#1  
قديم 01-17-2015, 08:41 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,139
ورقة الرسوم المسيئة والعقلية المتغطرسة


الرسوم المسيئة...والعقلية المتغطرسة
ــــــــــــــــــــ

26 / 3 / 1436 هــ
17 / 1 / 2015 م
ـــــــــــ

المتغطرسة Rsoom.jpg

( من أرشيف البيان ـ صفر 1427 - مارس 2006 )
ـــــــــــــــــــــــــــ



إن شانئك هو الأبتر
ـــــــــ


دارت بنا الدنيا، تفطَّرت نفوسنا، وتزلزلت الأرض من تحت أقدامنا .
الغضب يملأ قلوب المسلمين في المشرق والمغرب، كبارهم وصغارهم، رجالهم ونساءهم، صالحيهم وفساقهم .. أوَ يتجرؤون على مقام النبوة ؟!
أوَ يستهزئون بسيد ولد آدم .. ؟!
يا لله .. أتدرون بمن تسخرون .. ؟!
ويحكم أتدرون من هو محمد - صلى الله عليه وسلم - .. ؟!
ألَمٌ شديد هزَّ كيان الأمة وصدَّع أركانها، وجعلها تنتفض، تستنفر خفافاً وثقالاً، تغضب .. ترفع صوتها بكل حميَّة : ( إلا محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) .. !
والذي زاد من هول الواقعة ذلك الصلف والتعالي والمكابرة، أخذتهم العزة بالإثم، فأبوْا أن يتراجعوا، بل تسارعوا للتناصر .. { وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ } الأعراف : 202] .
وزادها فجيعةً أنَّ مِن بني جلدتنا سمَّاعين لهم، فراح بعض الصحفيين في بعض البلاد العربية والإسلامية يعيد نشر تلك الصور الآثمة لحجج تافهة باردة، ونظر بعض أهل الأهواء ومن يسمون أنفسهم بالليبراليين نظرة لا مبالاة للحدث واثَّاقلوا عن نصرة نبيهم، بل اجتهدوا في التهوين منه، وتفيهقوا علينا بالدعوة السمجة إلى الصفح والتسامح .. !!
لكن الرد على هؤلاء جميعاً من أرض الحرمين، من مصر و السودان، من الجزائر و المغرب، من أندونيسيا و الباكستان، من نيجيريا و السنغال .. من كل أرض ينادَى فيها بنداء التوحيد .. جاء الرد بعفوية مذهلة وبفطرة صادقة بعيدة عن الشعارات السياسية أو المزايدات الإعلامية، قال الناس بصوت واحد : { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} [الكوثر : 3 ] .

هذه المشاعر تدل على فطرة صالحة، وأرض خصبة تستحث الدعاة لتأسيس محبة صادقة، واتِّباع مخلص لسيِّد الأولين والآخرين، إنها فرصة لنتجاوز خطابات الإدانة والشجب لندعو إلى التعظيم والاتِّباع والاستسلام لأمره ونهيه . إنها فرصة تاريخية لنقول للمسلمين : هذا هو نبيكم محمد - صلى الله عليه وسلم - عليكم بتعزيره وتوقيره والاهتداء بهديه والذب عن دينه .
إنها فرصة تاريخية لنقول فيها للعالم أجمع بعد أن بدأ الناس يتساءلون من هو محمد : إن رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - لكم جميعاً، جاءت لتخلصكم من رهق الضلالات والأهواء البشرية .. جاءت تدعوكم بدعاية الإسلام أسلموا تسلموا : { وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد : 38] .

---------------------------------
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01-17-2015, 08:44 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,139
ورقة يا أدعياة التسامح والديمقراطية من يكره من؟

يا أدعياة التسامح والديمقراطية من يكره من؟*
ــــــــــــــــــــــــ

26 / 3 / 1436 هــ
17 / 1 / 2015 م
ــــــــــــ





الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد :

فإن العداء القائم ضد الإسلام و المسلمين وخاصة في كثير من الدول الغربية هو نتيجة طبيعية للصورة النمطية التي رسمها كثير من الكتاب والباحثين والمستشرقين والمنصّرين والتي تقوم على رسم المسلمين على أنهم عنصريون وأغبياء ومتخلفون وقتلة، وأنهم لا يستحقون الحياة، ومن ثم تتم الإساءة لدينهم ونبيهم - عليه الصلاة والسلام -، وهذا ما يسوّدون به كتاباتهم منذ قرون .
ولم يكن ذلك وليد ما حصل مؤخراً مما أثارته صحيفة دانماركية بنشرها عدداً من الكاريكاتيرات وما أحدثته تلك الهجمة من ردود أفعال كبرى من المسلمين نصرة لنبيهم - عليه الصلاة والسلام -، ورفضاً لكل ما يسيء له ؛ فإن ديمقراطيتهم المزعومة التي ينشرونها ويطالبون بتطبيقها وتتولى كثير من دولهم المقاتَلة على إقرارها مما هو معروف للجميع، وسنوضح كذبها وعدوانيتها وكراهيتها للإسلام ووصم ثقافته بأنها تقوم على الكراهية كما يزعمون !!
ونحن نتساءل بكل صراحة : هل من الديمقراطية والحرية الإساءة للآخرين والسخرية من أديانهم ؟ وهل من الديمقراطية والحرية إهانة أنبياء الله المرسلين ؟ أو حتى الإساءة والإهانة ولو لإنسان واحد بدون وجه حق ؟ ثم أين ما يزعمون من حقوق في حرية الدين ؟ وأين ما يدَّعونه من دعاوى حقوق الإنسان ؟ وأين احترامهم لما في دساتيرهم من احترام للقيم الدينية والإنسانية ؟ ولماذا يقتصر الاحترام لأمور بعينها تخصهم ؟ حتى إنهم يجرِّمون من يتجرأ على مجرد ذكرها والتشكيك فيها كما في « مسألة الهولوكست » إلى حد أنه يمكن أن يعاقب ويسجن كل من ناقشها ولو ببحث علمي بحت كما حصل في حق « جارودي » حيما ألف كتابه الشهير « الدولة الصهيونية والأساطير المؤسسية » حيث شُهِّر به وعوقب وهو في أرذل العمر .
وأخيراً وليس آخراً نشرت وكالات الأنباء العالمية إدانة محكمة نمساوية في 21/2/2006 المؤرخَ البريطاني ( ديفيد ارفنج ) لإنكاره ( الهولوكست ) وحكمت عليه بالسجن 3 سنوات وكان معتقلاً منذ نوفمبر 2005، والويل لمن يجرؤ على الكلام بالنيل من الصهاينة حتى ولو كان ذلك بالحقائق ! !
بينما الإساءة للإسلام والمسلمين قائمة في وسائل إعلامهم المرئية والمكتوبة والمسموعة ؛ حيث تؤثر تأثيراً سلبياً وسيئاً في حق دين سماوي، ومن ثم التنفير من أن الإسلام مع أنه هو الدين الذي احترم الأديان الأخرى ولا يصح إسلام مسلم ما لم يؤمن بالإله - جل وعلا - وملائكته وكتبه ورسله، ولا يفرق بين أحد منهم، وأشاد بالأنبياء كلهم وساق قصصهم، وصحح كثيراً من الأخطاء التي نُسبت لهم مما يدفع كل قارئ منصف لأن يُعجَب بهذا الدين ويعلن إسلامه ؛ ولذلك يعلن كثير من الغربيين إسلامهم ولسان كل واحد منهم : ( لقد كسبت محمداً ( - صلى الله عليه وسلم - ) ولم أخسر المسيح ) وهذا ما جعل متطرفيهم يعلنون العداء والعنصرية البغيضة ومحاربة ديننا الحنيف بدون وجه حق ؛ خوفاً من أن ينتشر هذا الدين بينهم لما يتميز به من قيم أخلاقية ومبادئ إنسانية، وكما قيل : الإنسان عدو ما جهل .
هذه مواقفهم غير الموضوعية ؛ فمن يكره من ؟ إن المتابع المنصف يلمس عداء القوم للإسلام والمسلمين في صور شتى معروفة كثيراً ما يسيئون بها لديننا، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر :
1 - الإساءة والإهانة لنبي الإسلام من خلال تلك الرسوم الكاريكاتورية المهينة، وهو ما أحدث ردود فعل كبرى لدى المسلمين في شتى ديار الإسلام، وحينما طالب المسلمون الدانماركيون بالاعتذار عن تلك الخطيئة رفضت الصحيفة في شخص رئيس تحريرها الاعتذار، وحينما رُفِعَ الأمر للقضاء رفض القضاء عندهم الشكوى بدعوى أن ذلك حرية رأي لا يملكون حيالها رداً، وزاد طغيانهم وعنصريتهم وحقدهم يوم قامت المقاطعة الشعبية لمنتجات المستهزئين بنا والتي لم يتوقعوها، وأحدثت في أيام محدودات أضراراً كبرى على اقتصادهم مما جعل رئيس وزرائهم بعد عدة أشهر يطالب بتهدئة الأمور ؛ فهو تارة يعتذر، وتارة يصرّ على عدم الاعتذار ؛ فمن يكره من ؟
2 - إعادة العديد من الصحف والمجلات الأوروبية في فرنسا و إيطاليا و السويد و النرويج لتلك الرسومات المهينة نفسها مع ما فيها من إساءة وإهانة للمسلمين ؛ فمن يكره من ؟
3 - ارتكب حزب عصبة الشمال الإيطالي حماقة جديدة وخرجت صحيفة ( لابدانيا ) برسوم كاريكاتورية جديدة مسيئة للرسول - صلى الله عليه وسلم -، وطالب رئيس تحرير الصحيفة المذكورة في افتتاحيتها باتباع خطى الحكومة الدانماركية في رفض الاعتذار للمسلمين قائلاً : ( أيها الرسامون اتحدوا من أجل معركتنا في مواجهتهم حتى لا يضعونا تحت أقدامهم ... )، مع دعوته لبابا الفاتيكان الحالي لشن حرب صليبية ضد المسلمين وأنه سيحشد الشباب الكاثوليك ضد ما أسماه بالتغلغل الإسلامي، واتصل بالسفارة الدانماركية مؤيداً موقفهم من عدم الاعتذار للمسلمين، وهذا ما نشرته كثير من الصحف العربية [1] ؛ فمن يكره من ؟
4 - اليمين المتطرف في دولة السويد رفع سقف الإساءة لرسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - بإعلانه في صحيفة حاقدة عن مسابقة كاريكاتورية جديدة لرسم النبي - صلى الله عليه وسلم - في مارس المقبل، وقالت الصحيفة على لسان رئيس تحريرها : إن حرية التعبير تتجاوز المنع بشأن محمد ؛ لافتاً إلى ضرورة دعم الصحيفة الدانماركية، وداعياً للتقدم برسوماتهم !! هكذا وبكل وقاحة ! فمن يكره من ؟
5 - أن القوانين الوطنية في كل الدول الغربية تحترم حقوق الإنسان ومنها حقه في التدين ؛ ومن ثم تجريم الإساءة لمعتقدات المتدينين ؛ فأين القوم من هذا التجييش الحاقد ؟ وهذا العمل يجرمونه هم، وهو ما يسمونه بـ ( التجديف ) وهو ممنوع نظاماً لديهم ؛ فكيف يتناسى أولئك العنصريون هذه الأمور بدعوى أنها حقوقهم في الحرية المزعومة ؟ فمن يكره من ؟
6 - معاناة المسلمين المهاجرين في جُل دول الغرب ؛ فما زالوا يعانون الأَمَرَّين من المضايقات والسخرية وخاصة بحجاب الفتيات اللاتي يُمنعن من ارتدائه بدعوى أنه رمز ديني، بينما لباس المتدينات النصرانيات أقرب ما يكون للحجاب الإسلامي ولا يُمنع، فلماذا ؟ لا شك أن ذلك يذكِّرهم بالإسلام ؛ والتزام أهله به يسوؤهم، وخاصة أن قبولهم المهاجرين المسلمين كان متوقعاً منه في مخططاتهم دمجهم في مجتمعاتهم الغربية وإذابتهم فيها تماماً، لكنهم فوجئوا بالتزام الأجيال الجديدة بإسلامه واعتزازهم به، ورفضهم الذوبان في المجتمعات الغربية، وما لمسه الغرب من انتشار الإسلام بين الغربيين أنفسهم حتى صار الإسلام الديانة الثانية في أوروبا، وتناقصت أعداد الغربيين حتى صرخ أحد رموزهم محذراً من تلاشي قومه في كتابه « موت الغرب » [2] . هذه فلسفتهم ورؤيتهم التي تقوم على الخوف من الإسلام مع أنه دين يحترم دينهم وله أخلاقياته المحترمة وقيمه الإنسانية الرفيعة، ومع ذلك يكرهونه ويحذرون منه ؛ فمن يكره من ؟
لقد أصبحت كراهية الإسلام ظاهرة مَرَضية يعانون منها كثيراً حتى سموها « الإسلام فوبيا » وقد ضرب على وتره العنصريون وذوو الاتجاهات اليمينية المتطرفة .
وللحق والحقيقة ؛ فإن هناك أفراداً واتجاهات موضوعية في الغرب ترفض ذلك النهج العدواني وتحذر منه، ومن ذلك المستعرب ( الألماني ) الشهير ( فريتس شيبات ) في كتابه القيم « الإسلام شريكاً »، الذي تحدث فيه عن المفاهيم والأفكار الخاطئة التي يُروَّج لها في الغرب ضد الإسلام ؛ داعياً قومه إلى تصحيحها، وأمرهم بتعديل مواقفهم الخاطئة من الاتجاهات الإسلامية، ومحاولة فهمها بشكل موضوعي بعيداً عن التعصب والنظرات الشوفينية [3] .
ونحن نعتقد أن الشرق والغرب لم يكونوا برؤية الشاعر الإنجليزي ( كبلنج ) حينما قال : « الشرق شرق، والغرب غرب ؛ ولن يلتقيا » بل سيلتقيان وإن اختلفت الأديان بعدما أصبح العالم قرية كونية، وذلك بإشاعة العلم والمعرفة والدعوة، وبتفعيل وسائل الاتصال، وبعد إزالة الشبهات المغرضة وكشف الاتجاهات العنصرية وفضحها ؛ وخاصة بعدما صدر عام 2004م من قرارات أممية تجرِّم التطرف العنصري وتدين الربط بينه وبين الإسلام أو ربط الإسلام بالإرهاب، وكذلك رفض الممارسات والتمييز العنصري ؛ وهذا يزيل العوائق التي يستشهد بها أعداء الإسلام في محاولاتهم البائسة في الإساءة للإسلام بهدف وضع العراقيل ضد انتشاره بينهم .
ونعتقد جازمين أنه لو فُتح المجال لدعاة الإسلام وبشتى الأساليب الإعلامية المختلفة لأمكن للغربيين أن يدخلوا في دين الله أفواجاً، وخصوصاً بعدما لمسناه مؤخراً من إدانة صريحة لتلك الموجة العارمة ضد الإسلام ونبيه من بعض رجال الدين النصارى وعلى رأسهم بابا الكاثوليك، ورؤساء بعض الكنائس الغربية في بريطانيا، وغيرهم .
ولقد تناولنا في هذا العدد ملفاً علمياً موضوعياً عن كشف منطلقات الإساءة للنبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -، نصرةً له عليه السلام وكشفاً للاتجاهات المعادية لديننا الحنيف، آملين أن يجد فيه القارئ ما يشفي ويكفي، كما تطرقنا في ملف آخر عن انتصار حركة حماس الإسلامية في الانتخابات النيابية الأخيرة في فلسطين، وفيه يتضح مدى كراهية كثير من الغربيين للإسلام من زاويتين :
1 - الحقد الدفين المتمثل في الإعلان منذ وقت مبكر وقبل ظهور نتائج الانتخابات الفلسطينية من عدم تعاون الغرب مع حماس إن فازت، بل إنهم سيقطعون الإعانات الإنسانية عن الشعب الفلسطيني إن رشَّحَ حماس .
2 - سكوت الغرب حيال استفزاز الصهاينة للشعب الفلسطيني بالقتل والغارات العدوانية بعد فوز حماس، ولا نكاد نسمع أي اعتراض غربي على هذه الهجمات الهمجية، ولسان حالهم يقول للصهاينة : اعملوا ما تريدون، ولعل المقصود هو إفشال مشروع حماس في الإعداد القائم للحكومة المنتظرة، مع معاناتها من رفض التعاون معها حتى من رفاق السلاح والمقاومة ؛ فهل يليق أن يكونوا مع العدو ضد ( حماس ) ؟ سبحان الله العظيم !
ويبقى السؤال قائماً ومشروعاً : من يكره من ؟ وهل ثقافة الكراهية المنسوبة زوراً للمسلمين صحيحة أم لا ؟ أم هي ثقافة الآخر المعادي لنا ولديننا ولنبينا - صلى الله عليه وسلم -، والمخالفة لكل القيم والنظم الإنسانية ؟ ندع الإجابة للقارئ الكريم ؛ فقد اتضح لذي عينين أين تكمن ثقافة الكراهية وعند من .
ومما يبشر بالخير أن تلك الموجة العدوانية ضد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الدانمارك جعلت الكثير من عامة الناس يبحثون عن حقيقة الإسلام، ومن هو هذا النبي الذي هوجم وسُخِرَ منه فثار له أتباعه والمؤمنون الذين يدافعون عنه ؟ ونؤكد على أن الاحتجاج يجب أن يكون بعيداً عن العنف والتدمير ؛ إذ لا مبرر له، بل إنه يضر أكثر مما ينفع . لقد جعلت هذه الهجمة الظالمة على النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيراً من هؤلاء بعد الاطلاع على سيرته - صلى الله عليه وسلم - وتعاليم دينه يعلنون إسلامهم ؛ فلله الحمد من قبلُ ومن بعدُ .

-
________________________
(1) انظر صحيفتي الرياض و الوطن , يوم الخميس 9 / 1 / 1427 هـ .
(2) هذا الكتاب ترجم مؤخراً للعربية و نشرته مكتبة العبيكان بالرياض .
(3) نشر هذا الكتاب بالعربية في سلسلة كتاب المعرفة التي تصدر في الكويت بترجمة أ د / عبد الغفار
مكاوي في أبريل 2004 م .

------------------------------------------
*{م: البيان}
-----------
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 01-17-2015, 08:51 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,139
ورقة بأبي أنت وأمي يا رسول الله!

