#1  
قديم 06-21-2013, 01:34 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي حَول أبجدية عرَبية صَالحة





للدكتور أحمد سعيدان

(عضو المجمَع)
ما فتئ مجمع اللغة العربية الأردني، منذ تأسيسه، في شغل شاغل: يتلقى مصطلحات المصارف، والمحاسبة، والاقتصاد، والعسكرية، والأرصاد الجوية، والتعليم الصناعي والزراعي والتجاري ... فينشئ اللجان المتخصصة لتمحيصها وتصحيحها، كي تعرض على المجمع لإقرارها أو تعديلها. هذا بالإضافة إلى ما يترجم أو يعرب من مصطلحات علمية وتقنية، وبالإضافة إلى ما يقوم على نقله إلى العربية من كتب علمية جامعية.
إن مجمعنا يخوض معركة، أعضاؤه فيها رفاق سلاح، وفي خضمّ هذه المعركة أُحِبّ أن أتصور أن ما ينتجه هذا المجمع الناشئ إنما هو أول الغيث: قطر ثم ينهمر، أو هو باكورة إنتاج غزير يتميز كمّاً ونوعاً، ويؤتي أكله دفعاً للعربية إلى صف اللغات العلمية الحية.
وأحب أن أتصور أن الترجمة والتعريب والاستعارة والاقتباس ونحت الألفاظ وابتكار التعبيرات ستمضي قدماً من أجل أن يطلع علينا عصر نهضة فكرية زاهر. أحلام يقظة أغرق فيها فيوقظني من حلمي اللذيذ قصور الأبجدية العربية ...
نقول للمطبعة: نريد أن يكون الكتاب العربي بمثل حجم الكتاب الإنكليزي الذي تُرجِم عنه؛ فيقول لنا الطابع: لا يمكن إلا إذا صغّرنا الحروف إلى حد لا يفرّق بين النون والتاء، ولا بين الباء والياء. ونقول للزملاء في لجان المصطلحات: نُعَرّب، فيقولون: أجل، ولكن لفظة سزموجراف: هل نكتبها بالجيم أم بالكاف أم بالغين؟ وهل نضع واواً بعد الميم؟ وياء بعد السين؟ ومشكلة تشكيل الحروف معروفة، ومشكلة الهمزة معروفة، ومشاكل الأبجدية بمجموعها طُرِحت منذ نصف قرن، وما تزال تُطرَح، واقتُرِحَت لها حلول، وحلول ما تزال تُقْتَرَح. وقد وُضِع بعض هذه الحلول موضع التنفيذ، فخَفَّف حدّة هذه المشاكل، ولكن معظم الحلول قد رُفِض، لأنها لم تعالج جذور المشكلة، أو لم تكن حلولاً تتمشى مع الاعتبارات الواقعية الموضوعية، فما دامت المشكلة ما تزال قائمة، وما دامت تجابه مجمعنا، فلن يضر أحداً أن أطرح على صفحات مجلة المجمع الناشئة حلّاً جديداً عساه يحلّ بعض جوانب المشكلة، أو يكون خطوة صوب حل أشمل وأكمل.
وأبادر إلى القول بأن الخط العربي بذاته لا عيب فيه، فهو في الماضي قد وصل إلى حد من الإبداع جعل الكتابة العربية في قمة الفنون الجمالية الرقيقة، وهو في الحاضر ضرب من الاختزال لا يخلو من فائدة ومزايا.
ولكن المشكلة أنّ تطور الخط العربي مَرّ بجميع مراحله، يوم كانت الكتابة يدوية، ثم هو توقف عن التطور فلم يواكب حاجات الطباعة والكتابة الآلية، اللتين هما اليوم من لوازم الحضارة. والطباعة والكتابة الآلية (أعني الآلة الكاتبة) تقتضيان أولاً أقلّ عدد ممكن من أشكال الحروف، وثانياً أن تكون هذه الأشكال واضحة متميزة بعضها عن بعض بيسر، بعيدة عن مجال اللبس والإبهام.
فالأبجدية العربية تضم في الواقع 28 حرفاً، ولكن لكل حرف عدة أشكال، فهو منفصلاً غَيْرُه متّصلاً، وهو في أول الكلمة غيره في وسطها أو آخرها؛ هذا بالإضافة إلى أن بعض الحروف يتغير شكلها حسب الحرف الذي يتصل بها أو تتصل به. وتقدر الأشكال المختلفة للحروف العربية بأربعمئة وخمسين شكلاً. ثم إن بعض هذه الحروف متشابهة، نفرّق بينها بنقاط، كالباء والتاء والثاء والنون والياء، وكالسين والشين، والعين والغين، والصاد والضاد، والطاء والظاء.
أضف إلى ذلك أن لبعض الحروف أسناناً تزيد من اللبس إذا انبرت، وقد حافظت الحروف المطبوعة على هذه الأسنان، رغم أنها تطورت في الكتابة اليدوية.
فإذا ذكرنا أن بعض الحروف المتصلة تكاد تكون قاصرة على سن، فوقه أو تحته نقطة أو أكثر، أدركنا أحد الأسباب التي من أجلها قلّما نجد كتاباً عربياً يخلو من أخطاء الطباعة، في حين أننا قلّما نجد مثل هذه الأخطاء في كتاب إنكليزي مثلاً.
صفوة القول أن الحروف العربية بحاجة إلى تطور يجعلها تواكب متطلبات المطبعة والكتابة الآلية. وقد يلوح في الأفق حل يبدو للوهلة الأولى سهل التنفيذ؛ هو أن نكتب، كما يكتب معظم الأمم، بحروف منفصلة. وهنا يتبدى لنا أمر آخر في أشكال حروفنا يجعل هذا الحل أصعب مما نظن، ذلك أن بعض حروفنا تطول على امتداد السطر، وهي آخذة في الطول قليلة العرض حتى لتبدو بعض الحروف المتصلة مجرد مَدّة على السطر يميزها سن أو أكثر. فإذا كتبنا بحروف منفصلة، أي إذا جعلنا حروفنا منفصلة، صارت كلماتنا آخذة في الطول، عديمة التناسق إلى حد منفّر يَجْعَل العينَ تقرأ كلمة كلمة، في حين أنها، في اللغات الأوروبية، قد تستوعب بضع كلمات بنظرة واحدة.
وبهذا الصدد أشير فيما يلي إلى حقيقة أسوقها على سبيل الترجيح، لا اليقين:
في أواخر العصور الوسطى أخذت الطباعة تنتشر في أوروبا في زمن كانت فيه القوميات آخذة في التشكل والانفصال عن جسم الإمبراطورية الرومانية. ومع تشكل القوميات أخذت اللغات القومية تنافس اللاتينية وتحاول إثبات وجودوها. وكيما تثبت أية لغة وجودها، لا بد من أن تصير لغة مكتوبة، أي لا بد لها من أبجدية، وفي سبيل صياغة أول أبجدية أوروبية، كان طبيعياً أن يلجأ أولئك الذين وكل إليهم الأمر إلى الأبجدية العربية، ذلك أن العربية كانت ما تزال لغة العلم والحضارة والفكر والتجارة، والينبوع الذي ينهل منه كل شارب، مكرهاً أو مختاراً، ويبدو لي أنهم أخذوا بعض الحروف العربية، ولكنهم عدلوها فجعلوها: أولاً تمضي من اليسار إلى اليمين تمشياً مع طريقتهم في الكتابة، وثانياً تمتد رأسياً لا أفقياً، لتناسب طباعة الحروف المنفصلة.
والجدول التالي يبين بعض التشابه في الأبجدية العربية والأبجديات الأوروبية:
[IMG]file:///C:\Users\user\AppData\Local\Temp\msohtmlclip1\01\c lip_image002.jpg[/IMG]

