#1  
قديم 04-04-2012, 02:00 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي المنظور الإسلامي للتنمية الاقتصادية








بسم الله الرحمن الرحيم



المنظور الإسلامي للتنمية الاقتصادية
الصادق المهدي
1984م



بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

بعناية الله وتوفيقه استطاعت حركة الصحوة الإسلامية المعاصرة أن تحصد ما غرس المجاهدون والمجتهدون والمجددون المسلمون عبر السنين وان ترفع لواء الإسلام عاليا في حلبة الفكر المعاصر وفي الشارع السياسي في البلاد الإسلامية. وأن تطلق نداء الإسلام مدويا في المحيط الدولي.
مع النجاح والفلاح استرد كثير من الناس ثقتهم في الملة وجددوا اعتزازهم بدين الله فدخلوا فيه أفواجا، ودخل الساحة معهم انتهازيون رأوا أن للإسلام جوادا سباقا فراهنوا عليه. ومنافقون هتفوا بالإسلام مزايدين ومتعجلين ليجهضوه. وجاهلون يحدثون في آيات الله بغير سلطان أتاهم. هؤلاء التعساء هم بعض ضريبة النجاح ولن يضروا الصحوة لأن عناية الله ترعاها ولأن الصحوة الإسلامية المعاصرة نضجت وقوى عودها وسوف تجبرهم على الاستقامة أو تعزلهم وتنجو من شرهم.
إن المسلمين اليوم أكثر اعتزازا بالملة وأكبر ثقة في أنفسهم تخلصوا ولله الحمد من مركب النفس أمام الحضارات الوافدة.
لقد استطاعت الصحوة الإسلامية المعاصرة أن تحل المعادلة الصعبة بين الأصل والعصر بما اكتشفت من قصور العصر وما اكتشفت من رحابة الدين والعلم بما عرفت من نفع العلم واتساع الإسلام لكل علم.
وبنضج فكر الصحة الإسلامية خلا الإسلام من التذرع والاعتذار والتبرير وصار يقتحم بيقين التعاليم الإسلامية (لمثالبها) الحضارات الأخرى مستفيدا من نافعها مدركا لمثالبها كاشفا لقصورها مبينا حاجتها لتعاليم الإسلام لاكتساب التوازن والاستقامة.
هذا البحث نفحة من أثر الصحوة الإسلامية المعاصرة يساهم في فكرها بما يلقي من ضوء على التنمية من منظور إسلامي.
وفي المقدمة لهذا البحث هناك شبهات ينبغي بحثها وبيان حقيقتها.
الشبهة الأولى: الفصل بين الدين والدنيا:
حضر أحد البريطانيين مؤتمرا إسلاميا في لندن ثم قال لي: "لقد أمضيت أياما في مؤتمر إسلامي. مؤتمرا دينيا، وسمعت ما سمعت من بحث في السياسة والاقتصاد والشؤون الدولية. لكنني لم أسمع شيئا دينيا. فهل هذا يعني أن الإسلام نحلة سياسية لا صلة لها بالدين كما نعرفه؟ قلت له: "لا، إن الإسلام يعني بالمسائل الروحية والخلقية كما يعنى بالمسألة الاجتماعية، وعقائد الإسلام وتعاليمه توجه الحياة في كل مجالاتها: العقائد، العبادات، الأخلاق، الأحكام، المعاملات وهلم جرا.
وإذا لاحظت أن اجتماعات المسلمين معنية هذه الأيام بالقضايا الاجتماعية فالسبب هو أن هذه الجوانب من حياة المسلمين تواجه تحديات تقتضي أن يجتمع الفقهاء والعلماء والمفكرون لبحثها وإيجاد الحل الإسلامي لها. هذا الحل مختلف عندكم في المسيحية حيث استقرت العقيدة على مقولة: ما لله لله. وما لقيصر لقيصر. فالحياة عندكم مقسمة إلى مجال قدسي ومجال دهري. هذا الانقسام كرسه التطور التاريخي في أوروبا وما أوجبه من فصل بين الدين والدولة.
إن التجربة الأوربية جزء من التجربة الإنسانية. ولكن هذا الجزء تضخم حتى كاد يغطي على الكل بسبب هيمنة الحضارة الأوربية على عالم اليوم. هيمنة تسندها قوة عسكرية واقتصادية غالبة. والمغلوب مفتون بتقليد الغالب على حد قول ابن خلدون.
إن التجربة الإنسانية أوسع من التجربة الأوروبية ولا يجوز أن نتخذ الجزء مقياسا للكل مهما كان للجزء من مال وسلاح .
لقد شاع خطأ اتخاذ الجزء مقياسا للكل وأذكر إنني كنت أناقش صديقا سودانيا أيام الدراسة، فقال لي: إذا كان الإسلام حقا يقر الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية وسائر هذه الأمور العصرية فلماذا لا نختصر الطريق وننادي بها نحن أيضا دون ربطها بالإسلام فنوفر على أنفسنا إثارة الأقليات خاصة غير المسلمين الذين يرون في الإسلام السياسي إهدار لحقوقها؟
قلت له:
أولا: إن هذه المبادئ، الحرية، العدالة الاجتماعية، التنمية، وهلم جرا لا توجد مجردة بحيث نقتبسها وكفى، فالحرية العلمانية تنبع من فلسفة معينة ولها أطر محددة مثل الإطار العلماني اللبرالي للحرية والإطار العلماني الشيوعي للحرية فأي إطار للحرية نريد؟ والتنمية الاقتصادية أيضا لها فلسفتها العلمانية ولها إطارها اللبرالي الرأسمالي. ولها إطارها الشيوعي الجماعي، فأيهما نريد؟
ثانيا: عندما نقول إن الإسلام يكفل الحرية والعدالة والتنمية وهلم جرا فإننا نفترض أن وراءها فلسفة إسلامية وإطار تتكامل فيه هذه المفاهيم مع معان أخرى تكاملا يحقق توازنا ينفرد به الإسلام، مما يجعل طريق الإسلام أشمل وأعدل وأفضل.
ثالثا: إن لغير المسلمين مخاوف مشروعة من الشعار الإسلامي، ويزيد مخاوفهم أنهم يتناولون الأمر وفي أذهانهم التجربة الأوروبية حيث خاضت الشعوب حروبا ضارية ولم تستطع تحقيق الحياة الدينية ولا كفالة الحقوق المدنية في نطاق علماني.
ولكن الإسلام يكفل الحرية الدينية والحقوق المدنية من داخله، إن ما حققته العلمانية في التجربة الأوروبية من حرية دينية وحقوق مدنية ممكن بل واجب تحقيقه في الإسلام من داخل النظام الإسلامي نفسه.
الشبهة الثانية: التشبه:
لقد استكملت أوروبا في القرن التاسع عشر الميلادي إخضاع غالبية البلاد الإسلامية لسلطانها، وكانت المجتمعات المغلوبة مجتمعات ذهب بحيويتها الاستبداد السياسي والركود الفكري وحطم معنوياتها التمزق والتواكل والقعود لذلك انبهر كثير من أهلها بحضارة الغزاة ورأوها رائعة الأداء علميا وتقنيا وافرة الثراء بفضل الثورة الصناعية. اطلع المسلمون على العصر الحديث بأعين أوروبية وبدا لهم إن أوروبا هي العصر الحديث وان العصر الحديث هو أوروبا "أوروبا هي العصر الحديث فمن أراد فليقبل أوروبا بخيرها وشرها " هكذا قال مفكرون منظرون أمثال طه حسين وفي هذا الطريق سار قادة مسيطرون أمثال مصطفى كمال. هؤلاء المفكرون والقادة عشقوا أوروبا ولبسوا جلدتها وسلخوا جلدة تراثهم ونبذوها نبذ النواة.
إن في هذا المنهج خطأين بالغين هما:-
الأول: لقد تطورت الحضارة الحديثة في أوروبا، ولكنها تطورت من أصول غير أوروبية. أصول اشترك في تكوينها كثير من الحضارات الأخرى وعلى رأسها الحضارة الإسلامية. وفي البيئة الأوروبية تعلقت بالحضارة الحديثة عناصر أوروبية ذاتية. ولكن الحضارة الحديثة نفسها يمكن بل ينبغي تمييزها من العناصر الذاتية الأوروبية واعتبارها ظاهرة إنسانية لعبت أوروبا دورا كبيرا في تطويرها. ولكنه دور رافد كبير في نهر صبت فيه وكونته روافد أخرى .
الثاني: لكل مجتمع ذاتية جماعية هي مناط حركته وقعوده، فان نهض مجتمع فإنما تستنهضه غيرة ذاتية وإحساس عميق بميزتها وكرامتها. وان مات ذلك الإحساس لا يمكن تحريك المجتمع بعوامل ذاتية داخلية . بل تصبح حركته آلية خارجية. كما تجر جسما ميتا. قال والد عنترة بن شداد العبسي لعنترة في ساعة الوغى: كر، فقال له عنترة: العبد لا يحسن الكر والفر. بل يحسن الحلب والعصر. فقال له أبوه كر وأنت حر. فاتقد حماسه وأبلى بلاء حسنا.
إن الانفتاح على الآخرين مفيد. إن الاقتباس من الآخرين ضروري ولكن ينبغي ألا يكون ذلك على حساب الثقة بالنفس والثقة بالأصل لكيلا يكون الاقتباس غرابيا:
كما فعل الغراب فضل مشيا وما بلغ القديم ولا الجديدا

لقد كانت تركيا العثمانية من أنجح الدول الإسلامية وفي ظل الإسلام بلغ الأتراك قمة مجدهم الحضاري نبوغا وعطاءا. ثم اضمحلت دولتهم وحضارتهم وافتتن قادتها بأوروبا فوقعت البلاد في التجربة الكمالية. وسر الأوربيون بالكمالية فالمثل يقول: من تشبه بك فقد أعجب بك. وليس الفكر الأوروبي الحديث يحث المسلمين في كل مكان على الخلاص من قيود التراث والاقتداء بالكمالية. ولكن بعد نصف قرن من التبجح الأجوف أخفقت الكمالية وصد الشعب التركي نفسه عنها.
إن في الحضارة الحديثة وجوها مطلوبة مثل التقدم العلمي والتقني والتنمية الاقتصادية وهلم جرا وجديرا بنا أن نعجب بها ونتطلع إليها مدركين ما علق بها من عوامل ذاتية أوروبية فنبعدها، ومدركين أن لنا كيانا هو المنوط به اللحاق بالعصر فندعمه ليتحرك واثقا من نفسه.

