#1  
قديم 07-05-2014, 01:25 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,373
افتراضي التخلُّص من النُّفايات: مشكلة الطاقة النووية الأزلية


أماندا ماسكاريلِّي
ترجمة نيڤين عبد الرؤوف
٢٩ يونيو ٢٠١٤

تحت رقعةٍ من المروج الخضراء وغابات الزان غير بعيدة عن مدينة براونشفايج بألمانيا، تقبع قنبلة زمنية بيئية تُعرف باسم إس ٢. وهي عبارة عن منجم ملح مهجور استُخدم كمخزن مؤقَّت لمئات الآلاف من براميل النفايات المشعة التي أُلقِيت هناك في حِقبتَي الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين. وفي عام ١٩٨٨، بدأت المياه الجوفية تتسرب عبر جدران المنجم كما كان يخشى الكثيرون؛ مما يهدِّد بحدوث كارثة.
تواجِه النفايات النووية المخزَّنَة في جوف منجم الملح إس ٢ خطرَ تسرُّب المياه.
تواجِه النفايات النووية المخزَّنَة في جوف منجم الملح إس ٢ خطرَ تسرُّب المياه.

منذ ذلك الحين، احتدم جدل مزعج حول الطريقة المُثلى للتعامُل مع محتويات المنجم؛ ففي كل أسبوع تُجمع مئات اللترات من المياه الشديدة الملوحة التي تدخل غُرَف التخزين وتُخزَّن مع براميل النفايات، بينما أضحى هيكل المنجم غير مستقر؛ ومن ثَمَّ لم يكن بُدٌّ من اتخاذ قرار: هل ينبغي على المهندسين رَدْم غُرَف التخزين وهَجْر المنجم مع ترك النفايات هناك إلى الأبد، أم هل ينبغي عليهم إزالة كل النفايات؟ كِلَا الخيارين محفوف بالمخاطر؛ فإزالة النفايات عملية معقَّدَة ستستغرق عقودًا، فضلًا عن كونها تعرِّض العمَّال للنشاط الإشعاعي. أما إذا بقيت النفايات، ثم غمرَتِ المياهُ المنجمَ في النهاية، فربما تتلوَّث المياه الجوفية؛ مما قد يعرِّض مَن يعيشون بالجوار إلى الجزيئات المشعة المميتة.

يجمع إس ٢ بين كونه حكاية ذات مغزًى وعبرة ومثالًا مصغَّرًا على الجدل العالمي الدائر حول التخلُّص الآمِن من الوقود النووي المستهلَك. يزعم معظم الخبراء أن الطريقة المثلى هي دفن النفايات المشعة عميقًا تحت الأرض في مدافن صخرية تحفظها من بطش الزلازل والحروب والأعاصير والعصور الجليدية. يعلِّق تشارلز فورسبيرج — المهندس النووي بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا — على ذلك قائلًا: «لن تؤثِّر عليك أحداثٌ كثيرة إذا كنتَ على عمق ١٠٠٠ قدم تحت الأرض.»

مع ذلك، انتهت محاولات إنشاء مواقع التخزين تلك في معظم الدول باستثناء قلة ضئيلة إلى طريق مسدود. كانت الولايات المتحدة في يوم من الأيام تتزعم تلك المجهودات، لكنها تخلَّتْ عن خطط بناء ما كان سيصبح منشأة تخزين النفايات الأولى في جبل يوكا بولاية نيفادا. والدولة الوحيدة التي تملك مخزنًا عميقًا شارَفَ على الاكتمال هي فنلندا، فمن المتوقَّع أن تمنح الحكومة الفنلندية الموافَقة النهائية في غضون الاثني عشر شهرًا القادمة كي تسمح للمهندسين ببدء بناء غرف التخزين العميق. لكن تلك المشروعات لا تزال تواجِه معوقات كبيرة في فنلندا وغيرها من الدول التي تقطع الخُطى لبناء مستودعات للنفايات، من ضمنها السويد وفرنسا. فهل نملك حقًّا ما يكفي من المعرفة لدفن النفايات النووية بأمان؟