بأبي أنت وأمي يا رسول الله!
ـــــــــــــــــ

(محمد بن شاكر الشريف)
ــــــــــــ

26 / 3 / 1436 هــ
17 / 1 / 2015 م
ــــــــــ




تدلهمّ على الناس الخطوب وتفجؤهم المصائب الكبيرة، فإذا تأملوها حق التأمل وجدوا فيها من فضل الله وإحسانه ما تعجز الألفاظ عن التعبير عنه . لقد فوجئ المسلمون بحفنة من الحاقدين النصارى الذين أعمى بصيرتهم شعاعُ الحق الظاهر من دين الإسلام، الدين الذي رضيه الله - تعالى - لعباده ولم يرض ديناً سواه، فذهب هؤلاء المنكوسون يفرغون حقدهم وضلالهم في العيب والذم لرسول الله - تعالى - الذي أرسله ربه ليخرج الناس من الظلمات إلى النور .
لقد كانت فاجعة وأي فاجعة ومصيبة وأي مصيبة، لكن الله جعل من ذلك فرصة عظيمة للمسلمين لبيان حبهم لدينهم وشدة تمسكهم به، وبذل الغالي والنفس والنفيس للذود عن حبيبهم، ومهما كتب الكاتبون ومدح المادحون ونافح المنافحون فلن يستطيعوا أن يوفوه حقه اللائق به - صلى الله عليه وسلم -، ولكنها كلمات يكتبها المسلم المحب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ ليعبر بها عن بعض ما بداخله، وليؤدي جزءاً مما يجب عليه نحوه، كيف لا وقد أخرجنا الله - تعالى - به من الظلمات إلى النور وهدانا به الصراط المستقيم ؛ فمن أقل ما يجب علينا أن ننتهز هذه الفرصة لنعّبر عما يجيش في صدورنا تجاه هذا الرسول الأكرم الذي لم تعرف له البشرية نظيراً أو مدانياً، وما مثل الكاتبين ومثل سيرة الرسول – صلى الله عليه وسلم - إلا كمثل رجل دخل بستاناً مثمراً من كل أنواع الثمار التي تحبها النفوس وتشتهيها، وذلك وقت نضجها، فلم يدر من شدة جمالها وحسنها ماذا يأخذ وماذا يدع .
* كيف كان العالم قبل مجيء الرسول - صلى الله عليه وسلم - ؟ كان العالم كله يعيش في ظلمات الجهل والضلالة والشرك، إلا عدداً قليلاً جداً ممن حافظ على دينه من أهـل الكتاب، فلم يحرفوه أو يقبلوا تحريفه ممن قام به .
يقول الرسول ****** - صلى الله عليه وسلم - : « إن الله نظر إلى أهل الأرض، فمقتهم عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال : إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء، تقرؤه نائماً ويقظان ... » [1]، فهذا الحديث يصور الحالة البشعة التي كان عليها العالم قبل مبعث خير البرية، حيث استوجبت من الله - تعالى - أشد البغض، وهذا لا يكون إلا مع الانغماس التام في الضلالة والبعد عن سنن الرشاد .
فقد كان العرب يئدون البنات ويحرّمون أشياء مما رزقهم الله - تعالى – بغير حجة أو برهان . قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - : « إذا سرّك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين والمائة من سورة الأنعام : { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } ( الأنعام : 140 ) » [2] . وكانوا يأكلون الميتة ويشربون الدم، كما قال الله - تعالى - مبيّناً حالهم، وآمراً رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يقول لهم : { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ( الأنعام : 145 )، وفوق ذلك كله كانوا مشركين يعبدون الأصنام والأوثان من دون الله، ويحرّمون على أنفسهم الاستفادة من بعض حيواناتهم، ويجعلون إنتاجها للطواغيت، كما نعى الله عليهم ذلك في قوله : { مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } ( المائدة : 103 ) [3]، ولم يكن أهل الكتاب أحسن حالاً منهم، فحرّفوا كتابهم المنزّل على رسولهم، وافتروا على الله الكذب وأشركوا بالله، وادّعى اليهود أن لله - تعالى - ولداً، كما ادّعت النصارى أن لله - تعالى - ولداً : {وَقَالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى المَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } ( التوبة : 30 ) تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً . واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله - تعالى - . قال الله - تعالى - في وصف ذلك : { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } ( التوبة : 31 )، ولم يكونوا يتناهون عن المنكرات التي تحدث بينهم كما قال الله عنهم : ] لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ تفسير قوله - تعالى - : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } ( المائدة : 78-79 )، وكان المجوس يعبدون النار ويستحلون نكاح المحارم فينكح الرجل منهم أخته أو ابنته .
وبالجملة : فقد كان العالم في ظلام دامس وشرك وضلال، حتى جاءهم الرسول الكريم بالرسالة الشاملة الهادية إلى صراط مستقيم ؛ فبأبي أنت وأمي يا رسول الله !
كما يبين الحديث الغرض الذي لأجله بعثه الله - تعالى - وهو دعوة الناس إلى الله - تعالى - ومجانبة طريق الشرك والضلال، وإخراجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم . قال النووي : « إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، معناه : لأمتحنك بما يظهر منك من قيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة، وغير ذلك من الجهاد في الله حق جهاده، والصبر في الله - تعالى - وغير ذلك، وأبتلي بك من أرسلتك إليهم ؛ فمنهم من يظهر إيمانه ويُخلص في طاعاته، ومن يتخلف ويتأبد بالعداوة والكفر، ومن ينافق » [4] . ولم ينس الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي كان العدل والإنصاف من شمائله أن يستثني من الشرك والضلالة طائفة من أهل الكتاب ظلت محافظة على عهد الله - تعالى - إليهم، فقال : « إلا بقايا من أهل الكتاب » ؛ فالإسلام دين يحث على العدل والإنصاف وعدم غمط الناس . قال الله - تعالى - : { لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } ( آل عمران : 113 ) وقال : { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناًّ قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسَابِ } ( آل عمران : 199 )، وقال : { وَمِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } ( آل عمران : 75 ) وغير ذلك من الآيات .
* ماذا قدّمت دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - للعالمين ؟
بعد أن عمَّ الشرك والجهل والضلال والظلم العالم كله، وكان في حاجة ماسة إلى من يخرجه من كل هذه الظلمات منَّ الله - تعالى - على العالمين ببعثته، كما قال - تعالى - : { الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ العَزِيزِ الحَمِيدِ } ( إبراهيم : 1 ) ؛ فهو - صلى الله عليه وسلم - مرسل ليخرج الناس كلهم من أنواع الظلمات كلها إلى النور التام وليس جنساً دون جنس ؛ إذ دعوته - صلى الله عليه وسلم - ليست قومية أو عنصرية، كما قال - تعالى - : {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } ( الحديد : 9 )، فكان – صلى الله عليه وسلم - بذلك رحمة للناس جميعاً، كما قال - تعالى - : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} ( الأنبياء : 107 ) .
فدعا الناس إلى الله ربهم، لا يطلب منهم على ذلك أجراً أو مقابلاً، وتحمّل منهم في سبيل ذلك الأذى الكثير، ومنع العدوان على الناس حتى لو كانوا من الكافرين، فبلّغ عن ربه قوله : {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ} ( المائدة : 2 ) الشنآن : هو البغض .
ومنعَ الظلم بين الناس ولم يقبله حتى من أتباعه على أعدائه، وأمر بالعدل حتى مع الأعداء، فبلَّغ عن ربه - تعالى - قوله : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} ( المائدة : 8 ) .
ودعا الناس إلى الوفاء بالعهود والعقود حتى مع الأعداء، ولم يكونوا كالذين قالوا : ليس علينا لمن خالفنا في ديننا أية حقوق، يستحلون بذلك ظلم من يخالفهم ويكذبون على الله وينسبون ذلك إليه [5]، فبلَّغ عن ربه - تعالى - قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } ( المائدة : 1 )، وقوله : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } ( النحل : 91 ) .
وقد كان النهي عن الخيانة من الأحكام التي جاء بها الرسول الكريم وبلّغها للناس، حتى من يُخشى خيانته من الأعداء ؛ فلا ينبغي خيانتهم ؛ لأن الخيانة خلق ذميم والله لا يحب الخائنين . قال الله - تعالى - : { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ } ( الأنفال : 58 ) ؛ فإذا خاف الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو أتباعه من قوم عاهدوهم خيانةً بإمارة تلوح أو ترشد إلى ذلك، فلا ينبغي للمسلم أن يخون بناء على ما ظهر من إقدام العدو على الخيانة، ولكن عليه أن يبين لهم أن العهد الذي بيننا وبينكم قد ألغي . قال ابن كثير : « أي : أعلمهم بأنك قد نقضت عهدهم حتى يبقى علمك وعلمهم بأنك حرب لهم، وهم حرب لك، وأنه لا عهد بينك وبينهم على السواء، أي : تستوي أنت وهم في ذلك » [6] ؛ فإن غير ذلك من الخيانة، والله لا يحب الخائنين .
وقد كان لتعليماته - صلى الله عليه وسلم - أكبر التأثير على أصحابه، فالتزموا بها حتى ضربوا أروع الأمثلة في كل ذلك ؛ فعن سليم بن عامر رجل من حمير قال : كان بين معاوية وبين الروم عهد، وكان يسير نحو بلادهم، حتى إذا انقضى العهد غزاهم، فجاء رجل على فرس أو بِرْذَوْنٍ وهو يقول : الله أكبر ... الله أكبر، وفاء لا غدر، فنظروا ؛ فإذا عمرو بن عبسة، فأرسل إليه معاوية فسأله، فقال : سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلّها حتى ينقضي أمدها، أو ينبذ إليهم على سواء، فرجع معاوية » [7] .
فما أحسن أثر دعوته - صلى الله عليه وسلم - على العالمين جميعاً، وما أقبح موقف الكافرين منه، الذين ناصبوه العداء وعاندوا دعوته، فبأبي أنت وأمي يا رسول الله !
* احتماله - صلى الله عليه وسلم - الأذى في تبليغ الدعوة : وقد ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أروع الأمثلة في التمسك بالحق والثبات عليه وعدم التضعضع أمام الباطل وسلطانه ؛ فعن عقيل ابن أبي طالب قال : جاءت قريش إلى أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - فقالوا : إن ابن أخيك يؤذينا في نادينا وفي مجلسنا فانهه عن أذانا، فقال لي : يا عقيل ! ائت محمداً .
قال : فانطلقت إليه، فجاء في الظهر من شدة الحر فجعل يطلب الفيء يمشي فيه من شدة حر الرمضاء، فأتيناهم، فقال أبو طالب : إن بني عمك زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم وفي مجلسهم، فانْتَهِ عن ذلك ! فحلَّق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببصره إلى السماء فقال : أترون هذه الشمس ؟ قالوا : نعم ! قال : ما أنا بأقدر على أن أدع ذلك منكم على أن تُشعلوا منها شعلة . فقال أبو طالب : ما كذبنا ابن أخي قط فارجعوا » [8]، يبين لهم شدة تمسكه بالحق الذي هداه الله إليه واستحالة تركه أو ترك الدعوة إليه ؛ فكما أنهم عاجزون عن أن يشعلوا شعلة من الشمس فهو لا يمكنه ترك ما أوحاه الله إليه . وإزاء هذا الإباء والثبات، عادته قريش وآذوه وصدوا الناس عنه، حتى بلغ بهم الأمر أن يتعاقدوا ويتعاهدوا على مقاطعة الرسول والمؤمنين ومن يسانده من أقربائه حتى لو كانوا على دين قريش، فقاطعوهم مقاطعة اجتماعية، لا يتزوجون منهم ولا يزوجونهم ولا يكلمونهم ولا يجالسوهم، وقاطعوهم مقاطعة اقتصادية لا يبتاعون منهم ولا يبيعون لهم، وكتبوا بذلك صحيفة وعلّقوها في سقف الكعبة، وظلت هذه المقاطعة ثلاث سنوات . وانظر تصويراً لتلك الحالة الصعبة التي كان فيها المسلمون : يقول سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه - : لقد رأيتني مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة فخرجت من الليل أبول ؛ فإذا أنا أسمع قعقعة شيء تحت بولي، فنظرت فإذا قطعة جلد بعير، فأخذتها فغسلتها ثم أحرقتها، فرضضتها بين حجرين ثم استففتها، فشربت عليها من الماء فقويت عليها ثلاثاً » [9]، « وكانوا إذا قدمت العير مكة يأتي أحدهم السوق ليشتري شيئاً من الطعام لعياله، فيقوم أبو لهب عدو الله، فيقول : يا معشر التجار ! غالوا على أصحاب محمد حتى لا يدركوا معكم شيئاً، فقد علمتم ما لي ووفاء ذمتي، فأنا ضامن أن لا خسار عليكم، فيزيدون عليهم في السلعة قيمتها أضعافاً، حتى يرجع إلى أطفاله وهم يتضاغون من الجوع، وليس في يديه شيء يطعمهم به » [10] ؛ فما ردَّه ذلك عن دعوته، وقد بلغ الإيذاء بأصحابه مبلغه حتى اضطرهم ذلك إلى مغادرة الأوطان والهجرة منها، وترك التجارات والأموال والأهلين، وانتهى الأمر به - صلى الله عليه وسلم - إلى الهجرة وهو صابر محتسب صامد كالطود الأشم، تميد الجبال الشم وهو - صلى الله عليه وسلم - ثابت لا ينحني، ولم يقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يساوم على دعوته، أو يقبل بما يدعونه من الحلول الوسط، بأن يكتم بعض ما أنزل الله إليه في سبيل أن يمتنع الكافرون عن معاداته أو محاربته، أو أن يلين في الحق مقابل أن يلينوا معه في مواقفهم، بل رفض كل ذلك وظل صامداً فصلى الله تعالى عليه وسلم، وقد سجل القرآن الكريم هذا الموقف بقوله - تعالى - : { وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } ( القلم : 9 ) وقال لهم في قوة وصلابة في الحق كما أمره ربه : {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } ( الكافرون : 1-6 )، وعرضوا عليه الأموال والنساء والملك، فيأبى كلَّ ذلك ولسان حاله يقول : واللهِ لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله - تعالى - أو أهلك دونه .
ولما مكّنه الله - تعالى - وأظهره لم يطغَ أو يظلم أحداً ولم يبغ العلو في الأرض، وإنما جاهد في الله حق جهاده، وبذل نفسه في سبيل ذلك، وسنَّ في ذلك سنناً هي في غاية العدل والكمال، فلا ظلم ولا اعتداء ولا إفساد، ولا رغبة في العلو في الأرض بالباطل، ولا رغبة في التوسع على حساب الشعوب، بل كان يدعوهم إلى الله - تعالى - لا إلى نفسه ولا إلى قومه، حتى كان العربي والعجمي في كنفه سواء ؛ فهذا بلال الحبشي مؤذنٌ لصلاة المسلمين بين يدي رسول الله، وهذا صهيب الرومي الذي ترك ماله لقريش حتى لا يمنعوه من الهجرة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتلقاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول له : ربح البيع أبا يحيى ! وهذا سلمان الفارسي الذي يقول فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - : « سلمان منا أهل البيت »، وكان يدعو الناس فمن قَبِلَ منهم دعوة الله كان واحداً من المسلمين، له ما لهم وعليه ما عليهم، من غير تفرقة بلون أو لغة أو جنس، وهذه هي وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن خرج مجاهداً في سبيل الله - تعالى - ؛ مما يبين بكل وضوح نبل غاية الجهاد، وأنه جهاد لإحقاق الحق وليس للعلو في الأرض أو الإفساد ؛ فعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال : « كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً، ثم قال : اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلُّوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً ! وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال ؛ فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية ؛ فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم ! .. الحديث » [11] فبأبي أنت وأمي يا رسول الله !
* الأمانة في تبليغه -صلى الله عليه وسلم- الدعوة :
حيثما توجهت مع الرسول الكريم لا تجد إلا الطهر والنقاء، والثبات والقوة، والصدق والأمانة، يبلِّغ ما أوحاه الله إليه، ولا يُخفي منه شيئاً، حتى لو كان فيما أمر بتبليغه ما يدل على معاتبته على أحد التصرفات، فبلّغ قوله - تعالى - : {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى } ( عبس : 1-4 ) . قال ابن كثير : « ذكر غير واحد من المفسرين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يوماً يخاطب بعض عظماء قريش، وقد طمع في إسلامه، فبينما هو يخاطبه ويناجيه إذ أقبل ابن أم مكتوم، وكان ممن أسلم قديماً، فجعل يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء ويلحّ عليه، وودّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لو كفّ ساعته تلك ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل ؛ طمعاً ورغبة في هدايته، وعبس في وجه ابن أم مكتوم وأعرض عنه، وأقبل على الآخر، فأنزل الله - تعالى - : { عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى } ( عبس : 1-3 ) » [12] ؛ فما انصرف عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعبس رغبة عنه أو استهانة به، وإنما حمله على ذلك رغبته في إسلام أولئك العظماء ؛ ليعزّ بهم المسلمون، ومع ذلك فقد بلّغها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يكتمها .
وكان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مولى اسمه زيد بن حارثة - رضي الله تعالى عنه - تبناه الرسول قبل البعثة، وكانت عادة العرب أن زوجة الابن تحرم على الوالد، ولو لم يكن ابناً للصلب، وإنما كان ابناً بالتبنّي، وأراد الله - تعالى - أن يهدم هذا العرف الجاهلي، فلما طُلقت زينب بنت جحش زوجة زيد - رضي الله تعالى عنها - شرع الله لرسوله -صلى الله عليه وسلم – زواجها ليكون هو أول من يهدم هذا العرف الجاهلي ؛ لكن هذا الأمر كان صعباً على تلك البيئة ؛ لتأصّل تلك العادة فيهم، فأخفى - صلى الله عليه وسلم - في نفسه هذه المشروعية، فقال الله - تعالى - له في شأن زينب بنت جحش وزوجها زيد بن حارثة مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - : { وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ } ( الأحزاب : 37 ) فبلّغها ولم يكتمها، قال أنس : « جاء زيد بن حارثة يشكو، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : اتق الله وأمسك عليك زوجك ! قال أنس : لو كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كاتماً شيئاً لكتم هذه، قال : فكانت زينب تفخر على أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم - تقول : زوّجكن أهاليكن، وزوّجني الله تعالى من فوق سبع سموات » [13] ؛ فالرسول - صلى الله عليه وسلم - أمين على وحي الله – تعالى - يبلغه كما أنزله الله عليه، لا يزيد فيه ولا ينقص منه .
* رحمته - صلى الله عليه وسلم - بالعالمين :
قال الله له : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } ( الأنبياء : 107 )، فما أرسله - تعالى - إلا ليكون إرساله رحمة للعالمين جميعاً، فمن قَبِلَ رسالته فهو ممن رحمه الله - تعالى - ومن أعرض فعلى نفسه جنى، ولقد شملت رحمته - صلى الله عليه وسلم - حتى الحيوانات ؛ فعن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال : « كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فانطلق لحاجته، فرأينا حُمَّرَة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تفرش، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : من فجع هذه بولدها ؟ رُدُّوا ولدها إليها ! ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال : من حرق هذه ؟ قلنا : نحن، قال : إنه لا ينبغي أن ُيعذِّب بالنار إلا ربُّ النار » [14] فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يرقّ لحال هذا الطائر الذي فقد ولديه، ويرحمه ويأمر من أخذهما بإطلاقهما، مع أن صيد البر حلال، لكن الرحمة التي ملأت جوانح الرسول الكريم لم يقدر معها على رؤية هذا الطائر المسكين المفجوع في ولده، حتى أمر بإطلاقه . وها هو ذا - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى رحمة كل ما فيه روح، ويحث على ذلك ببيان ما فيه من الأجر فيقول : « بينما رجل يمشي فاشتد عليه العطش، فنزل بئراً فشرب منها ثم خرج، فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال : لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفّه ثم أمسكه بفيه، ثم رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له، قالوا : يا رسول الله ! وإن لنا في البهائم أجراً ؟ قال : في كل كبد رطبة أجر » [15] وكان - صلى الله عليه وسلم - يرحم الصبية الصغار ويقبّلهم ؛ فعن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه - قال : قبّل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً، فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : مَنْ لا يَرحم لا يُرحم » [16]، ودعا أمته إلى رحمة الخلق جميعهم من في الأرض من يعقل كالإنس، ومن لا يعقل كالحيوانات، فقال : « الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، الرحم شجنة من الرحمن، فمن وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله » [17] . وقد سجلت لنا السيدة خديجة رضي الله تعالى عنها - شمائله التي طبعه الله - تعالى - عليها حتى من قبل أن تأتيه الرسالة، فقالت له لما جاءه الوحي : « واللهِ ما يخزيك الله أبداً : إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق » [18] فكانت هذه خِلالُه - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يوحى إليه، فلما جاءه الوحي زادت نوراً وتلألؤاً وجلالاً، فصلى الله عليك يا من أرسلك ربك رحمة للعالمين !
* الحلم والعفو والصفح من شمائله - صلى الله عليه وسلم - :
كان الحلم والعفو والصفح شيمة هذا الرسول الكريم، حتى إنه لم ينتقم لنفسه قط، إلا أن تنتهك حدود الله - تعالى - ؛ فقد كان لرجل من اليهود دَيْن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتاه يتاضاه منه وأغلظ له في الكلام، فردَّ عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بحلم وصفح على ما يتبين من هذه الرواية حتى أدّاه ذلك إلى الإسلام ؛ فقد كان زيد بن سعنة من أحبار اليهود وأتى النبي – صلى الله عليه وسلم - « يتقاضاه فجبذ ثوبه عن منكبه الأيمن، ثم قال : إنكم يا بني عبد المطلب أصحاب مطل، وإني بكم لعارف . فانتهره عمر، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا عمر ! أنا وهو كنا إلى غير هذا منك أحوج : أن تأمرني بحسن القضاء، وتأمره بحسن التقاضي، انطلق يا عمر أوفه حقه، أما أنه قد بقي من أجله ثلاث [ أي : لم يحن أجل الدَّيْن بعدُ، بل بقي منه ثلاثة أيام ] فزِدْه ثلاثين صاعاً، لتزويرك عليه » [19]، ورواه ابن حبان وفيه : « فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم – في جنازة رجل من الأنصار، ومعه أبو بكر و عمر و عثمان ونفر من أصحابه، فلما صلى على الجنازة دنا من جدار فجلس إليه، فأخذت بمجامع قميصه ونظرت إليه بوجه غليظ، ثم قلت : ألا تقضيني يا محمد حقي ؟ فوالله ما علمتكم بني عبد المطلب بمُطْل، ولقد كان لي بمخالطتكم علم، قال : ونظرت إلى عمر بن الخطاب وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره، وقال : أيْ عدوَّ الله ! أتقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أسمع وتفعل به ما أرى ؟ فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي هذا عنقك ؛ ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة، ثم قال : إنَّا كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر ! أن تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحسن التباعة، اذهب به يا عمر فاقضه حقه وزده عشرين صاعاً من غيره، مكان ما رعته، قال زيد : فذهب بي عمر فقضاني حقي وزادني عشرين صاعاً من تمر، فقلت : ما هذه الزيادة ؟ قال : أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أزيدك مكان ما رعتك، فقلت : أتعرفني يا عمر ؟ قال : لا، فمن أنت ؟ قلت : أنا زيد بن سعنة، قال : الحَبْر ؟ قلت : نعم ! الحَبْر، قال : فما دعاك أن تقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قلت وتفعل به ما فعلت ؟ فقلت : يا عمر ! كل علامات النبوة قد عرفتها في وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أختبرهما منه : يسبق حِلمُه جهلَه، ولا يزيده شدةُ الجهل عليه إلا حِلماً، فقد اختبرتهما، فأشهدك يا عمر ! أني قد رضيت بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمد – صلى الله عليه وسلم - نبياً، وأشهدك أن شطر مالي فإني أكثرها مالاً صدقة على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فقال عمر : أو على بعضهم ؟ فإنك لا تسعهم كلهم، قلت : أو على بعضهم، فرجع عمر وزيد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال زيد : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده .. الحديث » [20] فحلم عليه، ولم يردّ عليه بمثل ما قال، بل زاده في حقه من أجل انتهار عمر له .
وعن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - قال كنت أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته، ثم قال : يا محمد ! مُرْ لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم ضحك، ثم أمر له بعطاء » [21] فلم يقابل جفاء الأعرابي وغلظته وقسوته عليه إلا أن التفت إليه وضحك، ثم أعطاه ما سأل ؛ فما أحلمك يا رسول الله !
وقد حاربته قريش أشد المحاربة، وألَّبوا عليه القبائل وآذوه وآذوا أصحابه، فلما أمكنه الله منهم وأظهره عليهم ودخل مكة فاتحاً في عام الفتح في موقف النصر والعزة والتمكين، لم يعاملهم بما يستحقونه من العقاب البليغ، بل عفا عنهم « وقال لهم حين اجتمعوا في المسجد : ما ترون أني صانع بكم ؟ قالوا : خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء » [22] .
* شجاعته - صلى الله عليه وسلم - :
كان لرسول - صلى الله عليه وسلم - في الشجاعة القِدح المعلَّى، فكان أسرع الناس إلى العدو وأقربهم إليه، ولم يفرّ - صلى الله عليه وسلم - من أية معركة رغم شدتها والتحام الصفوف ؛ فعن أبي إسحاق قال : « جاء رجل إلى البراء فقال : أكنتم ولّيتم يوم حنين يا أبا عمارة ؟ فقال : أشهد على نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ما ولَّى، ولكنه انطلق أخِفَّاء من الناس وحُسَّر إلى هذا الحي من هوازن وهم قوم رماة، فرموهم برشق من نبل كأنها رجل من جراد فانكشفوا، فأقبل القوم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و أبو سفيان بن الحارث يقود به بغلته، فنزل ودعا واستنصر وهو يقول : أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب، اللهم نزِّل نصرك، قال البراء : كنا والله إذا احمرّ البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للَّذي يحاذي به، يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - » [23]، وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا دهم المدينةَ خطر يكون أسرع الناس لاستجلائه، فعن أنس قال : « كان النبي - صلى الله عليه وسلم – أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قبل الصوت، فاستقبلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - قد سبق الناس إلى الصوت، وهو يقول : لن تُراعوا، لن تُراعوا، وهو على فرس لأبي طلحةعري ما عليه سرج، في عنقه سيف، فقال : لقد وجدته بحراً أو إنه لبحر » [24] فلفرط شجاعته - صلى الله عليه وسلم - كان أول من انطلق حتى يستجلي الأمر، حتى إن أسرع الناس من بعده لم يلحقه إلا وهو راجع، وذهب على فرس عري ليس عليه سرج والسيف في عنقه، فأي شجاعة هذه التي تجعل من صاحبها يقدم بمفرده ولا ينتظر من يعاونه أو يساعده على هذا الوضع الصعب ؟! وعن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - أخبر : « أنه غزا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ نجد ؛ فلما قفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قفل معه، فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه، فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتفرق الناس في العضاه يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت سَمُرة فعلَّق بها سيفه، قال جابر : فنمنا نومة، ثم إذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعونا، فجئناه فإذا عنده أعرابي جالس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صَلْتاً، فقال لي : من يمنعك مني ؟ قلت : الله ؛ فها هو ذا جالس، ثم لم يعاقبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - » [25]، في هذا الوضع الصعب حيث الرجل ممسك بالسيف، والرسول - صلى الله عليه وسلم - ليس معه سلاح، لكنه ظلَّ رابط الجأش واثقاً من معية الله، ولم يظهر منه خوف أو جزع، بل ثبات ويقين .
قال ابن حجر : « وفي الحديث فرط شجاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقوة يقينه وصبره على الأذى وحلمه عن الجهال » [26] .
* وجوب نصرة النبي - صلى الله عليه وسلم - :
نصرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من لوازم الإيمان، وقد ضمن الله - تعالى - الفلاح لمن آمن برسوله ونَصَرَه، فقال - تعالى - : {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ } ( الأعراف : 157 )، فالذين عزّروه هم الذين وقَّروه، والذين نصروه هم الذين أعانوه على أعداء الله وأعدائه بجهادهم ونصب الحرب لهم، وقد مدح الله - تعالى - المهاجرين الذين نصروا رسوله وشهد لهم بالصدق في إيمانهم فقال -تعالى - : { لِلْفُقَرَاءِ المُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } ( الحشر : 8 )، كما شهد لمن آوى المهاجرين ونصر الرسول بأنهم هم المؤمنون حقاً فقال - تعالى - : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقاًّ لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } ( الأنفال : 74 )، فكان البذل والعطاء في سبيل الله سواء بالهجرة أو بالنصرة دليل الإيمان الحق .
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في مكة قبل الهجرة يطوف على الناس يطلب النصرة حتى يتمكن من إبلاغ رسالة الله -تعالى - للعالمين ؛ فعن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال : « مكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم بعكاظ و مجنة، وفي المواسم بمنى، يقول : من يؤويني ؟ من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي، وله الجنة ؟ .. » الحديث [27]، وعندما أراد الهجرة إليهم في المدينة أخذ البيعة عليهم أن ينصروه وأن يمنعوه مما يمنعون منه أهليهم، ففي الحديث المتقدم قال لهم : « وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة » [28] .
وقد أخذ الله - تعالى - الميثاق على من تقدّمنا من الأمم بنصرة الرسول الكريم ؛ فما أتعس قوماً أخذ عليهم الميثاق بنصرته - صلى الله عليه وسلم - ؛ فإذا هم يسخرون ويستهزئون ! قال الله - تعالى - في أخذه الميثاق على من سبق من الأمم : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ } ( آل عمران : 81 )، فأخذ الميثاق على النبيين كلهم وأممهم تبع لهم فيه . قال ابن كثير : « قال علي ابن أبي طالب وابن عمه ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - : « ما بعث الله نبياً من الأنبياء إلا أُخذ عليه الميثاق لئن بعث الله محمداً وهو حي ليؤمنن به وينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه » [29] .
وقد بين الله - تعالى - أنه ناصر رسوله، وأن رسوله ليس في حاجة إلى نصرهم، والمسلم عندما ينصر الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - فإنما يسعى لخير نفسه، وإذا تقاعس فلن يضر إلا نفسه، وقد نصر الله رسوله في أحلك الظروف وأصعب الأوقات عندما هاجر من مكة إلى المدينة وقريش كلها تطارده بخيلها ورجلها تأمل العثور عليه، لكن الله أنجاه منهم مع ضعف الإمكانات وقلة الزاد والمعين، قال الله - تعالى - يبين ذلك : { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } ( التوبة : 40 ) فمن تقاعس عن نصرة الرسول فلا يُزري إلا بنفسه، وهي منزلة من العز والشرف قد حرم منها .
وإذا كانت هناك وسائل كثيرة لنصرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والانتصار له ممن سخر أو استهزأ من الكفرة والملحدين، فإن من النصرة التي يقدر عليها كل مسلم، ولا يعذر في التخلف عنها : محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وموالاته واتباع سنته، وترك الابتداع في الدين ؛ إذ لا يستقيم أن يكون المسلم ناصراً حقاً للرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - في الوقت الذي يعصيه فيه ويخالف سنته، ويبتدع في دينه، أو يوالي أعداءه، ويناصرهم ويقف معهم في ملماتهم، وكيف تكون هناك موالاة بين المسلم وبين الكافر الذي يسخر أو يسب الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - وقد قال الله - تعالى - : { لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ المُفْلِحُونَ } ( المجادلة : 22 ) .
* وجوب تعزيره وتوقيره - صلى الله عليه وسلم - :
التعزير : النصرة والحماية، والتوقير : التعظيم والإجلال، وكل ذلك يستحقه الرسول الكريم، وبذلك أمرنا رب السماوات والأرضين . قال الله - تعالى - : { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } ( الفتح : 8-9 )، ومحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتوقيره يرجع إلى أمرين : أمر إلى صفاته الشخصية وشمائله التي تحلّى بها، والتي لا تدع لأي منصف اطلع عليها إلا أن يحب هذا الرسول ويوقره ويعظمه، وهذه تكون من المسلمين كما تكون من المنصفين من غير المسلمين، وهناك كمٌّ كبير من أقوالهم في ذلك، وآخر : إلى أمر الله بذلك وإيجابه على المسلمين، وهذه يختص بها الذين آمنوا بالله ورسوله، حتى يفديه المؤمن بأبيه وأمه، بل يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحب إليه من كل شيء، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين » [30]، بل لا بد أن يكون الرسول أحب إلى المسلم من نفسه التي بين جوانحه، فيؤْثر مرضاة الرسول على ما تطمح إليه نفسه، ويقدم أمره وسنته على محبوباته ورغباته، فعن عبد الله بن هشام قال : « كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر : يا رسول الله ! لأنت أحبُّ إليّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال له عمر فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : الآن يا عمر ! » [31]، وقد كان المسلمون من محبتهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرِّضون أنفسهم للمهالك والردى في سبيل حفظ الرسول ونجاته، فعن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال : « لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - و أبو طلحة بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - مجوب به عليه بحجفة له، وكان أبو طلحة رجلاً رامياً شديد القد يكسر يومئذ قوسين أو ثلاثاً، وكان الرجل يمر معه الجعبة من النبل فيقول : انثرها لأبي طلحة، فأشرف النبي - صلى الله عليه وسلم - ينظر إلى القوم، فيقول أبو طلحة : يا نبي الله ! بأبي أنت وأمي لا تشرف يصبْك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك » [32] .
وإزاء كل ما تقدم لم يكن من المسلمين لرسولهم إلا الحب والإجلال والإكبار والرغبة في فدائه بكل ما يملكون، ولم يكن أحد من أصحابه يطيق أن يسمع شيئاً مما قد يكون فيه أدنى نقص من قدره - صلى الله عليه وسلم -، فعن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال : « استبَّ رجلان : رجل من المسلمين ورجل من اليهود، قال المسلم : والذي اصطفى محمداً على العالمين، فقال اليهودي : والذي اصطفى موسى على العالمين، فرفع المسلم يده عند ذلك فلطم وجه اليهودي، فذهب اليهودي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلم فسأله عن ذلك فأخبره، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا تخيِّروني على موسى ؛ فإن الناس يُصعقون يوم القيامة فأُصعق معهم فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش جانب العرش فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي، أو كان ممن استثنى الله » [33]، فلم يحتمل الصحابي الجليل أن يسمع من اليهودي تفضيل موسى – عليه السلام - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [34]، وقد روى ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قصة تبين مدى حب الصحابة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعنه « أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقع فيه فينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تنزجر، قال : فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي - صلى الله عليه وسلم - وتشتمه فأخذ المِغْوَل فوضعه في بطنها واتكأ عليها فقتلها، فوقع بين رجليها طفل فلطخت ما هناك بالدم، فلما أصبح ذُكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجمع الناس فقال : أنشد الله رجلاً فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام، فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل، حتى قعد بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ! أنا صاحبها كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين وكانت بي رفيقة، فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول فوضعته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ألا اشهدوا أن دمها هدر » [35] .
ولم يكن يتصور أن يقوم أحد ممن آمن به بانتقاصه أو سبّه أو السخرية منه أو الاستهزاء به، وقد أجمع علماء المسلمين على أن من سبّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو أحداً من أنبياء الله ورسله أنه مرتد ويجب قتله، كما أن من سبّه من أهل العهد والذمة فإن عهده ينتقض بذلك ويجب قتله، فإنَّا لم نعاهدهم على سب رسولنا أو الانتقاص منه . قال محمد بن سحنون : « أجمع العلماء على أن شاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - والمتنقص له كافر، والوعيد جار عليه بعذاب الله له، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شك في كفره وعذابه كفر » [36] وقال ابن تيمية : « وتحرير القول فيه : أن السابَّ إن كان مسلماً فإنه يكفر ويقتل بغير خلاف، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، وقد تقدم ممن حكى الإجماع على ذلك إسحاق بن راهويه وغيره، وإن كان ذمياً فإنه يقتل أيضاً في مذهب مالك وأهل المدينة، وقد نص أحمد على ذلك في مواضع متعددة . قال حنبل : سمعت أبا عبد الله يقول : « كل من شتم النبي - صلى الله عليه وسلم - أو تنقَّصه مسلماً كان أو كافراً فعليه القتل، وأرى أن يقتل ولا يستتاب » [37] .
وبعد : فهل وفيتُ حق الرسول - صلى الله عليه وسلم - ؟ لا، وألف لا، بل ولا قطرة في بحر حقه وفضله، فبأبي أنت وأمي يا رسول الله ! اللهم إنَّا قد أحببنا نبيك وأصحاب نبيك، فاللهم احشرنا في زمرتهم !

