العودة   > >

كتب ومراجع إلكترونية عرض وتحميل الكتب الإلكترونية ebooks

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 06-28-2012, 06:44 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,419
افتراضي الأبارتيـد الصهيوني







الحقوق كافة
مـحــــفــــوظـة
لاتـحــاد الـكـتـّاب الــعـرب





البريد الالكتروني: unecriv@net.sy E-mail :
موقع اتحاد الكتّاب العرب على شبكة الإنترنت
تصميم الغلاف للفنانة: ميرنا
qq

حمد سعيد الـموعد
الأبارتيــد الصهيوني
- دراســـــــة -










من منشورات اتحاد الكتاب العرب
[IMG]file:///C:%5CUsers%5Cuser%5CAppData%5CLocal%5CTemp%5Cmsoht mlclip1%5C01%5Cclip_image003.gif[/IMG]دمشق - 2001



إهداء




إلـى ولـدي..... ياسـر ومحمـد






مقدمــــة..



إن مقارنة المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين بالتجارب الاستيطانية الأوروبية في الولايات المتحدة، كندا، أمريكا اللاتينية، جنوب إفريقيا، استراليا، الجزائر جنوب شرق آسيا، روديسيا (زيمبابوي حالياً) موزمبيق، كينيا وانغولا تبين لنا أن القاسم المشترك الأعظم بين هذه المشاريع الاستيطانية هو أنها رافقت، أو جاءت بعد حملات استعمارية، كان هدف المستوطنين فيها دعم المستعمرين، من جهة واستغلال السكان المحليين، إلى أقصى درجة ممكنة. من جهة أخرى، وفي أحيان كثيرة نجحت الهجرات الجماعية الكبيرة من المستوطنين الذين ينتمون إلى الدول الأوروبية الاستعمارية في تحقيق السيطرة السياسية في الإقليم القريب، ومن يسكن فيه، وفي النهاية أعلنت الكيانات الاستيطانية التي شكلت ما يعرف بالأمم المتحدة قيام دولة أو دول المستوطنين، سواء تم القضاء على السكان المحليين وإبادتهم، كما جرى في الولايات المتحدة، كندا واستراليا، أو اخضعوا بفعل آليات السيطرة والقهر لدولة المستوطنين، كما جرى في جنوب أفريقيا، موزانبيق، روديسيا والكثير من دول المحيط الأطلسي والهادي.
إلى ذلك، إن النظرة الصهيونية إلى السكان العرب في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي فلسطين بشكل عام، هي استمرار لنظرة الاستعمار الأوربي في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين إلى سكان المستعمرات، فقد اعتبرت شعوبها أقل شأناً ويستحقون أن يمارس الاحتقار ضدهم وبشكل علني، وأن تسند إليهم مهمة القيام بالأعمال الحقيرة في المجتمعات التي يسيطر عليها المستوطنون، وثمة فارق بسيط هو أن الصهيونية تـتــبع منهجاً مختلفاً هو أقرب إلى عقيدتها، وينبع من التفوق اليهودي المزعوم، من خلال الدعوة إلى عزل العرب تمهيداً لإجبارهم على الخروج من الأرض التي يعيشون فوقها.
ولقد استفزت الممارسات العنصرية للمستوطنين، حتى في بدايات المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، بعض المتنورين من قادة الحركة الصهيونية أنفسهم، مثل احادها عام، الذي قال في تقرير كتبه عام 1891: (إنهم يعاملون العرب بروح العداء والشراسة، ويمتهنون حقوقهم، ويحرمونهم من ممارستها، ويوجهون لهم الإهانات، ويسيئون إليهم دون مبرر، حتى إنهم يفاخرون بتلك الأعمال الخسيسة).
وثمة وجه آخر للمقارنة بين التجربة الاستيطانية في كل من جنوب أفريقيا وفلسطين، وذلك فيما يتعلق بالنظرة إلى الأرض، ففي فلسطين، أنشأت المنظمة الصهيونية العالمية الصندوق القومي اليهودي عام 1901 ليكون المالك الوحيد للأرض التي تستولي عليها المنظمة الصهيونية، وهكذا، وكلما اتسعت رقعة الاستيطان الصهيوني، لا تتناقص مساحة الأرض المحددة للعرب فحسب بل وينحصرون في مناطق معينة يصبح فيها من المتعذر عليهم العيش خارجها. تماماً كما جرى في جنوب أفريقيا، إذ استهدف الاستيطان هناك تجميع السكان الأصليين في بقع محصورة لا يجوز لهم أن يتملكوا أو يعملوا خارجها. واللافت للنظر أن الكيانين الاستيطانيين المذكورين استخدما الأساطير والمقولات المؤسسة المستمدة من التوراة التي تؤيد التفوق العرقي وعدم المساواة بين الأمم والشعوب.
وبشكل عملي، يؤدي التشابه في بنية ووظيفة التجربتين الاستيطانيتين في جنوب أفريقيا وفلسطين إلى خلق الأداة نفسها ـ المستوطن الأبيض الذي يؤدي الوظيفة ذاتها ويلعب الدور نفسه. ويعلق الصحفي الإسرائيلي جبرائيل شنكر في مقال نشرته صحيفة عل همشمار بتاريخ 12/5/1976 بقوله: (اليهودي في إسرائيل وبشكل خاص، اليهودي الغربي، يلعب الدور الذي يلعبه الأبيض في جنوب أفريقا، والعرب في ظل الاحتلال هم في وضع مماثل تماماً لوضع السود في أفريقيا، اليهودي في إسرائيل = الأبيض في جنوب أفريقيا = مستوطن أجنبي = رب عمل مستغل = ناهب وعنصري. العربي في إسرائيل = الأسود في جنوب أفريقيا = مواطن أصلي = عامل مستغل، منهوب يتعرض للتمييز العنصري).
ولا بد لأي إنسان أن يستنتج أن الأبارتيد في كلا البلدين هو النظام السائد وهذه هي المقولة الأساسية التي يحاول الكتاب اثباتها.
منهج البحث:

خلافاً للرأي السائد، فالأبارتيد ليس فقط مجموعة من القوانين والتشريعات التي تشرعن التمييز ضد الآخرين، إنه نظام سياسي / اقتصادي واجتماعي، وهو جزء لا يتجزأ من تشكيلة اجتماعية اقتصادية محددة الملامح تسود فيها علاقات انتاج محددة.
واستناداً إلى هذه الرؤية، اعتمدنا في بحثنا المنهج التالي: في الفصل الأول يجري التعريف بالأبارتيد كظاهرة متعينة، والقيام بمقارنات بين أبرز تجليات الأبارتيد في الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا وإسرائيل، وذلك استناداً إلى المبدأ الفكري المعروف «أن الجوهر واحد وتجلياته مختلفة»، وفي الوقت ذاته، إن تجليات الأبارتيد في مكان معين، لابد أن تحمل سمات الكل، وهذا يشمل، وعي الذات عند المستوطنين، النظرة إلى السكان الأصليين، طريقة التعامل معهم، ودور المؤسسات التشريعية في وضع القوانين والتشريعات اللازمة لذلك. وقد نوهنا في الوقت ذاته إلى خصوصية الأبارتيد في الكيان الصهيوني، بسبب تعقيداته وكثرة تجلياته، لأن تطبيقاته على اللاجئين تختلف نسبياً عنها فيما يتعلق بالعرب في الأراضي المحتلة عام 1948، وأخيراً أيضاً تختلف عن الآليات المتبعة لتنفيذه في الأراضي المحتلة عام 1967.
وفي الفصل الثاني تناولنا، وبشكل مفصل، استراتيجية الصهيونية للتخلص من الشعب العربي في فلسطين لتحقيق الأكذوبة الكبرى (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض) وذلك من خلال الترحيل (الترانسفير) لأنه الوسيلة المثلى لنفي الآخر، ماديا وسياسيا، وكي يكون البحث مفيداً، رأينا أن نستعرض في البداية تطور فكرة الترانسفير في الأيديولوجية الصهيونية منذ ما قبل مؤتمر بال 1897 إلى وقتنا الراهن، ومن ثم سلطنا الضوء على التطبيق العملي لمبدأ الترحيل، وأشرنا إلى تقاسم الأدوار بين الأطراف المختلفة في الحركة الصهيونية سابقاً، وفي إسرائيل لاحقاً للتخلص من الفلسطينين.
ولاعطاء البحث القدر الأكبر من المصداقية، حاولنا استشفاف الموقف الإسرائيلي من مسألة الترحيل، في ظل التسويات المحتملة، ولا يفوت الباحث أن يؤكد أن للترحيل من الناحية العملية، طرائق عدة أهمهما وأكثرها انسجاماً مع الرؤية الصهيونية الحرب والمجازر. ونذكر القارئ العزيز أن الترحيل، وحرمان اللاجئ من العودة، هو الأبارتيد، استناداً إلى مبادئ القانون الدولي.
وفي الفصل الثالث نسلط الضوء على شكل ملموس من الأبارتيد الصهيوني يمارس وفق ما يعرف بلعبة العدالة البريطانية The Baritish Game Of Justice فثمة قوانين وتشريعات تصدر عن الكنيسيت وكل السلطات الرسمية الإسرائيلية هدفها الأساسي المعلن هو التمييز ضد العرب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، ولقد عملنا جاهدين لدراسة نصوص القوانين ذاتها، وليس ما كتب عنها.
وفي الفصل الرابع، نتناول واحدة من أهم مظاهر الأبارتيد، وإحدى آليات تكريسه التي قلما درست من هذا المنظور ـ منظور خلق المعازل (الغيتوات أو البانتسوستانات). فبدون الاستيطان والطرق الالتفافية لا يمكن أن تخلق المعازل وتطوق التجمعات العربية وتفصل بعضها عن بعض. وأهمية المنظور التاريخي الذي اعتمدنا عليه أنه يكشف لنا كيف أن فكرة خلق المعازل جزء لا يتجزأ من الأيديولوجية الصهيونية. وكيف أن حماتها البريطانيين، لم يكتفوا بتقديم الأرض والحماية للاستيطان الصهيوني، بل وفي كثير من الأحيان، اختاروا مناطق الاستيطان، ورسموا خرائطه. ولئن كان جوهر خلق المعازل واحد، فإن آليات تنفيذه في الأراضي المحتلة عام 1948، وفي الأراضي المحتلة عام 1967 مختلفة من ناحية الكم.
وفي الفصل الخامس درسنا ما أطلقنا عليه (اللاسامية المعكوسة) أي متاجرة الصهيونية بالدم اليهودي منذ ما قبل مؤتمر بال، وبينا كيف تحالفت الصهيونية مع مرتكبي المجازر ضد اليهود في روسيا القيصرية، إيطاليا الفاشية، وألمانيا النازية. ولم يكن الهدف استعراض الأحداث التاريخية، رغم أهميتها، بل الوصول إلى الاستنتاج القائل إن الاصرار على تكريس ذهنية أوسشيفيتس (المحرقة) ينبع من إصرار الصهيونية على تكريس حالة الغيتو لدى اليهود ورغبتها في تأجيج التطرف الفاشي بينهم وخلق حالة ذهنية معينة لدى اليهودي العادي، واحتمال استخدام اللاسامية ضد اليهود أنفسهم، وخلق مجتمع يقدس القوة ويعبدها، لكن تلك القوة قد تكون سبباً في تدميره تماماً كما كان مصير الفاشية والنازية. وليس بعيداً اليوم الذي تتشكل فيه جبهة عالمية لمواجهة الفاشية الصهيونية.
الصعوبات:

كثيرة هي الكتب والدراسات التي تناولت مسألة التمييز ضد العرب في القوانين والتشريعات الإسرائيلية، لكننا نظن أن هذه أول دراسة تحاول أن تسلط الضوء على الأبارتيد الصهيوني من كل جوانبه، ومن خلال سيرورته التاريجية، وتتحدث عن مستقبله، انطلاقاً من مستقبل تجارب الأبارتيد في أماكن أخرى من العالم، صحيح أننا نحاول الابتعاد عن التعميمات النظرية، والتسطيح والتبسيط والاستقراء الصوري بالقدر الممكن، ونحرص على أن نقدم وجهة نظر متكاملة، وهذا يعني أنه يمكن أن تكون في البحث بعض القضايا الإشكالية من جهة، وبعض الأخطاء، ونحن مسؤولون عنها.
اعتراف بالجميل:

اشعر بالامتنان لكل الزملاء والأخوة الذين قدموا لي المساعدة في الحصول على المصادر المطلوبة، وكذلك الأخوة الذي ناقشوا الأفكار المختلفة الواردة في الكتاب قبل صياغتها صياغة نهائية. وقد استفدت كثيراً من آرائهم، ولقد استفدت كثيراً من وجودي خلال عقد الثمانينات في مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية للاطلاع على المصادر الإسرائيلية، وأنا ممتن لذلك.
وأشكرالعاملين في دار الشجرة للدراسات والنشر والخدمات الطباعية، خصوصاً الزميلتين منال غنيم ومي شهابي على جهودهما في طباعة الكتاب وتنضيده.


¾¾
















الفصـــــل الأو َّل :

الأبارتيــــد المقـــــارن








¾ قبل الدخول في البحث عن الأبارتـيــد، تعريفه، أصوله، مظاهره، دور الغزو الاستعماري الأوربي في نشأته، دور المستوطنين، والاستيطان الأبيض في بناء الكيانات الاستيطانية التي مارست الأبارتـيــد، علاقات سلطات الأبارتـيــد مع السكان الأصليين سواء خلال حملات إبادة الجنس Genocide أو إبادة الشعب Ethnocide، أو خلال ممارسة سياسات العزل العنصرية Racial segregation، القوانين والتشريعات التي كرست الأبارتـيــد كواقع حياتي تقسم الشعوب على أساسه إلى من يتمتعون بكل شيء ومن يحرمون من كل شيء، قبل الدخول في ذلك من المفيد القول إن مصطلح الأبارتـيــد ظهر أول مرة في جنوب أفريقيا عام 1944، وقد صاغه الدكتور د.ف.مالان،D.F.Malan زعيم الحزب القومي في جنوب أفريقيا، وخاض الانتخابات على أساس ذلك الشعار الذي ساهم في ائتلاف قوى يجمع كل الفئات والطبقات الافريكانية (البيض وهم من أصول هولندية وأوربية ويتكلمون لغة تعرف بالافريكانية)([1]) واستمرت ممارسة الأبارتـيــد رسمياً في جنوب أفريقيا مدة أربعة عقود، وقد حظيت هذه السياسة بالدعم الكامل من الكنيسة الإصلاحية الهولندية، وهي كنيسة بروتستانتية تؤمن بأن عدم مساواة الأعراق مشيئة إلهية، وأن السود الذين تعتبرهم الكنيسة من أحفاد حام بن نوح، وجدوا ليخدموا البيض أحفاد سام. واعتبر البوير، وهم فلاحون هولنديون اعتنقوا البروتستانتية في القرن السادس عشر، وشكلوا القاعدة المادية للمستوطنين البيض في جنوب أفريقيا، اعتبروا إلغاء العبودية مخالفاً لتعاليم الكتاب المقدس، وبالنسبة للأفريكانيين البيض يعتبر الزنوج الأفارقة منحطين، غير متحضرين مهمة الرجل الأبيض تحضيرهم وتحديثهم.([2]) وعندما أصبح ف.و.دي كلارك F.w.Deklerk زعيما للحزب القومي عام 1989 وأطلق سراح نيلسون مانديلا ورفاقه المعتقلين في السجون العنصرية عام 1992، عارضت الكنيسة الإصلاحية الهولندية هذه الإجراءات التي أدت إلى انتصار المؤتمر الوطني الأفريقي بزعامة مانديلا عام 1994 وبذلك انتهت سياسة الأبارتـيــد رسمياً في جنوب أفريقيا. ([3]) وتعني أبارتـيــد apartheid بالأفريكانية العزل Separateness أو الفصل apartness وهي عملياً السياسة التي حكمت العلاقات بين الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا والأغلبية من الملونين الأفارقة والآسيويين، وأسست وبالتالي شرعنت الفصل العنصري Racial Segregation ، والتمييز الاقتصادي والسياسي ضد غير البيض. وسياسة الأبارتـيــد التي تعرف غالباً بالتطور المنفصل منذ الستينات، أصبحت ممكنة نتيجة قانون تسجيل السكان عام 1950 الذي صنف كل سكان جنوب أفريقيا إلى سود Bantus ملونيين Colored، أو بيض، وفيما بعد أضيفت فئة رابعة للآسيويين وشملت الهنود والباكستانيين.‏([4])
ومن البديهي أن منشأ الأبارتـيــد هو العنصرية Racism، أي الاعتقاد الذي يتحول من خلال الممارسة العملية إلى سياسة تحيلنا إلى موقف سبقي Prejudice أو موقف سالب أو موجب، كون مقدماً دون دلائل كافية يتمسك به أتباعه ومؤيدوه بانفعال يصل إلى حالة العصاب أحياناً. ويزعم العنصريون تفوقهم العرقي على بقية الأعراق الأخرى. واستناداً إلى هذا الزعم الذي يرقى إلى مرتبه الإيمان عند أتباعه تقسم البشرية إلى أنماط مختلفة من الجماعات والشعوب على أساس اللون، وتطلق عليهم الأوصاف الاجتماعية والأخلاقية استناداً إلى الفئة التي ينتمون إليها. ([5])
وعندها تصبح العنصرية سياسة رسمية للدولة، تقر القوانين التي تكرسها. ففي الولايات المتحدة، وحتى العقد السادس من القرن العشرين، كان القانون الفيدرالي الأمريكي يسمح بالتمييز العنصري في مجالات العمل والسكن والتعليم والخدمات والمرافق العامة، والتصويت في الانتخابات والوضع القانوني للأفراد أمام المحاكم العامة. ([6]) وعندما صعدت النازية إلى الحكم في ألمانيا في الثلاثينيات، وفي سبيل تكريس تفوق العرق الآري The Aryan Race ارتكب النازيون مجازر بشعة داخل ألمانيا وخارجها ضد الأقليات الدينية والأثنية وشعوب المناطق التي احتلتها القوات النازية. وجرى تقسيم شعوب العالم على أساس عرقي بحت. وفي جنوب أفريقيا، أصبح الأبارتـيــد سياسة رسمية عندما تسلم الحزب القومي السلطة عام 1984، وصدر عام 1950 ما يعرف بقانون مناطق الجماعات The Group Areas Act الذي حددت بموجبه مناطق معينة داخل المدن لكل من الأعراق المختلفة ومنع الاختلاط في السكن والعمل، وكذلك تملك الأراضي خارج المناطق المحددة. وفي عامي 1954 و1955 صدر قانونان آخران، عرفا مع قانون عام 1950 بقوانين الأرض، التي جاءت مكملة لعملية طويلة استمرت ما بين عامي 1913 و1936. وسيطرت بموجبها السلطات العنصرية على أكثر من 80% من الأراضي، وأجبرت الزنوج على الحصول على تصاريح مغادرة بموجب ما عرف باسم Pass laws قوانين المرور والمغادرة، وصدرت قوانين حظرت كل أشكال الاتصال الاجتماعي وأسست لما يعرف بالفصل العنصري تمهيداً لتطبيق سياسة التطور المنفصل. ([7]) وفي إسرائيل، وبسبب الإصرار الصهيوني الذي يصل إلى مرحلة الاستلاب Alienation على يهودية الدولة، كما تنص على ذلك وثيقة ما يعرف بإعلان دولة إسرائيل الصادرة في أيار عام 1948، تتيح القوانين الإسرائيلية علانية وبلا أية مواربة، التمييز ضد غير اليهود في كل المجالات.
وتؤكد الدراسات التاريخية أن الأبارتـيــد هو ثمرة النظام الاستعماري الاستيطاني، الذي شهدته مناطق مختلفة في العالمين القديم والجديد في القرن السابع عشر، علماً أن مصطلح الاستعمار الاستيطاني حديث نسبياً ويعود تاريخ ظهوره إلى الستينيات من القرن العشرين. ورغم أن الباحثين اتفقوا على خصائص النظام الاستعماري الاستيطاني، إلا إنهم لم يتفقوا على تعريفه وهذه بعض الأمثلة.
* في عام 1971 نشر الدكتور جورج جبور بحثاً في المجلة المصرية للقانون الدولي، تحت عنوان «الطبيعة العنصرية للاستعمار الاستيطاني والمسائل القانونية الناجمة عنه». وحاول د. جبور في هذا البحث تعريف الاستعمار الاستيطاني بقوله: «ثمة حالة استعمار استيطاني في كل مرحلة حدث فيها، في العصر الحديث، أن قام غرباء (هم في الأغلبية أوربيون) بالاستيطان في قطر معين أو أرض معينة لا تخصهم وحيث جاء هذا الاستيطان نتيجة التأييد الضمني أو العلني للنظام والقوى السياسية الأوروبية، وحيث أخذ المستوطنون، بعد توطيد استيطانهم، بممارسة السلطة فوق ذلك القطر أو تلك الأرض، وفوق كل من كان ولا يزال في ذلك القطر أو تلك الأرض من سكان أصليين»، ويضيف الباحث أن الاستعمار الاستيطاني يتضمن نقل السكان من أوربا، وزرعهم في المناطق المكتشفة حديثاً في العالم من قبل الأوربيين، ثم تأييد النظام الأوربي كل محاولات الاستيطان المختلفة، وأخيراً ممارسة المستوطنين للسلطة فوق الإقليم الجديد بمشاركة الدولة الأم. أولاً ومن ثم بشكل مستقل عنها. ([8])
ويلاحظ أن هذا التعريف مفصل ليناسب الوضع في إسرائيل وجنوب أفريقيا سابقاً وروديسيا سابقاً (زيمبابوي حالياً).
* قدم الدكتور سميح فارسون، من قسم الاجتماع في الجامعة الأمريكية في واشنطن، د.س بحثاً تحت عنوان «جنوب أفريقيا وإسرائيل ـ علاقات خاصة» وذلك في المؤتمر الذي عقد حول الاتجاهات الاجتماعية ــ الاقتصادية والسياسية في جنوب أفريقيا برعاية المعهد الأفريقي للتنمية والتخطيط التابع للأمم المتحدة ومقره في داكار عاصمة السنغال. وعقد المؤتمر في دار السلام في الفترة ما بين 29 تشرين الثاني و 12 كانون الأول 1975 وأعيد نشر البحث ضمن كتاب السيدين ستيفنس والمسيري «إسرائيل وجنوب أفريقيا» تحت عنوان «الاستعمار الاستيطاني وديمقراطية السادة (الشعب المختار)».
يرى الدكتور فارسون أن العامل الأكثر أهمية في تحديد هوية الاستعمار الاستيطاني هو (أن العلاقة تتمثل في علاقة المستوطنين بالسكان الأصليين، وفي علاقتهم بالأرض، ومعنى ذلك أنه لا ينبغي التركيز فقط على أهمية عنصر السيطرة على الأرض، وإنما ينبغي تحديد موقف السكان الأصليين وحالتهم. ثم يقول الدكتور فارسون عن ديمقراطية الشعب السادة The Herrenvolk Democracy إنها تتميز بازدواجية تتمثل بديمقراطية برلمانية للمستعمرين المستوطنين ونظام استعماري للسكان الأصليين. ويركز الدكتور فارسون جل اهتمامه على التجربة الإسرائيلية فيوضح كيف جرت محاولة الاستيلاء على الأرض على حساب السكان الأصليين، وبينما أتاحت القوانين في جنوب أفريقيا للبيض السيطرة على 93% من الأرض بموجب ما يعرف بقانون الأراضي للسكان الأصليين لعام 1913 1913)(The Natives land Act of وتغيرت النسبة إلى 87% عام 1936، حاول الإسرائيليون في البداية الاستيلاء على الأراضي من خلال الشراء، ومن ثم جاءت القوانين التي سنتها إسرائيل وخصوصاً قانون أملاك الغائبين لعام 1950 لتشرعن الاستيلاء على أراضي اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من قراهم ومدنهم عام 1948. ([9]) من خلال ما عرف بأملاك الغائبين Absentee Verdict.
وبالنسبة لعلاقة المستوطنين مع الدولة الأم يقول الدكتور فارسون إن ثمة تناقضاً مزدوجاً في هذه العلاقة، فهي غير متوافقة مع مصالح السكان الأصليين، وكذلك الأمر بالنسبة للرأسمالية في البلد الأم، ولذلك يبدأ التناقض التناحري أو اللاتصالحي على الأقل بين مصالح المستوطنين وكلا الجانبين الآخرين، وعندما تنشب حرب الاستقلال السياسي للسكان الأصليين، يجد المستوطنون أن وجودهم في خطر ويخوضون حرباً لاهواده فيها على جبهتين ـ حرب بكل المعنى ضد السكان الأصليين، وحرب أخرى من حين لآخر ضد الدولة الأم، قد تكون عنيفة جداً في بعض الأحيان. ([10])
ولا شك في أن هذا التعريف ينطبق على حالة الولايات المتحدة، كندا، الجيش السري الفرنسي في الجزائر، ولكننا لا نظن أن أحداً يمكن أن يصدق أكذوبة الصهيونية حول ما تسميه بحرب 1948 (حرب الاستقلال) ضد الانتداب البريطاني.
* في كتابه النظام السياسي والاستيطاني ـ دراسة مقارنه ـ إسرائيل وجنوب أفريقيا، الصادر عن دار الوحدة 1981، يقول الدكتور مجدي حماد في خلاصة مبحثه الأول الذي يحمل عنوان (التعريف بالاستعمار الاستيطاني) أنه يقوم على ثلاثة عناصر: ([11])
الهجرة الاستيطانية
السيطرة المنظمة على الأرض
الغزو العلني، ومن ثم يضيف قائلاً إنه يلزم لقيام الكيان الاستيطاني الاستعماري ثلاث قواعد أساسيه هي :
القاعدة الديمغرافية وتتمثل في الهجرات الجماعية.
القاعدة الجغرافية وتتمثل في الاستيلاء على الأرض
القاعدة السياسية وتتمثل في غزو الإقليم وغزو السلطة.
* يركز ل. كوبر في كتابة «الطبقة والسلطة والعرق» الصادر في شيكاغو عام 1975 على سمتين أساسيتين من سمات الكيان الاستعماري الاستيطاني وهما:
المركز القانوني للمستوطنين حيث تتمتع كيانات المستوطنين البيض بتشريع يحدد بدقة علاقتهم بالدولة الأم أو المستعمرة.
يبرز عن الاستعمار الاستيطاني حالة متطرفة من التعدد الثقافي.
هذا التحديد صحيح نسبياً، لكن ثمة دول لا يمكن اعتبارها كيانات استعمار استيطاني ولكن يبرز فيها وبوضوح حالات من التعددية الثقافية تصل في بعض الأحيان إلى التناقض التناحري، وثمة أمثلة كثيرة على ذلك في دول الشرق الأوسط. ([12])
الهجرة الاستيطانية

إن الهدف الأساسي للاستعمار الاستيطاني هو أن يتحول الاستيطان من حقيقة مادية اجتماعية / اقتصادية إلى حقيقة سياسية كيانية مستقلة عن الدولة الأم أو مرتبطة بها. ولا يمكن لموجات الهجرة إلى مركز الاستيطان أن تكتسب هذه الصيرورة إلا إذا كانت مرتبطة بقوة خارجية تنظمها وتمولها وتشرف عليها وتحدد لها أهدافها. وسنبين في فصل لاحق كيف اشرف ضباط بريطانيون على اختيار مواقع المستوطنات اليهودية في فلسطين، وكيف وفروا لها الحماية والتمويل، وبالمقابل كيف تعاونت أيضاً المنظمة اليهودية العالمية مع بريطانيا وألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية للحصول على دعم هذه الدول، بغض النظر عن الخلافات السياسية بينها حول المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين.
ومن خلال مقاربة تاريخية بسيطة يتضح لنا، أن دور المنظمة الصهيونية العالمية، والوكالة اليهودية، باعتبارها الذراع التنفيذي والمسؤولة بالشكل العملي والمباشر عن تنفيذ المشروع الاستيطاني الصهيوني، والإشراف عليه، وقيادته حتى يتحول إلى دولة، أن هذا الدور، من حيث الجوهر، لم يختلف كثيراً عن دور الشركات الاستعمارية التي شكلتها الدول الاستعمارية في القرنين الثامن والتاسع عشر لتنفيذ مشاريعها الاستعمارية، ووفرت لها كل الدعم والحماية العسكرية، ومن بين الشركات الاستعمارية نذكر: ([13])
شركة بورنيو البريطانية وتشكلت عام 1881
شركة أفريقيا الملكية للبريطانية وتشكلت عام 1888
شركة جنوب أفريقيا البريطانية وتشكلت عام 1889
شركة الهند الشرقية البريطانية.
ومنذ بداية الانتداب البريطاني على فلسطين، اعتبرت سلطات الانتداب الوكالة اليهودية دولة ضمن الدولة، ووضعت رغباتها ومصالحها على رأس سلم أولوياتها السياسية، ولم تدخر جهداً في سبيل تسهيل استيلائها على الأراضي، سواء بالترغيب أو الترهيب أو المنح من الأراضي الأميرية التي تشرف عليها سلطات الانتداب.
والهجرة إلى مركز الاستيطان تختلف من حيث النوع والكم عن أنواع أخرى من الهجرات البشرية، فهي ليست هجرة موسمية أو مؤقتة، وليست بحثاً عن العمل أو الانتقال إلى مكان آخر للعيش فيه، بل إنها تتخذ أحياناً شكل التهجير الإجباري، كما فعلت الحكومات البريطانية المتعاقبة التي هجرت خلال فترة 1788 و 1867 أكثر من 150 ألف مجرم إلى استراليا، وكذلك الاتفاقات التي وقعتها المنظمة الصهيونية العالمية مع ألمانيا النازية لتهجير عشرات آلاف اليهود من ألمانيا والمناطق التي احتلتها، والأساليب التي اتبعتها لجعل اليهود في روسيا، العراق، المغرب، اليمن، أثيوبية وأماكن أخرى من العالم لا يملكون خياراً سوى الهجرة إلى فلسطين ـ واليكم بعض الأمثلة:
* في عام 1895 التقى تيودور هرتزل مع القيصر الألماني، وكتب تيودور هرتزل في مذكراته قبل اللقاء: (سأقول للقيصر: اتركونا نرحل! فنحن مختلفون عنكم، كما لا يسمح لنا بالاختلاط مع أهل هذه البلاد ولا نقدر على ذلك) وفي عام 1896 كتب هرتزل في مذكرته «إن أعظم أنصاري اليوم هو إيفان سيموني المعادي للسامية». وعندما التقى هرتزل وزير خارجية روسيا القيصرية المعروف بعدائه الشديد للسامية، قال له هرتزل «لكم قلت للمرحوم الإمبراطور اسكندر الثالث لو استطعنا إغراق ستة ملايين يهودي في البحر الأسود لاكتملت سعادتي» لأن اليهود الباقيين سيسارعون بالهجرة إلى فلسطين حسب اعتقاد هرتزل. ([14])
* تشير وثيقة من المحفوظات السرية لوزارة الخارجية الألمانية مؤرخة في 23/6/1937 إلى وجود اتفاق بين الرايخ الهتلري والوكالة اليهودية يقضي بتهجير اليهود إلى فلسطين تؤكد «هذا الإجراء الذي تفرضه اعتبارات متعلقة بالسياسة الداخلية، قد يساهم في دعم اليهود في فلسطين ويسرع في إقامة الدولة اليهودية الفلسطينية» وفي 27/1/1937 صرح كلوديوس، المستشار السياسي لهتلر «إن مسألة هجرة يهود ألمانيا قد بت فيها بقرار من الفوهرر ـ يوافق على الاستمرار» ويتحدث ثاثان إليه ـ مور: أحد قادة شتيرن أحد أفراد الجماعة الموفدين إلى النازيين أثناء الحرب عام 1948 فيقول : (اعتبرت مشروعاتنا المتعلقة بالهجرة الجماعية بمثابة ميزة اضافية للألمان، فهي تحقيق لأحد أهداف النازية المعلنة (تخليص أوروبا من اليهود). ([15])
وعي الذات:

شكلت آراء الفلاسفة من أمثال جورج لويس دي بوفون 1707ـ1788 Georges Louis Leclerc de Buffon وجوزيف اثر غوبينو 1816ـ1882 Joseph Arthur Goubineu مؤلف كتاب «بحث في اللامساواة بين العروق»، أساساً فكرياً لاعتبار الشعوب غير البيضاء بدائية، وساعدت بالتالي في تسويغ الغزو الاستعماري واسباغ المسحة الحضارية على الرجل الأبيض الذي يأتي التقدم على يديه، وبشرت بالتالي بنموذج راق للإنسانية يتمثل بالجنس الأبيض. ([16]) فالعلاقة بين الرجل الأبيض والشعوب الأخرى مثل العلاقة بين (المدينة والصحراء) والاستعمار الاستيطاني الذي ينتشر في مختلف البلدان، كما يرى الجنرال سمومتس، زعيم جنوب أفريقيا، وصديق حاييم وايزمن، ومن سهل له الدخول إلى كل دوائر اتخاذ القرار في العاصمة البريطانية للحصول على وعد بلفور في عام 1917 «الاستعمار الاستيطاني هو «مدينة البيض» ومن يقومون بهذه المهمة لهم سمات مشتركة كما يقول هـ.س.ارم سترونغ H.C.Armatrong وذلك في معرض مقارنته بين البوير في جنوب أفريقيا والمشروع الاستيطاني في فلسطين «أن للبوير واليهود الخلفية ذاتها كشعبين، الهولنديون في الحقول، واليهود في الصحراء، ولهما السمات ذاتها، فكلا هما شعبان مران قاسيان، يتمسكان بالدين بشكل قوي في حياتهما معتمدين على الكتاب ذاته ـ كتاب العهد القديم». ([17])
والعرب لدى سموتس، كما يقول كاتب سيرته، «ليسوا غريبين بالنسبة للجنوب أفريقيين بقدر غرابتهم بالنسبة للأوربيين، لأن الجنوب أفريقي يعرف جيداً ذوي البشرة الداكنة، وهم بالتأكيد أناس يشبهون العرب، وربما ثمة دم عربي يجري في عروقهم، وطيلة حياته كان الجنوب أفريقي يعيش محاطاً بهؤلاء الناس ذوي البشرة الداكنة، وهم كالبدو يعيشون في أكواخ أو يهيمون في البراري. وهم لطيفون، وشجعان وشاعريون أكثر مما ينبغي، وما لم تجبرهم المدينة، سيمضون حياتهم، كالبدو، يعملون، ويتكاثرون ولا يملكون شيئاً».([18])
وبالنسبة لسموتس كأوروبي، يبدو العرب وذوو البشرة الداكنة غريبين.
وعندما حدثت النكبة وطرد العرب من قراهم ومدنهم، عبر قادة جنوب أفريقيا عن حماسة لا مثيل لها لإسرائيل، واعتبروا انتصارها انتصاراً للبيض على غير البيض وهذا يذكرنا بتعليق مناحيم بيغن عندما وصلته الأخبار عن مجزرة صبرا وشاتيلا إذ قال «غير اليهود يقتلون غير اليهود».
أما بالنسبة لإسرائيل ذاتها، فقد كتب مؤسسو الحركة الصهيونية سابقاً وقادة إسرائيل لاحقاً الكثير عن علاقة إسرائيل بالغرب، وكيف أنها ستكون قلعة للحضارة الغربية في مواجهة الهمجية والتخلف، كما كان يقول هرتزل، أو أنها ستكون حاملة طائرات لا تغرق للولايات المتحدة في الشرق الأوسط كما يقول ارئيل شارون، أو أنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي تقوم على قيم الديمقراطية التي يؤمن بها العالم الغربي الحر. لكن المهم لنا، كيف نظر قادة الصهيونية وإسرائيل إلى أنفسهم عرقياً؟ إلى أي مدى كانوا على استعداد للدفاع عن ساميتهم المزعومة؟

بكل بساطة نقول إن قادة الصهيونية وإسرائيل اعتبروا أنفسهم بيضاً أوربيين.
وهذه الأمثلة:

* يقول ارثر روبن Arthur Ruppin في بحثه «اليهود اليوم» إنه يفضل أن ينظر إلى اليهود باعتبارهم من العرق الأبيض، ويفضل أن توجه ضربة إلى السامية. والفرق بين اليهود والأوربيين حسب اعتقاده من الأفضل ألا ينظر إليه على أساس أنه ثمرة زواج مختلط. والمقصود باليهود هنا هم الأشكناز الغربيون. وحتى عام 1948 كانت الصهيونية تصر على تهجير اليهود الأوربيين، وتسعى جاهدة لاستثناء السفارديم من الهجرة. ولم يكن ارثر روبين سعيداً لهجرة اليهود الشرقيين الذين «ينحدرون من مكانه روحية وثقافة متواضعة جداً ستؤدي بشكل عام إلى تدني مستوى اليهود الاشكناز في فلسطين. واليهود الشرقيون الذين يهاجرون بأعداد صغيرة سيكونون مفيدين لأنهم يعرفون التقاليد السائدة، ولأن حاجاتهم قليلة. والأهم من ذلك لأن لديهم مقدرة على العمل الزراعي بأجور منافسة للعرب». ويقارن روبين بين المزارعين المثقفين والصناعيين المهرة الذين يحصلون على مستويات عالية من الدخل، ومجتمعات فقيرة تسودها الأمية ولا تشبه الصهيونية بأي شكل. ([19])
* بعد حرب تشرين زار دايان جنوب أفريقيا عام 1974 وألقى كلمة في الجالية اليهودية هناك قال فيها:
«إن أكبر مشكلة تواجه اسرائيل هي أن اليهود الشرقيين يتفوقون عددياً على اليهود الغربيين» وناشد موشي دايان يهود جنوب إفريقيا مساعدة اسرائيل في حل هذه المشكلة عن طريق الهجرة إليها. ([20])
* يقول أبا ايبان، وزير خارجية اسرائيل الأسبق، وهو يهودي هاجر من جنوب إفريقيا.
«بعيداً عن القول إن المهاجرين اليهود الشرقيين يشكلون جسراً للتعامل مع العالم المتحدث باللغة العربية، سيبقى من واجبنا حقن هؤلاء اليهود بالروح الغربية بدل أن نسمح لهم بجرنا إلى شرقية غير اعتيادية».
* منذ مطلع 1948 حاولت قيادة الحركة الصهيونية إقناع الفيلسوف والعالم البرت اينشتاين قبول تسلم منصب رئيس الدولة في إسرائيل عند إعلان قيامها. ومن المعروف أن بن غوريون بذل مساعي حثيثة في هذا المجال مع اينشتاين، وكذلك فعل حاييم وايزمن. وفي أحد اللقاءات بين وايزمن واينشتاين سأل الأخير وايزمن اذا حصل اليهود على فلسطين، ماذا سيكون مصير العرب؟ فأجاب وايزمن ببساطة انهم لاشيء تقريباً. ([21])
وما يقوله وايزمن ينسجم تماماً مع مفهوم الاستعمار الاستيطاني للسلطات الأجنبية، فقد اعتبر الاستعماريون، الدول غير الأوربية خالية من السكان أو خالية من الحضارة. وأن السكان الأصليين يصبحون خارج أية معادلة عند الحديث عن مستقبل البلاد. ولا يكلف الاستعمار الاستيطاني نفسه بتحليل مستوى التطور القومي للسكان الأصليين ومضمون ثقافتهم وحاجاتهم أو مصالحهم، وحتى إمكانية أخذ رغباتهم في الحسبان أو حتى مجرد الاطلاع عليها. ولا مجال عنده للحديث عن حقوق هؤلاء السكان ناهيك عن حقهم في تقرير المصير كغيرهم من البشر.
* في مقابلة مع صحيفة صندي تايمز بتاريخ 15/6/1969 قالت غولدا مائير رئيسة وزراء اسرائيل في تلك الفترة.
«ليس للفلسطينيين وجود. إن المشكلة ليست مشكلة وجود شعب في فلسطين يعتبر نفسه الشعب الفلسطيني، وليست المشكلة أننا طردناهم وأخذنا أرضهم عندما حضرنا، منهم فهم لم يوجدوا أساساً». ([22])
هذا التعالي المتغطرس الذي يجسد الوجه الآخر للدونية، هو نفسه إحساس المستوطنين بالاستعلاء على السكان الأصليين الذين اعتبروا بمثابة برابرة اتيحت لهم فرصة التعرف على منجزات الحضارة الغربية وهو ينبع من مجموعة الأساطير نفسها التي طالما رددها المستوطنون كما يقول المفكر المعروف مكسيم رودنسون والتي تزعم أن الأراضي التي يجري استيطانها خالية من السكان لا يملكها أحد. ([23])
وهذا المنطق هو الذي وحد المستوطنين في أكثر من مكان، لأنه بالنسبة إليهم يشكل القضية الأساسية لمستقبلهم. لنقرأ ماذا يقوله بيان وزعته قيادة الجيش السري الفرنسي الذي كان يحارب سياسة ديغول الرامية للانسحاب من الجزائر:
«برأينا للإسرائيليين كل الحق، ومثل فرنسا في الجزائر، أن يبقوا في البلاد التي أخضعوها بعملهم، وخلقوها من لاشيء وهي بكل بساطة لهم وحدهم، إن الحقائق على الأرض تدمر كل الأوهام، ولا يبقى سوى خيار واحد ووحيد: ـ إما أن تقهر إفريقيا على نطاق كوني شامل أو نقبل باختناق دولة إسرائيل في زمن ما، وبما أن الأمر هكذا، نحن مقاتلو الجيش السري الفرنسي نحيي جنود إسرائيل الذين يعملون وحدهم، مثلنا، لحماية حضارتنا المشتركة». ([24])
الفصل العنصري Racial Segregation

إن أبرز مظاهر الأبارتـيــد، بل يمكننا القول، إن الشكل العملي لتجسيد الأرباتيد يتجلى من خلال الفصل العنصري. وقد مورست هذه السياسة رسمياً في الولايات المتحدة حتى الستينيات من القرن الماضي، وفي جنوب إفريقيا حتى التسعينيات من القرن الماضي وفي اسرائيل، حتى الآن. وتطابقت تجليات جوهر الفصل العنصري في كل من هذه البلدان الثلاثة رغم وجود فوراق أو تباينات. اقتضتها بعض ضرورات معينة، خصوصاً في إسرائيل.
أ ـ الفصل العنصري في الولايات المتحدة:

يجب التمييز بين نمطين من الفصل العنصري.
1. الفصل القانوني de jure Segregation، ويتجسد هذا الفصل من خلال التشريعات والقوانين التي تفرض الفصل العنصري وتعاقب من يرتكب أية مخالفة. وقد الغي هذا النوع من الفصل في أواسط الستينيات.
2. فصل الأمر de facto Segregation ويأتي نتيجة لممارسات اجتماعية وقرارات سياسية وظروف اجتماعية وسياسات حكومية تؤدي إلى فصل الناس على أساس عرقي أو اثني رغم عدم وجود تشريعات تنص على ذلك، ولا يزال هذا الشكل من الفصل العنصري موجوداً في أماكن كثيرة في الولايات المتحدة.
تؤكد الوقائع التاريخية أن الفصل العنصري في الولايات المتحدة هو الأقدم والأكثر دموية، وقد مورس ضد الزنوج الأفارقة الذين كانت تختطفهم سفن القراصنة من الشواطئ الأفريقية وتحملهم إلى الولايات المتحدة للعمل في المزارع، وقد تمركزت الأغلبية الساحقة من الزنوج في الولايات الجنوبية، وكان الموقف من مسألة تحرير الزنوج أحد أبرز قضايا الخلاف بين الولايات الشمالية والولايات الجنوبية إبان الحرب الأهلية.
سمة أخرى للفصل العنصري في الولايات المتحدة وهي أنه لم يصل لدرجة الأبارتـيــد لأن الزنوج كانوا يشكلون أقلية سكانية تستخدم للعمل في الأرياف، والأغلبية الساحقة منهم كانوا عبيداً وبالتالي يعتبرون من الأملاك المنقولة.
تعود بدايات الفصل العنصري في الولايات المتحدة إلى بدايات الغزو الأوربي للعالم الجديد، وخصوصاً أمريكا، وقد استمر حتى الستينيات من القرن الماضي عندما ألغي قانونياً، لكنه لا يزال يطبق على أرض الواقع.
قبل الحرب الأهلية 1861ـ1865 لم يكن يسمح للزنوج بالالتحاق بالمليشيات أو الجيش أو البحرية، ولكنه يسمح للزنوج الأحرار بالحصول على جوازات سفر، وفي عام 1857 أعلنت المحكمة العليا في الولايات المتحدة أنه لا يمكن للزنوج أن يكونوا مواطنين أمريكيين. وبعد الحرب الأهلية، وخصوصاً خلال فترة إعادة البناء 1865ـ1877 صدرت الكثير من القرارات التي خففت معاناة الزنوج الأمريكيين، ومنها التعديل رقم 13 تاريخ 1865 الذي ألغى العبودية، والتعديل رقم 14 تاريخ 1868 الذي اعتبر الزنوج مواطنين أمريكيين، والتعديل رقم 15 تاريخ 1870 الذي ألغى التمييز العنصري في مجالات التصويت والانتخابات. ومع ذلك بقي الفصل العنصري في مدارس سان فرانسيسكو حتى عام 1956 وفي كاليفورنيا حتى عام 1940. ومن اللافت للنظر أن الفصل العنصري ازداد حدة بعد الحرب الأهلية في الولايات الجنوبية، لأن الأغلبية الساحقة من الزنوج كانوا عبيداً. وتماشياً مع تزايد حده الفصل العنصري أقرت المجالس التشريعية ما يعرف بقوانين السود Black Codes التي قلصت وبشكل حاد، حريات السود، رغم أن الأوضاع كانت تختلف بين ولاية وأخرى وقلصت حريات الزنوج في مجال العمل، حقوق التملك، وقد صدرت قوانين خاصة عرفت باسم قوانين مكافحة التشرد Vagrancy Laws وبموجبها أجبر الزنوج على العمل عند البيض، ومنعوا من الاستئجار في المدن، ومنعوا من إبداء المعارضة أو رفض العمل لدى البيض.
وثمة قضية أخرى لافتة للنظر، وهي أن الديمقراطيين الذين سيطروا على الولايات الجنوبية عام 1877 ألغوا كل الإنجازات التي حققها الزنوج في عهد الجمهوريين، وأعادوا عدداً من قوانين الفصل العنصري، وأوجدت بعض العقبات للحيلولة دون ممارسة الزنوج الذين حصلوا على حرياتهم حقهم في الانتخابات، ومن هذه العقبات، فرضت ضريبة انتخابات باهظة، لا يستطيع الزنوج دفعها، وفرض امتحان اجتياز الأمية، علماً أن تعليم الزنجي للقراءة والكتابة كان عملاً خارجاً عن القانون، وفي بعض الأحيان اعتبر عملاً مخالفاً لتعاليم الكنيسة.
وفي عام 1883 وقفت المحكمة العليا في الولايات المتحدة مكتوفة الأيدي وأعلنت عدم مقدرتها على مواجهة قوانين التمييز العنصري وقال القاضي جوزيف برادلي «أن الرجل الذي يخرج من العبودية، بمساعده من قوانين الإحسان، لابد أن يمر بمرحلة من التطور ليرفع نفسه خلالها ـ قبل أن يصل إلى مرحلة المواطنة» وفي عام 1896 أقرت المحكمة العليا بليسي فرجسون مبدأ الفصل العنصري بين السكان في المواصلات والمؤسسات والمرافق العامة. وفي عام 1898 منع الزنوج في ولاية المسيسبي من العمل في المحاكم، ومن الانتخاب، وحتى عام 1914 كان الزنوج في لويزانا يدخلون السيرك من بوابات خاصة، وفي أوكلاهوما، كانت ثمة هواتف خاصة بالزنوج. وفي عام 1920 اعتبر الحديث عن المساواة جريمة. وفي بعض الولايات كانت الكتب المدرسية التي توزع على البيض تحفظ في مخازن خاصة ولا يجوز أن تعطى للطلاب السود. وبقي الفصل العنصري في الولايات الجنوبية شبه كامل حتى عام 1954، وهذا يشمل المدارس، المطاعم، الفنادق، محطات القطار، غرف الانتظار، المصاعد، الحمامات العامة، الجامعات، المشافي، المقابر، المسابح، المناهل، السجون، والكنائس، وفي المحاكم، كان البيض يحلفون على نسخة من الكتاب المقدس، والزنوج على نسخة أخرى.
فرق الموت الأمريكية:

تعتبر فرق الموت الإسرائيلية التي كلفت باغتيال نشيطي الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987ـ1983 والانتفاضة الثانية التي تفجرت في 28أيلول 2000 وكانت في البداية تعمل سراً Units Under Cover ومن ثم أصبحت تعمل علناً مخالفة للقوانين الدولية وحقوق الإنسان، وتعتبر فرق الموت هذه امتداداً لفرق الموت الأمريكية التي كانت تمارس ما يعرف بالإعدام Lynching حيث تقوم عصابات من البيض الأمريكية بمهاجمة الزنوج، وإلقاء القبض على بعضهم وإعدامهم شنقاً في الساحات العامة وبلا محاكمة، أو إعدامهم حرقاً حتى الموت، أو بالضرب حتى الموت. وقد بلغ عدد الذين نفذ بهم حكم الإعدام بهذه الطريقة خلال الفترة ما بين 1890ـ1900 نحو 2000 زنجي، وخلال الفترة ما بين 1900ـ1901 أعدم 200 زنجي وفي بعض الأحيان كانت العصابات، ومن أشهرها عصابة كلوكلاس كلان K.K.K تنفذ عقوبة الإعدام بالبيض الناشطين في مجال الدعوة لمساواة الزنوج. ([25])
ب ـ جنوب إفريقيا:

يعتبر الفصل العنصري في جنوب إفريقيا هو الأقرب إلى التجربة الصهيونية، بسبب الأصول الفكرية والتوراتية المتماثلة النظرة إلى السكان الأصليين، الاعتماد على دولة أو دول عظمى لتوفير الدعم الخارجي، اعتماد ما يعرف بلعبة العدالة البريطانية. The British Game of Justice التي تتمثل بإيجاد نظام برلماني ديمقراطي للفئة الحاكمة وتشريعات تكرس التمييز العنصري، وقوات شرطة وجيش ومهمتها تطبيق القوانين، لكن الشيء الأهم في النموذج الجنوب إفريقي كما سنرى، أنه تجسد في اسرائيل بما يعرف بالحكم الذاتي للسكان، وليس للأرض مما يبقي السيطرة على الأرض ويسمح باستمرار استغلال السكان الأصليين باعتبارهم قوى عاملة رخيصة، وأخيراً جاءت فكرة المعازل التي طبقتها جنوب إفريقيا وارادت اسرائيل تطبيقها على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
البانتو ستانات Bantustant

أطلق على المعازل التي فرضت على السود في جنوب أفريقيا العيش فيها اسم بانتوستانات وهي تعني موطن السود Black homelands والكلمة مشتقة من الافريكانية وتتألف من جزأين Bantu وتعني أسود All black وستان تعني بلاد homeland. وقد صدر القانون بتشكيل البانتوستانات رسمياً عام 1950 وبقي ساري المفعول حتى عام 1994 وبموجب هذا القانون حددت عشرة معازل للسود هي: ([26])
1ـ بوفوثسوانا Bophuthswana
2ـ سيسكاي Cieksi
3ـ غازان كولو Gazan kulu
4ـ كانغوار Ka Ngeare
5ـ كواند بيلي Kwa Ndebele
6ـ كوازولو Kwa Zulu
7ـ ليبوا Lebowa
8ـ كواكوا Qwa qwa
9ـ ترانسكاي Transkei
10ـ فينداي Vendei
وبموجب قانون تطوير الأراضي لعام 1936، حددت مساحة 13% من أراضي جنوب أفريقيا للسود لتبنى عليها المعازل لاحقاً، وقد شرع هنريك فيرفور Hendrik Verwore وزير خارجية جنوب أفريقيا 1950 ـ 1985 ورئيس وزرائها ما بين 1966 ـ 1985، شرع في تطبيق سياسة المعازل. وفي عام 1951 صدر ما يعرف بقانون سلطة البانتو The Bantu Authority. وخصصت بموجبه حكومة جنوب أفريقيا أجزاء من احتياطي أراضى الدولة لبناء المعازل، وعينت لكل من المعازل سلطة مسؤولة عن قضايا المشافي، الطرق، المؤسسات التعليمية. (سنرى لاحقاً كيف حاول مناحم بيغن تطبيق مفهوم الحكم الذاتي ذاته على الفلسطينيين) وفي عام 1959 وضمن قانون تطور سلطات الحكم الذاتي The Promotion of Self ـ Government تأسست الوحدات الوطنية National units أي أن تتطور كل من المعازل بشكل مستقل عن المعازل الأخرى، وفي الوقت ذاته مستقل عن جنوب أفريقيا. ([27])
وفي عام 1963 صدر مرسوم ترانسكاي الذي يسمح للجمعية التشريعية والمجلس التنفيذي بادارة أراضي ترانسكاي. وفي عام 1971 صدر قانون دستور المعازل The Bantu Homeland Constitution Act وطبق على كل المعازل. وبموجب القانون المذكور يحق لرئيس جمهورية جنوب أفريقيا تشكيل المجالس التشريعية للمعازل تعيين أعضاء سلطة الحكم الذاتي، ويحق للسكان الأصليين انتخاب نصف أعضاء المجلس التشريعي، ويحتفظ بالنصف الثاني للزعماء الإقليميين الذين خلقت سلطات جنوب أفريقيا بينهم خلافات ومصالح أنانية متناقصة تسهل على السلطات في بريتوريا حكمهم. ([28])
وتنحصر مهام وصلاحيات سلطات الحكم الذاتي بجمع الضرائب، إصدار القوانين المتعلقة بالمدارس، السجون، الطرق، الشرطة، ولكن لا علاقة لسلطة الحكم الذاتي بالسياسة الخارجية، الدفاع، الاتصالات، المصارف، الشؤون المالية، وكل ما يتعلق بالأمور المذكورة أعلاه مرتبط بموافقة رئيس جمهورية جنوب إفريقيا، ومن المهم أن نتذكر أنه عندما يتمتع أحد المعازل بالحكم الذاتي، تسقط جنسية جنوب إفريقيا عن كل السكان التابعين له، وهذه طريقة فريدة للتخلص من السكان وتجريدهم من حقوقهم بلا ترانسفير، بينما كانت الرؤية الإسرائيلية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1967 تقوم على اعتبارهم غرباء ويقيمون بشكل دائم، ولا يحق لهم سوى الإشراف على الشؤون البلدية والقروية، المدارس، المشافي، ولا علاقة لهم بالسيطرة على الأمن، الجيش، المياه... الخ. ولا مجال في مناطق الحكم الذاتي لزيادة عدد السكان غير اليهود.
ولو ألقينا نظرة على جغرافية المعازل لتبين لنا أن معظم المعازل تشكلت من قطع أرض منفصلة، غير متواصلة إقليمياً، فقيرة أو غير قابلة للزراعة، وإن اقتصاد المعازل يبقى بشكل أساسي يعتمد على جنوب إفريقيا، أما بالنسبة للعمال فهم يعملون في النهار خارج المعازل ويعودون إليها ليلاً بموجب تراخيص انتقال صدرت ضمن ما يعرف بقوانين الانتقال Pass laws. وفي بعض الأحيان، وعندما تقتضي مصلحة جنوب إفريقيا يمكن نقل العمال من منطقة إلى أخرى، ليصبحوا عندئذ عمالاً مهاجرين، ولا يختلف الوضع كثيراً عن أوضاع العمل والعمال في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وأخيراً أصبح سكان المعازل عبارة عن جماعات بشرية تكتظ في مناطق فقيرة جداً، وتعمل في صناعات يديرها البيض خارج المعازل ([29]) (قارن ذلك مع مشروع النجوم السبعة لشارون في الضفة الغربية، وما يعرف بالمناطق الصناعية الغربية من خطوط التماس).
جـ ـ إسرائيل

يعتبر المشروع الصهيوني آخر التجارب الاستعمارية في العالم وأكثرها تعقيداً، فهو، أولاً، مارس ما يعرف باستيطان الانفصال الذي مارسه المستوطنون في جنوب إفريقيا وروديسيا وكينيا وأدى إلى قيام كيانات استيطانية ومارس الاستعمار الاستئصالي أو الإجلائي لإزالة كل ما ينتمي إلى فلسطين بشرياً وحضارياً قبل عملية بناء الكيان. وهذا ما سندرسه بالتفصيل في الفصل الثاني الذي يعالج الترانسفير الصهيوني كشكل من أشكال حل مشكلة السكان الأصليين بعد أن اتضح، ولأسباب لا مجال لذكرها هنا، عدم إمكانية تطبيق الخيار الأمريكي مع الهنود الحمر الذين تمت إبادتهم جسدياً، ثانياً: جمع بين القومية والدين، بين النظام الاستيطاني الإجلائي والاستعمار التقليدي القائم على التوسع ونهب الخيرات، وبدلاً من الاعتماد على دولة عظمى واحدة، اعتمد على النظام الأوروبي في فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى، وما بين الحربين العالميتين، ثم نقل ولاءه وتحالفه عبر المحيط الأطلسي إلى الولايات المتحدة، ثالثاً: أوجد تشكيلة اجتماعية/ اقتصادية فريدة في تكوينها، وجدت مؤسسات السلطة فيها قبل أن يتشكل المجتمع عينة، فالوكالة اليهودية كانت بمثابة الدولة حتى عام 1948، الهستدروت تأسس تقريباً قبل أن تتشكل الطبقة العاملة التي يمثلها، والهاغناة كانت الجيش والشرطة وكل ما يتعلق بالإكراه وممارسته. رابعاً استفادت إسرائيل من كل تجارب الأبارتـيــد والفصل العنصري في العصر الحديث، فقد أشرف العسكريون البريطانيون، كما سترى لاحقاً في الفصل الرابع على اختيار مواقع المستوطنات وتحصينها، وتدريب المحاربين فيها، وقدمت الولايات المتحدة لإسرائيل الشكل العملي لتطبيق لعبة العدالة البريطانية في التمييز ضد العرب في الأراضي المحتلة عام 1948، وفي تكريس سياسة حق القوة، وقدمت جنوب إفريقيا تجربة فريدة في التخلص من السكان من خلال الحكم الذاتي، والسيطرة على الأرض. خامساً: تعددت تجليات ممارسة الأبارتـيــد على الفلسطينيين، في الشتات، داخل الأراضي المحتلة عام 1948 وفي الضفة الغربية وقطاع غزة اللتين احتلتا عام 1967. ([30])
وسنناقش فيما يلي تجليات الأبارتيد الصهيوني
أ ـ اللاجئون

