الكوفي،و المغيرة بن سعيد ،و إسماعيل السدي الكبير (ت127ه) ،و عباد بن يعقوب الأسدي(ت 250ه)،و تليد بن سليمان الكوفي،و و قال بالوصية و التفضيل و العصمة كل الرافضة[4] . و تأثيره في شيعة اليوم ما يزال ظاهرا فيهم –كما كان في سابقيهم -، فهم يقولون بالرجعة و العصمة،و يسبون الصحابة ،و يقولون بالتقية،و يصفون أئمتهم بأوصاف الألوهية، و النصيريون منهم يؤلهون عليا صراحة[5] . و لاشك أن الفكر السبئي ليست له أية مصدرية من القرآن الكريم ،و لا من السنة النبوية الصحيحة ،و لا من التاريخ الصحيح الثابت عن الصحابة و التابعين ، و إنما مصدره هو عبد الله بن سبـأ و أصحابه الذين طوّروا فكره . و بذلك يتبين مما ذكرناه أن وجود الفكر السبئي عند الأشخاص و في المذاهب و الطوائف، منذ القرن الهجري الأول إلى زماننا هذا ، هو دليل دامغ على وجود الطائفة السبئية ، و أنها حقيقة لا خيال ،و أنها ساهمت في الثورة على الخليفة عثمان و قتله . [1] عن أقوال هؤلاء انظر : الذهبي: ميزان الاعتدال ، ج 1 ص: 146 .و سيّر أعلام النبلاء ، ج 10 ص: 93 .و ابن القيم : المار المنيف ، ص: 52، 57، 152 .و ابن حجر: السان ، ج 2 ص : 119 . و الشهرستاني: الملل و النحل، ط7، بيروت، دار المعرفة، 1998،ج 1 ص : 192 . [2] إحسان إلي ظهير: الشيعة و السنة ، ط12 باكستان ، 1982 ، ص: 158 و ما بعدها . [3] انظر : ابن تيمية: منهاج السنة ، ج3 ص: 459 .و مجموع الفتاوى، ج4 ص: 135، 185، 435 . و الملطي الشافعي: التنبيه و الرد على أهل الأهواء، ط2 ، القاهرة، المكتبة الأزهرية ج3 ص: 18 ،و ما بعدها .و الطبري: التاريخ ، ج2 ص: 647 .و ابن حجر: اللسان ، ج3ص: 289 .و الشهرستاني: الملل ، ج1ص: 191 .و ابن قتيبة : تأويل مختلف الحديث ، ص: 73 .و محمود شكري الألوسي: روح المعاني ، ج 20ص: 27 . و احمد الطبري:الرياض النضرة، حققه عيسى الحميري، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1996 ج 1ص: 381.و الذهبي: الميزان، ج 4 ص: 105 . [4] عن ما ذكرناه في هذه الفقرة ، انظر: الذهبي: الميزان، ج 1ص: 436، ج2 ص: 107،و 167،و ج3 ص: 79،و ج5 ص: 324، ج 6ص: 161. و السير، ج 11ص: 537 .و العقيلي: الضعفاء، ج1ص: 87، 193، ج3 ص: 211، ج4ص: 177 .و المزي: تهذيب الكمال، ج 11 ص: 385 .و ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج 1ص: 447 . و الشهرستاني: الملل ، ج 1ص: 169،و ما بعدها [5] انظر: الألوسي: روح المعاني، ج 20ص: 27 .و أبو الحسن الندوي: صورتان متضادتان عن الصحابة، ط1 ، القاهرة ، دار الصحوة، 1985، ص: 87 .و إحسان إلي ظهير: الشيعة و السنة، ص: 158 و ما بعدها . و الذهبي: منهاج الاعتدال ، حققه محب الدين الخطيب ، المطبعة السلفية، 1374ه ، ص: 8 .و يعقوب الكليني: الكافي في الأصول، ط3 ، طهران، 1388، ج 12،ص : 228، 238، 258، 263 .و أبو عبد الله الذهبي: صدق النبأ في بيان حقيقة ابن سبأ، ص: 86، 87 .