______________________
(1) أخرجه مسلم : كتاب الجنة وصفة نعيمها , رقم 5109 , و المقت : أشد البغض , وبقايا من أهل
الكتاب : المراد بهم الباقون على التمسك بدينهم الحق من غير تبديل .
(2) أخرجه البخاري : كتاب المناقب , رقم 3262 .
(3) و البحيرة : التي يمنع درها للطواغيت فلا يحلبها أحد من الناس , و السائبة : كانوا يسيبونها
لآلهتهم لا يحمل إليها شيء , و الوصيلة : الناقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل ثم تثنى بعد بأنثى , و
كانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر , و الحام : فحل الإبل يضرب
الضراب المعدود , فإذا قضى ضربه و دعوه للطواغيت , و أعفوه من الحمل فلم يحمل عليه شىء ,
و سموه الحامي .
(4) المنهاج شرح النووي على صحيح مسلم : 17 / 198 .
(5) كما قال أهل الكتاب - فيما ذكره الله عنهم - : { لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } (آل عمران : 75) .
(6) تفسير ابن كثير : 3 / 433 .
(7) أخرجه الترمذي : كتاب السير , رقم 1056 و أبو داود : كتاب الجهاد , رقم 16401 , و ابن حبان في صحيحه : 11 / 215 , و صححه الألباني .
(8) أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين : 3 / 668 , و أبو يعلى في مسنده : 12 / 176 , و قال الشيخ حسين لأسد : إسناده قوي .
(9) سيرة ابن اسحاق : 1 / 173 .
(10) الروض الأنف : 1 / 179 .
(11) أخرجه مسلم : كتاب الجهاد , رقم 3261 .
(12) تفسير ابن كثير : 4 / 604 , و أخرج الترمذي هذه القصة من حديث عائشة كتاب التفسير , رقم 3254 , وقال : حديث حسن غريب .
(13) أخرجه البخاري : كتاب التوحيد , رقم 6870 .
(14) أخرجه أبو داود : كتاب الجهاد , رقم 3300 .
(15) أخرجه البخاري : كتاب المساقاة , رقم 2190 , و مسلم : كتاب السلام , رقم 1462 .
(16) أخرجه البخاري : كتاب رقم .
(17) أخرجه الترمذي : كتاب البر و الصلة , رقم 1847 , و قال : هذا حديث حسن صحيح , و أبة داود : كتاب الأدب , رقم 4390 .
(18) أخرجه البخاري : كتاب بدء الوحي , رقم 3 , و مسلم : كتاب الإيمان , رقم 331 .
(19) أخرجه الحاكم : 2 / 37 , و صححه , و قال الذهبي : مرسل .
(20) صحيح ابن حبان : 1 / 521 , و صححه الأرناؤوط و قال : على شرط الشيخين .
(21) أخرجه البخاري : كتاب اللباس , رقم 5362 , و مسلم : كتاب الزكاة , رقم 1749 .
(22) سنن البيهقي الكبرى : 9 / 118 .
(23) مسلم : كتاب الجهاد رقم 3326 .
(24) أخرجه البخاري : كتاب الأدب , 5573 .
(25) أخرجه البخاري : كتاب المغازي رقم 3822 , و مسلم : كتاب الفضائل رقم 4231 .
(26) فتح الباري : 4 / 428 .
(27) أخرجه أحمد في المسند : رقم 13934 , و الحاكم في المستدرك على الصحيحين : 2 / 681 .
(28) أخرجه أحمد في المسند : رقم 13934 , و الحاكم في المستدرك على الصحيحين : 2 / 681 .
(29) تفسير ابن كثير : 1 / 502 .
(30) أخرجه البخاري : كتاب الإيمان , رقم 14 , و مسلم : كتاب الإيمان , رقم 63 .
(31) أخرجه البخاري : كتاب الإيمان و النذور , رقم 3376 .
(32) أخرجه البخاري : كتاب المغازي , رقم 3757 , مسلم : كتاب الإيمان , رقم 3376 .
(33) أخرجه البخاري : كتاب الخصومات , رقم 2234 , و مسلم : كتاب الفضائل , رقم 4377 .
(34) و في هذا الحديث من الدلالة على عظمة هذا الرسول الكريم و تواضعه , و شهادته لإخوانه من المرسلين , وفيه الدلالة على عدل الرسول و إنصافه ما حمل اليهودي على الذهاب إليه و شكاية المسلم له .
(35) أخرجه أبو داود : كتاب الحدود , رقم 3795 .
(36) ذكر ذلك ابن تيمية في كتابه الصارم المسلول على شاتم الرسول : 1 / 9 .
(37) الصارم المسلول : 1 / 10 .
-----------------------------
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 01-17-2015, 08:55 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,139
ورقة الجذع يحن إليه

الجذع يحن إليه
ـــــــ

(أ.د. لطف الله خوجة)
ــــــــــ

26 / 3 / 1436 هــ
17 / 1 / 2015 م
ـــــــــــ



* محبة مفترضة :
-----------

من حقوق النبي - صلى الله عليه وسلم - محبته، وقد ورد الأمر بها في القرآن . قال الله - تعالى - : { قُلْ إِن َانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ } ( التوبة : 24 ) .
وموضع الشاهد : ما في الآية من الوعيد، لمن كانت محبته لشيء، أكثر من محبته لله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، في كلمتين هما : أولاً : قوله : { فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ } ( التوبة : 24 ) والتربص هنا للعقوبة، ولا تكون العقوبة إلا لترك واجب .
ثانياً : قوله : { وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ } ( التوبة : 24 ) فقد وصفهم بالفسق ؛ وذلك لا يكون إلا بفعل كبيرة فما فوقها، من كفر وشرك، لا في صغيرة .
فمن قدّم شيئاً من المحبوبات على محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو فاسق، متربص ببلية تنزل عليه .
وقد اقترنت محبته - صلى الله عليه وسلم - بمحبة الله - تعالى - ؛ وذلك يفيد التعظيم، كاقتران طاعته بطاعة الله - تعالى - .
وثمة نصوص نبوية صريحة، في وجوب تقديم محبته - عليه الصلاة والسلام - على كل المحبوبات الدنيوية :
- النص الأول :
----------

كان النبي آخذاً بيد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال له عمر : - « يا رسول الله ! لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي .
- فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا، والذي نفسي بيده ! حتى أكون أحب إليك من نفسك .
- فقال له عمر : فإنه الآن والله ! لأنت أحب إليَّ من نفسي .
- فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : الآن يا عمر ! » . [ البخاري، الأيمان والنذور، باب : كيف كانت يمين النبي] .
النفي المؤكد بالقسم يدل على وجوب تقديم محبته - عليه الصلاة والسلام - على النفس .
فأَمْرُه بتأخير محبة النفس، وتقديم هذه المحبة النبوية عليها مع كون محبة النفس جِبِلَّة في الإنسان، يقدمها على كل شيء، ولا يُلامُ على ذلك في أصل الأمر، إلا إذا تجاوز بها إلى محظور دليل وجوب، لا استحباب .
إذ لا يؤمَر الإنسان بترك فِطرة فُطِرَ عليها، وليست مذمومة في أصلها، إلا إذا قادته إلى محظور . وتقديم محبة النفس على محبة النبي - صلى الله عليه وسلم -، تقود إلى فعل المحظورات، كما هو مجرّب، فلذا وجب التقديم .
أمر ثانٍ : النفس هالكة لولا فضل الله - تعالى - على الناس بهذا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو سبب نجاتها، فمحبته أحق بالتقديم .

