#1  
قديم 11-11-2012, 09:20 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي رودلف كارناب والوضعية المنطقية



رافد قاسم هاشم
جامعة بابل – كلية الفنون الجميلة
المقدمة
مشكلة البحث : أذا كان لكل بحث من مشكلة تثير نظر الباحث وتدفعه الى البحث عن علاج شافي لها. فلاشك أن مشكلة هذا البحث قد أشار أليها عنوان هذا البحث وهي علاقة رودلف كارناب بالوضعية المنطقية بأعتبار أن كارناب كان أحد أبرز أعضاء جماعة فينا المنطقية. وبالتالي كانت مشكلة هذا البحث هي الخطاب النقدي الذي يمكن أن يوجه كاناب لمجموعة القضايا والمشاكل التي طرحتها للبحث ثم مقدار أبداعات كارناب في أيجاد الحلول لتلك المعضلات التي لازمت جماعة فينا في أثناء بحثها في مشكلات اللغة وقضايا التحقق والتأييد وأنواع القضايا وغيرها.ولاشك أن مشكلة هذا البحث لاتخرج عن أهداف فلاسفة فيينا عامة وهي محاولة أيجاد لغة موحدة للعلم تنوب عن اللغة الدارجة في الحياة اليومية من هنا كان التأكيد الاساسي على بيان موقف كارناب من جملة المباحث التي طرحتها الوضعية المنطقية للبحث وموقفه منها بالاضافة الى ردوده على جملة من الفلاسفة التي كانت تهاجم محاولة كارناب في أنجاز مشروعه الفلسفي.
هدف البحث : أن عاية هذا البحث تتجلى بصورة واضحة من خلال القضايا التي طرحها كارناب للبحث والتي تمثل الحجر الاساس للبناء التركيبي والمنطقي للغة العلمية لمدرسة فينا فقد كانت لاءبحاث بوبر التي طرحها في مجال تكذيب النظريات العلمية بدلا من تحقيقها الاثر الواضح على تلك الطروحات وبالتالي وضعت جماعة فيينا في موقف صعب أزاء تلك الطروحات وكان من الواجب أن يتحمل أعضاء الجماعة مسؤولية الرد والدفاع عن تلك القضايا بأعتبارها كانت عقبات كان من الواجب أجتيازها.
ولقد أزدادت عناية كارناب بعلم المعاني فأصدر فيه (المدخل الى علم المعاني) عام 1942 و(أدخال الصورة في المنطق) عام 1913 بالاضافة الى (المعنى والضرورة) 1947.لقد تميز الفهم العلمي للعالم بكونه أولا أمبيريا (تجريبيا) ووضعيا ويقول المبدأ ألاساسي للتجريبية المنطقية بأن المعطى الحسي هو أساس المعرفة وبكلام أخر (أن صدق كل الاحكام وكذبها ومن ضمنها تلك المتعلقة بحقيقة موضوع فيزيائي يمكن أختبارها في المعطى فقط وبالتالي فأن مدلول كل القضايا يمكن أن يصاغ ويفهم فقط بمساعدة المعطى) وعالبا ميساء فهم هذا المبدأ على أنه يزعم أن المعطى فقط هو الحقيقي وذلك في مقابل الواقعية التي تقول بوجود عالم خارجي حقيقي مستقل عن معطياتنا الحسية، أو في مقابل المثالية التي تقول بحقيقة أفكارنا وتصوراتنا عنا العالم فقط.
حدود البحث : من أجل الدقة العلمية التي نروم فلا بد أن تكون هناك حدود واضحة تحقق الفائدة المرجوة منه. وبالتالي تجعل من نتائجه مقيدة بعيدا عن العرض الموسوعي وقريبا من التحليل النقدي لهذا كانت معالجتنا داخل الخطاب العلمي المعاصر وما يطرحه من رهانات وما يواجهه من عوائق أبستمولوجية وبالتالي فحدود البحث داخل خطاب مدرسة فيينا المنطقية والتي شكلت بداية حقبة معرفية في تأريخ الفلسفة العاصرة بطروحاتها المختلفة وقد كان كارناب ينتمي الى تلك المدرسة، ومن أهم من أسهموا في أرساء دعائمها.
من التصورات الاولى التي تبنتها حلقة فيينا تصور المعرفة كسستام مغلق يبدأ من المعطى المباشر بأعتباره الاساس الصلب الذي لايطاله الشك وأعتبار كل أنواع المعرفة تبدأ من هذا الاساس وبالتالي يمكن أقراره بيقين، لذا حاول كارناب في كتابه (البناء المنطقي للعالم) أن يبرهن على أمكان أعادة بناء أفاهيم كل حقول المعرفة بناءا عقليا على أساس الافاهيم التي تحيل الى المعطى المباشر.
والمقصود بأعادة البناء العقلية , البحث عن تعريفات جديدة لاءفاهيم قديمة كانت قد نشأت بفعل تطور تلقائي وغير مفكر فيه مما جعلها تفتقر الى الوضوح والدقة أما التعريفات الجديدة فيجب أن تمتلك هاتين الصيغتين وأن تدرج ضمن بنية مقسمة من الافاهيم.
أما فيما يتعلق بالمباحث الاساسية للبحث فقد تكون البحث من خمسة فصول. في الفصل الاول وقد أسميته (بناء جديد لافاهيم العلم) وقد تناولت فيه المفاصل الرئيسة التي تناولها كارناب في طرحه لافاهيم العلم عبر القضايا التي تتكلم في اللغة وأمكانية التحقق أو قابلية التحقيق ثم توحيد العلم والنظريات الطبيعية.
أما الفصل الثاني فقد تناولت فيه أهم أسهامات كارناب في مجال البنية والتركيب المؤلف للقضايا العلمية، عبر المنهج الذي أستخدمه في طروحاته بالاضافة الى بناء أو تركيب النسق ثم النتائج أو لتأثيرات العملية.
أما في الفصل الثالث فقد تناولت مسألة (حذف وأستبعاد الميتافيزيقا) التي شكلت أهم مبحث طرحته جماعة فيينا والتي ميزتها عن بقية الاتجاهات الفلسفية المعاصرة عبر المعنى والتحقق ثم أشباه العبارات أو العبارات الزائفة ثم عبارات أو قضايا البروتوكول.
أما الفصل الرابع فقد كان مخصصا للبحث في البناء المبطقي للغة عبر البحث في اسسالرياضيات ثم البنية التركيبية والترجمة والتفسير ثم الفلسفة التجريبية للعلم وعبر البحث في أمكان ا
لرد للقضايا الى بسائط أو قضايا قابلة للتحقق عبر التجربة ثم التحقق والاثبات. أما الفصل الخامس فقد كان محددا للبحث في السيمانطيقا أو علم المعاني وقد كان عبر تبلور تجربة كارناب النطقية في سيرته الطيلة مع جماعة فينا عبر طرح ألية علم المعاني وعلم البناء وعلم المعاني ثم الحساب التحليلي للقضايا ثم المنطق الماصدقي. ثم أتت الخاتمة ونتائج البحث تضمنت أهم النتائج التي توصلت أليها خلال البحث، والتي تمثل ثمرة البحث النهائية بالاضافة الى قائمة المصادر والمراجع.
(1)القضايا التي تتكلم عن اللغة :
ذهب كارناب الى أن فتجنشتاين كان مخطئا في أفتراضه أن القضايا الانطولوجية كانت بغير معنى (فهي كانت قضايا ذات معنى بالنسبة للغة وليس بالنسبة للعلم وراء اللغة،وهكذا فليس من الضروري لكي يكون للغة معنى أن تكون عباراتها مما يمكن مقارنته بالواقع الخارجي ولعل هذا الامر يجعل من مبدأ التحقق الذي أخذ به فلاسفة الوضعية مبدأ قابل للنقاش، أذ هل ينبغي لكي نتحقق من القضية ذات المعنى أن يتم ذلك من خلال المقارنة مع الواقع الخارجي أو معطيات التجربة الحسية، أم أن التحقق يمكن أن يكون أو يتم بمقارنة القضية باللغة التي نتكلم عنها.
أن كارناب يعترف بأن القضايا الانطولجية هي بلا شك، ذات مظهلر تبدو فيه كما لو كانت تتعلق بالعالم أو على الاقل تتصل بالعلاقة بين اللغة وبين العالم الا أن هذا لايحدث الا لان هذه العبارات قد تمت صياغتها خطأ (بالطريقة المادية) والتساؤل حول ماهية الطريقة المادية يقودنا الى تمييز كارناب بين ثلاث فئات من العبارات :
(1)عبارات شيئية obgect sentences . (2) عبارات شبه شيئية pseudo obgect sentenes .
(3) عبارات بنائية syntactical sentences .
فأية عبارة عنده من عبارات الرياضة أو العلوم، هي عبارة شيئية وهكذا فالعبارتان التاليتان مثلا (5 عدد أولي) و (النمور مفترسة)عبارتان شيئيتان.
أما العبارات البنائية، فهي عبارات تتكلم عن ألفاظ، وعن القواعد التي تحكم أستخدام تلك الالفاظ مثل (الخمسة) ليست كلمة شيئية أنما هي لفظ عددي number word ومثل(النمر) كلمة شيئية فالعبارتان السابقتان عبارتان شيئيتان أما العبارات شبه الشيئية فهي عبارات غريبة عن الفلسفة، أذ أنها تبدو شبيهة بالعبارات الشيئية لكي يتضح أذا فهمنا فهما صحيحا، أنها عبارات بنائية، أما كيفية فهمها فهما صحيحا.
ذلك بأن نحولها من الاسلوب أو الطريقة المادية material mode.الى الطريقة الصورية formal mode أي بأن نحولها من قضايا تبدو كما لو كانت تتكلم عن موضوعات الى قضايا تكون من الواضح أنها تتكلم عن ألفاظ مثل (الخمسة ليست شيئا، بل هي عدد) ومثل (النمور أشياء) وحالما يتم تحويل تلك القضايا من (الحالة المادية) الى (الحالة الصورية) لمناظرة (أو الحالة البنائية) فأنها يمكن من هذه الحالة مناقشتها لان القضايا، في الحالة المادبة تكون غير قابلة للمناقشة undiscussable أما كيف يمكن حل المناقشات البنائية أو المتعلقة ببنية اللغة أو العبارة. لنفرض أحد الفلاسفة يؤكد ويثبت بينما ينفي الاخر ويرفض القول التالي (أن التعبيرات العددية، هي تعبيرات فئة من المستوى الثاني ) فكيف يمكن أن نحدد، أي الفيلسوفين هو الذي يكون موقعه صحيحا. يذهب كارناب الى أن جميع القضايا التي تكون من هذا القبيل تكون منسوبة الى لغة ما. أو هي متعلقة بها. فهي أما أن تكون عبارات تتكلم عن خصائص نوع موجود من اللغة أو أن تكون أفتراضات أو توصيات من أجل صياغة لعة جديدة وبتعبير أوسع فهي يمكن أن تأخذ الصياغة التالية : في اللعة ل،يكون التعبير الفلاني، من النمط الفلاني) وفي هذه الحالة يمكننا أن نحددمباشرة ما أذا كانت هذه العبارة البنائية صادقة أو غير صادقة،عن طريق أختبار ومعرفة اللغة موضع الحديث(1). أن مازعمه رسل من أن اللغة العادية تخفي غالبا، الصورة المنطقية الحقيقية للقضايا، يشكل حافزا لفتجنشتاين لكي يبدأ من نوع جديد للغة (فرسل هو الذي قدم خدمة أظهار أن الصورة المنطقية الظاهرة للقضية ليست بالضرورة صورتها الحقيقية) وأنطلاقا من هذه الفكرة قام فتجنشتاين بتحليل لبنية اللغة ولعلاقتها بالحقيقة فتبين له أن بنية اللغة تصور أو تعكس بنية الحقيقة ومن الضروري التنبه الى المعنى الذي يستخدم به فتجنشتاين كلمة (حقيقة) فالحقيقة عنده هي مجموع مايحصل وليس مجموع الاشياء القائمة في العالم الفعلي، وهو العالم الذي يقصده رسل عندما يتحدث عن (أستدلال صفات العالم من صفات اللغة).
بالنسبة الى فتجنشتاين العالم يتألف مما يحصل. وما يحصل هو وجود الوقائع الذرية، والواقعة الذرية هي تشكيلة من الموضوعات، أي تشكيلة من الامور التي تمثل أمام العقل كمالات ذهنية.....
ومن مرتكزات مبدأ التصديق هو مبدأ أخر هو الماصدقية. الذي يفيد بأن قيم الصدق للقضايا المركبة تعتمد على صدق القضايا البسيطة التي تتألف منها وهنا يأتي مبدأ التصديق ليقول بأن تقدير صدق القضايا البسيطة أو كذبها يتم بمقارنتها المباشرة بالواقعة الذرية المطابقة لها. أذ حسب مبدأ الذرية يتألف العالم من بسائط أو وقائع ذرية يعبر عنها بالقضايا الاولية فما يهتم بالتالي، هو قيم صدق القضايا الذرية، أما قيم صدق القضايا المركبة فيمكن أشتقاقها بالمنطق المحض(1).
لقد جمع كارناب في كتابه (البناء المنطقي للغة) عام 1934. ارائه التي تتعلق بالمنطق والرياضة وفلسفة العلم على نحو غني بالتفاصيل وقد عرف علم البناء بأنه دراسة الكيفية التي يتم فيها لابط العلاقات في لغة من اللعات بعضها ببعض بفضل خصائصها البنائية المحضة، وذهب الى أن قوانين المنطق والرياضة لاتدلي تخبر عن أي موضوع فهي ليست سوى بناءات منطقية تستمد ضرورتها القبلية بأكملها من نطاق اللغة التي ترد فيها، من القواعد البنائية التي أستقرت بحكم العرف والتي تضبط أستخدام هذه اللعة، وقد أعلن بالاضافة الى ذلك أن مصدر الخلافات الفلسفية عادة هو الخلط بين العبارات (شبه الشيئية)كزعمنا أن الزمان يمتد الى مالا نهاية في الاتجاهين هذا الزعم الذي عده مرادفا لعبارة بنائية تقال عن العلامات اللعوية وهي أن أي رمز دال على عدد حقيقي موجب أو عدد حقيقي سالب يمكن أن يستخدم بوصفه أحداثيا زمانيا قول أن مصدر الخلافات الفلسفية هو الخلط بين العبارات (شبه الشيئية) والعبارات (الشيئية)الحقيقة التي تقال عن موضوع يقع خارج نطاق اللغة. ومن هنا أستنتج أننا ينبغي أن نعد الفلسفة دراسة للبناء المنطقي للعة العلم، وكان من جراء هذه التوية فيما يبدو أن عد كارناب أي بحث للعلاقات القائمة بين العلامات اللغوية وما جاءت تلك العلامات لتمثله، بحثا غير مشروع وأن حكم بالبطلان بصفة خاصة على كل تحليل لما عساه، أن يكون مقصودا بالحقيقة المطابقة للواقع، الا أنه من الممكن كما أتضح ذلك بفضل دراسات (ألفرد تارسكي)أن نطور نظرية دقيقة من الدلالة اللغوية تعني بعلاقات العلامة اللغوية بما تعنيه، والواقع أن كارناب قد أسهم أخيرا بأضافات هامة في هذا الفرع من التحليل المنطقي (2).
(2)أمكانية التحقق أو قابلية التحقيق verifiability .
يعتمد فلاسفة الوضعية الجديدة، بل وغيرهم كذلك من الفلاسفة المعاصرين على مبدأ أمكان التحقق أو القابلية للتحققفي التفرقة بين ماله معنى من العبارات وبين مالامعنى له، الامر الذي أدى الى كثير من الصعوبات بالنسبة لهم، وعادة ما يرد هذا المبدأ بمعناه المعاصر الى الفيلسوف النمساوي لدفيج فتجنشتاين فقد نسبت جماعة فيينا لفتجنشتاين هذا البدأ ومؤاده أن معنى القضية مطابق لطريقة تحقيقها أي أن القضية تعني مجموعة من الخبرات أو التجارب التي تكون مجموعها معادلة أو مكافئة لكون القضية قضية صادقة.
ولكن لو نظرنا الى المبدأ نفسه، هل يكون هو نفسه عبارة صادقة أوحتى عبارة ذات معنى، ومما لاشك فيه أن هذا المبدأ ليس قضية علمية لان القول بأن(معنى القضية هو طريقة تحقيقها) ليس قضية علمية ومن ثم فلا يمكن تحقيقها، وبالتالي يكون المبدأ نفسه خاليا من المعنى. ومن ثم فلا يمكن أستخدامه معيارا للصدق أو للتفرقة بين ماله معنى من العبارات وما لامعنى له، أذن هل يمكن رفض هذا القول أو المبدأ بوصفه خاليا من المعنى أو مجرد لغو، وللاجابة عن ذلك نقول : لقد أدى هذا الاعتراض، أو هذه الصعوبة الى أمرين :
أولا: الرد بأننا لانستطيع أن نطبق المبدأ على نفسه، فالبدأ الواحد لايكون برهانا على تكذيب نفسه وعلى ذلك، فأن كان من ينقدون مبدأ التحقق على أساس(أن معنى القضية هو طريقة تحقيقها) وأنه هو نفسه قضية، غير قابلة للتحقيق أذن فهو بلا معنى ومن ثم لاينفي أن يكون معيارا لغيره من القضايا فمن الواضح أن هذا النقد قائم على مغالطة منطقية لانه هو نفسه ليس بالعبارة التجريبية أو العلمية التي ينبغي أن يطبق عليها مؤدي المبدأ. بل هو عبارة تتكلم عن العبارات العلمية وحتى يكون لها معنى ومن الواضح أذن أن المبدأ، عبارة تتكلم عن قضايا أو عبارات، ليس هو واحد منها،ومن ثم لاينطبق عليها. والاوقعنا في مشكلة شبيهة بمثلة الكذاب المعروفة قديما.أذن لو لم يكن هذا المبدأ عبارة تقبل التحقيق فما هو.
ثانيا : يذهب الوضعيون الى القول بأن هذا المبدأ –أي مبدأ التحقيق –ينبغي أن لايقرأ على أنه عبارة. بل على أنه أفتراض أو أقتراح أو توصية مؤادها أن القضايا ينبغي الا يتم قبولها، على أنها ذات معنى مالم تكن قابلة للتحقيق (1).
وهنا يرد أعتراض مؤاده أن النتيجة السابقة لم تكن نتيجة سهلة، لان الوضعيون كانوا قد شركوا في رفض أو تفنيد الميتافيزيقا والان يبدو أن الفيلسوف الميتافيزيقي يستطيع أن يتخلص من نقدهم، بكل بساطة عن طريق رفضه أقتراحهم أو توصيتهم.
وهنا يقترح كارناب ردا على هذه الصعوبة : أن نعتبر مبدأ القابلية للتحقق بمثابة (التفسير) أو الاسهام في (أعادة البناء العقلي) الخاص بتصورات ومفاهيم مثل : الميتافيزيقا، والعلم، والمعنى لكي يتم تبريرها على أسس شبه برجماتية، بمعنى أننا أذا كنا لاننسب المعنى الا لما يكون قابلا للتحقيق، فسيكون في مستطاعنا أن نميز بين صور النشاط الذي لولا هذا التمييز لظلت صورة مختلطة بعضها مع بعض. ولكن ليس من الواضح ماهي الطريقة التي يمكن أن يستخدم بها مبدأ أمكان التحقق، ضد الفيلسوف الميتافيزيقي الذي يجعل نقطة البدء في تفكيره أن قضاياه ذات معنى بشكل واضح، أن أقصى ما يمكن قوله في هذا الصدد هو أن المسوؤلية أنما تلقى على الميتافيزيقي لكي يميز قضاياه عن قضايا أخرى غيرها. وقد يعترف بأنها خالية من المعنى (2).
وهناك أعتراض أخر يرد في أثناء الحديث عن مبدأ التحقق يقول فيه أن هناك مشكلات أخرى تتعلق بطبيعة الكيانات التي يطلق عليها مبدأ التحقق، فطالما أن القضية هي مايتم تعريفها وتحديدها بطريقة عادية بوصفها (مايمكن أن يكون صادقا أو كاذبا)فأنه قد يكون شيأ غريبا أن نقول أن القضية يمكن أن تكون خالية من المعنى، كمجموعة من الالفاظ يمكن تحقيقها حتى ولو لم يكن هناك شك في كونها خالية من المعنى. وفي مجال الرد على الاعتراض السابق يقال : أن مايمكن أن يكون صادقا أو كاذبا ليس هو العبارة اللفظية، أنما المعنى الذي يفهم من العبارة أي القضية، وعلى ذلك فنحن لانقول أن القضية خالية من المعنى لان القضية هي المعنى الذي يفهم من العبارة اللفظية وهكذا فما يمكن أن يكون له معنى أو أن يكون خاليا من المعنى، هو العبارة وليس القضية، أما القضية فهي التي تقبل التحقق، وهكذا فنحن لانستطيع أن ندخل في أعتبارنا ما أذا كانت العبارة غير قابلة للتحقيق، الا بعد أن نكون قد طلاحنا السؤال الخاص بمعنى (الجملة المستخدمة) في تكوين العبارة وكأن تحقيق العبارة في هذه الحالة، أنما يتم من خلال تحقيق معناها، أي القضية التي تفهم منها وهنا يرد أعتراض مؤاده : أنه هل صحيح حقا أن مبدأ أمكان التحقيق يستبعد عبارات الميتافيزيقا لدى الوضعيون المناطقة ويبقي على عبارات العلم فقط.
أن الوضعيين أنفسهم كانوا أكثر أهتماما بالحقيقة التي مؤادها أن مبدأ أمكان التحقيق لايهدد اليتافيزيقا فقط بل كذلك العلم نفسه، بينما كان أرنست ماخ سعيدا لمحاولته أفراغ العلوم من العناصر الميتافيزيقية التي تشوبها فأن الوضعيون الجدد، عادة ما يقبلون على سبيل التسليم. الصدق الاساس للعلم المعاصر. ومن ثم أصبح الامر كبير الاهمية بالنسبة لهم حينما أصبح واضحا أن مبدأ قابلية التحقيق يمكن أن يطبق بالنسبة لجميع القوانين العلمية فيخرجها أو يستبعدها بوصفها مجرد لغو أو بوصفها خالية من المعنى لماذا ؟
لاءن مثل هذه القوانين هي بطبيعة الحال، ليست مما يمكن تحقيقه تحقيقا كاملا فعليا، فلا توجد مجموعة من الخبرات أو التجارب بحيث يكون الحصول على تلك التجارب أو الخبرات مكافئا أو معادلا لا لصدق القانون العلمي طالما أن القوانين العلمية هي تعميمات، وطالما أنه من المستحيل عمليا التحقيق بالنسبة لكل حالة من الحالات غير المحددة التي ينطبق عليها التعميم أو القانون العلمي.
وفي مجال الرد على الاعتراض السابق نقول أن أقتراح موريس شليك متبعا في هذا الرأي فرانك رامزي أن القوانين ينبغي أعتبارها –لاعلى أنها عبارات مفردة بل أنها قواعد تسمح لنا بالانتقال من عبارات مفردة الى عبارة مفردة أخرى،أي أن القوانين تبح بتعبير ***رت رايل مجرد ترخيصات للاستدلال. ولقد أعترض كل من نويراث وكارناب على ذلك بناءا على أن القوانين العلمية أنما تستخدم في العلوم بوصفها عبارات لابوصفها قواعد ومن الواضح أن الكلام يصبح بلا معنى حين نتكلم عن (تكذيب القاعدة) لان القاعدة (لاتكذب الاماكانت قاعدة) أن الاعتراض السابق لاينصرف الى القوانين أو التعميمات العلمية بل ينسحب كذلك بالنسبة للعبارة المفردة العادية، طالما أن القوانين أو التعميمات العلمية تقبل التحليل على عبارات مفردة، كل واحدة منها تتناول موضوعا مفردا مما ينطبق عليه التعميم العلمي، ولقد أوضح كارناب في مجال دفاعه السابق. أن العبارات الفردة العادية هي موضوع أو مكانة مماثلة لموضع أو مكانة قوانين الطبيعة منتهيا الى أن القوانين العلمية الطبيعية هي عبارات وليس مجرد قواعد.
لكن أن كان ذلك كذلك فحتى في حالة العبارات المفردة العادية هل يمكن تحقيقها تحقيقا كاملا، أم أنه لاتوجد كذلك مجموعة الخبرات أو التجارب التي تستوفي جميع جوانب الشىء موضوع العبارة المفردة المراد تحقيقها.
ولكن هذه الاسباب وغيرها من الاسباب المناضرة بدأ بالتدريج أحلال تصور (القابلية للاثبات)أو (أمكان الاثبات) أوحتى التصور الاقوى (القابلية للاختبار) أو (أمكان الاختبار)بدلا من (القابلية للتحقق) أو أمكان التحقق.
وهكذا فبينما كان معنى القضية في البداية. متفقا أو متطابقا مع الخبرات أو التجارب التي ينبغي علينا الحصول عليها. لكي نعرف أن القضية صادقة فأن هذا المعنى، قد تم أنقاضه الى تعبير أضعف مؤاده، أن القضية لايكون لها معنى : الا اذا كان من الممكن أثباتها أي أذا كان من الممكن أن تشتق أو تستنتج من قضايا صادقة.
ولقد كان كارناب تبعا (لمبدئه في التسامح principle of tolerance) أو التجاوز على أستعداد لان يقبل القول بأن اللغة ينبغي أقامتها على نحو لايكون فيها ماله معنى الاالقضايا الممكنة التحقيق، وهو كان مقتنعا بأن يوضح أن مثل هذه اللعة. قد تكون أقل فائدة أو نفعا للعلم. من اللغة التي تقبل أقامة قوانين عامة، ومن الملاحظ أن أغلب الوضعيين الجدد بناءا على أهتمامهم بالبنية الفعلية للعلم قد أستبدلو بكل بساطه بمبدأأمكان التحقق مبدأ أمكان الاثبات، أما أذا كان مبدأ (أمكان الاثبات) يمكن الاعتماد عليه كمبدأ للتمييز بين العبارات الميتافيزيقية بوصفها خالية من المعنى والعبارات العلمية بوصفها ذات معنى فهذا الامر لايزال موضع خلاف بين الوضعيين الجدد أنفسهم حتى الان. وحول مصدر الافكار المزيفة يرى كارناب أن لكل كلمة في الاصل مدلولا ولكن بعض هذه الكلمات يتغير مدلولها أثناء التطور التأريخي وبعضها الاخر يفقد مدلوله القديم من دون أن يكتسب أخر جديدا فينتج أستخدامها في الجمل أفكارا مزيفة.
أما الشروط الواجب توفرها في الكلمة لتكون ذات مدلول فهي في رأي كارناب أولا أن يثبت نحو الكلمة أي طريقة ورودها في أبسط صورة لجملة مثلا ابسط صورة لجملة ترد فيها كلمة حجر هو (س هو حجر)بحيث يمكن أستبدال (س) بشيء مثل الالماس (الذهن).
ثانيا : يجب أن يكون من الممكن تقديم جواب السؤال بخصوص الجملة (ج)التي تتضمن الكلمة موضع البحث، ويمكن صياغة هذا السؤال بطرق عديدة مثل ماهي الجمل التي تستنبط منها (ج) وماهي الجمل التي تستنبط من(ج).
أو في أي ظروف يفترض أن تكون (ج) صادقة وفي أي ظرف يفترض أن تكون كاذبة.
بكلام أخر لتقدير ماأذا كان للكلمة مدلول أم لا يجب تطبيق مبدأ القابلية للتصديق وهو المبدأ الذي ينص على أن مدلول جملة ما يتحدد بشروط تصديقها أي وجدت ظروف ممكنة وليس بالضرورة فعلية تحدد صدق الجملة (1).
وبتأثير أبحاث كارل بوبر، سعى كارناب الى تصحيح فهم تلركيب المعرفة التجريبية وفي هذا السبيل حاول وضع تصور جديد لمعيار المعنى التجريبي أكثر تساهلا من النظرية الاصلية في أقتضاء أمكان تحقيق معنى القضايا تجريبيا.
ووضع قواعد لهذا التصور الجديد تتلخص فيما يلي :
(1) كل الاقوال التركيبية يجب أن تكون قابلة للتحقيق تحقيقا تاما وهذا مبدأ التحقيق التام.
(2) كل الاقوال التركيبية يجب أن تكون قابلة للتأييد تأييدا تاما وهذا مبدأ التأييد التام.
(3) كل القضايا التركيبية يجب أن تكون قابلة للتحقيق وهذا هو مبدأ التحقيق.
(4) كل القضايا التلركيبية يجب أن تكون قابلة للتأييد وهذا هو مبدأ التأييد.
وفي كل هذه الاحوال يجب أن تكون الصفات متعلقة بما هو قابل للملاحظة.
(3)توحيد العلم unification of science .
أذا كان الوضعيون الجدد يتفقون على رفض الميتافيزيقا التقليدية فأنهم يتفقون كذلك على أن اللعة العلمية الواضحة وضوحا كاملا أمر ممكن وحيث أن جميع العلماء كانوا مهتمين بنفس الوقائع الاساسية فقد أستقر في رأي هولاء الفلاسفة أن من الممكن تحقيق وحدة لكل العلوم بواسطة تلك اللغة والعلوم التي حققت في نظرهم تقدما كبيرا في هذا السبيل هي الرياضيات والعلم الطبيعي الا أنهم قد وجهوا أنتباههم كذلك الى العلوم الاخرى وكان نويراث مهتما خاصا بعلم الاجتماع، ولقد طبق الاتجاه نفسه خلال المرحلة الاخيرة من تطور الفلسفة الوضعية الجديدة في أنكلترا وأمريكا بالنسبة لعلوم متعددة مثل البيولوجيا وعلم الحياة وعلم النفس وفقه اللعة وغيرها.
لقد كان توحيد العلم يمثل أحد الاهتمامات الاساسية عند الوضعيين متأثرين في هذا بأرنست ماخ. وخاصة عن طريق رفض النظرة القائلة بأن علم النفس أنما يتناول (عالما باطنيا) يختلف عن العالم الخارجي الذي يتناوله العلم الفيزيائي بالبحث.
وهم بهذا يقبلون المبدأ القائل بأن كلا من العلمين : الفيزياء وعلم النفس أنما يصف خبرات أو تجاربا، الامر الذي يجعل من هذا التوحيد أمرا ممكننا واقد حاول كارناب أن يوضح بالتفصيل في كتاباته المبكرة كيف أن العالم يمكن بناؤه من التجربة أو الخبرة وذلك على أساس من علاقات التماثل التي تربط بين أنحائه (2).
بل لعل أكثر من أهتم بتوضيح فكرة توحيد العلم من بين الوضعيين الجدد كان رودلف كارناب،ذلك عن طريق التحليل المنطقي فقد ذهب كارناب في مقال له بعنوان (المنطق الجديد والمنطق القديم) الى أننا نميز بين المنطق التطبيقي والتحليل المنطقي للمفاهيم والقضايا المتعلقة بفروع العلم المختلفة وبين المنطق الخالص وما يتعلق به من مشكلات صورية، كما يرى كارناب أن تحليل مفاهيم العلم قد أوضح أن جميع هذه المفاهيم بغض النظر عما أذا كانت تتعلق بالعلوم الطبيعية تبعا للتصنيف المألوف لها أو بعلم النفس أو بالعلوم الاجتماعية، أنما ترتد الى أسس مشتركة أذ يمكن ردها الى أفكارا أساسية تتعلق بالمعطى الحسي كما أن جميع الافكار الخاصة بالعلوم الطبيعية يمكن ردها الى أفكار تتعلق بخبرة الانسان الذاتية لان كل ظاهرة طبيعية هي من حيث المبدأ، مما يمكن أثباتها بواسطة الادراكات الحسية وجميع أفكارنا المتعلقة بعقول الاخرين أي تلك الافكار المتعلقة بالعمليات النفسية الخاصة بذوات أخرين غير ذات الشخص نفسه تتكون جميعها من أفكار طبيعية وأخيرا نجد أن أفكارنا الخاصة بالعلوم الطبيعية أنما ترتد الى أفكارنا عن الانواع سالفة الذكر، وهكذا تنتج الانساب الخاصة بالافكار من أي كل فكرة من الافكار يتحدد موضعها في تسلسل هذه الافكار بناءا على الطريقة التي يتم أستنتاجها بها من أفكار أخرى ومن المعطى الخبري أو الحسي كنهاية للتسلسل والنظرية التركيبية أي النظرية الخاصة بأقامة نسق واحد لجميع الافكار العلمية على أساس واحد مشترك وتوضح علاوة على ذلك بطريقة مقارنة أن كل عبارة من عبارات العلم يمكن ترجمتها الى عبارة تتحدث عما يقع في خبرة (الوضعية المنهجية).