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201) |
#9
|
||||
|
||||
و الشاهد السابع هو أن ما زعمه المشككون في وجود ابن سبأ و المنكرون له ،و أن أهل السنة هم الذين اخترعوا ابن سبأ للطعن في الشيعة ، هو زعم باطل لأنه سبق و أن أثبتنا بالروايات الصحيحة أنه حقيقة لا خيال ، و لأن الشيعة أنفسهم ذكروه في مصادرهم المعتمدة عندهم ،و قد اعترف بذلك الباحث الشيعي المعاصر حسين موسوي النجفي في كتابه : لله ثم للتاريخ ، وذكر أكثر من عشرين مصدرا من كتب الشيعة كلها ذكرت عبد الله بن سبأ كحقيقة لا شك فيها ، منها كتاب رجال الكشي،و فرق الشيعة للنوبختي ،و تنقيح المقال للماقماني[1] .و نفس الأمر أشار إليه باحثون سنيون من أن الشيعة ذكروا ابن سبأ في مصادرهم[2] . كما أن الإخباري الشيعي أبو مخنف لوط بن يحيى (ت 157ه) قد أشار للطائفة السبئية في روايتين ذكرهما الطبري ،و لا يوجد فيهما سيف بن عمر التميمي[3] .
و الشاهد الثامن هو أن كتب المقالات و الفرق ذكرت عبد الله بن سبأ و طائفته بصيغة الإثبات و الجزم ، و لم يكن لديها محل شك[4] . مما يدل على أن المتقدمين لم يشكوا في وجود ابن سبأ و جماعته . و بذلك يتضح لنا من الشواهد الثمانية- التي ذكرناها- أن عبد الله بن سبأ و طائفته حقيقة تاريخية لا خيال ،و أنهم شاركوا بفاعلية في الثورة على عثمان-رضي الله عنه- ، و أن ما زعمه بعض المعاصرين المشككين في وجود ابن سبأ و المنكرين له ، هو زعم باطل أقاموه على ظنونهم و تخميناتهم خدمة لأهوائهم و مذاهبهم . و ختاما لهذا الفصل يتبين جليا أن الثائرين على الشهيد عثمان بن عفان كانوا أخلاطا من مختلف القبائل و الفئات الاجتماعية ، تعاونوا فيما بينهم في التحريض على عثمان و الثورة عليه و قتله ، انطلاقا نواياهم الخبيثة، و تحقيقا لأغراضهم الدنيئة. [1] انظر ص: 10 و ما بعدها . [2] انظر: محمد أمحزون : تحقيق مواقف الصحابة، ج 1ص: 306 و م بعدها . و أبو عبد الله الذهبي: صدق النبأ ، ص: 83 و ما بعدها [3] تاريخ الطبري ، ج 3 ص: 184، 442 . [4] انظر –مثلا- : عبد القاهر البغدادي: الفرق بين الفرق، ص: 225، 255 .و الشهرستاني : الملل ، ج 1 ص: 104، 174 . و أبو الحسن الأشعري : مقالات الإسلاميين و اختلاف المصلين، حققه هلموت ريتر، ط3 بيروت، دار إحياء التراث العربي ، دت ج 1ص: 15 . و ابن تتيمية: منهاج السنة النبوية ، ج 3 ص: 459، 510 .
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201) |
#10
|
||||
|
||||
الفصل الثاني
أعمال رؤوس الفتنة في الثورة على عثمان و قتله (35ه) ثانيا: قضية الكتاب المزوّر في قتل عثمان بن عفان . رابعا: هل شارك الصحابة في قتل عثمان بن عفان ؟ سادسا: المكر و التخطيط ، الأسباب و لآثار . الفصل الثاني أعمال رؤوس الفتنة في الثورة على عثمان و قتله (سنة:35ه) تمثلت أخطر أعمال رؤوس الفتنة – في ثورتهم على الخليفة الشهيد عثمان بن عفان –رضي الله عنه- في الطعن فيه ،و تزوير الكتب عليه ،و تأليب الناس عليه ، و الخروج بهم إلى المدينة المنوّرة لحصاره و قتله [1] . أولا : تأليب الناس على عثمان و حصاره بالمدينة : يُروى[2] أن رؤوس الفتنة أظهروا نشاطهم التخريبي سنة 33ه، بتأليب الناس على الخليفة و ولاته و الطعن فيهم ، ففي الكوفة تكلّم الأشتر النخعي و كميل بن زياد ،و ابن ذي الحبكة في الوالي سعيد بن العاص ، فطلب – أي الوالي- من عثمان التدخل و نفيهم من البلد ، فاستجاب له و أمر بنفي رؤوس الفتنة إلى الشام حيث معاوية بن سفيان ، لكنهم سرعان ما أُعيدوا إلى الكوفة عندما تضجّر منهم معاوية ، لكثرة مشاغباتهم و حماقاتهم[3] . فلما عادوا إليها واصلوا تحركاتهم في التأليب على عثمان و ولاته . و في مصر كان بها ثلاثة من كبار رؤوس الفتنة ، و هم : محمد بن أبي بكر، و محمد بن أبي حذيفة ، و عبد الله بن سبأ ، فالأولان يُروى أنهما أفسدا الناس ،و حرّضاهم على عثمان و واليه عبد الله بن أبي سرح ، و كان ابن أبي حذيفة يقول لهم : أن عثمان حلال الدم ، و الجهاد فيه أولى من جهاد الكفار، لأنه فعل كذا و كذا [4]. و يُروى أنه كان يُشوش على والي مصر ابن أبي سرح داخل المسجد عندما يُقيم الصلاة، فيرفع هو صوته بالتكبير[5] . و أما ابن سبأ فيُروى أنه هو أول من أظهر الطعن في عثمان –رضي الله عنه- و زعم أنه أخذ الخلافة من علي بغير حق ، و كان معه بمصر خالد بن ملجم ،و سودان بن حمران، و كنانة بن بشر، ،و هو قبل استقراره بمصر كان قد حلّ بالبصرة و نزل عند حكيم بن جبلة ، ثم لما طرده منها أميرها عبد الله بن عامر بن كريز، نزل بالكوفة ، ثم استقر به المقام بمصر، و أثناء تحركاته كان ينشر فكره و يُراسل أصحابه و يُراسلونه ،و يحثهم على الطعن في الخليفة و ولاته ، و يحرّض الناس عليهم[6] . [1] هذه الأعمال مشهورة ذكرتها كل المصادر التي تناولت موضوع الثورة على عثمان و قتله ، فهي لا تحتاج –في عمومها – إلى تحقيق و تمحيص . [2] لا أحقق روايات هذا المبحث لأنها مشهورة اتفقت المصادر المعروفة على ذكرها ، و نشاطهم الذي نذكره تؤكده الحوادث الثابتة ، كخروج الأشرار من بلدانهم و توجههم إلى المدينة ،و حصارهم لعثمان و قتله ، فكل ذلك جاء نتيجة لنشاطهم التخريبي [3] الطبري: التاريخ ، ج 2 ص: 634، 635 . [4] الطبري: المصدر السابٌق ، ج 2 ص: 619-620 . [5] نفسه ، ج2 ص: 619 . [6] الطبري: المصدر السابق، ج2 ص: 639، 647 .و ابن عساكر: ج 39ص: 300 .و ابن الأثير: الكامل، ج 3 ص: 39 .و ابن يحيى المالقي: التمهيد مقتل الشهيد عثمان ، حققه محمود زايد، قطر ، دار الثقافة، 1405 ، ص: 97 .
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201) |
#11
|
||||
|
||||
و في سنة 35هجرية أحس رؤوس الفتنة أن الأرضية مهيأة ،و الظروف مناسبة للتحرّك نحو الخليفة عثمان بن عفان ، فجمعوا أتباعهم –في غفلة من جماهير الأمة- و أخفوا عن الناس نواياهم الشريرة ، و تظاهروا بالخروج إلى الحج ، فتحرّكوا في ثلاثة وفود ، من مصر و الكوفة و البصرة، نحو المدينة المنوّرة في شهر شوال من سنة 35 ، و يُروى[1] أن الوفد المصري خرج في أربع مجموعات ، فيما بين:600إلى 1000 رجل، و معهم من رؤوس الفتنة : عبد الرحمن ابن عديس،و كنانة بن بشر، و سودان بن حمران، و قتيرة بن فلان السكوني، و ابن سبأ ، و على هؤلاء الغافقي بن حرب[2].