الشبهة الثالثة: التقليد
افتضح أمر التشبه وضعفت حجة القائلين به حتى أن عددا من أنصاره تخلو عنه[1]. ومع انحسار حجة المتشبهين قويت حجة المقلدين الذين قالوا: إن تراثنا حافل بك شيء وسوف تستقيم حياتنا تماما إذا عدنا إليه وطبقنا ما فيه. إن تراثنا مكون من نصوص ومقاصد نزل بها الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم . تلك النصوص والمقاصد صالحة لكل زمان ومكان. وبالإضافة لحقائق الوحي في الكتاب والسنة فان تراثنا يشتمل على فقه استنبطه المجتهدون من النصوص الأصلية. تراث الفقه هذا ليس ملزما لنا وعلينا أن نجتهد كما اجتهد الأوائل. لقد كانت اجتهاداتهم وسيلة مثلى لتطبيق نصوص ومقاصد الشريعة في زمانهم ثم لاسباب متعددة وقف الاجتهاد مما خلق فجوة بين الفقه والحياة . وللاستدلال على هذه الفجوة سنضرب أمثالا من الحياة الاقتصادية. لقد استنبط المجتهدون الأوائل أحكاما للملكية، والإجارة، والتجارة، والمساقاة والمزارعة. وهلم جرا. ويرى بعض المسلمين المعاصرين إننا نستطيع ترشيد حياتنا الاقتصادية بتطبيق تلك الأحكام كما هي. وآخرون ينطلقون من تلك الأحكام كمفردات ويعممون ما أنطوت عليه من قواعد ويجعلونها أساسا للنظام الاقتصادي الإسلامي.
إن استنباطات الأوائل متعلقة بظروف اجتماعية لم تعد موجودة وتغفل ظروفا جديدة لم تخطر على بالهم . هذا لا يعيبهم لأنهم إنما طبقوا نصوص الشريعة على ظروف الزمان والمكان الذي عرفوه فأتقنوا وأجادوا، أما اليوم فالأمر يوجب اجتهادا جديدا وللبرهان على ذلك إليك مثلين :
المثل الأول : قضية الائتمان:
الائتمان أي النظام المصرفي (البنوك) هو عصب الاقتصاد الحديث. ولا بد من قيام مؤسسات ائتمانية قوية (بنوك) في المجتمع الحديث. هذا الموضوع بحذافيره أي نظام المؤسسات الائتمانية جديد ولم تتداوله الأحكام القديمة. إن الائتمان الرائج في الاقتصاد الحديث ائتمان ربوي والربا محرم في الإسلام . فكيف نقيم نظام ائتمان شامل مبرأ من الربا؟ لقد قامت الآن مؤسسات مصرفيه (بنوك) تعمل بالمرابحة والمضاربة والشراكة جنبا إلى جنب مع مصارف أخرى ربوية. فهل تستطيع مصارف الشراكة المرابحة والمضاربة أن تقوم بكل المهام الائتمانية وتضع حدا للمصارف الربوية؟ هذا السؤال يثير مجموعة من التساؤلات لا جواب لها إلا بموجب اجتهاد جديد والدليل على ذلك: -
‌أ. الربا لغة هو الزيادة. واصطلاحا الربا هو كل زيادة لا يقابلها عوض في مبادرة مال بمال من جنسه. الربا هو زيادة في أصل الدين يستلمها الدائن دون مقابل سوى زيادة في المدة التي يظل فيها الدين في ذمة المدين. والربا بهذا المعنى محرم تحريما قاطعا في الشريعة الإسلامية. ويسمى هذا الربا ربا النسيئة أي التأجيل . وعندما تصدى بعض العلماء المعاصرين لتعريفه فانهم عرفوه في مؤتمر علماء المسلمين السابع المنعقد في القاهرة في عام 1972 بالآتي : الربا هو فائدة الإقراض.
هل هذا يعني قطعا إن الربا لا يشمل المعاملات التي لا ينطبق عليها أنها فائدة للإقراض مثل: سعر الخصم في مبادلة العملات الوطنية بالأجنبية؟ ولا يشمل الزيادة في البيع المؤجل؟ وغيرهما من المعاملات المالية.
‌ب. لا خلاف على حرمة ربا النسيئة، ولكن هنالك معاملة تسمى ربا الفضل أو ربا البيوع أو الربا الخفي وردت الإشارة إليها في قوله صلى الله عليه وسلم، الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة، الملح بالملح ، والشعير بالشعير، مثلا بمثل. فالذي يحدد المثلية هذه الوزن مع اتفاق الجنس؟ أم هو القيمة؟
ماذا إذا بعت طنا من الخشب بطن ونصف من صنف آخر من الخشب ؟ قال الحنفية هذه الصفقة جائزة عند الشافعية لأن قيمة النوعين من الخشب قد تختلف وعلة ربا الفضل عندهم القيمة فان اختلفت قيمة (ثمن) النوعين من الخشب يمكن أن تبيع طنا بطن ونصف. وللفقهاء الآخرين آراء أخرى عن علة التحريم . فما هو الصحيح في ربا الفضل من ناحية التحريم ومن ناحية علته؟
‌ج. تفاديا للمعاملات الربوية قامت الآن في كثير من البلاد الإسلامية مؤسسات ائتمانية (بنوك) لا تتعامل بالربا. ونظامها أن تقبل ودائع تحت الطلب (حساب جاري) وتصرفها لأمر أصحابها بلا فوائد لهم أو عليهم. وأن تقبل ودائع استثمارية وهذه تأخذ حكم المضاربة وتصرف لأصحابها ثمرات المضاربة. تدخل البنوك بما لديها من ودائع في صفقات مضاربة، ومرابحة، ومشاركة، ويوزع العائد على مستحقيه بموجب عقد المضاربة أو المرابحة أو المشاركة.
هذا النظام أوجد بديلا للإقراض بريا ونجح نجاحا ملحوظا في مجالات التجارة والصفقات القصيرة الأجل. لكنه لم يحقق بعد مرونة كافية للمستثمر ، ولم يطرق مجال الاستثمار الإنتاجي الزراعي والصناعي والتعديني بنجاح يذكر وهذه مجالات يعطيها الاستثمار الإسلامي والتنموي أولوية . كذلك لم تلتزم هذه البنوك بخطة عدالية في توزيع عائد الاستثمار بين عوامل الإنتاج المختلفة. والإسلام يوجب مثل هذه الخطة لتقوم المعاملات المالية والأنشطة الاقتصادية على أساس عادل.
ومن باب العدل اتسع مفهوم الربا في الإسلام، قال صلى الله عليه وسلم: ثلاثة وسبعون بابا أي نوعا. وقال: غبن المسترسل (الذي لا يعرف قيمة الأشياء لجهله أو لغفلته أو لأنه غريب) ربا. و إشارة لهذا المعني الواسع للربا سمي ابن عربي ( الفقيه ) كل ربح أو كسب يزيد على ربح المثل ربا. هذا معناه أنك إذا كسبت ربحا، أو أجرت منزلا بمبلغ زائد عن الربح أو المبلغ المتوقع في مثل الحالة المشابهة فالزيادة ربا. فماذا يعني الأخذ بهذا الفهم الواسع للربا في ترشيد المعاملات المالية؟
اقترح بعض العلماء وسائل تحقيق مرونة أكبر في عمليات هذه البنوك. اقترح السيد محمد باقر الصدر في كتابه البنك اللاربوي أن تعمل هذه البنوك ****له عن أصحاب الودائع وكشريكة للمستمرين وتوزع عائد العمليات على مستحقيه لا صفقه بصفقة ولكن على أساس متوسط عائد جملة العمليات. فكرة توزيع متوسط العائد على المستحقين تسمح للمؤسسة تقدير الربحية المستحقة تقديرا تقريبيا مقدما فالي أي مدى يمكن إدخال هذه النسبة التقريبية في معاملات البنوك وفي توقعات المستثمرين وأصحاب الودائع دون مساس بحرمات الله؟
وعموما، ما هي الشروط الوافية لتكون هذه البنوك سليمة بمقاييس الإسلام من حيث التوزيع العادل للعائد الاقتصادي؟ ومن حيث إعطاء أولوية للأنشطة الاقتصادية المنتجة حقا لا الطفيلية لمجرد أن لها عائدا سهلا كبيرا؟.
‌د. لقد كانت العملة المتداولة في الأيام الخوالي عملة معدنية من الذهب والفضة . وكانت قيمتها ثابتة على مر الأيام بحيث يساوي الألف دينار ألف دينار بعد عام من حيث قيمتها الشرائية .
‌ه. ولكن العملة اليوم ورقية وقيمتها متغيرة تؤثر فيها وتحددها عدة عوامل مثل سياسة الدولة النقدية والمالية . وموقف ميزان مدفوعاتها ، ومستوى الأسعار ، وهلم جرا . فالأصل في العملة الورقية الحديثة الحركة المستمرة لا الثبات . هل تقبل تعاليم الإسلام العملة الورقية ؟ وان قبلتها فكيف التخلص من الآثار الربوية المتمثلة في تعرض قيمتها باستمرار للزيادة حينا والنقصان أحيانا؟
‌و. إن سعر الفائدة ( الربا) يلعب دورا في التحكم في أمور كثيرة في ظل الاقتصاد الحديث فهو يستخدم كأداة قياس لجدوى الاستثمارات المختلفة . ويلعب دورا في التوازن بين الادخار والاستثمار. ويؤثر على حجم النقد المتداول وهلم جرا . هذه الحقائق تعني أن لسعر الفائدة في الاقتصاد الحديث ( الرأسمالي والشيوعي ) أدوارا غير دوره كعائد مضمون لرأس المال المقترض وهو دوره الاستغلالي . لذلك فان إلغاء سعر الفائدة نهائيا ينبغي أن يصحبة استنباط وسائل بديلة لسعر الفائدة ليستخدمها الاقتصاد الإسلامي الحديث فيما يستصحب من نظم الاقتصاد الحديث . فما هي تلك الوسائل؟ هذه بعض الأسئلة وغيرها كثير وهي أسئلة لا توجد لها إجابات جاهزة ولا سبيل لإجابتها إلا عن طريق اجتهاد جديد.
المثل الثاني: قضية مالية الدولة الإسلامية. هذه قضية معقدة تناولها قديما أبو يوسف في كتاب الخراج. وللاختصار لن أتناول كل جوانب مالية الدولة الإسلامية فيكفي أن نضرب مثلا لشاهدنا بالزكاة. الزكاة هي حق يؤخذ من المال الخاص ليطهره ويصرف على مستحقيه فيسد حاجتهم وبذلك يتحقق التكافل بين المسلمين. والزكاة يخرجها من بلغ ماله حد الكفاية وزاد عنه ويستحقها من كان ماله دون حد الكفاية. وكان حد الكفاية في الماضي لعائل أسرة يبلغ 40 شاة أو 5 ابل، أو 20 مثقالا من الذهب، أو 200 درهما من الفضة. حد الكفاية هذا ليس ثابتا بل يختلف باختلاف الزمان والمكان فهل لاختلافه أثر في مقادير الزكاة ؟.
ووقع اختلاف بين فقهاء الأمة حول دائرة الزكاة قبضا وتوسطا وبسطا. قال أبن عمر ليس في المال الخاص سوى الزكاة فمن أدى زكاته بمقاديرها المعلومة استحل باقي ماله.
وقال الشعبي إن في المال الخاص مؤونة سوى الزكاة.وقال أبو ذر إن على صاحب المال الخاص بذل كل ما زاد عن الحاجة .فأي هذه المواقف نؤيد؟
وفي الزكاة مسائل قديمة وأقضية جديدة لا يمكن إغفالها أذكر منها:
‌أ. هل الزكاة محض عبادة كما يرى الحنفية ؟ أم هي عبادة ومؤونة كما يرى المالكية ؟ فان من يرونها محض عبادة يستثنون مال الصبي والمجنون منها لأنهما ليسا أهل تكليف.
‌ب. وهل يكفي أن يخرجها الشخص مباشرة لمستحقيها ليتأكد من إبراء ذمته ؟ أم ينبغي أن يدفعها لولي الأمر حتى إذا كانت ذمته محل طعن؟
‌ج. وهناك اختلافات حول أصناف من المال والثمار مستثناة من الزكاة وموصوفة بأنها سريعة التلف. والذين استثنوا الخضر والفواكه قديما ماذا يقولون أمام زيادة القيمة الاقتصادية للخضر والفواكه اليوم ؟
‌د. جاء في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة إن الزكاة في خمسة أشياء هي : النعم (المواشي). الذهب والفضة، عروض التجارة، المعدن والركاز، الزروع والثمار. ولا زكاة فيما عداه.[2]ولكن الثروات الخاصة اليوم والدخول تتكون من أشياء لم ترد في هذه القائمة وهي : الأوراق المالية، الأملاك العقارية، المصانع، الأسهم، والرواتب الديوانية الشهرية. وربما حفظ الناس ثرواتهم في شكل تحف فنية أو طوابع بريد نادرة . فكيف تجرى زكاة هذه الأموال. إذا قسنا على المقادير المعروفة تجد أن الزكاة على راس المال هي 2,5 % في السنة وعلى المحصول أي على الدخل هي 5 % أ و 10 % في السنة، هل هذا يعني أن كلما هو رأس مال في الثروة الحديثة زكاته 2,5% وكل ما هو دخل مثل أجرة العقارات ودخول الديوانيين الشهرية زكاته ما بين5 إلى 10 % ؟