اعتبرت الصهيونية الترحيل (الترانسفير) الحل الوحيد لمشكلة السكان الأصليين، وبذلك اختلفت مع كل الكيانات الاستيطانية التي سبقتها، وإذا كنا سنناقش الترانسفير في الفكر الصهيوني بالتفصيل في الفصل الثاني، فمن المناسب أن نلقي بعض الضوء على الأبارتـيــد الواقع على اللاجئ، والذي لا يستطيع المجتمع الدولي أن يغمض عينيه ويتجاهله، طالما استمر تجاهل إسرائيل وازدراؤها للشرعية الدولية ولقرارات الأمم المتحدة المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين، وحقهم في العودة إلى أرضهم، وتقرير المصير وبناء الدولة الوطنية المستقلة.
ولقد بات قسم من المفكرين والكتاب اليهود والإسرائيليين لا يجادلون في حقيقة أن الفلسطينيين تعرضوا للإرهاب والطرد. يقول الكاتب الإسرائيلي حنا ارندت «سيكون لزاماً علينا ذات يوم أن نواجه حقيقة أن إسرائيل ليست بريئة ولا يمكن أن تحصل على الصفح... فبمجرد خلق إسرائيل ذاتها، وتوسعها، تسبب اليهود بخلق ما عانوا منه ذات يوم، شعب من اللاجئين ودياسبورا (شتات)». وبالتالي لا مجال للحديث عن سلام دائم وعادل دون الاعتراف بالحقوق العادلة والمشروعة للشعب الفلسطيني، وجوهرها أن الفلسطينيين، «وبضربة واحدة عام 1948، تحولوا من شعب على أرضه، إلى لاجئين فقدوا ممتلكاتهم، وبيوتهم ووسائل العيش، وحقوقهم المدنية والسياسية، والاقتصادية والثقافية التي يوفرها لهم قيام الدولة المستقلة. إن اللجوء يعني تشرد الفلسطينيين والمساس بإنسانيتهم»، وبناء عليه تعتبر العودة حقاً عادلاً ومشروعاً وممكناً وينسجم مع قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومنها القرار رقم 194 لعام 1948، يضاف إلى ذلك أن حرمان الفلسطينيين من حق العودة، يخالف الفقرة 12 من الميثاق العالمي لحقوق الإنسان المدنية والسياسية الصادر عام 1966 والذي ينص على أنه «لا يجوز أن يحرم أحد بالقوة من العودة إلى وطنه». وهو مخالف أيضاً للفقرة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 الذي يؤكد أن لكل شخص الحق بالعودة إلى وطنه أو وطنها، وهو أيضاً مخالف للاتفاقية الأوروبية لحماية الحقوق الأساسية للإنسان، وخصوصاً الفقرة الثالثة من البروتوكول الرابع الذي يشدد على أنه من غير المسموح به حرمان أي شخص من حق العودة إلى الدولة التي كان أحد مواطنيها. وهو أيضاً مخالف للميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الصادر بتاريخ 17 حزيران 1981 الذي يقضي بأن لكل شخص الحق بالعودة إلى بلده أو بلدها. وأخيراً إنه يتناقض مع الميثاق الأمريكي لحقوق الإنسان لعام 1969 الذي يقول إنه من غير المقبول طرد أي شخص من وطنه أو وطنها وحرمانه من العودة إليه.
إلى ذلك إن تطبيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين ينسجم مع المصالح الحقيقية لكل الشعوب في المنطقة وفي العالم، وهو يساعد في تحرير اليهود من ذهنية أو سيشفيش، ويساهم في تحويل إسرائيل من دولة يهودية إلى دولة مواطنين، كما أن ازدواجية المعايير وسياسات القوة المتمثلة بإعطاء اليهودي الجنسية الإسرائيلية حالما تطأ قدمه أرض إسرائيل، وحرمان الفلسطيني من حق العودة، يؤدي إلى تقسيم البشر في المنطقة إلى فئتين، فئة تحترم حقوقها ومصالحها وتطلعاتها ويتم حمايتها بكل الوسائل، وفئة أخرى تقرر مصائرهم وحقوقهم استناداً إلى مصالح غيرهم. وهذه عنصرية مفضوحة... إنها أبارتـيــد.
ومنذ مؤتمر مدريد عام 1991، وتوقيع اتفاقية أوسلو في 13 أيلول 1993، يتزايد ازدراء إسرائيل وتحديها لقرارات الشرعية الدولية، ومن ضمنها قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي المتعلقة باللاجئين، وفي الوقت نفسه، وتحت شعار تهويد القدس، وخلال ما يعرف بالحرب على بطاقات الهوية للمقدسيين، تتخذ السلطات الإسرائيلية كل الإجراءات الممكنة لتجريد الفلسطينيين في القدس الشرقية من بطاقات الهوية، ومن ثم يجري طردهم إلى أماكن أخرى، أي يتحولون إلى لاجئين، وهذا نوع أخر من الأبارتـيــد يفرض على الإنسان الفلسطيني، لا مثيل له في أي مكان أخر في العالم. ([31])
ب ـ الفلسطينيون في إسرائيل:

عام 1948 حدثت النكبة، طرد نحو 85% من الشعب الفلسطيني خارج الوطن، وتحول نحو 22% من أراضي فلسطين إلى مناطق تابعة لكل من الأردن ومصر، وسيطرت إسرائيل على 78% من الوطن الفلسطيني، وكأي كيان استيطاني في العالم، سارع الكيان الاستيطاني الصهيوني إلى ممارسة سيادته وتنفيذ مصالحه ورغباته، بل وأحقاده العنصرية القديمة والجديدة في إطار القانون، وليس خارجه.
ومباشرة بعد انتهاء الانتداب البريطاني في أيار 1948، واستكمال عمليات طرد الفلسطينيين في أواخر تشرين الأول 1948 ظهرت في إسرائيل مؤشرات ذات دلالة.
* البروز الضخم للجهاز القانوني الإداري وهذا يشمل تضخيم أجهزة البوليس والمخابرات والجيش والسجون، واستخدام هذا الجهاز بشكل تعسفي جداً ضد الفلسطينيين لتكريس سياسات الإكراه.
* تطور أجهزة فرض القانون إلى درجة قوية جداً، بحيث تجعل من الإرهاب والعنف «غير القانوني» نادراً جداً. بل إن القوانين الموجودة في إسرائيل تمكن، من الناحية النظرية تقديم أي شخص يخالف القانون، أو يعتدي على غيره سواء كان عربياً أم غير ذلك للمحاكمة. أخذين إن كل عمليات التمييز والقهر والإكراه التي تنسجم مع السياسات العامة للصهيونية أدخلت ضمن القوانين وباتت شرعية.
* السعي دائماً لتقليد «لعبة العدالة» المعروفة في القانون البريطانية التي تجعل الجماعة الاستيطانية الصهيونية تظهر بمظهر ديمقراطي. مثلاً، عندما اندلعت انتفاضة الأقصى في أيلول 2000، شهدت مدينة الناصرة وغيرها من المدن والقرى العربية في الجليل مسيرات مؤيدة وتضامنية، استخدمت الشرطة ضدها الرصاص الحي والقناصة مما أدى إلى استشهاد 13 فلسطينياً، ولخداع الرأي العام الداخلي والخارجي سارعت الحكومة الإسرائيلية إلى تشكيل لجنة تحقيق برئاسة قاضٍ. ويستدل من كل الوقائع، أن الحكومة الإسرائيلية غير جادة في وصول اللجنة إلى أية نتائج، رغم وجود دلائل تدين قائد لواء شرطة الشمال الجنرال أريك رون، واحد ضباطه الذي كلف عناصره بإطلاق النار على قوات الشرطة الإسرائيلية لتبرير رد الأخيرة بإطلاق النار بقصد القتل واستخدام القناصة في أماكن متعددة.
وفي 29/10/1956، ارتكبت قوات الجيش الإسرائيلي مجزرة كفر قاسم، وقدم قائد الوحدة العسكرية وهو برتبة ملازم أول وعناصر وحدته للمحاكمة، وأصدرت المحكمة العسكرية حكمها الشهير بتغريم الجنود مبلغ 1/2 أغورة لكل عربي قتل. ([32])
وبعيداً عن هذه «اللعبة العادلة» أو المظهر الديمقراطي المخادع، يعيش الفلسطيني في إسرائيل، كما هو معروف في ظل قوانين وجدت لتكرس التمييز العنصري ضده في مجالات: العودة، الجنسية، الأرض...الخ، وبالتالي تشرعن الأبارتـيــد، وسنناقش هذه القوانين بالتفصيل في الفصل الثالث.
ومن جهة أخرى، استخدمت إسرائيل كل الوسائل «القانونية» وأساليب الإكراه للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية من خلال المصادرة لأغراض الاستيطان أو الأمن أو الطرق الالتفافية، أو توسيع المستوطنات القائمة، أو إيجاد محميات طبيعية، مما جعل التجمعات الفلسطينية تتحول إلى معازل، وسنحاول إلقاء الضوء على هذه الناحية في الفصل الرابع.
وأخيراً، تستخدم اللعبة العادلة في تبرير هدم منازل الفلسطينيين، سواء داخل الخط الأخضر، أو في المناطق المحتلة عام 1967، وخصوصاً في المنطقة الخاضعة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة. ومن المعروف أن إسرائيل ترفض، أو تضع عراقيل كبيرة جداً قبل إعطاء تراخيص بناء للعرب، ومن يبني بيتا بلا رخصة يجد نفسه مضطراً لدفع غرامات باهظة وتكاليف هدم منزله.
ج ـ الأراضي المحتلة عام 1967:

عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة، وإمعاناً بالتمسك، باعتبارها أرضاً خالية أو شبه خالية، أطلقت عليها عبارة الأراضي المدارة Administered Territories، وبدلاً من اسم الضفة الغربية تستخدم إسرائيل اسمي يهودا والسامرة، وأخيراً فصلت القدس عن الضفة الغربية.
أما السكان فقد وجدوا أنفسهم يخضعون لمشيئة الحاكم العسكري الذي يتحكم بكل التفاصيل اليومية العامة والخاصة، من أراضٍ ومدارس ومياه، وزراعة، ومحاكم، ومشافٍ، وتجارة...الخ، ولا يجوز الاعتراض على أوامره، والناس يقدمون إلى محاكم عسكرية أحكامها تصل في عدد من الأحيان إلى أكثر من مئة سنة.
وخلافاً لاتفاقيات جنيف، خصوصاً اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي تمنع قوات الاحتلال من نقل السكان إلى المناطق المحتلة، يندفع المستوطنون، بحماية قوات الجيش وحرس الحدود للاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبالتالي تتقابل شريحتان أو فئتان من البشر، إحداهما تتمتع بكل الحقوق، بما فيها حق الاعتداء على الأخرين وسلب أملاكهم، وتدميرها، والاعتداء على أرواحهم، ومصادرة ثرواتهم الطبيعية، وفئة أخرى تعتبر جماعة من الغرباء تعيش على أرضها بشكل دائم، ولا تختلف نظرة الاحتلال إلى الفلسطيني ومعاملته القاسية جداً للفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1967، عن معاملة حكومة بريتوريا العنصرية للسود الأفارقة، قبل سقوط نظام الأبارتـيــد.
وإذا كانت الأخيرة أنشأت المعازل Bantustans وأجبرت السود الأفارقة على العيش فيها، فقد سعت إسرائيل، من خلال الاستيطان والطرق الالتفافية إلى خلق هذه المعازل، وسنناقش هذه القضية بالتفصيل في الفصل الرابع.
ومن جهة أخرى، ومثلما سعت جنوب إفريقيا إلى استخدام الحكم الذاتي للمعازل كوسيلة للتخلص من السكان الأفارقة، فرض الفصل العنصري، وتكريس مبدأ التطور المنفصل للمعازل السوداء عن جنوب إفريقيا، مع بقاء إمكانية استغلالها في كل المجالات، لجأت إسرائيل إلى الحكم الذاتي لإعادة إنتاج الاحتلال بتكاليف أقل، وباعتراف ودعم دوليين، مقابل إعطاء الفلسطينيين مهمة القيام بالأعمال القذرة خدمة للاحتلال.
ولو عدنا إلى الوراء قليلاً، إلى بداية جلسات المفاوضات في الجولة السادسة في واشنطن اعتباراً من 23/8/1992، قدمت إسرائيل مشروعها للحكم الذاتي الذي جاء في ثلاثين صفحة وكان متخلفاً عما ورد في اتفاقيات كامب ديفيد، وهو يستهدف بالدرجة الأولى «ضرب علاقة الإنسان الفلسطيني بأرضه» ويجرد الفلسطينيين، حسب أقوال ميرون بنفنيستي، مدير مركز المعلومات حول الضفة الغربية، «من حقين أساسيين يتيحان تنمية الأراضي المحتلة وحرية امتلاك الأراضي». ولا يغيب عن أذهاننا أن الكاتب الإسرائيلي يتجاهل عمداً حق السيادة والسيطرة باعتباره جزءاً لا يتجزأ من حق تقرير المصير،([33]) علماً أن اتفاقية كامب ديفيد تناولت قضية الحكم الذاتي بصيغ عامة وفضفاضة. وهذا ما يؤكده المصريون باعتبارهم الطرف الآخر في اتفاقيات كامب ديفيد. يقول د. مفيد شهاب، رئيس لجنة العلاقات الخارجية والشؤون العربية في مجلس الشورى المصري، وعضو الوفد المصري في مباحثات الحكم الذاتي: «إن اتفاقيات كامب ديفيد لم تتضمن صورة محددة للحكم الذاتي، بل كلاماً عاماً، أما التفاصيل الإدارية والنيابية، فلم يتم التطرق إليها، ولم تشر إلى حق تقرير المصير للفلسطينيين».([34])وذكرت فقط مشاركة الفلسطينيين في تحديد مستقبلهم. ويلقي السفير المصري طاهر شاس ـ مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، وعضو الوفد المصري لمباحثات الحكم الذاتي، والمستشار لاحقاً لدى الوفد الفلسطيني في مفاوضات واشنطن ـ الضوء على مسألة غاية في الأهمية وهي إن أحكام كامب ديفيد قد اتسمت بالغموض، الأمر الذي أدى إلى تمسك كل من الطرفين، المصري والإسرائيلي، بمواقفه مما أدى إلى فشل المفاوضات. ([35])
الحكم الذاتي: مفاهيم عامة

إن الحكم الذاتي شكل منقوص من أشكال السيادة أو حق تقرير المصير بحيث (يمارس الشعب الواقع في ظل الحكم الذاتي سيادته الوطنية كاملة. وهو يمنح عادة للأقليات الدينية والقومية والعرقية. وقد اختلفت سلطات الحكم الذاتي من حيث مدى السلطة في إصدار التشريعات، وتسيير الأمور الداخلية، لكن صلاحياتها كانت معدومة في مجالات الشؤون الخارجية والدفاع).
ويمنح الحكم الذاتي لجزء من مواطني دولة ما، لكنهم يعتبرون جزءاً لا يتجزأ من تلك الدولة، يتوارثون مع سكانها حق ممارسة السيطرة على الأرض وما عليها، وتظل الفئة الخاضعة للحكم الذاتي محتفظة بانتمائها للدولة الأم ويحملون جنسيتها. ([36])
ولا يعتبر الحكم الذاتي بديلاً لحق تقرير المصير أو معادلاً له، ولا يحق لأية دولة محتلة أن تفرض على الدول الخاضعة للاحتلال حكماً ذاتياً. كما أن الاحتلال مهما طال وتجذر لا يمكنه إذابة الخواص الحضارية والثقافية والإنسانية والعقائدية التي تميز شعباً عن آخر أو أن تلغي الشرعية الوطنية للشعب الواقع تحت الاحتلال.
وقد ارتبط مفهوم الحكم الذاتي ببدء مرحلة تصفية الاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية أي ما بين 1945 و1955، وقبل ذلك وردت الإشارة إليه في ميثاق حلف الأطلسي الموقع بتاريخ 14/8/1941 ومسودة ميثاق الأمم المتحدة التي أعدتها بريطانيا والولايات المتحدة عام 1943، وتضمنت المادة 73 من الفصل الحادي عشر من ميثاق الأمم المتحدة الصادر عام 1945 الإشارة إلى الأقاليم الخاضعة للحكم الذاتي، وظهر داخل الأمم المتحدة تياران:
الأول ومثلته الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا واعتبرت الحكم الذاتي شكلاً من أشكال الحكم وبديلاً عن السيادة الوطنية والاستقلال.
التيار الثاني ومثلته مصر والهند وبعض الدول التي شكلت فيما بعد نواة دول العالم الثالث وكتلة عدم الانحياز، واعتبرت هذه الدول الحكم الذاتي خطوة أولى على طريق تصفية الاستعمار ومنح المستعمرات حقها في الاستقلال والسيادة الوطنية.
وفي عام 1946 شكلت الجمعية العامة للأمم المتحدة «اللجنة الخاصة لفحص المعلومات المنقولة وفقاً للمادة 73 من ميثاق المنظمة الدولية». وتحولت هذه اللجنة بتاريخ 8/1/1952 وبموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 569 إلى «لجنة المعلومات المتعلقة بالأقاليم غير المحكومة ذاتياً». وفي27/11/1953 تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 742 وتم بموجبه تحديد العناصر التي يتم بموجبها تقرير إذا كان الإقليم يتمتع بالحكم الذاتي أم لا. وقد شملت هذه العناصر مايلي:
ضرورة فحص حالة كل إقليم على حدة في ضوء ظروفه الخاصة.
صلاحية الصيغ الخاصة بالانتماء بين هذه الأقاليم والدول الاستعمارية أو أية دولة أخرى.
يعتبر الحصول على الاستقلال بمثابة حكم ذاتي.
المسؤولية الدولية للإقليم وتشمل علاقاته الخارجية وسياسته، وعضويته في الأمم المتحدة وعلاقاته مع الدول الأخرى الإقليمية والدولية.
وفي أثناء الفترة ما بين 1952 و1955 حصلت أربع دول على حكم ذاتي تعتبر كل واحدة منها نمودجاً خاصاً.
كندا وحصلت على حكم ذاتي من بريطانيا.
بورتوريكو حصلت على الحكم الذاتي من الولايات المتحدة بتاريخ 25/7/1952.
سورينام وحصلت على الحكم الذاتي من هولندا.
تونس حصلت على الحكم الذاتي (الاستقلال) من فرنسا بتاريخ 3/6/1955. ([37])
وتجدر الإشارة إلى حقيقة هامة وهي غموض مفهوم الحكم الذاتي منذ ظهوره في وثائق الأمم المتحدة، ولا تتضمن تلك الوثائق أي تعريف شامل ودقيق للحكم الذاتي.
وبالمفهوم الإسرائيلي، يصبح الحكم الذاتي شديد الغموض لأنه لا يعدو كونه تجميلاً للاحتلال وتخلصاً من قبل المحتلين من الأعباء الإدارية لهذا الاحتلال، فيما تحافظ إسرائيل على سيطرتها الكاملة عسكرياً واقتصادياً وبالحد الأدنى من التكلفة، ومن الطبيعي أن تضع إسرائيل والولايات المتحدة كل الشروط التي تتكفل بتقييد أو بالأحرى، بانتقاص حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. ([38])
فالحكم الذاتي، من وجهة نظر إسرائيل، هو الحل الإقليمي الوسط بين خيارات الضم واستمرار الوضع الراهن، أي تكريس الاحتلال، وتخلي إسرائيل عن السيطرة على الضفة الغربية وقطاع غزة لصالح أشكال الفيدرالية أو الكونفدرالية. وتميز الدراسات الإسرائيلية بين ثلاثة أنواع أو نماذج للحكم الذاتي:([39])
النموذج الذي ورد في اتفاقيات كامب ديفيد، وبالتفسير الإسرائيلي للنصوص التي اتسمت بالعمومية والغموض الشديدين ويلخص على النحو التالي:
إنه إدارة ذاتية Self- rule للسكان وليس للأرض، يستثنى منها اليهود الذين يعيشون في تلك المناطق فيما يتوقف بناء المستوطنات، وتحتفظ سلطات الاحتلال الإسرائيلية بمهام الأمن الداخلي والخارجي والسيطرة على المياه وأراضي الدولة والجمارك، وما عدا ذلك يخضع لسلطة الإدارة الذاتية. وتتجمع قوات الجيش الإسرائيلي في مناطق محددة للقيام بأعمال روتينية محددة تمليها مهام الأمن والقيام بأعمال الدفاع الأولية في مواجهة الهجوم. وتمتد فترة الإدارة الذاتية، ما بين ثلاثة وخمس سنوات يجري التفاوض بعدها على مستقبل المناطق المحتلة ويمكن حصر نقاط الاختلاف بين مصر وإسرائيل في النقاط الست التالية:
أ ـ مهمة مجلس الحكم الذاتي إدارية فقط وهو يتألف من 12 إلى 15 عضواً بينما طالبت مصر أن يضم 100 عضواً وأن تكون له صلاحيات تشريعية.
ب ـ إسرائيل تقول الحكم الذاتي للسكان وليس للأرض، بينما تطالب مصر بالحكم الذاتي الكامل.
ج ـ تبقى السيطرة بيد الحكم العسكري، وتحدد سلفاً صلاحيات مجلس الحكم الذاتي بينما طالبت مصر بإلغاء الحكم العسكري ونقل السلطة إلى مجلس الحكم الذاتي الذي تبقى صلاحياته بدون تحديد.
د ـ اقترحت إسرائيل سيطرة مشتركة على المياه وأراضي الدولة، وأن تحتفظ بالسيطرة على هجرة السكان العرب واليهود، واقترحت مصر إشراف مجلس الحكم الذاتي على مسألة الهجرة.
هـ ـ أخرجت إسرائيل سكان القدس الشرقية من دائرة الحكم الذاتي، بينما طالبت مصر بإشراكهم.
و ـ لإسرائيل حرية تحريك قواتها العسكرية في الضفة والقطاع، أما مصر فقد اشترطت موافقة الحكم الذاتي المسبقة على هذه التحركات العسكرية.
وترمي إسرائيل من خلال إصرارها على تفسير الحكم الذاتي بهذا الشكل، حتى ولو اختلفت مع شريكتها في الاتفاقية، مصر والولايات المتحدة، تحقيق عدة أهداف من أهمها:
* الإدعاء أن هذه هي التسوية الوحيدة المعترف بها دولياً للمسألة الفلسطينية.
* إضفاء الشرعية على الاحتلال المعترف بها دولياً للمسألة الفلسطينية.
* تستطيع إسرائيل أن تؤخر البحث في مصير المناطق المحتلة إلى أبعد أمد ممكن، وأن تعمل لتحسين صورة إسرائيل دولياً، وخصوصاً علاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، وذلك بدون أن تتنازل عن أحلام إقامة إسرائيل الكبرى.
2ـ حكم ذاتي شامل، وهو يختلف عن النموذج السابق على النحو التالي:([40])
أ ـ إدارة ذاتية موسعة للفلسطينيين قد تتضمن نشيداً وطنياً وعلماً، بدون أية مقومات حقيقية للسيادة الوطنية.
ب ـ السيطرة على أراضي الدولة خارج نطاق مناطق تواجد قوات الجيش الإسرائيلي والمستوطنات.
ج ـ سيطرة مشتركة في مجالات المياه والجمارك والهجرة.
ـ تصبح اتفاقية الحكم الذاتي ذاتها مصدراً للسلطات.
ـ حكم ذاتي من طرف واحد، أي تقوم إسرائيل من تلقاء نفسها، وبدون التفاوض مع العرب، بسحب مؤسساتها الإدارية والخدمية من بعض المناطق، والسماح للفلسطينيين بإقامة مؤسساتهم الخاصة البديلة، بينما تحتفظ إسرائيل لنفسها بحق التدخل العسكري وإعادة الأمور إلى سابق عهدها إذا ارتأت أن هنالك إساءة استخدام صلاحيات في مناطق الحكم الذاتي. ومنذ ظهر مثل هذا المشروع إبان تسلم موشي دايان منصب وزير الخارجية، وكانت إسرائيل تهدف إلى إيجاد قيادة فلسطينية محلية فترضى التعاون مع الإسرائيليين، وفي الوقت نفسه تخفيف الاحتكاكات اليومية بين السكان وقوات الاحتلال، أي بكلمة أخرى تخفيف الأعباء العسكرية عن كاهل قوات الاحتلال. ([41])
ملاحظات على النموذج الإسرائيلي للحكم الذاتي
يأخذ النموذج الإسرائيلي للحكم الذاتي في الاعتبار كل المتغيرات التي أحدثها الحكم الإسرائيلي في الطبيعة الجغرافية والتكوين البشري والوضع القانوني في الضفة الغربية وقطاع غزة وينسحب ذلك على السيادة على القدس وإقامة المستوطنات وتوسيعها، بل ويطالب اعتبارها حقائق ثابتة لا يجوز تجاوزها أو حتى الجدال حولها والمثال على ذلك:
أ ـ ضم القدس الشرقية يوم 28 حزيران 1967

لنستمع إلى ما ورد في خطاب مناحيم بيغن، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، فور عودته من كامب ديفيد وتوقيعه اتفاقية كامب ديفيد مع السادات وجيمي كارتر. يقول بيغن حول وضع مدينة القدس.
«ينبغي أن أوضح أموراً أخرى، أولها ـ قضية القدس ـ في أحد أيام مؤتمر كامب ديفيد، عرض علينا إمكانية رفع علم إحدى الدول العربية فوق جبل الهيكل (المسجد الأقصى) فرفضنا وأنزلنا العلم قبل أن يرفع.
وفي اليوم التالي عرضت علي مسودة رسالة كانت سترسل إلي وللرئيس السادات بخصوص مكانة القدس، فأبلغنا المندوبين الأمريكيين أنه إذا ما بقيت الرسالة هكذا، وأرسلت إلينا ـ فنحن لن نوقع على أية اتفاقيات ولذلك تم إلغاء هذه الرسالة، وأرسلت لنا رسالة أخرى بدلاً عنها وأجبت عليها بالشكل التالي:
«سيدي الرئيس، يشرفني أن أبلغك بأنه في يوم 28 حزيران 1967، أصدر مجلس النواب الإسرائيلي قانوناً يقول: «يحق للحكومة أن تطبق القانون والإدارة المتبعين في الدولة على كل أراضي دولة إسرائيل. وبناءً على هذا القانون أصدرت حكومة إسرائيل أمراً في تموز 1967 بموجبه تعتبر القدس مدينة موحدة وغير قابلة للتقسيم، وعاصمة لإسرائيل».
وما كتبته للرئيس كارتر باسم دولة إسرائيل، هو الذي سيكون ساري المفعول والذي سنصر عليه: القدس عاصمة إلى الأبد، وغير مقسمة على مر الأجيال وإلى أبد الآبدين». ([42])
وخلال عقدي الثمانينات والتسعينات اتسعت القدس وأصبحت تمتد من رام الله شمالاً حتى بيت لحم جنوباً ما يعني أكثر من 30% من مساحة الضفة الغربية وتعزل المستوطنات القدس عن الضفة الغربية. وخلال مؤتمر كامب ديفيد في تموز 2000 أصرت اسرائيل على ضرورة الإبقاء على ضم القدس واعتبارها حقيقة منتهية.
ب ـ المستوطنات:

وتطالب إسرائيل باعتبارها حقيقة لا يجوز أن تناقش، بل أكثر من ذلك، بينما كان بيغن وشمير يصران على زيادة المستوطنات وتوسيعها ومدها بالطاقة البشرية، طالب رابين بتدعيم الاستيطان الأمني، وطالب كل من نتنياهو وباراك وشارون باستمرار الاستيطان، بحجة الاستجابة لحاجات النمو الطبيعي للمستوطنين.
ج ـ الإصرار على تفسير نصوص المعاهدات:

ومن ضمنها معاهدة كامب ديفيد كما يحلو لها ـ ولو خالفت بذلك نصوصاً صريحة جداً لما ورد في اتفاقية كامب ديفيد بالحرف الواحد: ولتوفير حكم ذاتي كامل للسكان. إن الحكومة الإسرائيلية وإدارتها المدنية ستنسحبان بمجرد أن يتم انتخاب سلطة حكم ذاتي انتخاباً حراً، من قبل سكان هاتين المنطقتين لتحل محل الحكومة العسكرية الموجودة حالياً».([43]) وبعد التوقيع على اتفاقية أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية تصر حكومات إسرائيل على أن لا تكون الدولة الفلسطينية العتيدة، أكثر من شكل من أشكال الحكم الذاتي.
أما مناحيم بيغن، فهو يعطي لنفسه الحق بالتصرف مع أعضاء مجلس الحكم الذاتي كما يشاء، ففي كلمته أمام الكنيست الإسرائيلي قال:
«ولقد سئلت السؤال التالي: إذا ما تم انتخاب أحد المتعاطفين مع منظمة التحرير الفلسطينية كعضو في المجلس الإداري، فكيف ستعامله؟ فقلت رداً على ذلك: لينتخب ـ لينتخب، فنحن سنقول له عندئذ: إذا ما تصرفت بشكل صحيح فبإمكانك الجلوس في المجلس الإداري. ولكن لا تفكر أبداً بإلحاق الضرر بأحد في إسرائيل وإلا تخرق النظام، هذا هو الجواب الذي أعطيته، وأنا أصر عليه الآن. ([44]) وبعد مضي أكثر من عشرين عاماً من هذا الحديث، لا يكل قادة إسرائيل من المطالبة بأن تكون السلطة الفلسطينية وأجهزتها حراساً وخدمـاً لإسرائيل.
وفي وقت لاحق وجه مناحيم بيغن رسالة إلى الرئيس الأمريكي جيمي كارتر قال فيها:
«هل تعلم يا سيدي لما أصررنا بشدة على مجلس إداري؟ لأنه إذا قام هذا المجلس يوماً وادعى أنه سلطة الحكم الذاتي وأعلن ذلك وطلب اعتراف العالم به، فإن أعضاء هذا المجلس سيزج بهم في السجن. ببساطة سيعتقلون لأن مهمتهم هي إدارة شؤون الحكم الذاتي، لا تشكيل حكومة». ([45])
لقد وافقت إسرائيل في أوسلو على قيام سلطة فلسطينية، لكنها تصر على أن لها الحق في توجيه وتحديد صلاحيات هذه الدولة، والتخلص ممن لا ينفذون رغباتها، وبناء عليه تصر المخابرات الإسرائيلية، استناداً إلى وثيقة قدمتها إلى رئيس الوزراء في تشرين الأول 2000 على ضرورة التخلص من رئيس السلطة الفلسطينية لأنه أصبح يعيق سياسة اسرائيل.
يبقي النموذج الإسرائيلي للحكم الذاتي على الترتيبات الأمنية الإسرائيلية للأمن الخارجي والداخلي، فيتعامل مع حدود ومناطق أمنية وأخرى عليها سيطرة عسكرية، وتقسم الترتيبات الأمنية على النحو التالي:
أ ـ مناطق منزوعة السلاح: كل المناطق التي تشملها اتفاقية الحكم الذاتي، منزوعة السلاح، خالية من القوات العسكرية ذات الطابع الهجومي، ولا تقام فيها مطارات كبيرة.
ب ـ مناطق أمنية: تتواجد فيها قوات إسرائيل محددة بغرض الدفاع الجوي، والردع والقيام بمهام الهجوم والدفاع الأوليين.
ج ـ المستوطنات: ومعروف أن الدور الأمني للاستيطان، يفوق كل وظائفه الأخرى، وتؤدي المستوطنات مهام محددة في الهجوم والدفاع والتحشد والدفاع الإقليمي والإنذار المبكر والاستطلاع...الخ.
د ـ نقاط المراقبة: تقام في غور الأردن وشاطئ غزة وعلى الحدود بين قطاع غزة ومصر وفي مطار قلنديا.
هـ ـ حرس الحدود: تقوم دوريات مشتركة فلسطينية ـ إسرائيلية ـ أردنية أو فلسطينية ـ إسرائيلية مصرية بالدوريات وتعطى حق الملاحقة على جانبي الحدود.
3ـ أراضي الدولة: تتمسك إسرائيل بأن يكون لها السيطرة على أراضي الدولة ومصادر المياه. تحصل سلطات الحكم الذاتي على جزر من أراضي الدولة، ويتسلم الجيش المناطق الأمنية. وتوضع البقية الباقية تحت تصرف سلطة عليا مشتركة: مصرية ـ أردنية ـ إسرائيلية، وتعتبر أراضي متنازع عليها.
تشمل المناطق الأمنية مايلي:
أ ـ الأراضي التي سيرابط عليها الجيش الإسرائيلي بعد إعادة انتشار قواته.
ب ـ الأراضي التي أقيمت عليها المستوطنات، تدخل ضمن نطاق المناطق الأردنية، وفي أراضي دولة، حتى ولو كانت أملاكاً خاصة.
ج ـ المناطق الأمنية دائمة وليست مؤقتة، وهي تؤخذ في الاعتبار لدى إجراء أية تسوية نهائية حول مستقبل وضع المناطق المحتلة.
د ـ تعرض إسرائيل في المفاوضات خارطة تحدد المواقع الأمنية الدائمة.
4ـ السكان: يتعامل الحكم الذاتي، من وجهة النظر الإسرائيلية مع السكان باعتبارهم أغلبية فلسطينية وأقلية إسرائيلية، والأغلبية الفلسطينية لا توجد أية روابط بين تجمعاتها ويفضل الإسرائيليون أن يستفيدوا من المستوطنات الإسرائيلية لضرب الوحدة الإقليمية لأراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، وتحويلها إلى كانتونات منفصلة. ([46])
الخلاصـة..

الأبارتـيــد ثمرة الاستعمار الاستيطاني القائم على إنكار حقوق الشعوب غير الأوروبية في المساواة والاستقلال والتقدم من منطلقات عنصرية تعطي للأوروبي الأبيض حق استغلال الأخرين وتقرير مستقبلهم باعتبار أن الإنسان الأبيض يمثل «شعب الله المختار». ولا يختلف في مجال فرض الفصل العنصري وتشريع التمييز ضد غير الأوروبيين واعتبار الأقاليم التي يسعى الأوروبيون إلى إقامة نظم الاستعمار الاستيطاني عليها، مناطق خالية من السكان، لا يختلف الاستعمار الاستيطاني في الولايات المتحدة، جنوب إفريقيا روديسيا سابقاً وإسرائيل، ولقد ترافقت محاولات إقامة «ديمقراطيات الشعب المختار» مع الإصرار على فرض الفصل العنصري والحرمان والقهر على السكان الأصليين، واستخدام كل وسائل الإكراه ضدهم. ولقد كفلت التشريعات والدساتير والقوانين المعمول بها في هذه أنظمة الاستعمار والاستيطان المشار إليها إلى إسباغ شكل من أشكال الشرعية الزائفة والمضللة على عمليات القهر والاستغلال والحرمان. ولئن كانت إسرائيل آخر مشاريع الاستعمار والاستيطاني، فهي أكثرها تعقيداً وخداعاً. وكل الدلائل والبراهين تكشف أن بنيتها وممارساتها لا تختلف عن كل الأنظمة العنصرية في العالم، وأن مشروع الإدارة الذاتية، أو الحكم الذاتي، ليس إلا محاولة لإعادة إنتاج الاحتلال بشكل رخيص وبرخصة إقليمية ودولية.

¾¾
¡ هوامش البحث:

1ـ Oxford Concise Dictionary of Politics. Oxford University Press. 1996.
2ـ Farsoun Samih, Setter Colonialism and Herrenvolk ـ Democry, taken from Richard P. Stevens. and Abdelwahab M. E L ـ Messiri, Israel and South Africa, The Progression of a Relationship, New york, 1976. P ـ 18.
3ـ Oxford Concise Dictionary of Politics.
4ـ Cach, info – 12ـ html. Copyright (C) 1994 – 2001 Encyclopedia Britannica. Inc. Luigi Luca Cavalli – Sfroza.
5ـ Microsoft (R) Encarta, (R)Encyclopedia, 2001 © 1993 – 2000.
6ـ Encarta, opp. Cit.
7ـ EncyclopediaBritannice, oppcit
جبور جورج، الطبيعة العنصرية للاستعمار الاستيطاني والمسائل القانونية الناجمة عنه، المجلة المصرية للقانون الدولي، مجلد 1971 ص 182
9ـFarsoun. Samih Settler Colonialiam and HerrenvolkDemocrcy.oppcit
10ـIbid
11ـ حماد، مجدي، النظام السياسي والاستيطاني، دراسة مقارنة، اسرائيل وجنوب إفريقيا، دار الوحدة، بيروت 1981 ص 46
12ـ ليوكوبر، مأخوذة عن سميح فارسون، مصدر سابق
13ـ مأخوذة عن حماد، مصدر سابق.
14ـ شورافي، أي، تيودور هرتزل، ص 141 طبعة باريس، 1960 مأخوذة عن د. روجيه غارودي، ملف إسرائيل، ترجمة محمد ياسر شرف، دار الوثبة، دمشق ص 54، 55
15ـ ناتان بالين مور إسرائيل، إسرائيل، تاريخ جماعة شتيرن، 1946ـ 1948، ص 98، الطبعة الفرنسية باريس 1978 مأخوذة عن د. روجيه غارودي ملف إسرائيل، مصدر سابق، ص 55
16ـ قاموس الفكر السياسي، الجزء الثاني، ترجمة د. انطون حمصي، دراسات فكرية، رقم 22، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، 1994
17- H.C Armatrong. Grey Steel , J.C. Smuts. A Study inArrogance , London. 1937.pp. 300 – 301
18- Sarah Gertrade Millin General Smut. vol.Ll. London , 1936. p. 109. Extracted by Steven. and Elmissiri , opp. cit. p. 25.
19- Ruppin.Arthur , The JewsToday , Trans. by Margery Bentwitch, London , 1913. p.8
20- Third WouldReport , vol.5.No. 7. Septemberp. 489.
21ـ رودنسون، مكسيم، إسرائيل والرفض العربي، القاهرة، الهيئة العربية للاستعلامات بدون تاريخ، ص 10
22- Sunday Times , 15 –6 –1969
23ـ رودنسون، مكسيم، مصدر سابق
24- Pierre de Meron , Againsl Israel , Tranlated from french by H.D. Bachour , 1968, p.14
25ـ أعددنا هذه المادة بالاعتماد على
Encarta Encyclopedia, opp. Cit.
26ـ See Microsoft Encarta Encyclopedia , 1993ـ 2000
27ـ See Stevens and Elـ Missiri – opp. cit
28ـ Ibid
29ـ لمزيد من التفاصيل عن بشاعة الأبارتيد ونضال شعب جنوب إفريقيا ضده بقيادة نيلسون مانديلا، من المفيد مراجعة
Helen Joseph , Side by Side , Third world Zed Books – 1986.
ومؤلفة الكتاب من المناضلين البيض ضد الأبارتيد، وقد سجنت مع مانديلا
30ـ لمزيد من المعلومات حول الفهم الاسرائيلي للحكم الذاتي، راجع حمد سعيد الموعد
إعادة إنتاج الاحتلال عبر الحكم الذاني، شؤون فلسطينية عدد 275
31ـ لمزيد من المعلومات راجع نص المذكرة المقدمة من حمد سعيد الموعد، إلى اللجنة البرلمانية البريطانية لشؤون الشرق الوسط التي حضرت إلى سورية في 6/9/2000/ بمهمة تقصي حقائق حول أوضاع اللاجئين الفلسطينين.
32ـ التفاصيل العاملة نجدها في كتابنا " الصهيونية " تعليم الحقد قراءة في تشكيل العقل الإسرائيلي دار الملتقى، قبرص، 1993، خصوصا الفصل الذي يحمل عنوان " فلسفة العنف"
33ـ وكالة الصحافة الفرنسية 14/ 11/ 1991/
34ـ الشرق الأوسط 23/ 5/ 1992/
35ـ الشرق الأوسط 32/ 5/ 1992/
36ـ انظر صحيفة الفجر المقدسية 17/6/1992/ مقال بقلم سعيد عياد.
37ـ لمزيد من التفاصيل راجع بحث عبد الحليم محمد بعنوان " مفهوم الحكم الذاتي " بين صيغتين، المنشور في صحيفة الحياة الإعداد 26/5/1992/ و 28/5/1992/
38ـ انظر كليب، فتحي، الحكم الذاتي بين النظرية والتطبيق، السفير 6/7/1992/
39ـ اعتمدنا على تقرير معهد جافي للدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب لعام 1989، بعنوان «خيارات اسرائيل للسلام في الضفة الغربية وقطاع غزة » وقد ترجمنا هذا التقرير عام 1989 ونشر كاملا في الاتحاد الظبيائية
40ـ المصدر السابق، الطبعة الإنكليزية. ص 47ـ48
41ـ المصدر السابق.
42ـ نص خطاب مناحيم بيغن في الكنيست، مأخوذة عن «مسيرة السادات الاستسلامية من زيارة القدس حتى صفقة كامب ديفيد، مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية / دمشق / 1978/ ص304 ـ 306.
43ـ المصدر السابق، ص 293 300
44ـ المصدر السابق.
45ـ معريف 11/5/1979/
46ـ اعتمدنا في تحديد وجهة النظر الإسرائيلية حول مفهوم الحكم الذاتي على وثيقة وزعتها دائرة العلاقات القومية والدولية في م. ت.ف. بتاريخ 30/11/1979/ونشرتها صحيفة الحياة اللندنية في عددها الصادر في 27/12/1979/.

¾¾¾

















الفصــل الثاني :

الترانسفير... ونفي الآخر

















n تعتبر دعوات الترانسفير ـ ترحيل العرب الفلسطينيين من مدنهم وقراهم في الجليل والمثلث والنقب التي يطلقها رحبعام زئيفي، وافيفدور ليبرمان ـ والتي أطلقها في الماضي مئير كهانا زعيم حركة كاخ العنصرية، وقادة حركة هتحيا لطرد الفلسطينيين وترحيلهم عن فلسطين جزءاً بسيطاً جداً، ولكنه لا يتجزأ من مخططات الحركة الصهيونية منذ نشأتها، إذ إن ترحيل العرب من فلسطين لاستيعاب اليهود المهاجرين إليها من شتى أصقاع الأرض وإقامة دولة يهودية «نقية» وخالية من السكان العرب يعتبر حجر الزاوية في الإيديولوجية الصهيونية وهي قضية مسلم بها بالنسبة لكل الأحزاب الصهيونية باختلاف تلوناتها السياسية والإيديولوجية وتختلف تلك الأحزاب في هذه الناحية، بمدى قدرتها وحذاقتها في تسويغ وتبرير مواقفها وكما يوجد من يطرح قضية الترحيل بلا مواربة مثل الحاخام كهانا زعيم حركة كاخ وحركة هتحيا، وغوش امونيم، وهنالك من يحاول أن يغلف هذه المسألة بشعارات مختلفة لا تغير شيئاً في الجوهر «مثل تبادل السكان الطوعي» أو الخوف من تحول بعض المدن مثل مدينة عكا، كما يقول نائب رئيس بلديتها، بارليف إلى مدينة عربية(1).
ولم تأت مسألة ترحيل العرب، بكل ما فيها من عنصرية، وشوفينية، كظاهرة طارئة أو عابرة في الفكر الصهيوني، بل هي جزء لا يتجزأ منه، وتنسجم تماماً مع تقولات الصهيونية حول الوعد الإلهي وتفوق اليهود عرقياً وتفردهم عن غيرهم من بني البشر وما إلى ذلك من إدعاءات. وهي تأتي أيضاً تجسيداً لفلسفة التدمير والتعمير، أي التدمير بشقيه، حرب إبادة الجنس للفلسطينيين كشعب أو ما يعرف بـGenocide أو تدمير كل مرتكزات الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للسكان ككل متجانس، أو ما يعرف بـEthnocide، وذلك تمهيداً لإقامة الدولة اليهودية على أنقاضه، ولقد صاغ هذه الفكرة وأدخلها إلى الإيديولوجية الصهيونية فيما بعد جوزيف بيرديشفسكي (2). وهي أخيراً تأتي لتدلل على مدى تأثر الصهيونية بالإيديولوجية الاستعمارية والإمبريالية، إذ قامت بعض الدول الاستعمارية مثل روسيا القيصرية بترحيل الشركس في أواسط القرن التاسع عشر، وكذلك المذابح التي نفذها الأتراك ضد الأرمن في العقد الثاني من القرن العشرين. ولقد شهدت سنوات الحرب العالمية الأولى عمليات ترحيل للسكان واسعة نفذتها الدول الإمبريالية المتحاربة وسعت النازية الألمانية لترحيل ملايين من الناس من أوطانهم ونقلهم إلى أماكن أخرى للعمل لمصلحة الرايخ الألماني.
ومن جهة أخرى، قلما نجد بين قادة الحركة الصهيونية منذ ظهورها إلى حيز الوجود كحركة سياسية، من لم يرفع شعار ـ ترحيل العرب ـ بهذا الشكل أو ذاك، فقد أوردها تيودور ـ هرتزل ـ الزعيم الصهيوني المعروف في كتابه الدولة اليهودية وغيره من قادة الحركة الصهيونية الأوائل، كما ظهرت دعوات لترحيل العرب الفلسطينيين إلى بلاد ما بين النهرين.
وبعد صدور وعد بلفور 1917، أصبح الأردن، كما كان يعتقد كثيرون من قادة الحركة الصهيونية، هو المكان الأكثر ملاءمة لتنفيذ فكرة الترحيل إليه.
ومنذ أحداث 1929 وصدور الكتاب الأبيض عام 1930، وفيما بعد ثورة 1936، وتوصيات لجنة بيل عام 1937، والتي اقترحت تقسيم فلسطين، أصبحت مسألة ترحيل العرب تحتل مكاناً بارزاً في جدول أعمال الحركة الصهيونية وبقيت كذلك حتى قيام الكيان الصهيوني عام 1948، وارتكبت العصابات الصهيونية، في سبيل ذلك، المجازر البشعة لتسهيل تنفيذ عملية الترحيل. وبعد عام 1948 اتخذت السلطات الإسرائيلية كل الإجراءات الممكنة لتطبيق ما عرف بالترحيل الصغير، أي نقل السكان العرب من منطقة إلى أخرى، ومنذ عدوان حزيران 1967، وحتى تاريخه عادت مسألة ترحيل العرب، لتحتل مكانتها التي احتلتها في جدول أعمال الحرب الصهيونية في فترة ما قبل قيام إسرائيل.
ومع هذا، من اللافت للنظر، أن معظم قادة الحركة الصهيونية، وقادة إسرائيل فيما بعد، لم يشيروا إلى آرائهم ونشاطاتهم، ومساعيهم لترحيل الفلسطينيين. وإذا حدث أن أشار أحدهم أو بعضهم إلى هذه الأفكار، يسعى جاهداً لطمس كل النقاشات التي دارت لتنفيذها ودفعها إلى حيز الوجود. وهذا الكلام ينطبق بصورة رئيسية على ديفيد بن غوريون الذي تحدث عن فكرة الترحيل في المجلد الرابع من مذكراته بينما لم يرد ذكرها في كتب كثيرة تحدثت عن حياة بن غوريون مثل: ديفيد بن غوريون إسرائيل، تاريخ شخصي.
David Ben Gurion, Israel, a Personal History وكذلك كتاب: بن غوريون يتذكر Ben Gurion Looks Back ولم يرد ذكرها في كتاب وايزمن «التجربة والخطأ» Trial and Error أو قصة حياة كل من موشي دايان Moshe Dayan, ـ Story of my life ومذكرات رابين، «رابين سجل خدمة». بل يصل الأمر إلى أن عدداً من المؤرخين الإسرائيليين الذين يدعون النزاهة والموضوعية، ومن بينهم اهارون كوهين الذي كان يمتلك عدداً من الوثائق حول مخططات الصهيونية، لم يشر إلى هذه الوثائق أو لفكرة الترحيل بأي شكل في كتابه المعروف «إسرائيل والعالم العربي» طبعة موجزة Israel and the Arab World an abridged edition, London 1977. ولقد أشار بيغن في كتابه «الثورة» إلى أن الهدف الأساسي من مجزرة دير ياسين هو نشر الرعب في صفوف العرب وحملهم على الرحيل. ولكن أشار إليها لاحقاً من يعرفون بالمؤرخين الجدد، أو كتاب «ما بعد الصهيونية» أمثال بني موريس، إيلان بابه، وباروخ كيمرلينغ، وآخرون. وقد تحدث بعضهم عن المجازر التي ارتكبت لترحيل العرب، سواء مجزرة الطنطورة أو مجزرة الصفصاف، ومجازر أخرى، وقد اختلفت وجهات نظر وأهداف ما يعرف بالمؤرخين الإسرائيليين الجدد فمنهم من أراد أن يجمل وجه الصهيونية ويبعدها عن الجرائم التي اقترفها مؤسسو دولة إسرائيل وقادة العصابات الصهيونية قبل وبعد قيام إسرائيل، ومنهم من أراد أن يعترف بالمسؤولية الأخلاقية الإسرائيلية عن النكبة الفلسطينية عام 1948 وكأن ذلك يكفي ليتخلى بالتالي الفلسطينيون عن حق العودة إلى أراضيهم ومدنهم وقراهم التي طردوا منها.
أشكال الترحيل في الفكر الصهيوني:

لقد طرحت الصهيونية شكلين رئيسيين لترحيل العرب:
الترحيل البعيد، وهو ترحيل العرب الفلسطينيين إلى بلاد ما بين النهرين أو سورية أو الأردن.
الترحيل الصغير وهو ترحيل العرب من منطقة إلى أخرى ضمن الأراضي الفلسطينية.
الترحيل في الفكر الصهيوني: منظور تاريخي

ليس صحيحاً القول أن الصهيونية كانت تؤمن بأن فلسطين هي أرض بلا شعب، رغم أنها رفعت الشعار القائل «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض» بدليل أن البعثات التي جاءت إلى فلسطين لاستكشافها ورسم الخرائط الخاصة بها، قبل انعقاد مؤتمر بال 1897، بفترة ليست بالقصيرة نسبياً، تحدثت عن وجود السكان العرب في فلسطين، وتحدثت وثائق يهودية كثيرة تعود إلى تلك الفترة عن مقاومة العرب للاستيطان اليهودي في فلسطين، ولقد أشرنا إلى بعض هذه الوثائق في بحثنا المنشور تحت عنوان «الرفض العربي للمشروع الصهيوني حتى عام 1914» المنشور في مجلة الأرض للدراسات الفلسطينية عدد 10، تشرين الأول 1988، السنة الخامسة عشرة.
كما أنه ليس صحيحاً القول أو الزعم بأن قادة الحركة الصهيونية الذين طالبوا يهود العالم بالهجرة إلى فلسطين. وحلموا أحياناً بهجرات جماعية تصل أعدادها إلى نصف مليون مهاجر، كانوا يؤمنون بأن اليهود سيعيشون مع سكان فلسطين العرب جنباً إلى جنب بل إن هؤلاء جميعهم، وباختلاف أرائهم السياسية والإيديولوجية، واختلاف أساليبهم بالتعبير عنها، وتكتيكاتهم لتطبيقها، كانوا يؤمنون بأن ترحيل العرب من فلسطين هو مقدمة ضرورية «لإعادة إعمارها» وإقامة الدولة اليهودية، سواء كان الترحيل بالعنف أو اللاعنف».
وفي المقابل، تجري في الآونة الأخير محاولات مختلفة وكثيرة لتبرئة الصهيونية من التخطيط لترحيل السكان العرب، ومحاولة تغليف الفكرة بمبررات مختلفة، فبعد إعلان الجنرال احتياط رحبعام زئيفي، إيمانه بفكرة الترحيل ودفاعه عنها في مقال نشرته صحيفة هآرتس بتاريخ 17/8/1988 وجاء فيه: «إنني من مؤيدي الترحيل للسكان عن طريق التراضي، وبخاصة عرب المناطق، وترحيلهم إلى الدول العربية، لقد تعلمت هذه الأفكار من معلمي وأساتذتي السابقين وعلى رأسهم زعماء الحركة الصهيونية أمثال ديفيد بن غوريون» (3)، سرعان ما حاول عدد ليس بقليل من الكتاب في الصحف الصهيونية الدفاع عن ديفيد بن غوريون، وغيره من قادة الصهيونية وتبرئتهم من الدعوة إلى ترحيل العرب، سواء بالحديث عن الصهيونية كحركة إنسانية لا يمكن أن تفكر في ترحيل السكان ـ كما فعل زئيف شيف في مقاله المنشور في صحيفة هآرتس، (4) أو الفصول التي نشرتها صحيفة هآرتس من كتاب شفتاي طيبت بعنوان «أشكال الترحيل في الفكر الصهيوني» الذي حاول جاهداً دفع تهمة الترحيل عن الحركة الصهيونية وقادتها والإدعاء أن تلك الفكرة إنما جاءت في مرحلة تاريخية معينة واعتبرت طارئة، ورداً على أحداث معينة هي بصورة رئيسية ثورة 1936(5).
ولدحض مثل هذه الافتراءات، سنعمل على إلقاء الضوء علىتطور سياسة الترحيل في الفكر الصهيوني محاولين بالقدر الممكن أن نذكر القدر الأكبر من الأقوال التي أدلى بها قادة الحركة الصهيونية والكيان الصهيوني حول سياسة الترحيل.
لكننا وقبل ذلك نرى أنه من المفيد الإشارة إلى شيئين اثنين:
أنه من الناحية الدينية التوراتية القائمة أساساً على الوعد الإلهي المزعوم لليهود بإعطائهم أرض فلسطين ومطالبتهم بترحيل سكانها وطردهم منها، تعتبر عملية ترحيل السكان من بين الوسائل الضرورية لتنفيذ الوعد الإلهي. وهذا ما أكدت عليه التوراة. «إنكم عابرون إلى أرض كنعان، فتطردون كل سكان الأرض من أمامكم، يكون الذين تستبقون أشواكاً في أعينكم، ومناخز في جوانبكم، ويضايقونكم على الأرض التي أنتم ساكنون فيها.. فيكون إنني أفعل بكم كما هممت أن أفعل بهم...»(6) ويضاف إلى هذا النص عشرات النصوص التي تؤكد ذلك، «لنسلك أعطي هذه الأرض» (سفر التكوين 12: 17) «لك اعطيها ولك إلى الأبد» (تكوين 13: 15) «لأني لك ولنسلك اعطي جميع هذه البلاد» (تكوين 26: 3ـ 4).
أما من الناحية العنصرية فيعتبر ترحيل العرب، استمراراً طبيعياً للنظرة العنصرية التي تقوم عليها الحركة الصهيونية التي تنظر إلى غيرها من شعوب الأرض كأناس منحطين. ولقد تحدثت وثائق كثيرة صادرة عن مسؤولين مدنيين وعسكريين ورجال دين عن الفلسطينيين «كبلاء مذكور في التوراة»، أو كما قال الحاخام عوفيديا يوسف، زعيم حركة شاس «إن الرب ندم عندما خلق العرب»، إن العرب أشبه بالأفاعي. وعندما طالبت الصهيونية بطردهم بررت تلك المطالبة «بأن الطرد سلاح دفاعي للديمقراطية التي تدافع عن نفسها».
ولدى استعراضنا لتطور فكرة الترحيل في الإيديولوجيا الصهيونية من المفيد أن نبدأ بزعيم الحركة الصهيونية الأول تيودور هرتزل (1860 ـ 1904) الذي يقول في كتابه المعروف الدولة اليهوديـة:
«.. إن الدولة اليهودية يجب أن تشكل في فلسطين جزءاً لا يتجزأ من سور الدفاع عن أوروبا في أسيا، وقلعة للحضارة ضد البربرية.. سنحاول إخراج السكان الأصليين عبر الحدود، وأن نجد لهم عملاً في البلاد التي يطردون إليها. وأن ننكر عليهم أي عمل في بلادنا. إذا انتقلنا إلى منطقة حيث توجد حيوانات مفترسة، لم يعتد اليهود عليها، كالأفاعي، سنحاول استعمال الناس البدائيين للقضاء على هذه الحيوانات قبل أن نجد لهم عملاً في البلاد التي يطردون إليها»(7).
أما الزعيم الصهيوني يسرائيل زانغويل فقد قال إثر زيارته لفلسطين عام 1887 «.. إن أرض إسرائيل أضيق من أن تستوعب شعبين.. إن اليهود والعرب لن يعيشوا بسلام ولا مفر من إجلاء العرب ونقلهم بالقوة إلى البلدان المجاورة». وفي عام 1904 قال يسرائيل زانغويل « ينبغي أن نكون على استعداد لطردهم من البلاد بقوة السيف مثلما فعل آباؤنا بالأسباط التي عاشت فيها» وفي نفس الحديث قال زانغويل: «.. يترتب علينا أن نقنعهم باللين ليقوموا بحملة هجرة في نهاية المطاف. توجد تحت تصرفهم شبه الجزيرة العربية وملايين الأميال المربعة جميعها»(8)!
وفي عام 1905 قام آرثر روبين بزيارة إلى فلسطين بطلب من ديفيد وولفنسون ( رئيس الجنة التنفيذية الصهيونية وزعيم الحركة الصهيونية بعد وفاة ثيودور هيرتزل 1904 ). ولقد أمضى آرثر روبين مدة 11 أسبوعاً في فلسطين بمهمة دراسة المستوطنات اليهودية، وعندما عاد روبين من مهمته رفع تقريراً أوصى فيه: « يجب تطوير الاستيطان في الجليل والمنطقة الوسطى على شكل نواة يكون اليهود فيها أغلبية ويمتلك اليهود فيها معظم الأراضي». ولقد تضمنت اقتراحاته خطة مفصلة لشراء الأراضي والتطوير الصناعي والثقافي والاقتصادي للمنطقة وطالب بترحيل العرب من فلسطين إلى سورية(9).
وكذلك طالب الممول والزعيم الصهيوني أدموند روتشيلد بإعطاء الأموال للعرب من أجل أن يشتروا أراضي أخرى وذلك بدلاً من الأراضي التي سيطردون منها في فلسطين.
بينما طالب نحمان سيركيس بأن يحصل اليهود على أرض إسرائيل التي يتعين عليها أن تكون خالية أمام اليهود لحركة تنوير الشعوب المستعبدة من قبل العثمانيين(10).
وفي عام 1911 أعلن الدكتور يهوشيع ي**** وهو من كبار مساعدي ثيودور هرتزل وهو خبير قانوني أعلن عن اقتراحه المتضمن شراء اليهود للأراضي شمال سورية والعراق لأجل نقل العرب إليها.
وفي عام 1914 تحدث ليوموتسكين عن حل يقوم على وصول العرب واليهود كمجموعتين قوميتين إلى نفس الهدف من خلال اتفاق سياسي بخصوص نقل السكان من أرض إلى أرض... وأن يسير الاستيطان باتجاهين، استيطان يهودي داخل «أرض إسرائيل»، واستيطان عربي خارج «أرض إسرائيل»، وأن تسعى الحركة الصهيونية بالمقابل لدعم تأسيس الدولة العربية وتقديم كل ما يلزمها(11).
وفي السنة ذاتها، أعلن وولتر كلي لادور ملك، وهو مهندس اتفقت معه الحركة الصهيونية فيما بعد لدراسة المصادر المائية في فلسطين، وأصدر في عام 1944 كتابه «إسرائيل ـ أرض الميعاد» أعلن لاودرملك «.. إذا كان هناك عرب لا يقبلون العيش في بلاد صناعية يمكنهم بسهولة أن يعيشوا في السهول الغنية للوادي بين الفرات ودجلة... إن أرض العراق خصبة جداً ومياه الري موجودة بوفرة كبيرة جداً. وتلك البلاد تستصرخ المستوطنين»(12) أما أهرون أهرونسون فقد طالب بتحويل الوادي مترامي الأطراف بين دجلة والفرات إلى جنة في الأرض مثلما كانت في العهود السابقة الغابرة، وطالب باقتلاع أكبر عدد ممكن من العرب وتهجيرهم إلى العراق(13).
أما الدكتور أبراهام شارون شدرون مؤلف كتاب «الإمبريالية العربية» الصادر عام 1930 فقد طرح ومنذ عام 1916 فكرة الدمج بين الترحيل الإجباري لليهود إلى فلسطين والترحيل الإجباري للعرب من فلسطين، وقال «يجب نقل عرب أرض إسرائيل إلى البلدان العربية ويجب *** يهود الشتات إلى البلاد كحل للمشكلة اليهودية(14).
وذكر الدكتور ابراهام شارون في كتابه «الإمبريالية العربية» «أن النزاع في أرض إسرائيل يمكن أن يحل فقط على أساس نقل معظم الشعب أو أجزاء منه إلى دولة أخرى، أي إخراج العرب من فلسطين وهجرة اليهود إلى فلسطين، وأطلق على هذا المشروع اتفاق الجلاء المزدوج، وأن الاتفاق يجب أن يتألف من جزئين، اتفاق هجرة من أجل ضمان استيطان اليهود بشكل منظم في البلاد، واتفاق خروج للعرب من أجل ضمان التصفية التدريجية لأملاكهم وعتادهم على أساس خطة تمويل متفق عليها بين الجهات والحكومات الدولية، واشترط بدء المفاوضات لإقامة دولة يهودية ببدء المفاوضات من أجل نقل السكان العرب ونقل ملكية الأراضي بتعويضات مناسبة ولائقة».
وفي عام 1919 طرح الزعيم الصهيوني المعروف ماكس نورداو أحد أكبر مساعدي الزعيم الصهيوني هرتزل طرح فكرة نقل نصف مليون يهودي إلى فلسطين مباشرة وبشكل فوري لتغيير الوضع الديمغرافي، وتساءل ماكس نورداو «إذا كانت القوات المتحاربة نقلت خلال الحرب العالمية 22 مليون عسكري، لماذا لا يتم نقل نصف مليون إنسان يهودي على أن يتم تمويل ذلك من خلال قرض دولي كبير»(15).
وفي العشرينات من القرن الحالي، وبعد تأسيس الوكالة اليهودية والهستدروت والهاغناة، بدأ الاستيطان الصهيوني يأخذ طابعاً أكثر تنظيماً ودقة، وبالتالي. ومع تزايد عمليات الهجرة اليهودية إلى فلسطين أصبحت فكرة إخلاء العرب وترحيلهم تستهدف إيجاد أراضي عربية قريبة بدلاً من العراق والجزيرة العربية، كما كان الأمر سائداً في المشاريع التي طرحت خلال العقد الثاني من القرن العشرين، ولذلك تم التركيز على ضرورة اعتبار الأردن الوطن البديل للعرب بعد ترحيلهم من فلسطين.
وتنفيذاً لذلك قامت الوكالة اليهودية عام 1929 بتوقيع اتفاقية مع الملك عبد الله ملك شرق الأردن تقضي بالسماح لليهود بامتلاك الأراضي الاستيطانية في شرق الأردن مقابل تقديم المساعدات المالية لمملكته.
وفي عام 1930 قام الدكتور حاييم الوزوروف الذي كان مساعداً للدكتور حاييم وايزمن زعيم الحركة الصهيونية بزيارة إلى لندن، وأجرى مفاوضات مع الحكومة البريطانية، وقال فيما بعد عن مفاوضاته هذه إن الحكومة البريطانية تعتبر شرق الأردن بلاداً احتياطية لنقل العرب الذين بقيت أراضيهم لليهود في ارض إسرائيل العربية، وأن الإنكليز سوف يشاركون مشاركة مالية في تقديم العون لاستيطان العرب في شرق الأردن(16).
ومن الجدير بالذكر أن مشروع ترحيل العرب إلى شرق الأردن جاء للرد على مقترحات لجنة شو التي جاءت إلى فلسطين أثر هبة البراق عام 1929، والكتاب الأبيض الذي أصدره عام 1930 اللورد باسفيلد وزير المستعمرات البريطاني، والذي طالب فيه بوضع قيود على هجرة اليهود وشرائهم للأراضي في فلسطين في أعقاب المقاومة التي أبداها العرب لتطبيق وعد بلفور.
جابوتنسكي والترحيل