نحن على يقين من أمر واحد وهو الحاجة الملحة إلى اتخاذ قرارات هامة؛ ففي مواقع المفاعلات النووية في أرجاء الولايات المتحدة يُخزَّن مؤقَّتًا ما يزيد عن ٦٥٠٠٠ طن من الوقود النووي المستهلَك وغيره من النفايات — معظمها من اليورانيوم، لكنها مختلطة بمواد أخرى كريهة مثل البلوتونيوم — في حاويات خرسانية مبطَّنَة بالصلب، وهي تركة ملوثة تنمو سنويًّا بمقدار ٢٠٠٠ طن. وعلى مستوى العالم يبلغ حجم النفايات النووية ٣٥٠ ألف طن تقريبًا (انظر الشكل التوضيحي الأول) ويزداد مخزون أشد المواد خطورةً — «أعلى مستويات الخطورة» — بحوالي ١٢ ألف طن سنويًّا. وفي حين تبدو دول الصين والهند وروسيا عازِمةً على إضافة القدر الأكبر لهذه النفايات المتراكِمة (انظر الشكل التوضيحي الثاني)، فإن لدى الصين وحدها ٢٩ مفاعلًا نوويًّا تحت الإنشاء، وتأملُ في زيادة طاقة توليد الطاقة النووية لديها بمعدل يصل إلى ٢٥ مثل المعدل الحالي بحلول عام ٢٠٥٠.

في الوقت الحالي، يُخزَّن قدر كبير من النفايات النووية ببساطةٍ فوق الأرض، وهو إجراء يبدو منطقيًّا على المدى القصير؛ إذ سينخفض مستوى نشاط النفايات الإشعاعي إلى واحد على الألف من مستواه الأصلي في غضون نصف قرن، وفي تلك المرحلة يُعتبَر أكثر الخيارات أمنًا هو نَقْل هذه المواد إلى مخزن جوفي عميق.
الدفن تحت الأرض

تمتلئ منشآت التخزين حتى آخِرها بالنُّفايات النووية الطويلة العمر. هل الدفن تحت الأرض هو الوسيلة الأكثر أمنًا للتعامُل مع تلك التركة الخطرة؟
موجة انشطارية

تنتج الطاقة النووية حوالي سُبع كهرباء العالم، لكن بالنظر إلى المفاعلات الانشطارية المزمع تشغيلها في الصين والهند وروسيا، فقد تتضاعَف السعة الإجمالية بحلول عام ٢٠٣٠.

لكن إيجاد المواقع المناسبة ليس بالمهمة السهلة؛ إذ تحتاج مستودعاتُ النفايات إلى مواقع مستقرة جيولوجيًّا في مناطق قليلة السكان. كذلك تطرح المياه الجوفية تهديدًا خطيرًا؛ إذ يمكنها إعادة الجزيئات المشعة إلى سطح الأرض؛ وبالتالي لا بد أن تتسم الصخور بمعدل نفاذية منخفضة، ويجب أن يحدَّ تركيبها الكيميائي من قدرة النويدات المشعة على الذوبان في حالة وصول المياه بالفعل إلى النفايات.

يوضِّح فورسبيرج أن ١٠٪ من سطح الأرض حسب التقديرات قد يصلح لإنشاء مستودعات جيولوجية، سواء تحت اليابسة أو قاع البحر، لكنه يضيف أن «النسبة المقبولة من المنظور السياسي أقل بكثير.» ففي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وكندا على سبيل المثال فشلت حكومات متعاقبة في اختيار مواقع مقبولة للتخلُّص من النفايات؛ إذ شهد عام ٢٠١٠ تخلِّيَ الولايات المتحدة في النهاية عن خطط مستودع جبل يوكا التي استنفدت إجمالًا ١١ مليار دولار. يبدو أن حجم الذعر العام حيال مخازن النفايات قد أخذ السياسيين في الأغلب على حين غرة.

