#1  
قديم 03-26-2013, 01:01 PM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
24 الطفل المسلم السعيد


الطفل المسلم السعيد
ــــــــــــــــــــــــــــــ

*--*

لا تقتصِر تربية الأطفال على الجانب الخُلقي؛ إنَّما هو واحد من عناصر عدَّة في عمليَّة تنشئة الطفل ليكون سعيدًا في الدُّنيا والآخرة، فالعمليَّة التربويَّة يجب أن تهدف إلى تكوين الإنسان الصَّالح بالمعنى الديني والإنساني، والطفل المتعلِّم الَّذي يحبُّ البروز في عالم الاكتِشاف والنَّفع لا في عالم اللَّعب والطَّرب، المؤدَّب في البيت وخارجه، البارّ بوالديْه، الناشئ في عبادة الله تعالى، الاجتماعي الطَّبع، المتواصل إيجابيًّا مع محيطه الصَّغير والكبير، صاحب عقليَّة الإبداع المادّي والمعنوي في أيّ مجال.

ذلك هو دور التَّربية الإسلاميَّة بشقَّيها الدّيني والمدني، وفي هذا الإطار ينبغي تلْقين الطفل الرَّغبة في الحياة في سبيل الله تعالى، وهي حياة متوازِنة نشِطة مُفْعَمة بالعطاء والبذْل والتبادل المعرفي والجمالي على أكثرَ من صعيد، وليست حياة يطبعها السكون والخمول كما ترْسمها التصوُّرات الخاطئة عن الإسلام.

إنَّ الطفل يحتاج - ليكون سعيدًا - إلى أكثرَ من التَّغذِية والعلاج والتَّرفيه، إنَّه في حاجةٍ إلى أن يَمنحه أبوه وأمُّه وقتًا كافيًا لتربية نفسِه على التزكية، وتنمية عقله باحتِرام أسئلته وتنمية الدَّهشة وروح الفضول لديْه، وتشْجيع الحوار معه من جِهة وبينه وبين رفاقه ومعلِّميه من جهةٍ أُخرى، وكذلك تشْجيع الميل إلى النَّقد والنَّقد الذَّاتي، والتَّعبير عن وجْهة نظره أمام الملأ دون وجل.

هذا من شأنه تكْوين الشَّخصية القويَّة المتوازنة، والثِّقة بالنفس التي تعمد إلى المبادرة دائمًا رغم الإخفاق وتكرار المحاولة.

وما أحوج الأمَّةَ إلى جيلٍ بهذه المواصفات بعد تَجارب فاشلة كثيرة، انتهتْ باستِنْساخ نموذج يغلب عليْه التَّقليد والتكْرار بدل الاجتِهاد والإبداع، وتَخنقه السلبيَّة باسم التديُّن، يُبْغِض الحياة ولا يُقيم وزنًا كبيرًا للاستِكْشاف والمعرفة، ولا يعبأ بالجديد، ويستوي عنده الجمال والقبح!

فكيف يكون مثل هذا سعيدًا؟! أم كيف يَ*** السَّعادة لأمَّته؟! وكيف يرجو بعد هذا أن يكون من ورثة الجنَّة؟! قال الله تعالى: ﴿ وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ [الإسراء: 72].

وإنَّ من أهمِّ محاور التَّربية تشبُّعَ الطِّفْل - وهو غضٌّ طريٌّ - بمعاني التِزام النِّظام والنَّظافة، والهدوء في المناقشة، والسَّماحة في التَّعامُل مع الغير، ورباطة الجأش أمام المشكِلات، ونحو هذا من الصِّفات النَّفسيَّة الإيجابيَّة الَّتي هي من صميم الإسلام، الَّذي يصوغ النَّفس القويَّة السَّويَّة القادرة على التفاعُل الحيِّ مع قِيَم الحقّ والخير والجمال، وليس أضرّ على الطِّفل - وبالتَّالي على الأمَّة - من ثلاثة أنواع من التَّربية:
العناية بِجِسمه وحْده بالتَّغذية والكسوة والتَّرفيه، وإهمال أو إرْجاء أمور قلْبِه وعقْله وسلوكه، أو عدم الالتِفات إليها، فهذه التَّربية المشوَّهة تخرج "عُجولا آدميَّة" كثيرًا ما تكون مُدْمِنة للاستهلاك وحْدَه، لا تُحْسِن عملاً ولا مبادرةً، ولا تتحمَّل عبئًا، بل هي بحدِّ ذاتها حمْلٌ ثقيلٌ على كاهل البشريَّة.