و أما وفد أهل البصرة، فيُروى أن عددهم كان كعدد أهل مصر، و أنهم خرجوا في أربع مجموعات ،و عليهم : حكيم بن جبلة العبدي، و ذريح بن عباد العبدي،و بشر بن شريح، و ابن محرش بن عمران الحنفي،و أميرهم حرقوص بن زهير[3] . و نفس الأمر رُوي عن وفد أهل الكوفة، فقيل أن عددهم كعدد الوفدين السابقين، و أنهم خرجوا في أربع مجموعات ،و كان عليهم : زيد بن صوحان العبدي ،و الأشتر النخعي، و زياد بن النضر الحارثي،و عبد الله بن الأصم ،و قائدهم العام عمرو بن الأصم[4] . و يُروى أن الوفود لما وصلت المدينة لم تدخلها ، و أرسلت إلى الخليفة من يُخبره بمجيئها و مطالبها ، فأرسل إليهم عثمان من أستقبلهم و سمع شكاويهم، فزعموا أن ولاته يظلمون الرعية ،و طالبوه بعزلهم . و قال الوفد المصري أن الوالي عبد الله بن سعد بن أبي سرح يتحامل عليهم و على أهل الذمية ،و يستأثر بالغنائم ،و يزعم أن الخليفة أمره بذلك . و في الأخير وافق عثمان على مطالبهم و وعدهم بتحقيقها ، ثم عادت الوفود إلى بلدانها، لكن بعد أيام من مسيرهم رجعوا إلى المدينة ناقمين على الخليفة،و متهمين له بالخيانة و نقض العهد و التزوير [5] ، فما حقيقة ذلك ؟ . ثانيا : قضية الكتاب المزوّر في قتل عثمان بن عفان : اتفقت الروايات التاريخية على أن الثائرين على الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، عندما استجاب لمطالبهم (سنة 35ه) عادوا إلى بلدانهم ، لكنهم رجعوا إلى المدينة بعد أيام من مغادرتها ، و معهم صحيفة زعموا أنهم و جدوها مع غلام لعثمان ، فيها أمر لوالي مصر : عبد الله بن سعد بن أبي سرح (ت36ه) باتخاذ إجراءات قمعية صارمة ضدهم ؛ فاتخذوها ذريعة للعودة و الثورة على عثمان و قتله . فمن الذي كتب تلك الصحيفة ؟ . لم تتفق الروايات التاريخية في الإجابة عن هذا السؤال ، فبعضها ذكر أن عثمان بن عفان هو الذي كتب الصحيفة .و أكثرها ذكر أن كاتب عثمان : مروان بن الحكم هو الذي زوّرها على لسان الخليفة .و بعضها الآخر أشار إلى وجود طرف ثالث قد يكون زوّر الصحيفة على عثمان و كاتبه مروان [1] لا داعي لتحقيق الروايات التي سنذكرها عن خروج الأشرار و حصارهم لعثمان ، لأنها معروفة ، و هي في مجملها متفقة على خروج الأشرار و توجههم إلى عثمان و حصاره . [2] انظر: الطبري : المصدر السابق، ج 2ص: 652، 663 .و ابن سعد : الطبقات ، ج 3 ص: 71 .و ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج 39ص : 317 .و ابن الجوزي: المنتظم ، ج5 ص: 49 و ما بعدها . [3] نفس المصادر السابقة . [4] نفس المصادر السابقة . [5] الطبري: المصدر السابق، ج2 ص: 662 و ما بعدها .
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201) |
#12
|
||||
|
||||
( أ ) اتهام عثمان بكتابة الصحيفة :