وهناك نسق تركيبي ثاني، يحتوي بالمثل على جميع الافكار التي تكون الافكار الطبيعية اساسا لها، أي تلك الافكار التي تتعلق بالحادثات الموجودة في زمان وفي مكان كما ترتد الافكار الخاصة بعلم النفس وبالعلوم الاجتماعية الى أفكار طبيعية بناءا على مبدأ السلوكية (المنهجية المادية)والتكلم عن وضعية منهجية أو عن مادية منهجية لانه يقصلر الاهتمام على المناهج الخاصة بأستنتاج الافكار فقط مع أستبعادها كلا من المبحث الميتافيزيقي في الفلسفة الوضعية الذي يتناول الواقع الخارجي وكذا المعطى الخبري والبحث الميتافيزيقي في الفلسفة المادية الذي يتناول طبيعة العالم الخارجي (1).
وينتج عن ذلك أن النسقين التركيبين : المادي والوضعي، لايتناقض فكل منها صحيح ولاغنى عنه، فالنسق الوضعي يقابل وجهة النظر المعرفية لانه يبرهن على صدق المعرفة برده الى مايقع في الخبرة والنسق المادي يقابل وجهة نظر العلوم التجريبية لان جميع الافكار في هذا النسق، ترتد الى ماهو طبيعي، أي الى الميدان الوحيد الذي يعرض القاعدة الكاملة الخاصة بفكرة القانون العلمي والذي يجعل من المعرفة الذاتية أمرا ممكننا.
وهكذا ينتهي بنا التحليل المنطقي : بمساعدة المنطق الحديث الى العلم الموحد فلا وجود لعلوم مختلفة ذات مناهج متباينة أساسيا ولاوجود لمصادر متعددة مختلفة للمعرفة. بل هناك علم واحد فقط فجميع المعارف تجد لها مكاننا في هذا العالم. والمعرفة في حقيقتها. ذات نوع واحد وما المظهر الخارجي للخلافات الاساسية بين العلوم، الا نتيجة مضللة لاستخدامنا لغات فرعية للتعبير عن هذه العلوم (2).
لقد راءى كارناب في كتابه (البنية المنطقية للعالم) أن مهمة الفلسقة تقوم على أرجاع كل معرفة الى أساس يقيني. وبما أن المعرفة الاكثر يقينا هي تلك المتعلقة بالمعطى المباشر، بينما معرفة الاشياء المادية هي معرفة مشتقة وأقل يقينا لذا بدا أن على الفيلسوف أستخدام لعة تستعمل المعطيات الحسية كأساس (هذا الاعتقاد يلزم عن مساواة مدلول حكم ما بمنهج تصديقه)ففي نهاية الامر يتم تصديق الاحكام فقط من خلال خبرة الشخص المدرك.
ويرى نويراث أن لغة العلم تتألف من مجموعة من الجمل الواقعية وهذه تقسم الى (أ) جمل بروتوكولية مثل (أوتو يرى الان فردا أحمر على الطاولة). (ب) جمل غير بروتوكولية مثل (يوجد نرد أحمر على الطاولة).
الجمل البروتوكولية هي جمل وقائعية لها صورة باقي الجمل بأستثناء تضمنها لاسم شخصي يرد فيها عدة مرات، ذلك بترابط خاص مع حدود أخرى ولقد أعتقد كارناب أنه يجب بناء سستم غير متناقض من الجمل البروتوكولية (ومن ضمنها القوانين)بحيث تقارب أي جملة جديدة تعرض علينا بالسستام الموجود، فأذا تعارضت معه يتم أستبعادها، واذا لم تتعارض يجب قبولها بشرط أن يبقى السستام متناسقا بعد أضافة الجملة الجديدة (3)
لقد أهتم كارناب قبل دخوله حلقة فيينا بأعادة بناء أفاهيم كل حقول المعرفة بناءا عقليل على أساس أفاهيم تحيل الى المعطى المباشر ورأى أن المهمة الاساسية للفلسفة تقوم على توضيح هذه الافاهيم، وذلك بأدراجها ضمن سستم أفهومي بناءا يبدأ من المفاهيم الاساسية للخبرة المباشرة وذلك لكي تصبح كل الافاهيم المستخدمة في العلوم المختلفة عناصر من بنية واحدة والهدف هو بناء العلم الموحد.
ولضمان موضوعية هذا العلم أكد كارناب على وجوب التعامل مع وصف الشيءالصورية للموضوعات فقط، من دون الاحالة الى هذه الموضوعات بالذات، وأعتبر هذه البنى الصورية فقط البداية، لجملة سستام العلم الموحد أما تسلسل أفاهيم الموضوعات داخل السستام فيستند ليس فقط الى العلاقات المنطقية فيما بينها، أي أمكان أرجاع أحدها الى الاخر بل الى نسقها من حيث الاسبقية الابستمية، أي امكان التعرف على أحدها بواسطة الاخر. وعلى هذا الاساس تتسلسل الموضوعات في السستام البنائي على الشكل التالي : النفسية الذاتية (أساس السستم) الفيزيائية، النفسية، العيرية، الثقافية....
ولضمان النقاوة الافهومية لمثل هذا السستم، أكد كارناب علىضرورة أستخدام لعة المنطق الرمزي كلغة أساسية للتعبير عن محتوى السستم الذي يعتمد على الاكتشافات المادية للعلوم، السستام البنائي ليس سوى ترجمة لتلك الاكتشافات التي تبقى عرضة للتغير ولايعد هذا الامر. مشكاة لان هدف كارناب هو أظهار (الامكان المبدئي)لبناء مثل هذا السستام وتوضيح المشكلة وليس البناء الفعلي.
أما فائدة هذا السستام على المستوى الفلسفي فتتلخص من تمكيننا من توضيح المشكلات الفلسفية كمشكلة بين الافاهيم الفردية والعامة ومشكلة الماهية وغيرها.
ولكن كارناب مالبث أن تخلى عن أعتماد الظاهرية كأساس للعلم الموحد، وذلك بعد أنضمامه الى حلقة فيينا وحضوره مناقشاتها فطور أفكاره التي وردت في كتاب (البناء المنطقي للعالم) لتتماشى مع طريقة التفكير التي ميزت حلقة فيينا والتي ترى أن الفيزيائية وليس الظاهرية هو الاساس المناسب لضمان وحدة العلم، ففي رأي أعضاء الحلقة وخاصة نويراث تضمن اللغة الفيزيائية للعلم المتقدم عدم تسرب أي عناصر ميتافيزيقية الى العلم الموحد وقد أعتمد كارناب هذا الرأي وأكد في الوقت نفسه على أن مايهم هو (الامكان المبدئي) لترجمة كل جمل العلوم الى اللغة الفيزيائية وليس الترجمة الفعلية الكاملة التي عدها مشكلة عملية لاتهم الفيلسوف الابستمولوجي. ولكن التحول الى أعتماد الفيزيائية لم يضمن لكارناب تحقيق مطلب وحدة العلم (كما كان يظن) أذ سعان مابين غودمان تهافت الحجج الموجهة ضد الظاهرية، وحقق الاساس الفيزيائي نفسه كأساس للعلم الموحد أن كان كارناب قد تبنى الفيزيائية بدلا من الظاهرية على أساس أن اللغة الفيزيائية مألوفة، وغير أشكالية وتلبي الاهتمامات العملية للقول العلمي ولكن غودمان بين أن الامر لايكون كذلك الا عبدما نبقى في دائرة التحاجج حول الاسس وليس عندما نبدأ فعلا ببناء سستام الفيزيائي حيث لانعود في دائرة المألوف وغير الاشكالي ولذا لن تلبي اللغة الفيزيائية (الحاجة العملية) للعلوم.
وبتبيان أهتزاز الاساس الذي يقوم عليه أمكان العلم الموحد، يكون غودمان قد بين تهافت مبدأ أساسي من مبادىء الوضعية المنطقية من جهة أخرى أحيا غودمان (1)فكرة الفلسفة (السستام) وفكرة تعددية العوالم السستامات هي بمثابة خرائط للخبرة وليس نسخا عنها، وأن العمل الفلسفي الصحيح هو بناء سستامات وليس المجادلة حول أمكانها وأساسها وهذا ماوافق عليه كارناب في المرحلة المأخرة من تطوره الفلسفي متخليا بذلك عن مبدأ أخر من مبادى الوضعية المنطقية وهو المبدأ الذي حدد مهمة الفلسفة بتحليل أفاهيم العلم تحليلا يقتصر على الاشتغال بنحو لغة العلم الامر الذي كان يتضمن أستبعاد الميتافيزيقا من دائرة القول الفلسفي العلمي(1).
كان أوتو نويراث قد تبنى بالاضافة الى الفلسفة الطبيعية مبدأ وحدة العلم ومؤاده أن جميع العلوم التجريبية هي في أساسها علم واحد وأن التقسيم الى فروع هو أمر عملي محض في الطبيعة ولقد كان هذا البدأ موجها أساسا ضد التفرقة الحادة بين العلم الطبيعي والعلوم الاجتماعية والانسانية فقد كان نويراث يعتقد أن مثل هذا التمييز يمنع ويعوق تطبيق المناهج العلمية بالنسبة للعلوم الاجتماعية والانسانية بصفة عامة.
لقد أيد كارناب هذا المبدأ في صورة بحث مؤاده أن جملة لغة العلم يمكن أقامتها على أساس يزيائي ولقد قدم كارناب هذا الموقف وتطبيقه بالنسبة الى علم النفس في مقالتين منشورتين عام 1932 الاولى بعنوان (اللغة الطبيعية بوصفها اللغة الكلية للعلم) وقد ترجم الى اللغة الانكليزية بعنوان (وحدة العلم the unity of science ) والثانية بعنوان (علم النفسباللغة الفيزيائية وترجم الى اللغة الانليزية بعنوان psychology in physical ******** )(2)
ويذكر د. عبد الرحمن بدوي عن وحدة العلم مايلي : أهتمت دائرة فيينا بفكرة وحدة العلم، وفي سبيل ذلك طالبت بلغة موحدة بها يمكن التعبير عن كل قضية علمية ولغة كهذه لابد لها أن تحقق شرطين : أذ ينبغي أولا أن تكون لغة بين (الافراد) أي لغة ميسورة لكل أنسان وعلاماتها تدل على نفس المعنى عند الجميع، وينبغي ثانيا أن تكون لغة عالمية يمكن بها التعبير عن أي موضوع نشاؤه.
وقد رأى نويراث وكارناب أن لعة الفيزياء هي التي يتوافر فيها هذان الشرطان، ومن هنا سمي مذهبهما بالفيزبائية ولما كانت اللغة الفيزيائية لغة كمية محضة، لايستعمل فيها الا التصورات القياسية فأن كارناب ضعف النظرية الفيزيائية فيما بعد بحيث جعل المسألة مسألة(لغة أشياء) أو لغة عالم الاجسام، تحتوي على تصورات كيفية الى جانب التصورات الكمية، بشرط أن تتعلق بخواص الاشياء مشاهدة أو علاقات قابلة للمشاهدة قائمة بين الاشياء، ولذلك حين يشار الى النظرية الفيزيائية فأنه يقصد بها هذا المعنى المخفف الاخير، وعلى كل حال فأن الفيزيائية شكايها هذين تطالب فقط بأن تكون الصفات الاساسية للغة العلم الموحد، لكن لايقصد من هذا أيضا القول بأن كل قانونية ينبغي أن تكون قابلة لامحالة للرد الى قوانين فيزيائية أما أن (لغة الاشياء) هي الشرط الاول للتفاهم بين الناس فهذا أمر، لايحتاج الى فضل بيان ويشير هنا كارناب الى أننا هنا لسنا بأزاء ضرورة منطقية بل بالاحرى بأزاء حالة تجريبية سعيدة : فأن أختلاف الرأي بين الاشخاص المختلفين فيما يتعلق بدلاجة الحرارة والاطوال وتردادات السرعة، يمكن من حيث المبدأ تلافيها في داخل نطاق حدود الدقة الممكن بلوغها، والامر نفسه يصدق على الاقوال غير الكمية التي تنطق بها لغة الاشياء، أذ يمكن دائما من حيث المبدأ الوصول الى أتفاق بين مختلف الاشخاص في الاقوال المتعلقة بأحوال وأحداث العالم الفيزيائي، أما القضية المتعلقة بتجارب حية ذاتية فلا تملك غير معنى ذاتي (مونولوجي) أي أن لها معنى بالنسبة الى صاحبها فقط وليس بالنسبة الى شخص أخر عيره ولهذا فأن مثل هذه القضايا لامحل لها في العلم.
ويطالب كارناب بأستعمال (لغة الاشياء) أو (اللغة الفيزيائية) حتى في العلوم الروحية وذلك بأن يكون من الممكن ترجمة الاقوال في هذه العلوم الى أقوال يمك الفحص عن صحتها تجريبيا (1).
(4)النظريات الطبيعية :
لقد أنتهى نويراث : بناءا على عدم رضائه عن النتيجة القائلة بأن المضمون النهائي للحقائق العلمية هو أمر شخصي أو ذاتي أنتهى الى رفض النظرية التي كان يقبلها ويسلم بها الوضعيون المناطقة والتي مؤادها أن الخبرات والتجارب هي لالتي تحقق القضايا فهو يذهب الى أن (القضية وحدها هي التي يمكن أن تحقق القضية).
ولقد قبل كارناب هذه النتيجة، وطور التصور الخاص بعبارة البروتوكول وهي المرحلة الاخيرة أو النهائية التي تقوم عليها وتعتمد عمليات التحقق فهو يذهب الى أن فهمنا لمعنى العبارة التي تتكون من هذا القبيل، وأن نعرف أنها صادقة هما أمر أو شي ءواحد. ومع ذلك فلا يزال يقترح كارناب أن عبارة البروتوكول أنما تسجل خبرة أو تجربة شخصية أو ذاتية، على الرغم من أن كل عبارة من تلك العبارات يمكن ترجمتها الى اللغة المشتركة بين الناس والتي تكون خاصة بالفيزياء فهو يذهب الى أن العبارات التي تأخذ الصورة التالية،(هنا الان خبرة بالاحمر يمكن ترجمتها الى عبارات تتناول الحالة الفيزيائية لجسم الشخص الذي تكون لديه خبرة باللون الاحمر)وقد أصبح يتم التعبير عن هذا المبدأ الطبيعي، بعد ذلك في صورة أضعف، على أساس أن كل عبارة (أنما ترتبط)بناءأعلى قواعد التناظر بعبارات الفيزياء.
الا أن نويراث كان لايزال غير مقتنع بذلك التأويل فهو يذهب الى أن عبارات البروتوكول ينبغي أن تشكل جزءأ من العلم، بحيث لاتتميز فقط بمجرد أنها مما يمكن أن يترجم الى لغة العلم، والا فأن العالم يصبح في هذه الحالة لايزال معتمدا بطريقة أساسية على التجربة أو الخبرة الشخصية الفردية وأن عبارات البرتوكول ينبغي أن تأخذ مثل الصورة التالية(أوتو نويراث يسجل أنه في الساعة الثالثة والربع كانت هناك منضدة في الحجرة وكانت موضوع أدراك أوتو).
الا أن نتيجة هذا الاقتراح، كما يلاحظ شليك بفزع، هو أن يترك الامكان مفتوحا أمام عبارات البروتوكول الاساسية، بأنها قد لاتكون صادقة أذ يمكن رفضها بوصفها كاذبة. ويصر شليك على قوله بأن الاثباتات النهائية للقضايا العلمية ينبغي أن تكون خبرات أو تجارب من النوع التالي :(وهنا الان أزرق)
وهي التي لاتكون الا عبارات بنائية (تركيبية) ولا تكون فروضا ومع ذلك فأن كارناب يتفق مع نويراث في القول بأن جميع العبارات البنائية التركيبية هي أفتراضات أو مجرد فروض.
ولقد ذهب كارناب في كتابه (البناء المنطقي للغة) الى أن جميع العبارات التي تتكام عن المعنى أو الدلالة هي من نوع العبارات التي تتكلم عن (شبه موضوع)أو عن موضوع زائف وينبغي ترجمتها الى عبارات ذات صورة بنائية (1).
وهكذا فالعبارات التالية مثلا (هذا الخطاب عن أبن السيد علي) ينبغي أن تقرأ على نحو يقرر أن في هذا الخطاب وردت عبارة، يكون موضوعها هو التعبير التالي (أبن السيد علي) والواقع أن هذا البدأ ليس صالحا بدرجة كبيرة، طالما أنه أصبح من الواضح أن الخطاب يمكن أن يكون عن أبن السيد علي، بدون أستخدام هذه الجملة (أبن السيد علي) ولعل هذا الامر هو الذي جعل كارناب يقرر (بناءا على تأثير تارسكي) أن الموضوع الاصلي، يكون قديم تقييده أو حصره بطريقة غير مناسبة أو صحيحة فالفلسفة ينبغي أن تشيد على حد سواء أو تدل على السمات أو الخصائص السيمانطيقية المتعلقة بالمعنى والبنائية للغة لكي تزودنا بتفسير كاف لمفهوم الصدق مثلا.
وهكذا ينتهي كارناب الى موقف يواجه لموقف نويراث معارض له فلقد ذهب نويراث الى أننا لكي ننتقل الى ماوراء اللغة أي الى ماتعنيه اللغة أو تدل عليه، فهذا يعني في الحال أننا تعيد أدخال أو تقديم الكيانات المتعالية الميتافيزيقية.
والواقع أن التطوير الذي يلي ذلك على يد كارناب للسيمانطيقا أو (علم المعاني) لم يستطع أن يزيل مخاوف نويراث، فاللعات يمكن أقامتها بطرق مختلفة والسؤال (مثلا) عما أذا كان للانسان، أن يقبل الغة تتضمن أو تحتوي على أسماء الكيانات مجردة هو في حقيقة الامر راجع الى الاتفاق العملي لكنه لايكون مقبولا على أي مستوى أخر.
وهكذا يكاد يتبدد ويختفي تأثير ماخ في تفكير كارناب، على خلاف تأثره بفكر كل من بوانكاريه ودورهم. والواقع أن هذا التطوير الاخير كان مؤذنا بظهور الصورة الاخيرة الراهنة التي تتبدى عليها التجريبية العلمية أو الوضعية الجديدة والتي تتمثل في عنصرين أساسيين هما(2)
(1)تعديل كارناب في فتلرة حياته المتأخرة لافكاره الفلسفية حينما تأثر بأفكار ألفرد تارسكي عن السيمانطيقا.
(2)وكذا مبدأ رايشنباخ في الاحتمال.
أولا : لقد أصبح من الواضح أن هناك حاجة الى توسيع وجهة نظر كارناب في المنطق بوصفه بناءا صوريا خالصا بحيث ينبغي أن يكون في أعتبارنا الكامل أيضا معنى التعبيرات المستخدمة في اللغة العلمية فهناك ثلاث عوامل تلعب دورا في اللغة هي : المتكلم، والتعبير المستخدم ومعنى ذلك التعبير، أي مايدل عليه أو يشير أليه التعبير والبحث البرجماتي يمكن أن يكون هو الاختبار الكامل لهذه العوامل الثلاثة، ومع ذلك فنحن لو أسقطنا من أعتبارنا العامل الاول (أي المتكلم) ولم ندخل في أعتبارنا الا : التعبير ومعناه، فأن ذلك يكون بحثا سيمانطيقيا يتعلق بالمعاني ومن ناحية أخرى فنحن لو أسقطنا أيضا من حسابنا العالم الثالث (أي معنى التعبير المستخدم) فلن يكون لدينا الا بحث سنتاطيقي (متعلق بالبنية) هذا ويمكن أختبار كل من السيمانطيقا أو (علم المعاني) والسنتاطيقا (علم البنية) تجريبيا ومنطقيا.
ففي الاختبار التجريبي : يتم بحث اللغات الموجودة، أي اللغات المعطاة بالفعل بواسطة السيمانطيقا والسنتاطيقا الوضعيين.
وفي الاختبار المنطقي يتم من جهة أخرى، بحث اللغات المصطنعة (أي المقامة أو المصوغة صناعيا) بواسطة السيمانطيقا والسنتاطيقا الخالصين ولكي نقيم لغة بهذا الشكل أي لغة تتكون مثلا من رموز فأنه من الضروري أن نستخدم لغة شارحة، عادة ماتكون هي اللغة العادية في الكلام اليومي، وقد لعبت هذه البحوث السيمانطيقية دورا هاما في الفلسفة العضوية الجديدة المتأخرة.
ثانيا : أما التطور الثاني الذي كان متعلقا برأي رايشنباخ في مبدأ التحقق (فهو كان قد نقد كارناب في بحثه عن اليقين المطلق، مع أن مايمكن التوصل أليه هو الاحتمال فقط وليس اليقين مع ذلك فنحن أذا كنا غير قادرين على أن نذهب الى ماهو أبعد من الاحتمال، فأن مبدأ التحقق ينبغي صياغته بطريقة مختلفة. فنحن يمكننا القول بأن عبارة من العبارات هي ذات معنى، أذا كان من المستطاع تحديد درجة أجمالها (1).
ولكن ماذا يعني كارناب بعبارة (التركيب المنطقي) وهذا مايوضحه في كتابه (أسس المنطق والرياضيات) عام 1939 حيث نلراه يقسم الدراسة الفلسفية العامة للغة وهي مايطلق عليه كارناب السيوطيقا الى ثلاثة أقسام : البراجماطيقيات، والسيمانطيقيات، ثم التركيب أو البناء والتمييز الذي يعنينا هنا هو التمييز الذي يقيمه كارناب بين لغة تدور حول اللغة وأخرى لاتدور حول اللغة، فحينما ينطق المرء بعبارة كهذه التي تقول : (أن الكرة حمراء) يكون قد أستخدم جملة لغوية يتحدث فيها عن العالم الواقعي أو (غير اللغوي) مادامت عبارته تنبئنا بشيء عن الكرة ولكن في أستطاعة المرء من بعد أن يعود فيتحدث عن القضية التي تشير الى الكرة الحمراء فنقول مثلا (أن القضية القائلة) بأن الكرة حمراء تتضمن ثلاث ألفاظ وفي هذه الحالة لاتكون القضية التي نحن بأزائها قضية تدور حول موضوع أو موضوعات (ما) كالكرات الحمراء مثلا، بل مجرد قضية تدور حول اللغة نفسها، واللغة التي تدور حول اللغة هي مايسميه كارناب بأسم (ماوراء اللغة) من حيث أن اللغة التي تدور موضوعات هي مايسميه فيلسوفنا بأسم (لغة الموضوع) وحين يتحدثكارناب عن (السيموطيقا) فأنه يعني بها تلك النظرية العامة في (لغة الموضوع) على نحو مايمكن صياغتها في عبارات ماوراء اللغة ولكن للسيموطيقا ثلاثة فروع : البراجماطيقيات، والسيمانطيقيات والفرع الاول منها هو عبارة عن دراسة تجريبية لعناصر ثلاثة يمكن التمييز بينها في نطاق عملية أستخدام أية لغة من اللغات الا وهي : العلامات اللفظية والمعاني (أو مايسميه كارناب بأسم الدلالات) التي تنطوي عليها تلك العلامات ثم المستخدمون لتلك العلامات، والدراسة البراجماطيقية للغة تشتمل على هذه العناصر الثلاثة جميعا، ولو شءنا أن نبسط الامور لكان في وسعنا أن نقول أن مهمة هذه الدراسة البراجماطيقية تشبه من بعض الوجوه ذلك النشاط الذي يضطلع به عالم الانثروبولوجيا حين يكون قاموسا أو معجما للقبيلة التي يدرسها فالباحث في النثروبولوجيا يقوم بدراسة الطريقة التي يصطنعها رجال القبيلة في أستخدامهم للكلمات ويعمد الى تسجيل أساليبهم في هجائية الالفاظ والتأليف بينها، كما يحرص على معرفة المعاني أو الدلالات التي تشير أليها ألفاظهم أما الدراسة السيمانطيقية : فهي عبارة عن عملية تجديد يقوم بها أبتدأ من الدراسة البراجماطيقية والباحث السيمانطيقي يحصر كل أهتمامه في الالفاظ أو العلامات، مع العناية في الوقت نفسه بدلالتها أو معانيها ومعنى هذا أن الدراسة السيمانطيقية لاتوجه أهتمامها الى الناطقين باللغة والمستخدمين للكلمات، بل هي تركز كل أنتباهها حول العلامات ودلالتها ولايرى كارناب مانعا من القول بوجود ضربين من السيمانطيقا : سيمانطيقا وصفية هي عبارة عن دراسة تجريبية للعلامات ومعانيها الواقعية المستخدمة بالعلل في الاستعمال العادي أو (الشعبي) من جهة. وسيمانطيقية محضة أو (خالصة) لايمكن أعتبارها دراسة تجريبية بل هي دراسة معيارية تضع قواعد العلامات وتحدد معانيها الصحيحة من جهة أخرى، وحين يتحدث كارناب عن نسق أو نظام سيمانطيقي خالص : فأن يعني به لغة أصطناعية تتكون من قواعد محددة تنص على بعض الدلالات وتشير الى مجموعة من العلامات اللغوية ويضرب لنا كارناب مثلا العبارة أو (جملة) سيمانطيقية صرفة فيقول أن العبارة القائلة بأن (الصفة اللفظية) (واسع) تشير الى خاصية الاتساع (بالمعنى المادي) هي عبارة سيمانطيقية صرفة تبين لنا كيف ينبغي أن نستخدم (واسع) في نطاق لغة أصطناعية معلومة. فلو أننا تحدثنا مثلا عن مستوى واسع أو (رتبة واسعة) لكان هذا التعبير اللغوي تعبيرا خاطئا في نطاق (النسق السيمانطيقي) الذي وردت فيه القاعدة السابقة (2). لقد كان كارناب مقتنعا تماما بصلاح المعيار التجريبي للمعنى وبالتمييز بين التحليلي والتركيبي فأنه يعتبر جانبا كبيرا من المتافيزيقا التقليدية والكلام الاخلاقي عديم المعنى : أن الذي لايحرز رضا معيار المعنى (وهو الرضا الذي يجب أن تحرز بكل العلوم التجريبية) وماليس تحليليا ومثل الرياضيات والعلوم) لابد أن يكون أما متناقضا أو عديم المعنى ويعتقد كارناب أن معظم الميتافيزيقا مثل (العدم يعدم) لهايدجر ومثل الكثير مما يدعى القوانين الاخلاقية يدخل ضمن هذه الفئة، قد يكون لها معنى شعري أو (أنفعالي) لكنها من ناحية المعلرفة عديمة المعنى وتزدهر مدرسة للتحليل الاخلاقي في ضوء هذه النتيجة فتنبذ المذهب الطبيعي الاخلاقي الذي جاء به ديوي كما ترفض رأي (مور) بأن الصلاح الاخلاقي صنعة (لاطبيعية) ولايمكن الاهتداء أليها بالملاحظة العلمية أو بالتجربة في ظل أحوال كهذه يخلص كارناب الى أن الفلسفة ليست سوى التحليل المنطقي للعلم، وجاء حين طبق فيه هذه النتيجة فقط على مايسميه علم تأليف الجمل من اللعة العلمية وهو العلم الذي كان مقصورا على دراسة العلاقات بين الرموز المفهومة بصورة بحتة كقوالب لتأليف الجمل، لكنه تحت تأثير عالم المنطق ألفرد تارسكي وسع نطاق رأيه لكي يشمل فرع المعاني أو دراسة العلاقات بين الرموز والاشياء التي ترمز لها صراحة أو ضمنا وهما بدورهما يجب تمييزها عن فرع الذرائعيات الذي يدرس العلاقات بين الرموز والاشخاص الذين يدرسونها ويستقبلونها أذ جاز القول، لان هذه المسالة (أقرب الى النفس، طبق كارناب طراءقه على موضوعات فلسفية هامة كثيرة مثل الضزورة، الوجود، الاحتمال) وأثر في عدد كبير من المناطقة والفلاسفة الشبان والبعض ممن كانوا يتبعونه بصورة عمياء وأخذوا يختلفون معه في الرأي في السنوات الاخيرة (1).
الفصل الثاني
(أسهاماته في مجال البنية أو التركيب aufbau )
أن البنية أو التركيب المنطقي يمكن النظر أليه بوصفه محتويا على ثلاثة جوانب متكاملة هي :
(1)نوع جديد من الطريقة المنهجية الجديدة. أستخدام هذه الطريقة في أقامة تخطيط لنسق اونظام متكامل.
(2)وتطبيق هذا المنهج بالنسبة لحل المشكلات الفلسفية.
(1) المنهج :
أن منهج التلركيب أو البناء aufbau عند كارناب يسميه بنظرية التركيب أو نظرية التأسيس construction وهذا المنهج يمكن أعتباره أستمرار لطرق ومناهج سبق أستخدامها بواسطة أرنست ماخ وخاصة في كتابه (تحليل الاحساسات) وبرتراند رسل خاصة في كتابه معرفتنا بالعالم الخارجي) ربما كذلك بواسطة فتجنشتاين.
والفكرة الرئيسية في هذا المنهج هي فكرة (أمكان الرد) فالمفهوم (س) يقال أنه يقبل الرد الى مجموعة من التصورات أو المفاهيم (ص) أذا كانت كل عبارة تتعلق ب(س) يمكن تحويلها الى عبارات تتناول التصورات أو المفاهيم المتعلقة ب(ص) مع الاحتفاظ بقيمة الصدق.
ويتم هذا التحويل بواسطة قاعدة أو تعريف بنائي تركيبي، على الرغم من أن هذه القاعدة (هي من الناخية الصورية) تعريف فأنها لاتحتاج أن تكون تعريفا بمعنى التحويل اللفظي الخالص أي، لاتحتاج أن تكون هي الحالة التي تكون فيها الموضوعات المعينة بالتعريف هي نفسها الموضوعات المعنية بعبارة التعريف.
والواقع أن منهج البناء أو التركيب، يستمد سمته الاساسية من أن : (هذا ليس هو ذاك)the fact that this is typically not so هذه التعريفات البنائية التركيبية، ينبغي أن ترتب في بناء على نحو ينتج مجالا محدودا، لمجموعة محدودة جدا من التصورات تسمى بالتصورات أو المفاهيم الاساسية، كما يسمى الملركب الناتج كله بالنسق أو النظام المركب (2).
بهذه العملية يستفيد كارناب من المنطق الحديث، ويستخدم مناهجه فالنسق المركب، هو بناء من تعريفات مضبوطة ومبرهنات ويكون في صورية خالصة، أفضل تعريف بلغة المنطق الحديث، بالاضافة الى بعض الحدود اللامعرفة وتبعا لذلك فأن كتاب (المبادىء الرياضية) لرسل وهوايتهيد يمكن أعتباره نموذجا للنسق المركب، والواقع أنه مما يبدو واضحا أن كتاب (المبادىءالرياضية)لرسل قد أوصى لكارناب بفكرة البناء أو التركيب.
(2) بناء أو تركيب النسق.
أن المجال الذي بحث كارناب في وضعه في نسق مركب، كان هو مجال كل الموضوعات المعروفة (أو التي يمكن أن تعرف) ولذا فأن النسق الذي يقدمه يمكن أعتباره نسقا مركبا لنظرية المعرفة، وهو قد أعتبر أن الموضوعات المعرفة يمكن تصنيفها الى أربعة أنماط رئيسة :
(1)موضوعات أجتماعية وثقافية socio –cultural . (2)عقول الغير other minds .
(3)وموضوعات فيزيائية physical . (4)خبرات الفرد الواحد، أو الموضوعات النفسية الخاصة prived – phychical
لقد أنتهى كارناب من حيث الاولية المعرفية الى عكس هذا الترتيب السابق تماما. فهو قد أختار خبرات عقل الانسان الفرد الواحد كأساس (وهو أساس ذاتي
solipsistic ) ومن خلال هذه الخبرات الفردية أختار كارناب علاقة أولية واحدة لاتماثلية أو التي تذكرنا بالتشابه وتختصر بالرمز (er)وهكذا فأنer (س،ص)بين موضوعين أو خبرتين هما (س، ص) تكون صحيحة أذا تم تذكر س بوصفها مشابهه ل(ص) وبالاستعانة بهذا المفهوم أو التصور، فأننا نستطيع تعريف الخبرات الاولية أو (الابتدائية)بوصغها هي مجال العلاقة)er)فنعرف التماثل الجزئي بوصفه العلاقة التي تقوم بين الخبرات، أذا كانت الخبرات واحدة، أو أذا كان er علاقة ذات أتجاهين.