‌ه. زكاة الزروع والثمار هي العشر على ما كان ريه بماء السماء ونصف العشر على ما كان ريه بوسيلة يجرها إنسان أو حيوان مثل الدلو والساقية. وسبب التغليظ على ما سقاه المطر أنه ينبت دون تكاليف باهظة، و لكن اليوم نجد أن الزراعة الآلية في بلد كالسودان تكلف المزارع تكاليف باهظة جدا فهل يحق له أن يخصمها من المحصول أم لا ؟ واليوم توجد أنواع من الري لا تقاس على زينك النوعين المعروفين قديما مثل الري الانسيابي كما تروي أرض الجزيرة في السودان. مثل الري بالآلة الرافعة وهو مختلف عن الدلو والساقية لأنه يستخدم طاقة آلية بينما يستخدم في الدلو والساقية طاقة عضلية بشرية وحيوانية. فما هو أثر هذه الأنواع من الري على مقادير الزكاة ؟
‌و. زكاة النعم تشترط أن تكون سائمة أي غير معلوفة. فان كانت معلوفة فلا زكاة فيها لما يوجب علفها من جهد عضلي، ولكن الطاقة الآلية سهلت هذه المهام وخفضت تكاليف العلف وحسنت صنف المواشي المعلوفة فهل يعفى من الزكاة ذلك القطاع المتسع من الثروة الحيوانية الذي يقوم على المزارع الحيوانية ؟.
‌ز. إن حاجة الناس قد اتسعت فصارت الرعاية الصحية والتعليم من الضروريات. وتقدمت النظم العلمانية في هذا المجال فأقامت نظاما شاملا للرعاية الاجتماعية نظاما يوفر الخدمات الاجتماعية لكل الناس ويرعى الطفولة والشيخوخة ويكفل المتعطلين فهل يجوز أن يكون التكافل في النظام الإسلامي الحديث أقل منه في النظم العلمانية المعاصرة له بينما كان النظام الإسلامي في الماضي متفوقا على ما عداه سباقا إلى الضمان الاجتماعي.؟ وما أثر هذه المهام الجديدة على الزكاة؟
‌ح. لقد اتسعت مصارف الدولة الداخلية والخارجية واتسعت واجباتها الإدارية والتدريبية والدفاعية مما يوجب اتساعا في إيراداتها، بعض هذه الإيرادات توفره الزكاة ولكن كيف نوفر الباقي؟ وكيف نضبط الإيرادات الأخرى بحيث يكون أثرها على التنمية وعلى العدالة ايجاريا وبحيث تتكامل مع الزكاة؟. وكيف التوفيق بين الزكاة والضرائب المباشرة؟.
إن للزكاة دورا وللضرائب المباشرة دورا لا تستوعبه الزكاة، فالضرائب المباشرة مرنة في مقاديرها ووجوه صرفها وهي أداة تخطيط اقتصادي تستخدم لتشجيع الاستثمار في قطاع دون آخر وأداة عدالة اجتماعية تستخدم في شكل تصاعدي ضغط على الأغنياء ويخفف على الفقراء. فكيف نوفق بين الزكاة والضرائب؟ والزكاة على المسلمين وحدهم فماذا تضع على غيرهم مع مراعاة التطورات التي أوجبتها المواطنة بين المسلم وغير المسلم؟ وكيف تحسب الزكاة ديوانيا فالزكاة تقوم على السنة القمرية وكثير من انظم البلاد الإسلامية الحالية تقوم على السنة الشمسية. والتقويم الشمسي هو الأصلح للزراعة لأن فيه ضبطا للمواسم. والشمس والقمر كلاهما لمعرفة عدد السنين والحساب بنص القرآن ولكن العبادات التزمت الحساب القمري فهل توافق بين الحسابين وتستخدمها كل في مجاله أم نعتمد القمري وحده؟
من الناس من يرى أن نقيم مالية الدولية على أساس إيرادات مشاريعها المنتجة في القطاع العام وإيرادات الضرائب المباشرة وغير المباشرة في القطاع الخاص. وننظم الزكاة في شكل ديوان شعبي (أهلي) خاص بالمسلمين لجمع الزكاة وصرفها على مستحقيها.
وآخرون يرون أن الصحيح هو قيام الدولة بجمع الزكاة وصرفها على أن تنظم الدولة إيراداتها من الزكاة وغيرها للوفاء بالتزاماتها على أن تجد أساسا تتعامل به مع مواطنيها غير المسلمين يكون عادلا ويرتضونه. ورأي ثالث يريد أن تكون مؤسسة الزكاة قطاعا مختلطا رسميا وشعبيا.
فأي هذه الآراء أصلح؟.
‌ط. ومصارف الزكاة ثمانية هي التي نصت عليها آية الصدقات، فهل نقف عندها أم تزيدها قياسا عليها مثل أن نعتبر اللاجئين أبناء سبيل؟ لقد سقطت بعض وجوه صرف الزكاة فالأوائل اسقطوا منهم المؤلفة قلوبهم، والظروف أسقطت بند "وفي الرقاب" فماذا نعتمد اليوم من بنود تصرف عينا ونقدا لمستحقيها مباشرة كما كان الحال أم يمكن أن تكون في شكل خدمات فتدخل الزكاة في بنية الخطة الاجتماعية للدولة من صحة وتعليم و إسكان وضمان اجتماعي؟
هذه الأسئلة لا يجيب عليها اجتهاد جديد يقرر فيما حوله من اختلاف ويستنبط أحكاما فقهية للقضية الجديدة.
إن فقه مالية الدولة الخراج واقف عند ما قاله أبو يوسف ورصفاؤه من المذاهب الأخرى قبل ألف عام ونيف. والعودة لتلك الأحكام كما هي لتطبيقها لا تجدي بل تأتي بنتاج تهدر مقاصد الشريعة, لا بد من تطوير فقه الزكاة وفقه مالية الدولة ليكون التطبيق المعاصر وفق ثمرات ذلك التطور. لاو أي تطبيق قل ذلك التطوير يورث تخبطا بالغا.
لقد قامت حركة اجتهاد إسلامي في ميدان الاقتصاد انعقد باسمها مؤتمر أول في جدة في عام 1976 ومؤتمر ثان في السل أباد في 1982م. وساهمت في هذه الموجه الاجتهادية كتب ومقالات وندوات ودفعت بها إلى الأمام مجلات وصحف ولكنها حركة مازالت بطيئة وتعترضها المشاكل.
فالمؤتمر الأول في عام 1976 واجه مشكلة الاختصاص.
على الاجتهاد الإسلامي في ميدان الاقتصاد من اختصاص الفقهاء وحدهم؟ أم أنه يوجب اشتراك الفقهاء وعلماء الاقتصاد ورجال الخبرة في البحث والاجتهاد؟
والمؤتمر الثاني واجه مشكلة عدم الاتفاق على مفاهيم الاقتصاد الإسلامي، وعدم الاتفاق على منهج التعامل مع الفكر الاقتصادي غير الإسلامي.
الشبهة الرابعة: الاختصاص:
من أهم الامتحانات التي يواجهها الفكر الإسلامي الحديث، بيان ماهية النظام الاقتصادي الإسلامي. وأهم امتحان يواجهه النظام الاقتصادي الإسلامي هو تحقيق تنمية اقتصادية سريعة وعادلة. فكيف يكون ذلك من منظور إسلامي؟ ومن الذي يحد هذا المنظور؟ قال أحد كبار الفقهاء في المؤتمر الاقتصادي الإسلامي الأول الذي عقد في جدة في عام 1976 "إن رجال الشريعة (الفقهاء) قادرون على أن يقولوا كلمتهم في كل شيء". ونقدا لهذا الموقف قال أحد الكتاب: "ولو كان الأمر كما قال القائل لوجب، منذ الغد، أن نغلق الجامعات جميعا ومراكز البحث وغيرها مما يريد أن يبلغ شيئا من الحق. لا نبقي إلا على كلية الشريعة لأنها تعلمنا كل شيء.
هذه المسألة بالذات اعترضت سبيل التطبيق الإسلامي في إيران بعد الثورة الإسلامية فيها. فرجال الدين يعتبرون قادرين على أن يقولوا الكلمة الفاصلة في كل شيء مع أن تأهيلهم لا يتعدى المعارف التقليدية. وهذا معناه ان كل عالم أو خبير في علم أو فن مطالب دينا بتقليد الفقهاء حتى في قضايا علمه وفنه. هذا هو بعض معني ولاية الفقيه كما شرحها آية الله الخميني.
ان التكليف في الإسلام عام. والمسلمون يسعى بذمتهم أدناهم. ولا مجال للتفريق بين رجال دين وغيرهم. ان للفقهاء في الإسلام تخصيصا في الفقه وقد أوضحنا في مجال آخر كيف تطور الفقه ثم لحق به التقليد فأوقف تطوره قرونا [3]. وأثناء هذه القرون تطورت المعارف في كثير من مجالات الحياة تطورا بعيدا من الفقه فنشا علم الاقتصاد وتطور وصار له اليوم ولغيره من العلوم الاجتماعية نظريات ومراجع ومؤسسات وعلماء وخبراء وهلم جرا. هذه التطورات أحدثت ثنائية في كثير من مجالات الحياة في البلدان الإسلامية. ثنائية في الثقافة بين القديم والجديد، ثنائية في التعليم بين الشرعي والمدني، ثنائية في القضاء وهلم جرا.
ونحن نعلم كم أضرت بنا هذه الثنائية ، ولكن لا يعالجها ان تلغى الثقافة الحديثة ونحيل كل شيء لاختصاص الفقهاء. ولا ان نلغي الثقافة التقليدية ونحيل كل للمعارف الحديثة.
لا تخلصنا من هذه الثنائية إلا ثورة فكرية وثقافية تبدأ بالتعليم ومراجعة الإعلام وأدواته تعبر بنا إلى شط ثقافة واحدة أصيلة وعصرية. ولكن حتى بزوغ الفجر الجديد فان علينا أن نسعى في علاج مشكلة الفكر الاقتصادي ملتزمين بالآتي:
1) ان الشريعة الإسلامية كما جاءت في كتاب الله وسنة رسوله شاملة لنصوص ومقاصد ثابتة وصالحة لكل زمان ومكان.
2) ان الفقه الإسلامي وهو استنبطه أوائل المجتهدون من الأحكام يعبر عن فهم أولئك المجتهدين لنصوص ومقاصد الشريعة باجتهاد أدمي. هذا الفقه قابل للحركة في الزمان والمكان.
3) هذا الاجتهاد المتحرك سكن عندما استحكمت عرى التقليد المذهبي فانقطعت الصلة المستمرة الواجبة بينه وبين الحياة.
4) حفظت تراث الفقه ثقافة تقليدية, ونتيجة للغزو الفكري والثقافي الأجنبي قامت ثقافة مدنية. ثقافة مدنية بعضها نافع. ومهمتنا الآن هي أن نعيد للفقه الحياة بالاجتهاد الجديد من المصادر الثابتة. وان نستصحب النافع من الثقافة المدنية الحديثة.
5) ان فقهاءنا محتاجون لتثقيف أنفسهم ثقافة عصرية لكي يلموا بما فاتهم ولكي يفهموا البيئة الفكرية والاجتماعية المعاصرة. وان علماء الاقتصاد محتاجون لتثقيف أنفسهم إسلاميا وفقهيا ليعرفوا نصوص الشريعة ومقاصدها الثابتة وليعرفوا كيف تكون الفقه وما هي وسائل حركته؟
6) ان على الفقهاء وعلماء الاقتصاد الحديث الذين يؤمنون بصلاحية الشريعة لكل زمان ومكان أن يسدوا الثغرات في ثقافتهم وأن يجندوا أنفسهم لاستنباط نظرية وأحكام الاقتصاد الإسلامي وأن يلتمسوا من ذلك الأسس التي تقوم عليها التنمية من منظور إسلامي. ومما يجعل هذا الاجتهاد ملحا الآن أمران هما توافر الحماسة الإسلامية مما قد يؤدي لتطبيقات قبل الاجتهاد تأتي بنتائج عكسية والأمر الثاني هو تعثر نظريات وبرامج التنمية العلمانية مما أدخل كثيرا من أوطاننا في طريق مسدود, لقد قيل ما قيل عن التنمية في البلاد الفقيرة وأشير إلى رأس المال والعون الأجنبي والمواد الخام والأسواق اللازمة للتنمية. ولكن اتضح بعد تجارب كثيرة ومرة ان الاستعداد البشري والمؤسسات الاجتماعية والسياسية المناسبة هي أهم عوامل التنمية. فان وجدت تمهد السبيل إليها وان فقدت فلا ينفع رأس المال ولا الخامات ولا العون الأجنبي. ولا سبيل لتحريك العامل البشري في البلاد الإسلامية وإصلاح المؤسسات الاجتماعية والسياسية إصلاحا يقم على مشروعية يرتضيها الناس إلا إذا انطلق ذلك التحريك والإصلاح من نداء إسلامي.
7) ان التحول لنظام اقتصادي إسلامي يقتضي أولا تنظيرا واضحا ويقتضي ثانيا برنامجا شاملا ويقتضي ثالثا كادرا مؤمنا بالنظرية والبرنامج. بقدر هذا الاستعداد تكون فرص النجاح والإخفاق.
ان حركة الوعي الإسلامي المعاصر مطالبه حسبه لربها سبحانه وتعالى وإرضاءها لضميرها وإسعادا لشعوب الأمة الإسلامية بالسعي بالجد والاجتهاد لتوفير شروط التطبيق الإسلامي السليم والذي بنجاحه سيكون اقوي دعوة للإسلام لأن الأداء الاقتصادي ك***** في عهد موسى عليه السلام هو سحر القرن العشرين.
هذا البحث غرفة من هذا الحوض وقد ألقيت أهم نقاطه في محاضرة في إسلام أباد في عام 1983م. وهو بحث يعرض لمسألة التنمية وينتقد منظورها العلماني ويشير لمعالم منظورها الإسلامي ويزكيه. وغاية أملي من نشره ان يساهم في حركة الاجتهاد في مجال الفكر الاقتصادي الإسلامي وان يساهم في حماية دعوة الإسلام الحديث من الإجهاض.. والله ولي التوفيق.