تحدث فلاديمير زئيف جابونتسكي (1880 ـ 1940) زعيم الحركة الصهيونية، الأب الروحي لحزب حيروت، ومعلم كل من مناحيم بيغن ويتسحاق شمير وغيرهما تحدث عن ترحيل العرب أول مرة عام 1923 وذلك في مقالة تحت عنوان «على الجدار الحديدي نحن والعرب». وقد جاء في هذا المقال.. «.. إن اتفاقاً طوعياً بيننا وبين عرب أرض إسرائيل لا يمكن التفكير فيه أبداً في الوقت الحاضر ولا في المستقبل المنظور.. ومن غير الممكن الحصول على موافقة طوعية لعرب أرض إسرائيل لتحويل فلسطين إلى بلاد تسكنها غالبية يهودية والنتيجة دولة يهودية بالقوة، ومن وراء جدار حديدي لا يقوى السكان المحليون على تخطيه..»(17).
وفي عام 1937 أعاد فلاديمير جابوتنسكي طرح مشروع ترحيل العرب، وتهجير اليهود إلى فلسطين وذلك حلاً للمشكلة الديمغرافية، وطرح مشروعه المعروف لتهجير يهود بولونيا خلال عشر سنوات إلى فلسطين وشرق الأردن تحت شعار «إذا لم نقض على المهجر سوف يقضي علينا». وحاول جابوتنسكي أن يبرر مشروعه قائلاً... «إن الزيادة الطبيعية للعرب في أرض إسرائيل سوف تحبط جهود الصهاينة في إقامة دولة يهودية» وقبل ذلك كان جابوتنسكي قد طرح عام 1932 أمام المؤتمر الخامس للصهيونية التحريفية مشروعه القاضي بهجرة عدة ملايين من اليهود إلى المنطقة في القريب العاجل جداً من الأماكن الأساسية في أوروبا الشرقية في فلسطين لإقامة دولة يهودية»(18).
ويلاحظ أن الصهيونية التحريفية أدخلت في أذهان اليهود وحتى بعض أوساط الرأي العام العالمي أن حل المسألة الديمغرافية في فلسطين هو ترحيل العرب منها وهجرة اليهود إليها.
بن غوريون والترحيل:

كما ذكرنا سابقاً، حاول كثيرون من الكتاب الصهاينة الدفاع عن بن غوريون وتبـرئته من العمل لترحيل العرب. ومن جملة هذه الـمحاولات ما نشرته صحيفة دافار بتاريخ 9/3/1989، تحت عنوان بن غوريون والترحيل، حيث يعتبـر الكاتب أن محاولة إلصاق تهمة تأييد الترحيل ببن غوريون هي تهمة زائفة ومرفوضة وليس لها أية أهمية وهي تشويه لأفكار بن غوريون... وهذا العمل خطير جداً. لأنه يضر بأساس الأسطورة الصهيونية(19).
لكننا يمكننا القول وبلا مبالغة أنه إذاً كان من الـممكن تبـرئة ديفيد بن غوريون من الصهيونية يمكن تبـرئته من سياسة الترحيل. وفيما يلي بعض الأمثلة.
أورد ج. فورلونغ في كتابه «موسى العلـمي» أن بن غورويون قال لـموسى العلـمي عام 1934: «لو ترك العرب أرض إسرائيل وشرق الأردن لليهود بوسعهم الاعتماد على مساعدة اليهود بشكل لا يقتصر على توطين اللاجئين الفلسطينيين فقط بل سيحصلون على دعم اليهود في مواضيع أخرى»(20).
وفي الـمؤتمر الصهيوني الذي عقد في 1937 في زيورخ، طرح موضوع ترحيل العرب من فلسطين إلى البلدان العربية الـمجاورة، وكان لبن غوريون دور كبير في تبني الـمؤتمر سياسة الترحيل. ولقد استغل بن غوريون ومؤيدوه أحداث ثورة 1936، والأحداث التي شهدتها بعض الدول الأوروبية إبان صعود النازية والفاشية وعمليات الاضطهاد التي تعرض لها اليهود في تلك البلدان.
قال بن غوريون مدافعاً عن فكرة ترحيل العرب الفلسطينيين إلى شرق الأردن: «لـماذا لا نستطيع شراء الأراضي... من أجل العرب الذين يريدون العيش في شرق الأردن؟! إذاً كان بالإمكان نقل عرب الجليل إلى يهودا، لـماذا لا يجوز نقل العرب من ضواحي الخليل إلى الأردن القريبة جداً. لا أرى أي فارق بين شرق الأردن وغرب الأردن».
وعندما تحدث الحاخام ميمون قائلاً: «لا يعني نقل العرب إلى شرق الأردن نوعاً من موافقتنا على أننا لا نصيب لنا في شرق الأردن» أجاب بن غوريون «أبداً لا! نحن نريد الآن خلق مناطق كثيفة الاستيطان اليهودي وعن طريق نقل العرب الذين تباع أراضيهم إلى الأردن فإننا نستطيع حل مسألة هذا التجمع... إذا لـم نستطع الاستيطان هناك، فإننا سنوطن هناك عرباً ننقلهم من أرض إسرائيل... الـمندوب السامي وافق على هذه العملية شريطة توفير الأموال اللازمة للـمنقولين»(21).
وعندما نشرت لجنة بيل تقريرها الذي أوصى بتقسيم فلسطين، وذلك بتاريخ 17/7/1937 أصبحت مشكلة ترحيل العرب تحتل الأولوية في جدول الأعمال الصهيوني. فقد أكد بن غوريون «أن دولة يهودية فقط، مهما كانت صغيرة تستطيع إنقاذ ملايين اليهود من الإبادة على أيدي النازيين» وحول الظلـم الذي سيلحق بالعرب نتيجة الترحيل قال بن غوريون: وحول الظلـم الذي سيلحق بالعرب نتيجة الترحيل قال بن غوريون: «إن الترانسفير أسهل من الإبادة»(22).
وفي نفس الفترة كتب بن غوريون في مذكراته «باعتقادي أن الدولة اليهودية ستحظى بعد تنفيذ عملية الترحيل الإلزامي بوضع لـم يحظ به شعبنا من قبل، لا في أيام البيت الأول ولا في أيام البيت الثاني... للـمرة الأولى في تاريخ الشعب ستقوم دولة يهودية فعلية، إذا ما تحرر شعب إسرائيل من عادات تفكيره القديمة سيمارس الضغط على حكومة الانتداب. ولن يكون هناك أي عائق لتحقيق البـرنامج»(23).
وفي نفس الفترة تقريباً، أي في النصف الثاني من عام 1937، قال ديفيد بن غوريون «إنني أرى من البداية جميع الـمطالب في اقتلاع قرابة مائة ألف عربي بقوة أجنبية من قراهم التي عاشوا فيها مئات السنين. هل تجرؤ إنكلترا على ذلك؟ من الـمؤكد أنها لن تفعل ذلك إذا لـم ندفعها إلى ذلك بقوة ضغطنا وقوة إيماننا... ولكن إذا لـم يجر الأمر بسبب تراخينا وإهمالنا، فإننا نخسر بأيدينا فرصة لـم تتهيأ لنا أبداً والتي قد لا تعود مرة أخرى. علينا أن نقتلع الجذور المرضية القائلة بأن هذا يجوز وهذا لا يجوز... أن الخطوة الحاسمة هي تهيئة النفس لتنفيذ الترانسفير»(24).
وفي مطلع تشرين الثاني 1937 تم تشكيل لجنة الترحيل للسكان العرب في فلسطين بـرئاسة الدكتور يعقوب طهان، مدير شركة إعداد السكن وعضوية عدد من الأساتذة الجامعيين والـمحاميين والاقتصاديين وممثلي الاتحادات اليهودية. ولقد اقترحت هذه اللجنة ثلاثة أشكال للترحيل:
إلى شرق الأردن.
إلى سورية.
إلى العراق.

لقد أكدت اللجنة في تقريرها أنه «لن تكون للدولة اليهودية التي ستقام قوة كيان مادام فيها أقلية عربية كبيرة، إن نقل السكان على نطاق واسع هو شرط مسبق لإقامة الدولة لأن وجود أقلية كهذه يشكل خطراً دائماً على الحركات التي تسعى لإقامة الدولة اليهودية الجديدة»(25).
وفي عام 1938 شكلت الوكالة اليهودية لجنة لكي تدرس إمكانيات الاستيطان الزراعي واسع النطاق في البلدان الـمجاورة وخاصة في سورية بهدف تبادل السكان وقد ضمت اللجنة في عضويتها: الدكتور ياكون تون، ريتشار أوفيد بن آمي، وي آشبال، والدكتور دوف يوسف، ويوسف ويتز والدكتور غراتوفسكي والياهوايلان.
ولقد أعد الياهو إيلان الذي أصبح أول سفير لإسرائيل في الولايات الـمتحدة، ثم أصبح رئيساً للجامعة العبـرية فيما بعد، التقرير الذي أعدته اللجنة وقدمته للوكالة اليهودية، ولقد انصب اهتمام اللجنة على الـمنطقة الشمالية الشرقية في سورية، الـمعروفة باسم الجزيرة، التي قال أن مساحتها 40 ألف كم2 تسقيها مياه الأنهار، وتحدث عن الأقليات القومية والطائفية التي استقرت في الـمنطقة في فترات متلاحقة من التاريخ، ثم انتقل التقرير ليتحدث عن الإمكانيات الكبيرة التي تقدمها الـمنطقة للاستيطان الزراعي، والإمكانية الكبيرة لاستيعاب العرب الذين يتم ترحيلهم من فلسطين(26).
وتعتبـر حرب 1948 حرب ترحيل أي وضع الفكرة الصهيونية موضع التنفيذ، ويؤكد ميخائيل بارزوهار، كاتب مذكرات بن غوريون أن بن غوريون قام بتوجيه جيش الدفاع مرات عديدة لإخلاء السكان العرب والعمل على هدم القرى المهجورة، ولقد شكل لجنة خاصة بترحيل العرب تعمل تحت إشرافه «ويشهد على ذلك يتسحاق رابين في مذكراته حيث يقول «إن بن غوريون أصدر تعليماته بطرد عرب الرملة واللد... ولقد قال رابين في مذكراته إنه في الجلسة التي عقدت قبل احتلال اللد والرملة، سألت بن غوريون «ماذا نفعل بأهالي هذه الـمدن، فرد بن غوريون، بإشارة من يده، فسرتها كأمر لطردهم، وهذا ما جرى في اللد بحيث طرد سكان اللد فوراً دون اعتبار للسن»(27).
وفي 4/7/1948 قال بن غوريون «لدينا خطة لإخلاء عكا من سكانها العرب». وبعد قيام الكيان الصهيوني عام 1948 قال البـروفيسور بنزيون دينور أول وزير تربية في إسرائيل «لـم يكتف اليهود بما كسبوا من أراضٍ ومعامل، بل أرادوا أيضاً وضع أيديهم على السلاح ليعلنوا للعالـم أجمع أنهم أسياد وطنهم العتيد، فهم في الوقت الراهن لا يتكلـمون سوى عن الاستعمار واستثمار الـمستعمرات، وهذا هو هدفهم ولا يتكلـمون إلا عنه... في بلادنا لا مكان لغير اليهود... سنقول للعرب تدافعوا وأفسحوا الـمجال، فإذا لـم ينفذوا ومانعوا، فإننا سندفعهم بالقوة وسنقابلهم ونجبـرهم على الابتعاد»(28).
وبعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، وإزاء تزايد الـمقاومة الوطنية للاحتلال ومصادرة الأراضي لبناء الـمستوطنات الصهيونية عليها، استمرت مخططات ترحيل العرب سواء من خلال مخطط إزالة الـمخيمات في قطاع غزة في الفترة ما بين 1969 ـ 1971 أو من خلال مشروع كينج عام 1976، أو من خلال تقديم كل ما يلزم الـمستوطنين لتحويل حياة السكان العرب إلى جحيم لا يطاق، لدرجة أن رئيس الأركان الإسرائيلي الأسبق الجنرال رفائيل ايتان، أعلن بصراحة، أن العرب في الـمناطق يجب أن يتحولوا إلى صراصير مخدرة تحاول الخروج من عنق الزجاجة ولكنها لا تستطيع. كما نقلت الصحف الإسرائيلية عن الإرهابي مائير كهانا زعيم حركة كاخ، قوله «على العرب مغادرة أرض إسرائيل كي لا نضطر إلى ذبحهم كل أسبوع»(29) ورفعت الـمنظمات الإرهابية التي شكلها الـمستوطنون في الضفة الغربية وقطاع غزة شعار ترحيل العرب باعتباره أحد أهدافها. ومن أبـرز هذه الـمنظمات منظمة إرهاب ضد الإرهاب. والحشمونائيم وغيرها(30).
أما أرئيل شارون، وزير التجارة والصناعة في حكومة شامير، فقد أعلن في إحدى خطبه الانتخابية في أواسط 1988 قوله أنه يقبل العرب في دولة إسرائيل شريطة أن يعلـم هؤلاء مسبقاً أنه ليست لهم أية حقوق.
ولقد خاض الجنرال احتياط رحبعام زئيفي، رئيس حركة موليدت، سابقاً وزعيم حزب الاتحاد الوطني لاحقاً انتخابات الكنيست الأخيرة على أساس بـرنامجه الذي دعا صراحة لترحيل العرب تحت ستار «الترحيل بالتراضي». وعندما اعترض بعض الكتاب والسياسيين على ما ورد في حديث رحبعام زئيفي قال: «أن فكرة ترحيل العرب. أو تبادل السكان بالتراضي، أخذتها من معلـمي وزعمائي في الحركة الصهيونية أمثال بن غوريون وبيرل كاتزنسلون وأرثر روبين ويوسف نايتس وموشي شاريت»(31).
وجاء في البـرنامج الانتخابي لحزب موليدت بزعامة رحبعام زئيفي كما نشرته صحيفة هآرتس بتاريخ 30/10/1988 مايلي(32):
ـ إزاء الأزمة السياسية والاجتماعية في حركة تحقيق الصهيونية وفي دولة إسرائيل.
ـ وإزاء الأخطار الـمحدقة بدافع الـمحافظة على مكاسب حرب الأيام الستة على خلفية الانسحاب من سيناء.
ـ وإزاء نهوض القومية العربية التي تدعمها مصادر عالـمية ويهودية من أهل البيت.
ـ وإزاء الخطر الديموغرافي في بلادنا.
ـ وإزاء أزمة القيادة والثقة الواضحة بصدد طريقنا.
قررت حركة موليدت أن تخوض الانتخابات على أساس «أن أرض إسرائيل تابعة لشعب إسرائيل... أن السلام بين إسرائيل والدول العربية يتحقق عن طريق الفصل بين الشعبين، الشعب الإسرائيلي في إسرائيل والعرب في الدول العربية. وسيجري تبادل سكاني بين إسرائيل والدول العربية... وسينقل سكان يهودا والسامرة وغزة إلى الدول العربية الأخرى».
وقال رحبعام زئيفي في إحدى خطبه أثناء حملته الانتخابية «إما ترانسفير إسرائيلي ضد الفلسطينيين إلى الدول العربية وإما ترانسفير فلسطيني ضد اليهود إلى البحر».
وفي مقابلة مع صحيفة يديعوت أحرونوت بتاريخ 4/11/1988 شرح رحبعام زئيفي أسلوبه في ترحيل الفلسطينيين «علينا خنق مصادر العيش والرزق على سكان الـمناطق وإطلاق الرصاص على قاذفي الحجارة وطرد عائلاتهم»(33).
ومن جهة أخرى، وزعت، أثناء الحملة الانتخابية للكنيست الإسرائيلي عام 1988، منشورات في مدينة عكا، وزعها حزب الـمعراخ، جاء فيها «أقل عرباً ـ أكثر أمناً». «لن نعود أبداً إلى حدود 1967... إسرائيل لن تخرج إلا من مناطق كثيفة السكان، وبهذا نتخلص من 1.7 مليون عربي..» وذكرت الصحف الإسرائيلية أن نائب رئيس بلدية عكا الليكودي. بارليف، وهو ضابط شرطة متقاعد، أنهى خدمته بـرتبة مقدم قال: «كثيرون من اليهود يريدون للعرب أن يتواروا عن أنظارهم... في كل بيت في عكا يتحدثون عن الترحيل... كل من يستطيع أن يهرب من هنا يهرب وكل هذا بسبب العرب، وهم يشترون البيوت في الـمدينة لتحويل عكا إلى مدينة عربية». وكان بارليف قد اقترح نقل السكان العرب في مدينة عكا إلى تجمعات سكنية خارج الـمدينة(34).
وبعد انطلاقة انتفاضة الأقصى في 28/9/2000، تزايدت دعوات الصهاينة لترحيل الفلسطينيين. ففي مقابلة مع الصحافة الإسرائيلية، نقلتها صحيفة معريف في 14/5/2001 قال الجنرال احتياط رحبعام زئيفي، الوزير في حكومة شارون «إن العرب سيحتلوننا قريباً بطرق ديمقراطية وديمغرافية. الحكومات كافة تتجنب البحث في هذا الخطر لأنها تخشى الثقل البرلماني للنواب العرب. أما نحن فنحرص على أن نظهر متحضرين. التكاثر الطبيعي للعرب في إسرائيل يسجل نسبة عالية جداً، ونحن يحظر علينا أن نقترح ترحيلهم لئلا نظهر عنصريين»(35).
وفي مقابلة مع القناة التلفزيونية الثانية في إسرائيل قال الحاخام بني الون، من حزب الاتحاد الوطني، «من الضروري القيام بحرب إبادة ضد السلطة الفلسطينية حتى يتم ترحيل الفلسطينيين وإنزال نكبة أخرى بهم، ولا ضير في أن نحتفل بعيد استقلال آخر. إن حكومة إسرائيل لم تلجأ إلى الحل العسكري في مواجهة الحرب التي أعلنها الفلسطينيون علينا. وعلينا أن نحسم هذه الحرب بحرب مضادة، وإذا جاءت النتائج بتغيير ديمغرافي/ جغرافي، فليفهم الفلسطينيون أنهم تسببوا بها»(36).
أما اريئيل شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي، فقد أعلن، أثناء الاحتفال بذكرى قيام إسرائيل أن «حرب الاستقلال لم تنته بعد» والمقصود بالطبع حرب 1948 التي أدت إلى قيام النكبة، وطالب باستقدام مليون مهاجر يهودي جديد. ولتوطين هؤلاء المهاجرين الجدد، لابد من ارتكاب مجازر جديدة كما يقول المؤرخ الفلسطيني سليم المبيض، الذي يضيف «في حرب النكبة ارتكب قادة إسرائيل المجازر ضد البشر، والآن ينفذون مجازر ضد البشر والحجر والشجر، ولأنهم لا يستطيعون وضع الفلسطينيين في باصات وترحيلهم إلى ما وراء الحدود، فإنهم يجرفون أراضيهم، ويخربونها ويستولون عليها، وهي مصدر رزقهم الوحيد، وينسفون أكواخهم، ومساكنهم التي أقاموها بعد النكبة. يريدون تجويع الفلسطينيين وتحويل حياتهم إلى جحيم لا يستطيع تحمله البشر، وبعد ذلك يستولون على ما تبقى لهم من أرض»(37).
الترحيل في التطبيق العملي

تطورت أساليب ترحيل الفلسطينيين مع تطور الحركة الصهيونية من حيث قوتها وتنظيمها، وعصاباتها الـمسلحة واتساع مستوطناتها، وتوطد علاقاتها مع الدول الاستعمارية، ففي الفترة التي سبقت وعد بلفور بقيت فكرة ترحيل العرب عن أرض فلسطين، ليست أكثر من فكرة في بدايات التطبيق. إذ كانت الـمستوطنات تبنى على الأراضي التي يتم شراؤها. ويرحل عنها سكانها العرب ـ بعد أن يتم تضييق سبل العيش عليهم. وينطبق هذا الحديث على مستوطنة بتاح تكفا التي أقيمت على أراضي قرية زمارين ومستوطنة ريشون ليتسيون التي أقيمت على أراضي قرية عيون قاره، وكذلك على الـمستوطنات التي أقيمت في منطقة طبـرية، ولقد كانت الصدامات تنشأ بين الـمستوطنات الصهيونية وسكان الـمناطق الـمجاورة على حقوق الارتفاق والانتفاع والخوف من أطماع الصهيونية في الـمناطق الـمجاورة لـمستوطناتها.
وبعد صدور وعد بلفور وإعلان الانتداب البـريطاني على فلسطين، وظهور التحالف البـريطاني ـ الصهيوني الـمعلن، بدأت الحركة الصهيونية بتنفيذ سياسة الدمج بين الأساليب لترحيل العرب، فمن جهة طبقت أسلوب احتلال الأرض والعمل ومن جهة ثانية استعانت بسلطات الانتداب للقضاء على مقاومة السكان لسياسة الترحيل.
أما شعار احتلال الأرض والعمل، فقد رفعته الحركة الصهيونية ـ كما هو معروف، لتبـرير استيلائها على الأراضي العربية وإقامة الـمستوطنات عليها وترحيل سكانها العرب سواء إلى أماكن أخرى داخل الأراضي الفلسطينية أو إلى شرق الأردن. ولقد تم تبادل مذكرات كثيرة بين سلطات الانتداب البـريطاني في فلسطين والحكومة البـريطانية في لندن من جهة والحركة الصهيونية من جهة أخرى... «وذلك بصدد نقل السكان العرب الذين بيعت أراضيهم إلى أماكن أخرى. ولقد أطلق على هذه العملية أسلوب النقل التدريجي، أو الترانسفير الصغير، الذي جاء للرد على الاحتجاجات على طرد الفلاحين العرب نتيجة «الهجرة والاستيطان الزراعي والعمل العبـري، والقيم العليا الطلائعية واحتلال العمل...» ولقد حاولت الصهيونية خداع الرأي العام العالـمي من خلال الادعاء «أن شغيلة الأراضي الذين بيعت أراضيهم لليهود ليسوا مطرودين من الأرض وإنماً ينقلون إلى أماكن أخرى»(38).
وجرت في هذا الإطار عملية ترحيل سكان قرى وادي الحوارث الذي كان يعرف باسم وادي اسكندرونة سابقاً، وسمي بوادي الحوارث نسبة إلى قبيلة الحارثة التي نزلت به في القرن الثاني عشر الهجري. يقع وادي الحوارث شمال غرب طولكرم، وتخترقه طريق حيفا ـ يافا. والـمنطقة عبارة عن أرض سهلية متموجة أقصى ارتفاع لها هو 35م عن سطح البحر. وخلال العهد العثماني بيعت أراضي وادي الحوارث لعائلة تيان اللبنانية والتي رهنتها عند الفرنسيين، وتم بيعها بالـمزاد العلني للصهاينة عام 1932. وخلال نفس العام، وعندما رفض أفراد قبيلة الحوارث ترك أرضهم، قامت القوات البـريطانية بمهاجمة أكواخهم، واقتلعت خيامهم وأجلتهم بالقوة، وأتلفت ممتلكاتهم الـمنقولة بما فيها الـمواد الغذائية والـمحاريث وتركتهم بلا مأوى. ولـما قاوم الحارثيون هاجمهم البـريطانيون بالرصاص فاستشهد كثيرون منهم وتمددت النسوة أمام السيارات التي حملت الـمنقولات الـمصادرة، فمرت السيارات البـريطانية فوق أجسادهن، ولـم يبق لأبناء قبيلة الحوارث سوى 2500 دونم من أصل 40 ألف دونم(39). وتكررت عملية الترحيل في عدد من قرى مرج ابن عامر.
الترحيل عام 1948

تعتبـر حرب 1948 التطبيق العملي لفكرة الترحيل الصهيونية، إذ قامت الحركة الصهيونية وعصاباتها الـمسلحة بارغام نحو مليون فلسطيني على الرحيل إلى الأراضي اللبنانية والسورية والضفة الغربية وقطاع غزة والأراضي الـمصرية. ولتسريع عمليات الترحيل، ارتكبت القوات الصهيونية الـمجازر لنشر الذعر بين السكان، ولقد أصبحت الآن معروفة كل التفاصيل الـمتعلقة بمذبحة دير ياسين في 9/4/1948 ودور كل من الهاغاناة والأرغون والـمراسلات بينهما سواء قبل الـمذبحة أم بعدها، ولقد نشرنا هذه التفاصيل في بحثنا «العنف في الفكر الصهيوني» الـمنشور في مجلة الأرض. ويكفي أن نشير هنا إلى ما نشرته صحيفة حيروت بتاريخ 15/4/1949 بمناسبة مرور سنة على مذبحة دير ياسين «لقد كان من أهم نتائج عملية دير ياسين هو فرار العرب الجماعي من الـمدن والقرى وتفرقهم في جميع أنحاء البلاد، وبالتالي فإن الـمشكلة قد حلت... فإجلاء العرب يمكننا من توطين هؤلاء الـمهاجرين في أماكنهم(40)».
ومن بين الـمجازر البشعة التي اقترفت لطرد العرب من أراضيهم. مجزرة قرية الصفصاف بقضاء صفد في تشرين الأول 1948 والتي أورد تفاصيلها البـروفيسور بيني موريس في كتابه «ميلاد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين 1947 ـ 1948» وقد قتل في هذه الـمجزرة ما بين 90 و100 شخص من العرب.
يقول البـروفيسور بيني موريس أنه بتاريخ 11/11/1948 وصل يسرائيل غاليلي إلى اجتماع اللجنة السياسية لحزب مبام «وسرد أمام الـمجتمعين وصفا للـمعارك التي دارت في شهر تشرين الأول، والتي انتهت باحتلال الجليل وقال إنه في قرية الصفصاف ربط 52 رجلاً بحبل، وأنزلوا في أحد آبار القرية، وأطلقت النار عليهم، وأطلقت النار على بعض النسوة، وجرت هنالك ثلاث عمليات اغتصاب. ويقول الأهالي من قرية الصفصاف أنه تم وضع الأهالي أمام أحد جدران القرية وأطلقت النار على عدد من الشبان. وفي قرية الجش قتل أحد عشر شخصاً من بينهم امرأة وطفلها الرضيع. وفي قرية سعسع قتلت مجموعة لـم يعرف عددها من السكان، رغم أن أهالي القرية رفعوا الرايات البيضاء وفي قرية الخالصة جرى تفجير 94 شخصاً داخل البيوت.
وبعد طرد السكان تم تدمير نحو 350 قرية فلسطينية حتى لا يعود السكان إليها. كما تمت عملية ترحيل سكان حوالي 50 قرية فلسطينية إلى أماكن أخرى داخل الأراضي الفلسطينية الـمحتلة(41).
ملاحظة: في النصف الثاني من نيسان 2001 ساعدت الأستاذ والباحث جميل عرفات المقيم في مدينة الناصرة العربية، في بحثه حول مجزرة الصفصاف، وأثناء مقابلة شهود عيان على المجزرة قال كثيرون إن عدد الشهداء أكثر من ذلك بكثير، وإن عدداً كبيراً منهم ليسوا من أبناء البلدة، وقد ألقت القوات الصهيونية بجثثهم في أحد آبار البلدة واستخدمت الجرافات لردمهم بالتراب.
3) سياسة الترحيل قبل وبعد قيام
الكيان الصهيوني


فيما يلي إشارة سريعة إلى كيفية تطبيق الفكرة الصهيونية وترحيل الفلسطينيين من بعض مدنهم وقراهم عام 1948:
1ـ مجزرة طيرة حيفا: كلمة «طيرة» في اللغة الكنعانية تعني قرية، وتقع طيرة حيفا على جبل الكرمل بالقرب من مدينة حيفا. وقد ارتكبت بها مجزرة، وقد بقيت مجهولة حتى كشف الباحث محمد الباش بعض تفاصيلها:
«دب الرعب في نفوس الناس في أعقاب المجزرة التي ارتكبت في يوم 4 كانون الثاني 1948، والتي قتل فيها 17 شخصاً، وفي أعقاب سقوط مدينة حيفا في 22 نيسان 1948 واستشهاد 6 رجال وإصابة امرأتين من أبناء البلدة في معركة حيفا، قرر القريون الذين أصابهم الفزع الهروب. تجمع عشرون قارباً على شواطئ القرية، وحملت الأهالي إلى لبنان، وهرب أخرون إلى قرى ومدن اجزم، تل عدس، نابلس وإربد، وحمل القطار الكثيرين إلى عتليت وطولكرم، جنين، ونابلس التي أصبحت تقع فيما بعد في الضفة الغربية»(42).
2ـ ليلة 13ـ 14 نيسان 1948 ارتكبت عصابات ليحي الصهيونية مجزرة في قرية ناصر الدين التي تقع إلى الجنوب الغربي من مدينة طبرية وتبعد عنها 7 كم. فبعد حصار القرية ـ دخلت مجموعات ليحي وهي ترتدي الملابس العربية، فاستقبلها أبناء القرية بالترحاب، لكن أفراد ليحي فتحوا النار فقتلوا الأغلبية الساحقة من السكان، ثم أحرقوا القرية ودمروا بيوتها(43).
3ـ وفي ليلة 15 ـ 16 نيسان 1948 وقعت معركة طبرية، فتدخل البريطانيون وفرضوا هدنة لمدة ثلاثة أيام، لكن القائد العسكري البريطاني للمنطقة ألغى أمر خروج الهاغاناة من طبرية، وفي 19 نيسان 1948، وبعد وصول الأخبار عن المجزرة في قرية ناصر الدين، تم ترحيل أبناء مدينة طبرية وهدمت بيوتهم وتم تحويل المسجد إلى متحف محلي(44).
4ـ وفي بيسان، وبعد سقوط المدينة بتاريخ 13/5/1948، بقي السكان العرب في بيوتهم، وفي حزيران 1948، طلب قائد وحدة الهاغاناة من جميع السكان العرب مغادرة البلدة خلال مدة قصيرة من الزمن، والسكان العرب الذين رفضوا النزوح عن بلدتهم، قامت القوات الإسرائيلية بحملهم في عربات نقل وبقوة السلاح إلى الحدود السورية(45).
5ـ مجزرة الطنطورة: الطنطورة قرية فلسطينية على ساحل البحر الأبيض المتوسط، جنوب مدينة حيفا، هاجر أهلها بعد مذبحة ارتكبتها القوات الصهيونية، وكانت مهمة الصليب الأحمر الدولي محاولة إخفاء أثار الجريمة التي ارتكبت بدم بارد. هذه شهادة امرأة من أهالي البلدة عاشت المجزرة وشاهدتها بأم أعينها، تقول حليمة دسوقي البالغة من العمر 74 سنة.
«في ليلة 16 أيار 1948، بدأ الهجوم الإسرائيلي في منتصف الليل، قصفت القرية من كل الاتجاهات، كان المهاجمون أكثر عدداً من المدافعين، ولذلك شقوا
([1])

([2])

([3])

([4])

([5])

([6])

([7])

([8])

([9])

([10])

([11])

([12])

([13])

([14])

([15])

([16])

([17])

([18])

([19])

([20])

([21])

([22])

([23])

([24])

([25])

([26])

([27])

([28])

([29])

([30])

([31])

([32])

([33])

([34])

([35])

([36])

([37])

([38])

([39])

([40])

([41])

([42])

([43])

([44])

([45])

([46])
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06-28-2012, 06:48 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,419
افتراضي

طريقهم إلى داخل القرية، جمع الرجال في ساحة القرية، وتم فصلهم عن النساء، وضع 52 رجلاً على الجدار وأطلقت النار عليهم، أصيبت سبع نساء بالرصاص، ثم وضع 60 رجلاً أخرين في سيارات ونقلوا إلى مكان آخر ليتم قتلهم، عند ظهر اليوم التالي، وصلت شاحنات من الصليب الأحمر الدولي إلى القرية وأخذت السكان إلى بلدة بيت ليد بالقرب من طولكرم وبقينا هناك مدة عام كامل»(46).
للإطلاع على أسماء القرى والمدن والبلدات التي هجرت قبل منتصف أيار 1948 انظر الجدول رقم (1)



جدول بأسماء بعض القرى أو المدن التي هجرها سكانها خوفاً من المذابح الصهيونية أو في أثرها
الرقم
اسم القرية أو البلدة أو المدينة
تاريخ سقوطها
عدد سكانها التقريبي قبل كانون الأول 1948
ملاحظات حول أسباب سقوطها
طبرية
17/4/1948

النزوح إلى الناصرة بعد الحصار والتهديد بالمجازر
المنارة
2/3/1948
410
دمرت المدينة في ذلك التاريخ
ناصر الدين
10/4/1948
90
ارتكبت مجزرة
غوير أبو شوشة
20/4/1948
1340
خوفاً من مجزرة
عين الزيتون
48/4/1948
840
ارتكبت مجزرة قتل فيها 37 شخصاً
الطابغة
4/5/1948
330
الخوف من مجزرة
صفد
10/5/1948
9536
بعد حصار دام لمدة 3 أسابيع
السمكية
ــ
380
قصف المدينة من الجو
الظاهرة التحتا
10/5/1948
350
انسحاب قوات جيش الإنقاذ
10ـ
عقربة
11/5/1948
350
الخوف من مجزرة
11ـ
الخالصة
ـ
1840
سقوط صفد والخوف من مجزرة
12ـ
بيسان
12/5/1948
350
سقوط القرى المجاورة
13ـ
حيفا
22/4/1948
ــ
بعد معركة حيفا وارتكاب عدة مجازر
14ـ
كفر مصر
12/5/1948
350
سقوط القرى المجاورة والخوف من المجازر
15ـ
السومرية
13/5/1948
760
هوجمت البلدة من قبل العصابات الصهيونية بملابس عربية
الرقم
اسم القرية أو البلدة أو المدينة
تاريخ سقوطها
عدد سكانها التقريبي قبل كانون الأول 1948
ملاحظات حول أسباب سقوطها
16ـ
الزيب
14/5/1948
1910
هوجمت البلدة من قبل قوات صهيونية بملابس عربية
17ـ
البصة
14/5/1948
2950
دمرت المنازل من قبل القوات الصهيونية التي دخلت البلدة بملابس عربية
ولدى دراسة الجدول السابق يتضح:
أن المدن والبلدات والقرى ارتكبت المجازر فيها وهاجر أهلها قبل رحيل القوات البريطانية، مما يؤكد تواطؤها وتعاونها الصريح أو المخفي مع القوات الصهيونية.
تشكل هذه المناطق والبلدات، إلى حد ما، الحدود الخارجية الطبيعية لفلسطين مع الدول العربية الأخرى، مما يؤكد التعاون المسبق بين الطرفين البريطاني والصهيوني للتخلص من قرار الأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947 والقاضي بتقسيم فلسطين(47).
ـ وفي اللد، وبعد أن ارتكب الصهاينة مجزرة مسجد دحمش بتاريخ 11/7/1948 التي قتل فيها نحو 80 شخصاً وأبيدت عائلات بأكملها قررت العصابات الصهيونية يوم 13/7/1948 طرد سكان اللد واللاجئين إليها من القرى المجاورة وجرد الناس من كل ما يملكون وأجبروا على الرحيل(48).
وفي الرملة وبعد سقوط المدينة بتاريخ 11/7/1948 أجبر السكان العرب على ترك المدينة ليسكن بدلاً منهم يهود جاؤوا من كل بلدان العالم، ومن 16760 نسمة هم سكان الرملة عام 1946 لم يبق منهم سوى 400 شخصاً(49).
أما في بئر السبع. وبعد سقوط المدينة وتشريد أهلها قامت القوات الإسرائيلية بطرد العشائر البدوية التي بلغ عددها عام 1934، 83 عشيرة بدوية بلغ عدد أفرادها نحو 50 ألف نسمة. ولم يبق من هؤلاء البدو سوى 19 عشيرة ولا يزيد عدد سكانها عن 13 ألف نسمة. أما الباقون فقد تم ترحيلهم إلى الأردن والضفة الغربية وقطاع غزة. وفي الوقت الحاضر يحاول الصهاينة إبعاد البدو وتشريدهم من الصحراء وذلك تسهيلاً لمهمة تهويد النقب، ولذلك صودرت أراضيهم لإقامة المطارات عليها، وهدمت بعض قراهم، وحددت لهم فقط سبع مناطق تتراوح مساحة كل منها من 700 إلى 1600 دونم فقط، بينما يقوم أفراد الدوريات الخضراء بالاعتداء على البدو ومضايقتهم(50).
أما في منطقة الناصرة، فقد قامت القوات الإسرائيلية بهدم 25 قرية لإقامة المستوطنات عليها(51).
وفي القدس احتل الإسرائيليون 84% من المساحة الكلية للمدينة، فيما بقيت المدينة القديمة بأيدي العرب. لذلك تم طرد سكان القدس الغربية العرب وحل مكانهم مستوطنون، ومن الجدير بالذكر أن موشي دايان اقترح عام 1948، عندما كان قائداً لمنطقة القدس الغربية أن يتم تقسيم المدينة إلى أحياء يهودية وأخرى عربية، وأن تقوم إسرائيل بإخلاء الأحياء العربية في القدس الغربية من سكانها. وهذا ما تم تنفيذه عندما تم إخلاء القطمون، الكولونية الألمانية، البقعا التحتا، البقعة الفوقا(52).
طـرد كــراد البقــارة والغنامة

كراد البقارة وكراد الغنامة قريتان فلسطينيتان تقعان على الحدود الفلسطينية ـ السورية في سهل الحولة. تبلغ مساحة كراد البقارة 3263 دونماً وبلغ عدد سكانها عام 1948 260 نسمة، أما كراد الغنامة فمساحتها 3975 دونما وبلغ عدد سكانها عام 1948 350 نسمة.
بعد إعلان الهدنة بين سورية وإسرائيل، وقعت القريتان ضمن الأراضي منزوعة السلاح وسعت القوات الإسرائيلية لاستخدام أهالي القريتين دروعاً بشرية أثناء الاشتباكات مع الجيش السوري، وبعد ذلك جمع أهالي القريتين، بناء على أوامر من مراقبي الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار، في قرية كراد البقارة، ومن ثم حاصرت القوات الإسرائيلية القرية المذكورة، وبعد ثلاثة أيام طلب إلى الأهالي مغادرة البلدة إلى سورية. وبسبب رفض السكان، حملتهم الشاحنات الإسرائيلية إلى بلدة شعب بالقرب من عكا، واعتبرت البلدة منطقة عسكرية مغلقة، وبعد تدخل الأمم المتحدة، سمحت القوات الإسرائيلية للسكان بالعودة إلى كراد البقارة. وفي 29/10/1956، وعشية العدوان الثلاثي على مصر، قامت القوات الإسرائيلية بطرد أهالي كراد البقارة إلى سورية(53).
وفي الفترة ما بين 1948ـ 1950 قامت القوات الإسرائيلية بطرد عدد من العشائر البدوية في شمال فلسطين إلى سورية، وتمّ طرد سكان بلده المجدل الفلسطينية إلى قطاع غزة.
وفي عام 1956، استغلت قوات الاحتلال انشغال الرأي العام العالمي بأحداث العدوان الثلاثي على مصر لارتكاب مجزرة كفر قاسم التي كان أحد أهدافها دفع السكان في القرية والمنطقة للهرب باتجاه الحدود الأردنية لإخلاء منطقة المثلث الفلسطيني من سكانها العرب. ولقد وضعت ذريعة الأمن كتبرير لمجازر الصهاينة وعمليات الطرد والترحيل.
وتحدث كثيرون من قادة الصهاينة أن العرب الباقين في فلسطين يشكلون خطراً على أمن إسرائيل وسلامتها، وطالب هؤلاء بشن هجمات على العرب داخل تجمعاتهم، فقد جاء في حديث يعقوب مريدور من حزب حيروت أمام الكنيست الصهيوني بتاريخ 1/8/1949 «لابد من شن هجمات على العرب الموجودين داخل إسرائيل، وذلك لأنهم يشكلون خطراً على اليهود وعلى أفراد الجيش الإسرائيلي، وخصوصاً عندما يكون أفراد الجيش في طريقهم إلى التعبئة» وقد أطلق مريدور على العرب عبارة الطابور الخامس، وتساءل أين يجب أن ننقل العرب ونحرسهم؟ هل يجب أن نخلي تل أبيب لهم؟ وعندما تدخل عضو الكنيست توفيق طوبي متسائلاً.. «أنتم تخططون لدير ياسين ثانية؟. «أجاب مريدور» بفضل دير ياسين ربحنا الحرب... لم نفعل شيئاً نخجل منه»(54).
وبذريعة الناحية الأمنية أيضاً، وتحت شعار مكافحة الإرهاب تحدث عدد من قادة الصهاينة. فيما بعد، مطالبين بترحيل العرب، ومن هؤلاء العقيد احتياط اهارون دافيدي، وهو ضابط سلاح المظليين، وفي الوقت نفسه يعمل أستاذاً للجغرافيا في تل أبيب. يقول العقيد أهارون دافيدي، إن مكافحة الإرهاب تستلزم أولاً ازدياد قوة جيش الدفاع الإسرائيلي، وثانياً نقل الفلسطينيين إلى البلدان العربية.. عندي الطريقة الأسهل والأكثر إنسانية وهي نقل الفلسطينيين من أماكن إقامتهم الحالية إلى البلدان العربية.. إنهم سيريدون هذا وسيقبلونه عندما يجدون إن هذا هو خيارهم الوحيد (55).
الترحيل بعد عدوان حزيران 1967

لجأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى استغلال الظروف التي رافقت عدوان حزيران 1967 والانتصار العسكري الخاطف الذي أحرزته قوات الجيش الإسرائيلي وسعت إلى ترحيل أكبر عدد ممكن من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان. فقد قدر عدد السكان العرب الذين تم ترحيلهم أثناء وبعد حرب حزيران 1967 ب 450 ألف نسمة بينما يقدر عدد الذين رحلوا إلى الأردن بنحو 300 ألف نسمة وهذا هو الرقم الذي أعطاه مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة أوثانت إلى الشرق الأوسط، في تقرير بتاريخ 15/9/1967 المحفوظ في وثائق الأمم المتحدة رقم 7 و67 /أ وهو الرقم الذي ذكره أيضاً المفوض العام للأونروا(56).
ويأسف الجنرال عوزي نركسيس، قائد المنطقة الوسطى، إبان حرب حزيران لأنه لم يستطع إفراغ الضفة الغربية من سكانها المحليين، ويؤكد أنه لو تم ذلك لما كانت هنالك مشكلة في ضم هذه المنطقة إلى إسرائيل، لكن الظروف الدولية التي رافقت وتلت عدوان حزيران لم تكن تسمح بتنفيذ ما تم تنفيذه عام 1948، وذلك فيما يتعلق بإخلاء السكان العرب وترحيلهم خارج الأراضي الفلسطينية(57).
ولقد استطاعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي التي كان يقودها الجنرال عوزي نركسيس وبإشراف مباشر من الوزير بنحاس سابير، الذي كان يتصل يومياً بعوزي نركسيس مستفسراً عن عدد العرب الذين رحلوا في ذلك اليوم استطاعت ترحيل الآلاف من الفلسطينيين، وقد بلغ عدد الذين تم ترحيلهم في الأيام القليلة التي تلت الحرب نحو مئة ألف إنسان، وكان القسم الأكبر من هؤلاء من منطقة غور الأردن حيث كان يسكن أكثر من 60 ألف من لاجئي عام 1948، ولم يبق من هؤلاء في تلك المنطقة سوى سكان المخيمات الثلاثة القريبة من أريحا(58).
وفي منطقة اللطرون أجبر سكان أربع قرى فلسطينية على مغادرة قراهم والسير على الأقدام إلى منطقة رام الله. وتم هدم القرى الأربعة بالجرافات بينما بدأت قوات الاحتلال بنسف المنازل وطرد سكانها. وكذلك منطقة طولكرم وقلقيلية لكن هذه العملية توقفت بعد أن تبين لدايان، وزير الحرب الإسرائيلي أنذاك، أنه لا مجال لنسف مدينة كاملة مثل طولكرم ومدينة قلقيلية وإجبار سكانها على الرحيل.
أما عن ترحيل سكان حي المغاربة في القدس الشرقية، فقد تمت العملية تحت إشراف الجنرال شلومو لاهط، تيتس، قائد منطقة القدس إبان حرب 1967، ورئيس بلدية تل أبيب فيما بعد. فقد ا تفق الجنرال شلومو لاهط مع الجنرال نركسيس، قائد المنطقة الوسطى، على إخلاء حي المغاربة من سكانه بحجة توفير متسع لأداء الصلاة من قبل اليهود بالقرب من «حائط المبكى» وتمت عملية إخلاء السكان العرب من حي المغاربة خلال يومين، أي من 19/6 إلى 11/6/1967. وقامت الجرافات الإسرائيلية بعملية هدم منازل حي المغاربة(59).
وفي مرحلة ما بعد عدوان حزيران، بدأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي باتخاذ كل الإجراءات التي تجعل استمرار الحياة بالنسبة للفلسطينيين داخل المناطق المحتلة أمراً صعباً جداً ويكاد لا يطاق، وذلك لحملهم على الرحيل إلى الدول العربية المجاورة. ومن هذه الإجراءات، الممارسات التي اتخذتها قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي التي كان على رأسها الجنرال أرئيل شارون، الذي سعى وبحجة القضاء على أعمال المقاومة في قطاع غزة إلى تهديم البيوت في مخيمات قطاع غزة لشق الطرقات في داخلها وشن عمليات اعتقال واسعة، وجرت في الوقت نفسه عمليات نقل جماعية للسكان من مخيمات قطاع غزة إلى بعض أجزاء الضفة الغربية.
ومن جهة أخرى، كان الترحيل، أو النزوح التدريجي هو أحد الأغراض الكامنة وراء سياسة الجسور المفتوحة التي تتبعها سلطات الاحتلال والتي اقترنت بالتضييق اقتصادياً على المواطنين بهدف دفعهم للهجرة من أجل العمل في الخارج.
وتظهر آثار عملية الترحيل على التركيب السكاني للمناطق المحتلة بصورة واضحة، لأن الجزء الأكبر من هؤلاء وهم من الشبان الذين استقر عدد كبير منهم، ويقدرهم الجنرال شارون، بحوالي ربع مليون إنسان فلسطيني، في أماكن أخرى من العالم. بل إن شارون، عندما سئل عن رأيه في ترحيل الفلسطينيين ادَعى «إنني لم استخدم هذا التعبير ولا أظن أنه مفيد بحد ذاته، ويجب علينا أن نتذكر أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وخصوصاً تلك التي كان يقودها المعراخ قد عملت وبعد عدوان حزيران 1967 على تشجيع العرب بصورة مختلفة لترك البلاد والاستقرار في أماكن أخرى. أما الأسلوب الذي يفضله شارون لترحيل العرب فهو «تعزير مستوى التعليم التقني في المناطق، وذلك من أجل خلق الظروف التي تغري الناس عملياً بالمغادرة»(60).
وهناك أوساط واسعة في الكيان الصهيوني، تعتبر الترحيل هو الحل لما يسمى بالمشكلة الديمغرافية في إسرائيل، فتحت عنوان الشيطان الديمغرافي.. هو نهاية الحلم الصهيوني، تحدث البروفيسور ارنون سوفيير أستاذ الجغرافيا في جامعة حيفا، والمتخصص في شؤون العرب في إسرائيل قائلاً: إن ترحيل العرب هو الحل المعقول للمسألة الديمغرافية... فقط لو استطعنا نقل 100 ـ 300 ألف عربي قبل أن يطلب إلينا وقف الترحيل» تساءل البروفيسور ارتون سوفير «هل نطرد العرب أثناء الحرب أم السلام»(61).
الترحيل ومخطط تصفية القضية الفلسطينية

يعتقد كثيرون في إسرائيل أن ترحيل العرب وطردهم من فلسطين المحتلة إلى البلدان المجاورة هو الحل الحقيقي للقضية الفلسطينية ومشكلة الشرق الأوسط، أو على الأقل، جزء من ذلك الحل. فقد طالب البروفيسور يوفال نئيمان، زعيم حركة هتحيا، النهضة، بطرد نصف مليون عربي من المناطق المحتلة، وذلك مقابل قبول إسرائيل بإيجاد تسوية. وادعى البروفيسور يوفال نئيمان، أن على الدول العربية أن تبدي موافقتها على استيعاب اللاجئين، وإلا فإنه لا وجود لتسوية، ومضى يوفال نئيمان يقول «.. إنه مقتنع أنه لا وجود لحل من الناحية الإنسانية والاقتصادية والسياسية ما عدا إخراج اللاجئين إلى الدول العربية»(62).
الفكرة نفسها طرحها نائب وزير الحرب الإسرائيلي السابق، وأحد زعماء حركة، حيروت، ميخاديكل، في أيلول 1987 عندما تحدث علانية عن ترحيل العرب من إسرائيل كطريق وحيدة ومشروعة لحل المسألة الفلسطينية(63).
ومن جهة أخرى، لا يقتصر طرح موضوع ترحيل الفلسطينيين على الأحزاب والشخصيات السياسية الإسرائيلية في الوقت الراهن، وذلك كما قلنا، كحل للقضية الفلسطينية، بل إن موضوع طرد الفلسطينيين ورد في المشروع الذي ناقشته الحكومة الإسرائيلية في نيسان 1989 والذي أعده معهد جافي للدراسات الاستراتيجية، التابعة لجامعة تل أبيب تحت عنوان، الضفة الغربية وقطاع غزة: خيارات إسرائيل للسلام. فقد جاء في هذا التقرير أنه إذا أرادت إسرائيل أن تضم الضفة الغربية وغزة، وإزاء تواجد أكثر من 1.5 مليون فلسطيني في هذه المناطق، وإذا أرادت، إسرائيل أن تبقى دولة يهودية الهوية، يجب عليها أن تنكر عليهم أية حقوق في المشاركة السياسية أو ترحلهم في نهاية المطاف أو ترحل بعضهم من الضفة الغربية وغزة إلى الدول العربية المجاورة(64).
أما إذا أرادت إسرائيل تطبيق الخيار الأردني، فعلى إسرائيل أن تنشط في الدعاية للفكرة التالية: «أنه مع مساعدة ااقتصادية مناسبة، يمكن للأردن أن يتحمل مسؤولية إعادة توطين عدد كبير من اللاجئين من الضفة الغربية وغزة» ولم يذكر التقرير أن هؤلاء سيتم ترحيلهم، لكن هذا يفهم من سياق النص(65).
ولكن إذا أرادت إسرائيل تطبيق خيار الواقع الراهن، أي عدم الانسحاب من الضفة والقطاع والإبقاء على الاحتلال بوضعه الحالي يمكن أن تسعى إسرائيل، لشن حرب، أو تستغل شن حرب عربية، ـ إسرائيلية لطرد العرب الفلسطينيين العامل كعامل ردع للعرب مستقبلاً(66).
وفي الختام، إن ترحيل العرب يأتي استمراراً للفكر العنصري الصهيوني الذي يرى في الفلسطينيين «بلاءً مذكوراً في التوراة» وليست حركة كاخ هي الوحيدة التي ترى أن العرب بشكل عام وعرب «أرض إسرائيل» بشكل خاص هم مجموعة قومية متعصبة ومنحطة. فحركة موليدت ترى في العرب خطراً أمنياً، وصحيفة معاريف بتاريخ 15/12/1988، تقول إن العرب «مجتمع ذئبي يؤمن بالقتل والثأر والكراهية والإرهاب كأداة سياسية وأن الإرهاب مرض مستوطن ومتجذر بالعرب ولم يأت فقط من محاربة الصهيونية»(67).
ومن الواضح جداً أن هذا الحديث العنصري عن العرب هو تطبيق عملي لفلسفة التربية في إسرائيل حيث يدرس الأطفال في رياضهم والطلاب في مدارسهم وجامعاتهم «أن الأرض تستصرخ من يخلصها من غير اليهود» وترتبط بهذا الرغبة الصهيونية بإيجاد جيل يؤمن بتفوق اليهود عرقياً على غيرهم من بني البشر».
ولقد رسم البروفيسور أوير كوهين رئيس كلية التربية في جامعة حيفا صورة الجيل الذي تحاول القيادة الإسرائيلية أن تخلقه فقال أنه جيل «ناضج بكراهية البشر... تسيطر عليه نزعة الحط من أقدار الناس بغير ضرورة سوى التمجيد القبيح للذات.. جيل نرجسي يزهو بصورة خادعة بنفسه فقط، وفي سبيل ذلك لا بأس أن كذب أو خلط وادّعى وأدار ظهره لمعاناة الآخرين من لحمه ودمه متمسكاً بالوضع القائم بوصفه اهون الشرور... لقد أضحى الشر بحق الغير من المسلمات المقدسة التي لا يجرؤ أحد على الخوض في تجسيداتها لجهة الرفض أو التشكيك بها(68).