لكن الوضع يختلف في البلاد الإسكندنافية؛ فعلى حافة بحر البلطيق في غرب فنلندا، أخذ المهندسون يحفرون في الطبقة السفلية من صخور الجرانيت العتيقة في جزيرة أولكيلواتو المغطَّاة بأشجار الصنوبر منذ عقد تقريبًا، وتحت الموقع ينحدر نفق حلزوني لمسافة ٤٢٠ مترًا حتى يصل إلى أول مستودع دائم لتخزين الوقود المستهلَك، والذي يُطلَق عليه اسم أونكالو. وإذا صدَّقت الحكومةُ على رخصة إنشاء الموقع — التي تخضع حاليًّا للمراجعة — بحلول عام ٢٠١٤ وفقًا للجدول الزمني، فإن شركة بوسيفا الفنلندية — التي تملك مستودع أونكالو — تتوقَّع أن يبدأ تشييد المرحلة النهائية عام ٢٠١٥، وأن يشهد عام ٢٠٢٢ وضع أول أوعية النفايات تحت الأرض. وفي النهاية سيصل حجم الوقود المستهلك المخزَّن ها هنا إلى ٩ آلاف طن تقريبًا، وستستمر عملية الدفن قرابة قرن من الزمان، ثم يُغلَق النفق بعد ذلك.

إذنْ ما هو سر نجاح فنلندا؟ منذ أن بدأت فنلندا سَعْيها لإنشاء مستودع للنفايات في سبعينيات القرن العشرين، ظلَّ إعطاء المواطنين حقَّ التعبير عن رأيهم بخصوص هذه العملية جزءًا محوريًّا من استراتيجيتها، بل يحق لهم أيضًا الاعتراض حتى عند المرحلة التي تتطلب التصديق على التخلُّص النهائي من النفايات. يعلِّق ريستو بالتيما — الذي يعمل في هيئة الأمان النووي والإشعاعي بفنلندا — على هذا قائلًا: «لقد توافر الالتزام والإرادة السياسية اللازمان للتعامل مع هذه المشكلة.» وقد اتبعَتِ السويد — التي تنتظر بدورها مراجعة رخصتها لإنشاء مستودع — منهجًا مماثلًا. وعلى النقيض من ذلك، فُرِضت خطة مستودع جبل يوكا فرضًا على ولاية نيفادا بالولايات المتحدة، وهي ولاية لا تملك محطة طاقة نووية واحدة؛ مما أثار ردَّ فعلٍ سياسيًّا عنيفًا واستياءً لدى السكان.

وعلاوةً على ذلك، تتحمل كذلك شركات المرافق التي تملك محطات الطاقة النووية في فنلندا والسويد مسئوليةَ التوصُّل إلى كيفيةٍ للتخلُّص من نفاياتها. يقول فورسبيرج: «تصبح المسألة أسهل بكثير في بعض النواحي عندما تكون أنت صاحب المشكلة، وعندما تعرف أن المشكلة مشكلتك أنت.» لكن في دول مثل اليابان والولايات المتحدة والمملكة المتحدة تتدخل الهيئات الحكومية تدخُّلًا وثيقًا في إدارة عملية التخلُّص من النفايات المشعة؛ مما يجعلها متوقِّفة على مستويات معقَّدة من اتخاذ القرارات والسياسات الحزبية. يضيف فورسبيرج: «تكمن المشكلة في أن الوقت اللازم لتحديد موقع المستودع وبنائه وترخيصه أطولُ من مدة أيِّ انحيازٍ سياسي للسلطة.»

لكن هذا الوضع قد يتغيَّر؛ ففي عام ٢٠١٢ أوصت لجنة من الخبراء شكَّلَتْها الحكومة الأمريكية لبحث هذه القضية بتحويل مسئولية إدارة النفايات النووية إلى جهاز مستقلٍّ عن وزارة الطاقة، ودَعت كذلك إلى إعداد استراتيجية جديدة تعتمد على بناء إجماع للآراء على المستوى المجتمعي، وقد تبنَّتِ الحكومة الكندية منهجًا مماثلًا عام ٢٠٠٧. يعلِّق تشارلز ماكومبي — أخصائي التخلُّص من النفايات النووية المقيم في مقاطعة بادن بسويسرا — على هذا قائلًا: «يبدو أن معظم الدول تتفق حاليًّا على أن تحديد الموقع بالتوافُقِ هو السبيل الأمثل، وأن علينا الرجوع إلى نقطة البداية.»