- النص الثاني :
-----------
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين » [ البخاري، الإيمان ] .
هذا نص في وجوب أن يكون - عليه الصلاة والسلام - أحب إلى المرء من كل شيء دنيوي، وذلك لأمور :
- كونه نفى حصول الإيمان إلا بكونه أحب شيء، والإيمان واجب، وما تعلق به فهو واجب .
- ثم إن الخطاب جاء في حق الأعيان في قوله : « أحدكم »، فكل مؤمن مخاطب بهذه المحبة .
- ثم إنه أتى بصيغة التفضيل : « أحب »، وهو صريح في تقديم محبته مطلقاً على كل شيء دنيوي .
وهذه المحبة الواجبة من فرّط فيها فهو آثم مذنب، ومن قدّم عليه محبة :
الآباء، أو الأبناء، أو الإخوان، أو الأزواج، أو شيء من متاع الدنيا، فهو آثم فاسق، مستحق للعقوبة، فقوله : « لا يؤمن أحدكم ... » نفي للإيمان الواجب، بمعنى أن من فعل ذلك فقد نقص إيمانه نقصاً يستحق به الإثم والعقوبة .
فالشارع لا ينفي واجباً، ثبت وجوبه، إلا لترك واجب فيه . والإيمان واجب، ولا ينفي بقوله : « لا يؤمن ... » إلا لترك واجب فيه، كالصلاة لا تنفى إلا لترك واجب فيها، كقوله : « لا صلاة لمن لا وضوء له » [ أخرجه أحمد ] .
والإثم والعقوبة متفاوت بحسب نوع التقديم :
فتارة يكون كفراً، وذلك في حالين :
- الأول : إذا كان التقديم مطلقاً، فلا يتعارض شيء مع محبة النبي – صلى الله عليه وسلم - إلا قدّم ذلك الشيء، وهكذا في كل شيء، فهذا يعبد هواه، ولا يعبد الله - تعالى - في شيء .
- الثاني : إذا كان التقديم في بعض الأحوال، لكن في أمور كفرية، ينقض بها أصل دينه، فيقدم محبة الأمور الكفرية على محبة النبي - صلى الله عليه وسلم -، كمن نصر الكافرين على المسلمين .
- وتارة يكون كبيرة، وذلك إذا قدّم محبة الكبائر على محبة النبي – صلى الله عليه وسلم -، فشرِبَ الخمر وزنى، ولم يطع النبي - صلى الله عليه وسلم - في نهيه عنها، فهذا قدّم محبة هذه الكبائر .
- وتارة صغيرة، وذلك إذا فعل الصغائر، فقدم حبها على حبه النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وطاعتَه .
* عبودية لا إلهية :
وليس فوق محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا محبة الله - تعالى - ؛ فإن محبة الله - تعالى - هي أعلى المحبوبات وأوجبها على الإطلاق، ولا يجوز أن يساوى بينه - تعالى - وبين غيره في المحبة، حتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن محبته وإن كانت عظيمة مقدمة على المحبوبات الدنيوية، لكنها تبقى في مرتبة البشرية، لا تبلغ مرتبة الألوهية ؛ فلله - تعالى - محبة تخصه تسمى :
محبة التألُّه، والخلة . ويقال كذلك : المحبة الذاتية . فلا يجب محبة شيء لذاته إلا الله - تعالى - .
ومن هنا يُفهَم خطأ من بالغ في محبة النبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى جعله كمحبة الله - تعالى -، فنسب إليه خصائص الخالق - سبحانه -، من :
- علم الغيب .
- وتدبير الخلق .
- ونسبة إجابة الدعوات إليه .
- ودعائه والاستغاثة به من دون الله - تعالى - في قضاء الحوائج، وتفريج
الكربات .
- وسؤاله شيئاً لا يقدر عليه إلا الله - تعالى - .
فإن محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن اقترنت بمحبة الله تعالى إلا أنها كاقتران طاعته بطاعته .
أما المحبة الإلهية فشيء وراء المحبة البشرية، وما أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ليعلّق القلوب بالله - تعالى -، ويخلص الناس محبتهم لله - تعالى - فلا يشركون فيها معه غيره، وهذه هي العبودية، التي قال - تعالى - فيها :
{ وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } ( الذاريات : 56 )، أي : ليخلصوا المحبة والخضوع والطاعة لله - تعالى - .
وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذا المسلك غاية التحذير، وحرص على منع كل ذريعة تفضي إلى مساواته بالله - تعالى - في المحبة، فقال - عليه الصلاة والسلام - :
- « لا تُطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم ؛ فإنما أنا عبده، فقولوا : عبدُ الله ورسوله » .
ومعنى الأثر : لا تبالغوا في مدحي، وتغلوا فيّ كغلوِّ النصارى في عيسى - عليه السلام - .
فإن النصارى زعموا فيه أنه إله، وأنه ابن الله - تعالى - : { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً } ( الكهف : 5 )، فقد خشي النبي – صلى الله عليه وسلم - من هذا المسلك، فنهى عن المبالغة في مدحه .
وقد وقع ما نهى عنه - صلى الله عليه وسلم - ؛ حيث غلا فيه أناس حتى جعلوه في مرتبة الألوهية والربوبية :
- فنسبوا إليه ما لا يليق إلا بالخالق، وصنعوا به كما صنع النصارى بالمسيح، غير أنهم لم يقولوا : هو ابن الله، لكنهم نسبوا إليه : التصريف، وعلم الغيب، وإجابة الدعاء، وهذا إنزال له في مرتبة الألوهية، وإن لم يقولوا : إنه الله ؛ فإن العبرة بالمعاني والحقائق .
- كما أنهم ابتدعوا له عيداً، يحتفلون فيه بمولده - صلى الله عليه وسلم -، كابتداع النصارى عيد الميلاد للسيد المسيح - عليه السلام -، ولم يفعله ولم يأمر به - عليه السلام -، كما لم يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يأمر في حق نفسه الشريفة .
لقد اتبع طائفة من المسلمين سنن اليهود والنصارى حذو القُذة بالقُذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه، كما أخبر الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - .
نعم ! النبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم الخلق، وسيد ولد آدم، وخليل الله - تعالى -، وأعلى الناس منزلة يوم القيامة، وفي الجنة، وهو إمام الأنبياء والمرسلين، لا يبلغ مقامه نبي مرسل، ولا مَلَك مقرَّب، غير أنه تحت سقف العبودية، دون مرتبة الألوهية، وقولُه :
- « إنما أنا عبده، فقولوا : عبد الله ورسوله » .
تقريرٌ لهذه الحقيقة، ولجم وإبطال لدعاوى فريقين :
الأول : الغالي، الذي رفعه عن مرتبة العبودية، وذلك بقوله : « فقولوا : عبد الله » .
والثاني : الجافي، الذي عامله كسائر الناس، فلم يميزه بالمرتبة العالية، وذلك بقوله : « ورسوله » .
رآن . قال الله - تعالى - :
- { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَراًّ إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } ( الأعراف : 188 ) .
وتقديم محبته - صلى الله عليه وسلم - على كل شيء له أربعة أسباب :
الاثنان الأولان منها على سبيل الوجوب، والآخران على سبيل الاستحباب :
الأول : أمر الله - تعالى - به، حيث تقدمت الأدلة الدالة على هذا، وهذا السبب وحده يكفي في الوجوب .
الثاني : منّته - صلى الله عليه وسلم - على أمته ؛ إذ هداهم الله به، ودلهم على طريق السعادة والنجاة من شقاء الدنيا والآخرة .
الثالث : كماله الخُلقي : كرماً، وشجاعة، وإحساناً، ومروءة، وصدقاً، وعدلاً، وأمانة، وحلماً، ورحمة، وعفواً وصفحاً . بالإضافة إلى العلم والفقه والبصيرة، وأية واحدة من هذه السجايا توجب محبة من تحلى بها ؛ فكيف بمن اجتمعت فيه على أكمل وجه . قال - تعالى - : { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } ( القلم : 4 ) .
الرابع : كماله الخَلْقي : فقد كان جميلاً، منيراً كالقمر، طيب الرائحة، عرقه كالمسك، معتدل القوام، حسن الشعر، جميل العين، أبيض البشرة ؛ فله أوصاف الجمال ؛ فمن رآه أحبه - صلى الله عليه وسلم - .
- الشوق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وعلامات المحبة - صلى الله عليه وسلم - متعددة، هي : الإيمان به، وتوقيره، ونصرته، وطاعته .
ثم إن منها كذلك : الشوق والأُنْس عند ذكره، وتمني رؤيته، والجلوس إليه، ولو كان ذلك لا يحصل إلا بإنفاق كل المال، وما عرف عن الصادقين من المؤمنين إلا مثل هذا الشعور الصادق، وهذه آثارهم :
1 - سأل رجل النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقال : « متى الساعة ؟ قال : « وما أعددتَ لها ؟ » قال : لا شيء، إلا أني أحب الله ورسوله . فقال : « أنت مع من أحببتَ » .
قال أنس : فما فرحنا بشيء فَرَحَنا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : « أنت مع من أحببت » .
- قال أنس : « فأنا أحب النبيَّ و أبا بكر و عمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل أعمالهم » [ البخاري، الأدب، باب : علامة الحب في الله دون قول أنس ] .
2 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « والذي نفس محمد بيده !
ليأتين على أحدكم يوم ولا يراني . ثم لأن يراني أحب إليه من أهله وماله معهم » [ أخرجه مسلم في الفضائل، باب : فضل النظر إليه - صلى الله عليه وسلم -، وتمنيه، 4/1836 ] .
3 - وجاء أن امرأة قُتِلَ أبوها وأخوها وزوجها يوم أحد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم - فقالت :
- « ما فعل رسول الله ؟
- قالوا : خيراً، هو بحمد الله كما تحبين .
- فلما رأته قالت : كل مصيبة بعدك جلل » [ الروض الأُنُف للسهيلي : 6/ 25، الشفا : 2/22 ] .
4 - ولما احتُضر بلال - رضي الله عنه - قالت امرأته : « واحزناه ! - فقال : واطرباه ! غداً نلقى الأحبة .. محمداً وحزبه » [ سير أعلام النبلاء : 1/359، الشفا : 2/23 ] .
5 - ولما أخرج أهل مكة زيد بن الدثنّة - رضي الله عنه - من الحرم ليقتلوه، قال له أبو سفيان ولم يكن قد أسلم بعدُ :
- « أنشدك الله ! أتحب أن محمداً الآن عندنا مكانك يُضرَب عنقه، وأنك في أهلك ؟ » .
- فقال : « واللهِ ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة، وإني جالس في أهلي » .
- فقال أبو سفيان : « ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً » . [ السيرة النبوية الصحيحة للعمري : 2/400، سيرة ابن هشام : 3/160، الروض الأنف : 6/166، الشفا : 2/23 ] .
6 - وكان خالد بن معدان لا يأوي إلى فراشه إلا وهو يذكر من شوقه إلى رسول الله وإلى أصحابه، ويسميهم ويقول : « هم أصلي وفصلي، وإليهم يحنّ قلبي، طال شوقي إليهم، فعجِّل ربِّ قبضي إليك »، حتى يغلبه النوم . [ سير أعلام النبلاء : 4/539، الحلية : 5/210، الشفا : 2/21 ] .
7 - وقد كانت الجمادات فضلاً عن المؤمنين تشتاق إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وتحبه وكذا البهائم : - فقد كان - عليه السلام- يخطب إلى جذع نخلة، فلما صُنِع له المنبر، تحوَّل إليه، فحنّ الجذع، وسمع الناس له صوتاً كصوت العشار، حتى تصدع وانشق، حتى جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوضع يده عليه فسكت، وكثر بكاء الناس لما رأوا به، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « إن هذا بكى لِمَا فقد من الذكر، والذي نفسي بيده ! لو لم ألتزمه، لم يزل هكذا إلى يوم القيامة »، فأمر به فدُفن تحت المنبر .
- وكان الحسن البصري - رحمه الله - إذا حدَّث بهذا بكى، وقال : « يا عباد الله ! الخشبة تحنّ إلى رسول الله شوقاً إليه بمكانه، فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه » . [ بتصرف، وأصله مروي في صحيح البخاري، في المناقب، باب : علامات النبوة قبل الإسلام، 3/1314، انظر : الشفا : 1/304، صحيح الجامع : 2256 ] .
8 - وقد كان الطعام يسبِّح في يده، والشجر والجبل والحجر يسلم عليه . [ الشفا : 1/306، وأثر التسبيح عند البخاري، في المناقب، باب : علامات النبوة قبل الإسلام، 3/1312، وأثر تسليم الحجر في مسلم، الفضائل، باب : فضل نسب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتسليم الحجر عليه قبل النبوة، 4/ 1782 ] .
9 - لما قدم عمر - رضي الله عنه - الشام، سأله المسلمون أن يسأل بلالاً - رضي الله عنه - يؤذِّن لهم، فسأله، فأذّن يوماً، فلم يُرَ يوم كان أكثر باكياً من يومئذ، ذكراً منهم للنبي - صلى الله عليه وسلم -. [ سير أعلام النبلاء : 1/357 ]
10 - عن أُبَيِّ بن كعب - رضي الله عنه - قال : « كان رسول الله إذا ذهب ربع الليل قام، فقال : أيها الناس ! اذكروا الله ! اذكروا الله ! جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه .
- فقلت : يا رسول الله ! إني أُكْثِرُ الصلاةَ عليك ؛ فكم أجعل لك من صلاتي ؟ قال : ما شئت .
- قلت : الربع ؟ قال : ما شئت، وإن زدت فهو خير .
- قلت : النصف ؟ قال : ما شئت، وإن زدت فهو خير .
- قلت : الثلثين ؟ قال : ما شئت، وإن زدت فهو خير .
- قال : أجعل لك صلاتي كلها، قال : إذاً تُكْفَى همَّك، ويغفر لك ذنبك » .
[ أخرجه الترمذي : صفة القيامة، وأحمد : 5/136 ] ؛ لأن من صلَّى على النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الله عليه بها عشراً، ومن صلى الله عليه كفاه همهوغفر ذنبه . [ انظر : جلاء الأفهام : لابن القيم ص46 ] .
كثير من الصالحين يرون النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام، بعضهم كان يراه في كل ليلة، فإذا ما لم يره في ليلة اتهم نفسه بالنفاق، ورؤيته في المنام - صلى الله عليه وسلم - دليل على تعلق القلب به، واشتغال اللسان بالصلاة عليه، والعين بالنظر في سنته، والأذن في سماع حديثه .

أما أولئك الذين :

لا يصلُّون عليه حتى إذا ذُكر .
ولا يسمعون لحديثه ولو تُلي .
ولا ينظرون في سنته، ولو مرّ بهم كتاب حديث .
فإنه لن يكون له في قلوبهم : ذكر، ولا شوق .
فأنَّى لهم أن يروه في المنام، ولو لمرة ؟ فهل لهم أن يتهموا أنفسهم بالنفاق !

-----------------------------------------------------
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 01-17-2015, 08:58 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,139
ورقة خلفيات التحول السيئ للدانمارك ودول شمال أوربة

خلفيات التحول السيئ للدانمارك ودول شمال أوربة
ــــــــــــــــــــــــ

26 / 3 / 1436 هــ
17 / 1 / 2015 م
ــــــــــــ




كانت دول شمال أوروبا : السويد و النرويج و الدانمارك و فنلندا و إيسلندا تعتبر نفسها دوماً مغايرة ومختلفة عن بقية الدول الأوروبية ذات الإرث الاستعماري والتي تزعمت إمبراطوريّات احتلت لمئات السنين أجزاء واسعة من العالم العربي والإسلامي والثالث، بل إنّ دول شمال أوروبا كانت تعتبر نفسها ذات خصوصية مناخية وثقافية واجتماعية وحضارية، وأنهّا نجحت في إقامة نظام سياسي إنساني في كل أبعاده يؤمن بالإنسان أولاً وثانياً وأخيراً . ولطالما نظّر المنظرون والإستراتيجيون في شمال أوروبا لمجتمع متعدد الثقافات ومتنوّع الأعراق والديانات .
وبناءً عليه وضعت قوانين أساسية تنصّ على مبدأ حريّة التديّن وعدم جواز المساس بأي دين أو التحامل على ديانة بعينها . صحيح أنّ هذا البند ربما وضع ليحمي الديانة اليهودية ورموزها في شمال أوروبا، لكن عدم تحديد الديانة بالاسم جل القوانين التي تصون الديانات تنسحب على الإسلام أيضاً، وخصوصاً عندما أصبح الإسلام الديانة الرسمية الثانية في السويد والنرويج وحتى في الدانمارك .
وبسبب الطبيعة المناخية الباردة لمنطقة شمال أوروبا فإن سكانها الأصليين هجروها في أوقات سابقة باتجاه أمريكا وباتجاه مدن الشمس، كما أنّ انتهاء مفهوم الأسرة في هذه الجغرافيا واكتفاء الرجل والمرأة بمبدأ المعاشرة أثَّر إلى أبعد الحدود في حدوث تضاؤل فظيع في نسبة المواليد وهو الأمر الذي جعل الإستراتيجيين في هذه المنطقة يفكرون باستيراد البشر من الدول التي تعيش أزمات حروب وأزمات سياسة، فتدفق المهاجرون المسلمون على هذه البلاد، وحصلوا على حق الإقامة الدائمة بموجب اللجوء السياسي أو اللجوء الإنساني، أو من خلال مفوضية شؤون اللاجئين التي ترسل تباعاً عناصر بشريّة بالتوافق مع هذه الدول التي تستقبل سنوياً حصّة معينة ومعدودة من مفوضيّة شؤون اللاجئين .
وخلال ثلاثين سنة ارتفع عدد المسلمين بشكل غير متوقّع في دول شمال أوروبا ؛ حيث أصبح عددهم في السويد أزيد من نصف مليون مسلم، وفي النرويج أزيد من 270 ألف مسلم، وفي الدانمارك أزيد من 150 ألف مسلم، وفي فلندا قرابة 50 ألف مسلم، وفي إيسلندا عدة آلاف من المسلمين .
وهذا الاضطراد في ارتفاع عدد المسلمين جعل الكثير من الجمعيات اليهودية الفاعلة في هذه المناطق والمنظمات الكنسية الكبيرة كجمعية ( كلمة الحياة العالمية ) و ( شهود يَهْوَهْ ) تنظر بريبة إلى هذا الوجود الإسلامي، وعمدت إلى تكثيف التنصير في المناطق الإسلامية، وراحت تستغل فقر الجاليات العربية والمسلمة لتمرر رسالتها الدينية التي تستهدف بالدرجة الأولى المسلمين حتى يغيِّروا ديانتهم .
وهذا التنامي في عدد المسلمين في مناطق شمال أوروبا جعل الكثير من مراكز الدراسات المستقبلية في الغرب تشير إلى عمق الأزمة الاجتماعية والتركيبة العقائدية لهذه المجتمعات بعد عشرين سنة، كما أنّ بعض الباحثين الإسرائيليين ذكروا بكل صراحة في بحوثهم أنّ المستقبل في هذه المناطق مقلق للصهيونية الذين قد يفقدون أي دعم أوروبي فيما لو أصبح ( محمد ) و ( خالد ) من صنّاع القرار في أوروبا ؛ في إشارة إلى احتمال وصول الجيل الثالث المسلم المولود في هذه البلاد إلى دوائر القرار .
وقد كانت حياة المسلمين في بلاد شمال العالم طبيعية وعادية، وكانوا يتمتعون بكثير من الامتيازات والتسهيلات، غير أنّ هناك حدثين قلبا ظهر المجن عليهم في هذه البلاد، وبموجب الحدثين أصبحوا عرضة لتآمر دولي يستهدف كيانهم ووجودهم ومستقبلهم :
الحدث الأول : هو تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001م التي حدثت في أمريكا، وقد استطاعت الإدارة الأمريكية أن تفرض توجهاتها الأمنية على دول شمال العالم وأشركتها في سياستها الأمنية، وهو الأمر الذي جعل أحد المتابعين يقول : إنّ أمريكا تملك أكبر قاعدة سياسية ولوجستية في شمال أوروبا .
والحدث الثاني : يرتبط بالاستفتاء الشهير الذي أجراه الاتحاد الأوروبي حول الدولة الشرّيرة الأولى في العالم، فأجمع الأوروبيون بمن فيهم سكان شمال العالم على أنّ الدولة العبرية هي أخطر دولة على السلام العالمي، وبعد هذا الاستطلاع طالب وفد الوكالة اليهودية العالمية الأمين العام للاتحاد الأوروبي ساعة نشر الاستطلاع ( رومانو برودي ) بأن يلغي هذا الاستطلاع، وحاول الوفد اليهودي إقناع ( برودي ) بأنّ المسلمين الإرهابيين هم الأخطر على أوروبا والعالم، وأنّ المواطنين الأوروبيين من أصول إسلامية هم الذين جعلوا الاستطلاع في منحى مضاد للدولة العبرية .
ومنذ تلك اللحظة بدأت كبريات الجرائد ووسائل الإعلام المرئية المملوكة بنسبة تسعين بالمائة ليهود في شمال أوروبا في تحقير الهوية الإسلامية والثقافة الإسلامية التي كانت تعتبر، ولا زالت ثقافة كراهية وتحامل على السامية، وبات واضحاً أنّ هناك حملة متكاملة الأبعاد ومخططاً لها سلفاً ضد الإسلام والمسلمين وبشكل استفزازي ؛ ففي السويد أطلق قسّ سويدي يدعى ( رونارد سوغارد ) تصريحاً مفاده أنّ محمداً الرسول العربي معقّد ومزواج ومحبّ للفتيات القاصرات، وتبين أنّه تلقى الضوء الأخضر من الكنيسة الإنجيلية من كاليفورنيا – كنيسة المحافظين الجدد - وتزامناً مع هذا التصريح طالبت إذاعة دانماركية محلية بطرد المسلمين كل المسلمين من الدانمارك، وتلاقياً مع ذلك خرج علينا رئيس الحزب المسيحي النرويجي بتصريح يتهم فيه محمداً الرسول العربي بتخريج إرهابيين ودفع الأطفال إلى الحروب، وأصبحت الكلمة والصورة ضدّ الهوية الإسلامية، وحتى المؤتمرات التي انعقدت في دول شمال أوروبا لم تخلُ من نَفَس كراهية المسلمين ؛ ففي مؤتمر حظر الإبادة الذي انعقد في السويد زُجّ باسم المسلمين الساعين حسب أحد المحاضرين إلى إبادة البشريّة برمتها من خلال إقامة دولة إسلامية عالمية على أساس الخلافة الإسلامية ؛ وحسب قول هذا المحاضر فإنّ المسلمين ومن خلال الإسلام الراديكالي يهدفون إلى إبادة كل الأجناس وكل الديانات، وفكرهم قائم على تدمير الآخرين وإزالتهم من الخارطة الكونية كما قال .
وقد انضمّ إلى هذا المحاضر اليهودي ( هنري آشر ) المقيم في السويد والمتخصص في طبّ الأطفال ؛ حيث أشار إلى أنّ المسلمين في السويد يعادون السامية بشكل كامل، وكثيراً كما قال آشر ما نصادف كراهية مطلقة لليهود وسط الأحياء الآهلة بالمهاجرين المسلمين في مختلف المحافظات السويدية .
وعلى الرغم من غياب رسمي كامل للدولة العبرية التي مثّلها سفيرها في العاصمة السويدية ستوكهولم ( زفي مازل ) إلاّ أنّ صوتها كان مسموعاً بقوّة في مؤتمر الإبادة ؛ حيث أرادت ومن خلال أدواتها أن تعيد الكرة إلى ملعب المسلمين وخصوصاً بعد الصفعة السياسية التي تلقاها السفير الإسرائيلي ( زفي مازل ) في ستوكهولم عقب تخريبه لعمل فني يمسّ الكيان الصهيوني في الصميم في المتحف الوطني السويدي .
والملاحظ أنّ الصوت العربي والإسلامي كانا غائبين بل خافتين وخصوصاً بعد أن عمدت بعض الجهات المنظمة للمؤتمر إلى تغييب محنة الشعب الفلسطيني والعراقي والشيشاني والأفغاني إرضاءً لواشنطن و تل أبيب و موسكو .
وتكررت الإساءات للإسلام بشكل لم يسبق له مثيل ؛ حيث عرضت قناة تلفزيونية في شمال أوروبا برنامجاً عن الحيوانات، وكان المشرف على إطعام هذه الحيوانات ينادي أحد التماسيح باسم محمد، ويناديه : تعالَ يا محمد كُلْ بشراهة ! ولا يُعرف لماذا اختار راعي حديقة الحيوانات اسم محمد لتمساحه دون سائر الأسماء .
وقد أظهر استطلاع ودراسة أجرتها دائرة الاندماج أنّ السويديين أكثر انفتاحاً ولكن ليس إزاء الإسلام والمسلمين . وحسب الدراسة فإنّ السويديين يميلون إلى مواقف إيجابية أكثر نحو التعددية وتمازج الثقافات داخل مجتمعهم، ولكنهم في الوقت ذاته يبدون ريبة من الإسلام والمسلمين، هذا ما أظهرته دراسة حديثة أجرتها مصلحة الهجرة .
وحسب الدراسة فإنّ ثلثي السويديين الذين شملتهم الدراسة يعتقدون أن القيم الإسلامية لا تنسجم مع قيم المجتمع السويدي .
وبينما قال 60% من السويديين الذين شملتهم الدراسة أن الشكوك لا تراودهم من معاشرة مسلمين، قالت نسبة مماثلة إنهم لا يفكرون في الانتقال إلى منطقة ذات أغلبية إسلامية، وأبدى 50% معارضتهم لارتداء غطاء الرأس من جانب النساء المسلمات في المدارس وأماكن العمل . وقد طالب حزب الشعب السويدي folkpartiet الممثل في البرلمان السويدي أساتذة المدارس السويدية بالتعاون مع الأجهزة الأمنية السويدية للتجسس على الطلبة والتلاميذ المسلمين الذين لديهم ميول إسلامية ونزعة إلى التطرف، وقد طالب حزب الشعب السويدي الداعم منذ نشأته للكيان الصهيوني والذي استضاف في المدة الأخيرة النائبة الهولندية المرتدة، وهي من أصل صومالي ( هرسي ) والمشهورة بسبّ رسول الإسلام محمد - صلى الله عليه وسلم - في هولندا طالب الأساتذة السويديين بأن يكونوا عيوناً وجواسيس على تلاميذهم وطلبتهم المسلمين الذين يميلون إلى التطرف .
واقترح حزب الشعب كما تقول ممثلته ( لوتا إدهولم ) أيضاً أن يكون هناك تنسيق كامل بين المخابرات السويدية وأساتذة المدارس لتعقّب المتطرفين المسلمين، ومن الضرورة كما قالت ممثلة حزب الشعب أن يلعب الأساتذة هذا الدور . وعللت ( لوتا ) هذا الاقتراح بقولها : إنّ المعلومات المتوفرة تشير إلى وجود العديد من المتطرفين المسلمين في المدارس السويدية ويجب أن يتم التصدّي لهم، أو بعبارة أخرى : استئصالهم بالتعاون مع المخابرات السويدية .
ويريد حزب الشعب السويدي أن تكون المدارس السويدية في كل المحافظات السويدية مؤسسات جاسوسية وعيناً على التلاميذ ؛ وهو خلاف المهمّة الحضارية للمدرسة .
أما نقيبة المعلمين السويديين ( ميتا فيكنر ) فقد استغربت هذا الاقتراح الذي يتجاهل المهمة الحضارية للمدرسة والذي يُخرِج الأساتذة عن مهامهم التعليمية النبيلة إلى التجسس على التلاميذ . وعلى الرغم من أنّ السويد لم تُبْتَلَ بالتطرف أو العنف إلاّ أنّ بعض الأحزاب السويدية تحرص على اتهام المسلمين كافة وتصويرهم على أنهم خطر على الأمن السياسي والاجتماعي كما صرح بذلك قادة حزب الشعب المتطرّف .
وفور بروز هذه التصريحات والبداية الفعلية للتواصل بين المعنيين بالشأن التربوي والمخابرات السويدية، أجرت جريدة ( داغينس نهيتر ) الشهيرة nyheter dagens استطلاعاً شارك فيه قرّاء الجريدة حول تكليف الأساتذة بالتجسس على الطلبة المسلمين، فأجاب 64 بالمائة ضدّ هذه الخطوة الأمنية، بينما وافق 35 بالمائة على هذه الخطوة، ولم يُبْدِ 1% رأيهم في الموضوع .
وتعليقاً على هذا الموضوع قال أحد التربويين السويديين ( إريك نلسون ) إنّ هذا الموضوع غير مقبول بتاتاً، وقال : صحيح أننا في السابق تعاونَّا مع الشرطة في قضية الشباب النازيين، لكن ذلك كان ضمن مشروع مدروس للديموقراطية .
وفي أقل من سنتين عقب الحادي عشر من سبتمبر ظهرت عشرات العناوين التي تتحدث عن الإسلام وكانت في مجملها سلبية ؛ فقد ظهر كتاب في السويد عن الإسلام وعن محمد - صلى الله عليه وسلم - تحديداً، ثمّ تلاه كتاب آخر في الدانمارك وهو الكتاب الذي أسس للمسابقة التي أقامتها جريدة ( يولاند بوستن ) لرسم النبي محمد - عليه الصلاة والسلام - .
ويقول أحد الرسامين الدانماركيين الذين شاركوا في رسم النبي محمد – عليه الصلاة والسلام - : إنّ فكرة رسم الرسول محمد تعود إلى الكاتب الدانمركي ( كوري بلويتن ) الذي كتب كتاباً عن رسول الله محمد، وقد احتاج إلى رسومات تقريبية لشخص النبي محمد، فاتصل بنقابة الصحفيين الدانماركيين معلناً عن حاجته إلى رسومات لكتابه الجديد عن النبي محمد، وإثر ذلك دخلت جريدة ( يولاند بوستن ) حلبة المسابقة، وكلفت أشهر الرسامين بتشخيص النبي محمد، وقد اختارت في نهاية المطاف اثني عشر رسماً، وكانت تلك الرسوم التي فجّرت الموقف في العالم الإسلامي .
وفي هذا السياق يقول أحد رسامي الرسوم الاثني عشر المتعلقة بالنبي محمد : إنّي تقزّزت في بداية الأمر من دعوة رئيس تحرير ( يولاند بوستن ) لرسم النبي العربي، واستشرت أصدقاء لي من الشرق الأوسط الذين نبهوني إلى خطورة الموقف، لكن في النهاية وافقت حتى لا أُتهم بالجبن والتردد من قِبَل زملائي . وفي الوقت الذي تبدي فيه بعض دول شمال العالم عناداً شديداً وترفض تقديم اعتذار رسمي للمسلمين بحجة أنّ حرية التعبير مقدسة في الغرب ؛ فإنّها في واقع الأمر بدأت تشعر بحجم الأضرار التي ألحقتها المقاطعة باقتصادها، وقد اتصلت المخابرات الدانماركية ببعض القيِّمين على العمل الإسلامي في الدانمارك لحملهم على مساعدة الدانمارك في تجاوز هذه المرحلة الصعبة، كما أنّ الاقتصاديين الدانماركيين الذين لديهم مصالح واسعة في العالم الإسلامي عابوا كثيراً على حكومة ( راسموسين ) تأخرها في الاعتذار للمسلمين على غرار ما فعلته الحكومة النرويجية . أما الحكومة السويدية ؛ فقد قررت أن لا تخلط أوراقها مع العالم الإسلامي، وتعهد رؤساء تحرير صحفها بعدم إعادة نشر الرسومات المسيئة للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - حتى لا تجرح مشاعر المسلمين .