الصادق المهدي



الفصل الأول
التنمية في الفكر الحديث
كل زيادة في الدخل القومي سببها زيادة في حجم الإنتاج أو في سعر المحاصيل أو ما شابه ذلك تسمى نموا اقتصاديا . فإذا صحب النمو الاقتصادي تغيرات أساسية سببها إدخال وسائل التقنية الحديثة في الإنتاج والتوزيع وتطور وسائل الاتصال و المواصلات مما يؤدي لزيادة كبيرة في إنتاجية القطاع الزراعي وزيادة حجم القطاع الصناعي فان هذا النمو المصحوب بهذه التغيرات يسمى تنمية.
لقد حدثت التنمية بهذا المفهوم في عدد من البلدان وأثبت وقائعها تاريخ الاقتصاد الحديث وتناولها الاقتصاديون بالتحليل والتنظير.
إن نظريات التنمية في الأدب الاقتصادي الحديث تستمد وقائعها وتحليلاتها من التجربة التنموية التي حدثت في أوروبا غربها وشرقها وفي أمريكا وفي اليابان.
إن تاريخ التنمية الاقتصادية بهذا المفهوم بدأ في بريطانيا حيث شهد النظام الرأسمالي فيها تطورا حثيثا أفضى إلى قيام الثورة الصناعية.
الثورة الصناعية هي التي أدخلت التقنيات الحديثة في ألانتا والتوزيع وحققت التنمية الاقتصادية في بريطانيا عبر الخطوات الآتية:
أولا: ارتفعت روح الاكتشاف العلمي والإبداع التقني تلك الروح التي انتقلت أصلا من الشرق المسلم إلى أوروبا الجنوبية ثم انتشرت في أوروبا وتمت وترعرعت وأوجدت ثورة علمية روادها الأوائل هم كبرنكس، وجاليليو، وليوناردو، وباكون، ونيوتن.
لقد اتسعت الاكتشافات العلمية في البداية ثم تبعتها الاختراعات التقنية فشهد القرن الثامن عشر الميلادي مولد اختراعات عديدة مثل تسخير طاقة البخار لتحريك الآلات. وبموجب هذا الاختراع حلت الطاقة الآلية محل القوة العضلية المحدودة وشتان بين قاطرة يدفعها البخار وعربة تجرها الخيول. و أدخلت هذه الطاقة في ألانتا والتوزيع فرفعت إنتاجية كل القطاعات الاقتصادية ووسعت الصناعات.
ثانيا: تراكمت رؤوس الأموال في أيدي رجال الأعمال البريطانيين نتيجة لما حققوا من أرباح في المناشط الاقتصادية أرباحا جنوها من عملهم في المستعمرات حيث وجدوا المواد الخام والوافرة والأيدي العاملة الرخيصة والأسواق الواسعة لشراء مصنوعاتهم.
هذه العوامل رفعت من ربحية رؤوس أموالهم وأدى تلاحق الأرباح من الأنشطة الداخلية والخارجية إلى تراكم رؤوس الأموال في أيدي رجال الأعمال.
وقامت مؤسسات مصرفية جمعت الثروات وسهلت بها عمليات التمويل الاقتصادي مقابل الفوائد الربوية واستطاع المستثمرون أن يحصلوا بفضل هذه المؤسسات المصرفية على تمويل استثماراتهم والحصول على أرباح أدت إلى مزيد من تراكم رأس المال وهلم جرا.
وذللت وسائل الاتصال والمواصلات وتطورت الملاحة عبر البحار على ظهر بواخر تعمل بالطاقة البخارية وتنقل المواد الخام والبضائع وتزيد من ربحية الاستثمارات
ثالثا: التطور العلمي والتقني زائدا الاستغلال الرأسمالي داخليا والاستغلال الاستعماري خارجيا زائدا تطور وسائل المواصلات والتمويل الحديثة تضافرت لتحدث الثورة الصناعية في بريطانيا. وعن طريق التنافس القومي والقدوة انتشرت الثورة الصناعية من بريطانيا إلى كل الأقطار المجاورة لها في أوروبا والأقطار التي استوطنها البريطانيون انتشارا متدرجا حتى عمت شمال أوروبا وشمال أمريكا ثم وسط أوروبا ثم شرقها فجنوبها.
وفيما يلي بيان زمني لمراحل انتشار الثورة الصناعية:-
1. حدثت التنمية الرأسمالية في بريطانيا في العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر الميلادي.
2. وحدثت في فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية فيما بين 1850 وعام 1875م, وحدثت في ألمانيا في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وهلم جرا.
لقد صحب التطور الرأسمالي حيثما حدث ظواهر فكرية واجتماعية واضحة المعالم هي:-
1. تردي نفوذ الكنيسة ورجال الدين ترديا بدأ بصراع داخلي قاده مارتن لوثر.
2. ضمور القيم التقليدية الروحية والخلقية ضمورا أفسح المجال لانتشار الناسوتية (وهي مفاهيم تنسب الأمور لقدرات الإنسان الذاتية ) والعلمانية (وهي مفاهيم تدير قفاها للغيب وتنسب الأهمية للعالم المشاهد في الزمان والمكان)
ومن الناحية الاجتماعية صحب التطور الرأسمالي درجة عالية من الاستغلال الداخلي للطبقات الدنيا استغلالا صورته بدقة روايات شارلس دكنز. ودرجة عالية من الاستغلال الخارجي مارسه الاستعمار وحلله كثير من الكتاب مثل هيسون.
لقد نجح التطور الرأسمالي نجاحا باهرا في زيادة الإنتاج وفتح الأسواق وخلق الثروات. ولكن ما صحبه من ظلم اجتماعي استغلال داخلي وخارجي أثار نقدا ورفضا. وكان أقوى نقاده وأكثرهم رفضا المفكر الألماني كارل ماركس.
لقد درس كارل ماركس منجزات وإخفاقات الرأسمالية هاله ما فيها من إهدار للعلاقات الإنسانية واستبدالها بعلاقات نفعية خالصة وكان واسع الاطلاع ملما بالفكر والبيئة الاجتماعية الأوروبية فألف بين فكر فلسفي ألماني . وفكر اجتماعي فرنسي ، وفكر اقتصادي بريطاني مازجا ذلك الفكر في بوتقة جديدة وداعيا إلى نحلة سماها الاشتراكية العلمية.
فيما يلي بيان لشجرة النسب الفكري للماركسية :
1. هيجل: استمدت منه الماركسية فكرتين هما: -
الأولى: الجدلية التي تقول ان التطور يحدث لقاح بين نقيضين.
الثانية: فكرة ان الإنسان هو صانع مصيره عبر تاريخه الاجتماعي.
2. فيورباخ: استمدت منه الماركسية فكرة أن حقيقة الوجود مادية، ما ليس ماديا فلا وجود له في الواقع.
3. سان سيمون: استمدت منه الماركسية فكرة أن تاريخ الإنسان هو سلسلة صراع مستمر بين الأغنياء والفقراء.
4. ريكاردو: ومنه استمدت كثيرا من فكرها الاقتصادي وأهم ما في ذلك فكرتان هما:-
الأولى: فكرة فائض القيمة. والثانية: فكرة قانون الأجور الحديدي.
هذه الأفكار راجت في البيئات الأوروبية الألمانية والفرنسية والبريطانية فهل منها ماركس ونسج منها من خامتها نظرية كاملة فسر بها حياة الإنسان وحركة المجتمع وتطور التاريخ. كان ماركس معجبا بداروين مؤيدا لنظريته حول التطور البيولوجي وكان يعتبر نظريته تفسيرا كاملا لتطور الإنسان الاجتماعي مثلما كانت نظرية داروين تفسيرا لتطوره البيولوجي.
وجوهر النظرية الماركسية هو أن المجتمع الإنساني بدأ بمرحلة بدائية تطورت عن طريق الصراع الطبقي فنشأ الإقطاع الذي تطور بفعل الصراع الطبقي فأدي إلى الرأسمالية. وان الرأسمالية سوف تتولد منها حتما الاشتراكية فالشيوعية. وهذه المراحل تحكمها قوانين اجتماعية لازمة بحيث تتداعى الخطى ويلد المجتمع السابق المجتمع اللاحق حتما.
لقد وصفنا خطوات التطور ا لرأسمالي واستنادا ليها اشتق مفكرون نظريات حول التطور الرأسمالي ومراحله. رفضت الماركسية تلك النظريات واستبدلتها بنظريتها هي حول تطور المجتمع الإنساني.
ومهما وجدنا من نظريات للتطور الاجتماعي والتنمية في الأدب الاقتصادي الحديث فأنها لا تخرج عن كونها مشتقة من نظرية التنمية الرأسمالية أو نظرية التنمية الشيوعية.
ومع ان النظريتين مختلفتان في كثير منا لجوانب فأنهما متفقتان في جوانب هامة هي:
‌أ. كلاهما تنظير لوقائع تجربة أوروبية.
‌ب. كلاهما يفترض وجود مجتمع تقليدي سابق للتنمية تهدمه التنمية وتقوم بعد تحطيمه على أنقاضه.
‌ج. كلاهما يفترض أن يصحب التنمية امتثال المجتمع لقيم ومفاهيم علمانية تجز الناس جرا من العقائد الغيبية ومفاهيمها إلى العالم المشاهد.
‌د. الرأسمالية هي اليوم أيدلوجية الغرب يساندها بنفوذه ويحميها ويحاول نشرها في كل أنحاء العالم كأداة من أدوات تمدده الحضاري ونفوذه. والشيوعية بعد إضافات لينين هي اليوم أيدلوجية الشرق يساندها بنفوذه ويحميها ويحاول نشرها في كل أنحاء العالم كأداة من أدوات تمدده الحضاري ونفوذه.
الرأسمالية والشيوعية كلتاهما وليدة بيئة أوروبية معينة طبعتهما بطابعها وغرست فيهما فكرا وظروفا اجتماعية وتاريخية أوروبية. وكلتاهما تقف في المحيط الدولي وسيلة استقطاب وانتماء وتجنيد لمعسكر عالمي تقف وراءه قوة اقتصادية هائلة وقوة عسكرية ماضية.
‌ه. كلتاهما تربطان التنمية بقيادة طبقة اجتماعية معينة فالرأسمالية تربطها بالطبقة الوسطى. والشيوعية تربطها بطبقة العمال .
‌و. ان الاقتصاد كعلم متأثر كثيرا بعوامل سياسية لذلك نرى أن كثيرا من علماء الاقتصاد الغربيين يعتبرون التجربة الرأسمالية مقياسا عالميا ويتوقعون أن تسير البلدان المتخلفة المتطلعة إلى التنمية في نفس الطريق، هذا الافتراض يدل على أن التجربة الأوروبية لونت نظرتهم ، وهو افتراض خاطئ للأسباب الآتية:
أولا: مفاهيم الاقتصاد الرأسمالي تفترض وجود اقتصاد تحكمه ظروف السوق وفيه مقدار من الحرية الفردية وفيه تعمل عناصر العرض والطلب دون مؤثرات خارجية وفيه توظيف كامل أو شبه كامل لعوامل الإنتاج.هذا النوع من الاقتصاد غير موجود في البلاد المتخلفة.
ثانيا: العوامل غير الاقتصادية الثقافية والاجتماعية والقيم الخلقية التي تسيطر على المجتمعات غير الصناعية عوامل تلعب دورا ايجابيا أو سلبيا في قبول أو رفض النظم الاقتصادية الرأسمالية المراد إدخالها ولكن كثيرا من نظريات وخطط التنمية الرأسمالية تغفل دور هذه العوامل فتجد نفسها معزولة من الواقع الفكري والاجتماعي.
‌ز. كذلك يعترض الماركسيون عالمية نظرياتهم وانطباقها على كل المجتمعات بحيث:-
· يعطون الظروف التاريخية الأوروبية التي أحاطت بمولد النظرية الماركسية وزنا عالميا فما حدث في أوروبا في الماضي يمثل مستقبل ما سيحدث في غيرها.
· ويعتبرون أن التطور الاقتصادي الصناعي في المجتمع سوف يؤدي حتما لتغيرات في الأفكار والقيم. فالاقتصاد هو الأساس والأفكار والقيم هي البناء الفوقي تابع للأساس دائر معه حيث يدور.
ان ما يتوقعه الفكر الأوروبي والأمريكي الحديث الرأسمالي منه والشيوعي لمستقبل البلاد المتخلفة لن يتحقق للأسباب الآتية:-
‌أ. ان التطور الرأسمالي في أوروبا تطور حكمته ظروف خاصة بأوروبا ولن تتكرر كما هي في غيرها من المجتمعات. لا في محتواها الفكري ولا الاجتماعي.
‌ب. ومهما كان تعريفنا للتنمية ومهما كانت خطتنا لإحداثها رأسمالية أو شيوعية فإنها تقتضي إدخال عوامل جديدة على المجتمع المرشح للتنمية. والمجتمعات المرشحة للتنمية هذه لا تتساوى في استقبالها للجديد فمنها ما قد تقف عقائده وعاداته وثقافته حائلا منيعا دون أي تجديد . ومنها ما قد تكون عقائده وعاداته وثقافته أكثر ترحيبا بالجديد.
‌ج. كل خطة لتطوير نجتمع أو تنمية يفوتها أن تأخذ في حسبانها وقع ذلك المجتمع الثقافي والاجتماعي ستجد افتراضها وتحليلاتها معلقة في الهواء.
لهذه الأسباب مجتمعه ضلت تحليلات وخطط الاقتصاد الحديث الرأسماليون والشيوعيون في البلاد المخلفة وأخفقت إخفاقا ملحوظا في تحقيق مقاصدها التنموية .لقد لاحظ بعض المفكرين هذه الحقيقة وأشاروا إليها، لاحظها سلطان قالييف في الاتحاد السوفيتي ولكن ستالين لم يسمع لنصحه وأقصاه. ولاحظها قونار ميردال السويدي وأشار إليها في كثير من كتاباته خاصة كتابه عن الهند الذي سماه محنة آسيوية.
ورغم هذه التنبيهات فسوف تظل النظريات والتحليلات الخاطئة تفرض على البلاد المتخلفة لأنها تستند إلى قوى دولية تقف وراءها بقوتها الاقتصادية والإعلامية والعسكرية. صحيح ان بعض البلدان حققت نجاحا تنمويا في ظل هذه النظريات مثلا: التنمية الشيوعية التي حدثت في آسيا الوسطى، والتنمية الرأسمالية التي حدثت في هنج كونج وفي كوريا الجنوبية. ولكن اذا فحصنا هذا النجاح التنموي لوجدنا أنه تحقق في ظل تبعية تامة لإحدى الدول الكبرى تبعية آسيا الوسطى للاتحاد السوفياتي وتبعية هنج كونج وكوريا الجنوبية للغرب.
ان الموقف الدولي الراهن يضع البلاد المتخلفة أمام خيارين لا ثالث لهما:-
أحداث تنمية قي ظل التبعية التامة أو قفل باب التنمية والمحافظة على التراث مثل يمن آل حميد الدين أو عمان سعيد بن تيمور.
هذا خيار بين إلغاء الأصل للحاق بالعصر أو إلغاء العصر للمحافظة على الأصل. وكثير من الناس قبلوا حتمية هذا الاختيار واختاروا احد المصيرين المؤلمين. ولكن هنالك خيار آخر، خيار تمثله وتنادي به الصحوة الإسلامية المعاصر فما هو؟ سنوات عديدة من الاجتهاد والدعوة أدت إلى زيادة الوعي بتعاليم الإسلام وسنوات عديدة من العدوان الخارجي السياسي والفكري والثقافي أدت إلى إيقاظ الوعي بالذات والأصل.
وسنوات عديدة من مشاهدة تأزم المجتمعات الأوروبية والأمريكية أزمات سببها تطرف الفردية في الغرب، وتطرف الجماعية في الشرق، وإغفال القيم الروحية والخلقية في كليهما. والتنمية غير الموزونة التي أسرعت بزيادة معارف الإنسان العقلية وقدراته التقنية وأهملت حاجاته النفسية هذه العوامل اقتنعت كل من كان له قلب أو إلى السمع بأن التنمية الرأسمالية أو الشيوعية ،حتى إذا نجحت تقود إلى طريق مسدود.
الوعي الإسلامي، والوعي بالذات، والصد عن المحاكاة مع الاقتناع بضرورة التنمية، وحتمية اللحاق بالعصر، هي العوامل التي أدت إلى بزوغ شمس الصحوة الإسلامي المعاصرة. والسؤال الذي ألح على رواد الصحوة الإسلامية هو: ما هو المنظور الإسلامي للتنمية.