لم يُتهم عثمان بن عفان –في معظم الروايات – بكتابة الصحيفة المزعومة ، لكن واحدة منها صرّحت بأنه هو الذي كتبها ، و قد رواها الطبري بإسناده ،و فيها أنه لما حضرت الوفود إلى عثمان و ذكرت له مآخذها عليه ،و أعلن توبته و رجوعه عن تلك المآخذ ،و عادت الوفود إلى بلدانها ، كتب عثمان إلى عامله بمصر كتابا في الذين قدموا إليه منها ، قال له فيه : (( أما بعد: فانظر فلانا و فلانا فعاقبهم بكذا و كذا )) و كان من بين هؤلاء نفر من الصحابة و قوم من التابعين . ثم تقول الرواية أن عثمان أرسل الكتاب مع أبي الأعور بن سفيان السلمي ،و أوصاه بأن يسبق القوم في الدخول إلى مصر ، فلما لحقهم ببعض الطريق ، قالوا له : هل معك كتاب ؟ قال : لا . فقالوا له : فيم أُرسلت ؟ قال : لا علم لي ! فشكوا فيه و فتشوه ، فوجدوا معه كتابا فيه : قتل بعض المصريين ،و معاقبة آخرين في أنفسهم و أموالهم . فلما رأوا ذلك رجعوا إلى المدينة و هيّجوا أهلها على عثمان[1] . و هذه الرواية منكرة و لا تصح ، فمن رجال إسنادها : محمد بن إسحاق بن يسار المدني (ت150ه) ، رواها عن عمه عبد الرحمن بن يسار[2] .الأول و إن وثقه بعض العلماء ، فقد اتهمه آخرون بالكذب و التدليس ،و قال عنه الدارقطني : لا يحتج به . و وثّقه يحي بن معين مرة و ضعّفه مرة أخرى[3] .و أما الثاني فهو ثقة ، لكن روايته منقطعة موقوفة عليه ، لأنه –على ما يبدو- لم يكن شاهد عيان فيما رواه فقد كان ما يزال صبيا زمن الحادثة و هو من الطبقة الثالثة[4]. و أما متنها فتوجد فيه شواهد تدل على بطلانه و تلاعب الرواة به ، أولها إنها ذكرت أن عثمان أرسل كتابه إلى واليه بمصر : عبد الله بن سعد بن أبي سرح . و هذا غلط و كذب مفضوح على عثمان -رضي الله عنه- فهو أول من يعلم أن عامله لا يوجد بمصر ، فكيف يرسل إليه الكتاب و هو لا يوجد بها ؟ ! و ذلك أن عامله كان قد كتب إليه يخبره بخروج و فد مصر إليه ، ثم استأذنه بالمجيء إليه ، فأذن له عثمان بالمجيء و خرج عل أثر المصريين في قدومهم إلى المدينة ، فلما كان في الطريق بلغه الخبر بقتل عثمان – رضي الله عنه- فعاد إلي مصر ، فلما وصلها و جد محمد بن أبي حذيفة قد تغلّب عليها و منعه من دخولها ، فتوجّه إلى فلسطين و ظل بها إلى أن وافته المنية و لم يشارك في الفتنة[5]. [1] ابن جرير الطبري : المصدر السابق ،ج2 ص: 662 . [2] نفسه ج2 ص: 662 . [3] الذهبي : المغني في الضعفاء ، حققه نور الدين عتر ، د م، د ن، دت ، ج2 ص: 552-553 .و سير أعلام النبلاء ، ج 7ص: 33 . و السيوطي : طبقات الحفاظ ، ط1 بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1403 ، ج 1 ص: 82 . [4] ابن سعد : الطبقات الكبرى ،- القسم المتمم – حققه زياد منصور، ط2 المدينة المنورة ، مكتبة العلوم ، 1408 ، ج 1 ص: 154 . [5] الطبري : المصدر السابق ، ج2 ص: 657، 658 . و الذهبي : سير أعلام النبلاء ، ج3 ص: 33-35 . و الخلفاء الراشدون ، حققه حسام الدين القدسي ، ط1 بيروت ، دار الجيل ، 1992 ، ص: 318 .و ابن كثير : البداية و النهاية ، ج 5 ص: 315 .و البخاري : التاريخ الكبير ، ، ج5 ص: 29 .و ابن حجر : الإصابة ، ج 4 ص: 110 .
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201) |
#13
|
||||
|
||||
و الثاني إنها-أي الرواية- زعمت أن أبا الأعور السلمي الذي أرسله عثمان ، سار في الطريق الذي اتبعه المصريون ، فلما أوقفوه أنكر أن يكون معه كتاب ،و ادعى أنه لا يعرف لماذا هو متجه إلى والي مصر ! و هذا تصرف في غاية الحماقة و الغباء لا يصدر عن رجل محنك ، كأبي الأعور السلمي الذي قاد جيش المسلمين في غزوتي عمورية (سنة23 ه) و قبرص (سنة 26ه)[1] .