النَّزعة العلمانيَّة الَّتي ترى في تنشئة الطِّفل على الدّين خطرًا على صحَّته النَّفسيَّة، وقدراته العقليَّة والعمليَّة، فتنحو به مناحي الفراغ الرُّوحي والمادّيَّة والشهوانيَّة، بذرائع العقلانيَّة والتحرُّر والحرص على سعادتِه، هي في حين تخلع عليه أردية الشَّقاء العاجل والآجل من حيثُ تدري أو لا تدري.

التَّفسير الخاطئ لمفهوم "شابّ نشأ في عبادةِ الله"، والَّذي يحيل على معاني الحفظ الآلي للنّصوص المملاة، والتحفُّظ على الخوض في معترك الأفكار والحياة، ووضعيَّة السكون والانسحاب والتقوْقُع على الذَّات، وهي معان يسوِّغها ما ينبغي أن تكون عليْه النَّاشئة من التزام بالعبادات والأخلاق الفرْدية والتَّركية - أي: عدم اقتراف المحظور - من غير نظرٍ إلى وظيفتها في الحياة باعتِبارها صاحبة رسالة الأمَّة في عمليَّة التَّغيير والإصلاح، والعودة إلى الذَّات والإقلاع الحضاري.

إنَّ سعادة الأسرة والمجتمع تكون بمقدار سعادة الأبْناء، هذا في الدُّنيا والآخرة، فالطفل المتخلِّق المتفوِّق في الدِّراسة، الذَّكيّ المتفاعل مع محيطِه منبعٌ لكلّ خيرٍ مادّي ومعنوي، إنَّه ابنٌ صالح، والابن الصَّالح نعمةٌ كبرى؛ قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾ [الفرقان: 74].
وقال: ﴿ المَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 46]، وإنَّما يكون الأبناء زينة وتحْلية إذا اتَّصفوا بالصَّلاح والاستِقامة، وإلاَّ فهم مصْدر شقاء وعنَت لآبائِهم.
وقال: ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ﴾ [الرعد: 23].
وقال: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾ [الطور: 21].

فأفراد الأسرة الصَّالحة يلتئِم شملُهم في الجنَّة لاجتماع الخصال الحميدة فيهم، وهذا الأفق يُلقي على الأولياء مزيدًا من الواجبات ليحفُّوا أبناءَهم بالرِّعاية بكلّ أشكالها، ويتابعوا عن كثب مشوارهم التَّربوي والتعليمي، وعناصر المحيط الَّذي يتحرَّكون فيه، كالأصدِقاء والكتُب والمجلاَّت والبرامج المرئيَّة والمسْموعة، ونحو ذلك.

وإنَّ من أكْبر الأسباب الجالبة لسعادة الأطْفال: التِزامَ البيت ومحاضن التَّربية بغرس العقيدة السَّليمة، ولزوم الاعتِدال والتَّيسير وتنمية الحوار المستمرِّ، وتَجسيد معاني الحرّيَّة والعدْل ليراها ويلْمسها ويتشبَّعها وتُصبح من طبائعِه، بذلك يستقيم الطِّفل ويسعد، ويَجعل السَّعادة تشعُّ على البيت والمجتمع.

إنَّه من الضَّروري إعادة النَّظر في معنى التَّربية الإسلاميَّة، وإخراجه من الركن الضيِّق الَّذي انحصر فيه ليمتدَّ علميًّا وعمليًّا إلى أصعِدة الفهم الصَّحيح للدين والحياة والإنسان، والاستقامة الخلقيَّة والفكريَّة والمهنيَّة والسلوكيَّة، وإرساء عنصر السَّعادة كعامل أساسي في حياة الطفل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ:nsaay at3d05364df8_t000r051dvr2_thumb.gif


{ شبكة الألوكة }
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-24-2013, 05:54 PM
ام زهرة غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: العراق
المشاركات: 6,886
افتراضي

جزاكم الله بكل خير وأحسن الله إليكم
وبارك الله فيكم ولكم وزادكم الله فضلاً وعلمًا
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
المسلم, السعيد, الطفل


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الطفل المسلم السعيد
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من هو السعيد حقاً صابرة الملتقى العام 0 12-17-2015 08:07 AM
خطر يهدد هوية الطفل المسلم عبدالناصر محمود البيت السعيد 0 11-29-2014 08:22 AM
تفسير السعدي عبدالناصر محمود شذرات إسلامية 639 10-30-2014 08:08 AM
الطفل السعيد والطفل الناجح ام زهرة البيت السعيد 0 06-02-2013 09:32 PM
البيت السعيد جاسم داود الملتقى العام 2 06-12-2012 10:28 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 02:18 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59