وتعريف مجالات أو مناطق التماثل بعضها هي فئات تجريد التماثل الجزئي، وذلك خلال أستخدام التعريفات المماثلة لكن الاكثر تركيبا، ركب كارناب وكون (فئة الكيفيات)و(تماثل الكيفيات) و(فئة الحس) و(الاحساس) و(الالوان المتجاورة، والافكار والتصورات المتماثلة، المتعلقة بالترتيب الزمني الى هذا الحد أو المدى) توقف كارناب عن تطوير فكرة الصوري وشرع في أستخدام طريقة غير صورية (وبعناية كبيرة) تذكرنا بالطريقة التي أستخدمها رسل في كتابه (معرفتبا بالعالم الخارجي) فأقام أو ركب وشيد العالم الزماني والمكاني. وحدد أو عين الكيفيات الحسية لنفاطه وحينئذ كان في مقدوره أن يعرف (الموضوعات المرئية) (وجسمي أنا) فأذا ماأنجز ذلك أو تم له ذلك، نجده يتجه الى عام الادراك الحسي والعالم البيولوجي ومن ثم الى الكائنات الانسانية والى موضوعاتها الثقافية وفي مناقشة هذه الامور والموضوعات كان كارناب عادة مايستخدم ماأسماه أو حدده باللغة الواقعية المالوفة في العلم الطبيعي وأحيانا كان يستخدم بالاضافة الى ذلك صيغا أخرى الاأنه كان يصر أبتدأ وفي كثير من مواضيع التركيب على أن الامر ليس الامجرد سهولة ويسر في الصياغة الصورية، وأن كل شي ء أساسي يمكن ترجمته الى رمزية صورية، وأكثر من ذلك فهو يعبر على أن أختيار الاساس الذاتي، هو أمر منهجي وليس بالامر المتافيزيقي أما الاسس الاخلاى، فهي ممكنة أذا ما أستبعدنا أو أسقطنا المطلب القائل بأن نظام أو ترتيب التركيب يتبع نظاما أو ترتيبا معرفيا كالاساس الفيزيائي مثلا،أو الاساس الذي يكون موجودا في كل المجال النفسي الخاص وحده، وأخيرا فهو يقرر بوضوح أن ماكان يحاوله لم يكن وصفا للعملية الفعلية لصياغة المفهوم أو التصور بقدر ماهو أعادة البناء المنطقي لهذا التصور أو المفهوم (1).
وأما التركيب أو البناء اللغوي فهو يمثل في نظر كارناب درجة أعلى من درجات التجريد وعلى حين أن الدراسة البراجماطيقية تشتمل على عناصر ثلاثة هي (العلامات الدلالات، لاشخاص الذين يستخدمون تلك العلامات تجيء تلك الدراسة السيمانطيقية وتسقط من حسابها هولاء الاشخاص الناطقين بالالفاظ لكي تركز أنتباهها حول العلامات ودلالتها في حين يعمد البحث البنائي أو التركيبي الى أغفال دلالات العلامات وتجاهل القائمين على أستخدام تلك العلامات من أجل التوقف عند العلامات وحدها، مع الاهتمام بدراسة القواعد التي يمكن بمقتضاها التأليف بين تلك العلامات وتداولها. ولو كان لنا مرة أخرى أن نقوم بعملية تبسيط لكان في وسعنا أننقول أن موضوع (البحث البنائي) أو التركيبي هو القواعد التقليدية للاستنباط المنطقي، على شرط أن نضيف الى ذلك، أن القواعد هنا قد صيغت على نحو أكثر تجريدا وأمعن في الشكلية، مما عرض عليه في العادة وهكذا قد يكون في وسعنا أن نقررأن الدراسة البرجماطيقية هي أشبه ماتكون بعملية وضع معجم للستعمال العادي في حين أن الدراسة السيمانطيقية هي أشبة ماتكون بعملية تحديد التعريفات الدقيقة الواضحة للالفاظ في مؤلف أصطلاحي أو رسالة تكنيكية خاصة، بينما الدراسة التركيبية هي أشبه ماتكون بعملية تكوين لجهاز شكلي (أو مجموعة صورية) من القواعد المنطقية. لقد قدم لنا كارناب فهمه لطبيعة العملية التركيبية أو البنائية في مضمار اللعة في كتابه (الفلسفة والتركيب المنطقي) أن التركيب عند كارناب نظرية شكلية أو صورية صرفة ومعنى هذا أنه ليس من شأن الدراسة التركيبية أن تخوض في معاني الكلمات أو دلالات العلامات بل هي لابد من أن تحضر نفسها في مجال خاص محدد، الاوهو اشكال الالفاظ أو صور العلامات وبعبارة أخرى لابد للدراسة التركيبية من الاقتصار على البحث في القواعد التي تنص على طرق التأليف بين العلامات وتداولها مع العلم بأن (العلامات) هنا لاتزيد عن كونها مجرد أشكال أو رسوم أو أصوات، غير أن كارناب يقسم القواعد التي تنطوي عليها هذه النظرية الصورية المحضة الى نوعين : قواعد تكوين أو صياغة، وقواعد تحويل أو تعديل : وقواعد الصياغة أو التكوين هي في الواقع تلك القواعد التي تحدد ماينبغي أعتباره (جملة سليمة)ونحن نلتزم في العادة قواعد صياغة ضمنية تشتمل على كل لغة من اللغات وليس القواعد التي ينص عليها كارناب سوى صيغة صريحة لتلك القواعد المتبعة عادة في اللغة الانكليزية، أما قواعد التحويل والتعديل فهي تحدد ضروب التداول والتعامل التي يمكن القيام بها أبتدأ من العبارات السابقة أذ أن الصياغة السليمة التي توصلنا أليها عن طريق قواعد التكوين أو الصياغة وليس قواعد التحويل سوى قواعد الاستنباط المنطقي، معبرا عنها بلغة التركيب النحوي وكارناب يقررفي هذا الموضع أن الحدين البدائيين في عملية التركيب المنطقي هما (الجملة والنتيجة المباشرة) ومعنى هذا أن مهمة التركيب مزدوجة : فهناك من جهة عملية تحديد الجمل السليمة وهناك من جهة أخرى عملية أستخلاص النتائج المنطقية المترتبة عليها فضلا عن ذلك فأن هناك عملية أستخلاص النتائج المنطقية المترتبة عليها فضلا عن ذلك فأن هناك حدودا تركيبية أخرى يهتم كارناب بالافاضة في شرحها، مثل كلمة (صحيح) أو شرعي التي تكاد تساوي عنده مفهوم (التناقض الذاتي) وهاتان الفئتان من الجمل السليمة وغير الصحيحة (تكونان في نظره فئة الجمل المحددة) في حين أن كل ماعداها (جمل غير محدودة) والمتـمل في طريقة معالجة كارناب امسائل المنطق التقليدي يلاحظ أنه يحاول أن يستعيض عن العديد من التقسيمات الكلاسيكية بتقسيمات أخرى جديدة فضلا عن أنه يحرص على تجنب الحدين المنطقيين الاساسين (صادق) و(كاذب) نظرا لان هذين الحدين يتوقفان على مسألة معنى القضايا التي يقال عنها أنها صادقة أو كاذبة هذا الى أننا نجده يستبدل بمفهوم (التضمن) أو (الاستعراض) المستخدم عادة في المنطق الصوري مفهوم النتائج المباشرة ولما كان كارناب قد أعتبر التلاكيب نظرية شكلية أو صورية، فليس بدعا أن نجده يعمد الى وصف اللعة وتحديد قواعدها ووضع أساليب تداولها، دون الاهتمام بمسألة معنى الكلمات والجمل وبالتالي دون توجيه أدنى أنتباه الى الموضوعات التي تدور حول اللغة، ومعنى هذا أن كارناب لايعالج في دراسته مسائل الفيزياء أو الكيمياء أو الاحياء، بل هو يقصر كل أهتمامه على عملية تداول بعض الرموز التي يمكن أن تنسب اليها فيما بعد بعض المعاني بحيث تصبح كلمات وجملا في نظرية من نظريات الكيمياء أو الفيزياء أو علم الاحياء ولكن المهم فيما يقول كارناب أننا قد أقمنا تفرقة واضحة بين عمل الفيلسوف المنطقي من جهة وعمل العالم من جهة أخرى (1)
لقد ميز كارناب بين نوعين من العبارات : العبارات الوضعية والعبارات المنطقية تصنف ضمن العبارات الوضعية أسماء الاشياء المفردة في العالم، وأجزاء الاشياء والاحداث مثل (نابليون) و(بحيرة مشيغان) و(الشمس) و(الثورة الفرنسية) كما تتضمن هذه العبارات علامات تسمى خواص تجريبية ومن ضمنها أنواع المواد والعلاقات بين الاشياء والاماكن والاحداث. مثل (أسود،جار،كلب، فضة) يضاف الى ذلك الكلمات التي تشير الى الوظائف التجريبية للاشياء والنقاط مثل (الوزن، العمر، درجة الحرارة، حاصل الذكاء).
وتسمى العبارة وضعية أذا تضمنت عبارة وصفية، عدا ذلك تعد منطقية أما الافاهيم المنطقية مثل (صادق –منطقيا) فهي تلك التي تطبق كلما أمكن تطبيق الحد الدلالي الجذري المقابل (صادق) لاسباب منطقية فقط وتكتسب هذه الافاهيم المنطقية أهمية كبرى في التحليل المنطقي للعلم فلنفرض مثلا أن نظرية فيزيائية معينة، مصاغة كصنف في القوانين ق1، أوصافها بالدليل التوفر وكذلك السؤال أذا تم تأكيد ق2 الى درجة أكثر أو أقل من ق1.....
ومن جهة أخرى توجد أسئلة من نوع أخر، تسمى عادة أسئلة منطقية وهي تلك الاسئلة التي لاتعتمد، أجوبتها على نتيجة المشاهدات بل يمكن أن تعطي قبل عمل أي مشاهدات ملائمة.
يمكن مثلا للقانون س1 في ق1 الايتضمن أي محتوى واقعي، فيكون تحليليا تماما (سصادقة...تحليليا) وبذلك يصبح من غير الضروري أن نبحث عن تأييد لس بمشاهدة الوقائع. مادام س يتفق مع كل الوقائع الممكنة، ينبع من ذلك أن النظرية المبسطة ق1 الناتجة من ق1 بحذف س تزعم الشيء نفسه كالنظرية الاصلية ق1 أو بكلام أخر : ق1 معادلة منطقيا لق1. وللافاهيم المنطقية أهميتعا من الناحية الفلسفية أيضا، أذ يبدو أن أفهوم الصدق النطقي يزودنا بشرح واضح لفكرة الصدق التحليلي بالتعارض مع الصدق التأليفي وقد شدد كارناب على ضرورة اليمييز بين الصدق المنطقي والصدق الواقعي وذلك ضد تارسكي الذي أعتبر أن الفرق بين الصدق المنطقي والصدق الوافعي هو فرق في الدرجة فقط وأنه لاداع للتمييز بينهما، أما كارناب فيميز بين الافاهيم النطقية والافاهيم الواقعية، فهذه الاخيرة ترد في الجمل التي لايمكن تعيين قيمة صدقها بمساعدة القواعد الدلالية فقط بل يجب معرفة القواعد الملائمة لها، وذلك بعكس الافاهيم المنطقية التي يتعين صدقها وكذبها بالقواعد الدلالية فتكون أما صادقة منطقيا (تحليلية) أو كاذبة منطقيا (متناقضة).
وهذا التمييز يساعدنا في رأي كارناب على التخلص من الصعوبة التي منعت التجريبية القديمة من تقديم تفسير فرض لطبيعة المعرفة في المنطق والرياضيات فالتجريبية أكدت دائما على أن التجربة هي أساس كل معرفة ومن ضمنها الرياضيات أما كارناب وباقي أعضاء الحلقة فقد وافقوا العقلانين على رفضهم لوجهة نظر التجريبية القائلة بأن صدق (2+2=4)هو صدق عارض يرتكز على مشاهدة الوقائع، لان وجهة النظر هذه تعني أن الوقائع المستقبلية قد تدحض العبارة الذكورة والحل من وجهة نظر كارناب (يقوم على تأكيد الطرح التجريبي فقط بالنسبة الى الصدق الواقعي أما حقائق المنطق والرياضيات فليست بحاجة الى تأييدها بالمشاهدات،لانها لاتذكر أي شيء عن وقائع العالم بل تحمل على أي تشكيلة ممكنة من الوقائع (1).
(3)النتائج أو (التأثيرات العملية)
يفحص كارناب في الجزء الاخير من كتاب التركيب aufbau نتيجة نظرية التركيب على الفلسفة والعلم وعلى نظرية المعرفة والميتافيزيقا وذلك لأبتدا من خلال البحث في المشكلات التعلقة بالتوازي النفسي الجسمي والواقع الخارجي.
وفيما يتعلق بالمشكلة الاولى : فقد فرق كارناب أو ميز بين سلسلتين مختلفتين من الخبرات والتجارب (أي بين الملاحظات التي يلاحظها الانسان للحوادث في مخه، وبين خبرات وتجارب وعقل الانسان نفسه بناءا على التفسير المقدم لهذه الظاهرة، وهو يذهب الى أن السؤال الاول الاسبق وحده سؤال علمي، اما الاخير فهو سؤال ميتافيزيقي خالص وهو بالمثل : يميز بين المشكلة التركيبية أو التجريبية الخاصة بالواقع (فمثلا : هل حرب طروادة هي حادث واقعي حقيقي real أم أنه مجرد نتاج خيال شعري وبين المشكلة الميتافيزيقية الخاصة بالواقع (مثل هل الاشياء الفيزيائية المدركة. هي حقيقة واقعية أم أنها مجرد محتويات أو مكونات الشعور)
فالمشكلة الاولى تتعلق بما أذا كان من الممكن (وكيف) الشيء أو موضوع أن يكون متحدا أو مندمجا في نسق مشتمل عى الاطرادات المنتظمة وماهو موقفه من الترتيب الزمني.
أما المشكلة الميتافيزيقية –من جهة أخرى – فأنها لايمكن حتى التعبير عنها يحدود بنائية وهكذا فأن نظرة كارناب في كتابه (التركيب) تتلخص في أن المشكلات الميتافيزيقية لاعلاقة لها بالعلم. وعلى ذلك فأن نظرية التركيب المنظم –تبعا لكارناب ليست مثالية ولاهي واقعية وأنما هي متعادلة أو محايدة ميتافيزيقيا (2).

