|
شذرات إسلامية مواضيع عن الإسلام والمسلمين وأخبار المسلمين حول العالم |
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
{ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ } ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ } .. وكان هذا يكفي كي تُطبِقُ الفَضيحة على عنقها ؛ مثل حبلٍ مَبلول قاسٍ .. وبألسنتهنّ هنّ؛ يكتُبن نَعيها .. كان الحديث يكتسبُ حولها بُعدَ الشَماتة ، و تُهنّئ بها النُسوة موتاً لذيذاً ! { تُراود فَتاها } .. نعم فتاها ولقد كانَ ذلك حَدثاً استثنائياً فـي عالم القُصور .. جعل الفَضيحة تجري على ألسنةِ النُسوة ؛ بلا نَعل .. تَجري حافيةً ؛ لا تلوي على سِـتر ! وللتُهمة تلك صَـدى .. وما أوجع الصَدى ! {تُراود فَتاها } .. يَنطقْنها بضآلةٍ متناهيةٍ ؛ فتعبُر الكلمات إليها .. وفي المجالس ؛ يتَناولنها النُسوة بقسوةٍ تُشبه النَهش . لَرُبما لهذا ؛ { اعْتَدت لهنّ مُتكئاً وآتتْ كُل واحدةٍ منهنّ سِكّينا } ! كانت القِصة تَنمو في الوسط الحاكم ؛ مثل نَبتة وَحشية .. ترتفعُ الثَرثرة ؛ زبَـدٌ على زبَـد .. وتديرها النُسوة ؛ على نسقٍ خَـاص .. أوّلـه ؛ النَيل من الّلقب " امرأةُ العزيز " ؛ بالّلقب الذي يجعلها تموتُ ألفَ مَرة .. ثمّ { تُراود فتاها } .. تلك شتيمةٌ بلغة لا تَخفى ! { قد شَغفها حُبا } .. وهو وصفٌ لرعونتها ؛ وليسَ أقل من ذلك ! { قد شَغَفَهَا حُبًّا } .. تبدو الكلماتُ هنا؛ ملأى بألفِ معنى .. وفي البواطن ؛ ضجيجُ اتهامٍ عميق ! هكذا إذن تبدو هي في المجتمعات الحاكمة .. سيدة مهزومة وملوّثة بذكرى تطفحُ بها ألسنة النُسوة .. نسوةٌ يسترقنَ السَمع ؛ وألسنتهنّ مشغوفةٌ بمحنتها ! والكلماتُ في تعابيرها ؛ موغلةٌ في نَزع السِّتر .. ويبدو معها قلبُ امرأة العزيز ؛ مَفضوحا ! وعلى حين كانت خُطة النّسيان { يوسُف أعرِض عن هَذا } .. إلا أن { نُسوةٌ } بتعبيرِ القلّة ؛ قلبنَ الخُطة ، وَمضغوها قربانا ! { إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } .. { إنا لنَراها } .. هكذا إذنْ تبدو القصة ؛ عاريةً جراحها ! وعلى حين غرة ؛ تُبصر نفسها بوضوح في مرايا الآخرين ، حيثُ يُعبِّر حرف (فـي) عن انغماسٍ شنيع ! { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ } .. هنا يكشفُ القرآن عن حالةٍ شعورية عميقة لدى النّساء .. أن الإنتقامُ ؛ هو طبيعةٌ نفسية لا تتنازلُ عنها المرأة ! والمكرُ هنا ؛ كان ثرثرةً محبوكة لها غاياتها .. ولا يُتقـِن ذلك أحدٌ ؛ مثل النساء ! وفي القُصور .. تملك النساء السُلطة ، والإغواء والقَرار ؛ عبر الثَرثرة ! { أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ } .. فقد كان الغضب جُموحاً معادياً ، وجاء ردّها من ثم قاسياً وجارفاً عبر مشهدٍ غير متوقع ! { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً } .. والحالةُ هنا تتشابـه .. إذ الإتّكاء يوحـي بما غَمَزْنها بـه .. وهكذا تبدو المَراسم مُكتملةٌ ، والابتساماتُ مرسومة بمكر ، والرَوائح العِطرية تجتاحُ المكان ! وثمّة قرارٍ لديها؛ بإشعال الجَمرة في مواقدهـنّ .. لذا ؛ أتْقنت الحبكة { وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا } ! لقدْ كانت تُعيد رسم المشهد ؛ بكيدٍ هائل .. تنسلُّ إليهنّ بالدهشة .. وعلى حين كان الجَو يبدو مبهماً ولا أحد يعلم ما خلفَ السّتارة .. كانت كُل لحظةٍ بالنسبة إليها ؛ نصراً لخطيئتها ! { وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ } .. يا ليوسُف وهو يقفُ بين عذابِ الصمت ؛ ورتَابة الإنتظـار للمجهول ! { اخرُج عليهن } .. كيْ تقتات النُسوة على جمرةٍ ؛ يحترقنَ بها ! ثمّة أسىً ؛ ينتظره في هذه المَسرحية الهزلية .. يقفُ وحده أمام مُعاناته بقلبٍ مخدوش ، حيث تَفاوُض النُسوة عليه ! { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } .. فجأة تطيرُ نفوسهنّ ؛ شظايا .. ويحصد يوسُف ألماً جديدا ! { أكْبَرْنَهُ } .. فثمّة انفصالٍ مهوّل ؛ بينه وبينهـنّ .. رُبما كانت تلك عظمة التَسامي التي لا يعرفنها ! { أكبَرنه } .. وأدركنَ أنه أكبرُ من الانتهاك ! { وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } .. يَـا للمُفارقة ! يُقطِّعن أيديهن في هَذيان ؛ خارج المنطق .. تماماً كما قطّعنها بألسنتهـن ! { وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ } .. فقدْ كان إنساناً يَمتحنُ البَشرية كُلها ؛ عبر عُروجه ! { ما هذا بَشر } .. نفيٌ يتبعه إثباتٌ مؤكد بالقَصر ! { وَقُلن حاشَ لله } .. يضجُ المَجلس بكامل وَهجهنّ ، ويتبعثرنَ أمام هذا الهدوء الشاسِع ! تتجوّل أعينهنّ فيه ؛ ولا يعبُرنه .. فقد كانَ زمناً ممتلئٌ بعدم الإنهيار ! يقفُ يوسف في المَشهد ؛ والأصوات الصاخبة تدكّ في قلبه .. ولا أوتادَ حوله ! ثمّة فراغٍ يشدّه إلى الهاوية .. والروائح العابثة ؛ تكادُ تسحب عنه ملاءَة الثبات ! سَتبقى هذه اللحظةُ .. خالدة في الذِكرى ؛ لا يقوى عليها النسيان . ويشهدُ الله في تلك اللحظة .. أنَ يوسف كَـان معهـنّ ؛ وكَـان هو وحـْده ! { قَالَتْ فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ } .. تحاول هنا أن تنزعَ نفسها من الفَضيحة ؛ عبر مُبررٍ تحاول به طِلاء خارجها ، فيزيدها الطِلاء تشوّه في الداخل ! { ذلك } .. بإسم الاشارة للبَعيد ؛ كما كان هو على الحَقيقة ! { ذلك } .. فقدْ كانت كلما اقتَربت منه ؛ امتدت المَسافة ! ولقد جَف جسَدها من الإنتظار .. لكن الحَقيقة ؛ أنها كانت ضَئيلة في قلبه ، وكان بوسعه أن يهزمها ! { وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ } .. يا خَجل المعاني ! كانت تلك كلماتُ امرأةٍ طاعنة في قرارها ؛ تُعلن أنه .. (لا) للمَساءات العِجاف مما تَشتهي ! يسمعُ يوسُـف هـذه الصَراحة فـي الحديث .. ويُدرك .. أن المَسافة الهائلة بدأت تضيق ؛ُ ولاضِفاف آمِنة ! وفجـأة .. تفيض المَشقّة من كل شيء ! { وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ } .. كان المُطلوب ؛ أن يرضخ لهذا التَوحُش .. وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ .. صُراخها ؛ يحاول أنْ يتسلّق يوسُف .. لكنّها تتعثَر ! لذا .. تُوغِل في التهديد .. رُبما يَستجيب .. لكن (رُبما) ؛ تبدو احتمالاً خافتا ! تَلُفُّ يوسف بمفردات ؛ الأمْر ، والسِجن ، والصَّغار ، وأدوات التَوكيد ، وفعل المُضارع الذي لايحتملُ التأخير .. كُل ذلك لتوقِف تَمرّده .. فالسَادة لايَرون من حولهم ؛ إلا عبيـداً ! تتوعـّده .. فقد كـان عقلها مُمتلىءٌ بالليل فَقط ! ما أعجَزها .. وهي ترمّم عجزها بالعَجز ! ما أعجَزها .. وهـي تُشعل حَريقها مـن رمادهـا ! ولقد كانت أمَامه ؛ مثل (إبرة تُزمجر كَي تحفُر جَبلا) ! { قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ } .. (في مرحلةٍ .. تتخلّى عن أهم الأشياء ؛ ليسَ لأنَك جباناً ؛ بل لأنَك أخترتَ أن لا تكونَ جباناً ) ! كان يوسُف بذلك الدعاء يتحرّر من سجنها ؛ ( فتىً جعل الدُنيا أقلّ حذائه ) .. وكان السجن هذا انسحاباً لصالح حُضور أبديّ ! ولقد كانَ يوسف فتىً ؛ كلّما فتّشتَ في سطوره رأيتَ ثباتاً لا تملكُ النفوس مثله ! { وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ } .. فقد كانت الفتن مُحتشدة ! { أَصْبُ إِلَيْهِنَّ } .. يَـا لله .. كُنا نقرأ السُورة ونحنُ صغار ، فلما اشتَدت غرائزنا ؛ أدرَكنا كمْ كان الطَريق مُرهقا .. { وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ } ..لقد صار يوسف مثل نخلةٍ تَعبِتُ من الصمود ! والشَجاعة .. أن تعترفَ ببشريتك .. أنْ تعترف بضَعفك ! الشَجاعة .. أن تُواجه ذاتكَ ؛ بأنَ بعض الهزيمة انتصار ! { وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ } .. ربـّاه .. مَن يمسح الآثار عن قلبي إلاّك ! يـا يوسُف حاشاكَ حاشاكَ ! رُبما كان يوسُف غَفلاً مـن سِمَة التَجربة .. لكنّه بين شبابٍ مُقبل وَعقلٌ يكتمل ؛ كانَ كمن ألقى بُردة شبابه على عَقل قدْ اكتمل .. ولذا { أكبَرنَـه } ! شابٌ حُمِدت عزائمه ؛ قَبل أن تنضج سنواته ، وشهِدت مَكرُماته ، وقد درَجت بين يديه لِذَاته ! لـِذا .. استحق جواب { فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } ! إن قصّة يوسُف تعلّمنا .. أنَ الفَرق بين السُقوط والصُمود زمنٌ ؛ مُتناه في الصِّغَر .. زمنُ الفَقر المُطلق ؛بينَ يدي الله ! د. كفاح أبوهنّود المصدر: ملتقى شذرات
__________________
" يا الله أنتَ قوتي وثباتي وأنا غصنٌ هَزيل " |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
الْمَدِينَةِ, وَقَالَ, نِسْوَةٌ |
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|