وهذا يستدعي السؤال التالي: ماذا لو لم تتمكَّن تلك الأمم رغم ذلك من إيجاد طريقة مقبولة للتخلُّص من نفاياتها داخل أراضيها؟ هل يمكن لمنشأة دولية حل المشكلة؟
مواقع عالمية مرشَّحَة

في عام ١٩٩٠ أطلقت شركة تُدعَى بانجيا ريسورسيز — يقع مقرُّها في المملكة المتحدة — مشروعًا لتحديد مناطق بالعالم تتمتع بأفضل المقومات اللازمة لإنشاء مستودعات عميقة، ولبحث إمكانية التعاون المتعدد الجنسيات، وحدَّدَ المشروعُ الأرجنتينَ وجنوبَ أفريقيا وغربَ الصين وأستراليا كمناطق صالحة جيولوجيًّا، وانتهى إلى أن أستراليا هي أفضل المواقع من حيث الاستقرار الاقتصادي والسياسي. كانت الشركة على وشك فتح باب المناقشات مع الحكومة الأسترالية عام ١٩٩٩، عندما سُرِّبت تفاصيل إلى الصحافة وتعطَّلَ المشروع. يصف ماكوبي — الذي كان رئيس مجلس إدارة بانجيا آنذاك — هذا الحدث قائلًا: «كان رد فعل السياسيين متسرِّعًا، وقطعوا جميعَ سُبُل النقاش حتى من قبلِ أن يبدأ.» وعلى الفور حظرت الحكومةُ الأسترالية التخلُّصَ من الوقود الأجنبي المستهلَك في الأراضي الأسترالية.

ولا تزال رابطةُ التخزين الإقليمي والدولي تحت سطح الأرض، خليفةُ شركة بانجيا في هذا المجال، تبحث خيارات التخلُّص المتعدد الجنسيات من النفايات، لا سيما في أوروبا والخليج العربي وآسيا. ويقول ماكوبي — الذي يشغل كذلك منصب رئيس الرابطة — إنه يحاوِل حَشْد الدول التي تتشابه آراؤها بهدف الاتفاق على حلٍّ، وعندئذٍ يمكنها دراسة مزايا وعيوب استضافة أحد المواقع. ويقول: «نحن لا نسعى إلى الاستهداف المبكر لأي بلد محدَّد.»

يزعم المنتقدون أن ذلك المخطط سيسمح لبعض الدول بالتهرُّب من مسئوليتها عن نفاياتها العالية الخطورة. مع ذلك قد توفر منشأة دولية مزايا الحماية المتطورة، وتساعد الدول النووية الصغيرة التي لا تملك مواقع مناسبة جيولوجيًّا ضمن حدودها، وتتيح اقتسام التكاليف. وتُعَدُّ تلك النقطة الأخيرة جوهريةً بالنظر إلى تكلفة مشروع أونكالو الضخمة التي تُقدَّر بـ ٤٫٧ مليارات دولار، والتي مُوِّلت عبر ضريبة دفعتها شركات مرافِق الطاقة الفنلندية، لكن في بلاد أخرى قد تُضطر الحكومة إلى تحمُّل التكاليف.

بعد ذلك ستواجهنا مسألة مدى أمان أنظمة التخلُّص من النفايات المتاحة لدينا. تعتمد تصميمات كلٍّ من مستودعَي فنلندا والسويد على نموذج يُدعَى كيه بي إس-٣ طوَّرَتْه مؤسسة تُدعَى إس كيه بي متخصِّصة في التخلُّص من النفايات النووية، أنشأتها شركات المرافق النووية السويدية. يحيط نموذجُ كيه بي إس-٣ قضبانَ الوقود المستهلَك بكبسولات نحاسية يصل طولها إلى ٥ أمتار، وما إن تُغلَق حتى تُوضَع في حفر داخل المستودع وتُردَم الفجوات بالطين. تعتمد فكرة النموذج على أن النحاس سيقاوِم التآكُل لآلاف السنوات، بينما ستتسبَّب أية مياه تصل إلى الطين في تضخُّمه، مما يخلق حاجزًا محكمًا.