ال



فصل الثاني
الإسلام والتنمية

لا ثنائية في الإسلام بين الديني والدنيوي وعالم الغيب وعالم الشهادة هما جزء من خطة الأهمية واحدة.
والوحي الإسلامي يتحدث من داخل ومن خارج التاريخ الإنساني حديثا يكمل بعضه بعضا ويتجه إلى هدف واحد. والنبي صلى الله عليه وسلم بنفسه يجسد هذا الدمج بين عالمي الغيب والشهادة فهو بشر كامل البشرية (عالم الشهادة) وهو متلقي الوحي من عالم الغيب.
وأوضح تعبير عن الهدف الإيماني الواحد الذي يتجه نحوه الغيب والشهادة ورد في قوله تعالى: ( وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون)[4].
لقد أوضح الوحي الإسلامي ان للإنسان دورا في الكون خصه الله به وكرمه من أجله وكلفه بواجباته التي تفرض على الإنسان سعيا مستمرا ف يكل نواحي الحياة للرقي الروحي والخلقي والمادي والاجتماعي. هذا السعي الدائم بكل الوسع وفي كل المجالات وبكل الوسائل هو الجهاد.
الجهاد هو بذل الوسع كله وبكل الوسائل وفي كل المجالات لنقل الإنسان والمجتمع من واقع حاله إلى الحال الأمثل الذي أراده له الله سبحانه وتعالى.
ان لهذا الحال الأمثل مقتضيات كثيرة ومن مقتضياتها إدراك ان ثروات هذا العالم الطبيعية مسخرة للإنسان لاستغلالها وإشباع حاجاته المعيشية والاجتماعية. وكل وسيلة أكتشفها الإنسان أو اخترعها. وكل قوى سخرها، وتقنيات استعان بها، ونظم اتخذها، وتجارب تعلم منها، تساعد في هذه الغاية ولا تعارض المثل الروحية والخلقية مشروعة بل واجبة لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ان رسالة الإسلام جامعة. قال تعالى: (وما أرسلناك إلا كآفة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون)[5].
هذا التوحيد الجامع ينقي عن الرسالة الإسلامية الانطواء ويضعها في جبهة الدنيا وفي فمها ويفتحها على كل التجربة الإنسانية لتصحيح أخطاء تلك التجربة وتتم ناقصها وتستصحب نافعها.
وتمهيدا لبحث التنمية من المنظور الإسلامي سوف أستعرض شروط التنمية كما يحدها الأدب الاقتصادي الحديث ونوضح حالة البلاد المتخلفة واستحالة تحقيقها لتلك الشروط في ظروفها الحالية.
شروط التنمية الاقتصادية المتفق عليها في الأدب الاقتصادي الحديث هي: أن ترتفع نسبة المال الموجه للاستثمار فتصبح أكثر من 10 % من الدخل القومي. وأن تكون نسبة رأس المال للإنتاج العائد منه منخفضة لكي يؤدي الاستثمار للنمو. وان تكون نسبة زيادة السكان محدودة لكي يرتفع دخل الفرد مع الدخل القومي .وان يكون البلد المعني بالتنمية مستقلا اقتصاديا لكيلا تغّرب الثروة.
وبقدر القبض والبسط في هذه الشروط تتأثر حركة التنمية سرعة وبطنا.
التجربة الأوروبية الغربية حققت تنمية رأسمالية سريعة عندما اجتمعت العوامل الآتية: وجود دولة قوية تسندها طبقة اجتماعية قوية ويحفزها تنافس قومي جاد.
الدول التي بدأت تنميتها متأخرة وجدت الحاجة لمزيد من التشدد في تطبيق شروط التنمية لاختصار الزمن ولكي تحمي نفسها من السيطرة الاقتصادية الدولية التي فرضتها البلاد التي سبقتها إلى التنمية واستطاعت بموجب ذل السبق أن تتحكم في المعاملات الدولية.
هذا التشدد حدث في اليابان وحدث بطريقة أكثر وضوحا في الاتحاد السوفيتي . لقد اندفع ستالين بالعقيدة الشيوعية وبالغيرة الوطنية التي أوجبت طرد النفوذ الأجنبي من بلاده. واستند على الحزب الشيوعي كقاعدة طبقية وحقق التنمية السوفيتية في زمن قياسي وبوسائل قاسية.
فإذا التفتنا إلى حال العالم الثالث اليوم لوجدنا أن كل دولة تحاول تحقيق التنمية الاقتصادية في ظل نظم سياسية هشة. فلا الدولة قوية ولا الدوافع الفكرية واضحة ولا السند السياسي متين. وفوق هذا كله فان نظمها الحاكمة غالبا ما تكون مكبلة بقيود التبعية الأجنبية.
إليك بيان حالها:-
1. عندما انهارت الإمبراطوريات الحديثة البريطانية والفرنسية والإيطالية خلفتها كيانات سياسية هي الدول حديثة الاستقلال . هذه الدول اقتبست نظامها السياسي من الدول المستعمرة وأقامت في أوطانها نظام الدولة القومية.
ان افتراض أن هذه الكيانات هي دول قومية بالمفهوم الأوروبي افتراض خاطئ. فبناء الدولة فيها متخلف ومفكك وتركيبها القومي ناقص .لذلك تعرضت هذه الكيانات لعوامل ضعف داخلية أنهكتها وصارت فضل الضعف الداخلي وأطماع القوى الدولية في ثرواتها فريسة للقوى الدولية التي أحاطت بها وجردت استقلالها من حقيقته وربطتها بها. لذلك تعرضت هذه القيادات لعوامل ضعف داخلية أنهكتها وصارت بفضل الضعف الداخلي وأطماع القوى الدولية في ثرواتها فريسة للقوى الدولية التي أحاطت بها وجردت استقلالها من حقيقته وربطتها بها.
لقد أقام لنظام الدولي الراهن مؤسسات دولية مثل هيئة الأمم المتحدة التي يربطها ميثاق يوجب احترام سيادة واستقلال الدول الأعضاء والدول الحديثة الاستقلال كلها أعضاء في هيئة الأمم المتحدة. ولكن القوى الدولية أقامت نظما هيمنت بها على الدول حديثة الاستقلال وجعلت استقلالها وهميا. ان للدول الكبرى الآن مؤسسات وأجهزة خفية تمكنها من خرق مواثيق الأمم المتحدة والسيطرة على الدول الصغيرة خرقا حقيقيا بينما تدعي ظاهريا احترامها لتلك المواثيق. ونتيجة للضعف الداخلي والتبعية الخارجية فان غالبية نظم الحكم في بلدان العالم الثالث تحكم شعوبا مغلوبة على أمرها مما يطعن في مشروعيتها فلا تبقى في الحكم إلا بالقهر، والقهر يعني امتناع الشعوب من التجاوب مع حكوماتها ويعني إقامة الحكومات أجهزة قهر طاغية. هذه الأجهزة تكلف النظم الحاكمة مالا كثيرا. تصرف هذه النظم حصة كبيرة من دخل بلادها القومي تتراوح ما بين 10 % إلى 15 % على أجهزة القهر ووسائله.
هذه النظم تمارس القهر وتصرف عليه مبالغ طائلة، وفي الوقت نفسه تجبرها عزلتها على شراء الولاء السياسي. شراء يكلفها التوسع في الصرف السياسي والإداري والدعائي فترتفع حصة المصروفات غير المنتجة وحصة المرتبات غير الضرورية في ميزانية الدولة.
لقد صارت المرتبات والأجور في هذه الميزانيات تبلغ ما بين 60 % و 80 % من الميزانية الجارية. وجزء كبير من هذه الرواتب والأجور لا داعي له ولا يبرره إلا شراء الولاء السياسي.
هذا النهج الأخطل تردت فيه نظم كثيرة في العالم الإسلامي بعضها يميني وبعضها يساري ولكنا اتبعت هذا النهج لأسباب متطابقة وهو نهج ضار بالتنمية من وجهين:-
الوجه الأول: يبدد جزءا كبيرا من الموارد المالية في صرف غير منتج مما يعني الانحراف بها عن الصرف على الأعمال المنتجة.
الوجه الثاني: تبديد المال على الترهيب والترغيب ربما حقق بعض الحماية السياسية للنظام، ولكنها حماية جوفا ء لأن مقاومة المجتمع في هذه الحالة تأخذ طابعا سلبيا، النكات الساخرة. الإشاعات الناقدة، والتسيب في العمل، والإهمال، والاغتراب، وغيرها من وسائل التعبير عن السخط دون تعريض سلامة الإنسان الشخصية لأجهزة القهر الساهرة.
2- الطبقة الوسطى هي المناط بها تاريخيا مهمة القيام بالتنمية الرأسمالية . لقد أعجب الفكر الغربي بنهج مصطفى كمال لأن فيه تحالفا بين ضباط ومثقفين وديوانيين ورجال أعمال، تحالفا يمثل الطبقة الوسطى ويمكنه أن يقوم بدورها التنموي.
ان الإيمان بحتمية هذا الدور وتوقع الطبقات الوسطى في آسيا وأفريقيا أن تتصرف اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا تصرفا مشابها لتصرف الطبقات الوسطى الأوروبية منذ قرن ونيف هذا الإيمان وهذا التوقع يدلان على أن الفكر الأوروبي محصور في تجاربه الذاتية يقرأ مستقبل الآخرين في ماضيه. ولكن الواقع الراهن يقول ان السوق العالمية بتكوينها الحالي تؤثر أثرا قويا وسلبيا على سلوك الطبقات الوسطى في بلاد العالم الثالث وتحيلها إلى مجرد وكالات.
وواجهات في خدمة الشركات العالمية . ويؤثر في هذه الطبقات الوسطى أيضا تأثيرا قويا وسلبيا سياسات النظم التي تحكمها وهي نظم غير مستقرة تشتري الولاء السياسي لنفسها بما تمنح من امتيازات وقروض ورخص لمحاسيبها فتحرم ذوي الكفاءة وتحابي عناصر طفيلية لا تحسن استخدام الموارد المالية المتاحة لها.
لقد اتبعت المجتمعات الأوروبية أثناء نهضتها التنموية نمطا من الحياة خاليا من الترف الإسراف. ولكنها بعد ذلك دخلت في مراحل أخرى وأقامت مجتمعات استهلاكية مسرفة مستسلمة للهوى والشهوة. وافتتنت الطبقات المالكة والوسطى في العالم الثالث بهذه الحياة فأخذت تبدد أموالها في محاكاة الترف الغربي.
والطبقات المثرية في بلاد العالم الإسلامي طبقات خائفة أفزعتها التأميمات والمصادرات العشوائية وأخافها عدم الاستقرار السياسي فهرعت تهرب أكبر قشط من أموالها إلى الخارج. لذلك لم تستطع أن تلعب دورا استثماريا في بلادها بحجم ثروتها.
هذا كله يعني أن الطبقات الوسطى في العالم الثالث والعالم الإسلامي أن تلعب دورا مماثلا لدور الطبقات الوسطى الأوروبية والأمريكية في التنمية الرأسمالية. أما النظم اليسارية في العالم الثالث فقد رفعت شعار الاستناد إلى الطبقة العمالية وهي طبقة صغيرة الحجم في البلاد المتخلفة. لذلك لجأت النظم اليسارية إلى إقامة تحالف من عدة طبقات ونظمت أحزابا لقيادة ذلك التحالف. وكان التحالف اصطناعيا فوقيا حكمت باسمه نظم استبدادية ووعدت باسم التحالف التقدمي هذا بحقيق تنمية اشتراكية سريعة وعادلة . ولكن كل هذه الشعارات والادعاءات لم تثمر شيئا بل أقامت حكومات صفوة معزولة من شعوبها قاهرة لها باسم الاشتراكية . وباسم الاشتراكية مبددة أموال الشعوب على أجهزة الأمن والدعاية الكاذبة وعلى الصرف السياسي لشراء الذمم وتمكين المحاسب من حياة ناعمة لم يبذلوا في سبيلها جهدا ولا اجتهادا.
3- قال المؤرخ البريطاني هيوتر فر روبر أستاذ التاريخ بجامعة أكسفورد: "لقد هيمنت أوروبا على العالم في الخمسة قرون الماضية بحيث صار تاريخ العالم أثناءها هو تاريخ أوروبا".
هذا الاعتقاد كامن في نفوس كثير من الأوروبيين ويفسر ما يدنه من امتياز ويبرر لهم التوزيع الخالي لموارد الدنيا ودخلها. جاء في تقرير برانت3. الوصف الآتي لتوزيع الدخل العالمي: "الشمال وهم يضم الغرب وأوروبا الشرقية يسكنه ربع سكان العالم ويحصل على أربعة أخماس الدخل العالمي. بينما يضم الجنوب ثلاثة أرباع سكان العالم ولكنه يحصل على خمس الدخل العالمي."
كانت العلاقات بين بلاد الشمال وبلاد الجنوب تقوم على أسس غير متكافئ وكل المحاولات التي بذلت لتصحيح ذلك مثلا تقرير بيرسون وتقرير برانت - على محدوديتها وقعت على آذان صم.
ان المؤسسات الاقتصادية والمالية والتجارية والنقدية العالمية الحالية مثل: البنك الدولي ن وصندوق النقد الدولي، والهيئة التجارية العالمية . وغيرها من مؤسسات دولية اسما لأنها في الحقيقة واقعة تحت سيطرة واحدة أو أكثر من الدول الغنية وموجهة لخدمة مصالحها في المكان الأول.
لقد كشف بيان عروشا[6] الصادرفي تنزانيا في عام 1980 ماهية هذه المؤسسات وأوضح بالحقائق والتحليل الموضوعي أنها ليست دولية بالمعنى الحقيقي، ولا موضوعية في تحليلاتها وتصرفاتها، ولا محايدة فكريا بل منحازة للنظام الرأسمالي.
ان النظام الاقتصادي والمالي والنقدي الدولي الراهن نظام همه الأساسي أن يربط الدول الصغيرة به وأن يسخرها لأغراضه ، لذلك لا يرجى لهذه الدول الفقيرة طفرة تنموية في الحضانه.
ان التاريخ يؤكد أن الدول ا لتي استطاعت أن تحقق طفرة تنموية في الماضي مثل أمريكا، واليابان، والاتحاد السوفيتي، حققت طفرتها التنموية بعد أن حررت نفسها من التبعية للنظام الاقتصادي الدولي السائد يومئذ.
ان النظام الاقتصادي الدولي الراهن أكثر تحضرا وتهذيبا من سلفه الذي كان سائدا قبل قرن من الزمان ولكنه مع تهذيبه أكثر فاعلية في إجبار الدول النامية الحالية على الامتثال له والاحتفاظ بنصيب قليل من مكتسباتها المادية والسماح بتقريب الجزء الأكبر من ثرواتها.
والصورة اليوم هي ان ميل ميزان المدفوعات لصالح الدول الصناعية الغنية، وسداد أقساط القروض وفوائد الديون، وتحويل أرباح الشركات الأجنبية، وثمن استيراد المعدات والخبرات، وغيرها من المدفوعات أعادت الصورة القديمة عندما كان العالم الغني القوي يستغل ثروات المستعمرات، فالموقف الآن هو أن حجم المال المتدفق بموجب المجموعات المشار إليها من الجنوب الفقير إلى الشمال الغني أكبر كثيرا من حجم المال المتدفق في الاتجاه الآخر أي من الشمال إلى الجنوب.
لقد توقع كثير من الناس أن تستخدم الدول المنتجة للنفط موقعها الممتاز الذي تحقق في السبعينات للضغط على دول الشمال الصناعية وإقناعها بتعديل النظام الاقتصادي العالمي ليكون أكثر عدلا وأكثر تشجيعا للتنمية في دول الجنوب الفقيرة, لقد استفادت دول الغرب الصناعية فائدة كبرى من تدني أسعار النفط الخام حتى عام 1970م, وبفضل هذه الأسعار النفطية المتدنية حققت الدول الغربية الصناعية "معجزة" التعمير الاقتصادي الذي حققته بعد الحرب العالمية الثانية, لقد كان دور أسعار النفط الزهيدة في تحقيق المعجزة أكبر كثيرا من دور مشروع مارشال.[7]
ولكن منذ أن زادت سيطرة البلاد المنتجة للنفط في بداية السبعينات علي سياسة إنتاج وتسويقها نفطها بدأت الأسعار تحقق ارتفاعا كبيرا، هذا الارتفاع في أسعار النفط الخام أقلق الدول الصناعية المستهلكة للنفط وظهرت آراء تنادي بمراجعة العلاقات التجارية الدولية كلها على أساس جديد ترتضيه كل الأطراف ويضع قاعدة لتسعير النفط الخام ولتسعير المصنوعات التي تنتجها الدول الصناعية ,وتسعير المواد الخام التي تنتجها الدول الفقيرة، وفي هذا الاتجاه تقدمت الحكومة الألمانية الغربية في عام 1977 بمقترحات محددة ولكن وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر رفض هذه الآراء وقال: ان منظمة الأوبك [8].ذا قوة وهمية وستزول قوتها وينبغي الامتناع وعدم الربط بين أسعارها وأسعار المواد الخام.
لقد استطاعت الولايات المتحدة أن تشجع عوامل التفكك داخل منظمة الأوبك . وتعرضت الدول الأعضاء في أوبك لطائفة من المؤثرات: فالأموال التي تكدست في أيدي البلاد المنتجة للنفط نتيجة ارتفاع أسعار النفط الخام انتقلت بأحجام كبيرة إلى البلاد الغربية ثمنا لمشتروات عقارية واسهم اشترتها حكومات البلاد المنتجة لنفط ومواطنوها في أوروبا وأمريكا: وأغرقت السلع المصنوعة في أوروبا وأمريكا سوق البلاد النفطية فأصبحت سوقا استهلاكية مفتوحة للواردات من كل صنف. حرصت البلاد الصناعية الغنية على استرداد الأموال التي دفعتها للبلاد المنتجة للنفط بكل الوسائل بما في ذلك الدخول معها في صفقات تجارية مشبوهة هدفها الأساسي استرداد الأموال من البلاد النفطية إلى البلاد الصناعية.
تضافرت العوامل الآتية :
· ضعف المنظمة (أوبك) الداخلي.
· تغريب جزء كبير من ثروة البلاد المنتجة للنفط.
· قيام علاقات مالية وتجارية غير متكافئة بين البلاد المنتجة للنفط والبلاد المستوردة له. تضافرت هذه العوامل لإضعاف أوبك ومنع أعضائها من استخدام قوتهم الاقتصادية لتحقيق نظام اقتصادي عالمي جديد.
لقد ضعفت الاستجابة لهذا النظام الاقتصادي العالمي الجديد وأعلن الرئيس الأمريكي رونالد ريجان في خطابه في مؤتمر الحوار بين الشمال والجنوب الذي عقد في المكسيك في عام 1982 ما يؤكد صدوده عن فكرة نظام جديد.
قال ريجان في خطابه: ان النظام الاقتصادي والمالي والتجاري العالمي الراهن باق كما هو, وأن على الدول الفقيرة أن تجتهد في إطاره.
ثم تحول موقف منظمة ( أوبك) من القوة إلى الضعف. ضعف كرسه التنافس بين أعضاء المنظمة ومراعاة بعضهم للمصالح الغربية مما دفعهم إلى زيادة في ضخ النفط تفوق الطلب له في السوق العالمي.
هذه الزيادة في عرض النفط في السوق العالمي.
هذه الزيادة في رض النفط في السوق العالمي لحقت بها عوامل أخرى هي:-
· ترشيد استهلاك النفط في البلاد الغربية .
· تدني الطلب للنفط بسبب الكساد الاقتصادي في البلاد الصناعية.
· وجود مخزون احتياطي من النفط في البلاد الصناعية.
لحقت هذه العوامل بزيادة العرض المشار إليها فادى ذلك إلى التخمة في سوق النفط أي تفوق كمية النفط المعروض في الأسواق العالمية على الطلب له. هكذا انتقلت أوبك وأعضاؤها من القوة للضعف وضاعت من العالم الثالث إحدى وسائل الضغط على البلاد الصناعية الغنية لمراجعة النظام الاقتصادي العالمي الراهن.
5. لقد دفعت بلاد العالم الثالث وخاصة المنتجة للنفط أموالا طائلة لاستيراد التقنية (التكنولوجيا) من البلاد الصناعية في المجالين المدني والعسكري. ولكن المصانع والأجهزة والمعدات المستوردة هذه معقدة جدا ومشتراة على أساس أنها آخر أطوار التقدم العلمي والفني ومشتراة على أساس تسليمها جاهزة للمستورد . هذا يشبه ان تصطاد لي السمك بوسيلة معقدة لا أفهمها بدل أن تعلمني اصطياد السمك بوسيلة أستطيع استيعابها.
ان المطلوب هو تطوير تقني (تكنولوجي) في البلاد الفقيرة يلائم ظروفها ويثبت جذوره في أرضها لكي ينمو نموا حقيقيا في البيئة الجديدة . ان النمط الحالي لاستيراد التكنولوجيا في كثير من البلاد الفقيرة يزيد من اعتمادها على البلاد الصناعية المتقدمة ولا يزيد من استقلالها الاقتصادي.
ان لهذه العلة جذورا في برامج التعليم والتدريب المتبعة في كثير من بلاد العالم الثالث. إنها برامج تصوراتها أجنبية لذلك لا تساهم مساهمة نافعة في معرفة وحل مشاكل المجتمع الحقيقية.
كتاركة بيضها بالعراء وحاضنة بيض أخرى سفاها