¾¾


¡ مصادر البحث

1ـ ملحق يديعوت أحرونوت 9/12/1988.
2- Arab Studies Quartarty. Vp. Fau 1987
3ـ هآرتس 17/8/1988.
4ـ هآرتس 16/8/1988.
5ـ هآرتس 23/9/1988.
6ـ الموعد، حمد سعيد، «العنف في الإيديولوجية الصهيونية، مجلة الأرض العدد الرابع 1988، وهي مأخوذة عن د. جورج طعمة، مصادر الإرهاب الصهيوني شؤون فلسطينية، عدد 25 أيلول 1973 ص25.
7ـ المصدر السابق.
8ـ الاتحاد 21/10/1988.
9ـ مأخوذة عن مجلة الأرض، عدد كانون الأول 1988، صفحة الغلاف الأخيرة.
10ـ الفكرة الصهيونية، النصوص الأساسية، سلسلة كتب فلسطينية رقم 21 منظمة التحرير الفلسطينية، مركز الأبحاث بيروت ص215.
11ـ هآرتس 23/9/1988.
12ـ هآرتس 23/9/1988.
13ـ الاتحاد 3/10/1988.
14ـ هآرتس 25/9/1988
15ـ الاتحاد 3/10/1988.
16ـ المصدر السابق.
17ـ انظر شهادة فلاديمير جابوتنسكي المقدمة إلى اللجنة الملكية لفلسطين عام 1937 مأخوذة عن الفكرة الصهيونية. مصدر سابق. ص410.
18ـ هآرتس 25/9/1988.
19ـ دافار 9/3/1988.
20ـ انظر
ج، فورلونغ، موسى العلمي، ص105، مأخوذة عن يديعوت أحرونوت 2/3/1988.
18ـ مذكرات بن غوريون، الجزء الرابع، ص297، مأخوذة عن هآرتس 17/8/1988.
19ـ الاتحاد 2/10/1988.
20ـ ج فورلونغ، موسى العلمي، ص105 ـ مأخوذة عن يديعوت أحرنوت 2/3/1988.
21ـ مذكرات بن غوريون ـ الجزء الرابع ص297 ـ مأخوذة عن هآرتس 17/8/1988.
22ـ الاتحاد رقم 21.
23ـ المصدر السابق (21).
24ـ هآرتس 23/9/1988.
25ـ أورد الدكتور إسرائيل شاحاك النص الكامل للتقرير في كتابه حقيقة بيغن وشركاه، منشورات دار فلسطين المحتلة.
26ـ انظر إيلان، الياهو، الرجوع إلى صهيون والجزيرة العربية، فكراً وممارسة، منشورات ديغز، 1974، مأخوذة عن معاريف 16/5/1974.
27ـ يديعوت أحرونوت 9/12/1988.
28ـ د. شاحاك، إسرائيل، عنصرية دولة إسرائيل، منشورات دار فلسطين، المحتلة، ص85 ـ 86.
29ـ هآرتس 1/2/1983.
30ـ الأرض 7/1/1985.
31ـ هآرتس 24/7/1988.
32ـ الاتحاد 30/9/1988.
33ـ يديعوت أحرونوت 9/12/1988.
34ـ الاتحاد 30/9/1988.
35ـ معريف 14/5/2001.
36ـ رصد التلفزيون الإسرائيلي 14/5/2001.
37ـ الحياة 18/4/2001.
38ـ هآرتس 23/9/1988.
39ـ الموسوعة الفلسطينية، الجزء الرابع، ص564ـ 565.
40ـ حيروت 15/4/1949، مأخوذة عن د. إسرائيل شاحاك، عنصرية دولة إسرائيل، مصدر سابق.
41ـ موريس، بيني، ميلاد مشكلة اللاجئين، 1947 ـ 1949 مأخوذة عن الاتحاد 1/11/1988.
42ـ (المصدر الباش محمد، طيرة الكرمل، مأخوذ عن كتابنا.The Palestinian Refugees, Past Present and Future
43ـ الموسوعة الفلسطينية، الجزء الثالث، ص102 ـ 103.
44ـ الموسوعة الفلسطينية، الجزء الرابع، ص135 ـ 136.
45ـ سلسلة قصة مدينة، مدينة بيسان، ص22.
46ـ مقابلة خاصة مع بعض الناجين من مجزرة الطنطورة أجراها المؤلف في صيف 1998.
47ـ المصدر كتابنا ـ The Palestinian Refugees, Past Present and Future
48ـ قصة مدينة، الجزء رقم 13، اللد، ص43 ـ 46.
49ـ قصة مدينة، الرملة، جزء رقم 4، ص40.
50ـ المصدر مأخوذة من مقابلات خاصة أجريتها مع سكان البلدة في مخيم السبينة.
51ـ قصة مدينة، بئر السبع، الجزء رقم 8، ص64.
52ـ قصة مدينة، الناصرة، جزء رقم 1 ص48.
53ـ قصة مدينة، القدس، جزء رقم 6 ص129ـ 135.
54ـ د. شاحاك، إسرائيل، القدس ـ عنصرية دولة إسرائيل ص120 ـ121.
55ـ معاريف 6/12/1974.
56ـ د. الهندي، إحسان، قوانين الاحتلال الحربي، دمشق 1971، ص183.
57ـ هآرتس 21/10/1988، مقال بقلم جدعون ليفي، بعنوان ترحيل 100 ألف عربي بدون أن يقول أحد كلمة واحدة.
58ـ المصدر السابق.
59ـ المصدر السابق.
60ـ هآرتس 21/10/1988.
61ـ هآرتس 3/8/1988، مقال بقلم البروفيسور ارنون سوفير، بعنوان «الشيطان الديمغرافي، هل هو نهاية الحلم الصهيوني».
62ـ علهمشمار 22/8/1988.
63ـ دافار 2/9/1988.
64- The Jaffee Center Study Group on.
The West Bank and Gaza, Israel’s Options For peace, The Jaffee Center For Strategic Studies, Tel Aviv University, 1987. 13 14.
65-Ibid p.18
66-lbid PP.27-30
67ـ معاريف 15/12/1988.
68ـ الاتحاد 30/9/1988.


¾¾¾
















الفصــل الثالــث:

شـــرائع الأبارتـيـــــــد

التمييز العنصري في القوانين والتشريعات الإسرائيلية
















n يشرح علم الاجتماع العلاقة الجدلية بين الدولة والقانون، في أي تشكيلة اجتماعية اقتصادية قائمة على أساس طبقي، ويفسر مغزى وأهداف أية قوانين أو تشريعات تصدرها أية دولة في دول العالم، باعتبار أن هذه القوانين والتشريعات هي المعبر الحقيقي عن المصالح الأساسية للفئات المسيطرة في تلك الدولة.
وتفسر العلاقة الجدلية بين الدولة والقانون في أن الدولة هي «أداة قمع بيد الطبقة المسيطرة...» أو «آلة لصياغة سيادة طبقة ما على طبقة أخرى... آلة الغرض منها أن تخضع لسيادة طبقة ما سائر الطبقات الأخرى...» وتمارس الطبقة المسيطرة ديكتاتوريتها من خلال وسائل خاصة للإكراه، وتضم هذه الوسائل القانون والجيش والشرطة والسجون.. الخ. أما القانون، فهو تلك الأداة التي تحول إرادة الطبقة المسيطرة إلى تشريع أو مجموعة قواعد للسلوك مهمتها أن تثبت وتحفظ العلاقات الاجتماعية والاقتصادية التي تكونت خلال حقبة تاريخية معينة. ويصبح القانون، فور صدوره، فوق الطبقات، تماماً كما هي الحال بالنسبة للدولة (1).
الدولة والقانون في الكيان الصهيوني:

ليس القصد الآن دراسة العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الكيان الصهيوني وآلية إصدار القوانين، فهذا مجال آخر، بعيد كل البعد عن اهتمامنا الآن، لكن الذي نحن بصدده هو توضيح القضية التالية: إن الدولة في إسرائيل، باعتبارها تجسيداً للمزاعم الصهيونية ونظرتها العنصرية للعرب ومخططاتها العدوانية وأطماعها التوسعية، سيكون جزءاً من وظيفتها بكل وسائل الإكراه الموجودة لديها أن تكون أداة قمع لأبناء شعبنا العربي الفلسطيني في الوطن المحتل. أما القانون الإسرائيلي، فهو التفسير الحقوقي والغطاء الشرعي الذي تستخدمه إسرائيل لتبرير ممارساتها، والقانون الإسرائيلي، من جهة أخرى، يجسد نظرية الحق، بمفهومها الصهيوني الذي لا لبس فيه.
نظرية الحق، كما يفهمها الصهاينة:

يعرف الحق، كمفهوم قانوني عام، بأنه رغبة الطبقة المسيطرة المرفوعة إلى درجة القانون (2)، والرغبة الصهيونية التي يسعى القانون الإسرائيلي لتجسيدها، ذات شقين: الأول ـ الادعاء بأن يهود العالم يشكلون شعباً واحداً أو أمة واحدة، وإن إنشاء الكيان الصهيوني سيكون، كما قال عنه بن غوريون «***** الذي يجذب اليهود المبعثرين من جديد إلى وطنهم الأم. ومن هذا المنطلق نفهم مغزى قانون العودة وقانون الجنسية الإسرائيليين». فقد أكد بن غوريون أثناء مناقشة قانون الجنسية وقانون العودة أمام الكنيست الصهيوني «أن هذين القانونين معاً، قانون العودة وقانون الجنسية، هما الشرعية التي وعدنا بها كل يهودي في المنفى، إن هذه الدولة ليست يهودية فقط لأن أكثرية السكان من اليهود، بل هي لجميع اليهود، حيثما كانوا، ولكل يهودي يرغب في أن يكون هنا، إن هذا الحق يولد معه لمجرد كونه يهودياً»(3). أما الشق الثاني من الرغبة الصهيونية فهو استملاك الأراضي والتخلص من السكان العرب. وقد أعلنت الصهيونية عن ذلك بكل صراحة، فقد أكد تيودور هرتزل في خطابه الافتتاحي أمام مؤتمر بال 1987 «لدينا كل شيء بغزارة ـ الشعب، العتاد، الخطط، ولا نحتاج سوى إلى المكان...»(4).
وبالطبع المكان بلا سكان. أما طريقة استحواذ المكان وملكيته فقد تناولها تيودور هرتزل بالتوضيح والشرح في كتابه المعروف «الدولة اليهودية». يقول تيودور هرتزل: «يجب علينا استقصاء أحوال البلاد اليهودية الجديدة، وامتلاكها عن طريق اللجوء إلى جميع الوسائل العصرية»... ثم يضيف هرتزل قائلاً: «إن النية الصهيونية عليها الاتجاه نحو نزع الملكية الخاصة بلطف عن الأراضي المعينة لنا» (5).
وهكذا، وفيما يجسد القانون الإسرائيلي الرغبة الصهيونية، تقوم الدولة بضمان حماية القانون وفرضه مستخدمة كل وسائل الإكراه المتوفرة لديها مثل الجيش، حرس الحدود، الاستخبارات، السجون عصابات المستوطنين، أجهزة الإعلام التي تقوم بالترويج لهذه القوانين والدفاع عنها ونشرها وتفسيرها وتبريرها وشرح أساسها الإيديولوجي.
الأساس الإيديولوجي للقانون الإسرائيلي:

تشتمل القوانين الإسرائيلية على ثلاثة عناصر أساسية: الدين، الصهيونية ومبادئ ليبرالية جاءت مع المهاجرين من بلدان أوروبا الغربية بشكل أساسي.
أما القوانين التي تستخدم للتمييز ضد العرب الفلسطينيين، فهي تعتمد على عنصرين أساسيين الدين والصهيونية، أما العنصر الثالث، فهو يستخدم فقط لإعطاء تلك القوانين شكلاً عاماً مغلفاً، تظهر فيه المساواة الشكلية بين الأفراد في الحقوق. ولا تذكر فيه صراحة امتيازات فئة على فئة أخرى. ونلمس هذه المسألة في الصياغة العامة للقوانين الإسرائيلية حيث الصياغة الشمولية والتعابير العامة والتعميم في الأحكام.
أما عنصر الصهيونية في القانون فهو يعتمد أساساً على مفهوم الحق التاريخي القائم على ما ورد في التوراة والتلمود وما شابهها. وهذا بدوره يجعل الدين يلعب الدور الأكبر في تكوين الأساس الإيديولوجي للقانون الإسرائيلي تجاه العرب. ولقد حفلت هذه الكتب بحق الإسرائيليين باحتقار العرب والاستعلاء عليهم وعلى الشعوب الأخرى ومصادرة ممتلكاتهم.
فقد جاء في التلمود، سفر Tractete Kiddushin.68 A «إن الرب يندم لأنه خلق العرب... الشعب الذي يشبه الحمير..» وفي سفر التثنية الاشتراع، هنالك تبرير إيديولوجي واضح كل الوضوح لحق اليهود في التسلط على غيرهم من الشعوب فقد جاء في الفصل 11ـ 20 مايلي «يعلن اليهود السلام على الشعوب المقهورة إذا وافقت على دفع الجزية والعيش كعبيد...» وجاء في سفر الملوك 15ـ 22 مايلي:
«يستطيع سليمان أن يتفق معهم أنه سيصادر نصف ممتلكاتهم أو كل أراضيهم ويترك لهم أملاكهم المنقولة أو أن يأخذ أملاكهم المنقولة، ويترك لهم الأرض...» (6).
الطابع العنصري للقوانين الإسرائيلية:

تكرس القوانين الإسرائيلية المصلحة الأساسية للصهيونية ونظرتها العنصرية تجاه السكان العرب، وموقفها الحقيقي منهم، القائم أساساً على رفض الوجود العربي، وسعيها الدائم لاقتلاع العرب من أرضهم وطردهم ورغبتها في تكريس الوضع الراهن كحقيقة ثابتة.
ومن بين أبرز القوانين التي صدرت لتحقيق تلك الأهداف، قانون الجنسية، قانون العودة. قوانين استملاك الأراضي أوقات الطوارئ، قانون أملاك الغائبين، قوانين الطوارئ، قوانين الحكم العسكري. هذه القوانين تدحض الادعاء بتوفير المساواة التامة للمواطنين أمام القانون، التي وردت في الوثيقة المعروفة باسم بيان تأسيس الدولة عام 1948 والتي جاء فيها: «سوف تتضمن المساواة التامة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لكل السكان، بغض النظر عن الدين والعرق والجنس، وتتضمن حرية الأديان وحرية التعبير وحرية الضمير والتعليم والثقافة» (7).
وهذه القوانين الإسرائيلية مخالفة صريحة للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة، ولقرار التقسيم، فقد جاء في الفصل الأول من الفقرة د. من القرار مايلي: «نضمن لكل الأشخاص حقوق متساوية بدون تمييز في المجالات السياسية والاقتصادية والدينية». ويتمتع الجميع بالحقوق الأساسية للإنسان بما فيها حق الدين واللغة والكلام والنشر الثقافة والمجتمع».
وطالب الفصل الثاني من قرار التقسيم بضمان:
حرية العقيدة، الممارسة الحرة لكل أشكال العبادة، وألا تخضع إلا لاحترام النظام العام والآداب العامة.
لا يجوز التمييز بين السكان على أساس الجنس والعرق واللغة والدين.
احترام العلاقات العائلية، والأحوال الشخصية لكل الأقليات ومصالحها الدينية بما فيها الوقف.
لا يجوز مصادرة الأراضي إلا لأغراض المنفعة العامة حيث يتوجب التعويض التام عنها(8).
ولقد فضح عدد من الكتاب اليهود ذاتهم الطابع العنصري لبعض القوانين الإسرائيلية. ومن بين هؤلاء الكتاب: المؤرخ الإسرائيلي المعروف اهارون كوهين، مؤلف كتاب «إسرائيل والعالم العربي». يقول اهارون كوهين في كتابه المذكور أعلاه إن القوانين الإسرائيلية «تعاقب العرب، ليس بسبب مخالفات ارتكبوها، أو مؤامرات حاكوها، وإنما بسبب مخالفات كان يمكن أن يرتكبوها، أي تعاقبهم بسبب كونهم عرباً (9).
ويصف الدكتور شيرشيفسكي قاعدة استملاك الأراضي قائلاً: «إنها سرقة الأراضي من الناس، السكان الذين يعيشون في الدولة، وهم مواطنون، يوجد فرق واحد بينكم وبينهم، هم عرب وأنتم يهود(10).
ويتحدث الكاتب دون بيرتس في كتابه «إسرائيل والعرب الفلسطينيين» عن حياة العرب الفلسطينيين في ظل قوانين الطوارئ فيقول: «يعيش العرب في هذه المناطق تحت جملة معقدة من الإجراءات القانونية التي تحد من حركتهم، فقد حددت حركتهم داخل وخارج المناطق الأمنية بإشراف الجيش، ويمكن طرد السكان الأصليين ومصادرة ممتلكاتهم، ويمكن نقل قرى بأكملها من منطقة إلى أخرى، والسلطة الأخيرة للنظر بشأن الخروقات والتعديات الناتجة عن قوانين الطوارئ كانت المحاكم العسكرية ذات السلطات الاستثنائية» (11).
ومن جهة أخرى، يتأكد الجوهر العنصري للقانون الإسرائيلي، وتهافت الادعاء بضمان المساواة بين الأفراد أمام القانون، يتأكد كل ذلك عندما نجد أن اللواء بشش شدمي، مدبر مجزرة كفر قاسم في 29/10/1956 الذي أصدر أوامره للجنود بقتل العرب. قائلاً: «الله يرحمهم» «بدون رحمة»، واعترف قرار المحكمة أن الجنود نفذوا أوامر الجنرال شدمي. ورغم ذلك كله فقد وجدت المحكمة الإسرائيلية أن الجنرال المذكور قاتل 49 شخصاً قد ارتكب خطأ تقنياً وحكمت عليه بغرامة قرش إسرائيلي واحد فقط لا غير. أما الجنود الذين نفذوا المهمة فقد صدرت بحقهم أحكام خفضت للمرة الأولى من قبل المحكمة ذاتها، وللمرة الثانية من قبل رئيس الأركان الإسرائيلي وللمرة الثالثة من قبل رئيس الدولة وللمرة الرابعة من قبل لجنة إطلاق سراح المسجونين التي أعفت كل سجين من ثلث المدة المتبقية عليه بعد التخفيضات الثلاث المذكورة أعلاه (12).
محاولة للتفسير النفسي للعنصرية الصهيونية:

كثيرة هي الكتب والدراسات التي ظهرت لدراسة «الشخصية اليهودية الإسرائيلية» وتناولت بالبحث المكونات العامة لهذه الشخصية وهي مزيج من بقايا الغيتو، وروح الاستعلاء على الجنس البشري، أو ما يسمى بعقدة التناقض بين الشعور بالاستعلاء والشعور بالدونية والاضطهاد، تمجيد القوة والعنف والرغبة في الانتقام والحساسية المفرطة للنقد، الروح العدوانية والتوحد في المعتدي... الخ.
ومن بين الدراسات هذه ما كتبه آحاد هاعام تحت عنوان الحقيقة في فلسطين وذلك عام 1891 وأعيد نشر المقالة مرة ثانية في برلين عام 1923. يقول أحاد هاعام عن اليهود في فلسطين «كانوا عبيداً في بلدان الدياسبورا، وفجأة وجدوا أنفسهم وسط حرية بلا حدود، بل وسط حرية بلا رادع، ولا يمكن العثور عليها إلا في تركيا وحدها. ولقد ولد هذا التحول المفاجئ في نفوسهم ميلاً إلى الاستبداد. كما هي الحال حين يصبح العبد المسود سيداً. وهم يعاملون العرب بروح العداء والشراسة فيمتهنون حقوقهم وبصورة معوجة ولا معقولة، ثم يوجهون لهم الإهانات ويفاخرون بتلك الأفعال رغم كل ذلك.. نحن نفكر بأن العرب كلهم من الوحوش الهمج الذين يعيشون كالحيوانات ولا يفقهون ما يدور حولهم»(13).
تشمل القوانين التي صدرت للتمييز ضد أبناء شعبنا العربي الفلسطيني القوانين التالية:
قانون العودة.
قانون الجنسية.
قانون الحكم العسكري.
أنظمة الطوارئ.
قانون أملاك الغائبين.
قانون مصادرة الأراضي للصالح العام.
قانون فلاحة الأراضي المهجورة.
قانون مكافحة الإرهاب.
وسنعمل فيما يلي على دراسة هذه القوانين وتحديد الأهداف التي جاء لخدمتها وتبيان نتائج تطبيق هذه القوانين على حياة أبناء شعبنا المادية والمعنوية.
قانون العودة لعام 1950:

الهدف من هذا القانون هو تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ذلك نظراً للدور الجوهري الذي تلعبه الهجرة في حياة الحركة الصهيونية ومشروعها في فلسطين. يقول ناحوم غولدمان: «إن الحركة الصهيونية ستثبت أو تنهار نتيجة لموضوع الهجرة... إن هذا سيصبح الامتحان التاريخي لسبب وجود الصهيونية وبقائها (14)».
يتحدث دافيد بن غوريون عن أهمية «عودة» اليهود من خلال الهجرة إلى فلسطين فيقول: «إن استمرار قدوم الهجرة اليهودية ليست فقط المهمة المركزية للدولة اليهودية، بل هو التبرير الجوهري لتأسيسها... إن تأسيس دولة إسرائيل كان مجرد المرحلة الأولى في تحقيق رؤيانا للتاريخ، إن تجميع منفيينا هو المطلب الذي يسبق تحقيق حلمنا العظيم.. (15)».
وهكذا كان قانون العودة عنصرياً من ألفه إلى يائه وبكل ما فيه، فهو موجه ليهود «الشتات» في العالم أما العرب الفلسطينيون الذين طردوا من ديارهم فلا ذكر لهم بتاتاً.
أهم ما جاء في قانون العودة الذي وافقت عليه الكنيست بتاريخ 5/7/1950 وعدل عام 1954 (16).
المادة الأولى:

حق الهجرة: لكل يهودي الحق في القدوم إلى البلاد بصفة يهودي مهاجر إلى إسرائيل بقصد التوطن فيها بصورة دائمة.
المادة الثانية:

آ ـ تتم الهجرة إلى إسرائيل بناء على تأشيرة يهودي مهاجر.
ب ـ تمنح تأشيرة يهودي مهاجر لكل يهودي يبدي رغبة في التوطن فيها، وذلك ما لم يكن طالب الهجرة:
ـ يعمل ضد الشعب اليهودي.
ـ أو أنه يعرض الصحة العامة وأمن الدولة للخطر.
المادة الثالثة:

شهادة يهودي مهاجر:
آ ـ لكل يهودي يقدم إلى إسرائيل ويعرب عقب مجيئه عن رغبته في التوطن فيها، يحق له أثناء وجوده في إسرائيل الحصول على شهادة يهودي مهاجر.
ب ـ تسري التحفظات المنصوص عليها في الفقرة ب من المادة الثانية أيضاً بالنسبة لمنح شهادة يهودي مهاجر.
قانون الجنسية لعام 1952:

قدم هذا القانون للمرة الأولى للكنيست في 3/7/1950 وقد قدمت مسودتان الأولى أعدها دافيد بن غوريون وفيها مقدمة تتحدث عن المغزى التاريخي للجنسية، والمسودة الثانية قدمها وزير الداخلية حينئذ موشي شابير (17). أقر القانون في 1/4/1952 ثم تم تعديله في 3/3/1958.
لقد وضع قانون الجنسية ليكرس مفهوم الشعب اليهودي ويشجع الهجرة إلى إسرائيل وقد فضحت منشورات الوكالة اليهودية الجوهر العنصري لهذا القانون، إذ جاء في إحدى نشراتها أن قانون الجنسية:
«هو قانون الشعب اليهودي» الذي يراد تجميعه في أرض إسرائيل أما الذين ليسوا مواطنين بهذا المعنى فيستغنى عنهم وتحدد جنسية هؤلاء فقط بموجب معتقداتهم الدينية (18) وأهم ما جاء في قانون الجنسية الإسرائيلية (19):
ـ تكتسب الجنسية الإسرائيلية بالنسبة لليهود من خلال:
آ ـ العودة، الإقامة في إسرائيل، الولادة، التجنس.
ب ـ تعطى الجنسية لكل يهودي لمجرد وصوله إلى فلسطين.
ج ـ كل يهودي عاد إلى إسرائيل كمهاجر، وولد فيها قبل قيام الدولة.
د ـ كل يهودي عاد كمهاجر منذ تاريخ وصوله.
ـ غير اليهود، ويحصلون على الجنسية من خلال: الإقامة، الولادة، التجنس.
ـ الفلسطيني ويمنح الجنسية إذا كان موجوداً قبل قيام الدولة، وسجل في 1/3/1952 كساكن في ظل التسجيل العام للسكان العام 1949.
ـ إذا كان ساكناً في إسرائيل يوم نفاذ هذا القانون.
ـ إذا كان في إسرائيل أو في منطقة أصبحت مقاطعة إسرائيلية بعد تأسيس الدولة، أو دخل إسرائيل بصورة شرعية...
ـ الولادة، وقصرت فقط على المولودين لأشخاص يحملون الجنسية الإسرائيلية.
ـ وقد اشترط القانون على العرب الفلسطينيين حتى يحصلوا على الجنسية مايلي:
ـ أمضى فيها 3 سنوات أو أكثر أو استقر أو ينوي الاستقرار.
ـ تخلى عن جنسيته السابقة.
ـ يقسم يمين الولاء لدولة إسرائيل.
وقد نصت المادة 18 الفقرة آ من قانون الجنسية على إلغاء الجنسية الفلسطينية المعمول به ما بين 1925 ـ 1942.
وقد عدل القانون بتاريخ 17/5/1971 إذ أصبح بموجب التعديل، يحق لوزير الداخلية أن يمنح الجنسية لكل من يحق له الهجرة بموجب قانون العودة.
وقد عدل القانون ثانية عام 1981، وأعطي وزير الداخلية بموجب تعديل القانون حق إسقاط الجنسية عن أي شخص يعتبر خطراً على الأمن.
موقف القانون الدولي من قانون الجنسية الإسرائيلي:

يعتبر قانون الجنسية الإسرائيلية مخالفة صريحة للقانون الدولي، فقد نصت المبادئ والقوانين الدولية لحقوق الإنسان والقضاء على التمييز على أساس اللون والعرق والدين والجنس. وأكدت المواد رقم 55، 56، 62، 68، 76، من ميثاق الأمم المتحدة على ضرورة التزام كل الدول الأعضاء بالقوانين والمبادئ الدولية لحقوق الإنسان (20).
ومن جهة أخرى استند القانون الدولي لمنح الجنسية على قاعدتين أساسيتين. هما: الدم والأرض. ويقصد بالدم من ولد لأب يحمل الجنسية، أما الأرض فيشترط الإقامة. لكن القانون الإسرائيلي كان انتقائياً، فاليهودي يحصل على الجنسية تلقائياً، أما العربي فتواجهه صعوبات كثيرة للحصول على الجنسية. ومن بين أهم هذه الصعوبات مايلي:
إن القسم الأكبر من العرب الفلسطينيين لم تكن لديهم جوازات سفر، أو بطاقات هوية، والذين لديهم بطاقات هوية أو جوازات سفر صادرت سلطات الانتداب البريطاني قسماً منها، كما صادرت قوات الجيش الإسرائيلي قسماً آخر منها.
ـ تم استثناء عدد كبير من السكان العرب الفلسطينيين من التعداد السكاني بشكل متعمد. وقد أشار إلى هذه الناحية أحد أعضاء الكنيست الإسرائيلي لدى مناقشة قانون الجنسية. كما أشار توفيق طوبي، في كلمته لدى مناقشة تعديل قانون الجنسية إلى أن إسرائيل استطاعت أن تبعد ربع سكان فلسطين وتمنعهم من العودة إلى ديارهم بحجة أنهم غير مسجلين بالتعداد العام للسكان (21).
الجوهر العنصري لقانون الجنسية:

ـ يتطابق قانون الجنسية مع ممارسات النظم العنصرية في جنوب إفريقيا، وروديسيا سابقاً، إزاء السكان الأصليين.
ـ ينبثق القانون من شعور الصهاينة بالتفوق على السكان العرب والرغبة في أن تكون علاقاتهم مع السكان الأصليين في حدها الأدنى.
ـ ينبثق القانون من شعور المستوطن الصهيوني بالقدرة على استغلال السكان العرب كأيدي عاملة رخيصة.
قوانين الحكم العسكري

إن صلاحيات الحكم العسكري وآليته وقوانينه هي استمرار لقوانين الطوارئ التي طبقتها سلطات الانتداب البريطاني على أبناء شعبنا العربي الفلسطيني إبان الحرب العالمية الثانية. وبعد قيام الكيان الصهيوني فرض الحكم العسكري قوانين الطوارئ لعام 1949 على العرب في الجليل والمثلث والنقب استناداً إلى قوانين الطوارئ الانتدابية لعام 1945 والتي توسعت السلطات الصهيونية في تطبيق بعض بنودها.
وأبرز سمات قوانين الطوارئ:
أنه لا توجد هناك أية إمكانيات للاستئناف ضد قرارات القائد العسكري ولا توجد أية إمكانية للتوجه لمحكمة العدل العليا.
حرية الحكم العسكري في نفي أي شخص، نفياً داخلياً أو خارجياً في أية لحظة.
حرية الحكم العسكري باعتقال أي شخص بدون قراراتها ولمدة تتجدد تلقائياً حسب رغبة الحاكم العسكري، سواء أكان هذا الاعتقال في السجن أو تحت الإقامة الجبرية.
والجدير بالذكر أن مؤتمر المحامين العبريين المنعقد في فلسطين بتاريخ 7/2/1946 علق على قوانين الحكم العسكري على النحو التالي:
إن الصلاحيات التي منحت للسلطات العسكرية حسب قوانين الطوارئ تسلب المواطن الحقوق الأساسية للإنسان.
إن هذه القوانين تهدم القانون العام والقضاء وتشكل خطراً على حرية الفرد وحياته وتقيم نظام العنف دون أي رقابة قضائية.
يطالب المؤتمر بإلغاء هذه القوانين (22).
والمفارقة الكبيرة، أن بن غوريون بعد أن انتهى من تلقي التهاني بعد قراءة وثيقة تأسيس الدولة التي أقرها مجلس الدولة المؤقت، بدأ مباشرة بدراسة قوانين الحكم العسكري، وأقر تنفيذ تطبيق الفقرات من 108 حتى الفقرة 125 لتفرض على العرب (23).

يتألف قانون الحكم العسكري، الذي يعرف أيضاً باسم قوانين الدفاع، في صيغته الأصلية من 170 فقرة، مقسمة إلى 15 فصلاً، تبحث في شؤون الرقابة، وتحديد حرية التنقل، حرية الكلام والصحافة، الإشراف على وسائل النقل واستعمال الأسلحة، ويتعرض المخالف لهذه القوانين للاعتقال ويحاكم أمام محاكم عسكرية. وبموجب هذه القوانين عين حكام عسكريون للمناطق.
وأهم ما جاء في فقرات قوانين الحكم العسكري التي فرضت على العرب مايلي: (24)
الفقرة (109):

من حق القائد العسكري أن يصدر أمراً بحق أي شخص، لتحقيق كل الأهداف التالية أو قسم منها:
لكي يضمن أن ذلك الشخص لن يوجد في أي منطقة في إسرائيل تحدد كما هو مذكور أعلاه، إلا إذا سمح له بناء على أمر من قبل السلطة أو الشخص اللذين يذكراه في الأمر.
يطلب منه أن يخبر عن تنقلاته بالصورة أو الوقت أو التسلسل المحدد أو شخصاً محدداً يذكره الأمر.
منع ذلك الشخص من الاحتفاظ بأشياء تذكر بالأمر.
فرض قيود محددة على الشخص فيما يتعلق بالعمل والسكن والتعامل مع الناس يجري تحديدها بالأمر.
الفقرة (110):

من حق القائد العسكري أن يصدر أمراً يقضي أنه على أي إنسان أن يكون تحت رقابة الشرطة خلال فترة لا تتجاوز السنة.
كل شخص موجود تحت رقابة الشرطة كما هو منصوص عليه أعلاه، يكون خاضعاً للقيود التالية أو جزء منها:
ـ يسكن في المنطقة التي يحددها الأمر العسكري.
ـ لا يسمح له بتغيير مكان السكن بدون تصريح خطي.
ـ لا يغادر المدينة أو القرية أو اللواء بدون تصريح خطي.
ـ يكون ملزماً في أي وقت يطلب منه الحضور إلى أقرب مخفر للبوليس.
ـ أن يبقى داخل بيته بعد الغروب بساعة حتى شروق الشمس.
الفقرة (111):

من سلطة القائد العسكري أن يصدر أمراً باعتقال أي شخص، في أي معتقل يذكره القائد العسكري بالأمر (بموجب هذه الفقرة التي لم تحدد مدة الاعتقال، وبدون محاكمة يحق للقائد العسكري اعتقال أي شخص مدى الحياة). وقد توسعت السلطات الصهيونية في تطبيق هذه المادة بشكل خاص ضد الوطنيين العرب.
الفقرة (112):

يحق للقائد العسكري نفي أو طرد أي إنسان خارج البلاد أو منعه من العودة إليها.
الفقرة (119):

تصادر أو تهدم أملاك أي إنسان إذا أطلق رصاصاً أو ألقى قنبلة على الجيش أو الشرطة.
الفقرة (124):

يحق للحاكم العسكري فرض منع التجول الجزئي ‎أو الشامل على منطقة يحددها الأمر العسكري، وبموجب هذا القانون فرض الحكم العسكري منع التجول الليلي على قرى المثلث بأكملها مدة 14 سنة منذ 1948 وحتى 1962.
الفقرة (125):

يسمح للقائد العسكري أن يعلن، وبأمر يصدر عنه، أن أية منطقة أو مكان هي منطقة مغلقة لأغراض تتعلق بهذه القوانين، وكل إنسان يدخل أو يخرج منها خلال فترة يكون فيها هذا الأمر نافذ المفعول بالنسبة لتلك المنطقة أو المكان بدون تصريح خطي صادر عن القائد العسكري أو من قبل من ينوب عنه يتهم بمخالفة القانون.
ولقد استغلت هذه الفقرة لمنع الفلاحين العرب من الخروج لفلاحة أراضيهم وذلك لتسهيل مهمة مصادرتها تحت ذريعة أنها أراض مهجورة. واستغل أيضاً للتضييق على السكان العرب ومنعهم من ممارسة حياتهم الطبيعية ومتابعة أعمالهم.
وتعتبر الفقرة (125) من أهم فقرات الحكم العسكري. يقول شمعون بيريس «إن استعمال البند 125، الذي يقوم عليه إلى حد كبير الحكم العسكري، هو استمرار مباشر للنضال من أجل الاستيطان اليهودي والهجرة اليهودية.» (25) وأما ديفيد بن غوريون فيقول «إن الحكم العسكري جاء ليدافع عن حق الاستيطان اليهودي في جميع أنحاء الدولة». ولقد اعتبر صموئيل سيجيف، محرر عسكري سابق في صحيفة معاريف، وضابط استخبارات سابقاً اعتبر أن إلغاء الفقرة 125، يعني عملياً إلغاء القوة القانونية لإغلاق مناطق، وهذا أهم ما جاء الحكم العسكري من أجله (26).
وتحت قانون الحكم العسكري يتعرض العرب لانتهاك الحقوق الأساسية للإنسان والتمييز العنصري، ولقد ذكرنا سابقاً ما قاله دون بيرتس في هذا المجال. ولم يكن دون بيرتس وحيداً إذ نشرت صحيفة لمرحاف الناطقة باسم أحدوت هاعفودا، بياناً بتاريخ 25/8/1958 وقعه عدد كبير من المثقفين والفنانين والشعراء طالب بإلغاء الحكم العسكري. وقد جاء في البيان «إن حوالي مئتي ألف مواطن في دولة إسرائيل ينتمون إلى دين وقومية أخرى، لا يتمتعون بحقوق المساواة ويعانون وضعاً من التمييز والاضطهاد. إن الأغلبية الساحقة من العرب في إسرائيل تعيش تحت نظام الحكم العسكري الذي يسلبهم الحقوق الأساسية للمواطن. إنهم محرومون من حرية التنقل والسكن، ولا يقبلون كأعضاء متساوي الحقوق والواجبات». إن كل أسلوب حياتهم متعلق برغبات الحاكم العسكري ومساعديه» (27).
وقال يعقوب حزان، عضو الكنيست الإسرائيلي من حزب المابام، قال في كلمته أمام الكنيست أن الحكم العسكري «يعمل على عزل المواطنين العرب بواسطة التمييز ضدهم في مختلف مجالات الحياة وتحويلهم عملياً إلى مواطنين من الدرجة الثانية» (28).
قوانين مصادرة الأراضي:

وتشمل مجموعة من القوانين التي وجدت خصيصاً لمصادرة الأراضي العربية لبناء المستوطنات عليها، ومن أهم هذه القوانين:
قانون مناطق الأمن لعام 1949:

بموجب هذا القانون حددت المناطق المقصودة على شكل شريط عرضه 10 كم في الحدود الشمالية و25 كم في الحدود الجنوبية، وقد جاء في الفقرة آ من المادة الثامنة أنه من حق السلطة المختصة أن تأمر ساكناً ثابتاً في منطقة أن يخرج من منطقة الأمن هذه، ويكون ذلك الساكن مجبراً على الخروج خلال 14 يوماً من تاريخ تبليغه.
وقالت المادة رقم 10 أن باستطاعة الشخص الذي يطلب منه الخروج الاستئناف خلال 4 أيام، وإذا صادقت لجنة الاستئناف على قرار الخروج فعليه مغادرة المكان خلال 5 أيام فقط (29).
وقد استغل هذا القانون لطرد سكان القرى العربية على الحدود اللبنانية ومن هؤلاء سكان قريتي كفر برعم وأقرت. ودمرت هاتان القريتان وطرد سكان قرية الخصاص، في الجليل الأعلى بالقرب من الحدود السورية.
ونتيجة لهذا القانون، دمرت عشرات القرى العربية، ومنع سكانها من العودة إليها، وأقيمت المستوطنات وبلدات التطوير فيما بعد مكانها، ولا زال سكان قريتي كفر برعم وأقرت يطالبون بالعودة إلى أراضيهم حتى يومناً هذا وسلطات الكيان الصهيوني ترفض طلباتهم.
قانون استملاك الأراضي لصالح العام: (30)

استخدمت إسرائيل هذا القانون البريطاني الذي أصدره المندوب السامي هارولد مكمايكل ونشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 10/11/1943، وأهم ما جاء في القانون:
آ ـ أجاز القانون للمندوب السامي أن يقوم بالأعمال التالية إذا اقتنع أن ذلك ضرورياً أو ملائماً لأية غاية عامة.
أن يستملك أي جزء من أية قطعة أرض استملاكاً مطلقاً.
أن يملك حق التصرف بتلك الأرض واستعمالها لمدة محدودة من الزمن.
أن يستملك أي حق من حقوق الارتفاق في تلك الأراضي أو عليها أو أي حق من الحقوق الأخرى فيها أو عليها.
أن يفرض أي حق من حقوق الارتفاق على تلك الأرض.
ب ـ أعطى القانون المندوب السامي ومستخدميه وعماله حق القيام بجميع الأمور التالية:
أن يدخلوا أية أرض ويقوموا بمسحها.
أن يحفروا تربتها أو ينقبوها.
أن يقوموا بجميع الأعمال الأخرى الضرورية للتأكد من صلاحية الأرض لتلك الغاية وللتحقق من قيمة الأرض والأبنية المنشأة عليها والأشجار المغروسة فيها.
أن ينظفوا الأرض المنوي استملاكها وأن يخططوا أو يعلموا حدودها، وأن يقوموا بالأشغال التي يراد القيام بها علناً، ولا يجوز لمن يشغل هذه الأرض الممانعة إذا كان قد مضى أسبوع على تبليغه إشعاراً بذلك.
ج ـ تبدأ إجراءات الاستملاك بعرض إعلان عام برغبة المندوب السامي في استملاك الأرض.
د ـ تعتبر أية غاية عامة، إذا شهد المندوب السامي كذلك.
هـ ـ يحق للمندوب السامي أن يأمر الأشخاص الذين يدعون أية حقوق أو منفعة في الأرض المراد استملاكها أن يرفعوا أيديهم بموجب هذا القانون.
و ـ بموجب هذا القانون، يعتبر المالكون المسجلون أو واضعو اليد كمالكين، إن لم تكن الأرض مسجلة.
ن ـ إذا كانت الأرض المستملكة لغايات توسيع الطرق، أو إنشاء ساحات وما شابه لا يجوز لصاحب الأرض المطالبة بالتعويض إلا إذا كانت مساحة الأرض المستملكة تزيد عن 4/1 مساحة الأرض.
ولقد استغلت السلطات الإسرائيلية هذه القوانين بأشكال عدة، فمن جهة استغلتها المجالس البلدية والقروية اليهودية التي قامت إبان الانتداب البريطاني لاستملاك آلاف الدونمات لإقامة المستوطنات وبناء المساكن.
ومن جهة أخرى استغلت هذه القوانين لمصادرة آلاف الدونمات لأغراض الاستيطان اليهودي وإقامة المشاريع الصناعية والزراعية لتشغيل المستوطنين الجدد.

ففي منطقة الناصرة العربية استملكت قطعة أرض مساحتها 1200 دونم عام 1956. لإقامة الناصرة العليا. واستملكت قطعة أرض مساحتها 30000 دونم في سهل البطوف، وهذه الأراضي تابعة لقريتي عرابة وسخنين لإقامة أبنية ومكاتب حكومية.
وفي عام 1963 استملكت قطعة أرض مساحتها 5500 دونم من دير الأسد والبصة ونحف لإقامة مدينة كرمئيل عليها (31).
قانون استملاك الأراضي ساعة الطوارئ
لعام 1949:


أقرت الكنيست هذا القانون بتاريخ 14/11/1949.
ويتألف من 32 مادة مقسمة إلى 6 فصول ومن ملحق خاص بالمواد 8 و9 و10 مؤلف من سبع فقرات.
الفصل الأول: أحكام عامة

المادة الأولى: الأرض وتشمل أي نوع من أنواع الأملاك الخاصة ـ بناء شجرة أو أي شيء ثابت على الأرض أو أي آلة أو جرار، ويشمل ذلك أيضاً أي جزء من البحر أو الشاطئ أو النهر أو أي مصلحة في الماء أو البر.
البناء: ويشمل أي بناء كان دائماً أو مؤقتاً مثباً على الأرض.
أوقات الطوارئ : تعني مدة تعينها الحكومة أو أن حاجة الطوارئ لا زالت موجودة.
المادة الثانية : تعين الحكومة السلطات المختصة بفرض تنفيذ هذا القانون.
المادة الثالثة : لا يجوز لهذه السلطة استملاك أرض إلا في أوقات الطوارئ.
ـ لا يحق لهذه السلطة اتخاذ قرار الاستملاك إلا إذا اقتنعت بأن ذلك من ضرورات الأمن العام وأمن الدولة، واستمرار التموينات الأساسية، أو الخدمات العامة الأساسية استيعاب المهاجرين، إسكان الجنود المسرحين أو مصابي الحرب.
الفصل الثاني: استملاك الأرض

ـ يحق للسلطة المشكلة بموجب قانون استملاك الأراضي أن تصدر أمراً باستملاك الأرض.
ـ تستولي السلطة على الأرض بموجب قانون الاستملاك، طالما كان القانون نافذاً. ولا يحق لأحد غيرها العمل أو إشعال الأرض سواء كان ذلك مباشرة أو من خلال أشخاص آخرين.
ـ لا يجوز إشغال الأرض موضوع الاستملاك أكثر من 3 سنوات. وبعد انقضاء هذه المدة بستة أشهر ينتهي مفعول القانون بشكل آلي.ـ يحق للسلطة المختصة أن تستملك أرضاً بموجب أمر الاستملاك، ويحق لها طوال نفاذ مفعول الأمر أن تشغل الأرض وتستخدمها بنفسها أو بواسطة أشخاص آخرين حسبما تقتضي الغاية التي صدر أمر الاستهلاك من أجلها.
ـ يحق للسلطة المعينة بموجب قانون الاستملاك أن تأمر صاحب منزل أن يخلي منزله ويسلمه للشخص الذي يعنيه الأمر سواء كان ذلك لأغراض السكن أو لأي استعمال آخر وبعد صدور هذا القانون لا يحق لأحد دخول البيت إلا ساكنه الجديد (32).
قانون استملاك الأراضي لعام 1953

أقرت الكنيست هذا القانون في 4/3/1953 وأهم ما جاء فيه:
ـ الملكية: تعني الأرض، والملكية المكتسبة تعني تلك الأرض التي هي بحوزة هيئة التطوير التي أنشئت بموجب قانون تلك الملكية لعام 1950.
ـ إن تاريخ الاستحواذ يعني التاريخ الذي آلت فيه الملكية إلى هيئة التطوير.
ـ إن المالكين فيما يتعلق بالملكية المكتسبة تعني الأشخاص الذين كانوا قبل تاريخ الاستحواذ مباشرة ملاكين لمثل هذه الملكية أو لهم مصلحة أو حق بها، ويشمل ذلك من يخلفهم قانونياً.
ـ إن الملكية التي يشهد بها الوزير المختص بموجب شهادة تصدر عنه هي:
الأرض التي لم تكن في الأول من نيسان 1952 بحوزة مالكيها.
الأرض التي استخدمت لأغراض تطوير ضروري أو لأغراض استيطان أو من خلال الفترة ما بين 14/5/1984 و6/4/1952.
الأرض التي لا تزال مطلوبة لتحقيق أي من هذه الأغراض.
كل هذه الأراضي يجب أن تؤول إلى هيئة التطوير وتعفى من أية ضريبة ويجوز لهيئة التطوير عندئذ الإعلان عن ملكيتها وفقاً لذلك. وتسجل هذه الأملاك باسم هيئة التطوير، ولا يؤثر عدم تسجيلها على شرعية الاستملاك.
وقد أعطى هذا القانون صلاحية لوزير المالية لنقل ملكية الأراضي التي تم الاستيلاء عليها حسب القوانين السابقة إلى دولة إسرائيل عن طريق هيئة التطوير. ولتصفية مشكلة استملاك الأراضي العربية بصورة نهائية وإزالة العقبات التي كانت تعترض وستعترض طريق الاستيلاء على الأراضي العربية.
ولقد علق وزير المالية الإسرائيلي على القانون بعد صدوره، «إن الهدف من القانون هو إضفاء الشرعية على أعمال معينة تمت خلال الحرب وبعدها».
ونتج عن تطبيق قانون استملاك الأراضي ساحة الطوارئ، وقانون استملاك الأراضي لعام 1943، وكذلك قانون المناطق الأمنية المغلقة تدمير 418 قرية عربية منها:
صفورية، لوبية، الغبسية، عمقا، المجيدل، المنصوره، ميعار، البروة، الدعواق، الرويس، كويكات،...الخ.
طرد السكان من قراهم ونقلهم بشكل إجباري، ومن هذه القرى: إخلاء قرية أقرت في 5/11/1948.
إخلاء قرية كفر برعم في 5/11/1948.
إخلاء قرية عنان في 4/2/1949.
طرد 700 لاجئ من قرية كفر ياسيف جاؤوا من القرى المجاورة، وتم طرد هؤلاء إلى خطوط الجبهة الأردنية.
في 5/6/1949 طوق الجيش والشرطة 3 قرى مربية، هي حسام، قطينة، والجاعونة وطرد سكانها إلى منطقة صفد.
في 24/1/1950 طرد سكان قرية العبسية، أوائل آذار 1950 طرد سكان قرية بطاط.
7/7/1950 نقل فئة من سكان قرية أبو غوش إلى أماكن مجهولة.
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 06-28-2012, 06:51 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,419
افتراضي

17/8/1950 تسلم سكان المجدل أمراً بطردهم وتمت عملية باتجاه قطاع غزة خلال 3 أسابيع.
أوائل شباط 1951 طرد سكان 13 قرية عربية في وادي عارة خارج الحدود.
17/11/1951 طوقت كتيبة عسكرية قرية اليوبشات قرب أم الفحم، وطردت السكان من البيوت ونسفتها.
أيلول 1953 طرد سكان أم الفرج قرب نهاريا.
تشرين الأول 1953 طردت 7 عائلات من قرية الريحانية.
30/10/1956 أجبر سكان قريتي كراد البقارة وكراد الفنالة على عبور الحدود مع سوريا (33).
قوانين زراعة الأراضي المهجورة

وتشمل على مجموعة قوانين من أشهرها:
قانون الأماكن المهجورة الصادر في 30/6/1948:
وأهم ما جاء في القانون:
أن المنطقة المهجورة تعني منطقة أو مكاناً استولى عليه أو استسلم للقوات المسلحة أو هجره سكانه كلياً أو جزئياً وأعلن عنه أنه منطقة مهجورة.
ـ الأملاك: وتعني الأملاك المنقولة وغير المنقولة وتتضمن الحيوانات والمحاصيل والفواكه والخضار أو أي منتوجات أخرى أو مصانع وورشات وآلات، بضائع، مواد إعاشة من أي نوع.
ـ الحق في امتلاك كافة الأملاك المنقولة وغير المنقولة من أي نوع.
ـ الأملاك المهجورة وتعني تلك التي هجرها أصحابها.
يحق للحكومة أن تعلن أن منطقة ما استولى عليها الجيش واستسلمت للجيش هي منطقة مهجورة وبموجب هذا الإعلان تصبح هذه المنطقة خاضعة لهذا القانون.
ـ لتحقيق أغراض هذا القانون يحق للحكومة أن تخضع أي منطقة مهجورة أو جزءاً منها لأحكام هذا القانون وذلك بهدف حماية حقوق العبادة والحقوق المدنية الأخرى للسكان، ما دام لا يتعارض ذلك مع الأمن العام والنظام، ويحق للحكومة تخويل رئيس الوزراء أو أي وزير تراه مناسباً إصدار التشريعات التي يراها مناسبة للدفاع عن الدولة والأمن العام وتقديم الخدمات الأساسية للسجون والمناطق المغلقة وأماكن الاعتقال وتحديد الملكية، ومصادرة الأملاك المنقولة وغير المنقولة في أي منطقة مهجورة (34).
قانون زراعة الأراضي المهجورة لعام 1949

وافقت الكنيست على هذا القانون بتاريخ 7/1/1949 وأهم ما جاء فيه:
المادة الثالثة: يمكن أن يحذر وزير الزراعة أصحاب الأراضي المتروكة /البور/ لزراعتها. ويكون الأمر كتابياً وموقعاً من الوزير ويبلغ لصاحب الأرض أو يعلق على باب مسكنه. ويحق لصاحب الأرض خلال 4 أيام أن يقدم طلباً إلى وزير الزراعة إعلامه أن الأرض قد فلحت.
وإذا لم يقتنع وزير الزراعية أن صاحب الأرض قد باشر في فلاحة الأرض وسيباشر أو سيستمر يمكنه مصادرة الأرض لمدة خمس سنوات.
يمكن للوزير فلاحة الأرض بنفسه من خلال عمال يستأجرهم أو تسليم الأرض لشخص آخر يعمل وزير المالية كوصي على الأرض المصادرة.
يحق لوزير الزراعة استعمال الأدوات الموجودة في الأرض في عملية الزراعة.
ملاحظة تفسيرية:

نتج عن ظروف الحرب أن أصبحت بعض الأراضي المهجورة من قبل ملاكها وفلاحيها مهملة والمزروعات مهملة بدون عناية، ومصادر المياه لا تستغل، من ناحية أخرى أن من مصلحة الدولة الاستمرار في الإنتاج الزراعي وتوسيعه بأقصى حد ممكن والحيلولة دون تدني الزراعة، لذلك من الضروري أن تكون لدى وزير الزراعة سلطات طوارئ (35).
وقد لجأت السلطات الإسرائيلية إلى طريقة باتت معروفة جداً. من جهة يعلن القائد العسكري أن منطقة ما أصبحت منطقة مغلقة يمنع أصحابها من الدخول إليها والاقتراب منها. وبالتالي تتحول هذه المنطقة إلى منطقة مهجورة، ومن جهة أخرى يعلن وزير الزراعة أن هذه الأرض أصبحت مهجورة ويعلن مصادرتها.
وبهذا الشكل صودر 136 ألف دونم في الجليل والمثلث. والنقب لإقامة المستوطنات الصهيونية عليها، أو لضمها للمجالس الإقليمية للمستوطنات أو لزراعتها من قبل المستوطنين الصهاينة.
قانون تركيز الأراضي الزراعية لعام 1960

يتحدث موشي ديان عن هذا القانون فيقول:
«إن الهدف هو منع عودة اللاجئين، وذلك بإجبار العرب في إسرائيل على استبدال أراضيهم بأراض تابعة للاجئين وموجودة في يد الحكومة، بحيث تستطيع إسرائيل أن تدعي فيما بعد أن أراضي اللاجئين موجودة في أيدي عرب إسرائيل ولا يمكن إعادتهم إليها، وهدف آخر هو خلق نزاعات بين العائلات العربية (36).
قانون التقادم «مرور الوقت» لعام 1958

يعتمد هذا القانون على القانون العثماني للأراضي لعام 1858 وقانون الانتداب البريطاني لعام 1928.
وقد فصل القانونان العثماني والبريطاني على أنه كل من يسيطر على أرض ويستغلها عشر سنوات متتالية يحق له في نهاية هذه السنوات العشرة أن يطلب تسجيل هذه الأراضي باسمه في ملفات دائرة التسجيل.
أما القانون الإسرائيلي فقد اشترط أن يكون استعمال الأرض موضوع البحث، قد بدأ منذ 1/3/1943 واعتبر القانون السنوات الخمس الأولى غير محسوبة وطالب بإثبات استمرار استعمال الأرض لمدة خمس عشرة سنة متتالية. بدون انقطاع.
والواضح أن هذا القانون استهدف استملاك آلاف الدونمات من أراضي الجليل التي لم تكن مسجلة في دائرة السجل العقاري. وقد بلغت مساحة الأراضي التي صودرت بموجب هذا القانون 905 ألف دونم(37).
قانون أملاك الغائبين لعام 1950