وعلى الرغم من أن إس كيه بي تزعم أن الكبسولات النحاسية ستحمي المحتويات من المياه حتى مائة ألف سنة على الأقل، ويُحتمل أن تصل المدة إلى مليون سنة، فإن بيتر ساكالوس — خبير التآكُل في المعهد الملكي للتكنولوجيا بستوكهولم، السويد — يرى الأمور على نحوٍ مختلِف؛ إذ يزعم أن نويدات مشعة بعينها تطلِق أثناء تحلُّلها أشعةَ جاما مولِّدةً حرارة؛ مما ينتج عنه ارتفاعُ درجات حرارة الكبسولات لتصل في الذروة إلى ١٠٠ درجة مئوية، ثم تبرد حتى تصل إلى ٥٠ درجة مئوية بعد ألف عام. أما ما يُقلِقه فهو أن النحاس الساخن عرضة بشدة للتآكل، ويضيف أن تحليل مؤسسة إس كيه بي لم يأخذ في اعتباره وجود غاز الهيدروجين وغاز كبريتيد الهيدروجين، واحتمال تراكُم الأملاح المسبِّبة للتآكُل على النحاس الساخن. يزعم ساكالوس أن تلك العوامل سوف تخترق المعدن بمعدل أسرع بكثير مما قدَّرت إس كيه بي، ويقول محذِّرًا: «إن أول ألف عام هي المرحلة الحرجة، على الأرجح ستنهار الحاويات النحاسية في هذه الفترة.» ويضيف أننا في حاجة إلى مزيدٍ من البحث.

ومن ثَمَّ يعمل خبراء آخَرون على تطوير حِيَل كيميائية تستطيع احتجاز النويدات المشعة الأشد خطرًا حتى في حالة تآكُل كبسولات التخزين. فيدرس فريق في جامعة ليدز بالمملكة المتحدة نوعًا من هيدروكسيد الحديد يُدعَى الصدأ الأخضر، والذي يستطيع شَلَّ حركة العناصر الخطرة؛ ومن ثَمَّ يمكن استخدامه لتبطين كبسولات النفايات. تُظهِر الاختبارات قدرته على الاختزال الكيميائي لعناصر مثل اليورانيوم والتكنيشيوم؛ إذ يقلِّل من قابليتها للذوبان، وفي بعض الحالات يدفعها إلى الاتحاد مع التركيب الجزيئي للصدأ. وفي دراسة أُجرِيت عام ٢٠١١، أظهرَ بو كريستيانسن — الذي كان يعمل وقتها جيوكيميائيًّا بجامعة كوبنهاجن بالدانمارك — أن الصدأ الأخضر في وسعه كذلك احتجاز النبتونيوم-٢٣٧، وهو نتاج ثانوي ضار جدًّا لعملية الانشطار النووي، تصل فترة عمر النصف له إلى ٢٫١ مليون سنة. لكن بما أن الصدأ الأخضر شديد التفاعل، فلا يمكن استخدامه إلا في مخزن تحت الأرض، إذا استطاع الكيميائيون إيجاد طريقة للتحكم في الظروف المحيطة والحفاظ على استقراره لآلاف الأعوام.

وعلاوةً على ذلك تهدف خطة أخرى أكثر طموحًا إلى استخدام التحلُّل الإشعاعي نفسه لتحويل النفايات إلى مواد أكثر استقرارًا؛ إذ يحاول كريس ستانيك — عالِم المواد في مختبر لوس ألاموس الوطني بولاية نيو مكسيكو — فَهْمَ التغيُّرات التي تحدث داخل النفايات النووية أثناء تحلُّلها، وينصبُّ جُلُّ اهتمامه على ما يُطلَق عليه نواتج التحلُّل من النشاط الإشعاعي — العناصر والأشكال البلورية التي يخلقها التحلل — وكيف تؤثِّر على استقرار النفايات البنيوي.
مواد صُلبة

تتمتع نواتج مثل الباريوم-١٣٧، المتكوِّن من السيزيوم-١٣٧، والزركونيوم-٩٠، المتكوِّن من الاسترنتيوم-٩٠، بأحجام وشحنات ذرية تختلف إلى حدٍّ كبير عن مصادرها الأصلية؛ وبِناءً عليه يكون في وسعها تكوين أشكالٍ بلورية بأحجام مختلفة، بل وخَلْق قُوًى تقدر على تفكيك النفايات. ويحذر ستانيك من أن مفاهيم التخزين الحالية لا تنظر جديًّا إلى هذا العامل بعين الاعتبار.