ان عدم التكافؤ في العلاقات بين العالم الصناعي والعالم الثالث جر وسيجر العالم الثالث إلى ضررين في هذا الصدد هما: -
‌أ. غسيل الدماغ حيث يكون هدفنا التشبه بهم .
‌ب. هجرة العقول حيث يجذب سوق عملهم علماء وخبراء العالم الثالث فيهاجرون للعمل فيه.
‌ج. ان غياب صحافة حرة، وقضاء مستقل ،ومناقشة حرة للقضايا العامة ، هي العوامل التي منعت وجود محاسبة ومساءلة في كثير من بلاد العالم الثالث. ونتيجة لذلك استشرى الفساد بكل أنواعه خاصة الفساد المالي فابتلع جزءا كبيرا من موارد البلاد المالية وثرواتها.
ان للفساد في العالم الثالث أسبابا داخلي وأسبابا خارجية مثلا رشوة الشركات الأجنبية للساسة والإداريين والفنيين والشراء الذمم.
وتفشى أساليب الحياة المذلة من شراب للخمر، واستباحة للجنس وإقبال على المخدرات، وافتتان بالقمار، تسبب في ضياع كثير من مال ووقت فئات كثيرة من سكان العالم الثالث.
وربما كان الضائع نتيجة لفساد الذمم وانحلال الأخلاق في بلاد العالم الثالث مساويا لعشرة في المائة من دخلها القومي ناهيك عن الضياع الذي يحدث بطريقة غير مباشرة نتيجة الفرص الضائعة.
ان الانضباط الخلقي، والأمانة، والشعور بالواجب، والفاء بالوعد، والصدق، خصال لا بد أن توجد ولو بحد أدنى لإنجاح أي عمل، فان انعدمت هذه الخصال فلا أداء ولا عطاء مهما كان الادعاء.
6. ان بعض بلاد العالم الثالث وخاصة في العالم الإسلامي أمشاج قطرية لا تؤهلها كثافة سكانها، ولا مواردها، ولا موقعها الجغرافي، ولا موقعها الاستراتيجي، لتنمو نموا ذاتيا ولا لتبقى بقاءا مستقلا.
7. ولكننا إذا نظرنا لهذه البلدان أو الدويلات في إطار أوسع لوجدنا أهاتت كامل مع غيرها لتكوين وحدات قابلة للنمو الذاتي وللبقاء المستقل.
هانحن قد استعرضنا سبع مسائل تواجهها بلدان العالم الثالث عامة والعالم الإسلامي خاصة. ولا جدوى لنظريات التنمية إلا إذا كانت مجدية في حل هذه المسائل.
ان للتنمية من منظور إسلامي شأنا كبيرا في خل هذه المسائل واليك البيان.
المسألة الأولى: ان القمع الذي تمارسه نظم الحكم المستبدة ضد شعوبها قهر يقيم على عاتق تلك الشعوب استعمارا داخليا يقيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم على الترغيب والترهيب. هذا الوضع بالإضافة لأضراره الأخرى، يضر التنمية من ناحيتين:-
الأولى: صرف جزء كبير من الموارد المالية على أجهزة القمع وعلى شراء الذمم.
الثانية: الحيلولة دون خلق حماسة وتجاوب بين الحاكم والمحكوم تؤدي إلى تعبئة القاعدة الشعبية للمساهمة في حملة التنمية.
ان الإسلام يقوم على أساس فرائض سياسية ينبغي ان تراعي في قيادة المجتمع، تلك الفرائض توجب ان تقوم القيادة والإدارة وتصريف الشؤون العامة على الشورى والمشاركة الحرة والعدل، ولا مجال في النظم الاجتماعي الإسلامي للإكراه ، بل الإكراه مرفوض في كل وجوه الحياة حتى في الدين. وأي نظام اجتماعي يقوم على لإكراه ينفي عن نفسه صفة الإسلام مهما تمسح بها.
ان نظاما قائما على الشورى والمشاركة الحرة او الدل لا بد ان يكفل استقلال القضاء وسيادة القانون ولا بد ا، يزيل التناقض بين الحكام والمحكومين فتقوم العلاقة لا مكان للترهيب والترغيب وآثارهما السلبية بل سيكون الحاكم والمحكوم كتلة معنوية واحدة تدفع بقوة في إنجاح واحد. خلافا لما هو الحال في ظل نظم القهر حيث يدفع الطرفان في اتجاهين متناقضين.
المسألة الثانية: ان ربط التنمية بطبقة ما مثلما تفعل الرأسمالية الطبقة الوسطى أو تفعل الشيوعية الطبقة العمالية يضعف من جدوى الجهد التنموي ويحصر قاعدة الحماس له. حتى إذا نجحت التنمية بقيادة طبقة اجتماعية واحدة فإنها تخلق استقطابا يضر بالسلام الاجتماعي ويفتح باب صراع حاد.
ان لتنمية من منظور إسلامي تخاطب القاعدة الشعبية كلها مستنهضة لها. فلا مجال فيها لامتياز طبقي أو قبلي أو عشائري. إنها تسعى لتعبئة ومشاركة وتحريك الجميع. على حد تعبير على شريعتي: "مسؤولية حركة المجتمع والتاريخ تقع على عاتق الناس كل الناس. قال صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل البنيان يشد بعضه بعضا.
ان إسلامية الحركة الاجتماعية لا تكتمل إلا إذا استنهضت حركة التنمية كل الناس وامتصت التناقضات الطبقية والفئوية في خطة عادلة في مكافأة الجهد ، وتوزيع الفرص وسد الحاجة.
المسألة الثالثة: ان التحرر من التبعية الأجنبية شرط من شروط التنمية وهو هدف أساسي من أهداف الإسلام. فالإسلام يوجب على المسلمين التحرر من الخوف والتبعية ويوجب عليهم التحلي بالوعي الذاتي وبالاعتماد على النفس والثقة فيها والتهلي عن العلاقات غير المتكافئة مع الآخرين. فعقيدة المؤمن تجبره أن ويؤمن: (ان العزة لله ولرسوله وللمؤمنين)[9].
المسألة الرابعة: إذا لم تهتبل البلاد المنتجة للنفط الفرصة المتاحة لها حاليا فتحقق تنمية حقيقية فإنها ستنعم بحاضر قصير من الفرة على حساب مستقبل طويل من العدم.
ان استخدام مصدر واحد كدافع للتنمية ممكن إذا توافرت ظروف ملائمة: ان عددا من البلدان قد حققت تنميتها في الماضي اعتمادا على مصدر واحد مثلا المنسوجات في بريطانيا، الحرير في اليابان، الأخشاب في السويد.
الظروف الملائمة المطلوبة هي: إنهاء العلاقات الخارجية غير المتكافئة، وتصحيح خطة استيراد التكنولوجيا. وإزالة أسباب التنافر الاجتماعي الحاد الذي يدفع الأثرياء إلى تخجير ثرواتهم لحمايتها ويدفع المحرومين إلى تقويض النظام الاجتماعي.
هذه الظروف يوفرها الإصلاح الإسلامي، وفي كثير من البلاد المنتجة للنفط يصع بتوفيرها بإصلاح غير إسلامي. وذلك لسببين:
الأول: القوى التي تعارض التطور باسم الإسلام.
الثاني: الإصلاح غير الإسلامي لن يجد تجاوبا شعبيا عريضا.
المسألة الخامسة: ان ثقافة العصر الحديث تحتوي على كثير من العناصر الأوربية الذاتية وهذه العناصر الذاتية صارت جزءا من تراث العصر الحديث الذي يتطلع الناس إليه ويسعون للأخذ منه.
هذه العناصر الذاتية الأوربية دخلت في الحضارة الحديثة في كل المجالات في الإنسانيات وفي العلوم الاجتماعية وحتى في العلوم الطبيعية والتكنولوجيا.
واليك المثل: مرجع العلوم الطبيعية الحديثة تربط بوسائل مباشرة أو غير مباشرة بين العلوم الطبيعية والإلحاد. وهذه المراجع تؤكد بإلحاح ان الفضل في اكتشاف وتطوير العلوم الطبيعية راجع كله لأوربا وعلمائها. وتتبنى هذه المراجع نظرة جزئية للطبيعة فلا تعدها جزءا من خطة شاملة هادفة فيها مجال للقيم والمثل والتوازن وهلم جرا.
هذه المعاني أدخلتها على العلوم الطبيعية الحديثة ظروف البيئة الأوربية فلا ينبغي أن تعتبر حقائق موضوعية مثل القوانين الطبيعية او معادلات الرياضيات. والتكنولوجيا نفسها لا يمكن تعميمها دون مراعاة لعوامل مختلفة منها عوامل اجتماعية. وعوامل بنيوية، وعوامل ظرفية.
لا بد من ثورة إسلامية ثقافية تحرر العقل المسلم من التقليد للقديم وجموده وللوافد تبعيته. ثورة ثقافية تمكن العقل المسلم من الإلمام بالمعارف الحديثة وإدراك العناصر ذات القيمة الكلية والموضوعية في هذه المعارف للانتفاع بها وأدراك العناصر ذات القيمة الذاتية الأوربية لكيلا تعامل كجزء من المعارف الحديثة.
ان تحرير الثقافة من التقليد للقديم وللوافد هي الحطة الأولى نحو برامج تعليمية خالية ن الانقصام الذي تعاني منه برامج التعليم الخالية ومن الانفصال عن الواقع الذي تتصف به تلك البرامج الآن. إنها برامج تعليم مصدوع في داخله قليل نفعه.
هذه الثورة الثقافية هدف من أهداف الصحوة الإسلامية المعاصرة ومفتاح من مفاتيح التنمية.
المسألة السادسة: هي مسألة الأخلاق ودورها في التنمية، إن الإسلام يبدأ هدايته بالفرد ليعده لبنة صالحة للبناء الاجتماعي الفاضل، ان الفرد المؤمن الملتزم بصالح الأعمال الذي جاء وصفه: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) هذا الفرد ومن على شاكلته هم مواد البناء للنظام الإسلامي وللمجتمع المسلم ، هؤلاء هم الحصون المحصنة ضد الفساد والانحراف الخلقي والضياع المعني والمادي الذي ي***ه الانحطاط الخلقي . قال صلى الله عليه وسلم: :إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
ان للمسألة الخلقية علاجا شافيا في مثل التوجه الإسلامي ومنظوره التنموي.
المسألة السابعة: مسألة التفتت القطري، إن الإسلام يوجب الاتحاد وغايته المثلى هي إقامة اتحاد شامل، ولكن مهما بعدت تلك الغاية فان الإسلام يبارك درجات أدنى منها وخطوات في الطريق إليها ويسعى لتحقيقها.
إن في التوجه الإسلامي علاجا لتفتت الدويلات الذي يعاني منه العالم الثالث عامة والعالم الإسلامي خاصة, وفي هدى الإسلام ما يبشر بإقامة وحدات أكبر وأقدر على البقاء والاستمرار وما يبشر بأوسع مجالات التعاون بين الوحدات المختلفة.
هكذا نرى أن المشاكل السبع التي يعاني منها العالم الثالث عامة والعالم الإسلامي خاصة في محال التنمية مشاكل لها علاج حاسم في إطار المنظور التنموي الإسلامي. ولكن بالإضافة لما يحقق الإسلام من علاج لهذه المشاكل فانه يوجب الآتي:
أولا: قال تعالى: (وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولاتنس نصيبك من الدنيا* وأحسن كما أحسن كما أحسن الله إليك).
ان من درس علم النفس (سيكولوجيا). وعلم الاجتماع (سوسيولوجيا)، وعلم الإنسان (انثروبولوجيا) يدرك ان خلا من الغرض ان الإنسان يحتاج بطبعه لعصام إيماني تتماسك حوله شخصيته. ومقياس خلقي يقيم عليه البناء الاجتماعي، وفكرة تفسر له معنى الحياة والكون ومكانته في ذلك الكون.
قال الفيلسوف الفرنسي باسكال: الإنسان نحتاج بطبعه للإيمان والحنان. فان حرم مما يؤمن به وما يجب فانه سيجد لهما بديلا مهما كان غريبا وشاذا.
ان الأسلوب العلمي هو الذي يكتشف الحقائق بالتعميم من الواقع فان استعرضنا واقع الإنسان حيثما كان وعممنا منه لأدركنا الدور الهام الذي يلعبه الإيمان في حياته الفردية والاجتماعية. ان الأسلوب العلمي هو الذي يقرأ الحقيقة من كل الواقع لا من جزء معزول منها.
ان الفصل بين الفلسفة، وفلسفة الأخلاق، وفلسفة الطبيعة، وما أدى أليه ذلك من تجريد الطبيعة من الخالق وتجريد النفس الإنسانية من الروح ظواهر عرفها الفكر الأوربي ولم يعرفها الفكر الإسلامي في عصوره الذهبية.
لقد كان هذا الفصل نتيجة الفعل ورد الفعل في أوربا فقد أدعى رجال الدين ادعاءات معرفية لا أساس لها. فواجهها خصومهم بادعاءات متطرفة طردت الدين والأخلاق طردا من المعارف الحديثة.
ونتيجة لذلك الطرد فان العلوم الطبيعية الحديثة تفترض ان العالم حقيقة مادية بحته. هذا الافتراض ليس جديدا في الفكر الإنساني فقد عرفته بعض مدارس الفلسفة الهندية واليونانية ولكنه اكتسب زخما جديدا في الفكر الأوربي الحديث, ولكنه افتراض أنكره فلاسفة المسلمين فابن طفيل في كتابه حي بني يقظان استنتج وجود الله من ظواهر الطبيعة.
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
وأكد ابن رشد توافق الوحي والعقل في كتابه: فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال.
أن فلاسفة الإسلام أدركوا اعتراف الإسلام بوسائل المعرفة الأربع: الوحي، والإلهام والتجربة، والعقل، واجتهدوا لإثبات وحدة الحقيقة مهما اختلفت وسائل معرفتها بحيث يوافق صحيح المنقول صريح المعقول.
ان النظرة الإسلامية لتطور الإنسان هي النظرة الشاملة التي تنكر التجزئة وتدعو لخطة كلية متوازنة. هذا المعنى ينبغي ألا يغيب عن المنظور الإسلامي للتنمية. بل لا يكون المنظور إسلاميا إذا لم يأخذ به.
ثانيا: ان العدل هو مفتاح الهداية الاجتماعية الإسلامية. فالعدل من فرائض الإسلام السياسية والتشريعات الإسلامية المحدودة كلها وسائل لإقامة العدل الاقتصادي وهي: فرض الزكاة، وتحريم الربا، وتوزيع الإرث بين مستحقيه.
من عقيدة الإسلام ان نؤمن بأن مالك الثروة الحقيقي هو الله، وأنه هو الذي استخلف الإنسان عليها وأمره باستعمارها لإشباع حاجته المعيشية والاجتماعية. هذا التعمير ينبغي أن يلتزم بقواعد معينة: -
‌أ. أن ملكية الثروة جماعية لناس كلهم. ويمكن أن تملك الثروة ملكية خاصة عن طرق مشروعة في العمل العقلي، والتقني، والعضلي، والوراثة الشرعية.
‌ب. الامتلاك الخاص مقيد بوسائل محددة فان تعداها فلا مشروعية له: لا مشروعية لامتلاك وسيلة التحكم السياسي، ولا الفساد، ولا القمار، ولا الربا، ولا الاحتكار, ولا الغش, وهلم جرا، شرط الملكية الصحيحة أن يبذل في سبيلها عمل حقيقي.
‌ج. حتى عندما توجد الملكية الخاصة بوسيلة صحيحة فإنها ليست مطلقة ليفعل بها صاحبها ما يشاء بل عليه أن يؤدي بها وظيفة اجتماعية برا وإحسانا وتكافلا. وألا يكنزها صاحبها وإلا يسرف في الاستمتاع بها وألا يستخدمها في باطل. ان تعاليم الإسلام الاقتصادية توجب تنمية الثروة ،وتوجب الربط بين الملكية والعمل ،وتوجب عدالة توزيع الثروة. وتوجب التكافل الاجتماعي للقضاء على الحرمان ولتوفير الضروريات لكل الناس.
ان تنمية الثروة، وقيام أساس عادل للملكية، وعدالة توزيع الثروة وتحقيق الكفاية, وإقامة التكافل. واجبات إسلامية.
والبرامج الاقتصادية الإسلامية منوط منها تحقيق هذه الأغراض، وما لا يتم الواجب به فهو واجب.
ثالثا: ومن جانب الإنتاج فان التوجه الإسلامي سوف يكثف الإنتاج في القطاعين العام والخاص للأسباب الآتية:
‌أ. ان على الجماعة واجب توفير ما يكفي ضرورات الناس ويسد حاجتهم من مسكن، وملبس، ومأكل، ومركب، وخدمات اجتماعية.
‌ب. ان على الجماعة توفير ما يلزم لقيادة وإدارة المجتمع وما يلزم لتوفير أمنه الداخلي والدفاع عنه من العدوان الخارجي .
‌ج. ان الربا يكافئ المال كمال مما يخلق تعارضا بين هذا العائد وعائد الاستثمار وهذا يسبب الأضرار الآتية:
· لا يتاح المال للاستثمار إلا إذا كان عائده الاستثماري أكبر من عائده الربوي وفي هذا تخفيض لحجم الأموال المتاحة للاستثمار، ان في هذا ضررا اقتصاديا.
· تخصيص عائد للمال كمال يخلق طبقة من الذين يعيشون على عائد أموالهم الربوي دون بذل جهد ولا مخاطرة . ان في هذا ضررا اجتماعيا.
إذا لم يكن الربا موجودا فان المال سيتجه نحو الاستثمار لأن الاستثمار سيكون الوسيلة الوحيدة المتاحة لنموه.
في إطار إسلامي ستحاصر المال عوامل عديدة فلا يجد لنفسه مجالا إلا في اتجاه الاستثمار. تلك العوامل هي:
· الزكاة تأكل المال العاطل.
· الاكتناز محرم.
· الربا محرم.
· الإسراف في الاستهلاك محرم.
وفي إطار إسلامي سيكون الربح الذي يتيحه الاستثمار حافزا للادخار. ويمكن أن تقوم سوق سندات وأسهم واسعة تمنح فرص مشاركة في الاستثمار للمدخرات من أي حجم. وسيكون للاستثمار في المجالات الإنتاجية الحقيقية أولوية أكيدة في برامج استثمار إسلامي لأن الإسلام لا يشجع استثمار الأموال في الأنشطة المشبوهة مثل التجارة التي لا تنطوي إجراءاتها على خدمات حقيقية كبعض أنواع السمسرة وكالترويج المضلل للسلع.
سيلتزم البرنامج الاستثماري الإسلامي بتوفير ضرورات وحاجيات وكماليات المجتمع والأفراد بهذا التسلسل محققا الأهم فالمهم.
رابعا- ساد تاريخ أوروبا القديم نظام سياسي قاده القياصرة وكان القياصرة رجال مؤهلون يخضع لهم الناس ويعتبرون الولاء لهم سبيل النجاة. وبقدر ما كان القيصر عظيما كان الفرد من الرعية حقيرا. ومع التطور الاجتماعي في أوروبا ورثت الدولة مقام القيصر وورث المواطنون دور الرعايا وورثت المفاهيم الأوربية السياسية هذه المعاني فصار في تلك المفاهيم تمييز حاد بين الجماعية ورموزها والفردية وأشكالها.
هذه المعاني غائبة عن الفكر الإسلامي لأن فيه جماعية يكسر حدتها احترام لخصوصيات الأفراد. ولأن فيه فردية يقيدها الإيثار ويحدها احترام لوظائف اجتماعية لا يسمح بإغفالها: جماعية الإسلام مقيدة إنسانيا، وفردية الإسلام مقيدة اجتماعيا. والمنطقة الوسطى بين الجماعية والفردية في الإسلام تحتلها نظم ومؤسسات وسطى كالمساجد، والسرة، والوقف وهي مؤسسات يختلط الفرد فيها بالجماعة.
هذه المعاني التي تعطي الجماعة حقها، والفرد حقه، وتقيم منطقة وسطى ينهما وتخضع الطرفين وما بينهما لهداية أعلى تمثل نهج الإسلام الاجتماعي وينبغي أن يتسم بها نهج الإسلام الاقتصادي تفاديا لحدة المواجهة بين الفردية والجماعية مواجهة تجعل الصراع بينهما بل الصدام أمرا حتميا.
خامسا- كان النظام السياسي في أوروبا ملكيا والنظام الاجتماعي ارستقراطيا، فنظموا جيوشهم بأساليب تمثل النظام الاجتماعي السائد، فكانت قيادة الجيش وضباطها تمثل الارستقراطية وقاعدة الجيش وجنودها تمثل الرعية. وكان الجيش معزولا عن الحياة المدنية ليسهل ضبطه واستخدامه كأداة قهر في يد الحكام لا تتردد في البطش بأعداء الحكام مهما كانوا.
وعندما نشأت الديمقراطية في أوربا فإنها أدخلت تعديلات في كل نواحي الحياة العامة ولكن احتفظت الجيوش بأكثر صفاتها القديمة لكيلا تفقد فاعليتها في حفظ الدولة داخليا من التفكك وفي القتال باسمها خارجيا.
وعندما قامت جيوش حديثة في البلاد الإسلامية فإنها اقتدت بالتجربة العسكرية الأوروبية هذه وكان أولها سلوكا هذا الدرب الجيش العثماني.
لقد حاول العثمانيون بناء جيش حديث وأقاموه دون إدخال الموازنات الأخرى التي جعلت الجيوش الروبية مع احتفاظها بتركيبها الذاتي موالية للنظام السياسي الحاكم. لذلك استطاع الجيش التركي العثماني أن يلعب دورا مستقلا عن الكيان الاجتماعي المحيط به. دورا مواليا للبيئة الأوربية التي اقتبس منها. وفي دربه سارت جيوش أخرى من جيوش البلاد الإسلامية، واقتداء بدوره لعبت أدوارا مماثلة.
هذه الجيوش تعاني في الغالب من نقصين خطيرين:
الأول: وجود فجوة بينها وبين مجتمعها.
الثاني: تكاليفها الباهظة كأداة للأمن والدفاع في بلاد فقيرة.
هذه النقائص يوجب الإسلام علاجها لأن الدفاع في الإسلام داخل في مهام الجهاد الواجب على كل الناس. فالشعب كله قاعدة العمل العسكري مما يجعل الجيش طليعة شعبه المسلحة المنخرطة معه في قيم ثقافية وروحية مشتركة.
إن الدفاع في نهج الإسلام سيقضي على الآثار الموروثة من العسكرية الأوربية. وسيزيل التناقض الحاد بينما هو مدني وما هو عسكري. وسيخفض تكاليف الدفاع نفسها مما يوفر موارد أكثر للتنمية الاقتصادية.
بقيام نظام إسلامي ينتهي دور الجيش كأداة حراسة نصبتها صفوة حاكمة لتفرض بها سلطانها على شعب معزول عنها أو معاد لها.
سادسا- النقود في الإسلام مقياس للقيمة المادية وأداة تبادل للسلع. ولا يجوز أن تصير هي نفسها سلعا للتبادل. لذلك يوجب النظام الاقتصادي إسلامي أن تكون قيمة النقود ثابتة مع الزمن. إذا لم تكن قيمة النقود ثابتة مع الزمن فإن التعامل بالنقود سوف ينطوي على ربا والربا محرم في الإسلام. وإذا لم تكن قيمة النقود ثابتة مع الزمن فإن الناس سوف يتاجرون في النقود نفسها وهذا يخرج بها عن وظيفتها ويفتح مجالا للربا أيضا.
لذلك لا يستطاع التعامل الإسلامي إذا كان النقد متقلبا في القيمة مع الزمن خاصة الزمن القصير. هذا يعني قيام معاملات إسلامية بالنقود الحالية مثل الدولار والإسترليني وغيرهما لا يستقيم إلا إذا دخلت معادلة تعويض للقيمة الضائعة سدا لمداخل الربا.
إن إقامة نظام اقتصادي إسلامي توجب اتخاذ عملة نقدية ثابتة القيمة مع الزمن أو محتفظة بقيمتها لطول زمن ممكن.
سابعا: قال عالم الاقتصاد آرثر لويس: "إن النمو الاقتصادي يعتمد على أمرين هما: الموارد الطبيعية والسلوك البشري".
إن العامل البشري في التنمية ليس مجرد واحد من عاملين بل هو أهم العاملين. والتنمية الاقتصادية في اليابان خير برهان على أن الإنسان قادر على إحداث التنمية مع فقر الموارد الطبيعية. وتجربة بعض بلاد العالم الثالث الغنية بمواردها الطبيعية مع تقاعس إنسانها يثبت نفس الحقيقة. ومن أكبر خطايا الصفوة الحاكمة في كثير من بلدان العالم الثالث أنهم أقدموا على التنمية مهتمين بالموارد الطبيعية ورؤوس الأموال مغفلين العامل البشري بل كانت حملاتهم التنموية تندفع تاركة القواعد الشعبية متفرجة أو حتى معادية لهذه الحملات.
إذا آمنت القيادات في البلاد الإسلامية بالإسلام فإن إيمانها سوف يرفع مستوى حماستها وسيوجد عناصر انتماء مشترك بينها وبين شعوبها ليكون العطاء والأداء منطلقا من قواعد مشتركة وقيم مشتركة: أن الشعوب الإسلامية تستطيع أن تفهم وتتجاوب مع حملات التنمية إن كان التعبير عنها إسلاميا لأنها حينئذ ستجد مفاهيم قريبة من عقولها وقلوبها قادرة على تحريك مشاعرها وسواعدها. لا سبيل لتحريك هذه الشعوب وهي تعاني الغربة من العصر وتعاني الجهل والأمية إلا إذا أمكن الدخول عليها من باب مقدساتها الإسلامية. وهو باب استخدمه المستغلون في الماضي لتطويع كثير من الشعوب وإجبارها على التخلي عن مصالحها، فآن أوان استخدامه الآن في سبيل التنمية وفي خدمة مصالحها، وهذا النهج صحيح بمقياس الإسلام بينما كان النهج القديم منكرا بقياس الإسلام.
لا يمكن للجهد التنموي أن يمد جذوره في مجتمع فيه فجوة واسعة بين ذلك الجهد وبين القيم الروحية والخلقية والثقافية السائدة في ذلك المجتمع.
ختـــام