وافقت الكنيست على هذا القانون بتاريخ 14/3/1950 ونشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 20/3/1950. وقبل صدور القانون شكلت الهاجانا، في آذار 1948 لجنة الأملاك العربية في القرى التي غادر بعض أبنائها أماكن سكناهم. وبعد احتلال حيفا عام 1948 عين قيم على أملاك العرب في الشمال، ونفس الشيء حدث في مدينة يافا، وفي تموز 1948 عين قيم عام على أملاك الغائبين أما القيم الرئيسي على أملاك الغائبين في الكيان الصهيوني فهو وزير المالية.
وقد ظهر قانون أملاك الغائبين على شكل قوانين الطوارئ حول أملاك الغائبين عام 1949 ووضعها وزير المالية الإسرائيلي لأول مرة بتاريخ 12/12/1948 ثم جددت فعاليتها المرة تلو الأخرى(38).
وقد جاء هذا القانون تجسيداً صريحاً للشعار الصهيوني المعروف، احتلال الأرض، وقد استندت إليه سلطات العدو الصهيوني لمصادرة الجزء الأكبر من أملاك المواطنين العرب الذين لم يغادروا فلسطين بالإضافة إلى مصادرة أملاك العرب الذين غادروها وكذلك أملاك الوقف الإسلامي بأكملها، علماً أن مساحة أملاك الوقف الإسلامي وحدها تقدر بـ1 /16 من مساحة فلسطين.
ووصف توفيق طوبي قوانين أملاك الغائبين: «إن هذا القانون تعبير عن التمييز ضد السكان العرب... إن الوظيفة الحقيقية لهذا القانون هي أن ينهب وينهب أكثر فأكثر» (39).
ولم يقتصر تطبيق القانون على الأراضي الزراعية بل شمل كل الأملاك المنقولة وغير المنقولة، وطبقته سلطات العدو على سكان المدن من العرب والفلسطينيين بشكل أثار دهشة عدد من الكتاب اليهود أنفسهم.
لنرى كيف طبقت السلطات الصهيونية قانون أملاك الغائبين في مدينة عكا، كما ورد ذلك في مقالة كتبها الكاتب اليهودي دون بيرتس. يقول الكاتب: «كل عربي غادر مدينته أو قريته بعد 29/11/1947 يمكن أن يصنف بموجب هذه القوانين كغائب، لكن كل العرب في مدينة عكا يملكون أراض في مدينة عكا الجديدة، ولو أن بعضهم لم يسافر حتى مئات من الأمتار، بل سوى أمتار قليلة جداً عن المدينة القديمة اعتبر هؤلاء غائبين، ولقد صودرت أملاك 30 ألف عربي واعتبروا غائبين لأن هؤلاء تنقلوا من مكان لآخر، رغم أنهم لم يغادروا البلاد (40).
أما في المدن المختلطة فقد طبقت إسرائيل قانون أملاك الغائبين بصورة مختلفة بعض الشيء والهدف طبعاً هو تحقيق القدر الأكبر من النهب. لنسمع ما يقول أهارون كوهين عن تطبيق القانون في المدن المختلطة. «بما أن قانون أملاك الغائبين طبق أيضاً على أملاك العرب في المدن المختلطة، حيث اضطر أكثر السكان العرب إلى تغيير أماكن سكنهم فإن معنى هذا عملياً هو أن ملكاً عربياً يوجد في المدن يعتبر من أملاك الغائبين إلا إذا أثبت صاحبه العكس.
وفي الحالات التي يضطر فيها عربي للانتقال من حي إلى آخر، عليه أن يدفع للقيم على أملاك الغائبين أجرة الدار التي يسكنها في الحي الذي انتقل إليه، والتي استولى عليها القيم من أملاك عرب آخرين، بينما لا ينال العربي أي شيء من أجرة داره السابقة التي قد يدفعها عرب آخرون للقيم أيضاً أجرة، وهذه الحالات ليست قليلة أبداً»(41). وتقدر الأملاك التي صودرت بموجب قانون أملاك الغائبين.
ـ 3.25 مليون دونم أراض زراعية، بما فيها أراضي الوقف الإسلامي.
ـ 25416 بناء في المدن وتضم 57479 شقة سكنية و10729 محلاً للتجارة والصناعة.
ـ في المثلث طبق قانون أملاك الغائبين على المنطقة التي مرت منها حدود الهدنة التي نصت صراحة على ضرورة التزام إسرائيل بالمحافظة على حقوق هؤلاء الناس وقد طبق القانون أيضاً على أراضي القرى العربية المجاورة للحدود السورية واللبنانية والتي أخضعت لقانون المناطق الأمنية(42).
ـ أهم ما جاء في قانون أملاك الغائبين:
المادة الأولى: أحكام عامة

الأملاك وتعني الأملاك المنقولة النقود، حقوق الارتفاق، أو الانتفاع في الأملاك.
الغائبون. كل شخص كان غائباً في الفترة ما بين 29/11/1947 ويوم نشر هذا القانون، بموجب الفقرة التاسعة من قانون الأراضي لعام 1948 والتي جاء فيها أن حالة الطوارئ قد أعلنت من قبل مجلس الدولة المؤقت في 19/5/1948 وكل شخص لم يعد موجوداً سواء كان له أملاك في إسرائيل أم لا.
ـ ويعتبر غائباً كل مواطن من مواطني الدولة التالية: لبنان، مصر، سورية العربية السعودية، شرق الأردن، اليمن.
ـ كل شخص كان في أي من هذه الدول أو في أي جزء من فلسطين خارج إسرائيل. (*)
ـ أي فلسطيني ترك مكان إقامته للعيش خارج فلسطين منذ 1/9/1949 إلى مكان من فلسطين تسيطر عليه قوات حاولت منع إقامة دولة إسرائيل أو حاربت ضد إنشائها.**
ـ أية هيئة اعتبارية كانت في الفترة المحددة في الفقرة آ تملك أراض داخل منطقة إسرائيل سواء مباشرة أو من خلال شخص ثالث إذا كان كل الأفراد، أو الشركاء أو أصحاب الأسهم أو المدراء أو الإدارة غائبين بموجب الفقرة (آ) أو إذا كانت الإدارة يسيطر عليها أناس غائبون بموجب الفقرة آ أو إذا كان رأس المال بأيدي أناس غائبين بموجب الفقرة آ.
المادة الثانية:

يعين وزير المالية بموجب أمر ينشر في الجريدة الرسمية، قيماً أو مجلس قيمين على أملاك الغائبين.
المادة الثالثة:

يعين القيم مفتشين على أملاك الغائبين وتشمل هذه الأملاك.
ـ كل أملاك الغائبين الموجودة تحت تصرف القيمين منذ تاريخ نشر القانون أو منذ أن أصبحت أملاك غائبين.
ـ كل حقوق الغائبين تنقل آلياً إلى القيم.
ـ كل من يستعمل أو يشغل أملاك الغائبين عليه أن يسلمها إلى القيم (استغلت هذه الفترة لمنع أقارب اللاجئين من استغلال الأراضي).
ـ كل شخص مدين لغائب عليه أن يدفع هذا الدين أو أن يصرح عنه.
ـ إذا وجد بعض القصر التابعين لشخص غائب، يمكن للقيم، إذا وجد ذلك مناسباً أن يخصص لهم بعض مصادر العيش بما لا يزيد عن 50 ليرة في الشهر للفرد الواحد.
المادة الحادية عشرة:

إذا شيد بناء على الأملاك المكتسبة بدون رخصة من القيم، توقف أعمال البناء أو يهدم البناء كلياً ويغرم الفاعل بدفع تكاليف تنفيذ القانون.
المادة الثالثة والعشرين:

تلغى كل عمليات نقل الملكية أو بيع العقارات أو جزء منها أو الأسهم أو الحصص التي يملكها غائبون وعمليات تحويل قيمة الأسهم إذا كان أصحابها مقيمين خارج إسرائيل.
المادة السابعة والعشرين: إثبات أنه غير غائب:

إذا اتضح للقيم أن شخصاً ما ينطبق عليه مواصفات الغائب بموجب المادة 1 الفقرة ب وقد ترك أرضه خوفاً من أن يلحق به أعداء إسرائيل ضرراً أو خوفاً من العمليات العسكرية يمكن للقيم أن يعطيه شهادة غير غائب وأن يعيد له أملاكه وتصبح الشهادة نافذة المفعول منذ تاريخ إصدارها *.
المادة الثامنة والعشرين:

ـ يستطيع القيم أن يقرر أن فرداً أو جماعة هم غائبون، ولا يطلب لذلك سوى شهادة المختار أو تقرير من متعاون. (** )
ـ لا يجوز التحقيق مع القيم حول مصادر العلامات التي جعلته يصدر قراراً حسب هذا القانون كل صفقة جرت بصورة عفوية بين القيم وبين إنسان آخر فيما يتعلق بملك ظنه القيم ساعة إجراء الصفقة ملكاً غائباً، لا تعتبر باطلة، وتبقى نافذة المفعول بعد أن يثبت المالك أنه لم يكن غائباً.
المادة التاسعة والعشرين:

إذا ادعى القيم أن شخصاً ما هو غائب يعتبر ذلك الشخص غائباً ما لم يثبت العكس وتعتبر أملاكه أملاك غائب.
ـ إن شهادة وزير الدفاع أن منطقة ما في فلسطين كانت في وقت من الأوقات في أيدي قوات حاولت منع إقامة دولة إسرائيل أو حاربت ضدها تعتبر إثباتاً قانونياً.
ـ إن أية وثيقة صدقها القيم وأدخلت في مكتبه أو ملفاته أو في وثائق أخرى تعتبر مستنداً رسمياً في المحاكم والإجراءات القانونية وما جاء فيها لا يقبل المساءلة.
ـ ليس للقيم أو مفتشيه أو موظفيه أن يبرزوا أثناء أية محاكمة أي كتاب أو وثيقة، وليس لهم أن يؤيدوا أو ينفوا أية قضايا إلا بموجب أمر من المحكمة.
ـ لا ينظر في الادعاء القائل أن شخصاً ما ليس غائباً بموجب المادة 1 الفقرة ب بحجة أنه غير مسؤول عن سبب تركه أرضه أو مكان سكنه.
(تنطبق هذه الفقرة على آلاف الأشخاص الذين طردوا من أرضهم أثناء العمليات العسكرية أو بعدها أو بموجب قوانين الطوارئ وقوانين الحكم العسكري...الخ) (43).
وهكذا لم تكتف السلطات الصهيونية بهدم 350 قرية عربية والاستيلاء على أراضيها بعد تشريد سكانها منها عام 1948، فعملت من خلال قوانين الأراضي التي استحدثتها وطبقتها بعد عام 1948 على الاستيلاء على أراضي 62 قرية جديدة أخرى شرد سكانها وتبعثروا كلاجئين في القرى الأخرى التي بقي سكانها فيها في الجليل والمثلث وبعضهم اضطر للهجرة إلى خارج البلاد، كذلك تم الاستيلاء على حوالي مليون دونم من أراضي بدو النقب، وطرد بعض هؤلاء البدو إلى الضفة الغربية وشرق الأردن من الفترة ما بين 1948ــ 1952 كما استولى الصهاينة على نحو نصف مليون دونم من أراضي الوقف الإسلامي، وعلى ثلثي أراضي القرى العربية التي لا تزال قائمة من المثلث والجليل أي حوالي مليون دونم .
قانون مكافحة الإرهاب لعام 1980

أقرت الكنيست هذا القانون و تعديلاته في أواخر تموز 1980 ، وعرف القانون باسم قانون تامير، نسبة إلى وزير العدل في حكومة بيجن، وقد جاء في هذا القانون: «كل عمل يعبر عن التماثل أو التعاطف مع منظمة إرهابية، يعتبر مخالفة جنائية يتعرض مرتبكها إلى عقوبات شديدة».
وهذا القانون مخالف لأبسط القوانين الدولية التي تنص على أن «التماثل لا يعتبر مخالفة للقانون، وإلا فمن يسير بمظاهرة يطالب فيها بتحسين ظروف السجناء يمكن أن يطبق عليه نفس حكم السجناء لأنه متماثل أو متعاطف معهم».
وهذا القانون جاء كإجراء قمعي ضد شعبنا العربي الفلسطيني، لأنه لا يطال المنظمات الإرهابية الصهيونية التي يجلس ممثلوها في الكنيست ويصدرون أمثال هذه القوانين ـ ويكفي ـ بموجب هذا القانون ـ أن يقال أن شخصاً ما يؤيد حق التعبير عن الرأي للفلسطينيين أو حق تقرير المصير، كي يتعرض للسجن 3 سنوات وغرامة قدرها ربع مليون ليرة إسرائيلية.
وقد علق الشاعر سميح القاسم على هذا القانون: ها نحن نعلم، منذ اللحظة الأولى، إننا لا نستطيع اعتبار هذا القانون حلقة أخرى من سلسلة صعود الفاشية العنصرية في إسرائيل، فحسب، بل الفاشية العنصرية بعينها.
قوانين عنصرية أخرى

وبالإضافة إلى القوانين العنصرية السابقة الذكر أصدرت سلطات العدو الصهيوني مجموعة من القوانين العنصرية الأخرى ومن أهمها:
ـ قانون توزيع السكان في أيار 1975 وبموجب هذا القانون حظر على غير اليهود الإقامة في بعض الأماكن والمدن. ويقضي هذا القانون كذلك تشجيع انتقال السكان اليهود من وسط البلاد وإسكانهم في المناطق الجديدة في الجليل والنقب، كما يجيز نقل السكان من هذه المناطق، والهدف واضح وهو تهويد الجليل والنقب ومحاولة تمزيق وحدة الأقلية العربية الصامدة في فلسطين المحتلة 1948.
ـ قانون أراضي البدو، الذي صدر بعد اتفاقية كامب ديفيد وجلاء إسرائيل عن صحراء سيناء، ومصادرة السلطات الإسرائيلية أراضي من النقب تعود ملكيتها للبدو لإقامة مطارات عسكرية عليها، وبموجب هذه القوانين يمنع البدو من رفع شكاوى للقضاء ضد مصادرة أراضيهم.
ـ في 24/2/1981 صدر قانون «طرد الغرباء من أراضي الدولة» والمقصود بالغرباء هو المواطنون العرب الذين يقومون باستغلال أراضيهم التي تعتبرها السلطات الصهيونية أراض حكومية.
ـ وفي 28/12/1982 صدر قانون عنصري آخر هو «قانون البناء والتخطيط» الذي يضع قيوداً مشددة على توسيع القرى والتجمعات العربية التي تعاني من ازدحام سكاني بسبب تزايد عدد سكانها وضيق مخططاتها التنظيمية.


¾¾





¡ هوامش البحث..

1ـ كرافتشوف، عرض موجز لنظريات الدولة والقانون ـ دار التقدم، موسكو 1969 ص71 ـ 72ـ 73.
2- D.Cheonokov. Historical Materialism. Progress Publishers. Moscow. P. 281 - 202.
3- Don Peretz. Israel and Palestine Aeabs. Washing ton. D.C. Middle East Institute. P. 122..
4- Herzl Yearbook. Edited by Raphael Patai. New- york 1953. P. 270..
5- T. Herzl. the Jewish state. 4th edition. Iondon 1946. P. 30 -67..
6- Shahak papers. Jewish Chowuinism and fanac tism. dec. 1981. nov. 1982 collections Palestinian. 28 - 33.
7- Laws of the state of israel. vol. l..
8- The Palestine Question Documents adopted by the United Nations and other international organizations and conferences moscow 1984 P. 10- 54..
9- Aharon Cohen. Israel and the Arab World 1964 p. 509..
10ـ هآرتس 14/1/1955.
11- Don Peretz. Ibid. P. 95 -96.
12ـ صبري جريسي، العرب في إسرائيل، مركز الأبحاث، م.ت.ف، بيروت 1967 المجلد الثاني، الفصل الأول ص7 ـ 63.
13- Achad Haam. reality in Palestine Berlin. 1923..
14- The Israeli Digest. vol. xi. no. 13 june 1968 p.11..
15- Ben Gurion. Israel and the Tasks Ahead. New- york. Israel office of information 1947.p.40..
16- Laws of the State of Israel. vol. iv.
17- Don peretz. Ibid. p. 122.
17- The Jewish Agency. Digest press and events. no. 45. p. 1674.
18- Laws of the State of Iisrael. vol. vi. 1951. P.P. 92 - 102. voi. xll. 1957. p. 97.


20ـ أنيس فايز قاسم وجورج لويس مايكل ـ قانون العودة لدولة إسرائيل، دراسة في القانون الدولي والمحلي، مع ملحق عن قضية افردييم ضد راسل. مركز الأبحاث م.ت.ف. بيروت ت 2 1971 ص211.
21ـ توفيق طوبي ـ محاضر الكنيست 23/7/1957 ص2700.
22ـ مجلة هبرقليط /المحامي/ شباط 1946 ص58 ـ 64.
23- Laws of the State of Israel. Emergency Regula- tions. vol. II..
24- Laws of the State of Israel. Emergency Regalia - tions. Vol. II..
25ـ دافار 26/1/1962.
26ـ محاضر الكنيست، المجلد 36 ص1217 تاريخ 20/2/1963.
27ـ احاف 25/8/1958.
28ـ محاضر الكنيست، مجلد 33 ص1317 تاريخ 20/2/1962.
29ـ المصدر السابق
30ـ انظر الموسوعة الفلسطينية، المجلد الرابع.
31ـ المصدر السابق.
32- Laws of the State of Israel. Emergency Requisions 1949. Vol. II..
33ـ لمزيد من التفاصيل انظر: انيس الخوري، الصهيونية وحقوق الشعب العربي الفلسطيني مركز الأبحاث، مجلدين 1967.
وكذلك كتاب الدكتور اسحق رزوق، الأقلية العربية في فلسطين، وكتاب صبري جريس السابق الذكر، وكل هذه الكتب من إصدار مركز الأبحاث.
34- Laws of the State of Israel. 1948. Palestinian. 23 - 24..
35- Laws of the State of Israel. Vol. 22. 1949.p. 70..
36- Laws of the state of Israel. Vol. XIII..
37- Laws of the State of Israel. Vol. XI.
38ـ انظر الموسوعة الفلسطينية، المجلد الرابع، ولمزيد من التفاصيل
انظر Absentee Verdict. Palestine Resarch Centre Beirut 1967.
39ـ محاضر الكنيست المجلد 8 16/1/1951 ص789ـ 790.
40- Don Peretz. Ibid.

41- Aharon Cohen Ibid. P.P. 514 - 515.
42ـ المصدر السابق.
43- Laws of the State of Israel. Vol. III.
44ـ الفاشية تصبح قانوناً، دائرة الاعلام المركزي للحزب الشيوعي الإسرائيلي، راكح، مطبعة الاتحاد التعاونية حيفا، شارع الوادي 43، أواسط أيلول.

(*) في أيلول 1948 كانت أجزاء واسعة من الجليل والمثلث تقع تحت سيطرة القوات العربية قبل احتلالها من قبل إسرائيل.
(**) اعتاد سكان القرى العربية القريبة من الحدود الانتقال إلى البلدان العربية المجاورة لقضاء حاجاتهم المعيشية.
(*) استغلت هذه المادة لإعادة بعض المتعاملين مع سلطات العدو الصهيوني وإعادة أملاكهم إليهم.
(**) استغلت هذه الفقرة لشراء الذمم وتجنيد متعاملين مع العدو.


¾¾¾


















الفصــل الــرابع :

الاستيطان يكرس الأبارتـيــد









n الهجرة والاستيطان هما حجرا الزاوية والتجسيد العملي للمشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة، فالهجرة، من جهة، هي أكسير الحياة بالنسبة لقادة الحركة الصهيونية وإسرائيل لأنها تعني *** يهود العالم إلى فلسطين، وهي الوسيلة الوحيدة لإيجاد رابطة من نوع ما بين «أمن إسرائيل» ويهود العالم. يقول بن غوريون «لن يكون هنالك أمن لإسرائيل بدون هجره»، أما ليفي اشكول فيقول: «إن ضمان وجود إسرائيل يقع في المقام الأول ـ على عاتق الشعب اليهودي. إن هذه المهمة لا يمكن أن تتحقق إلا إذا سدت إسرائيل حاجتها الدائمة لأعداد كبيرة من السكان‍‍‍! إننا يجب أن نجند قوانا من أجل اجتذاب المليون الرابع والخامس من اليهود إلى إسرائيل([i]). لكن الاستيطان هو، من جهة أخرى، حجر الزاوية بالنسبة للمشروع الصهيوني، وللاستيطان أغراض عدة من أهمها:
من الناحية الإيديولوجية، الاستيطان هو تجسيد لليوتوبيا الصهيونية، كما رآها قادة الحركة الصهيونية. فبالنسبة لبن غوريون، تقوم فلسفة الدولة اليهودية على محاولة استنساخ جمهورية أفلاطون، وإيجاد دولة يسود فيها قوي ويحكمها ملك وفيلسوف، ويشكل الكيبوتس القاعدة التحتية لهذه الدولة، فيه يترعرع الملوك والفلاسفة وفيه يتدرب الجنود والمحاربون: إلى ذلك، المستوطنة هي المكان الأمثل لخلق ما يسمى دين الأمن، ففي سبيل خلق مجتمع مقاتل على الطريقة الاسبارطية/ الصهيونية، مجتمع تصبح فيه قضية الأمن مسألة إيمانية محضه، لا تعتمد على المحاكمات العقلية أو التصديق، بل تقوم أساساً على التسليم السلفي، وترتفع بحيث تصبح قيمة القيم، وفوق كل القيم المادية والروحية والاجتماعية. لذلك لجأت الصهيونية إلى خلق الإنسان الذي لا خيار له سوى أن يقاتل كي يبقى على قيد الحياة([ii]). أو كما قال موشي دايان «إن الخيار الوحيد هو أن نبقى أقوياء ومصممين، وإلا سيقع السيف من أيدينا، وسينقطع خيط حياتنا؟»([iii]).
ومنذ الأيام الأولى للمشروع الصهيوني، سعت القيادات الصهيونية وإسرائيل إلى جعل مسألة الأمن الجماعي للمستوطنين يحتل مكاناً بارزاً في هوية المجتمع، ورؤيته لنفسه وذلك من خلال الاعتقاد بحق التجمع الصهيوني في الوجود، واعتبار مشكلة الوجود في صلب نظام الاستيطان. ولتحقيق ذلك كان على الاستيطان أن يطور الألية الكفيلة بإيجاد الأجوبة المناسبة المتعلقة بحق السيطرة على الأرض، وإحدى هذه الآليات، كانت ولا تزال، تعميق شعور الفرد والجماعة بالافتقار إلى الأمن والاعتماد على المصطلحات والأساطير التوراتية واستخدام الرموز اليهودية التاريخية من المساداة والهولوكست لإعطاء مسألة الحق في الوجود والأمن، وفق المفهوم الصهيوني، تجسيداً مادياً([iv]).
واستناداً إلى ذلك، تؤكد عالمة النفس الإسرائيلية البروفيسورة عاميا ليبليخ أن القيادة الإسرائيلية تحرص دائماً على الاحتفاظ بعنصر رئيسي من عناصر التكوين النفسي الإسرائيلي المعاصر، وهو الافتقار إلى الأمن، وأنه لا مكان في ذلك التكوين ليهودي منتصر، بل هنالك فقط مكان ليهودي مهدد بالاعتداء عليه، ويستعد لحماية نفسه من الاعتداء. ولو لم يكن هنالك، في الواقع، ثمة اعتداءات أو تهديدات بالاعتداء يكون المحتم الإيهام بكل ذلك، حتى تذوي سريعاً صورة اليهودي المنتصر، وتحل محلها صورة اليهودي المعرض دائماً للاعتداء([v]).
يخدم الاستيطان السياسة التوسعية الإسرائيلية يقول بن غوريون «إن الأمن الإسرائيلي يعني مستوطنات زراعية..! إن الجليل الأعلى ومناطق النقب الخالية في الجنوب هي نقاط ضعف في البلاد، لا تستطيع أي قوة عسكرية أن تضمن لنا ملكيتها وللسيطرة الدائمة عليها ما لم نقم باستيطانها بالسرعة والكثافة اللازمتين»([vi]).
وما يقوله بن غوريون يكفي لإلقاء الضوء على الدور الذي تلعبه المستوطنات في دعم العمل العسكري الإسرائيلي. وليلقي الضوء على حقيقة أن العمل العسكري والاستيطان كانا وجهين للمشروع الصهيوني في فلسطين، وكل منهما يكمل الآخر، ويتأثر به وفق الأسس التالية:
أ ـ إن الاستيطان لا يصلح دون توفر الأرض، فيما يفقد العمل العسكري التوسعي فاعليته دون استيطان، الذي يعني مزيداً من المهاجرين الجدد الذين يتحولون إلى جنود في القوات الصهيونية، وهو أيضاً يؤمن إشغال المناطق الخالية من السكان([vii]).
ب ـ إن الاستيطان دون حماية عسكرية يظل عرضة لتوقف مسيرته وتبديد إنجازاته، ولا يمكن للاستيطان أن يتحول إلى أمر واقع يفرض وجوده وقبوله من المعترضين عليه دون وجود قوة عسكرية تدعمه وترد محاولات تغييره.
ج ـ إن العمل العسكري التوسعي، حينما يحقق نجاحاً بالاستيلاء على الأرض يظل خاوياً ما لم يصب فيه المحتوى المادي اللازم لملئه وتثبيته بالاستيطان، حتى لا يبقى عرضة للضغوط المختلفة. لذلك يؤكد بن غوريون: «إن الوجود الفعلي هو أكثر فاعلية من القرارات السياسية. إن رقعتنا التي اتسعت حدودها، وضم القدس اليهودية، ودمجها في الدولة لأشد إقناعاً من التوصيات الرسمية التي تصدر عن الأمم المتحدة وكأنها الوليد الذي يولد ميتاً»([viii]).
د ـ إن التوسع العسكري الإسرائيلي الذي يليه نشاط استيطاني منظم يتحول إلى حقوق مكتسبة بموجب الوجود الصهيوني الدائم. يقول أبا ايبان، وزير الخارجية الإسرائيلية الأسبق في مقال له تحت عنوان «الواقع والرؤية في الشرق الأوسط» «ليس من السخف أن نتصور قادة العرب وهم يطالبون في المستقبل بإلحاح بالعودة إلى حدود 1966 و1967، تماماً كما يطالبون اليوم بالعودة إلى حدود 1947 التي رفضوها عن طريق اللجوء إلى القوة».([ix]) لأن المستوطنات تقلل الحاجة الدائمة لاستنفار الجيش على حدود إسرائيل([x]).
و ـ ينص قانون الدفاع لعام 1949 على مايلي: «أن يعمل الجيش على خلق روح الريادة القتالية في الشبان الممتلئين بالقدرة على المبادرة والشجاعة والطاقة الكبيرة، ولتحقيق ذلك يفرض التدريب الزراعي داخل القوات المسلحة بغرض إنشاء المستوطنات اليهودية التي لا يتحقق أمن الدولة بدونها. وبعد تعديل قانون الدفاع عام 1950، نصت الفقرة الأولى من المادة الثالثة على مايلي:
«إن الأشهر الأثني عشر الأولى للمجند في الخدمة العسكرية، وبعد أن يتم التدريب العسكري، يجب أن تكرس بشكل رئيسي للتدريب الزراعي». أما المجندون في سلاحي البحرية والطيران فتكرس هذه الفترة للعمل في السلاح نفسه. ويحدد وزير الدفاع مواضيع التدريب ونظامه وهيكله، وتتولى منظمة الناحال، «منظمة الشباب الطلائعي. مهمة تدريب المجندين وتشكيل الدوريات العسكرية وتلزم المجندين بالعمل في المستوطنات، وتنشئ المستوطنات في المناطق الاستراتيجية»([xi]). ومن المعروف أن منظمة الناحال، أحد الأذرع التابعة للجيش الإسرائيلي، ترتبط مباشرة برئاسة هيئة الأركان الإسرائيلية.
وـ زرع التواجد اليهودي في كل أجزاء فلسطين المحتلة بهدف ضم هذه المناطق إلى إسرائيل الكبرى عندما يحين القوت.
من الناحية الحربية، تعتبر المستوطنات استمراراً لمبدأ القلاع المحصنة الذي استخدم في القرون الوسطى، وبقي يستخدم في عصرنا الحديث في أماكن عدة من العالم، وبأشكال مختلفة تفرضها شروط الزمان والمكان، وتتميز المستوطنات الإسرائيلية بأنها نقاط دفاعية جيدة التجهيز، قادرة على القتال الدائروي، ولذلك فهي عماد ما يسمى بالخط الدفاعي الإسرائيلي وتستند إليها القوات التي تدعم هذا الخط.
ويمكن تعريف الدور العسكري الذي تقوم به هذه المستوطنات على النحو التالي:
إن هذه المستوطنات أنشئت لتقوم بمهام عسكرية واقتصادية، ولتؤدي عملاً أمنياً استراتيجياً وآخر زراعياً، ولتكون بمثابة مخافر أمامية، وجرس إنذار وتشكل بمجموعها نسق التغطية الأول تدعمها القوات العسكرية القريبة منها وتناط بها مهمة الإنذار التعطيلي للقوات المعادية، وكسر حدة الهجوم وتعيين محاوره الأساسية واتجاه ضربته الرئيسية، حتى تتمكن القوات الإسرائيلية من تجميع قواتها وتوجيه الضربة المعاكسة في الزمان والمكان الملائمين([xii]).
ولقد تبنى الصهاينة نظرية Von Thonen كأساس للاستيطان المدني وتقوم على تقسيم المستوطنة إلى حلقتين رئيسيتين:
ـ الحلقة الخارجية وتضم البيوت الخاصة المنتشرة على شكل مزارع صغيرة.
ـ الحلقة الداخلية وتحتوي على البيوت الجماعية لخدمة الأهداف الاقتصادية والثقافية والاجتماعية في المستوطنة.
ولقد أضفى الصهاينة على مبدأ Von Thonen الطابع العسكري إذ تم إضافة ما يلي([xiii]):
نقطة مراقبة أو مجموعة نقاط مراقبة للحراسة.
أحيطت المستوطنة بسور عال، وبنطاق أو نطاقين من الأسلاك الشائكة.
تحاط المستوطنات أحياناً بحقول ألغام مختلفة ومدافع مضادة للدبابات على طرق الاقتراب الرئيسية.
ينشأ بداخل المستوطنة عدة دشم وحفر أسلحة لتحقق الدفاع الدائروي، وتحفر خنادق للمواصلات التي تربط التجمع الرئيسي للمستوطنة.
تدفع المستوطنات نقاط إنذار قريبة، وتدفع عدداً من الكمائن ليلاً.
يوجد في كل مستوطنة ملجأ أو أكثر يتسع للأطفال والعجزة والمرضى.
تحتفظ المستوطنة بكميات من الطعام والمياه والذخيرة والأسلحة تكفي لمدة أسبوعين.
وعند إنشاء أية مستوطنة يجب أن يتوفر في الموقع العناصر التالية([xiv]):
1ـ أن يتمتع الموقع بميزة استراتيجية، كأن تكون في منطقة محصنة طبيعياً، أو عالية تشرف على مساحات واسعة.
أن تتحكم بمحاور الطرق الأساسية في المنطقة.
3ـ إمكانية استغلال الموقع للقيام ببعض النشاطات الاقتصادية، أو أن يكون قريباً من مستوطنات أخرى يتوفر فيها العمل للمستوطنين.
قرب الموقع من التجمعات العربية، وذلك لأن المستوطنات لها وظيفة الأسفين المدفون بين التجمعات العربية.
أن تخدم المستوطنة الأغراض الأمنية الإسرائيلية، سواء على خط الجبهة أم في الداخل.
دور المستوطنات في الدفاع الإقليمي:

تضم منظومة «الدفاع الإقليمي» عدة مستوطنات سكانها مسلحون بأسلحة خفيفة ومتوسطة، وأسلحة مضادة للدروع وبعض أسلحة الدعم. وتقام قوات الدفاع الإقليمي على شكل الويه، ويقع على عاتقها عبء حراسة الحدود، والدفاع التعويقي على النحو التالي:
تنشأ مستوطنات الحدود في الأماكن الحيوية وعلى الطرق الرئيسية، حيث تؤمن الإسناد المتبادل فيما بينها، وترتبط فيما بينها بشبكة من الطرق والمواصلات السلكية واللاسلكية.
تجمع كل مجموعة متقاربة من المستوطنات الحدودية في قطاع حربي يضم مستوطنة رئيسية وعدة مستوطنات فرعية، ولهذا القطاع قيادة مسؤولة عن تدريب الأفراد وحراسة الحدود وقت السلم، ومسؤولة عن إدارة العمليات الحربية إلى أن تصل القوات العسكرية العاملة التي تتولى مسؤولية المنطقة بشكل كامل.
تشكل عدة قطاعات فرعية قطاعاً رئيسياً له قيادة ومهمات القطاع الفرعي نفسه ولكن بمستوى أعلى.
تتبع القطاعات الفرعية الموجودة في كل منطقة عسكرية (شمالية، جنوبية ووسطى) لرئاسة الدفاع الإقليمي، التي تنفذ خطة رئاسة هيئة الأركان.
تتولى قيادات المناطق العسكرية الإشراف على مناطق الدفاع الإقليمي ويوجد في كل منها ممثل للدفاع الإقليمي (ضابط ارتباط)، يتلقى تعليماته وتوجيهاته من قيادة المنطقة، كما يوجد ممثل للدفاع الإقليمي في رئاسة هيئة الأركان.
في حالات الطوارئ، تعزز وحدات من الناحال أو المشاة النظامية لتدعيم قدرات المستوطنات العسكرية.
أثناء العمليات الحربية تقوم وحدات الجيش الإسرائيلي النظامية بسد الفجوات بين المستوطنات، وفي أوقات السلم تتولى وحدات حرس الحدود هذه المهمة([xv]).
دور المستوطنات في العمليات الحربية:

1ـ في الهجوم: بالإضافة إلى مهمة المستوطنات في المشاركة في البناء العسكري الدفاعي للكيان الصهيوني وبخاصة فيما يتعلق بتأمين الحدود الخارجية والمناطق الداخلية الحيوية، تعتبر المستوطنات قواعد للقوات العسكرية ومراكز للانطلاق لتحقيق التوسع الإقليمي. وهي أيضاً بمثابة مستودعات للقوة البشرية المدربة عسكرياً واللازمة، وتستخدم أيضاً كقواعد إدارية أو مواقع تجمع للقوات المهاجمة، وفي الوقت نفسه تعتبر المستوطنات نقاطاً ميدانية لإخلاء الجرحى.
2ـ في الدفاع: الدفاع هو تدبير مؤقت في الاستراتجية الإسرائيلية العسكرية، تقوم به الوحدات لكسب الوقت وخلق الظروف الملائمة للانتقال إلى الهجوم المعاكس، ولكي تقوم المستوطنات بهذه الدفاعية، يجري عادة تقسيمها إلى:
1ـ الحزام الدفاعي الأول: ويتكون عادة من مستوطنات متقاربة على شكل نقاط استناد، وإذا كانت المستوطنات متباعدة ولا تستطيع التعاون بالنيران، في الجبهة أو العمق، فهي تشكل مراكز دفاعية مغلقة. ويشكل قطاع للنيران في الجبهة والعمق لكل مستوطنة من مستوطنات الحدود سداً منيعاً نتيجة لقرب المستوطنات من بعضها وطبيعتها ومواقعها العسكرية. وتتكون القوة العسكرية في المستوطنات، أثناء العمليات الحربية، من وحدات الناحال، بالإضافة إلى بعض الوحدات النظامية، مسلحة بأسلحة خفيفة ومتوسطة، وفي بعض الأحيان، دبابات. وتعطي للمستوطنات التي تشرف على مفارق طرق رئيسة قطاعات نيران بعرض 10 ـ 15كم.
2ـ الحزام الدفاعي الثاني: وهي مجموعة من المستوطنات التي تشكل النسق الثاني، وتكون عادة كبيرة وفيها قوات مؤلفة من مشاه محمولة ودبابات مهمتها نجدة أي موقع دفاعي أو مستوطنة تتعرض للهجوم. وتقع خلف هذا الحزام مناطق الدفاع الخلفية المؤلفة عادة من مدن داخلية تتجمع فيها القوات الضاربة التابعة لقيادة المنطقة أو الاحتياطي العام للجبهة.
دور المستوطنات في العمليات الاستطلاعية

تقوم المستوطنة بدور المخفر الأمامي، وتراقب تحركات القوات المعادية وتحشداتها ونشاطاتها، وتوضع أسلحتها وتعلم عن زج الأسلحة الجديدة، والمحاور الممكنة لاستخدام هذه الأسلحة، ويندرج هذا في إطار الاستطلاع الميداني.
وفي أثناء العمليات الحربية، أو الفترات التي تسبقها، تستخدم المستوطنات للقيام بمهمة الاستطلاع بالنيران لمعرفة منظومات الأسلحة الجديدة التي يملكها الطرف المعادي، وأساليب القتال التكتيكية التي يحتمل أن يستخدمها في حال نشوب عمليات حربية. وفي المستوطنات الحدودية، تستخدم الرادارات الفردية لمراقبة واكتشاف أية محاولة تسلل تقوم بها عناصر معادية([xvi]).
4ـ خلق المعازل: «الأبارتـيــد»:
لما كان هذا الموضوع يشكل العمود الفقري لهذا الفصل، ولإعطاء صورة شاملة عنه من كافة الجوانب، سنتبع المنهج التالي:
أ ـ مقارنة الاستيطان الصهيوني مع غيره من التجارب الاستيطانية التي سعت لإقامة نظم عنصرية، سواء من خلال التطهير العرقي أو من خلال الفصل العرقي، وإعطاء أمثلة على المعازل التي خلفها الاستيطان الصهيوني.
ب ـ دراسة التجربة الاستيطانية الصهيونية لإقامة المعازل من منظور تاريخي. وتسليط الضوء على مختلف مراحل تطورها وإلقاء الضوء على تجربة المستوطنين مع إبراز المتغيرات في كل فترة على النحو التالي:
* الفترة الأولى حتى قيام الكيان الصهيوني عام 1948
* الفترة الثانية حتى عدوان حزيران 1967
* الفترة الثالثة تجربة الاستيطان وإقامة المعازل في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، مع إعطاء أهمية خاصة لعنصرين جديدين أساسين،
أ ـ تقاسم الأدوار بين سلطات الاحتلال والمستوطنين الذين تزايدت نزعاتهم الفاشية.
ب ـ دور الطرق الالتفافية في خلق المعازل ورؤية المستوطنين لهذه الطرق.
غيتوات من صنع إسرائيلي:

يتساءل الكاتب الإسرائيلي من أصل روسي، إسرائيل شامير، في مقال نشرته صحيفة سافيستكايا روسيا في 29/3/2001 ونشرته فيما بعد الصحف الألمانية، «ما هو الشيء الذي لم يحظ بإعجابنا في النازيين الألمان؟!! التمييز العنصري! كل شيء موجود عندنا وبنفس الدرجة إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تعمل بها فرق الموت بشكل مشروع.. كنا ضد الغيتو عندما حشرنا فيه، أما الآن، فالمخططات الأكثر ليبرالية في إسرائيل تسعى إلى إنشاء غيتوات لغير اليهود في إسرائيل. هذه الغيتوات المحاطة بالأسلاك تحاصرها الدبابات، وتتوضع المصانع اليهودية عند أسوارها الفلسطينيون لا يستطيعون حتى الانتقال إلى قرية مجاورة دون إذن مسبق، وبعد التأكد من هوياتهم وخضوعهم للتفتيش، ولا يمكن للفلسطيني أن يحلم بالذهاب إلى البحر الذي يبعد عنه عدة كيلو مترات»([xvii]).
لقد حول الاستيطان قرية عين ماهل إلى غيتو بكل ما في الكلمة من معنى. تقع قرية عين ماهل شمال شرق الناصرة بنحو 6كم، وتقوم على موقع قرية كانت موجودة في العهد الروماني «نبع الراحة» والقرية الحالية أنشئت قبل نحو 400 سنة.
موقعها: تقع في الشمال من جبل دبورة بحوالي 2.5كم، وتبعد عنها إلى الشمال قرية كفر كنا بحوالي 3كم، وتوجد قرية المشهد شمالها بحوالي 5.5كم، وتحدها من الجنوب الشرقي قريتا صبيح ودبورية اللتان تبعدان عنها بحوالي 40 كم، أما قرية الرينة فتقع إلى الغرب بحوالي 3.5كم.
أراضيها: بلغت مساحة قرية عين ماهل عام 1945 نحو 13390 دونماً، صودرت ثلثاها حتى عام 1960، ولم يبق حتى مطلع الثمانينات سوى 4145 دونماً، وتهدد المصادرات الصهيونية نحو 340 دونماً، وصارت جراء المصادرات بمثابة غيتو داخل منطقة نفوذ مستعمرة نتسريت عيليت (الناصرة العليا) التي تحيط بها من كل جانب وذلك بعد مصادرة الأراضي العربية الغربية.
سكانها: بلغ عدد السكان عام 1945 نحو 1040 نسمة، بقي منهم بعد نكبة 1948 نحو 848 نسمة، وارتفع عدد السكان حتى عام 1970 إلى 3010 ووصل عام 2000 إلى 9200.
كان نحو 35% من سكانها يعتاشون على الزراعة وتربية المواشي، و10% من البضاعة، و50% من العمل في البناء، وفي أواخر التسعينات صار نحو 80% من عمال القرية يشتغلون في البناء، وتستقطب مستعمرة نتسريت عيليت القسم الأكبر من عمال القرية في البناء والمصانع والورشات والخدمات المختلفة([xviii]).
وبفعل الاستيطان والطرق الالتفافية تحولت منطقة المواصي القريبة من خان يونس في قطاع غزة إلى غيتو آخر، يعيش في المنطقة الموجودة في منطقة غنية بالمياه الجوفية التي تثير أطماع الإسرائيليين وسكان المستوطنات سبعة آلاف نسمة، ويعملون بالزراعة، وتربية الدواجن. أحيطت القرية بثلاث مستوطنات، تابعة لكتلة غوش قطيف الاستيطانية. ولم يبق للسكان سوى منفذ وحيد يمر عبر حاجز للجيش الإسرائيلي، والطريق إلى القرية مقسم إلى قسمين، أحدهما للمستوطنين يمنع العرب من السير عليه، وإلا تعرضوا للاعتقال وإطلاق النار، والآخر للعرب. تتعرض القرية لهجمات متكررة من قبل المستوطنين الذين يحرقون الدجاج والبيوت البلاستيكية، ويمنعون السكان من تسويق محاصيلهم الزراعية، وخلال انتفاضة الأقصى عام 2000/2001، وزع المستوطنون على الأهالي منشورات طلبت إليهم مغادرة القرية والرحيل إلى خان يونس. وفي 30 آذار 2001 صرخت إحدى النساء التي اضطرت للوقوف طويلاً أمام الحاجز العسكري الإسرائيلي قائلة: «هذا تمييز عنصري! أصبحنا جنوب إفريقيا جديدة. لكن العالم لا يجرؤ على انتقاد الإسرائيليين»([xix]).
ب ـ بناء المعازل: منظور تاريخي

الفترة الأولى: ما بين بدايات الاستيطان الصهيوني في فلسطين وحتى عام 1948: الهدف في هذه الفترة هو بناء المستوطنات، وتوسيع رقعتها. وقد ظهرت بدايات المشروع الاستيطاني في فلسطين منذ مطلع الثمانينات في القرن التاسع عشر. وتحدث إيغال الون، وزير خارجية إسرائيل الأسبق عن أهمية اختيار موقع المستوطنة فقال:
«إن الاعتبارات الاستراتيجية كانت في أساس مخطط الاستيطان وقررت إلى درجة كبيرة، مصير العديد من المناطق في البلاد. ومنها مناطق يسكنها العرب إلى حد كبيراً أو كلياً مثل طبريا، وسمخ وبيت شأن وعكا وحيفا، وكلها كانت محاطة بالقرى اليهودية. أما مناطق الاستيطان اليهودية في جوف البلاد، والواقعة في قلب المنطقة التي يسيطر عليها العرب، فقد شكلت قواعد أمامية وظيفتها الرئيسة أن تصمد مهما كان الثمن، إلى حين تقدم القطعات الرئيسة للقوات بغية تخليصها من محنتها». ويضيف إيغال الون «استهدف الاستيطان بالدرجة الأولى ضمان أن توضع مساحات متزايدة، وباستمرار، تحت سلطة الشعب اليهودي النهائية. ولذلك كان يتم اختيار أراضي أخرى كانت ملحوظة لموقعها العسكري الاستراتيجي بمحاذاة الطرق وحول المدن العربية الرئيسة، حتى أنها غالباً ما ابتعدت عن مناطق الاستيطان الرئيسية. إن الموقع الدقيق للمباني والمنشآت في كل مستوطنة جديدة كانت تقرره هيئة أركان سرية تابعة للجيش السري والمعروف بالهاغاناة بغية تأمين التركيب الأفضل للدفاع والهجوم»([xx]).
وتؤكد الوقائع أن عسكريين بريطانيين كانوا يشاركون في اختيار مواقع المستوطنات، وأن العامل الحاسم في اختيار المكان هو الموقع الاستراتيجي وليس المستوطنة([xxi]). وفيما يلي بعض الأمثلة:
1ـ روشبينا، على أرض قرية الجاعونة، على سفوح جبل الجرمق، هي إحدى أهم المستوطنات وتحتل مركزاً قيادياً في استيطان الجليل بالرغم من أن أراضي المستوطنة لا تصلح للزراعة، وأن خسارتها الاقتصادية كانت أكبر بكثير من غيرها من المستوطنات، تقع المستوطنة في منطقة ترتفع 450م عن سطح البحر على بعد 10 كم إلى الشرق عن طريق صفد، وهي تشرف على عدد قرى مثل عين الزيتون، الرأس الأحمر، علما، ديزنا، وقاص، المغار بالإضافة إلى صفد. وتتحكم بالطرق المؤدية إلى جنين، العفولة، حيفا، نهر الأردن، بالإضافة إلى قربها من الحدود السورية.
2ـ المطلة : ترتفع عن سطح البحر بـ525م بالقرب من قرية كفركلا اللبنانية، قضاء مرجعيون. وصفها السير ادوارد روبنسون بقوله: «تقع المطلة على التلة القائمة على حدود المرج الذي يشق فيه جدول الدردارة مجراه وهي تشرف على حوض الحولة».
كشفت مؤخراً في الوثائق البريطانية السرية في الحرب العالمية الأولى، مذكرة تتحدث عن أوضاع فلسطين عام 1917، وقد حددت هذه المذكرة أماكن توزع المستعمرات في فلسطين وكانت على النحو التالي([xxii]):
ـ ست عشرة مستوطنة على طول الخط الحديد بين يافا والقدس.
ـ أربع مستوطنات حتى خط نهر العوجا.
ـ أربع وعشرون مستوطنة في الجليل والسهل الساحلي شمال نهر العوجا.
ـ ولدى دراسة التوزع الجغرافي للاستيطان يتضح أنه خدم أهدافاً استراتيجية من أهمها:
أ ـ احتلال الأماكن الاستراتيجية على حدود فلسطين والسهل الساحلي ووسط البلاد.
ب ـ احتلال الطريق بين يافا والقدس والأراضي التي تحيط به.
ج ـ احتلال المرتفعات الاستراتيجية في منطقة الجليل.
و ـ حصر المنطقة العربية المكتظة بالسكان وتطويقها من الجهات الأربع.
وعندما وضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وخاصة بعد تشكيل الوكالة اليهودية والهستدروت، تزايدت أعداد المستوطنات الصهيونية واتسعت رقعتها بشكل سريع جداً مقارنة مع الفترة السابقة، ولكن الاغراض الجيوستراتيجية للاستيطان بقيت ثابتة حتى قيام إسرائيل عام 1948. وبدلاً من المستوطنات المتفرقة المنتشرة هنا وهناك لأغراض جيواستراتيجية، أنشأت الحركة الصهيونية كتلاً متراصة من المستوطنات على الشكل التالي([xxiii]):
أ ـ خط استيطاني على الشريط الساحلي من رأس الناقورة حتى خط الهدنة مع قطاع غزة، ويشمل عدداً من الكيبوتسات مثل: جفعات هشلوشاه، بتاح تكفا، جفار عام، كفار حمكابي، كفار ماساريك، كفار مناحيم، معيان تسفي، نفي يام، بيت سانيم، ياجور، ميخائيل، رامات يوفان، بيت أوفيد، معاش نتائيم.
ب ـ خط استيطاني من رأس الناقورة حتى الحدود اللبنانية ـ السورية الفلسطينية ويشمل، كفار جلعادي، لهفوت هباشاف، منارة، مسكاف عام يفتاح، المطلة، يرؤوت.
ج ـ مجموعة من الكتل الاستيطانية في كل من سهل الحولة، منطقة طبرية، وسهل بيسان وتشمل حمادية، كفار رؤبين، كفار سول، كنيريت، معيان باروخ، معوز حاييم، ميسلوت، نفي ايتان، سديه ناحوم، سديه مخمياه، شعار حجولان، بيت يهوشع، هار تسوريم، كفار كيش، مينا جيمياه، كفار جيئيم، كفار يوناه، كفار تافور، مجدال، يورياه، يسود هامعلاه.
د ـ مجموعة من المستوطنات في وادي الحوارث وتشمل: أـ جفعات، ب ـ معبروت، بيت بناي، الياشيف، هدار عام، جبات تسيون، هاروتشيم.
هـ ـ مجموعة من المستوطنات في مرج بن عامر وتشمل: حيفتسي ب، مجدو، مرحافيا، مشماها عميق، مزراع، رامات ديفيد، هازوريعا سريد، تل يوسف، يعقفات، بلفورية قاويش، كفار باروخ، كفار جيدون، كفار يحزقيئل، كفار يشعياهو، نهلال، سديه يعقوب، تل عدشيم، جعفات زايد، يوكئيم.
و ـ كتل من المستوطنات حول مدينة القدس وعلى الطريق بين القدس وتل أبيب وتشمل: كريات اناتيم، معاليه همشاه، رامات هاشوميت، موتساعيليت، موتسا تحتيت، كفار أورياه([xxiv]).
ز ـ مستوطنات متفرقة في منطقة النقب وتشمل:
جفولوت، هاتسريم، مشما هانجيف، تيريم، ريفيفيم، سعد، تسئيليم، اوريم، شوفال، نيفائيم.
دور المستوطنين

رغم أن المستوطنين حاولوا ردع كل ما من شأنه الحيلولة دون توسيع رقعة الاستيطان بالاعتماد على دعم الحكومة العثمانية، ورغم وجود الأسلاك الشائكة حول المستوطنات لحمايتها، إلا أن بوادر التنظيمات الاستيطانية العسكرية بدأت بالظهور في مطلع القرن العشرين. ففي عام 1907 تأسست منظمة هاشومير «الحارس» وقد أسسها مهاجرون يهود بهدف حماية وتوسيع المستوطنات اليهودية في فلسطين ورفعت شعار «بالدم والنار تسقط يهودا، بالدم والنار ستنهض من جديد..»([xxv]) وقد ظهرت حركة هاشومير أول مرة في مستوطنة الشجرة وفرضت شعار "العمل العبري"، وأعطي لها بيت ليصبح مقراً لها، ووجب على العضو في الحركة أن يكون على استعداد للانتقال إلى أي مكان يُحتاج إليه فيه، وقد تقاضى أفراد حركة هاشومير أجراً عينياً. وقد مزجت الحركة بين العمل السري والعمل العلني.
وأنيط العمل السري بالنخبة المختارة المدربة جيداً على الأسلوب الدفاعي في المهارات القتالية، وارتدى أعضاؤها الملابس العربية، ومارسوا ما يعرف بطرق مقاتلي الصحراء([xxvi]).
وفي الليالي المقمرة يتناوب حارسان على الحراسة، وفي غير ذلك، يزداد عدد الحراس. حلت منظمة الحارس عام 1920، عندما ظهرت منظمة الهاغاناة والهستدروت، وفيما سعت الهستدروت إلى إيجاد المستوطن الذي لا يملك سوى قوة عمله ليعيش من خلال السيطرة الكلية على وسائل الإنتاج في المستوطنة، تولت الهاغاناة مهمة حماية المستوطنات وتأمين انتشار أعمال الاستيطان.
وفي الثلاثينات، وخصوصاً في أثناء أحداث ثورة 1936، أنشئت تجهيزات خاصة في المستوطنات الصهيونية، إذ أضيف لكل مستوطنة برج مراقبة وسور عال. ليحيط بالمستوطنة من كل الجهات، بينما أقيمت كل منشآت المستوطنة مبنى مهاجع النوم، المخازن، عنابر الطعام، خزانات المياه داخل ذلك السور([xxvii]).
وفي الوقت نفسه قررت المنظمة الصهيونية أن تزيد من سرعة الاستيطان وأن تنتشر المستوطنات بعيداً عن الشريط الساحلي إلى المناطق التي لم يسكن اليهود فيها من قبل لخلق تجمعات يهودية لمواجهة احتمال طرح مشروع التقسيم، ولذلك ظهرت المستوطنات في بيسان والجليل الأعلى([xxviii]).
ولضمان تحقيق هذا الهدف، كانت الهاغاناة تقوم بمهام الحراسة والأمن في المستعمرات اليهودية وإلى جانبها قوة من شرطة المستوطنات التي شكلتها حكومة الانتداب وكانت تتألف من:
* عدد صغير من الوحدات المتنقلة تدفع مرتباتها وتزودها بالمهمات حكومة الانتداب للقيام بواجبات الحراسة الليلية.
* عدد أكبر من قوات الشرطة الخاصة يسمح لها استخدام أسلحة القوة المتنقلة في حالات الطوارئ.
* وحدات متنقلة مهامها تقتصر على مناطق محددة تقوم بحراسة الطرق وتعزيز حاميات المستوطنات التي تتعرض للهجوم، وتنصب الكمائن للعرب أثناء اقترابهم من المستوطنات اليهودية أو انسحابهم منها([xxix]).
وفي الأربعينات، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ومع تسارع الاستيطان الصهيوني واتساع رقعته ظهر على مسرح الأحداث نمط جديد لنشاطات الهاغاناة الصهيونية كان هدفه «تفريغ الأرض من سكانها العرب لتوسيع بناء الاستيطان، وانتهجت الهاغاناة أسلوب المذابح الجماعية، يقول ديفيد بن غوريون في كتابه «حزام الأقدار»: «حملت الحوادث المتكررة الهاغاناة على ممارسة شكل جديد من أشكال الانتقام لكي تخلق انطباعاً قوياً لدى القرى العربية، وذلك بأن تظهر لهم أن ذراع الهاغاناة الطويلة يمكن أن تصل إلى أكثر المناطق العربية بعداً وأن ترد الضربة... إن الغاية من الانتقام لم تكن العقاب، بل أصبحت التحذير والتهويل»([xxx]). وقد ارتكبت الهاغاناة ليحي والارغون وايتسل عدداً من المجازر ضد العرب يهدف طردهم من بلادهم.
وخلال حرب 1948، استغلت المستوطنات الصهيونية لتطبق مبدأ الاقتصاد في القوى البشرية، وتوزيع القوات، والقيام بأعمال التمويه والمشاغلة وكسب الوقت، وزودت بالملاجئ الكبيرة، وبعض التحصينات مثل الخنادق القتالية، الأسلاك الشائكة، الأسوار العالية وأبراج المراقبة مما جعلها تحول إلى مراكز دفاعية قوية([xxxi]).
الفترة الثانية: 1948 ـ 1967:

بدأت هذه الفترة بالنكبة وإعلان المستوطنين الصهاينة قيام كيانهم أو دولتهم الاستيطانية المستقلة تحت حماية القوى الاستعمارية القديمة والجديدة (بريطانيا، فرنسا والولايات المتحدة) التي دعمت المشروع الاستيطاني وسارعت إلى التعهد بحماية حدوده، وقد شملت هذه الفترة المتغيرات التالية:
أ ـ قيام النكبة وطرد 940 ألف فلسطيني إلى الدول العربية وتحويلهم إلى لاجئين. وقد تصاعد عدد اللاجئين من 230 ألفاً حتى 10 أيلول 1948 إلى 472 ألفاً حتى تشرين الأول 1948 ووصل إلى 940 ألفاً حتى حزيران 1949، وتوزع اللاجئون على الدول العربية على الشكل التالي: 10% في سورية، 14% في لبنان، 6% في العراق، 10% في شرق الأردن، 38% في الضفة الغربية، و36% في قطاع غزة([xxxii]).
ب ـ مصادرة ما يعادل 6.453.241 دونماً من أراضي اللاجئين الفلسطينيين موزعة على النحو التالي:
772.874 دونماً في عكا، 238.775 دونماً في بيسان، 264.661 في طبرية، 611.244 دونماً في حيفا، 351379 دونماً في طولكرم، 281.878 في القدس، 166.905 دونماً في يافا، 657.105 في الرملة، 775.134 دونماً في غزة، 1.161.1491 دونماً في الخليل، 255676 دونماً في جنين 23.414 دونماً في نابلس، 360.787 دونماً في الناصرة، 6240 دونماً في رام الله، 525.674 دونماً في صفد([xxxiii]).
ج ـ طرد ما يعادل 200 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم داخل فلسطين وتحويلهم إلى لاجئين داخليين أو مهجرين Internally Displaced Persons وتجميعهم في عدد من القرى والمدن، وحرمانهم من إمكانية العودة إليها رغم صدور قرارات من الحكومات الإسرائيلية تؤيد هذا الحق. والأمثلة كثيرة كفر برعم، أقرت وسكان بعض القرى العربية المدمرة الذين يعيشون في حيفا والناصرة وعكا.
د ـ تهويد الأرض من خلال الاستيطان بأنواعه المختلفة.
* الكيبوتس وهو مستوطنة تقوم لأغراض خاصة (صناعية، تجارية) بالإضافة إلى العامل الأمني، تكون ملكية وسائل الإنتاج جماعية، وبشكل أدق عائدة للدولة ِأو الحركة الاستيطانية المشرفة على الكيبوتس، ومن أشهر الحركات الكيبوتية: الكيبوتس الموحد، اتحاد الكيبوتسات، الكيبوتس القطري، عمال اغودات يسرائيل، الشباب الصهيوني الكيبوتس الديني، وقد بلغ عدد الكيبوتسات 228 كيبوتسا.
* الموشاف، أو ما يعرف بالمستوطنات الزراعية التعاونية. ومن أشهر الحركات الصهيونية العاملة في هذا المجال: حركة الموشانيم، هبوعيل مزراحي، حركة العامل الصهيوني، حركة حيروت، محال اغودات يسرائيل، اتحاد الفلاحين الصهيوني، الاتحاد الزراعي الصهيوني، ويبلغ عدد الموشافيم 349.
* الموشافيم شيتوفي المستوطنات التعاونية الجماعية، ويبلغ عددها 26 موشافيم.
* القرى والمستوطنات الزراعية الخاصة، وهي في معظمها قرى قديمة العهد، يعدو بعضها إلى مرحلة ما قبل الحرب العالمية الأولى، ويبلغ عددها 53 قرية ومستوطنة خاصة. ([xxxiv])
* مدن التطوير: أو ما يعرف بالاستيطان المدني Urban Settlements Development Towns في الفترة ما بين 1948 و1964 أنشئت في إسرائيل مدن التطوير التي انتشرت من إيلات في الجنوب حتى كريات شمونه في أقصى الشمال. وقد روعي في إنشائها وإسكانها واختيار مكانها ما يعرف بمبدأ التجانس السكاني، أي أن يكون سكان المدينة مهاجرين متجانسين من حيث بلد المنشأ الذي هاجروا منه، أو ينتمون إلى فئة أو تيار ديني واحد، أو أن يكون لون بشرتهم واحداً أو متشابهاً، كما هو الحال في عراد وديمونة شمال شرقي النقب. حيث يسكن ما يعرف بالزنوج العبرانيون The Hebrew Negroes وهم مهاجرون من الولايات المتحدة ترفض الحاخامية الإسرائيلية الاعتراف بيهوديتهم، والأمر ذاته بالنسبة للفلاشا، اليهود الأثيوبيين، لا يسمح لهم الاختلاط باليهود الآخرين، وقد رفضت السلطات الإسرائيلية قبول تبرعاتهم بالدم([xxxv]).
والهدف الاستراتيجي من وراء انتشار هذه المدن هو خلق بؤر استيطان مركزية في مختلف أرجاء فلسطين ترتبط بكل منها المستوطنات المحيطة سواء من حيث المواصلات البحرية، السلكية أو اللاسلكية، أو من حيث التخطيط الإقليمي، والتخفيف من حدة اكتظاظ السكان في الشريط الساحلي وحول المدن الكبرى من خلال إعادة توزيع السكان، وأخيراً خلق إسكان مركز وموزع على أساس خرائط مصممة مسبقاً ومعدة للقيام بمهام خاصة. ([xxxvi])
وهذا يذكرنا بالطبع بالجانب الأمني لهذه المستوطنات، فقسم منها موجود بالقرب من الحدود الدولية مع كل من لبنان، سورية، والأردن، ومصر، وقسم آخر ينشر الكثافة السكانية الإسرائيلية على طول الساحل الفلسطيني، وقسم ثالث موجود بجوار مدن عربية، أو ذات أغلبية عربية، وأخيراً قسم رابع موجود لأهداف حربية محضة.
يشرح الكاتب الإسرائيلي أي. مالكن A. Malken في كتابه الاستيطان المدني الشامل The Comprhensive Urban Settlements الأهداف التي وقعت إسرائيل لإقامة هذا النوع من الاستيطان قائلاً([xxxvii]):
«لقد اضطررنا إلى إقامة مراكز تجمع مدنية، ليس فقط لأن الغالبية العظمى من المهاجرين الشبان يرغبون في الحياة المدنية، بل لضرورات دفاعية واقتصادية...الخ. ولذلك فتحت مشاريع صناعية وخدمات اجتماعية من شأنها أن توجد إطاراً اجتماعياً ترتبط به الجوانب الاقتصادية والاجتماعية. ولقد حظي هذا التوجه بالدعم الأساسي من وزارة الدفاع الإسرائيلية. إن هذا النمط من المدن يتطلب إيجاد فروع جديدة من الصناعة، ونقل الصناعات الفاتحة في المدن الرئيسية، ويستوعب قسماً كبيراً من العاملين في المزارع المجاورة ومن بين مدن التطوير:
1ـ العفولة: أكبر مستوطنة في قضاء الناصرة حتى عام 1948، أنشئت عام 1925، وتحولت فيما بعد إلى مدينة.
معلوت، أنشئت على أراضي قرية ترشيحا عام 1958، وتبعد عن نهاريا بـ 18كم.
الناصرة العليا، أنشئت عام 1957، وتقع شمال شرق الناصرة العربية وتبلغ مساحة سطحاتها أربعة أضعاف مساحة الأراضي التابعة لمدينة الناصرة العربية.