------------------------------------------------------
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 01-17-2015, 09:07 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,139
ورقة حوار مع الشيخ رائد حليحل

حوار مع الشيخ رائد حليحل
ـــــــــــــ

(خباب بن مروان الحمد)
ــــــــــــ

26 / 3 / 1436 هــ
17 / 1 / 2015 م
ـــــــــــ



يعمُّ العالم الإسلامي حالة حقد وكراهية شبَّ أوارها، وازداد اشتعالها، إثر الحملة المسعورة الدانماركيَّة ؛ التي انتهكت حقوق أعظم إنسان على وجه الأرض، محمد - صلى الله عليه وسلم -، فقد انتفض المسلمون وهبُّوا هبَّة جماعية، استنكاراً لما فعلته الصحيفة الدانماركيَّة ( يلاندز بوسطن ) بالسخرية برسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - وزاد الطين بلَّة، حين لم تعتذر الحكومة الدانماركيَّة الصليبيَّة رسميّاً من فعلة تلك الصحيفة الشنعاء، قبالة السخرية برسولنا - عليه الصلاة والسلام - وأحسب أنَّ هؤلاء القوم الكفرة لم يكن يدر في خلَدِهم، أن يشتعل المسلمون غيرة وحماساً، كما شاهدوا من قِبَلِهِم، حتى أسقط في أيديهم .
فقد علم العالم الإسلامي حقيقة حقد ما يسميه بعضهم بالآخر على الإسلام ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكانت تلك المحنة والأزمة منحة إلهيَّة جعلت جلَّ الناس وبالأخص المسلمين، يلتفتون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحثاً عن سيرته، وقراءة عن شخصه ؛ فرب ضارَّة نافعة !
كما ظهر أنَّ في الأمَّة الإسلامية خيراً كثيراً، لم يزل أثره يتجدَّد حيناً بعد حين، ولعلَّ في هذه الإساءة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - تنبيهاً لبعض السادرين في لهوهم، أو الجالسين فوق التل يرقبون ما يحدث للإسلام ورسوله - عليه الصلاة والسلام - من إهانة وسخرية من قِبَلِ أعداء الله، لعلَّها تثير بقايا صدق طاهر في الولاء لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذب عنه ونصرته والغيرة عليه ...
وبما أنَّ هذه القضيَّة أضرمت نيرانها بدءاً من ذلك البلد الصليبي، بحجَّة حريَّة الرأي ! فقد اتَّجهتُ إلى أحد العاملين في حقل الدعوة الإسلامية في الدانمارك، ونثرت أمامه شيئاً من التساؤلات التي يجيش بها قلب كلِّ مسلم يحبُّ الله ورسوله ليجيب عنها ؛ ذلكم هو الشيخ الداعية : رائد حليحل رئيس اللجنة الأوروبيَّة لمناصرة خير البريَّة - صلى الله عليه وسلم - ؛ وقد أثرانا جزاه الله خيراً بإجابته عن الأسئلة التي طرحتها عليه، فبيَّن الحقَّ والحقيقة، وأوضح ملابسات الحدث، وما وراء السديم .
نسأل الله - عزَّ وجل - أن يجزل له الأجر والمثوبة، وأن يحفظنا وإيَّاه وجميع المسلمين من كيد الكائدين، ومكر الماكرين، وحسبنا الله ونعم ال**** .

وإلى نصّ الحوار :

البيان : فضيلةَ الشيخ رائد ! نرحب بك في مستهَلًّ هذا اللقاء، ونرجو من فضيلتكم أن تعطينا لمحة موجزة عن المسلمين في الدانمارك أصولهم عددهم وظائفهم سبب وجودهم موقف الدانمارك من المسلمين وأوضاعهم فيها ؟

- الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين . أما بعد :
فإني أتقدم لمجلتكم الموقرة بشكري على إتاحة هذه الفرصة من أجل إطلاع قرائكم الكرام على تفاصيل قضية مهمة وحساسة لطالما سعيت أن يشاركنا العالم الإسلامي كله في معالجتها ؛ وذلك لأهميتها البالغة ؛ إحقاقاً للحق ونصرة لسيد الخلق - صلى الله عليه وسلم - ؛ فبارك الله فيكم وجزاكم خيراً على ما تبذلونه من تنوير ودعوة مباركة عبر منبر - البيان - .

وَفَدَ المسلمون إلى مملكة الدانمارك من فترات ليست بعيدة، وكانت وفادتهم لأسباب شتى وأغراض متباينة، ويتميَّز المجتمع الدانمركي بعمومه بعدم التواصل مع الآخرين والانكفاء على الذات، وهناك مشاعر مخزونة في تفكيرهم تجعلهم يتوجسون دائماً من الآخر وينظرون له وكأنه يريد أن يسلبهم ما في أيديهم ؛ علماً أن تجربة التواصل مع شعوب من ديانات وأعراف مختلفة تعتبر بالنسبة للدانمركيين حديثة وليست كغيرها من بعض البلاد الأوروبية التي لها سابق احتكاك مع الشعوب، مما جعل إمكانية التعايش وقبول الآخر تتعثر في كل محطة من محطات حياتهم .

ومن أقدم الجاليات المسلمة وفوداً للدانمرك هم الأتراك الذين قدموا للعمل، ثم المغاربة و الباكستانيون، وأغلب هؤلاء قدم طمعاً ورغبة في تحسين مستوى عيشه، ثم بدأت حملة لجوء واسعة ابتدأت من ثمانينيات القرن الميلادي الماضي إثر حروب ونكبات، والأبرز من هؤلاء هم من لبنان، وأغلبهم من اللاجئين الفلسطينيين . ثم أناس من العراق وكذلك البوسنة و الصومال .

وهناك قاسم مشترك بين الوافدين وهو أنهم ليسوا من أصحاب الأموال ليشكلوا قوة اقتصاديةً ضاغطةً، ومن جهة أخرى فإن من أتى فارّاً من ويلات الحروب، لا بد أن تكون بصمات تلك الحروب ظاهرة عليه ؛ فعندما يصل إلى بلد مرفَّه نوعاً ما، يخلد للعيش المطمئن، وهو الشيء الذي حال دون بزوغ نوعيات متميِّزة في مجالات العلوم اللهم إلا بعض الظواهر الشابة التي استفادت مما يتاح هنا من إمكانية البروز العلمي ونحوه، وهذا يبشر بخير في مستقبل الأيام - إن شاء الله - فلا بد من تقرير مسألة وهي : أن الذي حالَ دون ظهور شخصيات - كما في بعض البلاد - على المستوى السياسي والاقتصادي والعلمي، مرده إلى أن الجالية تعد ناشئة في هذه الديار، وإذا ما نظرنا إلى خلفية أبناء البلد الأصليين الثقافية والاجتماعية فإنها قد تجلِّي سبب هذا التأخر في بروز دور واضح ؛ هذا إذا ما أضفنا عليه اختلاف أجناس وأعراق وخلفيات أبناء هذه الجالية مما حال دون غاية موحدة مشتركة يسعى الجميع لتحقيقها، ولكن لعل تتالي المحن وهذه آخرها تسهم في ضرورة توحد ظهرت بوادره باجتماع المسلمين صوماليين و عرباً و أتراكاً و باكستانيين، راجين أن يكون لهذا اللقاء استمرار نافع .
علماً أن عدم الاعتراف الرسمي بالإسلام، ومع تراكم الأحداث العالمية والحملة الشعواء على المسلمين في العالم، إلى جانب النظر إلى الخلفية ( ثقافية أو اجتماعية ) لدى المجتمع الدانمركي فإن هذا كله أسهم في حالة توجس من المسلمين، وقد انعكس ذلك على الواقع لا سيما عندما يصل للحكم بعض الأحزاب اليمينية كما هو الحال اليوم من وصول الحزب الليبرالي إلى الحكم .

البيان : تناقلت وكالات الأنباء خبر الاستهزاء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إحدى الصحف الدانماركيَّة بالرسوم الهزليَّة ؛ فكيف بدأت هذه القضيَّة ؟
وماذا تنقم الصحف الدانماركيَّة من رسول الله ؟ وهل الدافع ديني أم سياسي ؟
وهل نظرة الغرب عموماً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتلك الطريقة ؟

- لقد أساءنا جداً ما تجرأت على نشره - عن سابق إصرار وترصد – تلك الجريدة الآثمة صاحبة التوجه المعادي للمسلمين ؛ فقد نشرت ما لا يقبله عقل من جرأة على مقام النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - وكان ذلك على خلفية امتناع الرسَّامين عن رسم صورة ساخرة بنبينا لتوضع على غلاف كتاب للأطفال نُشر في الأسواق ( 24/1/2006 ) مما عُدّ نسفاً لمبدأ حرية التعبير ( ! ) فقد قامت هذه الجريدة الغيورة على الديمقراطية وحامية حمى الرأي والتعبير ! بتحدي مشاعر المسلمين عبر نشر تلك الصور بقصد التهكم زاعمة أنَّه ينبغي أن يلاقَى ذلك من قِبَل المسلمين برحابة صدر .

وإن هذا الفعل الذي كان واضحاً في كونه استفزازاً ظاهراً حركه جانبان : الأول : نظرة راسخة في العقل الباطن من نظرة تكذيب وخوف وازدراء بالإسلام ونبيه - صلى الله عليه وسلم - . ودافع آخر : لعله سياسي، والمقصود منه التنبيه على الخطر المتنامي في الغرب بسبب وجود الإسلام، وكأن المقصود بنشر تلك الصور هو محاولة جس لنبض الساحة، وكيف سيكون تفاعلها مع هذه القضية، ومحاولة إيجاد جو انهزامي لدى المسلمين يمكنه قبول أي شيء مهما كان، بحجة مراعاة حرية الرأي والتعبير . وهذا لا يتنافى مع وجود أصوات أنصفت عندما أقرت بعظمة الدين ولا سيما بإنصافها لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ؛ إلا أن الجو العام والذي ساعده على الظهور هو التشويه الإعلامي واستغلال كل حدث لتوظيفه في هذا السياق من التوجس خيفةً من الإسلام إن لم نقل العداء له . والله المستعان .

البيان : ما سبب عدم اعتذار الصحف الدانماركيَّة للمسلمين من سخريتها برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ وهل تراه كافياً لو حدث تجاه تصرُّفهم الأرعن ؟

- حتى نعرف هل يمكن لهؤلاء أن يعتذروا ؛ فإنه لا بد من تسليط الضوء على أمر مهم ألا وهو أن مما يميز الشعب الدانمركي أنه معتز بنفسه كثيراً لا يقبل النقد لما يقوله، ويصعب عليه الاعتذار، وينظر لغيره لا سيما إذا كان مخالفاً له في ثقافته نظرة ازدراء، وكأنهم يقولون : مَنْ هؤلاء حتى يعلِّمونا ما يجب علينا ؟

ولكأني بهم يريدون ( أنا خير منه ) . هذا من ناحية، ثم ناحية ثانية : إذا علمنا لماذا فعل هؤلاء هذه الفعلة ( ما دوافعهم وما النتائج التي يصبون إليها ) فإني أستبعد جداً أن يعتذروا ؛ لأنهم جعلوا القضية قضية قيم ومبادئ وطنيَّة ناضلوا من أجلها، ومن ثَم ليسوا على استعداد لاعتذار يعدُّونه هزيمة وتراجعاً ؛ فالمسألة عندهم معركة وجود والعياذ بالله ؛ علماً أن مطلب الاعتذار يعد مناسباً لحجم وفداحة تلك الجريمة، ولكن لخطورة الفعل من جهة ولعلمنا بطبع هؤلاء وثقافتهم اكتفينا بهذا الطلب على أن يصحبه شيء من إصلاح تلك الصورة السيئة التي وصلت للقارئ الدانمركي بأن يسمحوا لنا بإخراج بعض الصور المشرقة التي تسلِّط الضوء على جوانب مشرقة من حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن يكون منهم ضمانة بعدم تكرار مثل
هذا الفعل، ولكن للأسف الاعتذار عن ذلك يعد عندهم بمثابة الردة عندنا . فالله المستعان .

البيان : ما دور الحكَّام العلماء رجال الأعمال الشعوب الهيئات، تجاه تلك الحملة الشرسة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ وهل ترى أنَّ موقف المسلمين كان مناسباً ؟

- إن حق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - كبير جداً، ولئن كان يجب على المسلم الذب عن أخيه المسلم ونصرته، ولا يجوز له أن يسلمه ولا أن يخذله ؛ فما بالكم بحق المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ؟ وإننا نهيب بعالمنا الإسلامي كله أن يتحرك حركة تناسب الحدث من جهة شناعة الفعلة ومن جهة حرمة النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - وضرورة نصرته، ولقد طالبنا من أول أيام تلك المحنة أن يناضل كل بحسبه ؛ فما يُطلب من الحكام يعجز عنه العامة، وما يطلب من العلماء ويتوقع منهم لا يجيده دهماء الناس، وما ننتظر من أهل الدثور لا يحسنه من قُدِرَ عليه رزقه ؛ وهكذا أقول للجميع : كل منكم أدرى بنفسه وقدرته فلا يتوانَ أحد عن هذه النصرة الواجبة : { بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } ( القيامة : 14 ) والله - عز وجل - لا يكلف نفساً إلا وسعها، فاستعينوا بالله ولا تعجزوا، واعلموا أنكم إن ساهمتم فأنتم في معركة معلومة العواقب فاتقوا الله في رسوله علكم تنالون بذلك شفاعته يوم القيامة .
وإنني أقولها بصراحة على قدر ما كنت حزيناً أول أيام الأزمة ؛ لأننا سعينا جاهدين أن نوصل القضية للعالم ليتحرك، وقد تناولت بعض القنوات الفضائية ذلك في مطلع شهر رمضان ومع ذلك لم نسمع ما يثلج صدورنا حتى إني كنت أقول لنفسي : أيعقل هذا من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أن تخذله، وقد لمتُ وعاتبتُ البعض، ولكنَّ ما رأيته في هذه الأيام أعاد لي الأمل في هذه الأمة وأنها ما زالت بخير والحمد لله، ولكني أهيب بالجميع أن لا يكون ذلك ردة فعل عاطفية مع أن العواطف مطلوبة، لكن نأمل أن نضع خطة متكاملة فيها الذب عن النبي قولاً وفعلاً فنواجه من يعتدي عليه، وعلينا أن نجتهد في تعريف العالم بشخصية النبي الكريم على شتى الصعد، ولعلنا بذلك إن اجتهدنا أن نكفِّر عن تقصيرنا، ونساهم في رفع العقاب عنا لو سكتنا عن منكر عظيم كهذا .

البيان : ما رأيك بالمقاطعة الإسلاميَّة لمنتجات الدانمارك : هل ستؤثر سلبياً على المنتجات الدانماركيَّة ؟ لأنَّ بعضهم يقول إنَّ المقاطعة فكرة غير ذات جدوى اقتصادياً ؛ لأنَّ هذه المنتجات الدانماركيَّة تندرج تحت قائمة الامتياز التجاري، فالمتضرر من المقاطعة هم الوكلاء التجاريون، الذين يحملون امتياز بيعها في البلاد، فما رأيكم بهذا القول ؟

- موضوع المقاطعة من باب : ( آخرُ الدواء الكيّ )، واسمحوا لي أن أقول إن المقاطعة ستؤثر دون شك اقتصادياً على الدانمرك، لكن خسارة الدانمرك القيمية والمعنوية أكبر بكثير من خسارتها المادية ؛ لأن خسارة المال قد تعوض مثلاً من الاتحاد الأوروبي أو غير ذلك، لكن الذي خسرته الدانمرك اليوم هو سمعتها التي ينبغي أن تكون جميلة على مستوى العالم وهي التي لديها مقدرات تعينها على أن تتبوأ منزلة قويَّة في عالمنا اليوم .
ونحن حذرنا الدانمرك أن عواقب العناد على هذه الإساءة قد تكون أكبر من كل التوقعات، وما حصل اليوم خير دليل على صدق نصحنا للمجتمع الدانماركي وحتى لا يتضرر بسبب فعلة الجريدة تغاضي الحكومة .

لذا فإن ضرر هذه الحملة لن يقتصر على وكلاء الشركات، بل على الشركات نفسها ؛ ولو لم يكن لها فعل في ذلك، لكنا نعلم أنه ما من أسلوب يراد منه الضغط لانتزاع حق إلا وسيكون معه مثل ذلك ولكنه مفيد عندما يتأثر المتضرر مادياً فيضغط مع المسلمين المتضررين معنوياً لانتزاع الحق بالقهر بعد أن سلب ولم يرجع بالنقاش والحوار .