قلنا أن التنمية لن تفلح إن لم تخاطب ثقافة المجتمع وقيمه الروحية والخلقية. كذلك نقول أن الملة أي ملة- لم تبقى إن قامت فجوة بين عقائدها وفكر معتقديها.
هذا يفسر لنا انحسار كثير من الملل في العصر الحديث مما أجبر معتقديها إلى التخلي عنها والبحث عن بدائل علمانية.
إن ما تم إيضاحه يؤكد أن التحول للعلمانية ليس حتميا بل هو نتيجة لظروف فكرية واجتماعية وتاريخية معينة.
وأثناء هذا القرن من الزمان شهد التاريخ نضج النهجين العلمانيين للتنمية وهما النهج الرأسمالي والشيوعي. ومع نضجهما ظهرت عيوبهما. ورغم العيوب فإننا أوضحنا ان ثمة ظروفا تمنع بلاد العلم الثالث اليوم من تحقيق تنمية ناجحة بمقياس ذينك النهجين.
إن تعاليم الإسلام تسمح باستصحاب النافع والصحيح في ذينك النهجين وتشتمل على مقاييس ومبادئ لتصحيح ما اعوج فيهما ولتوفير ما يعالج ظروف العالم الثالث التعسة. إن تعاليم الإسلام لا تسد نقص المناهج العلمانية وتطرد تعاسة البلدان المتخلفة فحسب بل تتجاوز ذلك لتخط السبيل فقامة حياة أفضل وأمثل وأليق بكرامة الإنسان. ولا غرو أم يكون كل الصيد في جوف الفرا فالإسلام (صنع الله الذي أتقن كل شيء)[10].
إن حركة الوعي الإسلامي الحديث سوف تستنهض الهمم، وتضاعف الأبحاث، وتكثف الاجتهاد، للتوصل فجماع يحد الحل الإسلامي لقضايا العصر الحديث.
وحبذا لو استطاعت حركة الوعي الإسلامي الحديث التوصل لاتفاق واضح في ست من القضايا الهامة هي:
القضية الأولى: أن نتفق على رفض نظم الاقتصاد العلمانية وأن نحدد أسباب ذلك الرفض لكي تتحد الحجة.
وأن نرفض محاولة أولئك الذين يقدمون لنا نظريات اقتصاد إسلامية مبينة على تعميمات من أحكام هذا المذهب الفقهي أو ذاك.
المطلوب أن تقوم جماعة من المسلمين ملمة بالكتاب والسنة وملمة باجتهادات أئمة المذاهب وملمة بنظريات الاقتصاد الحديث ومدركة لقضايا العصر الاقتصادية. تقوم هذه الجماعة باجتهاد جديد متحرر من تقليد القديم والوافد هادف لبناء نظرية الإسلام الاقتصادية منظرا ومخططا للتنمية من منظور إسلامي.
القضية الثانية: أن تقوم حركة الوعي الإسلامي الحديث بدراسة وافية لفكر ومنجزات التنمية العلمانية. وأن تضع أسس نقدها وأن تحدد جانبها الموضوعي الذي يمكن أن يستفاد منه بلا حرج، وجانبها الذاتي الذي هو خاص بتجربة أهله وظروفهم ولا يمكن تكراره.
هذه الدراسة ينبغي أن تصل إلى وضع منهج للاقتباس الثقافي: منهج يضح حدا للغزو الثقافي والفكري الذي تعاني منه شعوبنا- لا عن طريق الانطواء وسد نوافذ اللقاح الفكري والثقافي ولكن عن طريق ترشيد ذلك اللقاح.
القضية الثالثة: لقد قامت أنشطة اقتصادية إسلامية في العصر الحديث. هذه الأنشطة قامت بمبادرات عملية مثل: دار المال الإسلامي، وشركات التكافل والاستثمار الإسلامية.
إنني أفضل أن اسمي هذه المصارف مصارف مضاربة ومرابحة ومشاركة لن عبارة "إسلامية" تدخل فيها معان أوسع معاني عدالة التوزيع ومعاني الأولوية للإنتاج والإحجام عن أنواع من الصفقات التجارية وهلم جرا. وهذه المعاني لم تحفل بها هذه المصارف بعد.
ولا يمكن أن نصف هذه المصارف الآن بأنها لا ربوية لأنها تتعامل بالعملات النقدية السائدة في عالم اليوم مثل الدولار وهذه العملات متقلبة القيمة تقلبا يؤدي تلقائيا إلى زيادات ربوية.
أنها مصارف تتعامل بوسائل الشراكة والمرابحة والمضاربة وهي وسائل يقرها الإسلام. وقد أثبتت نجاح التمويل بهذه الوسائل. ولكن إلى أي مدى كان هذا النجاح نتيجة لعوامل طارئة مثل:
· وفرة السيولة بسبب إقبال أصحاب الودائع على مصارف يعتبرونها طاهرة من الممارسات المالية المحرمة.
· التركيز على صفقات تجارية قصيرة الأجل مضمونة الربح.
· الحصول على امتيازات خاصة مثل الإعفاء من الضرائب.
· ان الإجابة الجادة المدروسة على هذه الأسئلة تساهم في تقويم تجربة هذه الأنشطة. وعلى حركة الوعي الإسلامي الحديث أن تحدد مقدار نجاح هذه التجربة ومعناه ليستفيد القائمون بها من ذلك فيصححوا الأخطاء، ويتمموا نجاحها في حجمه الحقيقي تفاديا للمبالغات.
القضية الرابعة: لا يكفي أن يتفق بموجب الاجتهاد الجديد على ماهية الاقتصاد الإسلامي بل ينبغي كذلك أن يتفق على منهاج تطبيقه منهاج يحدد الآتي:
· أولويات التطبيق وزمانه.
· كيفية التعايش بين النظام الجديد والنظام القديم ومراحله وأساليب الانتقال من الأول للثاني.
· وضع ورقة عمل للتحول لتدخل في التخطيط الاقتصادي والاجتماعي.