الفصل الثالث
(حذف واستبعاد الميتافيزيقا) :
بدأ كار ناب في رسالة قصيرة له ظهرت في نفس السنة التي ظهر فيها كتاب (التركيب) عام 1928، وكان متأثرا فيها إلى حد كبير بفتجنشتاين بدأ ينتقل من حياة الشكي تجاه الميتافيزيقا الى موقف مضاد جذريا ولقد كان عنوان هذه الرسالة هي (المشكلات الذائعة في الفلسفة عقول الاخلاين ومشكلة الفلسفة الواقعية) وكان يرى أن المشكلات الميتافيزيقية بصفة عامة، ومشكلة الفلسفة الواقعية والفلسفة المثالية بصفة خاصة ينبغي وفها بأنها أشباه مشكلات أو أنها مشكلات زائفة، وسرعان ماأصبحت هذه النظرة سائدة بين أعضاء جماعة فيينا، فقد أمتنع كارناب حتى موريس شليك بأن يتخلى عن واقعيته(1)
ولقد توقف كارناب عند بعض القضايا الميتافيزيقية التقليدية كالقضية القائلة بأن (ثمة الها) أو أن العلة الاولى للعالم هي اللاشعور أو أن ثمة (قوة فاعلية هي المبدأ الموجه لسائر الكائنات الحية) لكي يقول لنا لبفيلسوف الوضعي المنطقي لايزعم أن أمثال هذه القضايا كاذبة، بل كل مايريده هو أن يسائل أصحابها قائلا (مالذي تعنونه بهذه العبارات) وحين يتحدث الفلاسفة الميتافيزيقيون عن (الماهية الحقيقية للاشياء أو عن الاشياء في ذاتها أوعن المطلق أو عن العدم فأن الفيلسوف الوضعي المنطقي لايسعه سوى الاعترافات بأن كل هذهالعبارات فارغة تماما من كل معنى، والسبب في ذلك أن القضايا الميتافيزيقية ليست قضايا تحليلية، كما أنها في الوقت نفسه لاتقبل التحقيق تجريبيا، فهي لايمكن أن تكون الا (مجرد أشباه قضايا) ومعنى هذا أن الفيلسوف الميتافيزيقي يجد نفسه مضطرا الى أستخدام ألفاظ لاضابط لها ولاطائل تحتها، أن لم نقل أنها ألفاظ خاوية تماما من كل معنى هذا الى أن الميتافيزيقين واللاهوتيين يظنون أن عباراتهم تقرر أشياء، أو تحتوي على مضامين في حين أنها قضايا فارغة لاتشير الى شيء ولاتعني شيئا وحين قال ديكارت مثلا (أنا أفكر أذن أنا موجود) فأنه قد توهم أن الاستعمال الوجودي لفعل الكينونة يمثل خاصية من نوع ما. ومن ثم فقد راح يتحدث عن (الفكر) بوصفه وجودا وبذلك أرتكب خطا لفظيا جسيما، وبالمثل حينما قال هيدجر (أننا نعرف العدم) فقد أستخدم لفظ العدم كأسم. في حين أن الكلمة لاتشير الاالى عملية النفي أو السلب في مضمار المنطق، وكثيرا مانايقي في كتب الفلاسفة الميتافيزيقين بأصطلاحات خمسة كقولهم مثلا (وجود الوجود) أو فكر الفكر وماالى ذلك من عبارات فارغة تماما من كل معنى، ولو تمهل الفيلسوف الميتافيزيقي قليلا، لادرك أولا أن الوجود ليس محمولا أو (صفة) وأنه ليس من حقه أن يطبق تلك الصفة على نفسها، اللهم الا أذا كان في أمكاننا أن نتحدث عن (طول الطول) وهلم جرا، وفضلا عن ذلك فأنه ليس هناك أدنى معنى لكل تلك الخلافات التي طالما قامت بين الفلاسفة حول المثالية والواقعية والظاهرية والوضعية وماالى ذلك : أنه ليس ثمة معنى تجريبي لمشكلة المعرفة مادام من المستحيل تجاوز دائرة الواقعية التجريبية أو العلو على نطاق الظواهر وكارناب هنا يسير في نفس الاتجاه الذي كان فتجنشتاين قد شرع في أنتهاجه وأن كان مقصده الاساسي من وراء رفض الميتافيزيقا هو العمل على تطهير العلم الطبيعي والرياضيات وعلى حين أن فتجنشتاين قد دعا الى الى السكوت عما لايمكن للمء أن يتحدث عنه، نجد أن كارناب وجماعة الوضعيين المناطقة يؤكدون أننا حين تصمت عن المتافيزيقا فأن مانصمت عنه ليس بشي ءأصلا، وأية ذلك أن العبارات الميتافيزيقية المزعومة هي مجرد تركيبات لغوية فارغة تتعارض مع الاستعمال الحقيقي للكلمات من جهة، وتضم في الوقت نفسه قضايا زائفة لاتقبل التحقق التجريبي (الذي هو المعيار الاوحد لصدق القضايا التأليفية) من جهة أخرى.
ولابد لنا فيما يقول كارناب من أن نقيم تفرقة حاسمة بين وظيفتين مختلفتين من وظائف اللغة قد تعني شيئا، أو قد تعبر عن بعض العواطف والرغبات والفلسفة الكلاسيكية قد دأبت على الخلط بين هاتين الوظيفتين مما ترتب عليه أن أصبحت ألفاظ الفلاسفة معبرة عن مجرد عواطف لادالة على معان ولكن الفلاسفة الميتافيزيقيون قد ظلوا يتهمون أن عباراتهم تمثل قضايا منطقية تقبل البرهنة، في حين أنها مجرد تعبيرات عاطفية تكشف عن أنفعالات ومشاعر دفينة ولاتنطوي على دلالات أو معاني منطقية وهنا قد يقال (أذا كانت كل القضايا الميتافيزيقية هي مجرد أشباه قضايا فلماذا تمسكت الانسانية كل هذا الامد الطويل بنظريات الميتافيزيقا ومذاهبهم).
ورد كارناب على هذا الاعتراض، أن الميتافيزيقا لاتنطوي على نظريات كما أنها لاتشتمل على قضايا علمية، ولكنها مع ذلك تعبر عن شيء ما وما هذا الشيء الذي تعبر عنه سوى الشعور بالحياة، فالميتافيزيقا أقرب ماتكون الى
الشعر والاساطير وأن كان الفارق بيت الميتافيزيقي والشاعر أن الاول منهما لايريد أن يعترف بأن أقواله وليدة الانفعال والعاطفة في حين أن الثاني منهما يسلم بأن شعره أداة فنية يعبر بواسطتها عن شعوره بالحياة والفيلسوق الميتافيزيقي فيما يقول كارناب هو فريسة لوهم بالغ، لانه أذ يصوغ عباراته في قالب منطقي محاولا أن يقيمها على أسس برهانية كثيرا مايتوهم أن أداته هي العقل أو التفكير لاالخيال أو العاطفة بينما الواقع أن تأملاته كلها لاتخرج عن كونها أحلام شاعر ظل سبيله، وهذا الوهم الذي سيطر على عقول الكثيرين لم يستطع أن يجد سبيله الى عقل نيتشه حرجا في أن يصوغ فلسفته على صورة أشعار أودعها كتابه (هكذا قال زرادشت) وبذلك أعترف ضمنا بأن الفلسفة تعبير عن الشعور بالحياة والحق أن الموسيقى أقدر من الفلسفة على التعبير عن الشعور بالحياة والحق أن الموسيقى أقدر من الفلسفة على التعبير عن الشعور بالحياة : لان لديها من جهة وسائط أنقى. ولانها من جهة أخرى متحررة تماما من كل ماهو موضوعي، فهذا الشعور التوافقي بالحياة الذي يريد الميتافيزيقي أن يترجم عنه بمذهبه الواحي يتجلى بصورة، أوضح في موسيقى موتسارت وهذا الشعور البطولي، بالصراع أو الجهاد الذي يعبر عنه الميتافيزيقي بمذهبه الثنائي أنما يدلنا على أن الموهبة الموسيقية معدومة لدى الفيلسوف فهو لايملك عبقرية بتهوفن مثلا حتى يستطيع أن يتحرك في الوسط الملائم له ومعنى هذا أن الميتافيزيقي ليسوا الا موسيقين قد عدموا كل موهبة موسيقية فهم يحاولون التعويض عن هذا النقص بما لديهم من ميل شديد نحو العمل في مجال النظريات والاتجاه نحو التأليف بين الافكار والمفاهيم بينما يعبر الموسيقار بأنسجام شعوره بالحياة، يظل الميتافيزيقي عاجزا عن التعبير بمفاهيمه وأنضاره العقلية عن ذلك الشعور الحيوي وبدلا من أن يستخدم عقله في مجاله الصحيح (الاوهو مجال العلم) أو بدلا من التوجه نحو الفن حاجته الى التعبير يعبر الميتافيزيقي على الخلط بين الميلين فلا يكاد عمله الفلسفي يضيف شيئا الى علم المعرفة ولا يقوى في الوقت نفسه على تزويد شعورنا بالحياة الا بتعبير قاصد شدبد النقص (1).
ويميز كارناب بين أستبعاد الميتافيزيقا الذي قامت به الوضعية المنطقية وبين المحاولات السابقة الفاشلة في رأيه، والتي يمتد تأريخها من الشكاك اليونان الى تجريبي القرن التاسع عشر فهولاء حاربوا الميتافيزيقا بأعتبارها عقيدة كاذبة أو غير يقينية أو عقيمة أما الوضعية المنطقية فقد أستفادت (من تطور المنطق الحديث الذي جعل من الممكن تقديم جواب جديد أو أكثر دفة فيما يتعلق بالسؤال عن قيمة الميتافيزيقا وأمكان تسويغها) فقد أدت الابحاث المتعلقة بالمنطق التطبيقي أو نظرية المعرفة الى نتيجتين : واحدة أيجابية وأخرى سلبية، الاولى كانت في مجال العلوم حين تم توضيح مختلف أفاهيم فروع العلم بواسطة التحليل المنطقي والثانية في مجال الميتافيزيقا ومن ضمنها كل فلسفة القيم والتشريع حين (أدى التحليل المنطقي لالى النتيجة السلبية القائلة بأن كل الاحكام المرعاة في هذا المجال لاتحيل الى شي ء وبذلك تم التوصل الى الاستبعاد الجذري للميتافيزيقا المر الذي لم يكن ممكننا من وجهة نظر الانتي – ميتافيزيقية السابقة، ويجحب في رأي كارناب أن نفهم عبارة (لاتحيل الى شي ء)بالمعنى الضيق وليس بالمعنى الواسع، فبالمعنى الواسع يكون حكم مثل (كان في فيينا ستة أفراد عام 1910) دون مدلول فقط، بمعنى أنه من العقم أن نسأل عنه أو أن نؤكده، ولكنه من جهة ثانية ذا مدلول رغم أنه كاذب أو عديم الفائدة، أما بالمعنى الضيق فسيكون تسلسل ما من الكلمات من دون مدلول، أذا لم تنشىء حكما في سياق لعة معينة، أما أذا بدا هكذا تسلسل من الكلمات حكما للوهلة الاولى ففي هذه الحالة نسميه حكما مزيفا ويظهلا التحليل المنطقي بأن الاحكام الميتافيزيقية المدعاة ليست سوى أحكام مزيفة (2)
يقسم كارناب الاحكام الزيفة الى نوعين : الاول يتضمن كلمة أو كلمات يعتقد أن لها مدلولافي حين أن العكس هو الصحيح، أما النوع الثاني فهو الذي يتضمن كامات ذات مدلول ولكنها رتبت بطريقة تخالف قواعد النحو بحيث لم يؤدي هذا التسلسل من الكلمات الى حكم ذي مدلول والميتافيزيفا تقوم على هذين النوعين من الاحكام.
أما عند السؤال عن تلك الكلمات والاحكام المتافيزيقية من أين تأتي أليس من المفروض أن لكل كلمة مدلولا وأنها دخلت اللغة على هذا الاساس ؟ يرى كارناب أن لكل كلمة مدلولا في الاصل ولكن بعض هذه الكلمات يتغير مدلولها، أثناء التطور التأريخي وبعضها الاخر يفقد مدلوله القديم من دون أن يكتسب أخر جديدا فينتج أستخدامها في الجمل أحكام مزيفة. أما الشروط الواجب توفيرها في الكلمة لتكون ذات مدلول، فهي في رأي كارناب أولا : أن يثبت نحو الكلمة أي طريقة ورودها في أيسط صورة لجملة، مثلا أبسط صورة لجملة ترد فيها كلمة حجر هو (س هو حجر) بحيث يمكن أستبدال (س) بشي ء مثل الاماس أو الذهب.
ثانيا : يجب أن يكون من الممكن تقديم جواب السؤال بخصوص الجملة (ج) التي تتضمن الكلمة موضع البحث، ويمكن صياغة هذا السؤال بطرق عديدة مثل : ماهي الجمل التي تستنبط منها (ج) ماهي الجمل التي تستنبط من (ج).
أو في أي الظروف يفترض أن تكون (ج) صادقة وفي أي الظروف يفترض أن تكون كاذبة، بكلام أخر لتقدير ماأذا كان للكلمة مدلول أم لا يجب تطبيق مبدأ القابلية للتصديق وهو المبدأ الذي ينص على أن مدلول جملة ما يتحدد بشوط تصديقها أي أذا وجدت ظروف ممكننة وليس بالضرورةفعلية تحدد صدق الجملة وفي حالة الكلمات العلمية من الممكن أن نحدد مدلولها بأرجاعها الى كلمات أخرى، وهذا بتعريف الكلمة مثلا يمكن تحديد مدلول كامة (المفصليات) بالقول أن المفصليات هي حيوانات مقسمة الاجساد ومفصلية الارجل، وهكذا تتم الاجابة عن السؤال أعلاه بالنسبة الى جملة (الشيءس هو حيوان مفصلي) فلتحديد مدلولها يجب أن يكون من الممكن أستنباط صورة مثل هذه الجملة من المقدمات التي صورتها (س هو حيوان)(س له جسم مقسم) (س له أرجل مفصلية) وبالعكس يمكن أستنباط كل واحدة من هذه الجمل من الجملة السابقة، وبهذه الطريقة ترد كل كلمة في اللغة الى كلمات أخرى حتى نصل الى كلمات تؤلف مايسمى (بجمل المشاهدة) أو الجمل البروتوكولية فمن خلال هذا الارجاع تكتسب الكلمة مدلولها أما عن ماهية الجمل البرتوكولية يقول كارناب : أنه بالنظر الى أهدافنا فمن الممكن أن نتجاهل تماما السؤال عن محتوى الجمل الاولية وصورتها (الجمل البروتوكولية) والذي تتم الاجابة عنه وبغض النظر عن تنوع الاراء فمن المؤكد أنتسلسلا من الكلمات يكتسب مدلولا فقط أذا تم تثبيت علاقات أستنباطية الى الجمل النوتوكولية مهما تكن مميزات الجمل البروتوكلية وبالمثل يقال للكلمة أنها ذات محتوى أذا أمكن أرجاع الجمل التي ترد فيها الى جمل بروتوكلية وعلى هذا الاساس تحدد الميتافيزيقا من غالبية كلماتها ألا أنها لاتحقق الشروط أعلاه.
أما الجمل الزيفة فهي تلك التي تتضمن كلمات ذات مدلول ولكنها لاتبت ترتيبا يخالف قواعد النحو، مثل قيصر هو و(قيصر هو عدد أولي)الاولى تعد مزيفة لانها شكلت بطريقة تخالف قواعد النحو التي تفرض وجود صفة أو أسم في الموقع الثالث أما الثانية فرغم أنها صحيحة نحويا ألا أنها من دون مدلول، لانه كلمة (عدد أولي) تحمل على الاعداد وليس على الاشخاص فلا يمكن بالتالي أنكارها أو أثباتها أي لايمكن أن تعبر عن قضية صادقة ولاعن أخرى كاذبة(1).
وقد كتب د. عبد الرحمن بدوي عن فقرة(رفض اليتافيزيقا) وعن كارناب قائلا : يعد كارناب من أكبر من أسهموا في الوضعية المنطقية وهي نزعة يصعب جدا أدراجها بين النزعات أو المذاهب الفلسفية بالمعنى الصحيح، لانها تقوم أساسا على رفض الميتافيزيقا مع أن الميتايزيقا هي جوهر الفلسفة بالمعنى الصحيح.
وأساس الوضعية المنطقية هو تحليل اللغة سواء اللغة الطبيعية العادية واللغة العلمية واللغة الفلسفية لان أصحابها يزعمون أن الخلافات بين الاراء أو المذاهب الفلسفية. أنما يرجع الى سوء فهم أو سوء تحليل للتصورات الفلسفية وكأن المشاكل الفلسفية ماهي الا خلافات ناجمة عن أشتراك في معاني الاصطلاحات الفلسفية.
يقول كارناب في كتابه الصغير بعنوان (مشاكل وهمية في الفلسفة : عقول الاخرين والنزاع حول الواقعية) عام 1928 أن المشاكل الميتافيزيقية بعامة ومشكلة الواقعية والمثالية بخاصة ينبغي أن تعد مشاكل وهمية زائفة ويعتمد كارناب في دعواه هذه على مبدأ قابلية التحقيق الذي قال به فتجنشتاين وهو المبدأ الذي يقول أن معنى عبارة ما أنما يعطى بواسطة أحوال أو (شروط) تحقيقها، والعبارة أو التقدير تكون ذات معنى أذا وفقط أذا كاي\نت قابلة للتحقيق من حيث المبدأ. وقد عدل كارناب فيما بعد عن أن تطلب أمكان التحقيق الى مجرد التأييد، وقابلية التحقيق يقصد بها أمكان العثور على معنى العبارة، متحققا من التجربة المباشرة أو غير المباشرة فأن لم تكشف العبارة أو التقدير عن أمكان تحقق معناها في التجربة فيجب أن تنبذ على أنها عبارة وهمية زائفة خالية من المعنى. وكارناب ومن لف لفه يعتبرون من العبارات الواجب نبذها هذا أن لم يكن كل التقديرات الواردة في الميتافيزيقا وكثير من تلك الواردة في الاخلاق وعلم الجمال.
ويقرر كارناب أن المشاكل التي تدرس في هذه الميادين (الميتافيزيقا والاخلاق وعلم الجمال) ليس لها من أجوبة الا عبارات خاوية هي الاخرى من المعنى. لهذا لايعدونها مشاكل حقيقية أبدا في زعمهم مجرد صيغ لفظية لها مظهر الصياغة للمشاكل. بينما هي في الواقع –زعموا – تنتهك المعايير التجريبية لكون العبارة ذات معنى.
وفي مقال كتب كارناب بعنوان (التغلب على الميتافيزيقا بواسطة التحليل المنطقي للغة) سنة 1932 يؤكد هذا الاتجاه ويدافع عنه وفيه يميز بين نوعين من التقديرات الوهمية أو الزائفة –على حد زعمه – هما : التقديرات التي تحتوي على لفظ يظن خطأ أن له معنى تجريبيا والتقديرات التي تكون عناصرها ذات معنى ولكنها مجتمعة لاتعطي معنى ويزعم كارناب أن كلا النوعين متوافر جدا في الميتافيزيقا وساق شواهد على ذلك عبارات قالها مارتن هيدجر في محاضرته (مالميتافيزيقا) ومن بينها عبارة مشهورة وردت في هذه المحاضرة نصها (أن العدم نفسه يعدم) ويعلق عليها كارناب قائلا : هذه العبارة تحتوي على خطأمزدوج : أذ تحتوي على لفظ لامعنى له وهو يعدم وعلى خطأ في نظم العبارة مجتمعة هو أستخدام اللفظ (العدم) على أنه أسم بدلا من أن يكون تعبيرا عن نفي مكمم وجودي مثل لاشيء هو(ع).
ومن سوء النية قطعا أن يستمد كارناب شواهده من عبارات هيدجر ومن المعروف أن لهيدجر لغة خاصة تختلف كل الاختلاف عن لغة الميتافيزيقين وينبغي أن تفهم في سياق وأطار فلسفة هيدجر وحدها وما هيدجر الاواحد من مئات الفلاسفة الميتافيزيقين منذ أفلاطون وأرسطو حتى اليوم فكيف يصدر حكمه العام هذا على (كل) أو (جل) الميتافيزيقا من مجرد شواهد من عبارات فيلسوف واحد تميزت لغته بطابع خاص جدا ومن الامثلة التي يسوقها على الكلمات الخاوية من الالفاظ الاتية (المطلق) اللامشروط (الوجود الحق)، الله، العدم (سبب العالم) ولتوضيح رأيه في العبارات العديمة المعنى يسوق المثل التالي : أذا أفترضنا أن انسانا أستعمل الصفة babig وهي لاوجود لها في الالمانية، تقريبا مثل كلمة (خنفشار) وأدعي أن على المرء أن يقسم كل الاشياء الى babig خنفشارة ولاخنفشارة فأن سئل سائل : بأي شروط يسمى الشيء الفلاني خنفشاريا فالجواب أنه لايمكن الاجابة بشيء لان الخنفشارية صفة ميتافيزيقية لاتوجد أية علاقة تجريبية تدل عليها. وبهذا المعنى سيقول المرء أن العبارات المتعلقة بالخنفشارية هي كلام فارغ لامعنى له، وسيقر كل أنسان بأن الكلمة (خنفشاري) لايحق لنا أستعمالها في الاقوال العلمية.
ويصرح كارناب بأن هذا أيضا ينطبق على اللفظ (الله) وبصورة أظهر لان الميتافيزيقين لايستطيعون أن يحددوا أولا الوضع النظمي للفظ (الله) فلا يحددون هل هو أسم أو صفة. فأذا فرضنا أن هذا اللفظ صفة (محمول) فأن من الممكن القول : س هو الله، وسيكون معنى هذا القول هو بيان العلامات التجريبية التي لابد أن يملكها (الله) في نطاق نظرة أسطورية فيها ينظر الى الالهة على أنهم يسكنون مواضع محددة وتصدر عنهم أفعال تدل عليهم (مثل أطلاق البرق، أو أطلاق عاصفة على البحر) فأن كلمة الله تكون ذات معنى، أما في الميتافيزيقا حيث يدل هذا اللفظ على موضع عال، على الكون وغير تجريبي فأنه يصبح عديم المعنى لكنه ينبغي هكذا يزعم كارناب أن لايؤدي هذا البيان الى تأسيس الالحاد لان الالحاد يقوم في أنكار صحة هذه القضية :الله موجود) ولكنه بحسب المعيار الذي وضعه كارناب فأن هذه ليست قضية أطلاقا لانها خلو من المعنى بسبب كون اللفظ (الله) خلو من المعنى ولهذا يقول كارناب أن الالحاد، من الوجهة النظرية هو موقف لامعنى له تماما مثل التأليه.
ويحاول كارناب بعد ذلك أن يبين أن العديد من المسائل الفلسفية يمكن بيان أنه مسائل زائفة، وأن كان ينظر على أنها مسائل داخلة في نظرية المعرفة، مثال ذلك (مشكلة حقيقة العالم الخارجي) فلو أفترضنا جغرافيين أحدهما واقعي، والاخرين أتباع مذهب(الهو وحدية) : فأنه بالنسبة الى الاول الاشياء الفيزيائية ليس فقط مضمونات للادراك الحسي، بل وأيضا توجد في ذاتها خارج عقل الانسان وبالنسبة الى الثاني لايوجد الا الادراكات الحسية بينما ينكر وجود العالم الخارجي، وعلى كليهما الان أن يبحث هل توجد بحيرة معينة في وسط البرازيل مثلا. فيسعى كل واحد منهما الى تقدير ذلك مستعينا أولا بما لديه من معايير مثلا بالقيام برحلة أستكشافية لتلك المنطقة سيصلان بذلك الى نتيجة متفق عليها. وكذلك في المسائل الجزئية التجريبية التي يحدث بينها خلاف (مثلا فيما يتعلق بالموقع الجغرافي وسعة البحيرة. وأرتفاعها فوق مستوى سطح البحر لكن بعد أستنفار كل المعايير التجريبية أذا أدعى أحدهما أن البحيرة ليست فقط موجودة ولها الصفات التجريبية المحددة التي أدركوها بل (وأيضا فوق ذلك لها حقيقة خارج الشعور ومستقلة عن الشعور بينما مناصرو(الهو واحدية)، ينكر هذه الحقيقة فأن كليهما لايعود يتكلم لغة العالم التجريبي بل لغة الميتافيزيقي ولما كانت المعايير التجريبية قد أستنفدت فأنه لايبقى بعد ذلك أي مجال للفصل في هذا الخلاف في الرأي بينهما ولايستطيع الانسان حينئذ أن يقر بأن رأي الواقعي أو رأي الهو واحدي ذو معنى. فأذا تسأل المرء : أذا كانت القضايا الميتافيزيقية عديمة المعنى فمن أين جاء أذن قيام مذاهب ميتافيزيقية بأستمرار وأثارة مسائل جدلية وهمية هكذا، وجواب كارناب هو أن العلم ليس هو النشاط الروحي الوحيد الذي يقوم به الانسان فهناك نشاطات أخرى مثل الفن والدين وهكذا فأن المذاهب الميتافيزيقية ماهي الاصور مختلطة غامضة مستمدة من هذه الميادين الثلاثة :الميتافيزيقا، الفن، الدين. أن لدى الميتافيزيقين حاجة شديدة الى التعبير عن شعورهم بالحياة لكن ليست لديهم القدرة على القيام بذلك على نحو مناسب، بخلق أعمال فنية كذلك لديهم ولع بتناول التصورات المجردة وينشدون أحيانا نوعا من التقوى الدينية ومن ثم يتناولون لغة العلم ويعبرون بها عن تجربتهم للعالم ولكن على نحو غير سليم أبدا. أنهم لايؤدون للعلم شيئا. وأما بالنسبة الى الشعور بالحياة فيقدمون شيئا غير واف لو قورن بما يقدمه كبار أهل الفن، وبالجملة يزعم كارناب أن الميتافيزيقا تعبير غير واف عن الشعور بالحياة، أن الميتافيزيقين موسيقيون بغير موهبة موسيقية أو شعراء يفتقدون الى الملكة الشعرية.
أما المشاكل الكبرى التي شغلت الميتافيزيقا نفسها بها منذ القدم فهي في زعم كارناب ليست مشاكل علمية على الاطلاق لان المشكلة تقوم حين تصاغ قضية وينظر هل هي صحيحة أو باطلة، أما أذا كانت القضية بغير معنى، فأن المشكلة التي تعبر عنها هي مشكلة وهمية زائفة (1).
(1)المعنى والتحقق :
أن فكرة المشكلة الزائفة في الفلسفة، فكرة هامة لدى فلاسفة الوضعية الجديدة، سواء لتأثيرها في كتاب وفلاسفة أخرين، أو لتواتر تكرارها بشكل أو بأخر خلال كتابات كارناب نفسه، وعلى الرغم من أنها لم تكن الفكرة المحورية في فكر كارناب النسقي، والواقع أن أفضل فهم لهذه الفكرة أنما يكون في سياق النظريات التجريبية للمعنى وهذه الفكرة في صورتها الاصلية أنما تقوم مباشرة على أساس مايشير أليه كارناب بأسم (مبدأ فتجنشتاين) الخاص بأمكان التحقق، وهذا يؤكد (أن معنى العبارة يقدم بواسطة شروط تحقيقها. وأن العبارة لاتكون ذات معنى الا أذا كانت (من حيث المبدأ) قابلة للتحقق ولقد أستبدل بمطلب أمكان التحقيق فيما بعد بمبدأ أضعف هو مبدأ أمكان المطابقة أو (أمكان الاثبات confrmability وبوجه عام فأن النظرية التجريبية في المعنى ترى أن الالفاظ أو الكلمات أنما تستمد وتشتق معناها عن طريق أستيفاء شروط معينة وهذه الشروط يتم التوحيد بينها وبين نوع من الدلالة التجريبية المباشرة وغير المباشرة هذا ويعتبر كارناب وعدد من التجريبين المنطقيين الاخرين يعتبرون بعض التعبيرات والعبارات اللغوية والرياضية على أنها ذات معنى (على الرغم من أنها بدون مضمون أو محتوى واقعي) وذلك لاهتمامهم ببنية اللغات التي تصاغ فيها العبارات التجريبية الاأن كل العبارات الاخرى بخلاف تلك التي تكون ذات دلالة تجريبية وكذا العبارات اللغوية ينبغي أعتبارها على أنها خالية من المعنى أو مجرد لغو.
والعبارات المرفوضة تتضمن أو تحتوي على أغلب العبارات التي تنطوي تحت أسم الميتافيزيقا فضلا عن الكثير من العبارات المتعلقة بالاخلاق والجمال. ولقد كان كارناب يرى أن المشكلات التعلقة بهذه الميادين (وخاصة الميتافيزيقا أنما تمثل أجابات أو ردودا هي في حقيقتها ليست الاعبارات خالية من المعنى، وتبعا لذلك فهي ليست مشكلات حقيقية على الاطلاق، أنما مجرد صياغات لها مظهر العبارات المشكلة في حين أنها في الحقيقة، تفتقر الى المعيار التجريبي أو (البنائي) لكونها ذات معنى (1).
تتضمن نظرية المدلول عند كارناب، شرطين أساسين كمعيار لمدلولية أي حكم :
(أ) أن يكون لكل كلمة ترد فيه مدلول.
(ب) أن تترابط الكلمات ذات المدلول بشكل صحيح، أي حسب قواعد النحو المنطقي التي تحول دون خلط الطرز (نظرية رسل). وهناك جانب أخر لهذه النظرية هو معيار قابلية التصديق.
(ج) تكون قضية ما أصلية أذا وفقط أذا كانت دالة صدق القضايا أولية أو ممكنة الارجاع الى هذه القضايا التي تعبر عن مشاهدات وأدراكات حسية، بكلام أخر تكون القضية ذات مدلول أذا وفقط أذا كانت مترابطة بجمل مشاهدة بحيث يتبع صدقها من صدق هذه الجمل وقد أعتبر كارناب أن الشرطين (أ) و(ب) يعادلان الشرط (ج) وأن هذه الشروط الثلاثة لاتتوافر في الاحكام الميتافيزيقية مما يبرر أستبعاد هذه الاخيرة من دائرة الاحكام ذات المدلول.
أما بوبر فيرى أن الشروط الثلاثة أعلاه تتضمن الكثير من الاشكالات التي لم يلحظها كارناب والتي تؤدي في النهاية الى أزالة الحدود بين الفلسفة والعلم (2).
فأذا تفحصنا الشرط (أ) الكلمات ذات المدلول هي تلك التي يمكن تعلايفها تجريبيا، نجد أن هذا الشرط هو صياغة لوجهة النظر الاسمانية التي ترى أن كل الكلمات غير المنطقية هي أسماء أما المضوع الفيزيائي مفرد مثل (فيزو)أو الموضوعات تشترك في تسمية مثل (كلب) بكلام أخر تعرف كل كلمة أما صدقيا أو تعداديا بحيث يحدد مدلولها بقائمة أو تعداد الاشياء التي تسميها.
ولكن في رأي بوبر لاتتناسب هذه اللغة الاسمانية تماما مع الاغراض العلمية، لان كل جملتها تحليلية. أما صادقة تحليليا أو متناقضة ولايمكن التعبير عن جمل تأليفية بواسطتها فالجملة (فيزو هو كلب) ستكون صادقة لان (فيزو) كان واحدا من الاسماء التي عددناها عند تعريف كلمة (كلب) ولكن تصبح جملة (تشانكي هو كلب) جملة كاذبة وذلك ببساطة لان تشانكي لم يكن من الاشياء التي عددناها عندما وضعنا قائمة لتعريف كلمة (كلب).
أما فيما يتعلق بالشرط (ب) فيقول بوبر أن قبولنا فكرة رسل حول أمكان بناء لغة تتضمن نظرية الطرز وتكون منها عبارة مثل (أ) هي عنصر في الصنف (ج) عبارة غير مصاغة جيدا وبالتالي ميتافيزيقية لايعني أننا لانستطيع بناء لغات تصبح فيها العبارة أعلاه مصاغة جيدا وبالتالي ذات مدلول لابل نستطيع أن نبني لغة تكون فيها هذه العبارة صادقة.
ويريد بوبر من وراء ذلك الاشارة الى (أن برهان اللامدلولية الداخلية يجب أن يكون صالحا بالنسبة الى كل لغة متماسكة وليس فقط بالنسبة الى كل لغة كافية للعلم التجريبي، فالقليل من الميتافيزيقين يؤكد على أن الاحكام الميتافيزيقية تنتمي الى حقل العلوم التجريبية ولااحد يتخلى عن الميتافيزيقا لانه أخبر أن احكامها لايمكن أن تصاغ ضمن هذه العلوم (أو ضمن لغة مناسبة لتلك العلوم).
وفيما يخص الشرط (ج) المتعلق بمبدأ قابلية التصديق ويرى بوبر أن هذا المبدأ يستبعد من مملكة المدلول كل النظريات الفكرية أو (قوانين الطبيعة) لان هذه ليست ممكنة الارجاع (الرد) الى تقارير مشاهدة أكثر من تلك المسماة قضايا ميتافيزيقية مزيفة وهكذا فأن معيار المدلولية يقود الى الفصل الخاطىء بين الميتافيزيقا والعلم.
فالنظريات الحديثة في الفيزياء خاصة نظرية أينشتاين كانت على درجة عالية من الاعتبار والتجريد، وبعيدة جدا عما يمكن مشاهدته لابل أن هذا يصدق أيضا على نظرية نيوتن ولاننسى أن بيكن كان قد أعترض على السستام الكوبرنيكي لانه لايتفق مع ما تقدمه الحواس. ومن المعلوم أن كارناب قد أعترف بوضوح بصحة هذا النقد في كتابه (النحو المنطقي للغة) أذ يقول (تم التسليم في البداية بأن كل جملة لكي تكون ذات فحوى يجب أن يكون من الممكن تصديقها بشكل تام.) حسب وجهة النظر هذه لامكان لقوانين الطبيعة بين جمل اللغة. لذا قام كارناب فيما بعد بأستبدال مبدأالقابلية للتصديق بمبدأ اكثر تساهلا هو قابلية التأييد، تكون الفرضية أكثر أو أقل تأييدا أو دحضا بواسطة الدليل (1).
ويطرح مورتون وايت (تساؤلا حول الطريقة التي يمكن أن نتخذها للتحقق من صحة قضية ما ؟ أذا كان السؤال حول قضية تخبر شيئا حول أدراك أني (مثلا) الان أرى مربعا أحمر على ارض زرقاء فيمكن عندئذ أختبار صحة القضية مباشرة بأدراكي الحاضر فأذا كنت أرى الان حقا (مربعا أحمر على أرض زرقاء) فأن القضية يجري التحقق من صحتها بصورة مباشرة بهذه الرؤية وأذا كنت لاأرى ذلك فأن القضية لاتثبت صحتها، لاشك أنه لايزال هناك يعض المشكلات الجديدة المرتبطة بالتحقق المباشر والتي هي أكثر أهمية بالنسبة لاغراضنا.أن القضية (p) التي ريمكن التحقق من صحتها بصورة مباشرة لايمكن التحقق منها الا بالتحقق المباشر من جملة قضايا أخرى، مستنتجة من القضية (p ) مع قضايا أخرى قد حرص التحقق منها من قبل لنأخذ القضية (p) مع قضايا أخرى قد حرص التحقق منها من قبل لنأخذ القضية (p) : (هذا المفتاح مصنوع من الحديد(2).
هناك طرائق كثيرة للتحقق من صحة هذه القضية، مثلا أضع المفتاح بالقرب من قضيب من المغناطيس، عندئذ أدرك أن المفتاح ينجذب فيحدث هذا الاستنتاج بهذه الطريقة وانفصل ذلك وكما يلي :
(p1) هذا المقتاح مصنوع من الحديد القضية المطلوب فحصها.
(p2 ) أذا وضع شيء من الحديد بالقرب من المغناطيس فأنه سوف ينجذب وهذا قانون فيزيائي جرى التحقق منه قبل قليل.
(p3) هذا الشيء قضيب مغناطيس (قضية جرى التحقق منها من قبل).
(p4) المفتاح موضوع بالقرب من القضيب. وهذا نتحقق منه الان بصورة مباشرة بملاحظتنا.
من هذه المقولات الاربع يمكننا أن نستنتج النتيجة.
(p5 ) المفتاح سوف ينجذب الان بواسطة القضيب.
هذه الجملة تنبوء يمكن فحصه بالملاحظة،أذا نظرنا فأننا نلاحظ الجذب أو نلاحضه في الحالة الاولى نجد حقيقة أيجابية، حقيقة التحقق من صحة القضية موضع البحث، وفي الحالة الثانية يكون لدينا حقيقة سلبية حقيقة على عدم صحة القضية.
في الحالة الاولى لم يفرغ من فحص القضية p1 ، يمكن أن نعيد الفحص بواسطة قضيب المغناطيس أي يمكن أن نستنتج جملا أخرى شبيهة بp5 بمساعدة المقولات ذاتها التي مر ذكرها أو بمقولات شبيهة لها بعد ذلك أو بدلا من ذلك يمكن أن نجري قحصا بالاختبارات الكهربائية، أو بالاختبارات الميكانيكية أو الكيمياوية أو البصرية أذا كانت الحقائق كلها تظعدهر أيجابية في هذه الاختبارات الاخرى فأن اليقين بشأن صحة القضية p1 يزداد بالتدريج ولن نلبث أن نصل الى درجة من اليقين كافية لجميع الاغراض العلمية أما اليقين المطلق لايمكن أن نبلغه أبدا. أن عدد الحقائق التي يمكن أستنتاجها من p1 بمساعدة القضايا الاخرى التي تم التحقق من صحتها أو يمكن التحقق من صحتها بصورة مباشرة وهو عدد غير محدود، بناءا على ذلك يوجد دائما في المستقبل أمكان أيجاد حقيقة سلبية مهما كان أحتمالها ضعيفا وهكذا فالقضية p1 لايمكن أبدا التحقق من صحتها بصورة كاملة ولهذا السبب تدعى فرضية(3).
(2)أشباه العبارات (أو العبارات الزائفة) :
أن فكرة المشكلة الزائفة، هي في أساس برنامج جماعة فيينا، ضد الميتافيزيقا، وهناك دفاع عن هذا البرنامج في مقال لكارناب بعنوان (أستبعاد الميتافيزيقا من خلال التحليل المنطقي للغة the elimination of ****physics through logical analysics of ******** ولقد ميز كارناب في هذا المقال بين نوعين من أشباه العبارة أو العبارات الزائفة:
(1)العبارات التي تحتوي على لفظ، يظن خطأ أن له معنى تجريبي.
(2)والعبارات التي على الرغم من أن مكوناتها تكون ذات معنى الا أن تلك المكونات تكون موضوعة معا في العبارة على نحو يختلف عن الطريقة البنائية الصحيحة، وهو يذكر لنا أمثلة منها عبارات معينة في كتاب هيدجر (ماهي الميتافيزيقا) مثل العبارة القائلة (العدم يعدم نفسه) والتي هي تبعا لكارناب تخطىء خطا مزدوجا أو تخطىء مرتين فهي تحتوي على كلمة لامعنى لها، وهي فعل (يعدم) كما تحتوي كذلك على أستخدام لكلمة (عدم) على عكس الطريقة البنائية الصحيحة بوصفها أسما بدلا من كونها مشتقة من فعل ينتج عن نفس السور الوجودي كما في :
(< س) ص س أو (العدم هو ص) (1)
أذن فيما يخص الجانب الفلسفي الصرف من عمل الحلقة فقد تركزت الجهود على توضيح المشكلات الفلسفية التقليدية وذلك بنزع قناعها الميتافيزيقي لاظهارهها كمشكلات زائفة من جهة ولتحويلها من جهة أخرى الى مشكلات تجريبية تخضع بالتالي الى حكم التجربة (أن مهمة العمل الفلسفي هي توضيح المشكلات والالفاظ وليس طرح الالفاظ فلسفية خاصة ومنهج هذا العمل التوضيحي هو المنهج التحليلي المنطقي) هذا المنهج يمكننا في رأي أعضاء الحلقة، من رسم حد فاصل وواضح بين نوعين من الاحوال : (الاول يشمل صيغ العلم التجريبي وهذه يمكن ملاحظة معناها بالتحليل المنطقي، أي بردها الى ألفاظ أكثر بساطة تحمل مباشرة على المعطى التجريبي الحسي، أما النوع الثاني : أي الالفاظ الميتايزيقية التي يظهرها التحليل كالالفاظ من غير مدلول فهي لا تقول شيئا ولا تناقش شيئاً بل تعبر عن أحساس بالحياة، لاتنكر الوضعية المنطقية أهميته ولكنها تضعه تحت مظلته الوحيدة المشروعة، الفن أما ألباس هذا الاحساس لباس لغة النظريات فينطوي على مخاطرة كثيرة. أذن تحاكم الميتافيزيقا الان لاعلى أساس ما يمكن معرفته، كما هو الحال مع كانط، بل على أساس ما يمكن النطق به، فأذا قال الميتافيزيقي : (يوجد اله) لانقول له : (ما تقوله كاذب) بل نسأله (ما الذي تعنيه بقولك) فهذه لا تشير الى أي معطى حسي وبالتالي فهي مرذولة ومستبعدة من دائرة القول العلمي.
وبالنسبة الى أعضاء الحلقة هنالك خطأن أساسين في النظريات الميتافيزيقية.
الاول : أعتمادها اللغة العادية التي تفتقر الى الوضوح والدقة المنطقية والتي تستخدم الصورة اللفظية نفسها. الاسم مثلا، لتشير الى الاشياء (التفاح) والى الصفات(الصلابة) والى العلاقات (الصداقة) والى العمليات (النعاس) وهذاأمر يؤدي الى الكثير من الخلط ويخلق كيانات لاوجود لها.
الخطأ الثاني : يقوم على أن الفكر قادر بالاستناد الى ذاته ومن دون أستخدام أي معطى تجريبي على التوصل الى معارف وأستنباط مضامين جديدة أنطلاقا من وقائع معطاة (في حين يظهر البحث المنطقي على العكس، أن أي تكير وأي أستدلال عقلي ليس سوىأنتقال من ألفاظ الى أخرى لاتتضمن شيئا غير ماهو موجود مسبقا من الالفاظ الاولى (تجويل تحصيل حاصل) ليس من الممكن، أذن التوسع في الميتافيزيقا أنطلاقا من الفكر المحض)(2).
لقد أطلق كارناب على بعض الجمل بأسم (الجمل الموضوعية الزائفة) وكارناب يقرر في هذا الصدد أن العديد من المأزق التي طالما وقع فيها الفلاسفة يرجع الى أنهم قد عمدوا الى التأليف بين محمولات أو(صفات) ذات علاقة لغوية سليمة، وموضوعات خارجة تماما على التركيب اللغوي الصحيح، والنتيجة التي يتوصل أليها في العادة أمثال هولاء الفلاسفة، أنما هو الخلط بين الاحكام المصاغة بلغة الموضوع والاحكام المصاغة بعبارات (ما وراء اللغة) وليس من شك في أن هذا الخلط هو المسؤول عن أنتشار العديد من الخلافات الفلسفية حول بعض المشكلات الميتافيزيقية الكلاسيكية مثل مشكلة (الكليات) وكارناب يقول حول هذا الخلط : أن العبارة القائلة بأن (الوردة حمراء) هي جملة موضوعية حقيقية، صيغت على الطريقة المادية في الحديث، أما العبارة القائلة بأن (الوردة شيء) فهي شبه جملة موضوعية. أما العبارة القائلة _بأن كلمة وردة هي كلمة تشير الى شيء فهي جملة سليمة لغويا،ولكنها صيغت على الطريقة الصورية في الحديث والمتأمل في العبارة الاولى من هذه العبارات الثلاث يلاحظ أنها لاتثير أي خلاف، لانها جملة حسية يفهمها كل شخص منا. ويعرف السبيل الىأستخدامها وكذلك لاموضع للخلاف حول العبارة الثالثة وأن كانت الغالبية العظمى من الناس لاتنطق بأمثال هذه العبارة وأما حين ينطق بعض فلاسفة اللغة بعبارة من هذا القبيل فأننا نفهم ما يقولون ونعرف أنهم يهدفون من وراء ذلك الى تجنب الغموض وألتماس المزيد من الوضوح ولكن الفلاسفة لسوء الحظ طالما أصطنعوا في تعبيراتهم الطريقة الثانية من طرق التعبير متوهمين لذلك أنهم يتحدثون بالفعل من (موضوعات) في حين أن العبارة الثانية لاتنبئنا في الحقيقة بأي شيء عن (الوردة) ومثل هذا الحديث الغامض عن أشياء أو كائنات مزعومة هو الاصل في تلك المناقشات الميتافيزيقية العقيمة التي طالما ثارت بين الفلاسفة حول المعاني أو (الكليات) وأذا كان من حقنا أن نتكلم مع الرجل العادي عن الورد الاحمر، أو أن نتكلم مع فيلسوف اللغة عن الالفاظ التي تشير الى أشياء فأنه من حقنا على الاطلاق أن نتحدث مع الميتافيزيقي عن (الورود) بوصفها (أشياء).
أن الاصل في (أشباه المسائل) أو المشكلات الزائفة. أنما هي أمثال هذه العبارات الموضوعية الزائفة : وأذا كان من شأن الوضعية المنطقية فيما يقول كارناب، أن تجنبنا خطر الوقوع في أمثال هذه (المشكلات الزائفة) فذلك لانها تضع بين أيدينا وسائل تكنيكية فعالة للكشف عن أخطاء الفلاسفة السابقين وبالتالي لمساعدتنا على أحراز تقدم حقيقي في مضمار التفكير الفلسفي ويضرب لنا كارناب مثالا لذلك فيقول أن مشكلة الكليات مثلا ليست مشكلة حقيقية بل هي (شبه مشكلة) تترتب على الخلط بين الطريقة المادية في الحديث و(الطريقة الصورية) في الحديث، وأية ذلك أننا حين نقول أن (الوردة شيء ) فأننا ننطق بعبارة موضوعية زائفة على حين أن من حقنا أن نصطنع الطريقة الصورية من الحديث فنتحدث عن الالفاظ بوصفها صفات، فأنه ليس من حقنا أن نصطنع الطريقة المادية في الحديث فنتحدث عن (الكليات) بوصفها أشياء (1).
أن الطريقة المادية في الحديث ليست خاطئة في حد ذاتها ولكن أستعمالها في الفلسفة كثيرا ماضلل الباحثين للاسباب الثلاث الاتية :
(1)لانها توحي بأن شيئا ما فد قيل عن موضوع ما كائنا ماكان في حين أن ثمة شيئا أخر قد قيل عن بعض الكلمات أو بعض العبارات.
(2) ثانيا لانها تعمينا عن هذه الحقيقة الهامة الاوهي أن الجمل الفلسفية لاتدور الا حول نسق أو نظام معين من اللغة أو عدد من الانظمة اللغوية.
(3)وثالثا لانها تخدعنا فتجعلنا نتوهم أن ثمة تقديرا عن الواقع في العبارة التي نحن بصددها، بينما لانكون نحن في الحقيقة الابأزاء أقتراح لغوي أو مواضعة لغوية ولهذا فأن كارناب يدعونا – حينما نكون بأزاء أية جماعة فلسقية – الى تحوياها وترجمتها من الطريقة المادية الى الطريقة الصورية في الحديث حين نتجنب خطر الوقوع في شتى مظاهر الخلط والالتباس ولنفرض أن فيلسوفنا قال :((أن العلم هو مجموع الوقائع لا الاشياء)) فأن في أستطاعتنا أن نترجم هذه الجملة الى عبارة أخرى تقول (أن العلم نظام أو نسق من العبارات لامن الاسماء).
(4) وحين يقول الفيلسوف مثلا : (أن الخاصية ليست شيئا) فأننا نستطيع أن نترجم هذه العبارة الى عبارة أخرى فنقول (أن أي نعت أو صفة ليس بلفظ يدل على شيء) والعبارة القائلة بأن الهوية ليست علاقة بين موضوعات يمكن أن تستحيل الى عبارة أخرى نقول أن الكلمة (كوكب النهار) كلمة مرادفة للكلمة (شمس) والعبارة التي تقول : ( أن الجملة س تعني أن القمر دائري الشكل) يمكن أن تستحيل الى عبارة أخرى تقول: (أن الجملة س مكافئة منطقيا بمعنى أنها حاوية) للجملة القائلة بأن القمر دائري الشكل وهلم جرا. وواضح من كل هذه الامثلة أن كارناب يعتبر كل الجمل أو العبارات التي تدور حول الدلالة والمعنى وهي عبارات شبه موضوعية (أو جمل موضوعية زائفة) وبالتالي فأنه لابد من ترجمتها أو تحويلها الى عبارات تركيبية خالصة أو جمل بنائية صرفة، ولعل هذا هو السبب فيما ذهب أليه كارناب من أن كل توضيح للمعاني لايكاد يعدو عملية صياغة التركيب المنطقي (1).
(3)عبارات أو قضايا البروتوكول :
أن توزع الاهتمام عند كارناب بين الفلسفة الظاهرية والفلسفة الطبيعية وهو مانجد بدايته في كتابه (التركيب) كان منصرفا لاالى أختبار الميتافيزيقا أنما لاختبار اللغة، فالمشكلة الرئيسة كانت تدور حول طبيعة وأفضل صورة لما يسمى بعبارات البروتوكول أو العبارات التعددية وهي العبارات التي تكون أساسا في الاثبات في العلم. وطالما أن هدف الفلسفة هو رد كل معرفة الى أساس يقيني بواسطة المعطى المباشر عند الوضعيين الجدد، فأن التفضيل أو الاختيار كان في جانب اللغة الظاهرية الاأن تخلي كارناب عن الحالة المعرفية الافضل (بعد ذلك والخاصة بالتقارير الظاهرية، أعاد فتح الباب مرة أخرى للمزايا النسبية للتركيب، أي تركيب اللغة الظاهرية في مقابل التقرير الفيزيائي(2).
الفصل الرابع
(البناء المنطقي للغة) :
بدا أهتمام وأنتباه كارناب في الفترة التالية لكتاب (التركيب) يتركز بصفة رئيسية حول أسس النطق والرياضيات، وكان هدفه من وراء ذلك، أيجاد نظرية للتعبيرات اللغوية، كأسلوب يضفي وضوحا أكثر بالنسبة لصياغة المشكلات.
أما بالنسبة الى المعاني المحضة والنظم المحض من المهم جدا التفرقة بين لغة الموضوع وبين مابعد اللغة، أما لغة الموضوع فهي اللغة الرمزية الصناعية. أما بعد اللغة فهي تلك اللغة التي توضع فيها القواعد الصادقة على لغة الموضوع، وكذلك تصاغ بما بعد اللغة كل النتائج النظرية المتعلقة بلغة الموضوع وعادة تستعمل لغة التخاطب بوصفها مابعد اللغة، والسبب في تسميتها (مابعد اللغة) هو أن هذه اللغة تستعمل للكلام عن لغة الموضوع، فهي بعد لغة الموضوع ومن الامثلة البارزة على الاقوال المابعد لغوية القول بأن قضيتين من قضايا لغة الموضوع لاتصدقان منطقيا معا، بيد أنه في علم اللغة العادي عادة ماتستعمل لغة الموضوع ومابعد اللغة بمعنى واحد. أما في المنطق (فيما يزعم كارماب) فأنه ينبغي التمييز الحاد والدقيق بين هاتين اللغتين، والا فقد يحدث من الخلط بينهما مناقضات المعنوية(3)