كريات شمونه، أنشئت في إصبع الجليل على أراضي قرية الخالصة العربية عام 1949.
شلومي، أنشئت على الطريق المحاذي لجنوب لبنان، تبتعد 3 كم عن البحر وقد أسست عام 1950.
مجدال هاعيميق، أقيمت على أراضي قرية المجدل العربية بالغرب من مدينة الناصرة عام 1953، وتقع إلى الجنوب الغربي من الناصرة العربية.
إيلات أقيمت عام 1949 على أنقاض قرية أم الرشراش العربية التي استولت عليها إسرائيل بعد توقيع الهدنة مع كل من مصر والأردن.
ديمونه أنشئت جنوب شرقي بئر السبع، عام 1956، وكان من الواضح أن إقامة هذه المدينة مرتبط بالمفاعل الذري الموجود بها.
نسبي رامون أنشئت عام 1956.
10ـ أوفاكيم، أنشئت شمال النقب عام 1955.
وثمة فئة خاصة من مدن التطوير، وهي عبارة عن مدن عربية احتلت عام 1948 وطرد سكانها بشكل كامل أو شبه كامل، وأسكنت بالمهاجرين اليهود من أماكن مختلفة من العالم، واعتبرت مدن تطوير وتحظى بامتيازات اقتصادية واجتماعية وإعفاءات ضريبية لتشجيع الاستيطان فيها. وتشمل هذه الفئة: عكا، بيسان، طبرية، صفد، الرملة، اللد، اسدود، عسقلان، وبئر السبع.
وإذا أضفنا إلى الاستيطان، القوانين الإسرائيلية التي وضعتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة للتمييز ضد العرب وتبرير اضطهادهم، يمكننا تصور حياة العرب على النحو التالي:
ـ مناطق جغرافية مقطعة الأوصال محاطة من كل الجوانب بالمستوطنات يتحول بعضها إلى غيتوات، كما حدث في عين ماهل، ويعيش بعضها الآخر حالات من الحرمان من الخدمات والمرافق وكل ما تتمتع به المستوطنات والمدن الإسرائيلية، ويكفي أن يشاهد المرء أوضاع الحي العربي في مدينة اللد، على سبيل المثال. وثمة ظاهرة أخرى لا تعرفها بلدات العالم بأسره وهي التجمعات والقرى والبلدات غير المعترف بها، وتبلغ أكثر من ستين قرية وتجمعاً بشرياً. تحرم من رخص البناء، والماء والكهرباء والمدارس والمشافي والطرق، ويحظر عليهم امتلاك الأراضي. أما العشائر البدوية، فحياتهم بفعل إرهاب ما يعرف بالدوريات الخضراء تتحول إلى جحيم، إذ تصادر السلطات الإسرائيلية أراضي المراعي بحجة أنها أملاك دولة، وتحرمهم من ممارسة حياتهم الطبيعية، وأحياناً تفرض عليهم التجمع في أماكن محددة، وتهددهم من حين لأخر بالطرد، وفي أحيان أخرى تجبرهم على مغادرة أراضيهم لأنها تريد توسيع المستوطنات، وهذا ما حدث لعشائر المجاريش الذين اضطروا للعيش في المغاور. وتريد سلطات إسرائيل ترحيلهم لتوسيع مستوطنة معاليه ادوميم.
ولا تكتفي سلطات إسرائيل بالتمييز ضد التجمعات العربية في مجال الميزانيات بل يمتد ذلك ليصل إلى كافة مجالات الحياة. وإليكم المثال التالي عن الوضع المائي للعرب في إسرائيل. يشكل العرب نحو 18% من إجمالي عدد السكان، وهم يملكون نحو 8% من الأراضي المروية، لكن حصة العرب من المياه المستخدمة للزراعة لا تزيد عن 1.2 مليون م3 سنوياً، أي ما يعادل1.8% من إجمالي مجموع المياه المستخدمة في الزراعة، وهذا يعني أن كل مزارع صهيوني يستهلك، ما يساوي حصة 28 فلاحاً عربياً، ولمزيد من الدقة إليكم مقارنة بين استهلاك المياه بين تجمعين أحدهما قرية عربية وتسمى المشهد بالقرب من الناصرة، والآخر مستوطنة وتدعى يفعيت([xxxviii]).
عدد السكان
قرية المشهد
مستوطنة يفعيت
المعتمدون على الزراعة
2417
8045
مساحة الأرض المزروعة
1400
720
عدد الدونمات للفرد الواحد
303
16
قيمة المياه للدونم الواحد (م3)
ـ
3062
وهذا مثال آخر على التمييز ضد العرب في وظائف الدولة، وقد أورده السيد إسرائيل شامير. يقول الكاتب إنه من أصل 13 ألف عامل في شركة الكهرباء الإسرائيلية لا يوجد سوى 6 عمال فقط من غير اليهود، وفي أجهزة الجيش والطيران والاستخبارات والشرطة لا يوجد عامل واحد غير يهودي، ولا يوجد عامل واحد غير يهودي في عداد محرري الصحف الأكثر أهمية في إسرائيل مثل هآرتس([xxxix]).
ما الذي خلقته دولة المستوطنين الصهاينة في فلسطين؟ إنه الأبارتـيــد!
هذا ما توصل إليه أستاذ الكيمياء المعروف في الجامعة العبرية في القدس البروفيسور يشيعياهو ليبوفيتش الذي يشرح وجهة استنتاجاته قائلاً:
«لأن المقصود هنا منذ البداية هو سيطرة شعب على شعب آخر في هذه البلاد... أتعرف ماذا سيكون لنا هنا؟ روديسيا! إن وجود مليون ونصف المليون عربي تحت سيطرتنا يعني دماراً كاملاً لكل التكوين الاجتماعي للمجتمع الإسرائيلي. إن العرب هم الشعب العامل ونحن اليهود أرباب العمل ومشرفون عليه. وموظفون، ورجال شرطة وشرطة سرية. وإذا تحقق حلم رجال المسخ المسمى أرض إسرائيل الكاملة سيكون ذلك بالضرورة دولة مخابرات حتى ولو لم توجد لدينا نوايا فاشتستية تعسفية»([xl]). وللتوضيح نقول إن أقوال ليبوفيتش جاءت في السبعينات، قبل سقوط العنصرية في روديسيا وتحولها إلى جمهورية زمبابوي لكن الاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة خلق كل المقدمات الضرورية لقيام المعازل العنصرية من جهة وتعمق الظواهر الفاشية العنصرية من جهة أخرى.
الفترة الثالثة: 1967 وما بعد:

جاءت هذه الفترة بعد عدوان حزيران وتعاظم التطرف في إسرائيل واتساعه وتنامي أوهام إسرائيل الكبرى، بعد الانتصار العسكري الساحق الذي حققه الجيش الإسرائيلي في الحرب، لكن العامل الأهم هو اتساع ظاهرة الفاشية في المجتمع الإسرائيلية وقد شكل المستوطنون عمودها الفقري، وأصبحت المستوطنات ملاذاً لكل المتطرفين، وفي هذه الأثناء بات واضحاً أن ثمة تقاسم للأدوار بين الحكومات الإسرائيلي والمستوطنين، وأخيراً سعت الصهيونية وإسرائيل «فرض» الأبارتـيــد بكل أبعاده في المناطق المحتلة. اعترض المحامي الإسرائيلي شمعون لافي على التمييز العنصري الذي يتعرض له الفلسطينيون في المعامل في المستوطنات: «لا أستطيع القبول بالأوضاع القاسية التي يستغل بها الفلسطينيون من قبل المستوطنين في يهودا والسامرة وغزة. السبب في إقامة المعامل هو قوة العمل الرخيصة.. إنهم يعملون في أوضاع عبودية... ورديات العمل 12 ساعة، ويدفع لهم الحد الأدنى من الأجر([xli]).
الادعاءات التي يخدمها الاستيطان في
المناطق المحتلة عام 1967:


1ـ الادعاء الديني/ التاريخي الذي تريد إسرائيل من خلاله فرض رؤيتها الأسطورية لتاريخ فلسطين وتكريس ما ورد في التوراة من قصص وأساطير وحكايات على أنها حقائق تاريخية، واعتبارها تشكل جزءاً من تاريخ إسرائيل المزعوم، وتجند إسرائيل لهذا الغرض عدداً كبيراً من العلماء التوراتيين الذين يتعمدون طمس التاريخ الفلسطيني، ويتجاهلون كل الشعوب التي عاشت في هذا البلد، وينسبون المكتشفات التي تعود للفترة الهيلينية والفارسية لليهود. ومن المستوطنات التي أقيمت على هذا الأساس كريات أربع، إضافة إلى المعاهد الدينية في قبر يوسف في نابلس وضريح راشيل في بيت لحم...الخ([xlii]).
2ـ ادعاء الملكية التاريخية، أقيمت العديد من المستوطنات على أراضي أدعت أنها ممتلكات يهودية تاريخية، أو على الأقل أنها كانت تعود لليهود قبل عام 1948، وهذا ينطبق على الحي اليهودي في الخليل، مستوطنة غوش عتسيون في القدس، كفار داروم في قطاع غزة.
3ـ الادعاء الحيوي، أو ما يعرف بالمصالح القومية الإسرائيلية، وذلك استناداً إلى ما ورد في الخريطة التي أعدها اريئيل شارون، عندما كان وزيراً للبنى التحتية، وهذا يشمل المستوطنات التي أقيمت في مناطق تحتوي خزانات المياه الجوفية في الضفة الغربية لأن إسرائيل تعتبر هذه المياه غنائم حرب يحق لها الاستئثار بها وحرمان العرب منها، وهذا يشمل المستوطنات بين طولكرم واريئيل، ومستوطنات منطقة ***وع، بالإضافة إلى كتلة قطيف في قطاع غزة([xliii]).
4ـ الادعاء الجغرافي: وهذا يشمل عدداً من المستوطنات التي أقيمت على طول الخط الأخضر الذي يفصل الضفة الغربية عن إسرائيل بشكل يجعل الحدود مستقيمة تقريباً.
5ـ الادعاء الاقتصادي: والمقصود هنا المناطق الصناعية التي أقيمت بالقرب من المدن العربية لتكون قريبة من أسواق الأيدي العاملة الرخيصة من جهة، ولضمان استمرار استثمار إسرائيل لقوة العمل العربية في حال تطبيق خطة الفصل بين إسرائيل والمناطق العربية التي يطالب بها كثيرون في حكومات إسرائيل المتعاقبة.
6ـ الادعاء القومي الشوفيني: يقول بعض علماء الاجتماع في إسرائيل إن للاستيطان أهدافاً اجتماعية وسياسية مرتبطة ببنية المجتمع الإسرائيلي نفسه، ويرى علماء الاجتماع في معهد البحث الاجتماعي وهم: بيريس، ياعر، سوينذ واريان، أنه «بعد حرب 1967، تكونت في إسرائيل فرصة لم تتوفر عموماً للشباب في العالم الغربي، وهي الإيديولوجيا المغالية وطنياً، التي ينضم إليها الخطر الأمني على الوجود، مما يعطي الشباب الإسرائيلي فرصة للتعبير عن الطاقة وروح الشباب، وعلى هذا الأساس يجري جيل من الشباب نحو هتحيا». ويمضي تقرير معهد البحث الاجتماعي الذي نشرته مجلة Merip Report قائلاً: «إن احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، قد وفر القاعدة المادية كي يتحول التطرف والحقد العنصري إلى ممارسة يومية على أيدي غلاة المتدينين الذين وجدوا الأساس لخوض الصراع تحت شعار التطرف الديني بشكل أكثر تعنتاً وتطرفاً، وأصبحت إدارة المناطق بالنسبة لهم هدفاً بحد ذاته، وليس وسيلة لحماية أمن إسرائيل»([xliv]).
7ـ إقامة المعازل: لقد تحولت المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 إلى مناطق معزولة، أو ما يعرف بظاهرة جلد النمر، وقد نفذت هذه الخطة عبر عملية مركبة استهدفت:
أ ـ احتلال المواقع الاستراتيجية في الضفة الغربية، حيث تكون المستوطنة محصنة طبيعياً وتشرف على مفارق الطرق، لأن من يسيطر على الفرق يصبح سيد الأرض، كما يقول المبدأ مستمر، كما يقول إيغال آلون: «الاستيطان استهدف، بالدرجة الأولى، ضمان أن توضع مساحات متزايدة وباستمرار تحت سلطة الشعب اليهودي»([xlv]) وبشكل عام ينطبق هذا النوع من النشاط الاستيطاني على الكتل الاستيطانية التي نفذت في عهد حكومة المعراخ حتى عام 1977، واستهدفت تكريس مشروع آلون لانسحاب جزئي من الضفة الغربية مقابل حل وسط إقليمي، وتركز الاستيطان في غور الأردن، منطقتي بيت لحم والخليل، المستوطنات الموجودة بالقرب من خط الهدنة، المستوطنات التي أقامتها حركة غوش امونيم في منطقتي رام الله ونابلس.
ب ـ تطويق المدن العربية من خلال مجموعة من الأطواق الاستيطانية المتتالية بهدف تسهيل السيطرة على هذه المدن وقطع الطرق الموصلة إليها، وتسهيل اقتحامها واحتلالها.
ولو ألقينا نظرة على الخرائط الاستيطانية لوجدنا أن مدن الضفة الغربية مطوقة على النحو التالي([xlvi]):
* لواء جنين وقد طوقت مدينة جنين وعزلت على بقية أجزاء الضفة الغربية بالمستوطنات التالية:
من الشرق: ملكي، شواح، جائر.
من الشمال: هيفوريم، جفعات عوز، مي عامي.
من الغرب: جنيايت، ريحان، شاكيد، ميفودونان، حرميش
من الجنوب: مومش ومن الجنوب الشرقي جانيم.
* طولكرم: في هذه المنطقة يتخذ الاستيطان شكلاً محدداً ينسجم مع رغبة إسرائيل المعلنة بضم أجزاء من هذا اللواء، إذ عزلت طولكرم عن لواء جنين بواسطة عدة مستوطنات أهمها: عينات، أفني خيبتش، وعزلت طولكرم عن قلقيلية بواسطة مستوطنة سلعيت، بينما طوقت مستوطنات كرين شمرون، شمرون، الكنا، شاعري تكفا، الفانشيه، تزافتا، طوقت مدينة قلقيلية من كل الجهات.
* مدينة نابلس: طوقت بحزام من المستوطنات مركزها مستوطنة آلون موريه، موشيه زرعين، شيخيم عيليت، براقا، تل حاييم، نابلس يشيفا.
ومن جهة أخرى، قطعت المستوطنات التواصل الجغرافي للواء نابلس الذي يطل على نهر الأردن من الشرق والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 من الغرب، ولذلك أقيمت المستوطنات التالية لمنع إطلالة الأراضي الفلسطينية على نهر الأردن: ميحولا، شيدموت ميحولا، روتيم، يابوق، روتيم حمدات، رومي يتسائيل، يافيت شلوعتسيون، ويتبع هذا الخط من المستوطنات خط آخر يمتد من الشمال إلى الجنوب ويشمل: يقعوت، حمرا (أ) وحمرا (ب) جفت، معاليه افرايم، وفي القسم الغربي من نابلس، حيث تتواجد السفوح الغربية لجبال نابلس الغنية بمياهها الجوفية والتي تخطط إسرائيلي لضمها في أية تسوية سياسية([xlvii])، أقيمت كتلة من المستوطنات بشكل كثيف ومتواصل وتشمل من الشمال إلى الجنوب. جوتنيل، تسفي شومرون، تسديم، كرني شومرون، عمانوئيل، ياكير يوسيفيا، نوفيم. ومن الناحية العملية تفصل هذه المستوطنات لواء نابلس عن لواء طولكرم. وقد عزلت أراضي لواء نابلس عن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 بواسطة مستوطنات: الكنا (أ)، الكنا (ب)، يدئيل، بيت آبا، نيفاتيم. وأخيراً فصل لواء نابلس عن لواء رام الله بشريط من المستوطنات يمتد من الغرب إلى الشرق ويشمل: يوعيز اثني حيفنتس، ليفونا.


والخلاصة:

أن الاستيطان يقطع أوصال نابلس، ويجعل المدن والقرى مناطق مبعثرة يمكن عزلها عن بعضها بكل سهولة.
* لواء رام الله: أحيطت مدينة رام الله بحلقة من المستوطنات تضم: بتساموت، بيت ايتل، بيت إيل، عوفره، عطيروت، حالاميش، جفعوت شومرون، دولاف وأقيمت مجموعة من المستوطنات من الشمال إلى الجنوب بمحاذاة الخط الغربي للواء رام الله بهدف جعل الحدود أقرب إلى الخط المستقيم وهذه المستوطنات تشمل من الشمال إلى الجنوب عوفريم، بيت اريه، عسائيل، نعله، مفتوياحو أن يهوياريف، كندا بارك، كفاروت.
* لواء أريحا: بعد تدمير مخيم عقبة جبر، وحرمان العرب من استعمال مياه نهر الأردن، وحرمانهم من حفر الآبار الارتوازية، وتجفيف الآبار القليلة الموجودة هناك، استهدف الاستيطان في لواء أريحا:
أ ـ إقامة خط من المستوطنات بمحاذات نهر الأردن من الشمال إلى الجنوب وهذا يشمل مستوطنات: تسوري، نعامي، مول مينو، مول نيفو، بيت هيعرفاه.
ب ـ إقامة كتلة من المستوطنات تفصل أريحا عن القدس: وهي بيت هافرعاه، الموج، فيرير يخو، متسبيه يريحو.
ج ـ تفصل مستوطنة اليشع أريحا عن نهر الأردن.
لواء بيت لحم: لهذا اللواء أهمية خاصة لأنه ملاصق للواء القدس من جهة، ويطل على البحر الميت من جهة أخرى، ولئن كانت السلطات الإسرائيلية تريد ضم الجزء الأكبر من أراضي هذا اللواء ضمن القدس الكبرى، فهي تريد حرمان الدولة الفلسطينية من الاستفادة من البحر الميت باعتبارها إحدى الدول المشاطئة له. لهذا السبب وجدت عدة مستوطنات إسرائيلية بالقرب من البحر الميت، من أهمها مستوطنة متسبيه شاليم، ومتسبيه دراجوت. بينما أحيطت مدينة بيت لحم بعدد من المستوطنات من كل الجهات:
ـ ليت شومروه من الشمال الشرقي، هارجيلو إلى الشمال الغربي، بيتار عيليت من الجنوب الغربي، النبي دانيال، اليعاز، وافرات، وفي الجنوب الشرقي مستوطنتي الدافيد، وتكواع. وهناك ثلاثة مستوطنات وجدت لأغراض جغرافية محضة وهي جعل الحدود بين لواء بيت لحم والقدس الغربية مستقيمة، والمستوطنات هي روش تسوريم، انغيل، ألون شيفوت. ويمكن لأي طريق بين معالية عاموس ومتسبيه دراجوت أن يفصل بيت لحم عن الخليل.
لواء الخليل:

يعتبر الاستيطان في لواء الخليل خير دليل على صحة الاستيطان على أساس الادعاء الديني التاريخي الذي أشرنا إليه سابقاً. ولدى دراسة التوزيع الجغرافي للمستوطنات يمكننا ملاحظة ما يلي:
تطويق مدينة الخليل بحلقة من المستوطنات من جميع الجهات، كريات أربع من الشمال الشرقي، خرسيا إلى الشمال، إلى الحي اليهودي في وسط المدينة وهو مرتبط بكريات أربع بواسطة شارع الشهداء، وفي الجنوب عاثر.
قطاع غزة:

أـ رغم أن قطاع غزة يعتبر من أكثر بقاع الأرض اكتظاظاً بالسكان، فقد احتلت المستوطنات الإسرائيلية أكثر من 40% من مساحة القطاع وتوزعت على شكل كتل استيطانية لتقسيم القطاع على الشكل التالي:
ب ـ فصل غزة عن خان يونس بواسطة كتلة مستوطنات قطيف التي تضم قطيف نستر، حزاني، فاديش، جاني طال، قطيفسد، نيفي جديدة.
ج ـ فصل خان يونس عن رفح بواسطة عدة مستوطنات منها يبدولاج، متسبيه عتصمونا.
د ـ فصل القطاع عن النقب بواسطة كتلة المستوطنات التي تشكل خطاً يقسم القطاع إلى قسمين وهي من الشمال إلى الجنوب، ايرتز، تل قنطار، كفار داروم، قاديش، موراج.
الـقـــدس:

استهدفت الخطة الاستيطانية في القدس تدمير كل ما هو عربي بشكل تدريجي وبوسائل مختلفة، ففي البداية كانت عملية إزالة أحياء كاملة بحجة إظهار حائط المبكى ومن ثم كتل استيطانية راموت، بيت حنينا، نيفي يعقوب، جفعات زئيف، رامات أشكول، التلة الفرنسية، معالية دفنة، جبل المبكر، المدينة القديمة، تالبيوت الشرقية، بيت صفافا، جبل أبو غنيم، جيلو.
وبعد سنتين من توقيع اتفاق أوسلو، أقرت الحكومات الإسرائيلية ما يعرف بالقدس الكبرى التي تبلغ مساحتها 950 كم‌2، 30% يقع داخل الأراضي المحتلة عام 1948، وتحسم هذه المحطة وبشكل مسبق مصير 340 كم2 من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. وتعتبر ذلك أمراً مفروغاً منه ولا يقبل النقاش. ومن أهداف هذه الخطة:
الإجهاز وبشكل حتمي ونهائي عن ما تبقى من عناصر لإعادة تأهيل المناطق الفلسطينية اقتصادياً واجتماعياً.
2ـ الحيلولة دون إيجاد مناطق صناعية وتجارية فلسطينية، أو بناء آلاف من الوحدات السكنية الجديدة الفلسطينية. الأمر الذي من شأنه أن يساهم ليس في إنعاش القدس وحدها بل وكل المناطق الفلسطينية المحيطة بها([xlviii]).
3ـ الخطة تحرم مواطني القدس الشرقية من 30 كم2 من الأراضي، وهي منطقة مخصصة للسكن ويمكنها استيعاب ثلاثين ألف وحدة سكنية إضافة إلى المناطق الصناعية والتجارية الحيوية.
4ـ أزيلت مساحة 2.5كم2 من المناطق المخصصة للصناعة في المناطق العربية المتاخمة للقدس وأقيمت عليها أربع مستوطنات هي غليو شرق، عطيروت جنوب، مسكاف زئيف، وشرفة شعفاط.
مواجهة النمو السكاني الفلسطيني ذي النسبة العالية بضم القدس الشرقية التي باتت إسرائيل تتمتع فيها بأغلبية ضئيلة إلى القدس الغربية.
لمواجهة النمو السكاني العربي في محيط القدس الكبرى التي تضم 300 ألف عربي، تسعى الحكومات الإسرائيلية إلى زيادة عدد المستوطنين في جفعات زئيف، معاليه أدوميم، بيتار وأفرات.
يمكن السيطرة على التجمعات السكانية العربية من خلال مشاريع الإسكان الصناعية، الطرق الالتفافية، السياحة، الاستجمام([xlix]).



إن الاستيطان لا يقطع أوصال الأراضي الفلسطينية ويفصل أجزاءها الشمالية عن الجنوبية فحسب، بل ويقطع أوصال المنطقة الواحدة إلى مجموعات من الجزر المتناثرة التي يمكنها عزلها عن بعضها البعض بواسطة الطرق الالتفافية.
يقول زئيف حيفر، مدير «آمناه» الجهاز الاستيطاني «لييشع» مجلس مستوطنات الضفة الغربية وقطاع غزة «إن الطرق الالتفافية أعطت الاستيطان في يهودا والسامرة دفعاً كبيراً»([l]).
ب ـ الطرق الالتفافية:

تأتي الطرق الالتفافية لتكمل ما عجزت المستوطنات عنه، وهو حصار التجمعات العربية مدن، قرى، مخيمات وبلدات، وتطويقها وتحويلها إلى جزائر معزولة تماماً عن بعضها البعض. وقد جاءت هذه الطرق لتنفيذ الرؤية الإسرائيلية لاتفاق أوسلو الثاني في 28/9/1995 الذي وقع في واشنطن، وينص على أن المسؤولية عن الأمن الشامل للإسرائيليين في المستوطنات، ومن أجل ضمان أمنهم الداخلي والنظام العام، سيكون لإسرائيل صلاحيات أخذ الخطوات الضرورية لمواجهة هذه المسؤولية. وقد بدأ تنفيذ الطرق الالتفافية بموجب الأمر العسكري رقم 50 لعام 1995 الذي يجيز فتح الطرق الالتفافية التي تعتبر شكلاً من أشكال السيطرة على الأرض.
وبالفعل صادرت حكومة حزب العمل 21 ألف دونم لشق 28 طريقاً طولها 238 كم، وأدى شق الطرق الالتفافية إلى توسيع ما يسمى بالمناطق الآمنة، وحوصرت المدن الفلسطينية من أكثر من جهة وارتفعت أسعار الشقق السكنية في المستوطنات([li]).
الهدف الإسرائيلي المعلن هو أن تسمح الطرق الالتفافية، بتأمين التواصل بين التجمعات اليهودية في الضفة الغربية والمراكز السكنية في إسرائيل من جهة، والتواصل المستمر بين المستوطنات ذاتها من أجل ضمان توسعها المستمر، وأخيراً التحكم وبشكل كامل بحركة التنقل بين التجمعات الفلسطينية، علماً أن الطرق الالتفافية أقيمت لتستخدم من قبل المستوطنين فقط. وبالتالي، يصبح التقاء الطريق الفرعي القادم من أي تجمع عربي إلى الطريق الالتفافية فرعية كانت أم رئيسية بوابة يمكن لإسرائيل فتحها أو إغلاقها متى شاءت، وهكذا يستكمل بناء المعازل الفلسطينية.
تكلفة الطرق الالتفافية: قدرت التكلفة حسب أسعار 1995 بحوالي 600 مليون دولار، ولكن من المتوقع أن يرتفع المبلغ الحقيقي أضعافاً مضاعفة.
أهم الطرق الالتفافية: ([lii])

1ـ الطريق رقم 60 الذي يشطر الضفة الغربية من الشمال إلى الجنوب ويعتبر الشريان الرئيسي للطرق الالتفافية حول المدن الفلسطينية، ويبدأ من بئر السبع في شمال النقب ثم يصل إلى الخليل، وبيت لحم، القدس، رام الله، نابلس، جنين، وينتهي في منطقة العفولة في الأراضي المحتلة عام 1984. وتلتقي بهذه الطرق طرقات فرعية صغيرة للالتفاف حول المدن والطرق الفلسطينية، وطرق واصلة إلى المستوطنات، وهذه الطريق مقفلة أمام الفلسطينيين، وهي تقع داخل المنطقة ج التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية بشكل تام.
2ـ طريق الخليل/ حلحول: تمتد حول الخليل وإلى الشرق منها، طولها 21كم، وعرضها 60م. تمر حول يطة، الخليل، شرفا، الشيوخ، حلحول، سعير، بيت أومر. هدمت عشرات المنازل لبناء هذه الطريق وخسر العرب خمسة آلاف دونم من الأراضي الزراعية. ثم تعود وتلتقي بالطريق السريعة رقم 60 وتسمح بالتالي بالدوران حول الخليل وحلحول
3ـ الطريق السريعة رقم 35، طولها 14 كم، وعرضها 180م. صودرت 3850 دونماً لبنائها. تتصل هذه الطريق بالطريق الالتفافية الخليل ـ حلحول، وهي ترتبط كتلة مستوطنات عتسيون بالطريق رقم 60، وتربط مستوطنتي تيلم وأدورا غرب الخليل بالطريق رقم 60، وهناك طرق فرعية أخرى لربط المستوطنات غربي الخليل مثل متساد، متساد ب وصولاً إلى عتسيون([liii]). ستتقاطع مع الطريق رقم 60 في منطقة بيت عانون، ثم تمضي شمالاً عبر أراضي حلحول، عسير، الشيوخ بيت فجار لتصل إلى كتلة عتيسون بالقرب من بيت لحم.
4ـ الطريق السريعة رقم 45 التي تربط بين مطار بن غوريون باللد، ومطار قلنديا. عرض الطريق 150م وتسبب بمصادرة أراضي واسعة في قرى خربتا، بيت عور، رافات، بيتونيا، الجديدة، الجيت، بيرنبالا.
5ـ طريق بيت لحم، بيت جالا الالتفافية وتربط غيلو بكتلة عتسيون، وفي الطريق نفقان وجسر معلق بالطريق رقم 60 في منطقة عتيسون.
6ـ طريق القدس/ رام الله، طولها 9 كم، وألحقت أضراراً فادحة بمنطقة بيت حنينا. تبدأ من القدس إلى رام الله عبر أراضي بيرنبالا، جديدة، رافات، وتربط راموت بالمستوطنات المجاورة للقدس. ترتبط بالطريق رقم 60 بالغرب من عتيسون.
7ـ طريق البيرة ـ رام الله: تربط المستوطنات الواقعة شرقي رام الله بالمستوطنات الموجودة غربها، وتربطها جميعاً بالطريق رقم 60. تبدأ من مخماش، وتمتد شمالاً حول البيرة، رام الله، وتمر عبر مستوطنة بيت أيل، وتتجه نحو الجنوب لتصل إلى جعفات زئيف ومطار قلندية ([liv]).

(*) في أيلول 1948 كانت أجزاء واسعة من الجليل والمثلث تقع تحت سيطرة القوات العربية قبل احتلالها من قبل إسرائيل.

(**) اعتاد سكان القرى العربية القريبة من الحدود الانتقال إلى البلدان العربية المجاورة لقضاء حاجاتهم المعيشية.

(*) استغلت هذه المادة لإعادة بعض المتعاملين مع سلطات العدو الصهيوني وإعادة أملاكهم إليهم.

(**) استغلت هذه الفقرة لشراء الذمم وتجنيد متعاملين مع العدو.

([i])

([ii])

([iii])

([iv])

([v])

([vi])

([vii])

([viii])

([ix])

([x])

([xi])

([xii])

([xiii])

([xiv])

([xv])

([xvi])

([xvii])

([xviii])

([xix])

([xx])

([xxi])

([xxii])

([xxiii])

([xxiv])

([xxv])

([xxvi])

([xxvii])

([xxviii])

([xxix])

([xxx])

([xxxi])

([xxxii])

([xxxiii])

([xxxiv])

([xxxv])

([xxxvi])

([xxxvii])

([xxxviii])

([xxxix])

([xl])

([xli])

([xlii])

([xliii])

([xliv])

([xlv])

([xlvi])

([xlvii])

([xlviii])

([xlix])

([l])

([li])

([lii])

([liii])

([liv])
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 06-28-2012, 06:54 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,419
افتراضي

8ـ طريق تسفي شومرون ـ جبل عيبال في منطقة نابلس، طولها 8 كم، صودرت لأجلها 2400 دونم من أراضي دير شرف، الناقورة، بيت زواتا..الخ. تحيط بنابلس من الشمال وتصل إلى المنشأة العسكرية الإسرائيلية في جبل عيبال، ومن ثم إلى ألون موريه. طول الطريق 8كم، وتتقاطع مع الطريق الالتفافية 60 التي ستربط شفي سومرون بالثكنة العسكرية.
9ـ الطريق الالتفافية حول نابلس، طولها 24 كم، تربط ألون موريه بالمستوطنات الواقعة إلى الجنوب الشرقي، وتبدأ من ألون موريه، دير الحطب، بيت سالم، بيت دجن، مستوطنة حمرا، وتصل حتى مستوطنة ميخورا. وهناك تنقسم إلى فرعين الأول تمر عبر بيت دجن حتى تصل إلى مستوطنة حمرا، والثانية تتجه جنوباً حتى مداخل مستوطنة ايتمار.
10ـ الطريق الالتفافية رقم 477: أقيمت لتعزيز البنية التحتية لمستوطنة أرئيل وتربطها بالمستوطنات الواقعة إلى الجنوب منها. بدأ العمل بهذه الطريق عام 1994، يهدف الحد من قدرة القرى والبلدات العربية على النمو وتدمير آلاف الدونمات.
11ـ الطريق الالتفافية رقم 55: التي تخدم خط المستوطنات كدوميم، كوويم تسقوف، جيت جفعات همر كزي، كرني شمرون، معالي شمرون، تسوفيم، ألفي منشية. وقد صودرت 192 دونم لإقامة هذه الطريقة التي ستؤدي إلى زيادة عزلة مدينة قلقيلية شبه المعزولة في الوقت الحاضر.
12ـ طريق جنين الالتفافية، طولها 7 كم، تبدأ من المنشأة العسكرية، تتقاطع مع طريق كديم وغنايم، وتتقاطع أيضاً مع الطريق رقم 60، وقد صودرت لإقامة هذه الطريق 20 دونماً ([1]).
ومن جهة أخرى، لن تستخدم الطرق الالتفافية للربط بين الكتل الاستيطانية وتطويق التجمعات العربية فحسب. إذ كشفت الصحف الإسرائيلية النقاب عن صيغة جديدة للاستيطان يجري بحثها في الحكومة الإسرائيلية، وتقضي بإنشاء كتل استيطانية على طول الطرق الالتفافية بهدف خلق تواصل استيطاني يهودي، وقد يعني ذلك إقامة مستوطنات جديدة على طول محاور الحركة السريعة التي تخضع لسيطرة وزارة البنى التحتية القومية، لكن من المرجح أن يتكون التواجد اليهودي على طول محاور الحركة السريعة من منشآت تجارية وصناعية ومحطات وقود تخدم المناطق الإسرائيلية من جهة، وتكون جداراً يمنع العرب حتى من رؤية ما يحدث خلفه ([2]).
استناداً إلى التجربة العنصرية في النظامين البائدين في كل من جنوب إفريقيا وروديسيا، يمكننا القول إن الأبارتـيــد هو بالمحصلة انقسام السكان في بلد ما إلى مجتمعين منفصلين، أحدهما يتمتع بالحقوق والامتيازات والآخر محروم منها لأسباب عنصرية محضة متعلقة بالعرق، وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة ينقسم الناس هناك إلى قسمين، ولكن ليس على أساس العرق، بل الدين، لأن إسرائيل، حسب قوانينها الأساسية، إذ لا يوجد دستور لها، وحسب السياسات المعلنة لقادتها منذ تأسيسها وحتى تاريخه هي دولة اليهود، تعطى الحقوق على أساس الانتماء الإثني، وليس على أساس المواطنة كما هي الحال في بقية بلدان العالم، ولقد قامت القوانين الأساسية في إسرائيل على هذه الرؤية. ولنقرأ ما يقوله بن غوريون عن قانوني الجنسية والعودة لعام 1950 اللذين قدمتهما حكومة بن غوريون إلى الكنيست في 3/7/1950: «إن هذين القانونين معاً هما الشرعية التي وعدنا بها كل يهودي في المنفى... إن إسرائيل لم تخلق حق اليهود بالعودة، بل أعلنته فقط، إذ إن هذا الحق سبق دولة إسرائيل». ([3]) وتقول المادة الأولى لقانون العودة «لكل يهودي عائد إلى البلاد كيهودي عائد (Oleh)، وتقول الفقرة الثانية من قانون الجنسية «كل يهودي عائد Oleh في ظل قانون العودة يصبح مواطناً إسرائيلياً»،([4]) وعندما صدرت هذه القوانين وغيرها، كان السكان العرب في الأراضي المحتلة عام 1948 يعيشون تحت الحكم العسكري في ظل قوانين الطوارئ البريطانية محرومين من الحقوق. لقد طرأت أمور كثيرة أدت إلى إحداث تغييرات في أوضاع العرب في المناطق المحتلة عام 1948. ([5]) ولكن ما عجزت إسرائيل عن تكريسه في الأراضي المحتلة عام 1948 تريد تكريسه في الضفة الغربية وقطاع غزة باعتبار أن السكان في هذه المنطقة أجانب يعيشون على أرض ليست لهم. وهذا ما قاله شابيرا، وزير العدل في حكومة ليفي اشكول عندما قدم القانون رقم 11 لعام 1967 إلى الكنيست لتعديل أنظمة السلطة والقضاء «إن السبب الذي من أجله أقدم مشروع قانون تعديل أنظمة السلطة والقضاء وهو أن جيش الدفاع حرر من نير الأجانب أجزاء كبيرة من أرض إسرائيل وأن هذه الأراضي أصبحت تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي»،([6]) أي أن الأرض أصبحت جزءاً لا يتجزأ من أرض إسرائيل، أما العرب المقيمون عليها فيجب ترحيلهم. كما يقول جابوتنسكي «على العرب ترك فلسطين إلى الأقاليم العربية الواسعة حتى يستوطن محلهم اليهودي المشرد ويقيم حضارته عليها».
ولم تتغير النظرة إلى سكان الأراضي المحتلة عام 1967 حتى الآن، وأن تغيرت أساليب التعبير عن ذلك.. إذ يتحدث قادة الليكود صراحة وعلانية عن أهدافهم. يقول مناحيم بيغن «عندما نعطي تفسيراً لمعنى دولة إسرائيل علينا أن نحدد ونخطط لتكون يهودية نقية، فيها عمال وحرفيون وصناعيون ومهنيون يهود فقط، ومستوطنات زراعية ومدارس وجامعات يهودية وحضارة يهودية صريحة» ([7]).
ويكرر نتنياهو ما يقوله بيغن بأسلوبه الخاص، في كتابه «مكان تحت الشمس»، يقول نتنياهو «التاريخ يكتبه المنتصرون، الشعب الفلسطيني غير موجود في التاريخ الحضاري. إنه موجود في الإرهاب فقط. حق القوة، في النهاية، لا قوة الحق، هي التي ترسم الحدود على الأرض في المحصلة. سلام القوة وسلام الردع وسلام الجدار الواقي هو منطقنا بالأمس واليوم ويجب أن يبقى كذلك في المستقبل» ([8]).
والآراء نفسها عبر عنها إسحق رابين، بشكل غير مباشر حين قال «من موقع سلامنا مع الفلسطينيين نضع قضايا القدس، العاصمة الأبدية لإسرائيل، المستوطنات، اللاجئين، الدولة الفلسطينية في موضع غير قابل للمساومة ضد ما هو قناعة لدينا». ([9]) وأخيراً نورد ما يقوله الصحفي الإسرائيلي روزنتال في نيويورك تايمز: «إني أقدم نصيحة للعرب والفلسطينيين أن ينسوا أحلامهم بدولة أو أرض أو وطن فلسطيني أو أي إدعاءات بحق السيادة في فلسطين أو في القدس الكبرى»([10]).
وإذا عدنا إلى ما يقوله نتنياهو حول الجدار الواقي، لوجدنا أن المقصود هو الفصل بين إسرائيل وسكان الأراضي المحتلة الذين يضطرون للعيش في أماكن تتناقص مساحتها باستمرار، تحيط بهم كتل من المستوطنات وتعزلهم طرق التفافية، وحياتهم مرهونة بأوامر الحاكم العسكري للضفة الغربية أو لأي من أجزائها. والعقوبات التي يتعرضون لها لا حدود لها . ولنذكر ما قاله موشي دايان، في الكنيست في 1/12/1969 «سننسف بيوت شارع واحد إذا وجدنا ذلك ضرورياً. وإذا ساءت الأحوال نسفنا شارعين، وإذا استمر الوضع نسفنا ثلاثة شوارع وحتى حياً بأكمله، ولست أرى ضيراً في أن تصبح مدينة غزة صحراء» ([11]).
لقد مارست حكومة جنوب إفريقيا العنصرية سياسة الأرباتيد في سبعة معازل، بانتستونات، وإقليم للحكم الذاتي. أما إسرائيل فتريد أن تطبق سياسة الفصل العنصرية في الضفة الغربية وقطاع غزة، لكن العرب مضطرون للعيش في أكثر من أربعمائة من المعازل العنصرية المحاطة بالمستوطنات والطرق الالتفافية.
الدور الفاشي للمستوطنين:

أوجد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة كل الظروف المؤاتية لقيام الأبارتـيــد. إذا تقسم الناس إلى فئتين اثنتين:
أ ـ العرب سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، هم بنظر الاحتلال الإسرائيلي غرباء ويقيمون بشكل دائم تدار حياتهم اليومية بأوامر عسكرية تضرب بعرض الحائط بكل مبادئ القانون الدولي، حقوق الإنسان، المعاهدات الدولية حول وضع المدنيين في مناطق الاحتلال الحربي...الخ. وحيثما تعيش المناطق اليهودية داخل الخط الأخضر في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 حاله من الديمقراطية اليهودية، يقبع العرب في الأراضي المحتلة في ظروف تعتبر مقدمة للفاشية، كما يقول البروفيسور يشيعيا هوليبوقنش: «إن قادة الجيش تحولوا إلى حكام عسكريين على سكان أجانب. هذه كلها من العلامات البارزة لظهور عصابات عسكرية وقيادة عسكرية كالتي عرفناها في دول أخرى... إن استمرار الاعتداء على السكان العرب وتجريدهم من ممتلكاتهم وأراضيهم وبيوتهم وإقامة معسكرات الاعتقال سيؤدي إلى خنق حرية الرأي وهذه مقدمة للفاشية»([12]).
ب ـ المستوطن الإسرائيلي الذي يتصرف في المناطق المحتلة بذهنية السيد الأبيض في الأراضي المستباحة، يأخذ القانون بيديه، وتمتنع الحكومات الإسرائيلية من مقاضاته على كل ما تقترفه يداه من جرائم ضد العرب، وفي بعض الأحيان، من المخالفات التي يرتكبها ضد الحكومة الإسرائيلية ذاتها. بل أكثر من ذلك، أعطت القوانين الإسرائيلية المستوطنين أوضاعاً متميزة لا ترضى بها الأعراف الدولية وهي مخالفة للقانون الدولي وحقوق الإنسان. وبموجب الأمر العسكري رقم 1213 تاريخ 3/12/1987 اعتبرت إسرائيل المستوطنين اليهود جزءاً من الأهالي المحليين عندما يكون ذلك ملائماً، لكنهم يحتفظون في الوقت نفسه بأوضاعهم الخاصة فيما يتعلق بالحقوق المدنية الإسرائيلية التي لا يتمتع بها الفلسطينيون، وهذا من شأنه أنه يقلب القانون الدولي رأسا على عقب لأنه يجعل جزءاً من السكان الذين هم تحت الحماية والذين يميز القانون الدولي بينهم وبين المحتل ويسعى لحمايتهم([13]).
وساعد تزايد عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية، واتساع دورهم السياسي، وتزايد نفوذ الاتجاهات اليمينية المتطرفة في إسرائيل، خصوصاً تزايد دور الأحزاب الدينية في الحياة السياسية نتيجة لتزايد أعداد أعضائها في الكنيست، ساعد في أن تصبح سياسة الأبارتـيــد سياسة رسمية في إسرائيل. كما جاء في رسالة الدكتور شلومو ارئيل إلى صحيفة هآرتس بتاريخ 1/12/1993، وهذه أمثلة تؤكد ما جاء في رسالة ارئيل.
* التربية والتعليم حيث مناهج المدارس اليهودية تصور العربي شخصية سلبية، غبياً، خبيثاً، أنانياً، عدوانياً، ومن بين الكتب التي تتضح بهذه الإدعاءات كتب «عرب إسرائيل ـ مسارات التطور».
* تحويل الغضب تجاه الضحية لامتصاص النقمة العامة في الأوضاع السياسية، وهذا ما تفعله حقاً قيادة حركة شاس وغيشر، والمهاجرون الروس، خصوصاً حزب إسرائيل بيتنا بزعامة افيغدور ليبرمان. وحزب المهاجرون الروس (إسرائيل بعاليا) بزعامة ناتان شرانسكي. وحتى بعض أعضاء الكنيست المتصهينين أمثال أيوب قره.
* التقمص والاقتداء بالوزراء والقادة الإسرائيليين الذين يصفون العرب بالصراصير كما فعل رفائيل ايتان، أو بالأفاعي كما قال عوفيديا يوسف، زعيم حركة شاس. في السابق فضح الإرهابي مئيركهانا، زعيم حركة كاخ العنصرية تقاسم الأدوار بين الحكومة الإسرائيلية والجماعات العنصرية الإسرائيلية حين أكد أن الخلاف الأساسي بينه وبين الأحزاب الصهيونية المشاركة في الائتلاف الحكومي مع الليكود لم يكن بسبب تطرف طروحاتهم تجاه العرب إذ تلقى طروحاته حول ضرورة طرد العرب تأييداً لدى القسم الأكبر من الليكود والمفدال، وحركة تسوحت،، وحزب موليدت...الخ بل لأن الأحزاب الإسرائيلية تشعر أن كهانا يفسد عليها اللعبة السياسية، لأنه يطرح علناً الآراء والمبادئ التي تتحدث عنها الأحزاب الأخرى سراً، وهو أيضاً ينافس تلك الأحزاب على أصوات الناخبين اليهود.
* يساهم الاتجاه العام السائد للتفكير بين اليهود في الكيان الصهيوني القائم على أساس قومي/ ديني في توفير اندماج الرسالة الدينية فمن الرسالة السياسية، وعلى هذا الأساس تتسع القاعدة التحتية للاتجاهات اليمينية المتطرفة التي تشهدها إسرائيل في الوقت الحاضر.
بؤرة الفاشية:

سمحت الحكومة الإسرائيلية للمستوطنين اليهود في الأراضي المحتلة عام 1967 بالتسلح بمعدات مشابهة لتلك التي يستعملها الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك القنابل، المسدسات، الأسلحة البروتوماتيكية، وسمحت لهم أيضاً تخزين الأسلحة في منازلهم دون الحاجة إلى الحصول على ترخيص رسمي.
ونتيجة تنامي الاتجاهات اليمينية المتطرفة في إسرائيل، أصبحت المستوطنات، وتنظيمات المستوطنين الخندق الأمامي لمعاداة العرب، وتحول الاستيطان إلى بؤرة الفاشية، ظهرت فيها معظم المنظمات الفاشية والإرهابية.
غوش امونيم ظهرت عام 1973، يشكل أفرادها المخزون البشري للفاشية في إسرائيل، والمنبع الإيديولوجي لمجموع المنظمات الإرهابية الصهيونية، وتضم هذه الجماعة الحاخام تسفي يهودا كوك، والحاخام موشي ليفنجر، ويدعمها كبار رجال الحكم في إسرائيل وأرباب الصناعة والمصرفيين اليهود الأغنياء داخل إسرائيل وخارجها، ولها فرعان:
ـ منظمة أمانا وهي قوة تنظيمية تضم عشرات النوبات الاستيطانية ولها برنامج استيطاني مستقل.
ـ رابطة تقدم الإسكان والاستيعاب في يهودا والسامرة وإقليم غزة ووادي الأردن([14]).
كاخ: تشكلت عام 1972، لا يقتصر نشاطها الإرهابي على العرب بل يشمل اليهود التقدميين، تتميز عن غيرها من المنظمات الفاشية بأن أغلبية أعضائها تقل أعمارهم على عشرين سنة. يقول الدكتور ايجود سبرتسال، المختص بالحركات الإسرائيلية اليمينية المتطرفة. «لقد أصبحت منظمة كهانا نموذجاً للفاشية اليهودية تعتمد عن تكتيكات المتطرفين الأمريكيين في الستينات. أسس هذه الحركة مئيركهانا، وهو متطرف عرف بتأييده اللامحدود للحرب الأمريكية في فيتنام، وأقام علاقات وطيدة مع F.B.I (مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، رشح عدة مرات للكنيست لكنه أخفق، ونجح في انتخابات الكنيست عام 1988([15]). قتل في الولايات المتحدة برصاصات من مسدس أحد المناضلين المصريين تسلم زعامة كاخ ابنه الذي قتل مع زوجته في الضفة الغربية في نيسان 2001.
منظمة إرهاب ضد الإرهاب ظهرت عام 1982، وتربطهم صلة قوية مع عصابة كهانا، ويتدربون في معسكرات رابطة الدفاع لليهودية، في الولايات المتحدة، وقد ضمت عدداً من الضباط العاملين للاحتياط في الجيش الإسرائيلي، نفذت هذه المنظمة اعتداءات ضد رؤساء البلديات في الضفة الغربية: ـ بسام الشكعة، كريم خلف وابراهيم الطويل، ورسمت الصليب المعكوف على المقابر في عكا، وكانت من أكثر القوى تحرشاً واستفزازية في التعامل مع حركة السلام الآن وغيرها من الحركات الاحتجاجية على الحرب في لبنان.
رابطة التحرك على طرق يهودا والسامرة (الضفة الغربية) تشكلت عام 1979.
عصابة ماعتس: تعمل من قيادتها في القدس، وتتسم بالغموض والسرية وقد أسسها يوسف عانو، زعيم منظمة إرهاب ضد الإرهاب.
الحشمونائيم أو اللرنريم: مجموعة فاشية، أحد أعضائها أسسها يوفيل لرنر، أحد زعماء حركة كاخ من أهدافها طرد العرب من القدس ومن كل إسرائيل.
رابطة سورية تسيون وتعمل بإشراف المدرسة الدينية عليتسيا والمدرسة الدينية عطيرة كوهائيم وتضم الفروع التالية:
ـ حركة إعادة التاج إلى ما كان عليه، ويسعى أعضاؤها إلى الاستيلاء على المباني والبيوت في القدس الشرقية.
ـ الموالون للحرم الشريف: هدفها الاستيلاء على المسجد الأقصى وتهويده.
ـ جمعية صندوق جبل البيت، ويتزعمها رجل أعمال مسيحي من أصل أمريكي.
حركة الاستيلاء على المسجد الأقصى: تأسست عام 1968، من أوائل قادتها الحاخام موشي ليفنجر، والحاخام يسرائيل ارينو وتلامذه الحاخام كوك الذي ينادي بضم أجزاء من لبنان وسورية والعراق، والأردن، وشبه الجزيرة العربية والكويت إلى إسرائيل.
حركة هتحيا، تأسست عام 1971، ودخل أعضاؤها الكنيست، وجاءت نتيجة انشقاق عن حزب حيروت بعد التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد. لها علاقات وثيقة مع حركة غوش امونيم. من أبرز قادتها يوفال نئمان، غيئولا كوهين وحنان بن يورات.
10ـ حركة تسومت تزعمها رئيس الأركان الإسرائيلي الأسبق رافائيل ايتان من أبرز أهدافها:
* أرض إسرائيل كلها لشعب إسرائيل
* الاستيطان في كل أراضي إسرائيل
* الاقتراح على العرب السلام مقابل السلام
11ـ عصابة مينغ وتعمل في الناصرة العليا.
12ـ رابطة تطوير الجليل، تأسست عام 1979، برئاسة عضو الكنيست ديفيد كورن([16]).
وحدات الحرس المدني

خلال انتفاضة 1987 ـ 1993 أخذت وحدات المستوطنين ومنظماتهم على عاتقها القيام بدور خاص في التصدي للانتفاضة، وقد نفذ المستوطنون 57 عملية اغتيال ضد نشطاء الانتفاضة وأفراد عاديين، وفي معظم الأحوال كانت عمليات القتل أشبه بعمليات الإعدام الميداني. إلى ذلك نفذ المستوطنون الكثير من عمليات إحراق المنازل والممتلكات العربية، مضايقة السكان العرب والتحرش بهم واقتلاع الأشجار وإتلاف المزروعات([17]).
وفي عام 1989، قررت حكومة شمير إقامة سرايا الاحتياط الخاصة بالمستوطنين التي تتشكل، كما تدل على ذلك التسمية، من جنود احتياط يؤدون الخدمة في المستوطنات ضمن وحدات شبه نظامية.
وفي عام 1991 كشفت الصحف الإسرائيلي التقات عن وحدات شبه عسكرية تتلقى الدعم من قوات الاحتلال، ويتسلح أفرادها بأسلحة خفيفة، ويتخفون بالملابس العربية ويكلفون بمهام تحددها رئاسة هيئة الأركان الإسرائيلية. وقد عرفت هذه الوحدات باسم «وحدات الرد». وبعد افتضاح الدور الإرهابي لهذه الوحدات التي أعادت إلى الأذهان قرن الموت في أمريكا اللاتينية، قررت حكومة شمير في أواخر 1991 تطبيق تجربة الحرس المدني في بعض المستوطنات مثل ارئيل، معاليه ادوميم وكريات أربع، ورغم أن الهدف المعلن هو أن ينحصر دور وحدات الحرس المدني ضمن إطار المستوطنة ومحيطها، إلا أن المستوطنين نفذوا العديد من الاعتداءات ضد الفلسطينيين تحت ذريعة الحفاظ على الأمن ومكافحة أعمال الشغب، وقد غضت قوات الاحتلال الطرف عن أعمال المستوطنين وتذرعت أحياناً بأنها فقدت السيطرة أو بدأت تفقدها على المستوطنين، وفي أحيان أخرى بأن العرب لا يقدمون الشكاوى.
وتأكيداً لسياسة تقاسم الأدوار نفذ الإرهابي باروخ غولدشتاين مجزرة الحرم الإبراهيمي ليسهل على السلطات الإسرائيلية السيطرة على الحرم نفسه وفي تشرين الثاني 1995، ووصلت قوة المستوطنين سطوتها إلى الذروة عندما قام يغال عمير باغتيال يتسحاق رابين في تل أبيب. ومنذ ذك التاريخ ظهر إلى العلن ما يعرف بتقاسم الأدوار بين المستوطنين والحكومة الإسرائيلية، خصوصاً بعد أن صوت 87.5% من المستوطنين لحزب الليكود ومرشحه بنيامين نتنياهو في انتخابات 1996 وقد رد نتنياهو على ذلك بأن ألغى كل القيود التي فرضتها حكومة رابين على الاستيطان وأعلن في بيان حكومته أمام الكنيست بتاريخ 18/6/19 96 «أن للاستيطان في النقب والجليل وهضبة الجولان وغور الأردن والسامرة وغزة أهمية قوميه، كونه يشكل جزءاً من النظام الدفاعي لدولة إسرائيل وتعبيراً عن تجسيد الصهيونية، وستعمل الحكومة الإسرائيلية على ترسيخ مشروع الاستيطان وتنميته وتطويره»([18]).
وفي ظل حكومة نتنياهو استمرت سياسة تقاسم الأدوار بين المستوطنين والحكومة، وكشفت الصحف الإسرائيلية في تشرين الأول 1996 أن سلطات الاحتلال شكلت بؤرا في بعض مستوطنات الضفة الغربية، ويتبع كل بؤرة عدد من المستوطنات التي تشكل فيما بينها قطاعاً من الدفاع الإقليمي، ويخدم فيها جنود احتياط من سكان المنطقة ويقضون فترة خدمتهم، الاحتياطية في حراستها، ويشرف على كل بؤرة ضابط برتبة قائد سرية أو كتيبة في الجيش الإسرائيلي، وتحصل هذه البؤر على أسلحتها وذخائرها من الجيش الإسرائيلي، ويرتبط المستوطنون الموجودون في الضفة الغربية والعاملون ضمن وحدات الحرس المدني أو المنظمات الاستيطانية الأخرى في قيادة الدفاع الإقليمي وقادة وحدات الجيش الإسرائيلي العاملة في الضفة الغربية، وهذا يؤكد أن الأعمال التي يقوم بها المستوطنون جزء من نشاطات الجيش الإسرائيلي.
وفي ظل أهداف انتفاضة الأقصى التي اندلعت في أيلول 2000، استمرت سياسة تقاسم الأدوار بين المستوطنين والجيش الإسرائيلي، وأنيطت بالمستوطنين عمليات الانتقام، وتدمير البيوت وحرق الأشجار والمزروعات، تلك سلطات الجيش، بعد أن اكتشفت أن الدمار الذي يجب أن يلحق بالفلسطينيين لابد أن يكون واسعاً جداً، أخذت على عاتقها مهمة تجريف الأراضي والمزروعات، وهدم البيوت.