البيان : ما العوامل الدافعة للنيْل من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟
وهل ذلك يمثِّل مخطَّطاً صليبياً للكيد للإسلام ؟

- أرى والله أعلم أنه في المخزون الفكري لدى غالبية الأوروبيين نوع من توارث عداء تقليدي للإسلام وللنبي - صلى الله عليه وسلم - ولو اتصفوا بالعلمانية ؛ لذا لا أستطيع أن أنفي وجود دوافع دينية غير ظاهرة، إلا أن الدافع السياسي ظهر ؛ وذلك من تصريحات عدة تدل على أن الغاية منها هو تحدي المسلمين لاستفزازهم تمشياً مع نغمة الجرأة على الإسلام على وقع أنغام ( الحرب على الإرهاب )، واختيار النبي - صلى الله عليه وسلم - بالذات للطعن به، وذاك مقدمة للطعن بدينه كله، ولعلمهم بمكانته وقدسيته ؛ فهو أفضل اختيار لاستفزاز المسلمين عبره .
البيان : هل ترى أنَّ هذه السخرية لجسِّ نبض المسلمين، تجاه دفاعهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟

- إن التأمل في الواقع ليس داخل الدانمرك فحسب بل على صعيد أوروبا قاطبة، إن لم نقل العالم ؛ يدفع إلى الخشية من أن تكون هذه الفعلة عبارة عن ( بالون اختبار ) لجس نبض الساحة داخلياً وخارجياً، ومن ثَم سيكون مستوى الرد مؤشراً على حجم وقوة وتفاعل المسلمين ومدى بقاء الإسلام حياً في نفوسهم . ثم يتبع ذلك تعميم لهذه التجربة ونتائجها . وهذا ما نخشاه أن يُجعَلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - محل تجربة ( والعياذ بالله ) ويعقب ذلك خطوت متبنَّاة في الغرب حسب إيحاءات مستوى ردة الفعل الإسلامي .

البيان : ألا يتعارض ذلك مع حرية التعبير ؟ وهل تجرؤ الصحف الدانماركيَّة بفتح المجال لنقد الصهاينة وبخاصَّة مسألة ( الهولوكوست ) التي استُغلَّت أيما استغلال مما يفضح ديموقراطيَّتهم المزعومة ؟

- المشكلة أن التخفي وراء شعار حرية التعبير، يعتبر حيدة عن الحقيقة، وذلك أننا نجد المعايير مزدوجة، وإننا لنعجب لما تكون الحرية في أوسع مجالاتها عندما يتعلق الأمر بالإساءة للإسلام، أما في غيره فإنَّا نجد لها حدوداُ، فإن الكلام عن السامية عموماً فضلاً عن التشكيك في المحرقة أصلاً أو وصفها حجماً وكمّاً، ومجرد الحديث عن ذلك لا يُسمح به تحت ذريعة حرية الرأي والتعبير ؛ فهذه الأمور ريب وشكوك ؛ علماً أن الحرية بمعناها المعروف أنها التي تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين .

وقد يكون حسناً هنا التنبيه في وقت يراد أن يصوَّر فيه المسلمون على أنهم الأعداء العظام للحرية، فنقول إن الحرية أمر قد نادى به ديننا حتى في أدق الأمور، بل أجلِّها وهو التوحيد : { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } ( البقرة : 256 ) فالخلاصة أن الحرية تكفل لك أن تدين بما تشاء لا أن تتهكم بمن تشاء .
ومن العجب أن يطالب المسلمون دائماً باحترام الآخرين وقيمهم ومقدساتهم مهما كانت باطلة ونجد في الوقت نفسه محل هجمة شرسة علينا، فنطالب إذاً بعمل متناقض أن لا ننتقدهم، وأن نقبل في اللحظة ذاتها إساءتهم فتأمل !

البيان : ما دور عقلاء النصارى أمام هذه الهجمة ؟ ولماذا هذا السكوت الكنسي عن سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟

- إن ديننا علمنا الإنصاف { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } ( المائدة : 8 ) وقد سمعنا بعض الأصوات المستنكرة هنا لهذا الفعل، لكنها كانت خافتة، وهذا طبيعي فلن تكون بحجم ردة فعل المسلم، وما كان منها وإن كان قليلاً هادئاً ليس فيه الحماسة الكافية إلا أنه لم يبرز بالشكل الكافي حتى لا يعكر على الجو العام السائد الذي يريد تفعيل هذه الأزمة - للأسف - .
البيان : ألا ترى أنَّ ذلك يسبِّب مشكلة وخطورة على الدانمارك، بمعنى أنه سيفتح عليها جبهات قد تؤذيها ممَّا يؤجِّج ويزيد حال العداوة من المسلمين تجاه الغرب ؟
- لقد حذرنا مراراً الدانمارك من مغبة تلك الفعلة النكراء، ولكن للأسف بدل أن يحمل كلامنا محمل المشفق الناصح الأمين، حُوِّر الكلام حتى صُوِّر وكأنه تهديد، وقلنا مراراً إن هذا سيزيد الإحساس بالغبن مما يضاعف من مشاعر الكراهية من المسلمين للغرب والعكس أيضاً، ولكن العناد لم يكن يوماً طريقاً صحيحاً للحوار والتفاهم، ويكرس الهوة الكبيرة بين الثقافتين إن لم يكن مقدمة عملية لتأجيج حرب حضارات .

البيان : ما رأيك ببعض المواقع على الإنترنت وتدَّعي الانتساب للإسلام، تضع استفتاء عن سب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهل هو مقبول بدعوى حرية الرأي أم لا ؟

- إن قضية تعظيم الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - عموماً لا سيما مقابل أي إساءة أو إرادة انتقاص فإنه ينبغي أن لا تحمل في ثناياها أي ضعف، بل ينبغي أن تكون كل المؤشرات في سياق واحد وهو التعظيم، وإني أرى أنه من الخطأ أصلاً التقليل من شأنها لتُجعل محل نقاش، بل ينبغي أن يكون مستقراً أنها لا دخل لها إطلاقاً بمبدأ حرية الرأي، بل كان ينبغي أن يكون التساؤل حاملاً في طياته النكير الكبير وليس هذا الأسلوب الذي يوهم أنه من الممكن أن تكون هذه القضية قابلة للنقاش .

البيان : كلمتكم تجاه رجال الأعمال الكبار الذين قاطعوا المنتجات الدانماركيَّة ؟

- من الأمور القطعية التي لا مرية فيها أن حب النبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم من حب الولد والوالد والمال بل والنفس ؛ وعليه فإنَّنا نفديه بآبائنا وأمهاتنا وكل شيء يرخص فدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن كل من ضحى بشيء إكراماً لرسول الله فإني أقول له : عوَّضك الله خيراً، بل قد عوَّضك ؛ لأن مجرد حبك للنبي هو أخير وأفضل من الدنيا وما فيها . وأقول للجميع إن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً في الدنيا والآخرة، وإنه لجميل جداً أن نرى أن الكل يعبر عن حبه لرسول الله ؛ كل بحسبه، وكل بطريقته، وإنه ما دامت النوايا خالصة فإنه لا يضيع شيء عند الله، ويكفي من يفدي رسول الله أن يطمح إلى نيل شفاعته يوم القيامة وصحبته في جنات النعيم - اللهم آمين .

البيان : سمعنا أنَّ الدانماركيين بيَّتوا نيَّة إحراق المصاحف في أكبر ساحة في كوبنهاجن نرجو منك التوضيح لملابسات هذا الحدث ؟

- الحمد والمنة لله وحده أنه لم يحصل شيء من ذلك أبداً، والقضية قد بدأت بالظهور بعد إحراق العلم الدانمركي - أول مرة في فلسطين - والعَلَم عندهم له قدسية مما مكَّننا أن نحتجَّ عليهم ألا ينكروا علينا انزعاجنا من إهانة مقدساتنا كما حصل لهم عند إحراق علمهم .
المهم أنه بُعَيْد ذلك انتشرت رسالة قصيرة عبر الجوال وكان انتشارها سريعاًجداً - كعادة الفتن - ولم يعرف مصدرها الأصلي وطبعاً لم تتجرأ أي جهة على تبنيها وكان فيها دعوة الشباب الدانمركي للتجمع في الساحة العامة يوم السبت في 4/2/2006 وذلك لإحراق المصحف الشريف - عياذاً بالله - ولكن وبعد إبلاغنا الجهات الأمنية وتحذيرنا لهم من كون هذا العمل سيحدث ردة فعل أعظم مما أحدثته الرسومات، فإنهم وعدوا بملاحقة الأمر ومنع حدوثه، ونحن بدورنا نصحنا بعدم تناقل تلك الرسالة حتى لا تشيع بل تخبت، ونعمل على وأدها، وفي هذا اليوم الموعود احتشد عدد كبير من المسلمين لا سيما الشباب مع وجود مكثف للشرطة، بل مع وجود بعض الدانمركيين المتعاطفين أو الخائفين من عواقب هذا الفعل، وقد حصلت هناك مواجهات ولغط أعقبه توقيف البعض، وتحولت الحشود من ساحة لأخرى ولكن باءت كل المحاولات بإحراق المصحف بالفشل الذريع ؛ فالحمد لله على ذلك ؛ علماً أن شعار المسلمين يومها كان ( لا يمكن أن يحرق المصحف وفينا عرق ينبض ) وطبعاً كلنا يعلم أن الحكومة ليس من مصلحتها الإذن بمثل هذا الأمر حتى لا تدخل نفسها في أزمة أكبر .

البيان : هل صحيح أن الجريدة التي رسمت صور مسيئة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفضت قبل سنتين أن ترسم صوراً للمسيح عيسى بن مريم، وإذا كان ذلك صحيحاً أفلا ترى أنَّ في ذلك تناقضاً صارخاً في دعاوى الحريَّة ؟

- نعم ! لقد صرح غير واحد من المطلعين بل المتخصصين أن الجريدة في عام 2003 عُرضت عليها رسومات للمسيح - عليه السلام - تحكي قيامته - عندهم - إلا أنهم بادروا برفضها، وعللوا ذلك أنهم سيغضبون القراء، ولن يروق لهم مشاهدة تلك الرسومات وقد تثير احتجاجات هم بغنى عنها، وقد أوردت هذا الخبر جريدة محلية دانمركية إلى جانب المواقع العالمية .

وقد شاع خبر أن الصحيفة ستنشر هذه الصور ورسومات عن اليهود يوم الأحد القادم، ولعل ذلك مرده إلى مقابلة أجرتها ( CNN ) مع المحرر الثقافي الذي نشر الرسومات المسيئة لنبينا - صلى الله عليه وسلم - . وقد رفع أثناء المقابلة رسم قنبلة عليها نجمة الصهاينة ؛ إلا أنه بُعَيْد المقابلة وعلى موقع جريدتهم ظهر اعتذار واضح وصريح على لسان هذا الشخص امتثالاً لأمر رئيس التحرير يقول :
لا يمكن أن ننشر شيئاً عن المسيح أو الهولوكوست . والأعجب من ذلك كله وهو آخر خبر أن المخطئ - رغم اعتذاره - قد أُعطِيَ في إجازة مفتوحة . فتأمل مدى حرية الرأي والتعبير، وكيف أنها تطبق في مجال وتمنع في آخر، ألا ينبغي بعد ذلك كله أخذ إجراءات صارمة لمنع مثل هذه الترهات تحت هذه الشعارات الزائفة ؟

البيان : هل الشعب الدانماركي يجهل حقيقة المصطفى - عليه الصلاة والسلام - وبماذا توصي المسلمين لتبيين حقيقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للشعب الدانماركي ؟

- إنما جرى ويجري وما واكب ذلك من مواقف يدل بوضوح على جهل القوم بشخصية نبينا الكريم - صلى الله عليه وسلم - ولكن ليس هذا هو السبب الوحيد، بل الخلفية الفكرية والثقافية التي أقصت الدين عن كل مناحي الحياة وأضعفت في النفوس معاني الاحترام والقداسة، كل ذلك لعب دوراً كبيراً في الجرأة على نشر تلك الرسومات يدل عليه موافقة أكثرية ( حسب إحصائهم ) وعدم مبالاة الباقين ؛ لأن القضية لا تعنيهم، وكأن شيئاً لم يكن ؛ لذا فإنه ولا سيما بعد تكرار نشر تلك الرسومات في أغلب البلاد الأوروبية فإنه لا بد من السعي على جهتين : الأولى : جهة دعوية تُعنَى بتوصيل رسالة الإسلام وسماحته لهؤلاء عبر كل الوسائل المتاحة، بل ابتكار كل ما من شأنه أن يوصل هذا الصوت المبارك . وهنا أنصح بالتنسيق الكامل بين العلماء الربانيين وبين المثقفين المأمونين الذين يعون الغرب تماماً وكيف يمكن مخاطبته .

الثانية : الجهة القانونية ؛ وذلك بالعمل لاستصدار قانون دانمراكي، بل أوروبي إن لم أقل عالمياً، يحرم نشر مثل تلك الأمور بل يعاقب ويجرم مرتكبيها ؛ لأنه إن غابت القداسة لم يعد ثَّمَ وازع يردع، ولم يبق إلا الجانب القانوني ؛ لأنه يُحترَم في الغرب ويردع كثيراً لخوفهم من عواقب المخالفة ؛ فإن تحقق فهو خير عظيم ؛ لأنه ي*** مصلحة ويدفع مفسدة .

البيان : السؤال الأخير : سمعنا أنَّ رئيس تحرير إحدى الجرائد المتورِّطة قدَّم اعتذاراً شفهيّاً للجالية المسلمة بالدانمارك، وأنَّ الدانمارك نفسها قدَّمت اعتذاراً للمسلمين، برأيكم هل هذا صحيح، وهل آتى هذا الاعتذار أُكُله، وخصوصاً أنَّ الاستهزاء عاد مرَّة أخرى في يوم 22 و23 من الشهر الجاري ؟

- أخي الكريم أحب أن أشهد شهادة للتاريخ أُسأل عنها أمام الله أنه حتى هذه اللحظة 11/1/1427هـ لم يصدر أي اعتذار من جانب الدانماركيين على الصعيدين الرسمي أو الإعلامي من قِبَل الجريدة، عما نشر من إساءة لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - .

أما من جهة الجريدة فإنها إبَّان ظهور الضجة العارمة، ولا سيما المقاطعة التي نودي بها في بلاد الحرمين، فإنَّ الجريدة وجَّهت خطاباً - باللغة العربية - على صفحتها في الإنترنت عنونته بـ ( إلى مواطني المملكة العربية السعودية المحترمين ) وقد تضمن هذا المقال أغاليط كثيرة، كنت قد رددت عليها بمقال هو على صفحتنا net .islamudeni.www عنونته ( ردود موثقة على مزاعم ملفقة ) وغاية ما في خطابهم الأسف لمشاعر الحزن التي لحقت بالمسلمين جراء نشر تلك الرسومات، وليس فيه أي اعتذار عنها أو عن نشرها .

وكان ذلك محاولة ماكرة من الجريدة بعد ضغوط كثيرة عليها من داخل الدانمارك ( سياسياً واقتصادياً ) بتحميلها مسؤولية ما يجري على الدانمارك، فأرادت بذلك تخفيف الحملة ظناً منها أنها بذلك ستنهي المشكلة . ولا ينقضي عجبنا هنا من هذا الإصرار على معاملة المسلمين وكأنهم غير عقلاء لا يفهمون ما بين السطور .

ولما لم تجد أن رسالتها هذه قد أفادت، ومع تزايد الضغوطات المترامية الأطراف عمدت الجريدة إلى حيلة عجيبة سبقت خروج رئيس تحريرها على التلفاز الدانماركي بلحظات وهو يتبجح قائلاً : إنَّ الرسومات لا تخالف القانون وأنه لن يعتذر عن نشرها، ولكن بعد لحظات تفاجأ المراقبون بمقالهم باللغتين العربية والدانماركية وعلى موقعهم بعنوان صريح وواضح ( صحيفة اليولاند بوستن تعتذر عن الإساءة للمسلمين ) وقدم لمقال أرسله رئيس التحرير لوكالة الأنباء الأردنية بجملة ليست فيه أصلاً ( تعتذر صحيفة اليولاند بوستن، وبما لا يدع مجالاً للشك على أنها أهانت العديد من المسلمين من خلال رسومات للنبي محمد ) .
ولكن الريبة من هذا الكلام كان سيد الموقف ؛ لأنه في ثنايا المقال ليس هناك اعتذار واضح، بل تلاعب مُرِّر معه التدليل على قانونية نشر تلك الرسومات، ولكن انجلت الأمور بعد أربعين دقيقة تماماً عندما سحبوا هذا المقال ووضعوا الكلام الأصلي بعنوان مغاير تماماً ( حضرات المواطنين العرب ) وليس فيه تلك الجمل المصرحة بالاعتذار، وقد حصل ذلك كله يوم الإثنين ليلاً في 30/1/2006 وكأنها مخادعة إعلامية من أجل تمرير الخبر ليهدأ العالم الإسلامي وللأسف تلقفت بعض القنوات هذا الاعتذار المزعوم، وقامت بدور مشبوه في إقناع المشاهد أن الاعتذار قد حصل، وأن الله قد كفى المؤمنين القتال .
ولما لم يُجْدِ ذلك نفعاً غيَّروا عنوان المقال فقط ( حضرات المواطنين المسلمين ) وهكذا أصبح مقال رئيس التحرير وكأنه نص من كتابهم المقدس له عدة شروحات وتفسيرات ! كيف وقد طالعنا رئيس التحرير مراراً عبر التلفاز وعلى صفحات جريدته بما يتعارض مع مزاعم الاعتذار كان من آخرها مقال يوم 9/11/ 1427هـ حاول فيه إقناع الرأي العام عن مدى إيجابيته ومدى استعداده لحوار المسلمين كي تنتهي الأزمة وقد ضمن رسالته هذه ثلاثة شروط :

الأول : قد يعتذر ولكن عن الإساءة الناتجة عن نشر الرسومات، وليس عن الرسومات نفسها ولا عن نشرها .

الثاني : مطالبته المسلمين بتوقيع على إقرار ( الديمقراطية الدانمركية ) والتي أخبرنا مراراً أنها تبيح له فعلته هذه، وأن عمله على ضوئها قانوني تماماً وكأنه يريد منا ما قاله الله : { وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً } ( النساء : 27 )

الثالث وهو الأدهى - وقد سحب بعد سويعة من هذا المقال - : أنه لا يستطيع أن يعد المسلمين بعدم تكرار إهانتهم مرة أخرى ! ! فتأمل بارك الله فيك ! أيعقل بعد ذلك كله أن يقال إنهم قد اعتذروا ؟! أما من الجهة الرسمية فهناك إصرار على أنهم لا يمكنهم الاعتذار عن عمل الصحيفة ولا حتى التنديد بعملها . والذي التبس على الناس ما قاله رئيس الوزراء أنه يرحب باعتذار الجريدة ( الذي بينَّا حاله سابقاً ) بينما في صبيحة تلك الليلة المخادعة عنونت الصحف نقلاً عن رئيس الوزراء : ( لن نعتذر ) فهل يعقل قبول اعتذار خجول وغير واضح ولا ثابت ولو لساعات، بل حتى لم ينشر على صحيفتهم اليومية، بل نشروه على موقعهم لغاية غير مخفية ؟
------------------------------------------
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 01-17-2015, 09:11 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,139
ورقة وقفات شرعية مع جريمة الإساءة إلى مقام النبي صلى الله عليه وسلم

وقفات شرعية مع جريمة الإساءة إلى مقام النبي صلى الله عليه وسلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(محمد صالح المنجد)
ـــــــــــ

