#1  
قديم 03-09-2012, 12:35 AM
الصورة الرمزية جاسم داود
جاسم داود غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: سوريا
المشاركات: 1,456
سؤال ضوابط تفسير الأحلام وتأويل الرؤى


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


ضوابط تفسير الأحلام وتأويل الرؤى


السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أنا مشترك في أحد المنتديات ويوجد قسم في المنتدى يفسر به الأحلام لزوار المنتدى عن طريق كتب تفسير الأحلام كابن سيرين وغيرها، والشخص الذي يفسر ليس متخصصا بالعلوم الإسلامية ولا علوم القرآن والحديث، فهل يجوز تفسير الأحلام على المنتدى بهذه الطريقة؟ وما حكم ذلك؟ مع الأدلة من الكتاب والسنة. وأرجو توجيه كلمة لصاحب الموقع والشخص الذي يفسر بالمنتدى، وسوف أوصل لهم الرسالة إن شاء الله. وجزاكم الله خيرا.


الجـــواب ا
لسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإن هذا سؤال كريم قصدت به بإذن الله - عز وجل - النصح للمسلمين والتعرف على الأحكام الشرعية التي تتعلق بالحلال والحرام فيما يخص أمر الرؤيا وتعبيرها، ولا ريب أنك إن شاء الله - تعالى -مأجور على هذا القصد الكريم الصالح، بل إن هذا يدخل تحت قول الله - جل وعلا -: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وقد قال الله - تعالى -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.

فقد بيَّن - جل وعلا - أن المؤمن لا يقدم قولاً ولا فعلاً حتى يعلم حكم الله - جل وعلا - في ذلك، وهذا هو شأن المؤمن، فإن هذا الدين العظيم قائم على قاعدة جليلة ألا وهي (أن العلم مقدم على القول والعمل)، غير أننا نود في بداية الجواب أن هذا الجواب ليس متعلقاً بموقع معينٍ أو بجهة معينة، لأن ذلك لا يعرف حتى يُعرف المقصود من ذلك ويعرف الحامل عليه، ولذلك فإننا سوف نعطيك الجواب عاما بقواعد عامة ويمكنك بعد ذلك الاستفادة منها ونصح من تراه من المسلمين دون أن يكون ذلك مقصودا لجهة معينة، فاعرف ذلك وتبيَّنه، فإن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ولننتقل إلى جواب سؤالك الكريم.

فقد بيّنت أن هناك بعض الأخوة الفضلاء يقوم بتفسير الرؤى عن طريق اعتماد كتاب ابن سيرين دون أن يكون له أي معرفة بالعلوم الشرعية ككتاب الله وسنة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، وأن عمدته في هذا الكتاب المشار إليه وأنه يؤول الرؤى بهذا الاعتبار، فجواب هذا السؤال يستبين لك من جملة مقدمات لتمهد لك لمعرفة الحكم الشرعي في ذلك، فأول مقدمة في هذا هو:

أن تعبير الرؤى من العلوم التي قد نصَّ الله - جل وعلا - أنها من العلم النافع، بل ونصَّ أنها من فضله يهبها لمن يشاء، فهو من العلوم التي أشار إليها - جل وعلا - ومدحها وكذلك النبي صلوات الله وسلامه عليه في أحاديثه الثابتة عنه كما ستأتي إشارة إلى ذلك، وقد قال الله - تعالى -في سورة يوسف بعد أن قصَّ يوسف - عليه الصلاة والسلام - ما رأى على أبيه يعقوب - عليه الصلاة والسلام - فقال - جل وعلا - حاكياً عن يعقوب - عليه الصلاة والسلام -: وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، فمعنى يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ أي يجتبيك ويختارك بالنبوة وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ أي يختصك بمعرفة علم تعبير الرؤى، فتأويل الأحاديث: أي تأويل الرؤى كما نصَّ على ذلك طائفة من أئمة التفسير كعكرمة صاحب بن عباس - رضي الله عنهما - وغيره من أهل العلم، وهذا نظير قوله - جل وعلا -: وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ.

فتأويل الأحاديث يراد به تفسير الرؤى، هذا مع ما آتاه الله - جل وعلا - من العلم النبوي، فإنه كان رسولاً نبيًّا كريماً، فلديه العلوم التي يختص بها الأنبياء، وهي علم الشريعة التي يحكمون بها، والعلم عن الله والعلم بالله، وقد يخص - جل وعلا - بعض الأنبياء بنوع من العلوم كما وقع ليوسف عليه صلوات الله وسلامه عليه في تفسير الرؤى، ولذلك خصَّ - جل وعلا - من تفسيره في كتابه العزيز، ومن ذلك قوله في آخر السورة: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ، فهذا تصريح من الله - جل وعلا - أن هذا العلم شأنه عظيم وأنه من العلوم التي يمتنُّ بها على من يشاء.

بل إن النبي صلوات الله وسلامه عليه لم يُعد هذا علماً فقط، بل عده من النبوة؛ فأخرج البخاري في صحيحه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لم يبق من النبوة إلا المبشرات) قالوا: وما المبشرات؟ قال: (الرؤيا الصالحة). فصرح صلوات الله وسلامه عليه أن الرؤيا من النبوة، ومعنى أنها من النبوة: أي أنها من إلهام الله - جل وعلا - لأنها في الغالب تكون إشارة إلى المستقبل ومن أصاب تعبيرها عرف ما قد يقع له من ذلك، ولذلك أجمع أهل العلم عليهم جميعا رحمة الله - تعالى -أنه لا يحل طلب معرفة المستقبل إلا عن طريق الرؤيا التي يريها الله - جل وعلا - لعبده؛ كما نصَّ على ذلك الإمام الحافظ الفقيه أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن عليه رحمة الله - تعالى -.