¾¾
¡ هوامش البحث:

مأخوذة عن الموعد، حمد سعيد، العامل الجيوستراتيجي في الاستيطان، صامد الاقتصادي، العدد 90، 1992، ص167.
لمزيد من المعلومات راجع الموعد، حمد سعيد، الصهيونية ـ تعليم الحقد، الفصل بعنوان «اليوتوبيا الصهيونية، دار الملتقى، قبرص 1992.
دافار 12/5/1956.
EliezerSchweild, The Endurance ofIsraeli Society, in the works of Amerson Cohen and Ari Carmen, In the Wake of ou Kippur war, Haifa Universitypress, 1976, P. 60

ليبيلخ، عاميا، جنود الصفيح على شاطئ القدس، ص 9، مأخوذة عن د. رشاد عبد الله الشامي، الشخصية اليهودية والروح العدوانية، عالم المعرفة، رقم (102) حزيران 1986، ص242، ولمزيد من المعلومات أيضاً حول الدين الأمني، راجع الفصل الرابع من كتابنا المذكور أعلاه.
The Jewish Observer, Septimber 1962
العسكرية الصهيونية، الجزء الثاني، مؤسسة الأهرام، ص 26.
مباشر، عبده، المؤسسة العسكرية الإسرائيلية الاستراتيجية، البناء، الإطار الفكري، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1977، ص40ـ47.
Ebba Ehan, Reality and Vision in the Middle Eait, Foreign Aftairs, July, 1969, P, 360
10ـ Ban Guriom Looks Back, P,6
11ـ Laws of the state of Iorael, Vol. 4.5710/ 1949 – 1950 PP. 62 – 64
12ـ Cohen. Reuven, The Kibbutz Settlement. Kibbutz Hameuchald Publishing House, 1972. PP. 34 –40
13ـ أبو عرفة، عبد الرحمن، الاستيطان ـ التطبيق العربي للصهيونية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، دار الجليل، بيروت 1981، ص182.
14ـ المصدر السابق، ص181 ـ 182.
15ـ لمزيد من المعلومات راجع بحثنا «الاعتبارات العسكرية في الاستيطان الصهيوني.. مجلة الأرض للدراسات الفلسطينية، العدد التاسع، 21/1/1986 ص21/22.
16ـ انظر اللواء الركن خطاب محمود شيت، العسكرية الإسرائيلية، دار الطليعة بيروت ـ 1968.
17ـ سافيتسكايا روسيا، 29/3/2001.
18ـ عبد الكريم، إبراهيم، التجمعات العربية في فلسطين المحتلة، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1966، ص174.
19ـ الحياة اللندنية 30/3/2001.
20ـ Allon, Yegal, Siege in the Hills of Hebron Newyork, 1960. P. 370
21ـ المصدر السابق.
22ـ ملف وثائق وأوراق فلسطينية، المجلد الأول، ص 119، مأخوذة عن استراتيجية الاستيطان الصهيوني في فلسطين المحتلة، إصدار مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، دمشق 1978، ص110.
23ـ تم استخلاص هذه المعلومات من عدد من الدراسات حول الاستيطان الصهيوني في فلسطين، منها استراتيجية الاستيطان في فلسطين المحتلة، مصدر سابق، وكتاب المستعمرات الاستيطانية الإسرائيلية في الأراضي المحتلة 1967 ـ 1980، إصدار مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
24ـ لمزيد من المعلومات راجع كتاب استراتيجية الاستيطان، وصدر سابق، وانظر أيضاً خريطة المستوطنات الصهيونية في فلسطين 1882 ـ 1982.
25ـ Encyclopedia Judaica, Vol. 7. PP. 1370 – 1372.
26ـ The Plough Woman, of Pioneer Women in Palestine, edited by Rachel Katzrelson, Newyork, 1975. P. 26
27ـ Immigration and Settlement, Israel, Pocket Library, Keter Publishing House, Jerusalem 1973. PP. 90-91-92.
28ـ المصدر السابق.
29ـ آلون يغال، تشكيل الجيش الإسرائيلي، منشورات دار العودة، بيروت، 1971، ص 69ـ 70.
30ـ بن غوريون، صدام الأقدار، مأخوذ عن كتاب عبده مباشر، ص40.
31ـ العميد الشاعر، محمد، الحرب الفدائية في فلسطين المحتلة، بيروت، 1969، الطبعة الثانية، ص187.
32ـ انظر أطلس الصراع العربي ـ الصهيوني ـ حتى بوابة 1978، إعداد مازن البندك، كتب المادة التاريخية د. خيرية قاسمية، بيروت، 1979 ص43.
33ـ انظر الموعد، حمد سعيد، الأسس القانونية لحق اللاجئين الفلسطينيين في التعويض، صامد الاقتصادي، عدد 123/124 ص 320/321.
34ـ لمزيد من المعلومات حول المستوطنات الإسرائيلية ودورها الاقتصادي، انظر الموعد حمد سعيد، أزمة الاستيطان، أسبابها ومظاهرها مجلة الأرض للدراسات الفلسطينية، العدد الثامن، أيار 1987.
35ـ Abdullah Ayyash, Israeli Regional Planning Polcy, Journal of Palestine Studies. Vol. V spring – Summer,. 1976. PP 90
36ـ Malkin, Comprehensive Urban Sethement, Taken From Eril Cohen, The City in the Zionist Ideology, Jerusalem, 1970 P. 51
37ـ المصدر السابق.
38ـ مأخوذة عن الموعد، حمد سعيد، حرب المياه في الشرق الأوسط، دار كنعان، دمشق، 1990.
39ـ سافيتسكايا راسيا، 29/3/2001.
40ـ مأخوذة عن الصهيونية والعنصرية، بين الفكر والممارسة، مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، دمشق 1980، ص
41ـ يديعوت أحرونوت، 8/12/2000
42ـ انظر جريدة المسارة رام الله، النصف الأول من تشرين الثاني 1997، العدد 14.
43ـ من المفيد مراجعة تقرير الدكتور يوسي الفر، مدير مركز جافي للدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب ـ كانون الأول 1996، ويدور حول تبادل الأراضي وإصرار إسرائيل على الاحتفاظ بشريط ضيق من الأراضي غربي الضفة الغربية.
44ـ The Merip Reports, August, 1983, PP. 39 – 33
45ـ من المفيد العودة إلى بحثنا «العامل الجيوستراتيجي في الاستيطان، صامد، رقم 90 عام 1992.
46ـ المعلومات الواردة هنا مأخوذة عن المصادر التالية.
ـ صامد الاقتصادي، عدد 90، عام 1992.
ـ مجلة الدراسات الفلسطينية عدد 45 ـ 46 لعام 2001.
ـ Map of Israel, Road Mep with Places of Interest, haliwag, 1987.
ـ خارطة القرى والمدن والمخيمات الفلسطينية والمستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة، 1993.
47ـ من المفيد العودة إلى كتابنا «حرب المياه في الشرق الأوسط» دار كنعان 1990، خصوصاً الفصل بعنوان «المياه والتسوية».
48ـ بادي يونع، القدس الكبرى تبتلع قلب الضفة الغربية، المسار، العدد 14، تشرين الثاني 1997.
49ـ المصدر السابق.
50ـ Report on Israeli Settlement in the Occupied Territories, Journal of Palestine Studies, Fall. 1996. Vol 28.
51ـ طلال عوكل، الجرافات الإسرائيلية تقرر مستقبل الحل السياسي، العدد السنوي، لعام 1996.
52ـ انظر أرنسون، جيفري، خطة المستوطنات والطرق الالتفافية، مجلة الدراسات الفلسطينية عدد 28، خريف 1996.
53ـ المصدر السابق، يضاف إليه، الاستيطان والطرق الالتفافية، بقلم حمد سعيد الموعد، صامد 115 ـ 116 عام 1999.
54ـ المصدر السابق.
55ـ المصدر السابق.
56ـ طلال عوكل، مصدر سابق.
57ـ مأخوذة عن إحسان سامي الكيالي، مصدر سابق ص68ـ 69.
58ـ المصدر السابق.
59ـ لمزيد من التفاصيل يرجى مراجعة الفصل الثالث من الكتاب.
60ـ محاضر الكنيست 15/9/1966 و14/10/1967.
61ـ المسار، مصدر سابق.
62ـ المصدر السابق.
63ـ المصدر السابق.
64ـ مصدر سابق.
65ـ صحيفة الاتحاد الحيفارية 1/12/1969.
66ـ الاتحاد الحيفاوية، 12/14/1984.
67ـ شحادة، رجا قانون المحتل، إسرائيل والضفة الغربية، بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية 1990، ص192.
68ـ Merip Reports, August, 1983.
69ـ New Qut look, August - September, 1984.
انظر أيضاً:
Raphael Merguiand and Phillipe Simonnal, Israels Ayatallahs, Saqi Books, London, 1987. pp. 27 - 30.
70ـ لمزيد من التفاصيل راجع إلى تزايد الاتجاهات الفاشية في إسرائيل، «وهو بالأصل محاضرة ألقيناها في كانون الأول 1989، ومنشورة في مجلة الحرية، كانون الثاني 1990.
71ـ صحيفة القدس، 10/12/1993.
72ـ انظر الموعد، حمد سعيد، تقاسم الأدوار بين المستوطنين والحكومة الإسرائيلية صحيفة الشرق الأوسط 7/12/1996.


¾¾¾

















الفصــل الخامـس:

اللاســامية معكوســــة









n للوهلة الأولى، قد يعتقد البعض أن اللاسامية المعكوسة تعني أن الإيديولوجيين الصهيونيين ينسبون إلى شعوب العالم الأخرى ـ غير اليهود، الصفات نفسها التي ينسبها اللاساميون لليهود أنفسهم، لأنهم يهود. وهذا صحيح إلى حد ما، لأن اللاسامية والصهيونية مصدرهما واحد وهو العنصرية، وكلاهما ينطلق من مقولات شوفينية وعنصرية تفترض، سلفاً وبشكل قاطع ونهائي، أنه من غير الممكن، في ظل أي نظام سياسي، أو أي تشكيلة اجتماعية ـ اقتصادية، أن تتعايش شعوب مختلفة في أخوة وتعاون ومساواة (1). ويتأكد هذا عندما نعرف أن الصهيونية نتيجة تزاوج غريب بين أساطير ومقولات توراتية والأسس العامة للإيديولوجية الألمانية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وكما تطورت الإيديولوجية الألمانية في القرن العشرين إلى النازية، التي نادت بضرورة سيطرة العرق الآري على البشرية، أصرت الصهيونية على تفرد اليهود وتفوقهم على شعوب العالم، بل يعتقد جنرالات إسرائيل أن البشرية، ليست الا كرة، وجدت ليلهوا بها، لأن إسرائيل فوق كل القوانين والمواثيق، أو كما يقول اريئيل شارون «لا يحق لأي كان في العالم أن يقدم إسرائيل إلى المحاكمة، وليس هناك أحد يحق له أن يحيل الشعب اليهودي على محاكمة أمام محكمة شعوب العالم، بل العكس، لنا نحن دائماً حق محاكمة الآخرين» (2).
إلى ذلك، يرى آخرون، أن اللاسامية المعكوسة إنما تعني إعادة إنتاج العنصرية. وتعرف الموسوعة البريطانية العنصرية «بأنها النظرية أو الفكرة القائلة إن هناك علاقة سببية بين الصفات الجسدية الموروثة وبين صفات معينة متعلقة بالشخصية أو العقل أو الثقافة، ويضاف إلى ذلك فكرة أن بعض الأعراق متفوقة على أعراق أخرى بصورة ورائية. إن تعبير العنصرية، ليس مرتبطاً بالضرورة بالتفريعات البيولوجية أو الانثروبولوجية للعرق، الذي هو تقسيم فرعي للنوع، وغالباً ما يجري سحب الأفكار العنصرية بلا تمييز على مجموعات غير بيولوجية وغير عرقية مثل الطوائف الدينية والمجموعات اللغوية، والمجموعات الأثنية والثقافية» (3).
أما موسوعة لاروس، فتعرف العنصرية بمايلي:

«العنصرية هي نظام يضفي تفوقاً لجنس من الأجناس، أو سلالة من السلالات البشرية على بقية الأجناس والسلالات، وبصورة عامة، فإن العنصرية توجد في كل مرة تتشبع فئة من الناس بفكرة أن تفوقهم على غيرهم من الأجناس سببه النقاوة في سلالتهم وعدم اختلاطهم بأجناس أو سلالات أخرى، بل أن بعض الشعوب تنسب لنفسها نتيجة للنظرية العنصرية حق فرض آرائها وتصوراتها العنصرية على الآخرين، ولكن هذه النظرية (العنصرية) لا تبدو أنها قادرة على الدفاع عن نفسها من وجهة النظر العلمية، إذ إن السلالات والأجناس النقية قد اختفت من كوكبنا من زمن طويل، ومن ناحية أخرى من غير الممكن أن نتكلم عن تفوق سلالة أو جنس من الأجناس، لأن لكل جنس أو سلالة صفاتها وخصائصها، بل إن الشعوب التي تتكون من سلالات عديدة مختلطة هي التي أسهمت أكثر من غيرها في تقدم البشرية. ومن جهة أخرى، العنصرية من وجهة النظر الأخلاقية، معادية لمبادئ الإنسانية والعدالة والأخوة والرأفة والمساواة ولكرامة الإنسان واحترام الشخصية الإنسانية. إن العنصرية تشكل اعتداء على المدنية وعلى الضمير الخلقي، فضلاً عن أنها تمت بصلة للديكتاتورية، فيما تنظر إلى الأفراد، لا حسب أهميتهم ومزاياهم الشخصية، ولكن على أساس تبعيتهم للجنس الفلاني أو الآخر الذي فرض عليهم مسبقاً (4).
وأخيراً عرفت الأمم المتحدة التمييز العنصري في المادة الأولى من ميثاقها بشأن إزالة جميع أشكال التمييز العنصري الصادر في 20/12/1965 كمايلي:
«في هذا الميثاق تعني عبارة التمييز العنصري، أي تمييز أو استبعاد أو تقييد على أساس العرق أو اللون أو السلالة أو الأصل القومي أو العرقي، ويكون الغرض منه أو نتيجته الغاء أو تعديل الاعتراف أو الاستمتاع أو الممارسة، على قدم المساواة، لحقوق الإنسان والحريات الأساسية في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، أو أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة» (5).
إلى حد ما، قد يكون هذا الفهم للاسامية المعكوسة صحيحاً، إذ إن الصهيونية أوجدت، ومن الناحية العملية، وبرغم المظاهر البراقة للديمقراطية الإسرائيلية المزعومة كياناً ينقسم الناس فيه إلى فئات على أساس عرقي، تحدد مكانتهم الاجتماعية وامتيازاتهم استناداً إلى ذلك. ومن الحقائق التي لا يستطيع أحد في إسرائيل إنكارها، قضية التمييز ضد اليهود الشرقيين، الأوضاع اللاإنسانية التي يعيش في ظلها اليهود الأحباش (الفلاشا)، الحرمان من معظم الخدمات للقرى الدرزية والبدوية التي يفرض على أبنائها الخدمة في الجيش الإسرائيلي، الصدامات بين المتدينين والعلمانيين، وأخيراً قضية اللاتعايش بين اليهود المغاربة واليهود الروس، هاتان الجاليتان اللتان تشكلان قوى صاعدة في المجتمع الإسرائيلي وتحاولان أن تؤثرا في الحياة السياسية الإسرائيلية من خلال أحزابهما ـ حركة غيشر التي يتزعمها ديفيد ليفي، المشكلة أساساً من يهود مغاربة، وحزبي إسرائيل بيتنا ويسرائيل بعاليا، المشكلين من اليهود الروس. وهذه صورة للوضع داخل مدينة كريات جات التي يسكنها الروس والمغاربة، كما صورتها جريدة «بلدنا» الناطقة باللغة الروسية في ملحق يوم الجمعة بتاريخ 3/12/1998. تقول الجريدة إن سياسة بوتقة الصهر الشهيرة التي تحدثت عنها الصهيونية، ليس فقط أنها لا تربط بينهم، بل على العكس من ذلك، فقد أنشأت نقيضها على صورة أشكال جديدة من العزل، فالغيتو الجسماني، تحول إلى غيتو ثقافي وغيتو في أسلوب التفكير.. فالروسي لا يستطيع أن يقترب من الغيتو المغربي... لم ير القادمون الجدد، ومنذ اللحظة الأولى في السكان القدامى لكريات جات إخوانهم اليهود، ومنذ اللحظة الأولى لم يحب السكان القدامى القادمين الجدد ـ هؤلاء الاشكناز الذين أتوا إلى المدينة بأعداد كبيرة (6). وفي استفتاء قام به معهد الأبحاث الاجتماعية والسياسية في إسرائيل وبالتعاون مع معهد موتاغيم. وشمل 1200 شخص من اليهود الروس، ونشرت نتائجه في جريدة أخبار الأسبوع الناطقة باللغة الروسية في عددها الصادر في 20/11/1998، نجد النتائج التالية: (7)
ـ 73% يعتقدون أن التناقض الاثني يتفاقم في إسرائيل.
ـ 53% أجابوا أنهم اصطدموا بحوادث تمييز على خلفية أثنية.
ـ 49% يعتقدون أن التجمع الروسي يتعرض للتمييز على خلفية أثنية في إسرائيل.
ـ 56% يعتقدون أن التناقض الاثني سيستمر ويتصاعد على إسرائيل.
ولا شك أن قراءة دقيقة لنتائج هذا الاستطلاع تعطينا فكرة عن توجهات فئات مختلفة من الشعب الإسرائيلي، وكذلك عن أفكارها نحو المستقبل. وهذا يدعم مسلمة سياسية هامة وهي أن الصهيونية غير القادرة على إقامة السلام العادل والدائم مع العرب، لأنه يتناقض تناحرياً معها ويعني نهايتها المحتومة، هي أيضاً غير قادرة على إقامة السلم المجتمعي بين مختلف المكونات الاثنية للمجتمع الإسرائيلي.
ما المقصود إذن باللاسامية المعكوسة؟

قبل الإجابة عن هذا التساؤل، سأورد ما قاله اليكس سايل في جريدة الاندبندت البريطانية ونقلته الأهرام ويكلي AL - Ahram Weekly في عددها الصادر في 15/2/2001 يقول الكاتب:
«مسألتان كانتا تصفعاني على الدوام: هما نشأة دولة إسرائيل غير الطبيعية ومشكلة الفلسطينيين التي أصبحت قضية مهملة في العالم. فالشعب العربي المسالم لم يلحق الأذى باليهود الهاربين من مجازر أوروبا. وعندما أرادت الصهيونية تأسيس وطن لهم، لماذا لم تقتطع أرضاً من ألمانيا؟! السبب أن الصهيونية لم تكن تنظر إلى العرب على أنهم صنف من البشر، وكان الغرب يشارك الصهيونية هذه النظرة. وعليه سرقت أموالهم وأراضيهم وقتلوا دون أن ترف جفونهم... ويخلص الكاتب إلى الحقيقة التالية: «الحقيقة أن إسرائيل هي الحصن الأخير للاستعمار، وآخر مستعمرة أسستها أوروبا البيضاء في العالم الثالث، وهي عبارة عن حاملة طائرات لحماية المصالح النفطية وكأسفين بين الدول المنتجة للنفط» (8).
وهذا يساعدنا في شرح مفهوم اللاسامية المعكوسة، والذي لابد أن يعني أن الصهيونية، التي استخدمت اليهود كوقود لحروبها، التي تخوضها لأهداف سياسية تمليها مصالح الدول الراعية للمشروع الصهيوني في فلسطين، كذلك، أملت مصالحها ومخططاتها السياسية أن تتحالف مع قتلة اليهود في روسيا القيصرية، وإيطاليا الفاشية، وألمانيا النازية، وأن سياسة القادة الإسرائيليين الحالية القائمة على تصوير إسرائيل كحاملة طائرات للولايات المتحدة في المنطقة، ست*** الدمار والويلات لليهود أنفسهم.
ويبدو أن الرغبة في أن تعيش إسرائيل، كدولة، على حد السيف إلى الأبد، كما ينقل يوئيل ماركوس من صحيفة هآرتس في 13/4/2001 عن اريئيل شارون، رئيس وزراء إسرائيل، وكما نقل كتاب آخرون عن موشي دايان، وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق، هذه هي أيضاً رغبة من يسمون بمفكري اليسار الإسرائيلي (9). ففي مطلع عام 2001 نشرت صحيفة هآرتس مقالاً مدفوع الأجر وقع عليه ممثلو اليسار الإسرائيلي، أعلنوا فيه موقفهم الواضح والصريح الرافض لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى منازلهم وأراضيهم التي تشكل دولة إسرائيل، ومن بين الموقعين على المقال الروائي والمفكر الإسرائيلي المعروف عاموس عوز، الذي نشر بالإضافة إلى ذلك مقالاً في صحيفتي الغارديان البريطانية ويديعوت أحرونوت الإسرائيلية قال فيه إن المطالبة بحق عودة اللاجئين يعني أنه بدل دولتين لشعبين ستكون هناك دولتان عربيتان، والحل الذي يقدمه عاموس عوز لا يختلف كثيراً عن الحل الذي طرحه جابوتنسكي، مؤسس حيروت، قبل سبعين عاماً، ويدعو لإقامة جدار حديدي للفصل بين العرب واليهود (10). يقول فلاديمير زئيف جابوتنسكي! «لا جدال، ولا بأي شكل من الأشكال حول إمكانية قيام صلح طوعي حديدي لا يستطيع سكان فلسطين اختراقه (11)». هل صدفه أن ايهود باراك، رئيس وزراء إسرائيل العمالي كان في آخر أيامه يطالب بإقامة جدار للفصل بين العرب واليهود أم أنه لا فرق بين الليكود والعمال عندما توضع حقوق العرب في الميزان؟
الصهيونية واستغلال الدم اليهودي

اختلف الفلاسفة في تعريف الإيديولوجية، فقال بعضهم أن الإيديولوجية مجموعة من الأفكار المتكاملة والمتسقة مع بعضها، تستخدمها جماعة من الناس لتكوين مرجعية لنظرتها إلى العالم، ولتقديم الأجوبة عن التساؤلات المتصلة بالأحداث الجارية في العالم، مسارها، وآفاق تطورها على المدى القريب والبعيد، محلياً وإقليمياً وعالمياً، وأخيراً تقديم المعايير المعرفية وحتى الأخلاقية للتمييز بين الصح والخطأ، الخير والشر، التكتيكي والاستراتيجي، والمرحلي والدائم (12). وقد تستند الإيديولوجيا في تقديم نظرتها الشاملة للعالم إلى مرتكزات أساسية ترتقي إلى درجة المسلمات البديهية لدى اتباع الإيديولوجيا، وتشمل، ضمن أشياء أخرى الغيببيات ****physics، وما وراء التاريخ، ****history وكلاهما يشكلان أهم مرتكزين للإيديولوجيا الصهيونية أو التاريخية Historicity، الصراع من أجل البقاء، النظرة المادية للكون...إلخ. ويلجأ اتباع الإيديولوجيا إلى هذه المفاهيم لاستنباط الإجابات والحلول، أو توليدها، عندما تواجههم تحديات خارجية أو متغيرات ما (13).
ويعتقد آخرون أن الإيدلولوجيات من أكثر وسائل تشكيل العقل في العصر الحديث Means of Indoctrination، ويرى هؤلاء أن الإيديولوجيا هي جملة وجهات النظر السياسية والأخلاقية والحقوقية والدينية والفنية والاجتماعية والاقتصادية التي تعكس مصالح هذه الطبقة أو تلك، واستناداً إلى ذلك قال بعض المفكرين إن الصهيونية هي إيديولوجيا الفئات الأكثر رجعية بين اليهود (14).
ثمة تعريف ثالث للإيديولوجيا يقول: إنها شكل من أشكال الفلسفة الاجتماعية السياسية ـ الاقتصادية والعناصر العملية فيها على القدر نفسه من الأهمية مع العناصر النظرية. ويقول تعريف رابع للإيديولوجيا بأنها منظومة فكرية متكاملة لتفسير التاريخ والمجتمع بشكل شامل وتفسير وتسويغ التغييرات الجارية في العالم (15).
ولخلق المجتمع المنشود، حاولت مختلف الإيديولوجيات إيجاد الإنسان الملائم لها. فتحدث أفلاطون في جمهوريته عن الملك الفيلسوف، وتحدث زعماء الإمارات والممالك الأوروبية في العصور الوسطى الذين شنوا الحروب الصليبية عن «القديس المحارب». وآمنت الفاشية، كما يقول موسوليني، بضرورة خلق الإنسان الذي يناسب أهدافها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وضرورة أن يكون قديساً ومحارباً في الوقت نفسه، وسعت النازية لخلق الإنسان المؤمن بالنظرية الآرية، المتفوق على ذاته، المؤمن أن الشعوب الأخرى وجدت لخدمته. (16) أما الصهيونية فقد سعت لتحقيق الهدف ذاته، من خلال خلق الإنسان المشبع بالأنا المطلقة للصهيوني ويضعها خارج، بل فوق كل القيم والمبادئ والقوانين. أو كما يقول فلاديمير جابوتنسكي: إذا سئلت «من أنت؟» أجيب «أنا ابن نفسي!» وفي مناسبة أخرى يقول جابوتنسكي مخاطباً أنصاره: «كل إنسان آخر على خطأ، وأنت وحدك على صواب. لا تحاول أن تجد أعذاراً من أجل ذلك، فهي غير ضرورية، وغير صحيحة، وليس بوسعك أن تؤمن بأي شيء في العالم، إذا اعترفت، ولو مرة واحدة أنه ربما يكون خصومك على صواب. لا توجد في العالم إلا حقيقة واحدة، وهي بكاملها ملكك أنت. وإذا لم تكن واثقاً فابق في بيتك، ولكن إذا كنت واثقاً لا تتطلع إلى الوراء، وستأتي في اتجاهك» (17).
والإنسان الذي خلقته هذه التربية، باعتراف ليون أوريس مؤلف رواية الخروج The Exodus، وهو كاتب معروف بعدائه الشديد للعرب، ومن أكثر مؤيدي الحركة الصهيونية، غريب حقاً. لنقرأ ما يقول ليون أوريس: «لقد خلقنا جيلاً من الطرازنات ليدافعوا عن إسرائيل. إننا لا نستطيع أن نعطيهم غير حياة من دماء... إن الجيل الإسرائيلي يرفض الوصايا العشر... هنا أرادنا الله أن نكون على الجبهة... لقد أخبرني جنودي أنهم يريدون أن يعبروا الحدود إلى جبل سيناء ليعيدوا الوصايا العشر إلى الله لأنها لم تعطنا إلا المصائب (18).
ولخلق هذا الجيل، احتاجت الصهيونية إلى زرع عدد من الأساطير المؤسسة لنظريتها ولدولة إسرائيل في أذهان يهود العالم.
اللاسامية أو أبدية العداء لدى شعوب العالم وكراهيتهم لليهود كيهود، واستغلت هذه الدعاية لعزل اليهود عن بقية الشعوب ومنع اندماجهم بها، في الوقت الذي تحالفت فيه الحركة الصهيونية مع أكثر أعداء اليهود دموية وبطشاً.
تفوق اليهود على بقية شعوب العالم، وهذه النظرية العنصرية في جوهرها، مأخوذة أساساً من المعتقدات السائدة لدى القبائل البدائية التي كانت كل منها تعد نفسها الأكثر تفوقاً على غيرها، أكثر من ذلك، وفي عصر كانت القبيلة هي المجال الحيوي للفرد، ملاذه وقدره، لا يستطيع تجاوزه ولا غنى له عنه، كما يقول علم النفس الاجتماعي التاريخي. فقد كان الاعتقاد السائد هو أن الخير من القبيلة وفيها، ولا يأتي من خارجها غير القوى الشريرة والمصائب. ومن يقرأ الأدبيات الصهيونية، يجد كماً هائلاً من البراهين على ذلك.
تفرد اليهود واختلافهم عن بقية شعوب العالم. إذ إن مجتمعاتهم لا طبقية، وعلاقاتهم داخل مجتمعاتهم مختلفة عن بقية شعوب العالم، يضاف إلى ذلك، أنهم وفق هذه المزاعم يشكلون أمة عالمية فوق ترابية، تمتاز عن غيرها بنقاء الدم، وكأن اليهود لم يمتزجوا بالعالم ويتزاوجوا معه. وكأن الزواج المختلط ليس من أكبر المشكلات التي تؤرق قادة الحركة الصهيونية ودعاتها.
وثمة أسئلة كثيرة من الناحية العلمية تدحض هذه الإدعاءات ومنها كيف نفسر رابطة الدم بين اليهودي الأنكلو سكسوني، واليهودي العربي، واليهودي الإيراني واليهودي في بلاد الخزر، يهود الفلاشا والزنوج العبرانيين؟ لماذا يتم التمييز ضد اليهود الشرقيين، يهود الفلاشا والزنوج العبرانيين ما دامت دماؤهم يهودية نقية؟ ما هي علاقة اليهود المعاصرين باليهود القدماء في مملكة يهوذا قبل 3000 سنة؟
المصير المشترك لليهود، لأن ديانة اليهود قومية. وإضافة إلى الاستلاب العقلي الذي تشكله مجموعة الأساطير المؤسسة للصهيونية والتي تجعل الخرافات والأساطير تتحكم بعقول البشر، وتقرر مصيرها، تسعى الصهيونية إلى زرع ما يعرف بذهنية الكارثة.أي الخوف الدائم من مصيبة قادمة يقول موشي دايان، وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق: «إن إسرائيل مرتكزة على السيف، هذا هو قدر جيلنا... خيار حياتنا أن نكون مستعدين ومسلحين، أقوياء وغلظاء، وإلا سوف يسقط السيف من قبضتنا. وحينئذ تنتزع حياتنا» (19).
ذهنية الكارثة

المقصود بالذهنية مجموعة الآراء والأفكار والمعتقدات التي تتحكم بسلوك الفرد أو المجتمع وردود أفعاله على المتغيرات المختلفة، وهذا بالضرورة يعني المجتمع الذي خلقته الصهيونية وزرعت فيه أفكارها ومعتقداتها من خلال:
وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة.
2ـ المدرسة والجامعة، سواء من خلال الكتب المدرسية للتاريخ والأدب أم من خلال التفسيرات التي تقدمها تلك الكتب للأحداث التاريخية.
3ـ المؤسسة الدينية، ذات التأثير الواسع جداً سواء عبر الأحزاب الدينية، أو المؤسسات الدينية، أو المدارس الدينية، أو أخيراً عبر الكنس.
4ـ الجيش، الذي يعد أكبر مؤسسة تعليمية في إسرائيل، خصوصاً إذا أخذنا في الحسبان أن الحاخامية العسكرية تشرف على التوجه السياسي والديني فيه.
أما المقصود بالكارثة هو الإدعاء أن اليهودي يعيش في حالة خطر دائم يتهدده لأنه يهودي. ومن اللافت للنظر أن قادة الحركة الصهيونية وإسرائيل يتمسكون بترويج هذه الإدعاءات بغض النظر عن التطورات الإقليمية والعالمية، حتى ولو كانت إسرائيل من حيث القوة العسكرية تعد من بين أقوى خمس دول في العالم.
لنقرأ بعض الأمثلة عن الإدعاءات الإسرائيلية والصهيونية:
تتحدث غولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل السابقة عن ذكرياتها عن مرحلة الطفولة التي عاشتها، وكيف أنها كانت دائماً تخشى حدوث مذبحة ضد اليهود في بلدتها كييف، إلا أن الخوف وما رافقه من استنتاجات لاحقة تنطبق، وفق رأيها على كل زمان ومكان. إنها لا تروي مذكراتها بل تريد أن تسهم في تربية جيل كامل يكون الذعر والخوف من الآتي هما الأساس في حياته:
«لم تحدث تلك المذبحة إطلاقاً، لكنني إلى هذا اليوم، ما زلت أذكر مدى خوفي وغضبي لأن الشيء الوحيد الذي كان والدي يستطيع أن يفعله لحمايتي وأنا انتظر الرصاص أن يأتي ويخترق جسدي هو أن يضع بضعة ألواح خشبية على الباب. وأتذكر أكثر من أي شيء آخر، أن ما يجري لي سببه فقط أنني يهودية. وقد راودني هذا الشعور مرات عدة في حياتي... الخوف... الشعور بأنني منبوذة، والإدراك أنني مختلفة عن الآخرين» (20).
ولإعطاء فكرة واضحة حول تطور هذا المنهج في التربية الفكرية والتثقيف السياسي لليهود، وفي سبيل دراسة التطور التاريخي لهذه العملية المنهجية المتكاملة من جهة، والداعمة لكل أشكال التربية الدينية والسياسية والاجتماعية في أوساط اليهود وداخل إسرائيل لاحقاً، سوف نقسم البحث إلى ثلاث مراحل:
1ـ المرحلة الأولى: وتشمل الوضع السائد في روسيا ودول أوروبا الوسطى قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى.
2ـ المرحلة الثانية: تعاون الصهيونية مع النازية والفاشية.
3ـ المرحلة الثالثة: بعد قيام إسرائيل.
وسيهتم البحث أيضاً بفضح المفارقة الصارخة بين الإدعاءات الصهيونية، وممارساتهم الفعلية، أي كيف تحالف هؤلاء مع القتلة الحقيقيين اليهود.
المرحلة الأولى..

في 24/10/1985، نشر الكاتب الإسرائيلي المعروف موريس كوهين مقالاً في صحيفة هآرتس صرح فيه: «يخيل إلي أنه لا يوجد معادون للسامية أكثر من اليهود أنفسهم». ألا يبدو هذا متناقضاً مع اتهام الصهيونية لكل أعدائها وخصومها بالعداء للسامية؟ هل يعقل أن زعماء اليهود كانوا على الدوام من أهم حلفاء أعداء السامية؟! ألم تتحول كلمة اللاسامية إلى أداة لقمع كل الخصوم والمناوئين حتى من بين اليهود أنفسهم؟ هذا على الأقل ما نفهمه عند قراءة ما يقوله جان بونبيرو، الكاتب اليهودي الفرنسي في مقال له بعنوان «الفسلطينيون... الغرب ودينية اللسان».
«اللاسامية كلمة مليئة بالدم والحقد الصوفي والغدر الآثم وعقدة الذنب.. كلمة مكيفة من قبل تاريخ فرنسا في الحروب الصليبية إلى دريفوس وبيتان.... كلمة لاسامية الآسرة المتسلطة الوسواسية... تنفذ وتنبسط وتفرض نفسها، تقيم التحالفات، تجر وراءها تداعيات أفكار... تعلق على الجدار، وتطرد أصغر طرف يحاول أن يعيق قليلاً دولاب الخطاب» (21).
لا شك أن الإجابة عن التساؤلات التي طرحت في الأسطر القليلة السابقة تفرض علينا العودة قليلاً إلى الوراء.
يطلق مصطلح السامية والساميين على الشعوب التي يعتقد أنها انحدرت من صلب سام بن نوح، وقد ظهر هذا المصطلح عام 1781 واستخدمه أول مرة العالم النمساوي شلوتزر، ويلقى معارضة علماء الأجناس. أما مصطلح اللاسامية فلم يكن معروفاً حتى الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وقد ظهر أول مرة في المقالات التي نشرها هنريخ فون ترتسينج حول القضية اليهودية (22). وهذا يعني أن اللاسامية ألمانية المولد، ولم تنشأ في روسيا رداً على الظروف الصعبة جداً التي كان اليهود هناك يعيشونها.
وتؤكد كتابات عدد كبير من الكتاب الصهاينة أن اللاسامية ظهرت وترعرت في ألمانيا في أواخر السبعينيات في القرن التاسع عشر. ومن بين الكتاب الذين يؤكدون أن اللاسامية ألمانية المنشأ نذكر البروفيسورة شولاميت فولكوف أستاذ التاريخ الحديث في قسم التاريخ، عضو الأكاديمية الألمانية للتاريخ، وهي محاضرة في جامعة تل أبيب، ولها بحث بعنوان: «اللاسامية الألمانية والفكر القومي اليهودي»، نشر باللغة الألمانية عام 1979، وترجم إلى اللغة الإنكليزية عام 1981، وكذلك الكاتب م. ما سينج فولف مؤلف كتاب «إعادة التدمير».. دراسة في الفكر اللاسامي في الإمبراطورية الألمانية» وطبع في نيويورك 1949، والكاتب ب.ج. بلزر مؤلف كتاب «صعود اللاسامية في ألمانيا والنمسا» وقد نشر في لندن عام 1964.
أكثر من ذلك، يعترف المفكرون الصهاينة بهذه القضية، أي أن اللاسامية ألمانية المنشأ، وإن كان بعضهم يقول إن منشأها أوروبا الغربية بشكل عام. (23) حتى المفكرون الصهاينة المولودون في روسيا كانوا يطرحون أمثلة عن اللاسامية من الأحداث التي شهدتها ألمانيا. وإليكم ما يقوله الكاتب الصهيوني المعروف آحاد هاعام: «لقد عانينا نحن اليهود في الشرق من الفقر والجهل والإذلال... لكن يهود الغرب كانوا في ظل التبعية الروحية والأخلاقية، وأصبحوا عبيداً لحقوقهم» (24).
ويعتبر موسى هيس Moses Hess (1812 ـ 1875) وهو مفكر اجتماعي صهيوني من أصل ألماني من أوائل الكتاب الذين حاولوا استغلال اللاسامية لمهاجمة اندماج اليهود وأنصارهم في الحضارة الغربية، وادعى موسى هيس «أن البشرية بحكم تكوينها العضوي عاجزة عن التقدم بدون اليهود» (25). أما يهودا لايب بنسكر المعروف باسم ليوبنسكر Leo Pinsker (1812 ـ 1891)، وهو طبيب مفكر يهودي من أصل روسي، فقد عرف اللاسامية بأنها مرض موروث لدى شعوب العالم، وأن كراهية الشعوب لليهود مسألة نفسية: «إن اللاسامية مرض لا يمكن علاجه. لأنه ينتقل من الأب إلى الابن، وإن التقدم الاجتماعي مهما عظم لن يقتلعه إلا إذا تغير وضع اليهود جذرياً» (26). وبالغ حاييم وايزمن Chaim Weizmann (1874 ـ 1952) في آرائه وقال إن اللاسامية مسألة نفسية، وهي باقية ما دام اليهود موجودين (27).

([1])

([2])

([3])

([4])

([5])

([6])

([7])

([8])

([9])

([10])

([11])

([12])

([13])

([14])

([15])

([16])

([17])

([18])
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 06-28-2012, 06:59 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,419
افتراضي

المذابح في روسيا وموقف الصهيونية منها..

عرفت المذابح التي وقعت ضد اليهود في روسيا القيصرية بـPogroms ومن يبحث عن معنى هذه الكلمة في أي معجم سيقرأ مايلي:
«إنها القتل المنظم للناس البائسين، وبالتحديد، قتل اليهود» هذا ما يقوله قاموس ***ester. أما قاموس Longman فيقول «إنها القتل المنهجي لأعداد كبيرة من الناس، خصوصاً اليهود، يجري تنفيذه على أساس العرق أو الدين». وعندما تطلق هذه التسمية على هذا النوع من الجرائم ضد البشرية، فالمقصود منها أن تثبت في وعي الناس كي لا تنسى.
ولدى مراجعة مؤلفات كبار الكتاب الصهاينة من أصل روسي أو الذين عاشوا في روسيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر أو مطلع القرن العشرين نجد إشارات كثيرة لهذه المذابح. لكن الغريب في الأمر والذي يدهشنا أن قادة الصهاينة لا يدعون اليهود للتمرد أو الاشتراك في الحركات الثورية المعادية للقيصر، بل يستغلون هذه المذابح لتحريض اليهود وتشجيعهم على الهجرة إلى فلسطين، وإليكم بعض الأمثلة:
1ـ الحاخام زفي هيرتس كاليشر. Rebbi Zvi H Kalisher (1795 ـ 1874) وهو كاتب بولوني الأصل عاش في روسيا، وكانت الأخيرة في تلك الفترة تحتل بولونيا. لم يتطرق الكاتب المذكور إلى المجازر في كتابه «السعي إلى صهيون» Derishat Zion، بل كرس الديانة اليهودية لتشجيع اليهود على الهجرة إلى فلسطين، واعداً بأن الله سوف يعجل يوم الخلاص المرتقب حين يرى إقبالهم على الذهاب إلى فلسطين وتطوعهم للاستيطان فيها. «وما الاستيطان في فلسطين واستعمارها سوى ذلك العمل الذي يتيح لنا مراعاة الوصايا الدينية المتعلقة بالعمل في الأرض هناك» (28).
2ـ بيرتز سمولنسكين Peretz Smolenskin (1842 ـ 1885) وهو روائي وداعية صهيوني، فقد والده في المذابح وأّخذ أخوه للخدمة في جيش القيصر ولم يعد، وقد شهد أكثر المذابح بشاعة. من أشهر كتبه «المتجول في سبل الحياة» الذي يدعو فيه للهجرة إلى فلسطين والاستيطان فيها، إذ يرى أن العدو الأول لليهود في العالم هو حركة التنوير اليهودية «الهاسكالا» التي دعت لاندماج اليهود في المجتمعات التي يعيشون فيها.
وفي عام 1881 نشر كتابه المعروف «لنبحث عن طرقنا» وفيه يصف المذابح ضد اليهود لكن الحل الذي يدعو إليه هو الحصول على موافقة الحكومة الروسية على الهجرة إلى فلسطين:
«نزلت المصيبة تلو المصيبة، والكارثة تلو الأخرى على يهود روسيا، ولم يترك حجر على حجر في كثير من المجتمعات. لقد نهبت متاجر أخوتنا، وحطم الرعاع كل شيء لا يستطيعون حمله، وقتل يهود كثيرون، كما جرح عدد لا يحصى. وكان الرعاع المتوحشون كالذئاب التي تبحث عن فريستها يعاملون اليهود بقسوة بالغة، لا مثيل لها منذ العصور الوسطى، حتى في تلك المدن التي يسمح لليهود بالعيش فيها، كانوا يسجنون ويتركون كي يموتوا جوعاً. ولم يستطع أصحاب الصناعة منهم أن يكسبوا غير عيشة البؤس... عمل اليهود كل جهدهم... وما زالوا يعيشون في رعب، فقد تبدأ المذابح ثانية... لماذا لا نهاجر إذا سمحت لنا الحكومة؟ لا مكان يمكن التفكير فيه سوى إسرائيل». (29).
ومن المعروف أن النظام القيصري الروسي أصدر عام 1881 أوامر حدد بموجبها المدن التي يسمح للعامة من اليهود العيش فيها. ووضع أيضاً حلاً للمسألة اليهودية وذلك عن طريق تحويلهم إلى المسيحية أو تهجيرهم. وأصدر القيصر ألكسندر الأول قرارات أجبرت اليهود على ترك مهن معينة ليتحولوا إلى الزراعة.
3ـ اليعيزر بن يهوذا Eliezer Ben Yehudah (1858 ـ 1923) يهودي من ليتوانيا، وكانت تابعة للسيادة الروسية. لم يتطرق في كتاباته إلى اللاسامية الروسية، بصدد المذابح ضد اليهود، بل اكتفى بالدعوة إلى الهجرة إلى فلسطين.
4ـ موشيه لايب ليلنبلوم ـ Moshe leib lilienblum (1843 ـ 1910) من أشهر كتبه «طريق العودة» الذي يقدم فيه وصفاً مفصلاً وتاريخياً للأحداث يوماً بعد يوم. وهذا مثال:
«في 20 آذار (مارس) 1881 قالت المجلات المحلية إن جماهير الشعب تستعد لمهاجمة اليهود خلال عطلة عيد الفصح. ويبدو أن أعداء السامية غير مكتفين بالمجاعة التي تفتك باليهود في أماكن سكنهم المخصصة لهم، فهم يحرضون الجماهير على السلب والنهب.
في 17 نيسان (أبريل) 1881 تقارير خطيرة من مدينة اليزابيتجراد، مظاهرات ونهب وهلع يسيطر على القلوب.
وفي 28 نيسان (أبريل)، بدأت الأنباء السيئة تصل من كييف. وفي 5 أيار (مايو) 1881، الحالة مخيفة، نحن في الحقيقة، محاصرون، أحيطت الساحات بالقضبان، ونحن ننظر من خلال الحواجز إذا كان الرعاع سيهاجمون.
وفي 7 أيار (مايو)، اقتربت المظاهرات من البيت، صرخت النساء، وهن يحتضن أطفالهن إلى صدورهن محاولات الاختباء، وقف الرجال جانباً مذهولين».
ترى كيف يرى ليلنبلوم الخلاص من هذا الوضع الرهيب. «إن الخلاص هو خدمة القومية اليهودية... من أراد أن يساند القومية اليهودية عليه أن يدفع كوبيكاً واحداً أسبوعياً في صندوق مخصص في كل بيت من أجل الاستيطان في أرض إسرائيل» (30).
5ـ يهودا لايب بنسكر 1821 ـ 1891 معروف باسم ليو بنسكر Leo Pinsker، مؤلف كتاب «التحرر الذاتي»«Auto Emancipation» شهد كل المذابح التي وقعت ضد اليهود في روسيا ما بين 1871 و1882، لم يهتم إلا بحقيقة واحدة وهي هجرة اليهود الروس إلى فلسطين.
«اليهود بمنزلة الضيوف في كل مكان، وليسوا أصحاب منزل خاص بهم، العداء للسسامية يسود العالم أجمع... وحده الخوف من اليهودي... هذا الخوف أصبح مرضاً نفسياً توارثه الناس عبر ألفي عام ولا أمل بشفائهم «العلاج الوحيد الذي يؤمن به هو جمع المال للاستيطان في فلسطين» (31).
بعد الأدلة الواضحة التي سقناها، نستطيع القول إن قادة الحركة الصهيونية استغلوا ما يسمى بالمحرقة التي كان اليهود يعيشونها، لتربية اليهود على الخوف الدائم وعدم الاستقرار والشعور بالأمان في ظل التهديد الدائم بالإبادة، من جهة، ودفعوا اليهود للهرب من روسيا والهجرة إلى فلسطين تحقيقاً لأهداف المشروع الصهيوني. لكنهم وبالشكل الملموس منعوا اليهود من الدفاع عن أنفسهم، التحالف مع أصدقائهم الطبيعيين وحلفائهم المعادين للقيصر، وبالتالي قدموا خدمة جليلة للسلطات الروسية. وبعد انعقاد مؤتمر بال 1897، بات واضحاً أن ثمة تحالف يقوى ويتعزز بين تيودور هرتزل والسلطات القيصرية الروسية وهذا ما سنتطرق إليه الآن.
هرتزل وكارثة اليهود الروس

في الوقت الذي كانت فيه الحكومة الروسية القيصرية تفرض القيود على حركة اليهود وتحدد أماكن سكنهم والأعمال التي يحق لهم ممارستها، كانت القيادة الصهيونية تقيم أوثق العلاقات وأشدها متانة مع منظمي ما يسمى بالمذابح ضد اليهود، وخصوصاً وزير الداخلية فاتسلاف فون بيلفي. وصل هرتزل إلى روسيا في آذار (مارس) 1896. الهدف الأساسي من زيارته كان البحث عن إمكانية التوصل إلى اتفاق بين الحركة الصهيونية والحكومة الروسية القيصرية. فتكون هذه الاتفاقية منسجمة مع مخاوف السلطات القيصرية من حالة عدم الاستقرار السياسي داخل الأراضي الروسية، وفي الوقت نفسه تؤدي إلى زيادة الهجرة اليهودية إلى فلسطين ومساعدة روسيا الحركة الصهيونية بالضغط على السلطات العثمانية لإعطاء الحركة الصهيونية ترخيصاً بالهجرة اليهودية إلى فلسطين. وقد لمح تيودور هرتزل أثناء المباحثات مع وزير الداخلية الروسي: «إنه في حال عدم توسط القيصر الروسي لدى السلطان العثماني من أجل السماح بهجرة يهودية منظمة إلى فلسطين، فإن الحركة الصهيونية لا تستطيع منع الكارثة المتمثلة في تحول اليهود الروس إلى تبني الأفكار الثورية الهدامة»(32). (لاحظ أن الكارثة بالنسبة لهرتزل ليست المذابح ضد اليهود بل تحولهم إلى الأفكار الهدامة!).
وفي كتاب طلب المقابلة مع القيصر الروسي، قال ثيودور هرتزل:
«إن حركتنا تهدف إلى إضعاف الأحزاب الثورية، فنحن اليوم نحارب الثوريين في كل مكان، كما نعمل على إبعاد الطلاب والعمال اليهود عن الاشتراكية الفوضوية وذلك بتعريفهم على فكرة قومية مثالية ونقية»(33).
وفي 4/3/1896 كتب ثيودور هرتزل في مذكراته:
«إن أكثر المناصرين حماسة هو عدو السامية البطرسبرجي إيفان سيرجي فيته وزير المالية الروسي الذي كان يقول للقيصر الروسي المسكين ألكسندر الثالث: لو كان من الممكن أن تغرق في البحر الأسود ستة أو سبعة ملايين يهودي لرضيت بذلك، لكن هذا غير ممكن، إذ ينبغي تركهم يعيشون».
وعندما كان هرتزل يقول أنه ينتظر من الحكومة الروسية بعض التشجيع، كان الوزير الروسي يجيب: «وهل نقوم بتشجيع اليهود على الهجرة بركلهم مثلاً» ويختم هرتزل هذه الفقرة في مذكراته قائلاً: «يعترضون علي بشكل معقول بأنني ألعب لعبة أعداء السامية.. كأن أعداء السامية على حق ونحن لا نحسدهم على ذلك، لأننا أيضاً سنكون سعداء»(34).
وفي عام 1903 حصل ثيودور هرتزل على موافقة وزير الداخلية الروسي بيليفي على التعاون بين الطرفين الروسي والصهيوني لخفض عدد السكان اليهود في روسيا ـ فدشن بذلك تقليداً مشؤوماً على اليهود في كل أنحاء العالم سيتم اتباعه وتقليده لاحقاً إذ تحصل الصهيونية على عشرات الآلاف من المهاجرين إلى فلسطين مقابل موت مئات الآلاف منهم في السجون ومعسكرات الاعتقال(35).
الخلاصة:

لم تدخر الحركة الصهيونية جهداً في نشر الأحاديث والأخبار عن المذابح ضد اليهود في روسيا بهدف زرع الخوف وذهنية الكارثة بين اليهود لدفعهم للهجرة إلى فلسطين، وقد تعاونت في سبيل ذلك مع منظمي المذابح ضد اليهود وخصوصاً وزير الداخلية الروسي بيليفي. وإذا كان البحث قد اقتصر على الإشارة إلى الأحداث الجارية في روسيا، فهذا لا يعني أننا نتجاهل الأحداث ضد اليهود في أماكن أخرى، علماً أن موقف الحركة الصهيونية منها كان مشابهاً تماماً، والأمثلة على ذلك كثيرة ومن أهمها ما جرى لليهود في بولونيا، لكن التركيز على بلد واحد يهدف إلى إلقاء الضوء على الفلسفة المنهجية لدى الحركة الصهيونية في هذا المجال، آخذين في الحسبان حجم البحث. وإلا سيتحول إلى كتاب.
المرحلة الثانية ..