26 / 3 / 1436 هــ
17 / 1 / 2015 م
ــــــــــــ



ساء كلّ مسلم غيور على دينه ما قام به السفهاء المجرمون من الاستهزاء بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو أفضل من وطئت قدماه الثرى، وهو سيد الأولين والآخرين صلوات ربي وسلامه عليه .
وهذه الوقاحة ليست غريبة عنهم ؛ فهم أحق بها وأهلها ؛ فقد كفروا بالله - تعالى - وسبوه ونسبوا إليه الصاحبة والولد .
فماذا ينقم هؤلاء من سيد البشر محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟!
هل ينقمون منه أنه دعا إلى توحيد الله - تعالى - وهم لا يؤمنون لله بالوحدانية ؟
أم ينقمون منه أنه عَظَّمَ ربه - تبارك وتعالى - ونزَّهه عما يقوله هؤلاء المفترون، وهم ينسبون إليه النقص والصاحبة والولد ؟
أم ينقمون منه أنه دعا إلى معالي الأخلاق، وتَرْك سفسافها، ودعا إلى الفضيلة، وسد كل باب يؤدي إلى الرذيلة، وهم يريدونها فوضى أخلاقية وجنسية عارمة ؟
يريدون أن يغرقوا في مستنقع الشهوات والرذيلة، وقد كان لهم ما أرادوا ! أم ينقمون منه أنه رسول الله ؛ والله - تعالى - هو الذي اصطفاه على الناس برسالته ووحيه ؟
ودلائل نبوته - صلى الله عليه وسلم - أكثر من أن تحصر : شق الله له القمر ليُري الكفار آية، ونبع الماء من بين أصابعه - صلى الله عليه وسلم - مرات، وتكلمت الشاة المسمومة فأخبرته أن بذراعها سُمّاً، وأعطاه خمساً لم يعطهن أحداً من الأنبياء قبله، منها نصره بالرعب مسيرة شهر، وبعثه للناس كافة :
{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } ( سبأ : 28 ) .
أم لم يسمعوا عن آيته الكبرى، هذا القرآن الكريم، كلام رب العالمين، الذي حفظه الله - تعالى - فلم تمتد إليه يد العابثين المحرفين، أما كتبهم المنزلة على أنبيائهم فتلاعبوا بها أيما تلاعب : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناًّ قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ } ( البقرة : 79 ) .
بل من أعظم الأدلة على صدق نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، بقاء دينه هذه القرون الطويلة ظاهراً منصوراً، وقد كان أمره - صلى الله عليه وسلم - في حياته دائماً إلى ظهور وعلو على أعدائه، وحكمة الله - تعالى - تأبى أن يُمَكِّن كاذباً عليه وعلى دينه من العلو في الأرض هذه المدة الطويلة، بل في كتبهم التي كتمها علماؤهم وحرفوها أن الكذاب ( مدعي النبوة ) لا يمكن أن يبقى إلا مدة يسيرة ثم ينكشف أمره ويضمحل .
كما ذُكِر عن أحد ملوكهم أنه أُتِي برجل من أهل دينه ( نصراني ) كان يسب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويرميه بالكذب، فجمع الملك علماء ملته، وسألهم : كم يبقى الكذاب ؟ فقالوا : كذا وكذا . ثلاثين سنة، أو نحوها، فقال الملك : وهذا دين محمد له أكثر من خمسمائة سنة، أو ستمائة سنة ( يعني : في أيام هذا الملك )، وهو ظاهر مقبول متبوع ؛ فكيف يكون هذا كذاباً ؟ ثم ضرب عنق ذلك الرجل }1{ !!
ألم يعلموا أن كثيراًً من عقلائهم وملوكهم وعلمائهم لما وصلت إليهم دعوة الإسلام بيضاء نقية لم يملكوا إلا الإقرار بصحة هذا الدين، وعَظَّموا النبي – صلى الله عليه وسلم -، ومنهم من أعلن الدخول في الإسلام .
فقد أقر ملك الحبشة النجاشي بذلك، ودخل في الإسلام . ولما أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - كتاباً إلى هرقل ملك الروم يدعوه فيه إلى الإسلام أقرّ هرقل بصحة نبوته، وهمّ أن يُعلن إسلامه وتمنى أن يذهب إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويكون خادماً عنده، إلا أنه خاف على نفسه من أهل ملته ثم ضنَّ بملكه وأخذته شهوة الرئاسة، فبقي على الكفر ومات عليه .
ولم يزل الكثير من مفكريهم وكتّابهم ومؤرخيهم المنصفين يعلنون الثناء على محمد - صلى الله عليه وسلم-.
1 - برنارد شو الإنكليزي، له مؤلف أسماه ( محمد ) يقول : « إن العالم أحوج ما يكون إلى رجلٍ في تفكير محمد، وإنّ رجال الدين في القرون الوسطى، ونتيجةً للجهل أو التعصّب، قد رسموا لدين محمدٍ صورةً قاتمةً، لقد كانوا يعتبرونه عدوّاً للنصرانية، لكنّني اطّلعت على أمر هذا الرجل، فوجدته أعجوبةً خارقةً، وتوصلت إلى أنّه لم يكن عدوًّا للنصرانية، بل يجب أنْ يسمّى منقذ البشرية، وفي رأيي أنّه لو تولّى أمر العالم اليوم، لوُفّق في حلّ مشكلاتنا بما يؤمِّن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها » .
2 - ويقول آن بيزيت : « من المستحيل لأي شخص يدرس حياة وشخصية نبي العرب العظيم ويعرف كيف عاش هذا النبي وكيف علَّم الناس، إلا أن يشعر بتبجيل هذا النبي الجليل، أحد رسل الله العظماء » .
3 - شبرك النمساوي : « إنّ البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها ؛ إذ إنّه رغم أُمّيته، استطاع قبل بضعة عشر قرنًا أنْ يأتي بتشريع، سنكونُ نحنُ الأوروبيين أسعد ما نكون، إذا توصلنا إلى قمّته » .
4 - ويقول ( جوته ) المفكر الألماني : « إننا أهل أوروبا بجميع مفاهيمنا، لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد، وسوف لا يتقدم عليه أحد، ولقد بحثت في التاريخ عن مَثَلٍ أعلى لهذا الإنسان، فوجدته في النبي محمد، وهكذا وجب أن يظهر الحق ويعلو، كما نجح محمد الذي أخضع العالم كله بكلمة التوحيد » }2{ .
وقد ميز الله - سبحانه وتعالى - نبينا محمداًً - صلى الله عليه وسلم – وكرَّمه بعدد من المعجزات الباهرات كما خصه بأشياء دون غيره من الأنبياء، ومعرفة هذه الخصائص تزيدنا في معرفة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتجعلنا نحبه ويزداد إيماننا به فنزداد له تبجيلاً ونزداد له شوقاً .
والخصائص النبوية : ( هي الفضائل والأمور التي انفرد بها النبي – صلى الله عليه وسلم - وامتاز بها إما عن إخوانه الأنبياء وإمّا عن سائر البشر ) .
فاقَ البُدورَ وَفاقَ الأَنبِياءَ فَكَم
بِالخُلقِ وَالخَلقِ مِن حُسنٍ وَمِن عِظَمِ
وخصائصه - عليه الصلاة والسلام - التي اختُص بها دون بقية الأنبياء -عليهم السلام - كثيرة، دنيوية وأخروية .
* فمن الخصائص الدنيوية :
اختصاصه - صلى الله عليه وسلم - بأن آيته العظمى في كتابه وبأن كتابه مشتمل على ما اشتملت عليه الكتب السابقة، وفُضِّل بالمفصَّل وبخواتيم سورة البقرة وببقاء معجزته إلى يوم الدين .
جاءَ النبِيّونَ بِالآياتِ فَانصَرَمَت
وَجِئتَنا بِحَكيمٍ غَيرِ مُنصَرِمِ
ومنها : اختصاص النبي - صلى الله عليه وسلم - بكونه خاتم النبيين وبإرساله إلى الثقلين ومنها : اختصاص النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن السماء حُرست بمبعثه، وباختصاصه بالإسراء والمعراج، وأنه - عليه الصلاة والسلام - أَمَّهم جميعاً فكانوا وراءه، هو الإمام وهم المأمومون، واختصاصه بأخذ الميثاق له من جميع الأنبياء بالإيمان به ونصرته وأنه سيد ولد آدم، وبأنه أوتي مفاتيح خزائن الأرض .
* وأما خصائصه الأخروية فمنها :
اختصاصه - صلى الله عليه وسلم - بأنه أول من تُشَق عنه الأرض يوم القيامة وبإعطائه لواء الحمد، وبأن الله - تعالى - يبعثه يوم القيامة مقاماً محموداً وأنه أول من يدخل الجنة يوم القيامة، وبأنه أول شفيع في الجنة وأول من يقرع بابها، وبأنه أكثر الأنبياء تابعاً يوم القيامة ويدخل من أمته الجنة سبعون ألفاً بغير حساب، وبأنه أول من يجوز الصراط من الرسل بأمته وبإعطائه الكوثر : { وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً } ( النساء : 113 ) .
ربَّاكَ ربُّكَ .. جلَّ من ربَّاكا
ورعاكَ في كنفِ الهدى وحماكاَ
سبحانه أعطاك فيضَ فضائلٍ
لم يُعْطها في العالمين سواكاَ
ولما كان ذلك كذلك فإن من واجب العالم كله ولا محيص له عن ذلك أن يجعل عظمة محمد - صلى الله عليه وسلم - في الخلق جميعًا فوق كل عظمة، وفضله فوق كل فضل، وتقديره أكبر من كل تقدير، ويجب على العالم أجمع أن يؤمن برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأنه خاتم أنبياء الله الكرام .
ونحن نغتنم هذه الفرصة وندعو هؤلاء إلى الإسلام، فإن ما اقترفته أيديهم الآثمة لا يمحوه إلا الإسلام، فإن عاندوا وكابروا وأصروا على ما هم عليه فليبشروا بعذاب النار خالدين فيها أبداً . قال الله - تعالى - : { وَقَالَ المَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } ( المائدة : 72 ) .
وقال - تعالى - : { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ } ( آل عمران : 85 ) .
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ » رواه مسلم ( 153 ) .
* ولنا مع هذا الحدث وقفات :
- أولاً : مصالح وبشارات :
قال الله - تعالى - : {فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } ( النساء : 19 ) . وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : « عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ » رواه مسلم ( 2999 ) .
وقديماً قيل :
قد يُنْعِمُ اللهُ بالبلوى وإنْ عَظُمَتْ
ويبتلي اللهُ بعضَ الخلقِ بالنعمِ
وقيل : وربما صحت الأبدان بالعلل .
فما وقع من الاستهزاء أثار حميّةَ المسلمين للهِ - تعالى - ولرسوله – صلى الله عليه وسلم -، وأيقظهم من سباتهم، وبصّرهم بأعدائهم ؛ فهي طعنة آلمتنا ولكنها أيقظتنا، وقد قال الله - تعالى - في حادثة الإفك التي هي صورة من صور أذيَّته - صلى الله عليه وسلم - : { لاَ تَحْسَبُوهُ شَراً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } ( النور : 11 ) .
فمثل هذه الهجمات صارت سبباً في حصول خير كثير للمسلمين، وحصول الخزي والصغار لأعدائهم، فمن ذلك :
- اختلاف الأعداء وانقسامهم :
إذ حصل خلاف بين الشركات الكبرى التي تأثرت من المقاطعة من جهة والجهات التي نشرت ما نشرت من جهة أخرى، كما انقسم الشعب الدانماركي على نفسه إزاء ما حصل : هل هو فعلاً من حرية الرأي ؟ أم أنه اعتداء وعدوان ؟
- علو الصوت الإسلامي :
فهذه الأزمة أعادت الاعتبار للمسلمين وجعلت لهم وزناً، وأصبح كل حاقد
على الإسلام يعيد حساباته قبل أن ينال من الإسلام وأهله . وتملَّق الكثير من المنافقين للمد الإسلامي، واشترك بعضهم في المقاطعة قائلاً : لقد تعدَّت القضية الخط الأحمر، بل حتى إن بعض القنوات الهابطة أصبحت تعلن أخبار الغضب الإسلامي وتظهر تأييده، وفرضت مجريات الأحداث على وسائل الإعلام العالمية أن تقوم بتغطيتها تغطية كاملة، وتكلَّم الساسة الكبار وزعماء الدول وأدلوا بتصريحات حول الموضوع .
- في الأمة خير كثير :
أثبتتْ هذه الحادثة الدنيئة، أنَّ أمّتنا أمّة عظيمة، وأنها إذا مرضت فإنها لا تموت، وفيها رجال يذودون بكل ما أوتوا دونَ نبيّهم الكريم - صلى الله عليه وسلم -، وأن فيها خيراً كثيراً، ولكنها تعيش فترة من التخدير والخمول، وأنها إذا استيقظت فستتحرك كالبركان، وهذا ما رأيناه من التسابق في المساهمة والبذل، وما نسمعه من استنفار الأمة كلها، والتحرك في جميع المجالات ؛ حيث شارك في هذه الحملة المحامون والتجار والصناع والأكاديميون والطلاب والصغار والكبار والرجال والنساء .
- توحيد صفوف المسلمين، فرأينا ولله الحمد تكاتف المسلمين وتبنّيهم لنفس المواقف، وإن اختلفت البلدان، واللغات . ويمكننا القول : إن الأمة الإسلامية في العصر الحديث قلَّما قابلت حدثاً كان له مثل هذا التأثير .
عرضي فدا عرض ****** محمد
وفداه مهجةُ خافقي وجَنانيِ
وفداه كلُّ صغيرنا وكبيرنا
وفداه ما نظرت له العينانِ
- إحياء جذوة الإيمان في قلوب المسلمين، فقد رأينا من ردة فعل المسلمين ما يدل على محبتهم للنبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى من عنده شيء من التفريط في بعض واجبات الدين، ثار دفاعاً عن الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - .
ولا عجب في ذلك ؛ فإن للرسول - صلى الله عليه وسلم - في قلوب المسلمين المكانة العظمى والمحبة الكبرى .
- ظهر في الأزمة أن أهل التوحيد الخالص هم أهل النصرة والمحبة الحقيقية، بخلاف بعض أهل البدع والخرافات الذين ضعفت أصواتهم إلا ما قلَّ في الذود عن عرض النبي - صلى الله عليه وسلم - في أوَّل الأمر، فدعوى محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - وآل بيته وحدها لا تكفي، بل لا بد من النصرة بالقول والعمل والمبادرة إلى ذلك .
- تبين من الأزمة حرص عدد من الغيورين على الدعوة إلى الإسلام، وبيان الصورة المشرقة الحقيقية لهذا الدين، من خلال ما رأينا من تسابق الكثيرين إلى طباعة الكتب بلغة أولئك وبذل المال في سبيل هذا، وهذا مظهر يُحمَد ويحتاج إلى ترشيد ووعي .
- مسايرة الإعلام وبعض كبار المسؤولين لمواقف الشعوب الإسلامية وحركتها المباركة .
- إرسال رسالة واضحة للغرب، أننا نحن المسلمين لا نرضى أبداً أن يُمَسَّ دينُنا أو يُنَال منه، أو يعتدى على رسولنا ؛ فكلّنا فداء له ؛ بأبي هو وأمي – صلى الله عليه وسلم - .
فإنَّ أبي ووالدَه وعِرْضي
لعِرضِ محمدٍ منكم فداءُ
- { إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ } :
قال ابن سعدي - رحمه الله - : ( وقد فعل تعالى فما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة )، فهذه الجريمة النكراء مع أنها تمزق قلوبنا، وتملؤها غيظاً وغضباً، ونود أن نفدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنفسنا إلا أنها مع ذلك مما نستبشر به بهلاك هؤلاء، وقرب زوال دولتهم ؛ إذ الله - تعالى - يكفي نبيه - صلى الله عليه وسلم - المستهزئين المجرمين .
وقد كان المسلمون إذا حاصروا أهل حصن واستعصى عليهم، ثم سمعوهم يقعون في النبي - صلى الله عليه وسلم - ويسبونه، يستبشرون بقرب الفتح، ثم ما هو إلا وقت يسير، ويأتي الله - تعالى - بالفتح من عنده ؛ انتقاماً لرسوله - صلى الله عليه وسلم - . « الصارم المسلول » ( ص 116-117 ) .
وشواهد التاريخ كثيرة على هلاك وفضيحة المستهزئين بالنبي محمد – صلى الله عليه وسلم - .
- ظهور اتحاد الغرب على الإسلام :
فما أن استنجدت تلك الدولة باتحادهم حتى وقفوا جميعاً بجانبها، وتواصى بعض المجرمين على نشر هذه الصور في صحافتهم تعاوناً على الإثم والعدوان وتفتيتاً للمقاطعة وتأكيداً لحرية النشر بزعمهم، وكان بعض ساستهم يأسف لإهانة
مشاعر المسلمين ثم يتصل بكبير الدانمارك ليؤيده ويقول : { إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } ( البقرة : 14 )، حتى يُعلموا المسلمين أنهم جميعاً في خندق واحد، وأننا لا نستطيع مواجهتهم جميعاً .
- ظهور الحقد الصليبي الدفين :
حيث عبَّر بعض مسؤوليهم عن أنه لا بد من إيقاف المقاطعة ولو أدى ذلك إلى شن حرب صليبية جديدة، وهذا وإن لم يصرح به كثير منهم إلا أنها زلة تمثل رأي طائفة منهم : { قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } ( آل عمران : 118 ) .
- اتضاح غطرسة الغرب وعناده :
فهو يرفض الاعتذار حكومةً وشعباً وينظر للمسلمين نظرة استحقار، بل يصرح بعض مسؤوليهم أنهم لا يريدون الاعتذار ولا يرغبون فيه .
- اتضح في هذه الأزمة موقف المنافقين :
وهم الواقفون مواقف الرّيبة من هذه الجريمة، إمّا بالسّكوت تارة، أو بالتّبرير تارة، أو بالتّهوين تارة، أو بالاستهزاء من استنكار المسلمين لهذه الجريمة تارات وتارات .
- ازدياد أهمية التقليل من الحجم الهائل لمستوردات الدول الإسلامية من العالم الغربي :
والسعي للتعويض عن ذلك بمنتجات دول إسلامية أخرى من خلال اشتراك الموارد مع المال مع الخبرات .
- ظهور جدوى تلك المقاطعة التي قام بها المسلمون لمنتجات المعتدين على مقام الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - :
فلم تتحرك دولتهم لمطالب رسمية أو سياسية، لكن لما قامت المقاطعة لم يمض عليها إلا أيام قليلة حتى هبت الصحيفة الآثمة ورئيس تحريرها لتدارك الأمر، وتغير أسلوب رئيس وزرائهم المكابر، فَلانَ شيئاً ما مع المسلمين لا بل مع مصالحه وبهذا يظهر سلاح جديد للمسلمين أفراداً وجماعات يمكن أن يستخدموه للتأثير على أعدائهم، وإلحاق الضرر بهم .
* المقاطعة الاقتصادية [3] :
لا شك أن للاقتصاد في هذا الزمن تأثيراً كبيراً وفعَّالاً على مواقف الدول واتجاهاتها ؛ وقد أصبحت الدعوة إلى مقاطعة البضائع والمنتجات التي تصدِّرها الدول التي تحارب المسلمين من وسائل الضغط عليها لتوقف أو تخفف من موقفها المعادي للمسلمين .
وسلاح المقاطعة سلاح مؤثر بلا شك في المواجهة مع الأعداء .
وقد استُخدم هذا السلاح قديماً وحديثاً .
فقديماً : استخدمته قريش ضد النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يسمى بـ « شِعْب أبي طالب »، واستمر ثلاث سنوات، وكان تأثيره على المسلمين بالغاً .
وهدد به ثمامة بن أثال قريشاً عندما منع الحنطة منبلاد نجد، حتى جاءت قريش وناشدت النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأذن لثمامة أن يبيعهم الحنطة . والقصة في صحيح البخاري برقم ( 4372 ) .
وأما حديثاً : فقد استُخدمت المقاطعة في الحرب العالمية بين المتحاربين، واستُخدمت مؤخراً ضد عدد من البلاد الإسلامية كالعراق و ليبيا و أفغانستان و السودان .
واستخدمتها الدول الإسلامية قبل معاهدات السلام ضد الشركات المتعاونة مع إسرائيل .
وفي الحقيقة إن المتابع لمجريات الأحداث يلمس ما لهذه المقاطعة من آثارٍ كبيرة تدفع بعض الشركات إلى التبرُّؤ من العدوان والضغط على الساسة في بلدانهم لاتخاذ ما يوقفها .
هذا من الناحية الواقعية، أما من ناحية الحكم الشرعي للمقاطعة الاقتصادية :
فإن الأصل جواز معاملة الكفار بالبيع والشراء سواء كانوا أهل ذمّة أو عهد أو محاربين، فلا تُمنع المقاطعة، ولا تُشرع، ولكن هذا الحكم قد يتغير بالنظر إلى ما يترتب على المقاطعة الاقتصادية من مصالح أو مفاسد :
فإذا غلب على الظن إفضاء المقاطعة الاقتصادية إلى الإضرار بالكفار الحربيين من غير أن يترتب على ذلك مفسدة تعود على المسلمين، فهنا يتأكد الأمر وقد يصل إلى الوجوب ؛ فكل ما يُلحِق الضرر بمن أعلن لنا العداء مطلوب ومأمور به، ولا شك أن التعامل التجاري والاقتصادي الحاصل في هذا الزمن يباين التعاملات التجارية في الأزمان السابقة ؛ فهو الآن أوسع وأشمل، ولا شك في ارتباط الاقتصاد الآن بالسياسة وتأثيره، وقد دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - على قريش أن تضَّيق عليهم معيشتهم ؛ فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما دعا قريشاً كذبوه واستعصوا عليه، فقال : « اللهم أعني عليهم بسبعٍ كسبع يوسف » فأصابتهم سَنَةٌ حصّت كل شيء ( أي أذْهَبَتْه ) [4] حتى كانوا يأكلون الميتة، وكان يقوم أحدهم، فكان يرى بينه وبين السماء مثل الدخان من الجَهْد والجوع، فأتاه أبو سفيان فقال : أيْ محمد ! إن قومك هلكوا ؛ فادع الله أن يكشف عنهم . ( صحيح البخاري 4823 ) .
ففي هذا إشارة إلى استخدام السلاح الاقتصادي ضد الأعداء المحاربين . - وإذا كانت المقاطعة الاقتصادية لا يترتب عليها إضرار بالكفار، بل تعود على المسلمين أنفسهم بالضرر، فهنا يتوجه القول بالتحريم . قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : « الفعل إذا كان يفضي إلى مفسدة وليس فيه مصلحة راجحة يُنْهى عنه » . « مجموع الفتاوى » ( 1/164 ) .
- وأما إذا كانت المقاطعة الاقتصادية ستوقع الضرر بالكفار لكنها في المقابل ستوقع ضرراً بالمسلمين أيضاً ؛ فهنا تعارضت مصلحة الإضرار بالكفار مع مفسدة وقوع الضرر على المسلمين، فينظر : فإن كانت المفسدة على المسلمين غالبة منعت المقاطعة، وإن كانت المصلحة بمقاطعتهم غالبة كانت مأموراً بها، وإن تساوت المصلحة والمفسدة فدرء المفاسد مقدم على *** المصالح .
- وأما إذا كانت المقاطعة الاقتصادية لا مصلحة فيها من حيث الإضرار بالكفار، ولا مفسدة فيها على المسلمين، فلا حرج من القول باستحبابها ؛ لأنها تكون من وسائل التعبير عن السخط ضد ممارسات الكفار العدوانية، فلو لم ينتج عن هذه المقاطعة إلا التعبير عن عقيدة الولاء بين أهل الإيمان والبراءة من أهل الشرك والكفران، والتعبير كذلك عن إرادة الشعوب الإسلامية لكفى، فهي على الأقل « تسجيل موقف للشعوب الإسلامية » .
* دعوات وشعارات تساقطت :
لقد أظهرت هذه الأزمة حقائق كانت خافية على جمّ غفير من الناس ؛ فهؤلاء القوم الذين ما فتئوا يدَّعون أن بلادهم رمز للحرية والديمقراطية، ويتشدَّقون باحترامهم لجميع الأديان، أظهرت هذه الأزمة ما تنطوي عليه قلوب هؤلاء المجرمين من الحقد والكره للمسلمين، وإن تظاهروا في كثير من الأحيان أنهم مسالمون : { قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ } ( آل عمران : 118 ) .
ومنها : انكشاف تزوير الغرب في معاييره ؛ فهنا يحتجُّون بحرية الرأي والتعبير، وكل عاقل يعلم أن حرية الرأي المزعومة تقف عند المساس بحرمة الآخرين والاعتداء عليهم، وهم كاذبون في دعواهم حرية الرأي ؛ فكلنا يذكر ما حدث منذ سنوات قريبة عندما أقدمت حكومة إسلامية على تكسير أوثان وأصنام عندها، أقاموا الدنيا وما أقعدوها !! فأين كانت حرية الرأي المزعومة ؟! ولماذا لم يعتبروا هذا أيضاً من حرية الرأي ؟!
وإذا كان الشرع والعقل بل والقانون يمنع الإنسان أن يتصرف في بيته بما يؤذي جاره، كالأصوات المزعجة أو الروائح الكريهة ؛ فكيف تُقْدِم الصحيفة على هذه الجريمة التي فيها استهانة بمشاعر مليار و300 مليون مسلم، ثم تحتج بحرية الرأي ؟
ومنها : بيان بطلان ما يدعو إليه بعض المتغربين من أبناء جلدتنا بمثل قولهم : ( لا تقولوا على غير المسلمين كفاراً، بل قولوا « الآخر » حتى لا تشعلوا نار الفتنة بيننا وبينهم ) .
فتبيَّن من الجريمة من الذي يكره الآخر، ولا يراعي حرمته ويعلن الحرب عليه .
ومنها : كذب دعاويهم التي ملؤوا بها الدنيا من ( حوار الحضارات ) القائم على احترام الآخر، وعدم الاعتداء عليه !! فأي حوار يريدون ؟ وأي احترام يزعمون ؟
إنهم يريدون منا أن نحترمهم ونوقرهم ونعظمهم، بل ونركع لهم ونسجد، أما هم فلا يزدادون إلا استهزاءً بنا وسخرية وظلماً !
- ومن المعاني التي تساقطت أيضاً في هذه الأزمة : انهزامية الأمة تجاه الغرب، فقد كان الغربيون ينظرون إلى الأمة الإسلامية كأنها الرجل المريض الذي أُصِيب بالشلل، فمهما ضربته فلن يتأوه، ولن يكون له رد فعل، ثم إذا بالموازين تنقلب بعد نشر تلك الرسومات، وبدأ رئيس الوزراء الدانماركي الذي كان يرفض مجرد لقاء سفراء البلاد الإسلامية في بلده يستأجر بعض القنوات العربية للظهور في مقابلات، محاولاً تبرير موقفه وموقف بلاده، وكذلك رأينا رئيس الولايات المتحدة الأمريكية يتحدث منتقداً هذه الرسومات، وكذا الرئيس الفرنسي والأمين العام للأمم المتحدة وغيرهم من الساسة ؛ إذ أذهلتهم ردود أفعال المسلمين فكان لا بد لهم من التحدث بالاستنكار ولو تصنُّعاً ومجاراةً .
فظهر أن مرض الأمة مؤقت، وأنها متى أخذت بأسباب السلامة والعافية ومن أعظمها : اتحادها فسوف تفعل الكثير والكثير .
* المخذلون كثر :
في ظل توحد المسلمين واجتماع كلمتهم على موقف واحد في التصدي لهذه الهجمة يُسَرُّ المرء لما يرى ويشاهد من الغَيْرة الإسلامية العظيمة المتولدة من الغضب لانتهاك حرمته - صلى الله عليه وسلم - .
إلا أننا نرى هنا وهناك من يحاول تخذيل المسلمين، والوقوف في صف أعدائهم .
فقد أغاظتْ هذه المقاطعة كثيراً من المنافقين، فحاولوا التبرير تارة، والتهوين تارة، وزعم الإصلاح وإرادة الخير تارة أخرى !
فمِن زاعمٍ أَنَّ المقاطعة ستقطع الحوار معهم !
وهل نقبل الحوار مع من يهزأ بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، ويسخر بثوابتنا ؟!
ومن زاعمٍ : أَنَّ سبب جناية تلك الصحيفة هو تقصير المسلمين أنفسهم في تعريفهم بالإسلام ! فمرادُه تبرئة هؤلاء المعتدين من جنايتهم، أو تبريرها لهم، وإناطة جُرْمِها بالمسلمين !
وقد جهل هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أدى الرسالة، وبلَّغ الأمانة أعظم التبليغ، ومع ذلك لم يسلم من سخرية كفار قريش .
ومن مستهزئٍ بالمقاطعة فيقول : هذا غاية ما تملكون ؛ ترك أكل الزبدة والجبنة !!
وهذا شبيه بموقف المنافقين الذين كانوا يسخرون من المؤمنين لكونهم يتصدقون بالقليل من المال، مع أنه غاية ما يستطيعونه : { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ( التوبة : 79 ) .
ومن زاعمٍ : أنَّ المسلمين « عمَّموا خطأ جريدة على دولة كاملة لا تملك بحكم القانون أي سيطرة على هذه الجريدة » !!
والجواب عن هذا :
أولاً : أن حكومتهم قد وقفت بجانب الجريدة وبررت فعلتها، بأنها حرية الرأي .
وثانياً : أن شعبهم نفسه قد وافق غالبيته الجريدة والحكومة على موقفهما ؛ ففي
استطلاع للرأي رأى 79% ممن شملهم الاستطلاع أن رئيس الوزراء يجب ألا يعتذر نيابة عن الدانمارك، بينما قال 18% : إن عليه الاعتذار .
وقال 62% منهم : إنه لا يتعين على الصحيفة تقديم اعتذار، بينما قال 31% : إن عليها أن تعتذر . [ موقع إسلام أون لاين ] .
ويرى بعضهم أن هذه المقاطعة لن تفيد شيئاً ؛ فهل تغافلوا عن استغاثات الدانمارك المتكررة بالاتحاد الأوروبي لإنهاء المقاطعة الإسلاميَّة ؟ وهل تجاهلوا الخسائر الدانماركيَّة التي ستصاب بها حين تقاطعها الأمة الإسلامية ؟ حيث بلغت خسارة شركة واحدة من شركاتهم للألبان في دولة إسلامية واحدة ما يتراوح بين ثمانمائة ألف ومليون وستمائة ألف دولار يومياً، كما صرح بذلك مدير هذه الشركة، فضلاً عن فرص الوظائف التي سيفقدها أصحابها [ موقع الجزيرة ] . بل قد صرح بعضهم أن ما بنوه في عشرات السنوات أي من السمعة الحسنة لبضائعهم التجارية قد تهدَّم في أيام قليلات .
ويرى آخرون أن المتضررين من المقاطعة إنما هم الوكلاء التجاريون الذين يحملون امتياز بيعها في البلدان الإسلاميَّة !! وهذا عجيب، أن يتولى هؤلاء الدفاع عن أولئك التجار ؛ مع أن التجار أنفسهم لهم مواقف مشرفة ؛ فقد رأيناهم تداعوا بشجاعة لطلب المقاطعة ؛ فهل هو أحرص منهم على أموالهم أم أنَّها عقليات التطبيع ؟
ومن هؤلاء من بدأ يدعونا للتسامح معهم والسكوت عن أذاهم، وما علموا أن التسامح لا يكون مشروعاً إلا إذا وقع موقعه الصحيح، وأولئك المستهزئون بمقامه - صلى الله عليه وسلم - ليسوا موضعاً صالحاً للتسامح، بل التسامح مع أمثال هؤلاء المجرمين جريمة شرعية، ولئن كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحق في التجاوز عمن أساء إليه فإن هذا ليس إلى الأمة، بل الأخذ بحقه والغضب له واجب شرعي لا يجوز أن يمس أو يتبرع أحد بالتنازل عنه .
ومن زاعمٍ : أن المقاطعة مجرد رد فعل عاطفي، ولا ينبغي أن تكون تصرفاتنا مبنية على ردود الأفعال وهذا الزعم لا بد له من وقفة تبين أهمية ردود الأفعال والتأصيل الشرعي لها من خلال ما يلي :
- أمر الشارع بإنكار المنكر مثال واقعي لاعتبار ردود الأفعال في الشريعة :
قال رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ » رواه مسلم ( 70 ) .
فإنكار المنكر وتغييره باليد هو رد فعل على ظهور المنكر ورؤيته، وهو رد فعل أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - « فليغيره بيده »، وهو واجب بإجماع المسلمين، كما نقله النووي .
- الغضب على انتهاك حرمات الله صورة من صور ردود الأفعال المأمور بها :
إذ من الغضب ما يكون محموداً بل ما يكون واجباً، وهو الغضب لله – عز وجل -، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يغضب لنفسه، ولكن إذا انتُهكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء . فعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ : « وَاللَّهِ مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ قَطُّ حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ » رواه البخاري ( 6288 ) .
- بل إن التعامل برد الفعل أمر جِبِلِّي :
ولقد أحسن الإمام الشافعي - رحمه الله - حين قال : « من استُغضب ولم يغضب فهو حمار » !! ( سير أعلام النبلاء 10/43 ) .
فالإنسان مجموعة من الأحاسيس والمشاعر، فلا بد أن يتأثر بما يدور حوله ويكون له رد فعل عليه .
والميْت هو الذي لا يوجد لديه ردود أفعال، كما قال الشاعر :
جَرَحُوه فَمَا تألَّّم جُرْحاً
ما لِجُرحٍ بِمَيِّتٍ إيلامُ
ومن أمثلة ردود الأفعال من السنُّة :
قنوته - صلى الله عليه وسلم - شهراً على رعل وذكوان وبعض أحياء العرب لما غدروا بالقراء في بئر معونة . البخاري ( 3064 ) ومسلم ( 677 ) .
ودعوته - صلى الله عليه وسلم - للبيعة على القتال لما بلغته شائعة قتل عثمان في الحديبية، ثم لما تبين كذب الشائعة كان الصلح .
[ ابن أبي شيبة مرويات غزوة الحديبية ص 124] .
وكغضبه - صلى الله عليه وسلم - حينما اختصم أصحابه في القَدَر حتى كأنما يُفقَأ في وجهه حب الرمان كما عبر الراوي - ابن ماجة ( 82 ) .
وغير ذلك كثير من صور غضبه - صلى الله عليه وسلم - تفاعلاً مع ما يطَّلع عليه أو يُنقل إليه من أقوال أو أفعال .
ومن ردود أفعال الصحابة - رضي الله عنهم - بحضرته - صلى الله عليه وسلم - :
مقولات عمر بن الخطاب المتعددة « دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ » وما شابهها كما كان مع عبد الله بن أُبَيّ رأس المنافقين لما قال : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . البخاري ( 4905 ) .
وكما حصل مع ذي الخويصرة اليماني الذي قال : اعدل يا رسول الله . البخاري ( 3341 ) مسلم ( 1675 ) .
ولذلك فإن ردود أفعال المسلمين تجاه هذا السب لخير من وطئت قدماه الأرض، مهمٌّ جداً ؛ لأنه نوع من إنكار المنكر أولاً، وهو أمر واجب، بل هذا من أعظم المنكرات التي يجب إنكارها، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم – بتغيير المنكر باليد، فإن لم يُستَطع فباللسان، فإن لم يُستَطع فبالقلب قال : « وذلك أضعف الإيمان » وفي حديث آخر : « وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل » رواه مسلم ( 4676 ) .
وثانياً : من أجل تقزيم هؤلاء المعتدين والمفترين، كي لا يستمرئوا هذا السب والاعتداء .
أما ألاَّ يكون هناك غيرة على حرمات الله، ولا يتمعر وجهنا غيرة وغضباً ؛ فيُسَبّ دين الله، ويُسَبّ نبينا، دون أن يحرك ذلك فينا ساكناً ؛ فهذه والله هي الكارثة .
* الواجب علينا :
على كل مؤمن يحب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ويغار على دينه أن ينتصر لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأن يقدِّم كل ما في وسعه لرد هذه الهجمة الشرسة، ومهما بذلنا فهو قليل في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وأما تفصيل دورنا في هذا فمنه :
1 - إعلان النكير على كل الأصعدة وبشدة :
فعلى الدول الإسلامية أن تهب على جميع مستوياتها لنصرة نبيها - صلى الله عليه وسلم -، وتستنكر ذلك في المؤتمرات والمحافل العامة، وتتخذ موقفاً حازماًَ يتناسب مع شناعة الجريمة .
وكذلك يكون الاحتجاج على مستوى الهيئات الرسمية وغير الرسمية كوزارات الأوقاف، ودور الفتيا، والجامعات، وإعلان الاستنكار من الشخصيات العامة كالعلماء، والمفكرين، ورجال الإعلام .
وكذلك الإنكار على المستوى الفردي، كلٌّ حسب ما يستطيع : بإرسال رسالة، أو كتابة مقالة، أو اتصال هاتفي بحكومتهم وخارجيتهم وصحافتهم، ومراسلة المنظمات والجامعات والأفراد المؤثرين في الغرب، ولو نفر المسلمون بإرسال آلاف الرسائل الرصينة القوية إلى المنظمات والأفراد فإن هذا سيكون له أثره اللافت قطعاً .
2 - مطالبة هؤلاء الجناة بالاعتذار الجاد الواضح، لا الخداع وتبرير الجريمة الذي يسمونه اعتذاراً، فلا نريد اعتذاراً لإهانة المسلمين، وإنما نريد إقراراً واضحاً بالخطأ، واعتذاراً عنه، ومعاقبة رادعة للمجرمين على جرمهم، وأن تكف حكوماتهم عن العداء للإسلام والمسلمين .
3 - ذكر فتاوى علماء الأمة التي تبين حكم من تعرض لرسول الله – صلى الله عليه وسلم - بشيء من الانتقاص ووجوب بغض من فعل ذلك والبراءة منه .
4 - بيان حُسن الإسلام وموافقته للعقول الصريحة، والرد على شبهات المجرمين من خلال قيام المؤسسات الإعلامية والصحف والمجلات والمواقع الإسلامية بكتابة ردود على هذه الافتراءات، وأن تسطر على صفحاتها شمائل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتبين الدور العظيم الذي قام به - صلى الله عليه وسلم - لإنقاذ البشرية، وأنه أُرسل رحمة للعالمين، وهداية للناس أجمعين .
5 - استئجار ساعات لبرامج في المحطات الإذاعية والتلفزيونية لا سيما في البلدان الغربية لتدافع عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتذب عن جنابه، ويستضاف فيها ذوو القدرة والرسوخ، والدراية بمخاطبة العقلية الغربية بإقناع، وهم بحمد الله كثر .
6 - إعداد المقالات القوية الرصينة لتنشر في المجلات والصحف ومواقع الإنترنت باللغات المتنوعة .
7 - مطالبة الكتّاب والصحفيين والإعلاميين بل كل غيور بالقيام بدور النصرة للنبي - عليه الصلاة والسلام - من خلال محاولة إثارة الرأي الغربي ضد هذا الانتهاك والتدنيس العلني للمعتقدات الدينية .
8 - إنشاء مراكز متخصصة لبحوث ودراسات في السيرة النبوية والإسلام وفضائله وترجمة ذلك إلى اللغات العالمية .
9 - الحرص على دعوة هذه الشعوب ؛ فإننا وإن كنا ننظر إليهم بعين الغضب والسخط والغيظ، إلا أننا أيضاً ننظر إليهم بعين الشفقة عليهم، فهم عما قريب سيموتون، ويكونون من أهل النار إن ماتوا على ذلك، فدعوتهم إلى الإسلام والنجاة رحمةٌ بهم، وشفقةٌ عليهم ؛ ولا سيما عوامهم الذين غُيِّبَتْ عنهم صورة الإسلام المشرقة، حتى نقيم الحجة ونوصل نور الهداية والحق إليهم فيعرفوا عن ديننا وعظمة نبينا - صلى الله عليه وسلم - : { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ } ( الأنفال : 42 ) .
10 - ترجمة الكتب التي تدعو إلى الإسلام، والكتب التي تعرّف بالإسلام ونبيّ الإسلام، وتبيِّن سيرته الحسنة العطرة وفضائله بلغة هؤلاء القوم .
11 - إنشاء مواقع إسلامية وبرامج متخصصة في الإذاعات والقنوات والشبكة المعلوماتية للتعريف بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وشمائله وأخلاقه الكريمة باللغات المختلفة، ونشر ذلك في المطبوعات من الصحف والمجلات ونحوها .
12 - عقد المؤتمرات العلمية التي يُتكلم فيها عن نبي الإسلام - صلى الله عليه وسلم - ورسالته، مع التركيز على تلك الدول التي تحتاج إلى تصحيح صورتهم عن الإسلام .
13 - نشر ما ذكره المنصفون من غير المسلمين بشأنه - صلى الله عليه وسلم -، إذ هو أدعى لقبول أقوامهم له .
14 - بيان خصائص دعوته ورسالته - صلى الله عليه وسلم -، وأنه بعث بالحنيفية السمحة، وأن الأصل في دعوته .
15 - المشاركة في حوارات علمية رصينة مع غير المسلمين من المختصين أصحاب القدرات العلمية واللغوية، ودعوة أولئك الباحثين بالحكمة لدراسة شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - والدين الذي جاء به .
16 - الإعلان في محركات البحث المشهورة عن بعض الكتب أو المحاضرات التي تتحدث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
17 - التمسك بالسنة والتزام هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل شيء والصبر على ذلك ؛ إذ بهذا يكفينا الله كيدهم : { وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً } ( آل عمران : 120 ) .
18 - مقاطعة منتجاتهم ما دام لها تأثير عليهم وهذا هو الواقع والبحث عن شركات بديلة يمتلكها مسلمون ترسيخاً لمبدأ الولاء للمسلمين والبراء من الكافرين .
19 - الوعي لكيفية إدارة أعداء الإسلام لصراعهم مع المسلمين وعدم استبعاد التعمُّد والتخطيط المسبق منهم لهذه الجريمة، مع الدراسة المتأنية للمواقف المتوقعة منهم والتدابير التي ينبغي اتخاذها مع كل موقف حتى لا يخلصوا إلا شق الصف وإضعاف قوة وحدة الموقف .
20 - تبادل الأفكار في هذه القضية، وإضافة الجديد منها والتواصي بها، وبحث كل واحد عما يناسب ميوله وتخصصه منها، وبهذا سيجد كل محب لرسوله - صلى الله عليه وسلم - مجالاً لإظهار حبه وغيرته وتعظيمه ؛ فهذا يأتي بفكرة، وذاك يكتب مقالة، وهذا يترجم، وذاك يرسل، وآخر يموِّل، في نفير عام لنصرة أفضل الخلق - عليه الصلاة والسلام - .
رسولَ الحُبِّ في ذكراك قُربى
وتحتَ لواكَ أطواقُ النجاةِ
عليك صلاةُ ربِّكَ ما تجلى
ضياءٌ .. واعتلى صوتُ الهُداة
ِيحارُ اللفظُ في حُسناك عجزاً
وفي القلب اتقادُ المورياتِ
ولو سُفكتْ دمانا ما قضينا
وفاءك والحقوقَ الواجباتِ