وسواء أصَحَّ حدسي أم لم يصحّ، فبصدد اقتراح تطوير للحروف العربية يجعلها أصلح لمواكبة تقنيات العصر الحاضر، ولا سيما أن دخول الكمبيوتر ميدان الطباعة يستلزم ألا تزيد أشكال الحروف عن (60) حرفاً، أرى أن نلجأ في الطباعة إلى الحروف المنفصلة، وأن نجعل بعض الحروف المستطيلة رأسية لا أفقية.
وفي تقديري أن أي تطوير لأشكال الحروف يجب أن يتوافر فيه ما يلي:
أولاً: إن أي تعديل في أشكالها يجب ألا يبعد بها عن حاضرها، حتى لا نمسي وقد صارت قراءة هذا الحاضر أمراً عسيراً. ويحسن أيضاً ألا تستبعد الطريقة القائمة في الكتابة اليدوية، فهي ضرب من الاختزال طبيعي مألوف دارج؛ ولكن أي تطوير في الأشكال المطبوعة سيترك بالتدريج آثاراً على الأشكال الخطية.
ثانياً: إن مقاييس الحروف ينبغي أن تكون بحيث تستوعب العين الكلمة بنظرة واحدة، لا أن تقرأها حرفاً حرفاً. وبهذا الصدد يحسن الاطلاع على ما جرى من دراسات عن استيعاب العين. ومن هذه الدراسات ما يشير إلى أن العين تنظر إلى أعالي الحروف، فيحسن أن تكون مميزات الحرف في رأسه، كي تراه العين بسهولة.
فإذا نحن عزمنا على إحداث تطوير جديد في أبجديتنا، فيحسن أن نجعل هذا التطوير يحلّ مشاكل أخرى تتعلق باللغة، وأعني ما يلي:
1- مشكلة الحركات: أي الفتحة والضمة والكسرة والشدة والتنوين. أرى أن تُطبَع حركة كل حرف بعده مباشرة، كما لو كانت هي نفسها حرفاً مستقلاً. والأشكال الحالية لهذه الحركات مناسبة، فهي رقيقة دقيقة متميزة تؤدي وظيفتها وتبقى معها الحروف الأصلية في اللفظة واضحة، فيبقى الثلاثي، مثلاً، ثلاثياً والرباعي رباعياً.
2- مشكلة الهمزة: وهذه أرى أن يُتَّخذ لها حرف واحد ثابت يدل عليها، كما أن للباء والتاء وكل صوت آخر حرفاً. والشكل (ء) واضح الدلالة يفي بالغرض. فإن يَقُلْ قائل: ماذا عن همزة القطع وهمزة الوصل؟ أو ماذا عن تخفيف الهمزة إلى ألف أو ياء أو واو؟ نَقُلْ: إن هذا أمر يمكن أن يُعَلَّم كما تُعَلّم قراءة الحروف الشمسية والقمرية أو كما يُعَلَّم الإدغام، دون أن يظهر في الكتابة.
3- مشكلة الأصوات الأجنبية: إننا نعيش في عصر نستورد فيه مضطرين التقنية الأجنبية والفكر الأجنبي، ونتاجهما وما فيه من خير وشر. وترد علينا مع ذلك مصطلحات تتكرر فيها أصوات ليس لها مقابلات في العربية. فإذا عمدنا إلى تحويلها إلى أصوات نألفها. كما نحول (ا) إلى ياء مثلاً، فقد نبعد بها عن أصلها، وقد نفقدها بعض دلالاتها، وإذا جعلنا بعض حروفنا تخدم وظيفتين، كما نفعل بالحرف (ج) إذ يؤدي وظيفتي الجيم الشامية والجيم المصرية، وقعنا في لبس محير؛ والحل ميسور هو أن ندخل في أبجديتنا حروفاً تدل على ثلاثة أصوات يكثر تكرارها هي: g (للجيم المصرية)، v. p.
تبقى أصوات أخرى كثيرة لا نجد ما يطابقها في العربية، ولكن تكرارها قليل أو لدينا ما يقاربها. فإن هي فرضت نفسها علينا فلا ضرر من اتخاذ الصوت مع الشكل الذي يدل عليه. وهنالك أيضاً حركات إمالة ليس لها مثيلات في العربية. ولا أجد في هذه مشكلة، إذ لا ضير إن تغيرت بعض ملامح الألفاظ بانتقالها من لغة إلى لغة.
الخلاصة:
صفوة القول أني أدعو إلى الكتابة بحروف منفصلة، على أن تمتد الحروف رأسيّاً لا أفقياً؛ والأبجدية التي في ذهني على مثل النحو التالي:


[IMG]file:///C:\Users\user\AppData\Local\Temp\msohtmlclip1\01\c lip_image004.jpg[/IMG]


ولست أدعي أني جئت بفصل الخطاب أو بما لم تأت به الأوائل ولا الأواخر، بل أني أظن أن لو عرض رأيي على ذوي اختصاص فقد يجدون فيه ما يمكن أن يخرج منه أبجدية عربية أصلح. وليس المهم أشكال الحروف بذاتها، فما دامت متميزة واضحة، وما دامت مجرد تطوير للأشكال الدارجة، فلا ضرر ولا ضرار.
ولكن ألا تنطوي الكتابة بحروف منفصلة على مشاكل غير منظورة؟ قد ينشأ ميل إلى فصل حروف الجر والعطف وأل التعريف عن الألفاظ التي تتصل بها. وأرى ألا نشجع ذلك، استبقاءً لطبيعة الكتابة العربية واستبعاداً للكلمات القصيرة التي قوامها حرف وحركة. وفي تقديري أن إثبات الحركات في الكتابة سيكون حافزاً على إتقان اللغة واستقرار الألفاظ على صيغ موحدة.
وبعد فأنا على يقين أن هذا الذي أطرحه، بعجزه وبجره، كما يقولون، سيذهب، كما ذهبت عشرات الاقتراحات غيره، طي النسيان. ولكن ألسنا نبذر البذرة ثم إذا هي بعد حين نبتة، فشجرة؟ من يدري؟ لعل اقتراحاً يكون بذرة، ثم يصير نبتة، ثم تكبر النبتة، فتصير شجرة ثمرها حلو وظلها ظليل.
د. أحمد سعيدان


مجمع اللغة العربية

المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
متحدية, حصول, صَالحة, عرَبية


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع حَول أبجدية عرَبية صَالحة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
وكان يأمل أن يصوم معنا رمضان صابرة الملتقى العام 0 06-09-2015 05:35 PM
اسئلة عامة ثقافية متجددة ام زهرة الملتقى العام 1297 09-14-2014 11:58 PM
كيف يصوم القلب ...؟ صباح الورد شذرات إسلامية 0 07-03-2013 11:14 AM
حَول تعريبْ العلوم مشاكل، وحلول، وآراء Eng.Jordan دراسات و مراجع و بحوث أدبية ولغوية 0 06-21-2013 04:06 PM
لتحديث التعريفات driver checker Eng.Jordan الحاسوب والاتصالات 0 03-24-2013 08:18 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 09:45 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59