(1) أسس الرياضيات :
أتبع كارناب في مناقشته لاسس الرياضيات متأثرا في هذا بجوتلوب فريجة أتبع النظرية المنطقية اللوجسطيقية التي ترد الرياضيات الى المنطق وقد نشر في هذا الصدد عددا من الابحاث دفاعا عن هذه النظرة.
الا أنه وجد كذلك أو تبين أساسا مشتركا بينه وبين بعض جوانب المذهب الصوري عند دافيد هلبرت والمذهب الحدسي عند بروير. ولقد أدت به البحوث الصورية (بصفة خاصة) الى أن يركز على التمييز بين ماأسماه (اللغة الشيئية) وهي التي تكون موضوعا للدراسة وبين (مابعد اللغة) أو (اللغة الشارحة) (وهي التي يتم فيها أو من خلالها صياغة النظرية الخاصة باللغة الشيئية) بهذا أصبح هدف كارناب هو تكوين أو أقامة لغة شارحة مناسبة يتم من خلالها التحكم في الفلسفة أو التحليل المنطقي ولقد كانت أول نتيجة واضحة في هذا الصدد هو كتابه (البناء المنطقي للغة) عام 1943 والبناء المنطقي أنما يمثل من وجهة نظر فنية (منطقية) توضيحا وتنظيما نسقيا مع تطوير للمناهج التي وضعها هلبرت والناطقة البولنديون أو في الوقت الذي كان يعد فيه كارناب لكتابة (البناء) أثبتت هذه المناهج قيمة كبيرة من حيث علاقتها ببرهان كورت جودل المشهور ولقد طور كارناب في كتايه هذا لغتين نموذجيتين.
واللغة رقم (1) لها كثير من السمات التي أعتبرها بروير وتابعوه مطلبا أساسيا للغة : وكان كارناب يعتبرها، أنها تمثل أهدافها البنائية أو التحريرية. أما اللغة رقم (2) فقد قدمها كارناب بوصفها ممثلة للرياضيات الكلاسيكية.
ولتوضيح أتجاههأزاء هاتين اللغتين قال كارناب بمبدئه في التسامح أو (التجاوز) أو (المبدأ الاصطلاحي) أو (الاتفاقي). الخاص بصور اللغة (فليست مهمتنا هي وضع الموانع أو العوائق. وكل أنسان حر في أن يبني لغته، أي صورته الخاصة كما يريد)(1).
في كتابه (اسس علم الحساب) شدد فريجة على أن السمة الاساسية لقوانين المنطق هي عموميتها المطلقة (فالفكر أصلا هو نفسه اينما كان، وليس صحيحا أن هنالك أنواعا مختلفة من قوانين الفكر لتلائم أنواعا مختلفة من الموضوعات المفكر فيها).
أنطلاقا من هذه المقدمة، بين فريجة أمكان أرجاع علم الحساب الى مجموعة قوانين منطقية تخلص هذا العلم من تناقضاته وتحديدا من فضيحته الكبرى : القفز فوق تعريف العدد (أليست فضيحة أن علمنا (الحساب) غير واضح بخصوص واحد من أوائل موضوعاته وأبرزها. وهو موضوع بسيط جدا في الظاهر، لانه أذا ماأدى أفهوم أساسي من أفاهيم علم عظيم الى صعوبات،تغدو المهمة الملحة، بالتأكيد أن تستقصي عنه بدقة أكبر حتى تتغلب على هذه الصعوبات (لقد حاول فريجة أن يقدم تعريفا منطقيا للعدد من ن الى ن + 1 والذي يبدو في الظاهر خاصا بالرياضيات يقوم في الاساس على قواعد المنطق العامة).
وهو أي فريجة أستطاع أن يحدد ثلاثة مبادىء أساسية يجب الالتزام بها عند القيام بهذا الاستدلال (أن يفصل دائما وبوضوح بين النفسي والمنطقي وبين الذاتي والموضوعي (لايسأل البتة عن معنى كامة بمعزل عن سياقها في قضية) (الايتغاضى البتة عن التمييز بين الافهوم والشيء) من تبعبة هذا، وجد فريجة نفسه مساقا كما يقول الى متابعة حجج أكثر فلسفية مما قد يستحسنه الرياضيون.(ولكن أي أستقصاء دقيق لافهوم العدد محكوم دائما نأن ينقلب الى أستقصاء فلسفي، أنها مهمة مشتركة للرياضيات والفلسفة)بسبب من ذلك سيكون للمفاهيم الفلسفية التي سيكتشفها فريجة في معرض بحثة عن تعريف العدد، دور هام في صياغة بعض أفكار فلاسفة الوضعية المنطقية.
أن فريجة بدأ مشروعه بأنتقاد المحاولات السابقة لتعريف العدد وأولها محاولة سترايكر رد الفكرة التي لدينا عن العدد الى ظاهرات حركية تنشأ عن أحاسيس عضلية. لان هذا يجعل من أفكارنا عن الاعداد مجرد صور ذهنية ناتجة عن الاثار التبقية من أنطباعات حسية سابقة وهذا مايرفضه فريجة (أولا)لان كل هذه المراحل من الوعي متدحرجة وغير محددة، وذلك في تعارض حاد مع ثبات أفاهيم وموضوعات الرياضيات وتعينها.
ثانيا : لان تعريف الافاهيم تعريفا نفسيا، بالبحث عن كيفية نشؤها في العقل البشري يجعل كل شيء ذاتيا وسيفقد بالتالي الرياضيات صفة الموضوعية التي يتمسك بها فريجة.
فأذا كان العدد فكرة سيصبح علم الحساب سيكولوجيا وسيكون هناك (اثناي وأثناك) وسيكون هناك (أثنان) واحة ومجموعة من الاثنينيات وكاما نمت أجيال جديدة من الاطفال ستنمو معها أجيال جديدة الاثنينيات (2).
أن لفريجة أيضا تأثيرا حاسما في التوجه المنطقي والفلسفي لكارناب، وقد كان كارناب قد تابع محاظلاات فريجة وقد أكتباته (أسس علم الحساب) بجزأيه فتعلم منه (العناية ولوضوح في تحليل الافاهيم والعبارات اللغوية والتمييز بين العبارات وماتشير أليه وفيما يتعلق بهذا الاخير التمييز بين ماأسماه فريجة (الدلول أو المسمى) وما أسماه (المعنى أو الفحوى) كما أخذ كارناب عن فريجة الاعتقاد بأن المعرفة الرياضية تحليلية بالمعنى العام وأن أساسها طبيعة المعرفة المنطقية ذاتها، وتبنى أيضا تصورا أخر لفريجة أعتبره على قدر كبير من الاهمية وهو (أن مهمة المنطق والرياضيات ضمن جملة سستام المعرفة هي تزويدنا بصورة الافاهيم، والاحكام والاستدلالات والتي تطبق في كل مكان، وبالتالي على المعرفة اللامنطقية أيضا ويلزم عن هذه الاعتبارات أن الفهم الواضح لطبيعة المنطق والرياضيات لايتم الا أذا تنبهنا الى تطبيقهما في الحقول اللامنطقية، وبخاصة في العلم التجريبي) وبالرغم من أن أعماله تركزت في البداية على حقلي المنطق المحض والاسس المنطقية للرياضيات الا أن كارناب أهتم فيما بعد بتطبيق المنطق على المعرفة اللامنطقية فأكد دائما على التمييز الاساسي بين المنطق والمعرفة اللامنطقية، كما ألتزم بمطلب فريجة صياغة قواعد الاستدلال المنطقية من دون أية أحالة الى المدلول مع التشديد في الوقت نفسه على المغزى الهام لتحليل هذا الاخير، ومن هنا جاء أهتمام كارناب بالنحو المنطقي من جهة وبعلم الدلالة من جهة أخرى (1).
(1)البنية التركيبية :
ذلك الجزء النسقي من (البناء) يحدد أطار البناء العام، الذي يخصص أو يحدد تركيب أو بناء أية لغة. أيا كانت، وهذا الجزء النسقي من البناء يتكون من قواعد الصياغة الصورية أو (قواعد التكوين) التي تحدد حرفيا(الرموز والعبارات المقبولة) وقواعد التحويل الخاص باللغة فضلا عن عدد من المفاهيم أو التصورات التي يمكن أستخدامها في تحديد أو تخصيص أو وصف اللغة، ومن بين هذه المفاهيم أو التصورات الاخيرة :
(أ‌)الحدود ش d – terms (أي الحدود المتعلقة بمفهوم الاشتقاق مثل (قابل للاشتقاق) و(برهان) و (قابل للبرهنة) و(قابل للتنفيذ) و(قابل للحل).
(ب‌)الحدود ن c-terms (أي الحدود المتعلقة بمفهوم النتيجة مثل (نتيجة) و(الفئة الناتجة) و (صحيح) و (غير صحيح) و (غير محدد) وهكذا دائما ماتحتوي قواعد التحويل على بعض السمات الرياضية وهي يسميها كارناب بأسم القواعد م (l-rules ) كما يسميها القواعد الاخرى أذا كانت هناك قواعد أخرى بأسم القواعد الفيزيائية أو القواعد ف (p-rules ).
وفي أبة لغة، توجد لغة فرعية (ومن الممكن أن تكون اللغة كلها) تحتوي على جميع القواعد (م) المنطقية ولاتحتوي على القواعد (ق) الفيزيائية وهذه هي اللغة الفرعية (م) (أي اللغة الفرعية المنطقية. وهي بدورها يمكن وصفها بنفس طريقة وصف اللغة كلها، الامرالذي يؤدي الى وجود حدود – م – ن (l –c terms ) وحدود م- ش (l-d terms ) فمثلا كلمة تحليلي، يمكن أعتبارها على أنها صحيحة – م – أي صحيحة منطقيا. وكلمة تركيبي أو تأليفي على أنها غير محددة منطقيا، وغير ذلك.
وهكذا ينتهي كارناب الى مثل التصنيف التالي للعبارات، بناءا على ماسبق :
(1)عبارات قابلة للبرهنة demonstrable .
(2)عبارات تحليلية، لكنها غير قابلة للبرهنة.
(3)عبارات صحيحة – ف (valid p -)أي صحيحة فيزيائيا.
(4)عبارات غير محددة –ف، أي غير محددة فيزيائيا.
(5)عبارات غير صحيحة – ف، أي غير صحيحة، أو كاذبة فيزيائيا.
(6) عبارات متناقضة، لكنها غير قابلة للتفنيد.
(7)عبارات قابلة للتفنيد.
وعلى ذلك فنحن لو طبقنا التصنيف – ش، أي التصنيف الاشتقاقي أو المتعلق بالاشتقاق لوجدنا أن أعضاء الفئات (أي العبارات التي تكون من الفئات (من رقم 2 الى الرقم 6، يمكن أن تسمى بأنها عبارات غير قابلة للحل أو التحليل أما بالنسبة للتصنيف – م أي التصنيف المنطقي نجد أن الفئتين رقم 1،2 تحليليتان (أي تتضمنان عبارات تحليلية) بينما نبين أن الفئات رقم 3، 4،5 فئات تركيبية (أي تتضمن عبارات تركيبية أو تأليفية) أما الفئات (6،7) منهما تحتويان على عبارات متناقضة.
أما بالنسبة للتصنيف – ن أي التصنيف المنطقي نجد أن الفئتين رقم 1،2 تحليليتان (أي تتضمنان عبارات تحليلية) بينما نتبين أن الفئات رقم 3،4،5 فئات تركيبية (أي تتضمن فئات تركيبية أو تأليفية) أما الفئات رقم (6،7) فهما تحتويان على عبارات متناقضة أما بالنسبة الى التصنيف – ن، أي التصنيف على أساس النتيجة فأننا بتبين أن الفئات رقم 1، 2، 3، فئات صحيحة (أي تحتوي على عبارات صحيحة) في حين أن الفئات رقم 5،6،7،تكون فئات غير صحيحة (أي تحتوي على عبارات غير صحيحة) (1).
أما كيف يتم بناء السستم الدلالي، فأن السستم الدلالي هو سستام قواعد (تتم صياغته بميتالغة تحيل الى لغة – موضوع، بحيث تحدد هذه القواعد شرط صدق كل جملة من جمل اللغة – موضوع، أي تحدد الشرط الكافي والضروري لصدقها، بكلام أخر السستام الدلالي (أو السستام المترجم).
(2)الترجمة والتفسير :
حدد كارناب مستعينا في ذلك بالبنية التي أبرزها، حدد ترجمة وتفسير اللغات وطبقا للتطورات الاخيرة في تفكيره، فأنه من المهم، أن يلاحظ أنه قد تناول في كتابه (البناء) تناول النتيجة، وأعتبرها علاقة تركيبية بنائية وبالتالي فهي علاقة لاتحتوي، أو تتضمن معاني العبارات موضوع السؤال والبحث هذا ولقد نافش كارناب في الجزء الاخير من كتاب (البناء المنطقي للغة) كما هو الحال في كل أعماله الكبيرة، ناقش مدى صحة أو صواب ما توصل أليه من نتائج من الناحية الفلسفيةهناك نقطتان جديرتان بالذكر :
الاولى : أنه وحد بين منطق العلم الذي كان ينبغي وصفه عند جماعة فيينا بدلا من الفلفة التقليدية وبين البناء المنطقي للغة العلم.
والثانية : أنه قد حدد موضع أول مصدر من مصادر المشكلات الزائفة (أو أشباه المشكلات) الفلسفية من حيث الكلام عن البناء وذلك من خلال أستخدام ماكان يسميه كارناب (بالطريقة المادية في الكلام) والفكرة الاخيرة هي نتيجة فرعية نتجت عن تمييز فريجة بين الاستخدام والفكرة وبين الاشارة، فالاستخدام العادي أو الموضوعي للكلمة أو التعبير هو أن يعين الموضوع الذي يدل عليه أو يشبر أليه، الا أن الالفاظ ومجموعات الالفاظ يمكن أن تستخدم كذلك في السياق البنائي، لكي تعين أ؟و تحدد الفاظا أو (تعبيرات).
مع ذلك هناك عبارات معينة، تبدو لاول وهلة كما لو كانت عبارات شيئية الا أنها تتحول بالفحص الدقيق الى عبارات تتكلم عن ألفاظ مثل هذه العبارات يقمل عنها كارناب أنها تكون قد تمت صياغتها بالطريقة المادية.
وهو يمثل لذلك بالعبارة التالية : (الخمسة ليس شيئا بل هي عدد) فهذه الطريقة في التعبير عند كارناب، هي طريقة بديلة للقول (الخمسة) ليست كلمة شيئية، أنماط هي لفظ عددي وكما يوضح المثال السابق فأن الطريقة المادية تستخدم لانها تنتج عبارات أبسط وأقل تركيبا مع ذلك فهناك نوع من الصعوبة التي قد تنشأ بناءا على ظهور مثل هذه العبارات في اللغة الشيئية، والواقع أن كارناب كان لايعترض على الطريقة المادية حيث تكون هذه العبارات قابلة للترجمة الى (الطريقة الصورية) أو البنائية، على نحو يجعل الترجمة غير غامضة بدرجة معقولة، الا أنه يعتقد مع ذلك أن أستخدام هذه الطريقة المادية هو مصدر كثير من الخلط في الفلسفة وذلك :
(1)لسبب هو أن التقدير أو الاثبات البنائي المعني، يعتمد في أغلب الحالات على السياق ويتوق عليه، وأن العبارات التي يتم التعبير عنها بالطريقة المادية لو تم تحديدها بدرجة كافية من السياق الذي يحددها فأنها يمكن أن تؤدي الى تعبير كارناب عن تعميم. ولذا فأن المناقشات التي تدور حول أية لغة ينبغي أن تستخدم أو التي تستخدم بالفعل، أنما تتناول جانبا من جوانب المشكلة أوالمناقشة.
(2) والسبب الاخر، فلان مثل هذه العبارات تبدو كما لو كانت عبارات شيئية فأن هناك أغراءاأو ميلا قائما لالقاء أسئلة وتقديم الاجابات ومصوغة على غرار العبارات الشيئية التي تنتهي أما بأن تكون قابلة للترجمة بطريقة صورية أو بأن تنتج نتائج غير صحيحة حينما تترجم على ذلك النحو. وهذا الموق هو المسؤول عند كارناب الى حد كبير عن تطور وأزدياد المشكلات الميتافيزيقية الزائفة، وغيرها كذلك من المشكلات الزائفة.
(3)الفلسفة التجريبية للعلم :
حينما كان كارناب لايزال في باج، تنبه الى أن بعض الاخطاء والنقائص الخطيرة في وجهة نظر الوضعية المنطقية بالنسبة للمعرفة العلمية فالوضعيون المناطقة يذهبون الى أن جميع عبارات العلم التجريبي تكون قابلة للرد، أو قابلة للترجمة الى عبارات أساسية أو عبارات بروتوكول تعبر عن معرفتنا (بالمعطى المباشر)وهو المطلب الخاص بأمكان الرد بالاضافة الى نظرية أمكان التحقيق الخاصة بالمعنى، أستلزما أن تكون جميع العبارات ذات معنى، قابلة للتحقيق المحدد الكامل. أو الرفض أو التفنيد والنتيجة سواء تم التعبير عنها بالفاظ ظاهرية أو فيزيائية كانت نسقا أو نظاما للمعرفة شبه مغلق، وكانت صلابته في تناقض حاد مع الموقف أو الحالة الحقيقية أو الواقعية للعلم، ولقد أجرى كارناب بعض التغيرات الجزئية، متأثرا في هذا بأراء النقاد أمثال كارل بوبر وبعض أعضاء جماعة فيينا. على نحو جعلت أراء جماعة فيينا أكثر فربا وأتفاقا مع السمة الاتفاقية للمعرفة العلمية، ولقد تركزت هذه التغيرات حول فكرة أمكان الرد ومبدأ التحقيق (1).
(4)أمكان الرد :
أن التعديلات التي أدخلها كارناب على فكرة الرد سجاها في بحث له بعنوان (وحدة لغة العلم) قدمه في المؤتمر الدولي للفلسفة العلمية الذي عقد في باريس 1935 وقد نشر في باريس عام 1936 وقد ذهب كارناب في هذا البحث الى أن مايمكن تقديره أو أثناته ليس هو أن رمزا جديدا يكون مكافئا لرموز أخرى معينة أنما فقط أن ذلك التكافؤ يكون من خلال شروط أو ظروف معينة مناسبة أو ملائمة. ولنأخذ مثلا جملة الرد للعبارة التالية (قابل للذوبان في الماء) فهذه ينبغي أن تقرأ أما :
(1)لايكون العنصر قابلا للذوبان الا أذا وضع في الماء وتحلل. أو (2) (أذا وضع العنصر في الماء، فأنه لايكون قابلا للذوبان الا أذا تحلل).
ولقد أوضح كارناب أن العبارة رقم (2) وليست العبارة رقم (1) هي التي تحدد تحديدا دقيقا معنى (قابل للذوبان في الماء) ومن ثم فهو يقترح تسمية العبارات التي تكون من النوع رقم (1) بالتعريفات، حتى يرمز مصطلح (reduction ) لتسمية العبارات التي تكون من النوع رقم (2) والفرق بين النوعين أو بين الصورتين (رقم 1 ورقم 2) أكثر أهمية مما يبدو لاول وهلة، فالتعريفات (مهي من النوع رقم 1) تسمح بالستبعاد أو الحذف الموحد أو المتسق (أي على طول العبارة) للرمز المقدم بطريقة جديدة، مثل قابل للذوبان في الماء، على طول ومن خلال الرموز المتكافئة أما عمليات الرد فلا تسمح بهذا.
وبما أن كثيرا من الالفاظ أو الحدود العلمية، كما يذهب كارناب – هي مما تقبل الرد – لكن لاتقبل التعريف، فأن رد جملة الى جملة (بالمعنى الاصلي لامكان التعريف الواضح الصريح، لايمكن جعله متطلبا عاما) وعلى ذلك فنحن ينبغي أن نميز بين صورتين من صور الوضعية والفلسفة الطبيعية :
أحدهما : تذهب الى أن جميع المفاهيم والتصورات العلمية قابلة للتعريف بواسطة عبارات بروتوكول بلغة ظاهرية أو طبيعية فيزيائية والاخرى هي التي تأخذ بالموقف الاضعف والخاص بأمكان الرد الى مثل هذه العبارات (البروتوكول).
ومن الواضح أن فكرة أمكان التعريف أو التحديد فكرة خاطئة بوصفها هي النتيجة التي تلزم عن القول بأن كل عبارات العلم تقبل الترجمة الى لغة المعطيات الحس واللغة الفيزيائية، أذ أن هناك علاقة بين عبارات العلم وبين اللغة التي نتكلم عنها (أي لغة معطيات الحس واللغة الفيزيائية) لكن هذه العلاقة أكثر تركيبا وتعقيدا مما يظن(2).