تشير أبحاثهم كذلك إلى احتمالٍ مثيرٍ، وهو إمكانية استخدام هذا التحوُّل — أو هذا التخلُّق الجانبي الإشعاعي كما يدعوه ستانيك — لمصلحتنا من أجل عكس خواص النفايات النووية. فعلى سبيل المثال، يتميَّز مركب أكسيد الزركونيوم بدرجة استقرار عالية؛ ومن ثَمَّ يُعتبَر من النواتج النهائية المستحَبَّة. وعبر تتبُّع خطوات تكوينه عكسيًّا، يزعم ستانيك وزملاؤه أن إعادة معالجة النفايات لكي يتحوَّل ما بها من استرنتيوم-٩٠ تحوُّلًا كيميائيًّا إلى أكسيد الاسترنتيوم قد تكون مفيدة؛ وبناءً على ذلك يتحلَّل الاسترنتيوم إلى نظيرٍ من نظائر الإتريوم، والذي يتحلَّل بدوره إلى الزركونيوم. ويضيف أن خلق أكسيد الزركونيوم يقدِّم مثالًا بسيطًا، لكنه يوضِّح إمكانيةَ «تصميم» أشكالٍ من النفايات يُمكِنها التحوُّل مع مرور الوقت إلى مواد مستقرة أكثر فأكثر.

لكن ربما تصبح تلك التكنولوجيا غير ضرورية إذا أمكن تحويل النفايات في معجلات الجزيئات (مجلة نيو ساينتيست، ٣٠ مايو ٢٠١٢) أو تخزينها على عمقٍ كبير تحت الأرض. ويدرس الباحثون فكرة التخلُّص من النفايات في حُفَرٍ يصل عمقها إلى ٥ كيلومترات تقريبًا، حيث تتفاعل المياه ببطءٍ شديدٍ مع طبقات المياه الجوفية؛ ومن ثَمَّ فإن أي نويدات مشعة متسرِّبة ستستغرق ملايين السنين كي تعودَ إلى سطح الأرض.

ويقترح فرجس جيب — عالم البيئة لدى جامعة شيفيلد بالمملكة المتحدة — خطوةً إضافيةً؛ إذ يقدِّر أن النفايات الأكثر سخونةً — المغلَّفة في كبسولات من التنجستن يبلغ عَرْضُها نصفَ متر — ستولِّد حرارةً كافيةً لإذابة الجرانيت، وإذا وُضِعت في قاع حفرة عميقة فستحوِّل الصخورَ حولها إلى حالةٍ سائلةٍ وستبدأ في الغوص، ومع تحرُّكها لأسفل ستبرد صخورُ الجرانيت فوقها وتتحوَّل إلى حالة صُلبة تحبس الكبسولات بالأسفل.

إلا أن خطة جيب لن تساعد في التخلُّص من النفايات الأبرد المتوسطة الخطورة، مثل المواد المخزَّنة في منجم إس ٢. وقد قرَّرَتِ الحكومة الألمانية الآن إزالةَ النفايات من المنجم؛ ومن ثَمَّ سيتوجب عليها إيجاد حلٍّ تقليديٍّ للتخزين مع خروج أول برميل، عام ٢٠٣٣ تقريبًا. لكن بالنسبة إلى الوقود المستهلَك الأشد سخونةً وتلوثًا، فإن دَفْنَه فيما يُطلِق عليه جيب «كفنًا جرانيتيًّا»، وإرساله في رحلة بطيئة بلا عودة نحو مركز الأرض، ربما يثبت أنه أنظف حلٍّ على الإطلاق.

مجلة نيو ساينتيست، العدد ٢٩٤١، الصفحات ٤٢–٤٥
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
مشكلة, الأسلحة, التخلُّص, النُّفايات:, النووية, الطاقة


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع التخلُّص من النُّفايات: مشكلة الطاقة النووية الأزلية
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
المجتمع الدولي يرفض إلزام الكيان الصهيوني بالإنضمام لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية عبدالناصر محمود أخبار الكيان الصهيوني 0 09-21-2013 06:53 AM
سفير إيراني يكشف وجود مشكلة في محطة بوشهر النووية ام زهرة أخبار عربية وعالمية 0 06-11-2013 12:40 PM
العلاقات الدولية وتدويل الطاقة النووية السلمية Eng.Jordan بحوث ودراسات منوعة 0 12-14-2012 07:34 PM
حل مشكلة إختفاء أدوات السيديا من الأعدادات + مشكلة تثبيت برامج الأنستولز Eng.Jordan الحاسوب والاتصالات 0 11-18-2012 11:57 AM
الطاقة النووية بين الايجابيات والسلبيات Eng.Jordan كتب ومراجع إلكترونية 0 05-04-2012 01:10 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 11:56 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59