قبل الدخول في صلب البحث، لابد من توضيح قضية مهمة ومبدئية بالنسبة لي، وهي أنني لن أخوض في الجدل التاريخي الدائر منذ فترة ليست بالقصيرة، حول ما إذا كان هتلر قد قتل ستة ملايين يهودي أم لا. فجرائم هتلر ضد البشرية لا تحصى ويكفي أن حربه المجنونة، الحرب العالمية الثانية، أزهقت أربعين مليون نفس بشرية. وضحايا هتلر كانوا من كل الأعراق والأديان والأمم. وعداؤه الظاهري ضد اليهود لا يخفي إطلاقاً احتقاره العنصري للعرب، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا نشك أن اليهود الذين قتلهم هتلر، وأولئك الذين هجروا من أوطانهم إلى فلسطين وغيرها من بلدان العالم، كانوا ضحايا تعاون مشترك وحلف غير مقدس بين النازية والصهيونية، وأصبحت الآن كل أوراقه مكشوفة منذ نشر كلاوديوس بوكلنه بحثه الشهير «العلاقات السرية بين النازية والصهيونية 1933 ـ 1941» وقد ترجمت هذا البحث عام 1977 وصدر في بيروت، وفي عام 1978 أصدر الأستاذ كلوب فارس كتابه المعروف عن العلاقات بين النازية والصهيونية، وقد صدر عن مركز الأبحاث الفلسطينية في بيروت، وفي أواخر السبعينيات، تناول السيد محمود عباس الموضوع نفسه، في كتابه «الصهيونية» ومن ثم قدم لنا الأستاذ الدكتور محجوب عمر ترجمة رائعة لكتاب ليني برينر «الصهيونية في زمن الديكتاتورية ـ التاريخ الموثق لعلاقات الصهيونية بالفاشية والنازية» وهو صادر عن مؤسسة الأبحاث العربية في بيروت. ولذلك سيقتصر هذا الجزء من الدراسة على نقاط أربع:
أ ـ تعريف المحرقة THE HOLOCAUST.
ب ـ موقف الصهيونية من صعود النازية والفاشية.
ج ـ موقف الصهيونية من معسكرات الاعتقال ـ بعض الشهادات اليهودية.
د ـ شهادات وآراء يهودية حول ما يعرف بفرن الغاز.
أ ـ التعريف:

تعرف كلمة المحرقة في اللغات الأوروبية، خصوصاً الإنكليزية والفرنسية بالقدر الذي تسمح به معرفتي ب THE HOLOCAUST. ومن يطالع قاموس لاروس الشهير يقرأ ما يلي:
«المحرقة هي الحرق كلياً بالنار، التضحية، خصوصاً لدى اليهود، حينما تكون الضحية في وضع تلتهمها النار بشكل تام. النبي إبراهيم قدم ابنه للمحرقة، كقربان وكضحية»(36).
أما في اللغة الإنكليزية فيطالعك المعنى الثاني:
«الإحراق كلياً بالنار، التدمير بالنار، كلياً،.. قتل ملايين اليهود من قبل النازية خلال الثلاثينيات والأربعينيات»(37).
وبغض النظر عن القضايا الإشكالية التي تثيرها التعاريف المذكورة أعلاه، سواء تلك المتعلقة بالعادات الدينية اليهودية القديمة، أو تلك المتعلقة بالنبي إبراهيم، وما ورد بصدد تضحيته بابنه عن طريق الذبح لا الحرق، وأخيراً لماذا استغل تعبير المحرقة؟ أبسبب دلالاته الماضوية أم بسبب أشياء أخرى؟(38) بغض النظر عن كل ذلك، لابد من القول إنه من الصعب على باحث أن يعدد الطرق التي تروي فيها قصص الكارثة ـ المحرقة ـ كيف تزرع في أذهان اليهود وخصوصاً الناشئة منهم فبالإضافة إلى الكتب المدرسية، الأحاديث السياسية، الزيارات التي يفرض على الطلاب في كل المراحل القيام بها إلى ما يعرف بصرح الكارثة ـ يادفاشيم ـ الذي يحتوي بين جدرانه صوراً لمعسكرات الاعتقال، هناك الأفلام السينمائية(39) المسلسلات التلفازية، الحكايات التي تروى في السهرات المنزلية. وباختصار، جعلت «المحرقة، إحدى ركيزتين يقوم عليهما الدين الأمني الإسرائيلي في الوقت الراهن، فيما تعد المساداة، الركيزة الثانية، والمساداة، هي الاسم العبري لكلمة مسعدة، وهي بلدة يهودية قديمة على شاطئ البحر الميت يقال: إن سكانها اليهود انتحروا بشكل جماعي كي لا يستسلموا للرومان.
ومهما يكن، فقد اختلفت المصادر الصهيونية في تقدير عدد اليهود الذين قتلوا على أيدي النازيين. فقد جاء في كتاب اللورد راسل من ليفربول، المملكة المتحدة، «الصليب المعكوف والعاقبة الوخيمة» أن عددهم لا يقل عن خمسة ملايين(40). والرقم الذي أعدته اللجنة اليهودية المشتركة هو 5.012.000 (41). وتقول مصادر الوكالة اليهودية إن العدد هو ستة ملايين يهودي. (42) ويقدر الدكتور بيرتس فايغ، مندوب يهود نيويورك إلى المؤتمر اليهودي العالمي، أن عدد ضحايا النازية حوالي سبعة ملايين يهودي (43). وعندما رفعت قضية مطالبة إسرائيل بالتعويضات من ألمانيا الغربية، بلغ عدد المطالبين بتلك التعويضات نحو 3.375.000 (44). ومن جهته يقول المركز العالمي للوثائق اليهودية أن عددهم لا يزيد عن 1.485.292 يهودي، ووفق المركز فإن هذا الرقم يشمل كل اليهود الذين قتلوا في الأعمال الحربية خلال الحرب العالمية الثانية. وأخيراً يقول الصليب الأحمر أن عدد اليهود الذين ماتوا في المعتقلات النازية قليل جداً، لأن الرقم الإجمالي لضحايا الاضطهاد النازي المباشر من اليهود وغير اليهود في السجون والمعتقلات النازية، لا يزيد عن 300 ألف شخص(45).
وكما استفادت الحركة الصهيونية من صعود النازية لزيادة المهاجرين اليهود إلى فلسطين، واستفادت من الكارثة للحصول على التعويضات من ألمانيا الغربية في مطلع الستينيات، فقد استفادت أيضاً من هذه الكارثة، في إجبار المصارف السويسرية على دفع التعويضات عن الأموال التي كان ضحايا النازية يودعونها في المصارف الألمانية قبل تحويل تلك الأموال إلى المصارف السويسرية.
ب ـ كيف نظرت الصهيونية إلى النازية

عندما صعدت النازية في ألمانيا وتسلمت الحكم، رأت المنظمة الصهيونية العالمية «إن الوقت قد حان لاستغلال الحقد على اليهود لبناء الدولة اليهودية في فلسطين». حسب تعبير ميخائيل بار ـ زوهر، كاتب سيرة بن غوريون في كتابه بن غوريون «النبي المسلح». ويضيف بار ـ زوهر، بأن رغبة هتلر التقت مع المنظمة الصهيونية العالمية في إخراج يهود ألمانيا. وقد وضع حاييم «أور لوزروف»، رئيس الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية مشروعاً لإنشاء مصرف تصفية اليهود في ألمانيا ونقلهم إلى فلسطين المحتلة وذلك بالتعاون بين بريطانيا وألمانيا وإيطاليا(46). وهدف المشروع توجيه ثروات اليهود إلى فلسطين وبالتدريج. وقد سافر حاييم أولوزوروف إلى ألمانيا في 14/6/1933 للتفاوض مع النازيين لتنفيذ هذا المشروع.
وفي كانون الأول 1933 طلب حاييم وايزمان السماح له بالسفر إلى ألمانيا لتطوير الاتفاق الذي وقعه حاييم «أورلوزروف». وقد جاءت اتفاقية هاعفارا بين ألمانيا النازية والمنظمة الصهيونية العالمية لتنظيم التعاون المشترك بين الطرفين. وبموجب هذه الاتفاقية تم تدريب فصائل للحركة الصهيونية في ألمانيا وسمح لهم بأن يتجولوا بلباسهم الرسمي وأسلحتهم. وقد كشفت الوثائق أن ليفي أشكول قد عمل في المكتب الزراعي في برلين التابع للحركة الصهيونية فترة طويلة خلال الحرب العالمية الثانية. وقد كشفت أيضاً محاكمات ايخمان وكاستنر، والوثائق التي عرضتها لجنة الرأي العام السوفياتي لمناهضة الصهيونية الشيء الكثير من أسرار تعاون النازيين والصهاينة(47).
ومن جهة أخرى يقول الكاتب الأميركي المعروف ألفريد ليلينتال في كتابه «الجانب الآخر للميدالية THE OTHER SIDE OF THE MEDAL عن موقف قادة الحركة الصهيونية من صعود النازية إلى الحكم في ألمانيا» «كان الصهاينة في الأشهر الأولى من حياة النظام الهتلري يعتبرون هتلر الممثل الوحيد لليهود، وكانوا على اتصال وثيق بالسلطات الألمانية، وقد استغلوا وضعهم من أجل تشويه سمعة اليهود، أعداء الصهيونية، وكانت النتيجة توصل الطرفين إلى اتفاق بين الوكالة اليهودية وبين السلطات النازية بحيث تدعم السلطات النازية الهجرة اليهودية إلى فلسطين، مقابل زيادة تعاون الوكالة اليهودية مع الغستابو (48).
وبما أننا لن نناقش المصادر الكثيرة التي رصدت التعاون بين النازية والصهيونية، سأكتفي بإيراد مؤشرات بسيطة جداً.
* في عام 1933، وصل إلى ألمانيا رئيس قسم الوكالة اليهودية أرلوزاروف، وأسس في برلين المكتب الفلسطيني لاستيطان فلسطين، وفي هذا المكتب كان يوجد قسم زراعي يرأسه ليفي أشكول، رئيس وزراء إسرائيل إبان عدوان حزيران (يونيو) 1967 (49).
* في عام 1933، نشرت صحيفة تيشرنوفو فيتشر اليغماني تسايتونغ، مقالاً بعنوان «مصير اليهود» برر فيه كاتبه، ما تفريد رايفير، عضو الوكالة اليهودية، ونائب صهيوني سابق في برلمان رومانيا سياسة هتلر، وعدها شيئاً طبيعياً كان اليهود سببه. وقال الكاتب. «عليهم أن يتحلوا بالصبر، ويعتادوا على فكرة أن الجميع لن يستطيعوا النجاة، علينا أن نفهم مجرى التاريخ، حتى ولو كان هذا الطريق مضرجاً بالدم اليهودي. إن المختارين وحدهم يستطيعون النجاة، والمختارون هم من يؤمنون بالصهيونية»(50).
وسيكشف التاريخ لاحقاً أن الصهاينة سلموا الضعفاء من اليهود، الشيوخ من النساء، والرجال، والمرضى، والفقراء لمعسكرات الاعتقال النازية، مقابل سماح سلطات هتلر بتهجير الشباب اليهود إلى فلسطين.
* في عام 1937 أعلن البارون فون ميلديشتين الموافقة على تأسيس معسكرات إعادة التدريب والتأهيل. وكانت هذه المعسكرات في الواقع تستخدم لتدريب العناصر الصهيونية على استخدام الأسلحة، ويسمح لأفرادها التجول بأسلحتهم في كل أرجاء ألمانيا في الفترة التي فرضت السلطات الألمانية النازية على اليهود وضع إشارات خاصة على ملابسهم(51).
* فيما بين عامي 1937 ـ 1938 تبلورت خطة النازية لتهجير 600 ألف يهودي إلى فلسطين بالتعاون والتواطؤ مع كل من الحركة الصهيونية وبريطانيا، لأنها السلطة الانتدابية. وقد وقعت هذه الخطة بين رئيس البنك الألماني شاخت ومدير البنك الإنكليزي مونتغو نورمان. وفي 5/2/1939 شكلت هيئة مركزية للإشراف على عملية التهجير اليهودية، وبدءاً من 10/7/1939، بدأت السلطات النازية بإطلاق سراح الشبان اليهود من معسكرات الاعتقال من داخو بوفينغالد، ولكن جميع من أطلق سراحهم أمروا بمغادرة الرايخ الثالث خلال أسابيع تاركين أملاكهم وراءهم، ولم يسمح لهم بحمل أية أمتعة أو مبالغ نقدية كبيرة أو مجوهرات. وبعد ذلك أصبح بإمكان المهاجرين اليهود حمل قيمة ربع أملاكهم(52).
وفي هذه الأثناء، كانت الحاخامية اليهودية تكيل المدائح للنازيين. فقد أعلن الحاخام الدكتور واينبرغ، حاخام فيينا أن اليهود المتدينين يعرفون أن هتلر يستحق الشكر العظيم لأنه يناضل ضد الشيوعية والاتحاد السوفييتي. وفي لندن، كانت الحاخامية اليهودية في بريطانيا ترفض مهاجمة هتلر، بل إن الوكالة اليهودية ذاتها أصدرت أول بيان لها عن المذابح ضد اليهود في ألمانيا في كانون الأول 1942، أي بعد سنوات من بدء ارتكاب المجازر ضدهم، وفي كثير من الحالات كانت الوكالة اليهودية والصحف الصهيونية في فلسطين ولندن تقول إن الأنباء الواردة عن المجزرة مختلقة وإنها دعاية سوفييتية (53).
ومن جهة أخرى كان الإرهابي فلاديمير زئيف جابوتنسكي الأب الروحي لحركة حيروت الحالية يقيم أوثق العلاقات مع الفاشية الإيطالية، وتحول جابوتنسكي إلى داعية لموسوليني في العالم بأسره. وطالب جابوتنسكي بوضع فلسطين تحت الانتداب الإيطالي، وأيد الغزو الإيطالي لأثيوبيا مدعياً أن الاستعمار الأوروبي لا يستغل شعوب العالم، بل يساعدها(54). وعندما منعت سلطات الانتداب البريطاني جابوتنسكي من القدوم إلى فلسطين في آب 1933، شكل أتباع جابوتنسكي في فلسطين الذين كانوا يصدرون صحيفة (Chazit Ha, am) اتحاد الإرهابيين. وبدأت الصحيفة المذكورة تنشر زاوية يومية تحت اسم مذكرات فاشي. أما موسوليني فقد أنشأ في عام 1934 فصيلاً لحركة بيتار التي يتزعمها جابوتنسكي، وقد تدرب الفصيل الصهيوني في المدرسة العسكرية الفاشية، وقد ضم 134 طالباً، وهم يرتدون قمصانهم البنية، وفي عام 1936 أقامت الوحدات العسكرية الصهيونية التابعة لجابوتنسكي استعراضاً عسكرياً في روما حضره واحد من أكبر قادة موسوليني العسكريين اسمه دوس الثاني. وفي عام 1925 أعلن موسوليني أمام حاخام روما ديفيد براتور: «حتى تنجح الصهيونية، تحتاجون إلى دولة يهودية وعلم يهودي ولغة يهودية، والشخص الذي يفهم هذا حقاً هو الفاشي جابوتنسكي(55)».
ج ـ شهادات من معسكرات الاعتقال النازية

سأورد فيما يلي شهادتين للبروفيسور برونو بتلهايمBruno Bettelheim، من مواليد فيينا 1903 وهو يهودي ومن أبرز علماء النفس خلال عقد السبعينيات أمضى سنوات عدة في معسكرات الاعتقال في داخو «Dachau» ومعسكر بوفينغالد، Buchen wald، وفي عام 1939 تمكنت أسرته من دفع فدية له وهاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية.
الشهادة الأولى وتتحدث كيف ساعدت النازية الصهيونية(56).
«قبل الحرب، اعتقل عدد لا بأس به من اليهود ووضعوا في السجون، في معسكرات الاعتقال، وجرى هذا لإرهاب اليهود كل اليهود، لكي يهاجروا مباشرة تاركين وراءهم كل أملاكهم. وبالشكل العملي نفذ ذلك من كان في وضع نفسي يسمح له أن يتأمل فكرة ترك كل أملاكه ويبدأ حياة جديدة في بلد أجنبي، وكذلك من كانت عنده القوة لتنظيم مثل هذه الحركة، أو أن يطلب من الآخرين تنظيمها لمصلحته، رغم أنه في معظم الأحيان، كانت البلدان التي سوف تقبل استقبالهم ليست هي التي اختاروها أو كانوا يريدونها. وكان من السهل تنظيم تهجير اليهود إلى فلسطين، وفي معظم الأحيان رغماً عنهم».
والشهادة الثانية تتحدث عن نوعية الأشخاص الذين كانت السلطات الألمانية تطلق سراحهم من المعتقلات النازية(57).
«حتى وقت اندلاع الحرب تقريباً، مرة في الأسبوع، وفي بعض الأحيان في كل أيام الأسبوع، كان بعض السجناء اليهود يطلق سراحهم. إذا قدموا كل أملاكهم، إضافة إلى مبالغ كبيرة كان يدفعها أقاربهم للسلطات النازية، وإضافة إلى ذلك تعهدوا بمغادرة الأراضي الألمانية فوراً. وهذه الشروط لن تنطبق علي، وقد استمرت شهور عدة قبل أن يطلق سراحي، وبالطريقة ذاتها، وخلال هذه السنة أطلق سراح الكثير من السجناء اليهود، نسبياً، وكان ثمة من يقول داخل السجن إنه توجد طريقتان للخروج من معسكر الاعتقال، الأولى وقدما السجين إلى الأمام، أي وهو ميت، والثانية أن يكون يهودياً»(58).
لن أعلق على هاتين الشهادتين، ففهيما من الوضوح والدلالة ما يغني عن كل تعليق، لكن الكاتب كشاهد عيان يقول إنه من أصل 30 ألف سجين في المعسكر كان يوجد 500 يهودي.
د. شهادات بشأن أفران الغاز: سأورد فيما يلي ملخصاً لشهادة يغال لوسين منتج مسلسل «عمود النار» الذي قام التلفاز الإسرائيلي ببثه في النصف الأول من عام 1981 وعلى مدار 19 حلقة تحدثت عن تطور المشروع الصهيوني في فلسطين.
«عندما قمت ببحث خلفية الكارثة في ألمانيا تعلمت أشياء كثيرة، وقررت توجيه كل جهدي للعثور على أفلام سينمائية عن الكارثة من الأرشيف التابع لمؤسسة معسكرات الاعتقال في كيبوتس لوهيم هيغاؤوت» لأن تلك المؤسسة قامت ببحث شامل للموضوع وأنتجت فيلم «الضربة الحادية والثمانين» بالتعاون مع الشاعر حاييم غوري، وكانت المؤسسة على استعداد لتزويدنا بالمواد السينمائية المتوافرة لديها.. وبعد أن فرغنا من العمل، اطلع عليه البروفيسور باور وقال: لا تلمسوا هذا الفيلم ولا تعرضوه أبداً. فسألناه: لماذا؟ فقال لأن جميع الباحثين لم يعثروا حتى الآن على أي فيلم وثائقي للكارثة.. لقد وافقت الدكتور باور على رأيه، ولكنني أبلغته أنني سأحاول إيجاد براهين تؤكد وجود غرف غاز، وبعد ذلك يئست من إمكانية العثور على مثل هذه البراهين، لقد كنت شخصياً في أوشفيتس، ولم أشاهد هناك غرف غاز.
لقد أرسلنا الدكتور باور إلى الدكتور كولكه المسؤول عن مؤسسة ياد فاشيم، وقمنا بالتفتيش عن الصور التي نسعى للحصول عليها، ولكننا لم نعثر على شيء (59).
الخاتمة...

رغم أحاديث الصهيونية عن النازية والكارثة التي ألحقتها باليهود، هل يعقل أن تجد من بين الصهاينة من يمتدح النازية؟! للوهلة الأولى الجواب هو بالنفي. لكن الوقائع تقول غير ذلك. في كتابه الصادر عام 1972 بعنوان «كل شيء لألمانيا وطنية اليهود، الألمان والاشتراكية القومية. يقول البروفيسور شيبس إن الذنب هو ذنب اليهود أنفسهم، والكثيرون منهم كانوا أنصاراً بارزين للحركة الشيوعية والاشتراكية»(60).
وثمة كاتب صهيوني آخر، هو يوري هراري، يكتب في صحيفة يديعوت أحرونوت، في 9/2/1968 بنوع من الشماتة من اليهود الذين قتلتهم النازية ويحملهم مسؤولية الكارثة:
«عندما نسمع بمذابح تدبر ضد اليهود نتساءل أين كانوا؟ لماذا لم يهاجروا؟، ولكن في أعماقنا ينبعث شعور شرير بالفرح «إنهم يستحقون ذلك. لقد حذرناهم» (61).
وأخيراً لنقرأ ما يقوله بن غوريون:
«لو أنني أعرف أنه من الممكن إنقاذ كل الأطفال اليهود في ألمانيا بإحضارهم إلى إنكلترا، أو إنقاذ نصفهم فقط بنقلهم إلى أرض إسرائيل، لكنت اخترت البديل الثاني فقط»(62).
بعد هذا الذي قلناه، هل يمكن التمييز بين عداوة الصهيونية لليهود وعداوة النازية لهم؟
المرحلة الثالثة..

بعد قيام إسرائيل عام 1948. مزجت الصهيونية وقادة إسرائيل بين العداء للسامية، بالمفهوم الصهيوني المعروف، وعقدة الهلوكوست «المحرقة» وأضافت إليهما عنصراً جديداً هو عقدة المساداة أو الإبادة الجماعية وصنعت من هذا المزيج ما يعرف بالأدبيات الإسرائيلية بالدين الأمني، الذي يصبح قيمة بحد ذاته، وفوق كل القيم الأخرى، وبموجبه تتم عسكرة المجتمع والأدب والتعليم والاقتصاد والقوى البشرية، وتصبح الحرب بالنسبة للإنسان في إسرائيل هي شيء من القضاء والقدر، لا علاقة لقيادته بها. ولا يمكن تفاديها، وهكذا يصبح الجيش الإسرائيلي مقدساً وجنرالاته يتحولون إلى حراس المعبد وكهنته، إليهم تقدم التبريكات والصلوات(63). أما المؤسسة الدينية، بشقيها الحاخامية العامة، والحاخامية العسكرية فينحصر موقفها في دعم المؤسسة العسكرية وتقديم التغطية الدينية، على شكل فتاوي، لتسويغ كل أعمال القتل التي ترتكب ضد العرب.
أهم مرتكزات الدين الأمني

تمجيد الحرب، بحد ذاتها، بغض النظر عن أهدافها ومسوغاتها.
يقول الكاتب الإسرائيلي دان شيفتاي. في صحيفة هآرتس في 9/10/1973: «إن المقصود بالحرب هو إعطاء التنفس والتخفيف من حدة المشاعر بالخيبة والعجز.. إن مجرد شن حرب مهما كانت نتائجها هو عمل بطولي يطهر الشعب من عاره»(64).
تحويل الحرب إلى الظاهرة السائدة، والوحيدة في حياة المجتمع في إسرائيل، التي على أساسها يتم تقسيم فترات التاريخ وأحداثه. لنستمع إلى ما تقوله البروفيسورة عاميا ليبليخ أستاذ علم النفس الإسرائيلية حول هذه الظاهرة الفريدة التي لا مثيل لها في العالم:
«الحرب في إسرائيل جزء من الماضي والحاضر والمستقبل. إن الأسئلة المعتادة في حياتنا هي: ما هو الوقت المتبقي حتى الحرب القادمة»؟.. إن التعايش مع الحرب أي الحياة حتى خط النهاية.. كان ولا يزال جزءاً من حياتنا.. لقد أصبحت الحرب نتيجة لذلك بمنزلة المحور الذي تتحرك إسرائيل وفقاً له في كل المجالات، ويتم تقسيم التاريخ الأدبي والفكري والاقتصادي نسبة للحروب.
التقليل من أهمية السلام مع العرب، إن لم يكن السخرية منه: وهذا لا يمنع قادة إسرائيل والصهيونية من الكلام المعسول عن السلام سواء للخداع أو للتغطية على استعدادات لاعتداءات جديدة. إليكم ما يقوله بن غورويون: «إن أسوأ مقلب يمكن أن يفاجئنا به العرب هو أن يوافقوا على عقد الصلح»(65).
ومن يقرأ كتاب موشي ماعوز «السلام مع سورية ونهاية الصراع العربي ـ الإسرائيلي يدرك لماذا رفضت إسرائيل توقيع اتفاقيات سلام مع أكثر من بلد عربي. في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات.
ومن يعرف بن غوريون وتلامذته من قادة إسرائيل يدرك أن ثمة عوامل عديدة، تدفع بن غوريون لإصدار هذا الحكم ومنها:
أ ـ رفض بن غوريون تحول إسرائيل إلى دولة شرق أوسطية، واحتقار بن غوريون العرب، والثقافة العربية الشرق أوسطية التي يحملها اليهود القادمون من البلدان العربية والشرق أوسطية.
ب ـ حرص إسرائيل على الحفاظ على دور إسرائيل في المنطقة، وإبقائها دائماً على استعداد وفي حالة جاهزية تامة للقيام بالحروب بالإنابة، أو ما يعرف بالحروب ضد العرب بالتعاقد مع دول أخرى، تكون تكاليف هذه الحرب وأرباحها مدفوعة سلفاً.
وفي هذه الأيام باتت وثائق حربي 1956 و1967 مكشوفة تماماً للقاصي والداني، وبسهولة يمكن لأي متتبع أو دارس استخلاص العبر، بل ورؤية المساومات بين إسرائيل ومن تعاقدت معهم لشن هذه الحروب. ومن يدرس زيارة مناحيم بيغن إلى الولايات المتحدة في حزيران (يونيو) 1982، والمفاوضات التي أجراها مع الإدارة الأميركية في عهد الرئيس رونالد ريغان، وخصوصاً وزير خارجيته الكسندر هيغ، وردود بيغن على بعض أعضاء الكونغرس الأميركي الذين جاهروا بانتقاد بيغن، يكتشف بسرعة وبسهولة بالغة الطبيعة التعاقدية لهذه الحرب، بل إن بيغن جاهر بذلك علناً(66).
يستدل من آراء المستوى السياسي والعسكري في إسرائيل، أن نظرتهم إلى الدول العربية وعلاقاتهم معها، باستثناء بعض العناصر النفعية الثانوية، لا تتغير سواء وقعت هذه الدول العربية اتفاقات سلام مع إسرائيل أم لم توقع. وما كان يقوله المحللون العسكريون والباحثون الاستراتيجيون عن نظرتهم إلى المنطقة، بعد توقيع مصر لاتفاقية كامب ديفيد، يكشف بوضوح أن إسرائيل تعد مصر، بعد كامب ديفيد، والأردن، بعد اتفاق وادي عربة، عدوين محتملين، لأن متغيرات إقليمية قد تغريهما وتشتركان بالحرب ضد إسرائيل (67).
إن الكيفية التي ترسم بها أية دولة استراتيجيتها، وتحدد بموجبها مكونات أمنها القومي، تكشف عن رؤيتها إلى نفسها ضمن النسيج الإقليمي والدولي. وبالنسبة لإسرائيل، فالتهديدات الأمنية، لم تعد محصورة بالحرب مع دول الطوق العربية، أو دول الجبهة الشرقية، كما كان الاعتقاد يشمل دولاً مثل إيران، بعد ثورة شباط 1979، وحتى باكستان، بعد إنتاج هذه الدولة لقنبلتها النووية.
الخلاصة ..

إن الهدف الأساسي للدين الأمني في إسرائيل خلق الإنسان ذي الذهنية القابلة للتسليم، وبدون نقاش أو استعداد لإعادة النظر، بكل الأساطير المؤسسة لإسرائيل والحركة الصهيونية، وأن يقبل ذلك الإنسان، وبصورة فورية، وكأن لا دور له فيه، أن الخيار الوحيد له هو الحرب، لأجل الحرب، وتقديس الحرب، لأن لا سبيل لإسرائيل للعيش دونها. أليس هذا ما نفهمه مما يقوله موشي دايان. «إن إسرائيل مرتكزة على السيف. هذا هو قدر جيلنا.. خيار حياتنا.. أن نكون مستعدين، ومسلحين وغلظاء.. وإلا سوف يسقط السيف من قبضتنا. وحينئذ تنتزع حياتنا»(68).

¾¾

¡ هوامش البحث:

1ـ قرار صادر عن المؤتمر السابع عشر للحزب الشيوعي الإسرائيلي، راكح، 1972.
2ـ الحياة 26/3/2001.
3- Encyclopedia Britannica File: //C/ Program %20 Files, Britannica, 2001, Cache, info.
4- Grand Larousse Librairie Larousse, Paris 1962. Vo1. 8. P. 983
مأخوذة عن د. الكيالي، إحسان سامي، العنصرية الصهيونية في الدستور والقوانين الإسرائيلية الأساسية، المؤتمر الثالث عشر لاتحاد المحامين العرب، تونس، تشرين الثاني 1976، ص17 ـ 18.
5ـ المصدر السابق، ص19.
6ـ بلدنا، صحيفة اليهود الروس الناطقة باللغة الروسية، 3/12/1998.
7ـ الأسبوع، مجلة اليهود الروس الناطقة باللغة الروسية، 20/11/1998.
8- AL - Ahram Weekly, 15 - 2 - 2001
9ـ هآرتس 13/4/2001، مقال بقلم يوئيل ماركوس
10ـ الحياة 6/1/2001 مقال بقلم سائدة حمد.
11- Revisioniom, From Jabotinsky to Begin, Palestine Studies, winter 1983. p. 79
12- The Oxford Concise Dictionary of Politics. Oxford Press. 1996.
13ـ لمزيد من التفاصيل، راجع الموعد، حمد سعيد، الصهيونية تعليم الحقد قراءة في تشكيل العقد الصهيوني، دار الملتقى، قبرص، 1993، ص39.
14ـ الصافي، عبد الرزاق، القاموس ـ السياسي، دار الفارابي، لبنان، بيروت.
15- Encyclopedia Britannica. vol.9. pp. 194.
16- Fascist Components in the Political Thought of Vladimir. Jabotinsky. Arab Swdies Quartely. Vol.6.p. 304.
17- Joseph B. Schectmen, “Rebel And Statesman” The V. Jabotinsky Story. New york. 1956.pp.23 - 27.
18- Leon Uris. Exodus. Bantam Books. New york Toronto. London.p..
19ـ الموعد، حمد سعيد العنف في الفلسفة الصهيونية، مجلة الأراض للدراسات الفلسطينية، دمشق 1987.
20- Meir. G. My Life. Tel. Aviv. 1975.p..
21ـ بيبرو، جان الفلسطينيون، الغرب، دينية اللسان، الشعب الفلسطيني، مقالات بقلم كتاب يهود، مصدر سابق ص118.
22ـ الموسوعة الفلسطينية الجزء الرابع ص8ـ 9ـ 10ـ 11.
23- Shulamit Volkov. German Anti - Semitism and the National Thought the Jerusalem Quarterly. Vol. 15. 1980.
24ـ المصدر السابق، ص57.
25ـ المصدر نفسه، ص57.
26ـ المصدر نفسه، ص58.
27ـ المصدر نفسه، ص58.
28ـ مأخوذة عن الفكرة الصهيونية، النصوص الأساسية، بإشراف د. أنيس صايغ، ترجمة لطفي العابد وموسى عنز، تعريف د أسعد رزوق، مراجعة هلدا شعبان صايغ وإبراهيم العابد، م.ت.ف، مركز الأبحاث بيروت، 1970، ص13.
29ـ المصدر السابق ص47.
30ـ المصدر السابق ص47.32ـ يوميات هرتزل، إعداد د. أنيس صايغ، ترجمة هيلدا شعبان صايغ ـ مركز الأبحاث، بيروت 1973، ص319.
31ـ المصدر السابق.
32ـ يوميات هرتزل ـ إعداد د. أنيس صايغ، ترجمة هيلدا شعبان صايغ ـ مركز الأبحاث، بيروت 1973، ص319.
33ـ انظر الماركسية والدولة اليهودية، بقلم أ. ديمتري، موسكو، دار التقدم. 1967، ج1 ص94.
34ـ المصدر السابق، ص225ـ 227.
35ـ المصدر السابق، ص427.
36- Le Grand Le Rousse.
37- Longman Dictionary. 1998.
38ـ لمعرفة المزيد من عادات اليهود القديمة من المفيد جداً مراجعة كتاب Max ***er. Ancient Judaism الصادر عام 1902، وهو من تلاميذ هيغل.
39ـ حول الطقوس التي تجري كل سنة في المدارس والمعاهد في إسرائيل إحياء لذكرى ما يعرف بالكارثة. راجع المصدر المذكور أعلاه.
40ـ نشر كتاب اللورد راسل في لندن عام 1954. مأخوذة عن مجلة الأرض 21/9/1983. ص20.
41ـ المصدر السابق نفسه
42ـ المصدر السابق.
43ـ المصدر السابق، ص20.
44ـ رعاية الأشقاء، بقلم فيليب فردمان، نيويورك، 1957ـ ص13.
45ـ مجلة الأرض، 21/9/1982 ص21
46- Bar Zohar, Michael, Ben Gurioun
The Armed Prophet, Eaglewood, Cliff, 1962, P.46
47- The Secret Relatoins Between Zionism and Nazi Germany, Palestine Studies, April, 1976. P 54 – 83
48- Alfred lillenthal, The other side of the Medal, p. 108.
49ـ انظر ا.م. برودسكي، الصهيونية في خدمة الرجعية، دار التقدم، موسكو.
50ـ المصدر السابق، ص 103ـ 104
51ـ المصدر السابق
52ـ المصدر السابق
53ـ لمزيد من التفاصيل حول التعاون بين النازية والصهيونية في زمن الديكتاتورية، ترجمة د. محجوب عمر، مؤسسة الدراسات والأبحاث العربية، بيروت 1985.
54- Jabotinsky, Vladimir Zeev, A self – Portrait, Jewish Frontiers, January, 1935, p 16
55- Revisionism, From Jabotinsky to studies, winter, 1983. P.79.
56- Bruno Bettelheim, Survivng The Holocaust, Flemingo, Fontana Paperbacks. London. 1986. P. 27
57- Bruns Bettle Geim, Ibid, P.27
58- bid: P.56.
59ـ انظر أسطورة عمود النار، ترجمة دار الجليل إشراف الدكتور غازي السعدي، عمان، والتفاصيل كاملة موجودة في كتابنا المذكور أعلاه.
60ـ برودسكي، الصهيونية في خدمة الرجعية، مصدر سابق.
61ـ يديعوت أحرونوت 9/2/1968.
62ـ مأخوذة عن ليني برينر، مصدر سابق.
63ـ لمزيد من التفاصيل راجع
Asher, Arion, Ilan Talmud and Tamer Herman, National Security and public Opinion, Israel, the jaffee Centre for Strategie Studies. No.9 Tel. Aviv University. 1988. P.49.
64ـ هآرتس 9/10/1973.
65ـ مصدر سبق ذكره.
66ـ لمزيد من المعلومات راجع «الدروس التي استفادها العدو الصهيوني من تجربته في لبنان» الموعد، حمد سعيد ـ مجلة الأرض 1982.
67ـ لمزيد من التفاصيل راجع:
John Edwin Mroz, Beyond Security, Private Perceptions Among Arabs and Israelis, The Intermational Peace Academy, fergamon Press, 1980, PP 32 –33 – 34.
68ـ مأخوذة عن كتابنا السابق.

¾¾¾




استنتاجات عامة



n إن الأبارتـيــد جزء لا يتجزأ من تشكيلة اجتماعية واقتصادية ذات محتوى سياسي محدد يقوم على تقسيم البشر إلى فئتين على أساس عرقي، ويضفي الشرعية على هذا التقسيم من خلال مجموعة من القوانين والتشريعات التي تنطلق من مجموعة الأساطير والمقولات المرتبطة بادعاءات التفوق العرقي، ولم تكن صدفة أن يدعي العنصريون في كل مرة أنهم (شعب مختار) وفي هذا الحال لا تعتبر الصهيونية استثناءاً، إذ طبقت سياسة الأبارتـيــد بحذافيرها، ولكن وفق مقتضيات وطبيعة المشروع الصهيوني في فلسطين وأن الادعاء أن فلسطين أرض (بلا شعب لشعب بلا أرض) ليست إلا تكراراً لادعاءات الكيانات الاستيطانية إن كل الأقاليم غير الأوربية أقاليم خالية من السكان.
وكما أن المهاجرين في الكيانات الاستيطانية، استخدموا كل الوسائل للتخلص من السكان الأصليين بواسطة العنف، أو نشر الأمراض، أو حتى بواسطة إبادة الجنس كما حدث في استراليا، الولايات المتحدة، وكندا، فقد ارتأت الصهيونية، بسبب موازين القوى القائمة إقليمياً والفارق النوعي بين الشعب العربي الفلسطيني، وشعوب أقاليم الكيانات الاستيطانية، ارتأت التخلص من الفلسطينيين بواسطة الترحيل، واستخدمت المجازر لتسريع هذا المشروع غير الإنساني، ومنع اللاجئون الفلسطينيون من العودة إلى أراضيهم ومدنهم وقراهم، رغم الكثير من القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة في هذا المجال.
وعندما أخفقت سياسة الترحيل والمجازر في طرد كل السكان العرب من فلسطين استخدمت القوانين الإسرائيلية لطمس وجودهم، تجرديهم من حقوقهم بما فيها الأرض، الانتماء والهوية وإجبارهم على العيش كمواطنين من درجة ثالثة أو رابعة أو حتى سادسة.
وأسوة بكل الكيانات الاستيطانية، رغم كل مظاهر الديمقراطية الزائفة التي لا تعدو أن تكون ديمقراطية الشعب المختار، جاءت التشريعات الإسرائيلية لتكرس التمييز العربي لأن إسرائيل ليست دولة مواطنين، بل دولة دين، وهذا يمتد من وثيقة (إعلان الاستقلال) الصادرة في أيار 1948 حتى آخر القوانين التي يمكن أن تصدرها أية هيئة أو سلطة تشريعية.
لكن العرب في الجليل والمثلث والنقب، لم يستطيعوا التعايش مع هذه السياسات العنصرية، بل قطعوا خطوات هامة على طريق تحديها والتصدي لها, وانطلاقاً من هذه الحقيقة عمدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 إلى تطبيق الدروس التي استغلتها من تجربتها في التعامل مع العرب في إسرائيل على سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، وبناءً على التوصيف المستخدم باعتبارها (أراضي مدارة) أي إنها ليست محتلة ولا محررة. وهكذا أجبر السكان العرب على القبول بالحكم العسكري الذي يتدخل ويشرف، بل ويقرر كل صغيرة وكبيرة، وفي الوقت نفسه استخدم الاستيطان ليس فقط لأهداف أمنية، بل لتكريس الأبارتـيــد وتعميقه، لأن المستوطنين هم (الشعب المختار) بينما يتحول الفلسطينيون إلى سكان معازل (بانتوستانات) وهم محرومون من إمكانية تقرير المصير لأن ذلك يلحق الضرر بمصالح الاحتلال والمستوطنين، وبالتالي فحقوقهم ليست مساوية لحقوق المحتلين، لأن المساواة والديمقراطية ضرورية عندما تخدم مصالح إسرائيل أو اليهود فقط.
الآن وقد سقطت أنظمة الأبارتـيــد في جنوب إفريقيا وروديسيا وموزامبيق، وقبلها سقطت نماذج أخرى من الأبارتـيــد أنغولا، وكينيا، والجزائر، يصبح السؤال مشروعاً: ما هو مصير الأبارتـيــد في إسرائيل؟ فإسرائيل آخر المستعمرات التي أنشأها الأوربيون لحماية مصالحهم، وهي آخر أشكال الاحتلال العسكري في العالم. وكما أنه من غير المقبول الحديث عن تفرد اليهود The Uniqueness of Jews أو حالتهم الاستثنائية The Exclusiveness of Jews أي الإدعاء أن القوانين الاجتماعية الاقتصادية لا تنطبق عليهم، إن مقاربة بسيطة وسريعة للأبارتـيــد في جنوب أفريقيا وإسرائيل تقودنا إلى الاستنتاجات التالية:
إن تجربة البلدين أدت إلى تبلور إطار إيديولوجي عريض نسبياً (الصهيونية في إسرائيل والأفريكانية القومية في جنوب أفريقيا) مع التركيز على دور القيادة الكاريزمية وغياب هذه القيادة، يضعف إمكانيات التغلب على الصعوبات الداخلية والخارجية. والحاجة المستمرة إلى انتخابات سياسية وحلول قيادة صاعدة مكان القيادة الهابطة خلال فترات قصيرة نسبياً، والوضع السياسي في إسرائيل خلال العقد الأخير من القرن الماضي خير دليل على ذلك.
الفكرة القومية التي تبنتها النخب الحاكمة في كل من البلدين تنساب إلى قاعدة اجتماعية أكثر اتساعاً بطرق مختلفة، دينية، علمانية، شبه اشتراكية، عرقية ... الخ
الوضع الاقتصادي والاجتماعي يساعد في قيام أحزاب سياسية تختلف في تصنيفها عن بقية الأحزاب في أماكن أخرى من العالم، فثمة أحزاب يمينية متطرفة في مواقفها من الصراع العربي الإسرائيلي، لكنها ليبرالية في مواقفها الاجتماعية والاقتصادية والسمة العامة للأحزاب الصهيونية أنها في مواقفها تـنــوس بين الدين والأمن والدين والأيديولوجية، وتنحصر مهمة القيادات الحزبية في طرح حلول آنية للمشاكل المطروحة، أو حلول تختلف في لونياتها، عن الحلول المطروحة على الصعيد الاستراتيجي.
إن العامل الذي أعاق تطور الهويتين الأفريكانية والإسرائيلية هو تطور هوية الشعب في جنوب أفريقيا والهوية الوطنية للشعب العربي الفلسطيني اللذين لم يستطع الأبارتـيــد إزالتهما أو إخراجهما نهائياً من الصراع.
وإذا طورنا المقاربة بين نظامي الأبارتـيــد في جنوب أفريقيا سابقاً وإسرائيل يبرز السؤال الكبير المتعلق بمستقبل إسرائيل بعد الأبارتـيــد، إذ سقط الأبارتـيــد في جنوب أفريقيا، موزامبيق، زيمبابوي، وبقيت الدولة ومؤسساتها، القاعدة التحتية للاقتصاد ومنشآته، علاقات الإنتاج ... الخ، بل أكثر من ذلك سقط الأبارتـيــد، وبقيت جنوب أفريقيا، واستطاع أعداء الأمس الاشتراك في الحكم، فهل يطبق هذا على إسرائيل؟ ماذا سيبقى من إسرائيل إذا سقطت الصهيونية باعتبارها الإطار النظري للأبارتـيــد؟ ماذا تعني إسرائيل بدون الصهيونية خصوصاً بالنسبة للدول العظمى، الولايات المتحدة وأوربا، التي تضخ اكسير الحياة في شرايين الصهيونية كل يوم؟ هل ثمة إمكانية أن تنسلخ الصهيونية عن جلدها وتتحول إلى إيديولوجية إنسانية تحررية وديمقراطية مسايرة لروح العصر ومسيرة التاريخ والتقدم البشري؟ كل المؤشرات تؤكد أن الاتجاه الفاشي في إسرائيل في تزايد مستمر تحت وطأة الاقتصاد والمجتمع والسياسة، تزايد نفوذ القوى الدينية والفاشية المتطرفة وأخيراً تفاقم أزمة الصهيونية المتمثلة في إخفاقها في نفي نقيضها، الشعب الفلسطيني مرة والى الأبد.
ألا توجد في إسرائيل قوى لها مصلحة في لجم الفاشية، التخفيف من وطأة الأبارتـيــد الصهيوني وتحويله إلى Petty apartheid كما حدث في جنوب أفريقيا خلال السبعينيات من القرن الماضي؟ قد تكون حركة السلام الآن، جماعة ما يعرف بالمؤرخين الجدد، أو ما بعد الصهيونية أمثال بني موريس، ايلاه بابه وباروخ كيمير لينغ وغيرهم، قد يكون هؤلاء أمثلة على ذلك. ثمة قوى أخرى تخشى أن يؤدي تنامي الفاشية في إسرائيل إلى ارتدادها على اليهود أنفسهم، وتاريخ الصهيونية يؤكد متاجرتها بالدم اليهودي بل ومشاركتها في سفكه. وهذا مثال على ذلك نقتطفه من رسالة أرسلها بنيامين كوهين إلى صحيفة لوموند في 19/6/1982، إبان الاجتياج الإسرائيلي للبنان، وكانت الرسالة على شكل صرخة استغاثة إنسانية: <<أكتب إليك بعد أن سمعت من الراديو الترانزستور أننا في الطريق إلى تحقيق هدفنا في لبنان، أي ضمان السلام لسكان الجليل، هذه الأكذوبة تشبه أكاذيب غوبلز وتدفعني إلى الجنون، لأن من الواضح أن هذه الحرب الوحشية، وهي الأكثر بربرية من الحروب السابقة ولا علاقة لها بما جرى في لندن، ولا بأمن الجليل. هل يحتمل وجود اليهود من ذرية إبراهيم، كانوا ضحايا الاضطهادات المختلفة على هذه الدرجة الوحشية؟ ألا إن أعظم نجاح حققته الصهيونية هو خلاصها من اليهودية. أيها الأصدقاء الأعزاء افعلوا ما في وسعكم من جهد للحيلولة دون تحقيق أنصار بيغن وشارون، هدفهم الثنائي، تصفية الفلسطينيين بشكل نهائي باعتبارهم شعباً، ولكي لا يجهزوا على الإسرائيليين باعتبارهم كائنات بشرية>>.


¾¾¾





مراجع مختارة بالعربية والإنكليزية


مراجع مختارة باللغة العربية:

1ـ د. إحسان سامي الكيالي، العنصرية في الدستور والقوانين الإسرائيليه الأساسية، المؤتمر الثالث عشر لاتحاد المحامين العرب، تونس تشرين الثاني 1976.
2ـ حمد سعيد الموعد، الصهيونية ـ تعليم الحقد، قراءة في تشكيل العقل في إسرائيل، دار الملتقى قبرص، 1993.
3ـ جان بيبرو، الفلسطينيون، الغرب، دينية اللسان، الشعب الفلسطيني، مقالات بقلم كتاب يهود.
4ـ الفكرة الصهيونية، النصوص الأساسية، بإشراف د. أنيس صايغ، ترجمة لطفي العابد وموسى عنتر، تعريف د. أسعد رزوق، مراجعة هيلدا شعبان وإبراهيم العابد، م.ت.ف. مركز الأبحاث، بيروت 1970.
5ـ يوميات هرتزل، اعداد د. أنيس صايغ ـ ترجمة هيلدا شعبان صايغ، مركز الأبحاث، بيروت 1973.
6ـ الماركسية والدولة اليهودية، بقلم أ. ديمتري، موسكو، دار التقدم، 1967.
7ـ فيليب فردمان، رعاية الأشقاء نيويورك 1957.
8ـ أ.م. برودسكي ـ الصهيونية في زمن خدمة الرجعية، دار التقدم، موسكو.
9ـ ليني برينر، الصهيونية في زمن الديكتاتورية، ترجمة د. محجوب عمر، مؤسسة الدراسات والأبحاث العربية، بيروت 1995.
10ـ اسطورة عمود النار، ترجمة دار الجليل بإشراف د. غازي السعدي، عمان.
11ـ عاميا ليبليخ، جنود الصفيح على شاطئ القدس.
12ـ د. رشاد عبد الله الشامي، الشخصية اليهودية والروح العدوانية، عالم المعرفة، رقم 102، حزيران ، 1986.
13ـ عبده مباشر، المؤسسة العسكرية الإسرائيلية الاستراتيجية، البناء النظري، الإطار الفكري، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1977.
14ـ عبد الرحمن أبو عرفة، الاستيطان ـ التطبيق الحرفي للصهيونية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، دار الجليل، بيروت، 1981.
15ـ اللواء الركن محمود شيت خطاب، العسكرية الإسرائيلية، دار الطليعة، بيروت 1968.
16ـ د. مجدي حماد، النظام السياسي الاستيطاني، دراسة مقارنة: إسرائيل وجنوب إفريقيا، دار الوحدة، بيروت 1981.
17ـ د. إبراهيم أبو لغد، تهويد فلسطين، ترجمة أسعد رزوق، مركز الأبحاث، م.ت.ف، بيروت 1973.
18ـ الصهيونية والعنصرية بين الفكر والممارسة، مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، دمشق 1980.
19ـ ابراهيم عبد الكريم ـ التجمعات العربية في فلسطين المحتلة، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق 1999.
20ـ استراتيجية الاستيطان الصهيوني في فلسطين المحتلة، مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، دمشق 1978.
21ـ خالد عابد، المستعمرات الاستيطانية الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، 1967ـ 1980 مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، لبنان.
22ـ يغال الون، تشكيل الجيش الإسرائيلي، منشورات دار العودة، بيروت 1971.
23ـ العميد محمد الشاعر، الحرب الفدائية في فلسطين المحتلة، بيروت 1969.
24ـ الدكتور يوسي الفر، المستوطنات وحدود إسرائيل، مركزها في الدراسات الاستراتيجية، تل أبيب، 1996.
25ـ رجا شحادة، قانون المحتل، إسرائيل والضفة الغربية، ومؤسسة الدراسات الفلسطينية 1990.
26ـ د. إسرائيل شاحاك، عنصرية دولة إسرائيل، منشورات دار فلسطين المحتلة.
27ـ الياهو إيلان، الرجوع إلى صهيون والجزيرة العربية، فكراً وممارسة، منشورات ديغز، 1974.
28ـ بني موريس، ميلاد مشكلة اللاجئين، 1947ـ 1949.
29ـ بيسان، سلسلة قصة مدينة، دائرة الثقافة، م.ت.ف.
30ـ د. إحسان الهندي، قوانين الاحتلال الحربي، دمشق 1971.
31ـ كرفتشوف، عرض موجز لنظريات الدولة والقانون، دار التقدم، موسكو 1969.
32ـ صبري جريس، العرب في إسرائيل، مركز الأبحاث، م.ت.ف بيروت 1967.
33ـ أنيس قاسم وجورج لويس مايكل، قانون العودة لدولة إسرائيل، م.ت.ف 1971.
34ـ أنيس الخوري، الصهيونية وحقوق الشعب العربي الفلسطيني، مركز الأبحاث، م.ت.ف، بيروت 1967.
35ـ د. أسعد رزوق، الأقلية العربية في فلسطين، مركز الأبحاث، م.ت.ف.
36ـ الفاشية تصبح قانوناً، دائرة الإعلام المركزي للحزب الشيوعي الإسرائيلي، راكح، مطبعة الاتحاد التعاونية، حيفا، شارع الوادي، 43، أواسط أيلول.
ـ مكسيم رودنسون، اسرائيل والرفض العربي، القاهرة، الهيئة العربية للاستعلامات بدون تاريخ نشر.
ـ مسيرة السادات الاستسلامية، من زيارة القدس حتى صفقة كامب ديفيد، مؤسسة الارض للدراسات الفلسطينية، دمشق، 1978.

موسوعات:

1- Encyclopedia Britannica. File: //C Program %20 Files, 2001 Cache info.
2- Grand la Rousse, Paris, 1962, vol.8.
3- The Oxford Concise Dictionary of Politics, Oxford Press, 1996.
4- Encyclopedia Judaica, edited by Raphael Patai, vol.7
5- Map of Israel, Road Map with Places of Interest, Haliwage 1987
6- Microsoft ® Encarta Encyclopedia 2001 Ó 1993 - 2001.

1ـ عبد الرزاق الصافي، القاموس السياسي، دار الفارابي، بيروت، لبنان
2ـ الموسوعة الفلسطينية، الجزء الرابع.
3ـ العسكرية الصهيونية، الجزء الثاني، مؤسسة الأهرام.
4ـ اطلس الصراع العربي ـ الصهيوني، إعداد مازن البذك ود. خيرية قاسمية، بيروت 1979.
5ـ خريطة المستوطنات الصهيونية 1882 ـ 1982، دمشق.
6ـ خارطة القرى والمدن والمخيمات والمستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة 1993.
7ـ قاموس الفكر السياسي، الجزء الثاني ترجمة د. انطون حمصي0، دراسات فكرية رقم 22، منشورات وزارة الثقافة، دمشق 1994.

¾

Selected Bibliography


- Joseph B. Schectman, Rebel and Statesman, The V. Jabotinsky Story, Newyork, 1956.
- Leon Uris, Exodus, Bantam Books, New york, Toronto, london.
- Shulmit Volkov, German Anti - Semitisn and the National Thought.
- Max ***er, Ancient Judasim.
- Cliff Eaglwood, The Armed Prophet, 1962.
- Alfred lillental, The Other, Side of the Medal
- Vladimir v. Jabotinsky, A self - protrait, Jewish Frontiers
- Bruno Buttelheim, Surviving the Holocoust, Fleming, Fontana Paper backs.
- Asher, Arion Ilan Talmud and Tamer Hermen, National Security and Public Opinion, Israel, The Jaffee Centre for Strategic Studies, Tel Aviv University, 1988.
- JOhn Edwin Mroz, Beyond Security, Private Perceptions Among Arabs and Israelis, The International Peace Academy, Fergamon Press, 1980.
- Eliezer Schweid, The Endurance of Israeli Society.
- Amerson Cohen and Ari Carmen, In the Wake of yomkippur war, Haifa University, 1976.
- Ebba Eban, Reality and Vision in the Middle Eart, Foreign Affairs, July 1969.
- Laws of the State of Israes, Vol. 4, 5710/1949 - 1950,
- Reuven Cohen, The kibbutz Settlement, Kibbutz Hamenched Publishing House, 1972.
- The Ploughwoman, A Pioneer women in Palestine, edited by Rachel Katzerlson, Newyork, 1975.
- I mmigration and Settlement, Israel Pocket Library - Keter Publishing house, Jerusalem, 1973.
- A. Malkin, Comprehensive Urban Settlement, The City in the Zionist Idedogy, Jerusalem 1970.
- D. Chenokov, Historical Materialism, Progress Publishers, Moscow.
- Don Peretz, Israel and Palestine, Washington D.C. Middle East Institute.
- Herzl yearbook, edited By Raphael Patai Newyork 1953.
- Theodor Herzl, The jewish State, 4th edition, 1946.
- Dr. Shahak Papers, Jewish Chauvinism and Fanaticism, 1981.
- The Palestine Question, Document adopted by the United Nations, Moscow, 1984.
- Aharon Cohen, Israel and the Arab world, 1984.
- Ben Gurion, Israel and the Tasks Ahead, Newyork, 1947
- Laws of the State of Isreel, vol.4.
- R. Stevens, A Studyin the Zionist - South African Cooperation, The Institute for Palestine Studies,
- Rapheel Merguiand and Philepe Simonal, Israels Ayatallahs Saqi Books, London, 1987.
- The west Bank and Gaza, Israels Options for Peace, The jaffee Centre for Strategic Studies.
- Tel - Aviv University, 1987.
- Laws of the State of Israel, vol.6. 1951.
- Laws of the State of Israel, Emergency Regulations, vol, II.
- Laws of the State of Israel, 1948.

- Laws of the State of Israel, 1949.
- Laws of the State of Israel, 1961.
- Laws of the State of Israel, 1960.
- Absentee Verdict, Research Center, P.L.O. Beirut, 1967.
- R. Stevens and A. Elmissiri Israel and South Africa The progression of Relationship, New York 1976.
- H.C. Armstrong, Grey Steel, A Study in Arrogance, London 1937.
- Arthur Ruppin, the jews Today, translated by maryery Bentwitch, London 1913.
- Pierre de Meron, Against Israel, translated form French by H.D. Bachoor, 1968.
- Helen Joseph, Side by Side, Third World Book, Zed Books, 1986.



¾¾¾



المؤلف في سطور

· حمد سعيد الموعد
· مواليد صفورية، فلسطين 1947.
· مقيم في دمشق مخيم اليرموك.
· خريج جامعة دمشق، قسم اللغة الإنكليزية عام 1970.
· عمل في الصحافة في سورية ولبنان خلال عقد السبعينات.
· عمل باحث غير متفرغ لدى مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية في دمشق منذ 1979 حتى 1989.
· عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين.
· عضو اتحاد الكتاب العرب.
· حضر عدداً من المؤتمرات الدولية حول اللاجئين الفلسطينيين في كندا وأوروبا وإيران والأردن.
مؤلفاته:
· حرب المياه في الشرق الأوسط، دار كنعان، دمشق 1990.
· إسرائيل والمتغيرات الدولية، دار كنعان دمشق، دار عيبال قبرص 1991.
· الصهيونية ـ تعليم الحقد، قراءة في تشكيل العقل الصهيوني، دار الملتقى، قبرص 1992
· الأسلمة المعاصرة، قضايا وآفاق، دار حطين دمشق، 1993.
· العمل الشيوعي الفلسطيني في سورية، دار الطليعة الجديدة، دمشق 1995.
· أمن الممرات المائية العربية اتحاد الكتاب العرب، دمشق 1999.
· الأبارتيد الصهيوني ــ اتحاد الكتاب العرب دمشق 2001.
· The Palestinian Refugees in Syria. I.D.R.C
Ottawa. Canada
تحت الطبع:
· Yarmouk Camp The Future of the Camp.
كتب مترجمة من اللغة الانكليزية إلى العربية:
· خيارات إسرائيل للسلام في الضفة الغربية وقطاع غزة، معهد جافي للدراسات الاستراتيجية 1989.
· العوامل الداخلية في سياسة الولايات المتحدة الشرق أوسطية، معهد جافي للدراسات الاستراتيجية 1990.
· العلاقات السرية بين النازية والصهيونية، بقلم كلاوديوس يوكلنة بيروت 1977.
كتب مترجمة إلى اللغة الانكليزية:
· Bartering Cultures be M.A.Madoun. 1996
· The Book of Iraq by A.B.Hassoun. 1997
· Amoment BeforeDamnation. a novel by M.H. Malaki
· The Leakage by M.H.Malaki.


¾¾¾




الفهرس

اهــداء5
مقدمة..7
منهج البحث. 9
الصعوبات. 10
اعتراف بالجميل. 11
الفصل الأول : الأبارتيـد المقـارن. 13
الهجرة الاستيطانية19
وعي الذات. 21
وهذه الأمثلة23
الفصل العنصري Racial Segregation. 25
أ ـ الفصل العنصري في الولايات المتحدة25
فرق الموت الأمريكية27
ب ـ جنوب إفريقيا28
البانتو ستانات Bantustant28
جـ ـ إسرائيل. 30
أ ـ اللاجئون. 31
ب ـ الفلسطينيون في إسرائيل. 33
ج ـ الأراضي المحتلة عام 1967. 34
الحكم الذاتي: مفاهيم عامة36
أ ـ ضم القدس الشرقية يوم 28 حزيران 1967. 40
ب ـ المستوطنات. 41
ج ـ الإصرار على تفسير نصوص المعاهدات. 41
الخلاصة..43
الفصل الثاني : الترانسفير... ونفي الآخر47
أشكال الترحيل في الفكر الصهيوني. 51
الترحيل في الفكر الصهيوني: منظور تاريخي. 51
جابوتنسكي والترحيل. 56
بن غوريون والترحيل. 57
الترحيل في التطبيق العملي. 63
الترحيل عام 1948. 65
3) سياسة الترحيل قبل وبعد قيام الكيان الصهيوني. 66
طـرد كــراد البقــارة والغنامة70
الترحيل بعد عدوان حزيران 1967. 71
الترحيل ومخطط تصفية القضية الفلسطينية74
الفصل الثالث: شرائع الأبارتـيد التمييز العنصري في القوانين والتشريعات الإسرائيلية79
الدولة والقانون في الكيان الصهيوني. 81
نظرية الحق، كما يفهمها الصهاينة82
الأساس الإيديولوجي للقانون الإسرائيلي. 82
الطابع العنصري للقوانين الإسرائيلية83
محاولة للتفسير النفسي للعنصرية الصهيونية85
قانون العودة لعام 1950. 86
قانون الجنسية لعام 1952. 87
موقف القانون الدولي من قانون الجنسية الإسرائيلي. 89
الجوهر العنصري لقانون الجنسية89
قوانين الحكم العسكري. 90
قوانين مصادرة الأراضي. 93
قانون مناطق الأمن لعام 1949. 94
قانون استملاك الأراضي لصالح العام(30)94
قانون استملاك الأراضي ساعة الطوارئ لعام 1949. 96
قانون استملاك الأراضي لعام 1953. 97
قوانين زراعة الأراضي المهجورة99
قانون زراعة الأراضي المهجورة لعام 1949. 100
قانون تركيز الأراضي الزراعية لعام 1960. 101
قانون التقادم «مرور الوقت» لعام 1958. 101
قانون أملاك الغائبين لعام 1950. 101
قانون مكافحة الإرهاب لعام 1980. 106
قوانين عنصرية أخرى. 107
الفصل الرابع : الاستيطان يكرس الأبارتـيــد111
دور المستوطنات في الدفاع الإقليمي. 117
دور المستوطنات في العمليات الحربية118
دور المستوطنات في العمليات الاستطلاعية119
غيتوات من صنع إسرائيلي. 120
دور المستوطنين. 125
الإدعاءات التي يخدمها الاستيطان في المناطق المحتلة عام 1967. 132
والخلاصة136
لواء الخليل. 137
قطاع غزة137
الـقـــدس.. 137
والخلاصةخطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة.
ب ـ الطرق الالتفافية139
أهم الطرق الالتفافية 140
الدور الفاشي للمستوطنين. 144
بؤرة الفاشية146
وحدات الحرس المدني. 149
الفصل الخامس: اللاســامية معكوســــة155
أما موسوعة لاروس، فتعرف العنصرية بمايلي:158
ما المقصود إذن باللاسامية المعكوسة؟160
الصهيونية واستغلال الدم اليهودي. 161
ذهنية الكارثة164
المرحلة الأولى..165
المذابح في روسيا وموقف الصهيونية منها..167
هرتزل وكارثة اليهود الروس.. 170
الخلاصة:171
المرحلة الثانية ..172
أ ـ التعريف:172
ب ـ كيف نظرت الصهيونية إلى النازية174
ج ـ شهادات من معسكرات الاعتقال النازية177
الخاتمة...178
المرحلة الثالثة..179
أهم مرتكزات الدين الأمني. 179
الخلاصة ..181
استنتاجات عامة184
مراجع مختارة بالعربية والإنكليزية184
المؤلف في سطور. 184
الفهرس.. 184
¾¾







رقم الإيداع في مكتبة الأسد الوطنية

الأبارتيد الصهيوني : دراسة / حمد سعيد الموعد دمشق: اتحاد الكتاب العرب، 2001 199 ص؛ 24سم.


1- 320.56 م و ع أ 2- العنوان
3- الموعد

ع- 2418/12/‏2001‏ مكتبة الأسد
qq


__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
اسرائيل


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الأبارتيـد الصهيوني
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
التصعيد الصهيوني في غزة عبدالناصر محمود أخبار الكيان الصهيوني 0 02-11-2017 08:38 AM
الكيان الصهيوني نمر من ورق عبدالناصر محمود أخبار الكيان الصهيوني 0 11-29-2016 09:44 AM
فرص صمود الكيان الصهيوني عبدالناصر محمود أخبار الكيان الصهيوني 0 08-25-2014 07:07 AM
مسخرة .. الوفد (الصهيوني) عبدالناصر محمود أخبار منوعة 0 08-10-2014 06:41 AM
عنصرية الكيان الصهيوني عبدالناصر محمود أخبار الكيان الصهيوني 0 12-18-2013 08:25 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 04:42 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59