(5)التحقق والاثبات :
أن المشكلات التي يثيرها مبدأ التحقق تناولها كارناب في بحث هام له بعنوان (أمكان الاختبار والمعنى) 1936 -1937 فقد وافق كارناب متفقا في هذا مع نقد بوبر، على أن الفروض العلمية لايمكن تحقيقها تحقيقا كاملا، بدليل يعتمد على الملاحظة. ومن ثم فهو يقدم بدلا من فكرة أو مفهوم التحقق، يقدم مفهوم الاثنات فهو يقترح القول بأن الفروض يتم أثباتها أو عدم أثباتها بدرجة أو بأخرى وبالدليل (وهو بهذا يترك السؤال مفتوحا عن الاعتبار الكمي أو لدرجة الكمية للاثبات) وبالاضافة الى هذا،فهو يفرق أو يميز بين أمكان الاثبات confirmability وبين الفكرة القوية عن أمكان الاختبار testability فالعبارة تكون قابلة للاثبات أذا كانت عبارة الملاحظة يمكن أن تسهم أو تساعد على أثباتها والعبارة القابلة للاثبات فضلا عن كونها كذلك تكون قابلة للاختبار أذا كنا نستطيع أن نحدد ونقوم بالتجارب والخبرات التي يمكن أن تؤدي الى الاثبات (وعلى ذلك فكل عبارة قابلة هي عبارة قابلة وليس العكس).
وهكذا فالعبارة يمكن أن تكون قابلة للاثبات بدون أن تكون قابلة للاختبار والعكس ليس صحيحا، كما هو الحال حين نعرف أن مجموعة معينة من الحوادث قد تثبت العبارة. لكننا نكون غير قادرين على القبام بالتجارب المطلوبة للقيام بمثل هذه الملاحظة وقد أنتهى كارناب بعد تحليل لهذين التصورين أو الفكرتين – انتهى الى أن هناك أربع طرق مختلفة لتقدير (مبدأالفلسفة التجريبية) فنحن قد نتطلب أن تكون كل عبارة تركيبية أو تأليفية :
(1) قابلة للاختبار على نحو كامل completely testable . (2) أو قابلة للاختبار (3) أو قابلة للاثبات على نحو كامل completeply confirmable . (4) أو قابلة للاثبات confirmable .
والواقع أن الصيغتين رقم (2،4) تقبلان أو تتفقان مع العبارات العلمية الكلية أو العامة، في حين أن الصيغتين رقم (1،3) تستبعدانها ويذهب كارناب الى أن الصيغ الاربع جميعا تنتمي الى وجهة النظر العامة المتمثلة لدى الفلسفة التجريبية وأن كان كارناب يفضل المطلب الاكثر تحددا والقائل بمجرد أمكان الاثبات أو القابلية للاثبات (على أساس أن أمكان الاختبار أكثر تشددا وتضييقا) وهكذا فأن المطلب القائل بأن جميع المفاهيم أو التصورات العلمية تكون قابلة للتعريف أو التجريد على نحو واضح وصريح بواسطة مايمكن ملاحظته، قد أستبدل به المطلب الاضعف الخاص بأمكان الرد كما أن المطلب القائل بأن جميع العبارات العلمية، قد تكون قابلة للترجمة الى عبارات تتكلم عن مايمكن ملاحظته (أو موضوعات الملاحظة) قد حل محلهالمطلب الاضعف الخاص بأمكان الاثبات يمكن توضيح ذلك على النحو التالي :
(1)على مستوى المفاهيم والتصورات (1). من امكان التعريف والتحديد definability الى أمكان الرد reducibility .
(2)على مستوى العبارات. من الترجمة translation الى الاثبات confhrmation .
الفصل الخامس
(السيمانطيقا أو علم المعاني)
ذهب كارناب في كتابه (البناء المنطقي) الى أن المشكلة الفلسفية هي في حقيقتها مشكلات تتعلق ببناء اللغة، الا أن الابحاث ألفرد تارسكي الدائرة في السيمانطيقا أو علم المعاني سرعان، ماأقنعت كارناب بتوسع وجهة نظره، فهو ينتهي الى أن التحليل المنطقي للغة، ينبغي أن يتجاوز دراسة البناء أي دراسة صور التعبيرات بغض النظر عن معناها. فالتحليل المنطقي ينبغي أن يتجاوز كذلك، ويشتمل على السيمانطيقا أو دراسة المعاني وهي نظرية المفاهيم أو التصورات الخاصة بالمعنى أو بالصدق. ولقد أصبح هذا المجال الجديد الان هو أهتمامه الرئيسي فنشر كارناب حين أستقر في أمريكا بحثا في (الموسوعة الدولية للعلم الموحد) بعنوان (أسس المنطق والرياضيات) عام 1939 ثم سلسلة من الدراسات سميت بأسم (دراسات في علم المعاني).