ومن ذلك ما خرَّجاه في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إذا اقترب الزمان فلم تكد رؤيا المؤمن تكذب، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة)، فثبت بهذه المقدمة النافعة أن علم التعبير من العلوم العظيمة التي لها شأن في هذه الشريعة، وبهذا يتقرر أنه لا يجوز الكلام في هذا الشأن إلا بعلمٍ ومعرفةٍ، وهي المقدمة الثانية: فيحرم على كل مؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في أي أمر من الأمور بغير علم، فهذا في جميع الأمور، فيشمل الأمور الدينية والدنيوية، فحرم الله - جل وعلا - الكلام بغير علم في جميع الشؤون كما قال - جل وعلا -: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً، وقال - تعالى -: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ، فهذا التحريم يشمل كل كلام بغير علم، فكيف إذا كان هذا العلم من العلوم الشرعية بل وصفها صلوات الله وسلامه عليه بأنها جزء من النبوة، ولذلك نصَّ الإمام مالك عليه رحمة الله أنه لا يتكلم في الرؤيا إلا من كان عالما بها.

فثبت بهذه المقدمة أن الكلام من غير علم من المحرمات، فإن قيل: فإن المتكلم في الرؤيا يتكلم من كتاب وينظر ما قال العابرون في هذا الشأن؟ فالجواب: إن علم الرؤيا ليس فقط مقتصراً على تحصيله من الكتاب، بل إن هذا العلم له أصول وضوابط قد نصَّ عليها أهل العلم بها، فهذا العلم له أصوله المعتمدة التي لا بد أن يكون صاحبها عالماً بها، وقد صنفت في ذلك المصنفات ونص على الآداب والأحكام التي لابد أن تراعى في هذا الشأن، ولذلك عقد أئمة السنة الكتب في ذلك، فعقد الإمام البخاري كتاباً سماه (كتاب التعبير)، وكذلك الإمام مسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه وغيرهم من أئمة السنة كلهم عقدوا أبواباً وكتباً في تعبير الرؤى والإشارة إلى طرفٍ من أحكامها وآدابها الشرعية المعتبرة، فالواجب هو عدم الخوض في هذا لمن ليس له معرفة بالأحكام الشرعية التي تتعلق بالرؤى، هذا عدا كونه غير عالم بوجوه تأويل الرؤى فإن الرؤيا قد يكون لها وجه بحسب الظاهر ويطلع العارف بها على خلاف ما يكون منصوصاً في بعض الكتب نظراً لدقة هذا العلم ولطافته فهو يحتاج إلى حذق ويحتاج إلى دراية في هذا الشأن.

إذا عرف هذا فإن كتاب (التعبير) الذي ينسب للإمام محمد بن سيرين عليه رحمة الله هو كتاب باطل نسبته إليه، ولا تصح نسبته إلى هذا الإمام باتفاق أهل العلم عليهم رحمة الله فهو كتاب موضوع عليه وليس من تصنيفه - رحمه الله - وإنما وضع هذا الكتاب ونُسب إليه وليس هو من تصنيفه، وإن كان محمد بن سيرين عليه رحمة الله من أحذق الناس فهماً ومعرفة في التعبير، بل لو قيل إنه كان أعظم زمانه - رحمه الله - لما بعد ذلك، فقد اشتهر بهذا اشتهاراً عظيماً، وتنقل عنه الأخبار الثابتة في ذلك الحسنة والتي تبين حذقه في هذه الصناعة، ومع هذا فالكتاب لا يثبت نسبته إليه، فهو كتاب موضوع عليه.

فالواجب هو تقوى الله - جل وعلا - وعدم الخوض في أي علم دون أن يكون للإنسان معرفة به اتباعًا لأمر الله - جل وعلا -، فإن الكلام بغير علم حرام مطلقاً فكيف إذا كان في علم له اتصال وثيق بشريعة الله - جل وعلا -، ونسأل الله - عز وجل - أن يشرح صدورنا وإياكم وأن يغفر لنا ذنوبنا وأن ييسر أمورنا وأن يجزيك خير الجزاء.

وبالله التوفيق.


دمتم برعاية الرحمن وحفظه

موقع المختار الإسلامي


المصدر: ملتقى شذرات

__________________

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الأحلام, الرؤى, تفسير, وتأويل, ضوابط


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع ضوابط تفسير الأحلام وتأويل الرؤى
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
إيران الأولى عالمياً في جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب عبدالناصر محمود أخبار منوعة 0 08-03-2016 09:50 AM
سارق الأحلام.... صباح الورد الملتقى العام 0 11-28-2013 09:52 AM
تطبيق تفسير الأحلام لابن سيرين شامل وكامل Eng.Jordan الحاسوب والاتصالات 0 04-08-2013 01:56 PM
الجانب الفقهي في تفسير التحرير والتنوير المعروف بـ (تفسير ابن عاشور) Eng.Jordan دراسات ومراجع و بحوث اسلامية 0 02-12-2013 09:28 AM
حمل كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين Eng.Jordan كتب ومراجع إلكترونية 0 01-09-2012 11:37 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 01:46 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59