* ليس من النصرة :

إن ما نراه من ردود فعل غاضبة من المسلمين، وعمل جاد لمواجهة تلك الهجمة التي يتعرض لها الإسلام لَيبعثُ البهجة والسرور والأمل في نفس كل مسلم، غير أن بعض المسلمين وهم بحمد الله قلة قد مال بهم حماسهم عن الصواب، والمأمول من المسلمين أن يلزموا العدل والإنصاف، حتى مع أعدائهم : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ( المائدة : 8 ) .
فليس من النصرة :
1 - الاعتداء على معصومي الدم والمال كالمستأمَنين، من أي دين كان .
2 - اختراق وتدمير مواقع صحف ومجلات لم تصدر منها بنبينا - صلى الله عليه وسلم - سخريةٌ ؛ فمثل هذا العمل يُحرضها هي الأخرى على سب الرسول - صلى الله عليه وسلم - والنيل منه، وينقلها من حِيادها إلى مُصافّة المعتدي في موقفه، ويحرض سفهاءهم على تدمير مواقعنا .
3 - ليس من النصرة في شيء أن نجود بأموالنا لكل من يدعونا إلى مشروع دعوي في تعريف الكفار بالإسلام وبنبيه الكريم وفي كشف ما يثار حوله من شبهات من غير أن نتوثق من صاحب المشروع والجهة المشرفة عليه، ومن غير أن نتبيَّن المضمونَ المراد نشره، ومن يزكِّي ذلك من أهل العلم .
4 - ما صاحَبَ بعض المظاهرات التي قام بها المسلمون في أماكن شتى من إتلاف للأنفس والممتلكات .
5 - عدم تحري البعض في نشر الأخبار قبل التثبُّتِ من صحتها، كالخبر بإسلام خمسين دانماركياً، أو خبر قتل الصحفي .
6 - نشر بعض البدع والتعلُّق بالمنامات، كالدعوة إلى توحيد الدعاء في ساعة معينة وصيغة معينة، أو تناقل رسائل بها مخالفات شرعية، أو التعسف في محاولة الربط بين رقم بعض الآيات القرآنية التي لها شيء من التعلق بالموضوع وبين الرقم التسلسلي الدولي لمنتجات الدولة المعتدية زاعمين أن ذلك من الإعجاز العددي القرآني .
نسأل الله - تعالى - أن يجعلنا من أنصار دينه ونبيه - صلى الله عليه وسلم - بوعي وصدق، وأن يعلي دينه، وينصر أولياءه، ويذل أعداءه، { وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } ( يوسف : 21 ) . وصلى الله وسلم على أشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .


________________________
(1) (شرح العقيدة الأصفهانية) لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - .
(2) للتوسع في النقول (الرسول في الدراسات الاستشراقية المنصفة) محمد شريف الشيباني .
(3) كتاب (المقاطعة الاقتصادية حقيقتها و حكمها) لخالد الشمراني , و مقال مقاطعة بضائع الكفار
نظرة شرعية لهاني الجبير (مجلة البيان) عدد 179 .
(4) النهاية في غريب الحديث و الأثر 980 / 1 .
----------------------------------------------
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
المتغطرسة, المسيئة, الرسول, والعقلية


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الرسوم المسيئة والعقلية المتغطرسة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حول الرد على الرسوم المسيئة محمد خطاب الكاتب محمد خطاب ( فلسطين) 1 01-24-2015 09:18 PM
صحيفة دنماركية تعيد نشر الرسوم المسيئة للرسول بعد هجوم «شارلي إيبدو» Eng.Jordan أخبار عربية وعالمية 0 01-08-2015 11:54 PM
12 قتيلا في هجوم على صحيفة "شارلي ايبدو" في باريس والمعروفة بنشر الرسوم المسيئة للرسول Eng.Jordan أخبار عربية وعالمية 0 01-07-2015 05:28 PM
التطوع لإزالة الرسوم المسيئة عن جدار مسجد برنيستون عبدالناصر محمود المسلمون حول العالم 0 03-23-2014 08:45 AM
رشق صاحب الرسوم المسيئة بالبيض في السويد Eng.Jordan المسلمون حول العالم 0 02-23-2012 05:00 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 01:21 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59