(1)آلية علم المعاني :
كانت أول دراسة في سلسلة (دراسات في علم المعاني) بحثا له بعنوان (مقدمة في علم المعاني عام 1942، أخذ على عاتقه فيه أن يبني أو يقسم ألية علم المعاني يطريقة مماثلة أو مشابهة بالطريقة التي أقام عليها (البناء) وكما أعطي كارناب. من قيل أهتماما خاصا للمفاهيم أو التصورات – م (l – concepts ) أي المفاهيم أو التصورات المنطقية وهي التي لايمكن أستخدامها الا على أسس منطقية فقط مثل (صادق منطقيا) (l- true ) أو قابل للاستدلال عليه منطقيا،فأن هذه المفاهيم أو التصورات تكون معرفة محددة بالفعل بالنسبة لبعض االانظمة أو الانساق السيمانطيقية المعينة.
الا أن مهمة تعريف وتحديد (المتعلقات المطلقة) الخاصة بالمفاهيم والتصورات – م أي التصورات المنطقية المستخدمة في الانساق السيمانطيقية بوجه عام، أنما تمثل صعوبات ومشكلات خاصة، لهي لايمكن تحقيقها فيما يعتقد كارناب – الا بواسطة منطق مفهومي وهو في علم المعاني يقتصر في مناقشاته على المنطق الماصدقي الامر الذي جعله يعيد صياغة البناء على نحو يجعله قادرا على أن يدخل في أعتباره العلاقات التي تربط أو تقدم بين علم (البناء) وبين علم المعاني (1).
(2)علم البناء وعلم المعاني :
ذكر كارناب قائمة في دراسته الموسومة بعنوان (مقدمة الى علم المعاني) تحدد التغيرات التي حدثت من وجهة نظره منذ نشره كتابه (البناء) وهذه التغيرات في نوعين.
أولهما : أن كارناب أصبح يعتقد أن مفاهيمها وتصورات معينة كان يعتبرها فبلئذ على أنها بنائية، أصبح يعتقد أنها في أساسها سيمانطيقية وهذه المفاهيم تشمل (المدى range ) والماصدقيةextensionality والتحليلي والتأليفي synthetic والمتناقض وفيما يتعلق بالعبارات (التي ترد فيها الفاظ) مثل اللزوم hmplication والتكافؤ equhvalence وغيرها.
نجد أنه في كثير من الحالات أو الامثلة، يكون لهذه التصورات أو المفاهيم روابط أو متعلقات بنائية ةهذه هي التي كان قد تم تناولها في كتابه (علم البناء) ولقد أنتهى كارناب الى أن الاستخدام في العلم والى حد ما في الكلام العادي، يجعل الاعتبارات السيمانطيقية (المتعلقة بالمعاني)أكثر معقولية (2).
وثانيهما : أنه قدم تغييرا مناظرا بالنسبة لمهمة أو عمل الفلسفة : فبدلا من رفضه منطق المعنى، أصبح كارناب الان ينظر أليها (أي مهمة الفلسفة) على أنها قد أستوفيت بواسطة علم المعاني أو السيمانطيقا. ولقد أستبدل كارناب بالترجمات الخاصة بالعبارات الفلسفية الى ألفاظ. وحدود بنائية هي الواردة في الجزء الاخير من كتابه (علم البناء) وأستبدل بها ترجمات أقل عناءا وصعوبة الى ألفاظ وحدود سيمانطيقية (تتعلق بالعنى) حقا أن كارناب لايزال موافقا (بوجه عام على البنيات المقامة على الطريقة المادية في الكلام، الا أن الموضوع الرئيسي في كتابه (علم البناء) تم تعديله على نحو مؤاده أن مهمة أو عمل الفلسفة هي التحليل المتعلق بالمعنى أو التحليل السيمانطيقي (3).
(3) الحساب التحليلي للقضايا :
الدراسة الثانية لكارناب في علم المعاني كانت بعنوان(الصياغة الصورية للمنطق) عام 1943، وقد أوضح كارناب في هذه الدراسة أن الصيغ الصورية الاتفاقية الخاصة بحساب القضايا، أنما تكون صياغة صورية لمنطق القضايا بوصفه نسقا سيمانطيقيا (متعلقا بالمعاني) يمعنى أن علاقات الرموز – ن (أي لزوم النتيجة عن المقدمات) وهي عكس ماهو قابل للاشتقاق وعلاقات اللزوم – م (أي اللزوم المنطقي) تصدقان بالنسبة لنفس الحالات.
ومع ذلك فهذه ليست صياغة صورية كاملة، حيث أن التفسيرات غير المعتادة للحساب التحليلي، يكون أيضا ممكنة ولقد كان في مستطاع كارناب بواسطة المفهوم أو التصور الجديد للروابط (أن يقيم حسابا تحليليا للقضايا مصوغا صياغة صورية كاملة تماما مثل الحساب التحليلي الدالي أو الخاص بالدوال (1).
(3)المنطق اللاماصدقي :
أما المؤلف الثالث لكارناب في السيمانطيقا أوعلم المعاني فهو كتابه عن (المعنى والضرورة) عام 1947 فضلا عن بحث له بعنوان (منطق الموجهات وعملية التنوير) أو (التحديد الكمي للقضايا)ى عام 1936. فقد خصص كارناب هذين البحثين لدراسة المنطق اللاماصدقي والبحث فيه.
ولقد بدأكارناب أولا بتقديم تفسيرات ناجحة، بواسطة التكافؤ (التكافؤ – م) أي التكلفؤ المنطق على التوالي للتصورين القديمين الخاصين بالماصدق والمفهوم، وقد أستخدم كارناب هذين التصورين كأساس لمنهج جديد في التحليل السيمانطيقي (المتعلق بالمعنى) الذي قدمه بدلامن المنهج المألوف أستخدامه، والخاص بعلاقة الاسم الذي كان يسود مناقشات المعنى ضد فريجة، وحين ناقش كارناب السياقات غير الماصدقية، تخير أنواعا معينة (مثل عبارات الاعتقاد) التي فشل المفهوم عنده في أن يقدم لها تفسيرا مناسبا، ومن ثم فقد أقترح تصورا أو فكرة أقوى هي (التشابه المفهومي) الذي أعتقد أنه قد يكون كافيا.
كما أنه أدخل في أعتباره كذلك السؤال الخاص بأمكان أقامة لغة بعدية أو (لغة شارحة) ماصدقية مناسبة لعلم المعاني، وأنتهى الى أن هذا السؤال. على الرغم من أنه لم يتم الاجابة عنهأنما هو مما يمكن الاجابة عنه أو حله.
لقد أصبح كارناب قادرا بعد صياغة القواعد السيمانطيقية (المتعلقة بالمعاني) والخاة بالتصورات أو المفاهيم الخاصة بالوجهات (أصبح في مستطاعه أقامة منطق دالي للموجهات وذلك في بحثه (عن منطق الموجهات وعملية التنوير) (2)
الخاتمة :
يتضح مما بيناه في بحثنا السابق : أن أختيار فلاسفة الوضعية المنطقية للعلم ليكون مجالا لممارسة النشاط الفلسفي لم يكن خيارا موفقا فقد ظن عولاء أن أرجاع الفلسفة الى ابستمولوجيا للعلم سيخلصها من الخوض في الامور الميتافيزيقية وسيسمح بعمل فلسفي جماعي موحد كما ظن كارناب. لامجال فيه للتضارب في الاراء فالجميع سيلتزم بالاساس الصلب للمعرفة، فتبني الفلسفة العلمية حجرا بعد حجر وبشكل تراكمي يؤدي الى بنيان راسخ متراص من الافاهيم العلمية المتشكلة في قوالب منطقية فيتحقق بذلك مطلبي الدقة والموضوعية وتصبح الفلسفة علما واحدا موحدا لامجال فيه للتضارب الذاهب المغلقة على ذاتها، ولكن ماحدث في ميدان فلسفة العلة بعد الوضعية المنطقية لابل أثناء سيادتها، قد أظهر أن مجال المعرفة العلمية ليس بالمجال الذي يسمح بالقول فلسفي متماسك، يعطي الكلمة الفصل فيما يخص أفاهيم العلم ومناهجه فقد أتضح أن العلم المفترض أنه مثال المعرفة الراسخة اليقينية هو أيضا ميدان رحب لاختلاف القراءات ووجهات النظر وقد تبين خطأ الافتراضات المسبقة التي أنطلق منها فلاسفة الوضعية وأن صورة العلم رسموها قبل أن يشرعوا بتحليل جملة أفاهيمه لم تكن هي نفسها الصورة التي أتضحت بعد ذلك فتهاوت ركائز هذه الصورة واحدة بعد الاخرى ليس للمشاهد الكلمة الفصل في قبول أو عدم قبول الافاهيم العلمية، كذلك المنهج التجريبي ليس بذلك الطريق الامن الذي يوصلنا الى معرفة أكيدة فعدا عن مشكلة تحديد العوامل الملائمة التي بقيت معلقة، هناك أيضا مشكلة توسيع الاستقراء الذي هو أساس تطبيق هذا المنهج.
نتائج البحث :
(1)لقد لجأ كارناب لضمان موضوعية العلم، الى التعامل مع وصف البنى الصورية للموضوعات دون الاحالة الى الموضوعات بالذات وأعتبر هذه البنى الصورية نقطة البداية لجملة سستام العلم الموحد.
أما تسلسل أفهيم الموضوعات فقد جرى على النحو التالي. النفسية – الذاتية (أساس السستم. الفيزيائية – النفسية – الغيرية الثقافية ولضمان النقاوة الافهومية لمثل هذا السستم أكد كارناب على ضرورة أستخدام المنطق الرمزي كلغة أساسية للتعبير عن محتوى السستم الذي يعتمد الاكتشافات المادية للعلوم. أما فائدة هذا السستم على المستوى الفلسفي فتتلخص في تمكيننا من توضيح المشكلات الفلسفية كمشكلة الفرق بين الافاهيم الفردية والعامة ومشكلة الماهية وغيرها.
(2)تخلي كارناب عن أعتماد الظاهرية كأساس للعلم الموحد، وذلك بعد الانضمام الى حلقة فيينا فطور أفكاره التي وردت في البناء المنطقي للعالم للتماشي مع طريقة تفكير حلقة فيننا والتي ترى أن الفيزيائية وليس الظاهرية هي الاساس المناسب لضمان وحدة العلم.
(3) يأتي أستبعاد الميتافيزيقا وهو مطلب أساسي للوضعية المنطقية ليؤكد على التوجه العلمي لفلسفة تلك المدرسة، والذين يرفضون كل معرفة تجاوز التجربة، وقد أهتم كارناب بصياغة هذا المطلب وتوضيحه معتيرا أن هذا الاستبعاد يكون أستبعادا جذريا لانه يستند الى المنطق الرمزي الحديث يظهر أن الاحكام الميتافيزياءية ليست سوى مزاعم ليس لها أي مدلول معرفي.
(4)أن مهمة التحليل المنطقي هذه هي مايقصده كارناب (بالفلسفة العلمية والتي من المفترض أن تحل محل الميتافيزيقا.
(5)في وجه النقد الذي وجهه بوبر لمبدأ التصديق في أمكان تهقيت الميتافيزيقا وبيان عدم صلاحية مبدأ التصديق كمعيار للفصل بين العلم والميتافيزيقا معتبرا أن قابلية الدحض وليس قابلية التصديق هي المعيار المناسب.
(6)تخلي كارناب عن مبدأ التصديق مستبدلا أياه بمبدأ التأييد الاكثر تساهلا ولكنه فند أعتراضات بوبر على لامدلولية الميتافيزيقا وعلم فكرة أنشاء علم موحد.
(7)أعتبر كارناب أنه لضمان عملية الفلسفة يجب أن يقتصر عملها على التحليل المنطقي لجمل العلم وأفاهيمه فبذلك فقط يمكن تجنب الخوض في المسائل الميتافيزيقية والتدخل في شؤون العاماء الذين تقع على عاتقهم مهمة الاجابة عن الاسئلة التجريبية المتعلقة بالطبيعة وظاهراتها.
(8)أستبدال الفلسفة بمنطق العلم أو بالنحو المنطقي للغة العلم وبما أن ذلك يقتضي قيل كل شي ء أختراع لغة يحث متميزة عن لغة العلم الذي هو موضوع البحث عمل كارناب على تبيان الشروط اللازمة لبناء مثل هذه اللغة وأشتراط لضمان نقائها ودقتها أستخدام رموز وقواعد منطقية محددة، هذا بالاضافة الى حصر التحليل المنطقي بالجزء الصوري فقط من اللغة.
قائمة المصادر والمراجع :.
(1)د. أسلام،عزمي ، أتجاهات في الفلسفة المعاصرة.الناشر وكالة المطبوعات، الكويت، ط 1، 1980
(2)فؤاد كامل، جلال العشري ، الموسوعة الفلسفية المختصرة ، دار القلم، بيروت،لبنان، بدون تأريخ.
(3)د. أبراهيم، زكريا ،دراسات في الفلسفة المعاصرة ،مكتبة مصر، القاهرة، طبعة أولى، 1968
(4)د. الحاج حسن،وداد ،رودلف كارناب نهاية الوضعية المنطقية
(5)د.بدوي، عبد الرحمن،موسوعة الفلسفة (ج2) ،المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 1984
(6) وايت،مورتون (عصر التحليل) ترجمة : أديب يوسف شيش ،منشورات وزارة الثفافة والارشاد القومي، دمشق، 1975