فهل يُعقل أن رجلا كهذا يبعثه الخليفة في مهمة استعجالية خطيرة إلى واليه بمصر ، ثم يتبع نفس الطريق الذي سار فيه المصريون ليلتحق بهم ؟ ! ثم عندما أوقفوه كذب عليهم كذبة مفضوحة غاية في الغباء ، و رّطته و لم تنجّيه . أليس من الحكمة و من الواجب عليه أن يتبع طريقا آخر آمنا و سريعا ؟ كما أنه كان في مقدوره أن يكذب عليهم كذبة ذكية تبعد عنه الشبهات . و الشاهد الثالث هو أننا لا نصدق أن خليفة راشدا مشهودا له بالجنة و الصدق و الجهاد ، يعطي للمصريين عهدا و يستجيب لمطالبهم ، ثم يخونهم و يبعث من ورائهم لقتلهم ! فهذا تصرف لا يليق بمسلم عادي ، فكيف يصدر عن خليفة راشد ؟ لذا فإن هذا الاتهام هو من مفتريات رؤوس الفتنة ،و الرواة الكذابين . كما أنه من جهة أخرى ليس لعثمان أية مصلحة في الإقدام على ذلك الفعل ، لأنه سيزيد الآمر تعقيدا و خطورة ، و يؤلب عليه الناس عامة و المصريين و البصريين و الكوفيين خاصة و آخرها- أي الشواهد-، هو أن هناك روايات أخرى تنقض ما زعمته الرواية السابقة في اتهامها لعثمان بكتابة الصحيفة ؛ فقد روي أن الأشرار عندما اتهموا الخليفة بكتابة الصحيفة و إرسالها إلى واليه بمصر ، أنكر ذلك بشدة و أقسم بالله أنه ما كتبه و لا علم له به[2]. [1] ابن حجر : المصدر السابق ، ج4 ص: 641 . [2] أنظر : الطبري : المصدر السابق، ج 2 ص: 656، 662، 664، 666 ، 667.
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201) |
#14
|
||||
|
||||
( ب ) : اتهام مروان بن الحكم بتزوير الكتاب :
صرّحت بعض الروايات بأن مروان بن الحكم هو الذي أمر بكتابة الصحيفة و تزويرها على لسان الخليفة عثمان – رضي الله عنه- ، لكن روايات أخرى اكتفت بالاتهام دون التأكيد . فمن الروايات المؤكدة على تزوير مروان للكتاب ما رواه المؤرخ ابن طاهر المقدسي(ت 507ه) من أن الوفود عندما جاءت إلى عثمان تشتكي إليه ولاّته ، و استجاب لها و انقلبت راجعة إلى بلدانها ؛ تحرّك مروان بن الحكم و قال لحمران بن أبان-غلام لعثمان-: إن هذا الشيخ –أي عثمان- قد وهَن و خَرِف ، فقم و اكتب إلى ابن أبي سرح أن يضرب أعناق من ألب على عثمان ، ففعل و أرسل الكتاب مع غلام لعثمان يقال له : مدس[1]. فهذه الرواية ذكرها ابن طاهر المقدسي بلا إسناد[2] ،و فوّت علينا إمكانية نقدها من حيث الإسناد ، لذا فهي مردودة عليه ، لأنها فقدت شرطا أساسيا من شروط تحقيق الخبر لتمييز صحيحه من سقيمه ؛ مع العلم أن بينه و بين الحادثة أكثر من أربعة قرون . و أما متنها فهو الآخر مردود ، لأن فيه أن مروان بن الحكم أرسل الكتاب إلى والي مصر ابن أبي سرح ،و هذا غير صحيح فإن الوالي لم يكن بمصر ! و مروان يعلم بذلك و هو كاتب الخليفة . فكيف يبعث له بالكتاب و هو ليس بمصر ؟ ! و ترده أيضا- أي ذلك الاتهام-روايات أخرى ليس فيها تصريح بقيام مروان بتزوير الكتاب ،و إنما فيها اتهامات من خصومه بالتزوير[3]. و أما الروايات التي اتهمته-أي مروان- فمنها أربع روايات اتهمته بتزوير الكتاب على لسان عثمان باستخدام خاتمه بحكم أنه كاتبه[4]. لكن هذه الروايات لها أسانيد غير صحيحة ،و متونها فيها غرائب و مناكير و أخطاء ، فالأولى من رجال إسنادها : محمد بن إسحاق ، و هو و إن وثّقه بعض العلماء فقد ضعفه آخرون ،و اتهموه بالكذب و التدليس ،و قال عنه الدرقطني : لا يحتج به[5]. و أما متنها فباطل ، فقد صوّرت عثمان-رضي الله عنه- كذابا متلونا ، و ضعيفا خوافا ، أعطى المواثيق الغلاظ للصحابة و الناس ثم نقضها[6] ، و هذا افتراء مفضوح في حق خليفة راشد مشهود له بالاستقامة و الجهاد . و زعمت أيضا أن