القضية الخامسة: لا يستطيع الإنسان المنصف أن يحجم عن وصف اجتهاد أئمة السلف للروعة والإتقان. هؤلاء الرجال فهموا كتاب الله وسنة رسوله وفهموا ظروفهم لاجتماعية واستنبطوا أحكام الفقه بأساليب متقنة ذكية استنباطا وافيا بحاجات الزمان والمكان.
ومن شدة ورعهم وبعد نظرهم لم يعتبروا استنباطاتهم في درجة الأصول المستنبط منها ولم يعتبروها أزلية كالأصول ولا يجوز لنا أن ندعي لها ذل فنتخذها أساسا لتمذهب وتحزب دائم.
ان واقع اليوم مختلف عن الأمس واختلافا كبيرا . فالفجوة بين الإسلام والمجتمع الآن أكبر مما كانت عليه. واهتمام الناس بالمسائل المادية اليوم أكثر مما كان عليه. وتوجد في الساحة اليوم بدائل علمانية تخاطب الناس وتحاول استمالتهم وحل مشكلاتهم. وهي بدائل الافتتان بها وارد لأنها تتحدث لغة العصر وتدعي الجدوى في علاج مشكلاته.
لقد واجه المجتهدون الأقدمون تحديات كثيرة ولكن هذه التحديات الجديدة طرأت بعدهم ولا بد لحركة الوعي الإسلامي الحديث من مواجهتها والتغلب عليها.
هذا الموضوع يقود إلى الحديث عن إقامة النظام الإسلامي في العصر الحديث وبيان ماهية ذلك النظام سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
كما أن علينا أن نتفق على إقامة مؤسسة مؤهلة لتحديد ما هي أحكام الإسلام في الحقوق المختلفة؟
هذه المؤسسة ينبغي أن تقوم وأن تتكون من ثلاث شعب:
الشعبة الأولى: مكتب أبحاث شرعية مكتون من خبراء في كل الميادين الاجتماعية وعلماء شريعة إسلامية.
الشعبة الثانية: وسائل نقاش واسع يشترك بموجبها الرأي العام في مناقشة القضايا.
هيئة تشريعية نيابية صحيحة النيابة عن الأمة لتقر الأحكام.
القضية السادسة: وشع أسس يقوم عليها اتفاق عالمي بين الذين يسعون لتطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي وبقية العالم.
هذا الاتفاق ينبغي أن يحدد قواعد التعامل بين الطرفين في المرحلة الأولى مرحلة الانتقال من النظم الراهنة إلى النظام الإسلامي ثم في المرحلة الثانية عندما يكتمل تطبيق النظام الإسلامي.
هذه القواعد تنظم علاقات جديدة تحل محل العلاقات الحالية.
وفق الله جهدنا في فهم وإعلاء كلمته ،وهدانا للامتثال لإرادته وأنجزنا وعده الصادق ان تنصروا الله ينصركم آمين.


[1] كتب طه حسين كتاب مستقبل الثقافة في مصر ثم رجع عما جاء فيه وكتب مرآة الاسلام . وكتب زكي نجيب محمود كتاب نحو فلسفة علمية ثم رجع عما جاء فيه وكتب تجديد الفكر العربي وهلم جرا.

[2] الفقه على المذاهب الاربعة بقلم عبد الرحمن الجزيري ج 1 ص 596.

[3] العقوبة في النظام الإسلامي بقلم الصادق المهدي ج2 الفصل الأول

[4]سورة الذاريات الآية (21)

[5]سورة سبأ الآية (28)

3 تقرير برانت هو عبارة عن دراسة اعدتها نخبة من القادة والمفكرين للمقارنة بين الحالة الاقتصادية في شمال العالم المتقدم وجنوبه المتخلف وقدمت توصيات للاصلاح .

[6] بيان عروشا أصدره مؤتمر دولي في مدينة عروشا في عام 1980م.

[7] مشروع مارشال مشروع امريكي أقترحه وزير خارجية أمريكا مارشال وبموجبه منحت أمريكا الدول التي خربتها الحرب قوضا ومساعدات سخية لتعمير اقتصادها .

[8] منظمة الاوبك هي الهيئة التي تضم البلاد الصدرة لنفط

[9]سورة المنافقون الآية (8)

[10] سورة النمل الآية (88)
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
للتنمية, المنظور, الاقتصادية, الإسلامي


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع المنظور الإسلامي للتنمية الاقتصادية
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مصر تقرر الاكتتاب في زيادة رأس مال البنك الإسلامي للتنمية عبدالناصر محمود أخبار اقتصادية 0 11-07-2013 07:57 AM
دول العالم الإسلامي والعولمة الاقتصادية Eng.Jordan بحوث ومراجع في الإدارة والإقتصاد 0 03-12-2013 02:04 PM
مرجع حول المنظور الاسلامي للتنمية الاقتصادية Eng.Jordan بحوث ومراجع في الإدارة والإقتصاد 0 09-09-2012 01:31 PM
دول العالم الإسلامي والعولمة الاقتصادية Eng.Jordan بحوث ومراجع في الإدارة والإقتصاد 0 06-20-2012 12:29 PM
الآخر وحقوقه من المنظور الإسلامي Eng.Jordan دراسات ومراجع و بحوث اسلامية 5 01-29-2012 11:54 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 10:23 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59