(1) د. عزمي أسلام (أتجاهات في الفلسفة المعاصرة) ص 137

(1) الحاج حسن، وداد (رودلف كارناب،نهاية الوضعية المنطقية) المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء ط1،2001 ص31

(2)الموسوعة الفلسفية المختصرة (فؤاد كامل وأخرون) ص 326

(1) د. عزمي أسلام (أتجاهات في الفلسفة المعاصرة) ص 139

(2)المصدر السابق ص140

(1) وداد الحاج حسن (رودلف كارناب نهاية الوضعية المنطقية)ص 79

(2)د. عزمي أسلام (أتجاهات في الفلسفة المعاصرة) ص 144

(1) المصدر السابق ص 146

(2) المصدر السابق ص 146

(3) الحاج حسن، وداد (رودلف كارناب، نهاية الوضعية المنطقية) ص146



(1) المصدر السابق ص 76

(2) د. أسلام، عزمي (أتجاهات في الفلسفة المعاصرة) ص 169

(1)عبد الرحمن بدوي (موسوعة الفلسفة) ج2 ص 251

(1)د. عزمي أسلام (أتجاهات في الفلسفة المعاصرة) ص 150

(2) المصدر السابق ص 152

(1)المصدر السابق ص 152

(2) د. زكريا أبراهيم (دراسات في الفلسفة المعاصرة) ص 295

(1) مرتون وايت (عصر التحليل)، ترجمة : أديب يوسف شيش، منشورات وزارة الثقافة والارشاد القومي، دمشق، 1975، ص 230

(2)د. عزمي أسلام (أتجاهات في الفلسفة المعاصرة) ص 160

(1) د. عزمي أسلام (أتجاهات في الفلسفة المعاصرة) ص 163

(1) د. زكريا أبراهيم (دراسات في الفلسفة المعاصرة) ص 298

(1) وداد الحاج حسن (رودلف كارناب نهاية الوضعية المنطقية) ص 127

(2) د. عزمي أسلام (أتجاهات في الفلسفة المعاصرة) ص 164

(1) المصدر السابق ص164

(1) د. زكريا أبراهيم (دراسات في الفلسفة المعاصرة) ص 292

(2) الحاج حسن،وداد (رودلف كارناب،نهاية الوضعية المنطقية) ص 78

(1) المصدر السابق ص 80

(1) د. عبد الرحمن بدوي (موسوعة الفلسفة) ج2، الموسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 1984، ص 250

(1) د. عزمي أسلام (أتجاهات في الفلسفة المعاصرة) ص 166

(2)وداد الحاج حسن (رودلف كارناب نهاية الوضعية المنطقية) ص 86

(1) المصدر السابق ص 88

(2) وايت،مورتون (عصر التحليل) ص231

(3) المصدر السابق ص233

(1)د. عزمي أسلام (أتجاهات في الفلسفة المعاصرة) ص 167

(2) الحاج حسن،وداد (رودلف كارناب،نهاية الوضعية المنطقية) ص45

(1) د. زكريا أبراهيم (دراسات في الفلسفة المعاصرة) ص 300

(1)المصدر السابق ص 301 -302

(2). عزمي أسلام (أتجاهات في الفلسفة المعاصرة) ص 168

(3) د عبد الرحمن بدوي (المسوعة الفلسفية)ص 251 ج2

(1) المصدر السابق ص251

(2)وداد الحاج حسن (رودلف كارناب نهاية الوضعية المنطقية) ص 21-22

(1) وداد الحاج حسن ( رودلف كارناب نهاالوضعية المنطقية ) ص21-22.

(1) د. عزمي أسلام (أتجاهات في الفلسفة المعاصرة) ص 172

(1) المصدر السابق ص 177

(2) المصدر السابق ص179

(1) المصدر السابق ص 181

(1) المصدر السابق ص 182

(2) المصدر السابق ص 184

(3) المصدر السابق ص 185

(1) المصدر السابق ص 185

(2) المصدر السابق ص 186










مجلة جامعة بابل / العلوم الإنسانية/ المجلد 18 / العدد ( 4 ) : 2010


المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
المنطقية, رودلف, والوضعية, كارناب


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع رودلف كارناب والوضعية المنطقية
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
العلاقة المنطقية بين استراتيجيات التكامل والأداء الاقتصادي للمنشآت الصغيرة في الوطن العرب Eng.Jordan بحوث ومراجع في الإدارة والإقتصاد 0 01-29-2012 07:04 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 08:36 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59