عثمان أخذ في الاستعداد للقتال قبل نقضه للعهد معتمدا على ما كان عنده من جند عظيم من رقيق الخمس[7] . و هذا زعم باطل ، لأنه من الثابت عن عثمان أنه رفض أن يتقاتل الناس من أجله . كما أنه لو كان معه ذلك العدد الكبير من الجند الرقيق لما تمكن البغاة من السيطرة على المدينة ،و فرض حصارهم على الخليفة . و أما الروايتان الثانية و الثالثة ، فقد رواهما محمد بن عمر الواقدي (ت207ه)،و هو متروك متهم بالكذب ،و كان يتشيع و يلتزم التقية[8]. و الرواية الرابعة ذكرها أبو القاسم بن عساكر في تاريخ دمشق[9]، و من رجال إسنادها : محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع الدمشقي (ت 206ه ) ، قال عنه أبو حاتم : لا يحتج به .و محمد هذا قد روي خبر مقتل عثمان ، عن الحافظ ابن أبي ذئب(ت 159ه) و لم يسمعه منه ،و إنما سمعه من إسماعيل بن يحي ، فأسقطه من الإسناد و لم يذكره لأنه- أي إسماعيل- كان ضعيفا و يضع الأحاديث[10] . و أشير هنا إلى أن تلك الروايات الضعيفة قد ذكرت أن البغاة الثائرين على عثمان ، قد اعتمدوا في اتهامهم لمروان بن الحكم عل الخط ، فقالوا أن خط الكتاب هو نفسه خط مروان[11]. لكن مع ذلك فإنه يصعب علينا تصديق هذا الاتهام ، لأنه أولا هو اتهام روته أخبار ضعيفة . [1] ابن طاهر المقدسي: البدء و الناريخ ، القاهرة ، مكتبية الثقافة الدينية ، د ت ، ج5 ص: 202 . [2] نفسه ج 5 ص:202 . [3] الطبري : المصدر السابق ، ج2 ص: 664، 665 ، 667 . [4] أنظر : نفسه ، ج2 ص: 664 ، 665 ، 666 ، 667 .و ابن عساكر : تاريخ دمشق ، ج 39 ص: 416 ، 418 . [5] الذهبي : المغني في الضعفاء ، ج2 ص: 252-253 .و السر ، ج 7 ص: 33 .و السيوطي : المصدر السابق ، ج1 ص: 82. [6] الطبري : المصدر السابق ،ج2 ص: 664 . [7] نفسه ، ج2 ص: 664 . [8] الذهبي: الميزان ، ، 1995 ، ج 2 252-253 .و البخاري : التاريخ الصغير ، حققه محمود زايد ، ط1 ، القاهرة ، دار الوعي ، 1977 ، ج2 ص: 311 . و ابن النديم : الفهرست ، ص : 443 . [9] ج39 ص : 416 –418 . [10] ابن عدي : الكامل في الضعفاء ، ، 1988ج 6 ص: 246 .و إبراهيم بن محمد الطرابلسي : التبيين لأسماء المدلسين، ج1 ص: 193، 196 . أبو الحجاج المزي: تهذيب الكمال و ابن الجوزي: الضعفاء و المتروكين، حققه عبد الله القاضي، ط1 بيروت ، دار الكتب العلمية، 1406،ج3 ص: 90. [11] الطبري: التاريخ، ، ج 2ص: 664 و ما بعدها . و ابن عساكر: المصدر السابق ، ج39 ص: 418
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201) |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
الثورة, الخليفة, الشهيد, الفتنة, رؤوس, على, عثمان, عفان |
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع رؤوس الفتنة في الثورة على الخليفة الشهيد عثمان بن عفان | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
على درب زيد وعبدالله وجعفر ..مؤتة تقدم الشهيد تلو الشهيد | Eng.Jordan | الأردن اليوم | 0 | 03-03-2016 11:27 AM |
بين موقف عثمان بن عفان وموقف الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما | عبدالناصر محمود | مقالات وتحليلات مختارة | 0 | 07-20-2013 06:14 AM |
تحميل كتاب سيرة ذي النورين عثمان بن عفان | Eng.Jordan | كتب ومراجع إلكترونية | 0 | 12-30-2012 02:35 PM |
وقفة مع عثمان بن عفان رضي الله عنه | جاسم داود | شذرات إسلامية | 0 | 02-24-2012 12:28 AM |
الفتوحات الإسلامية في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه | احمد ادريس | شذرات إسلامية | 0 | 01-26-2012 01:50 AM |