#1
|
||||
|
||||
فن المنمنمات
الكاتب : آمنة الحربي: الرياض المجلة العربية من الفنون التصويرية الجميلة ظهر فن يحمل اسم (المنمنمات)، وهو من فنون التصوير التي عرفت منذ القدم، وشاع استخدامها بكثرة في المخطوطات والأعمال التصويرية. وتعني مفردة (المنمنمة) الشيء الدقيق المزخرف, وقد شاعت تسميتها في القدم التزاويق. وهي رسوم فنية صغيرة أو منمنمة وضعت في الأصل لتزيين المخطوطات القديمة. وقد قيل إن كلمة (منمنمة) كانت مشتقة من اسم الداعية (ماني) البابلي؛ كونه اشتهر بإرفاق الرسوم في نصوص كتابه الروحي، وقد بلغت المنمنمات الذروة في رسوماته. ازدهر فن النمنمة في القرون الوسطى، في الهند وإيران وبعض البلدان الأوروبية. وقد امتازت المنمنمات الإسلامية، بألوانها الزاهية وبأن صانعيها استخدموا في إبداعها الذهب والفضة على نحو بارع جعل منها أشكالاً جمالية آسرة. وتطور فن النمنمة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر فصارت المنمنمات ترسم على العاج والخزف وعلب المجوهرات أيضاً، وتتخذ حلياً في بعض الأحيان. واستعملت المنمنمات كوسيلة للتعبير عن أعمال التصوير، وبخاصة الصور الشخصية صغيرة الحجم التي كان يجري رسمها وتلوينها على الخشب والعاج والعظام والجلود والكارتون والورق والمعدن. كما أن المنمنمات تعد توثيقاً تاريخياً يساعد في اكتشاف عادات الشعوب المختلفة، وساهمت بجدارة في التعرف على موروثات الأمم الحضارية والتاريخية، ونجد بين ثناياها وصفاً يصور الحياة الاجتماعية وتفاصيلها المتباينة. وحفظ لنا هذا الفن صور الحياة والبيئة والعادات والطقوس والتقاليد والأحداث التاريخية وطبيعة المناخ والعمارة والزي والفنون، وهو يرتبط بفن الزخرفة الهندسية بشكل كبير. ونجد أن المنمنمات العربية والإسلامية كانت مسطحة وذات بعدين، هما: الطول والعرض، وبعدت كثيراً عن التجسيم بالبعد الثالث، كما أن العنصرين الأساسيين في المنمنمة هما الخط والبقعة، ويأتي الإنسان بالدرجة الأولى في المنمنمة ثم يأتي بعد ذلك الحيوان والنبات والعمران. وقد ظهر هذا الفن في حضارات قديمة منها الحضارة الفارسية والهندية، ويعد كتاب (كليلة ودمنة) أول كتاب عربي ظهرت فيه المنمنمات، كما ظهرت كذلك في مقامات الحريري وكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني. ويرجع أقدم مخطوط إلى القرن عشر الميلادي، وإن كانت أعداد قليلة منها موجودة في مصر وإيران منذ القرن التاسع الميلادي. يقول بازيل غمري في كتابه (الرسم الإيراني): «يجب أن تبدأ دراسة الرسم الإيراني بالنسخ الخطية للعصر الفارسي، والمدرسة العباسية اسم يطلق على النسخ الخطية المذهبة والمزينة بالرسوم التي اهتم بها الخلفاء العباسيون.. جمعوها في عاصمتهم بغداد». وقد كان للفنانين الإيرانيين دور بارز في تطور المدارس الفنية للمنمنمات، وامتزجت خبراتهم مع خبرات المدرسة العباسية في بغداد، لاسيما عند وصول البرامكة إلى موقع الحكم ، حيث استعانوا بالعديد من الفنانين الإيرانيين إلى بغداد، فشاركوا في تأسيس مدرسة المنمنمات فيها، وقد عرف عن المدرسة السلجوقية محاولة الحفاظ على أصالة الرسم الإيراني وملامحه المحلية بعيداً عن تأثيرات الفن الصيني. ولكن بعد أن استولى المغول على إيران وبدأت تظهر المدرسة المغولية تغير مظهر فن المنمنمات؛ إذ أسس المغول مدارس في (تبريز وشيراز ومرو) ارتبطت بالأسلوب الصيني، ثم ظهرت المدرسة (الهراتية) أو التيمورية في سمرقند وهي من أبرز مدارس الرسم الإيراني على وجه الإطلاق. وبعد أن تأسست المدرسة الصفوية في العهد الصفوي انتقل مركز الفن الإيراني من (هراة) إلى (تبريز)، وتعتبر رسوم المدرسة الصفوية صفحة جديدة في الرسم الإيراني. وقد ظهرت المنمنمات كرسوم توضيحية رافقت بعض الكتب العربية والإسلامية، لاسيما (مقامات الحريري) و(كليلة ودمنة) وغيرهما، ثم أصبح هذا اللون من الرسم والتصوير فناً قائماً بذاته، يمكن اعتباره نوعاً من (التصوير الإسلامي) الذي تابعه باجتهاد فنانون رواد في مراحل تاريخية مختلفة، وفي العديد من الدول العربية والإسلامية، لاسيما بغداد العباسية، وإيران وآسيا الصغرى. وأتقن العرب فن التصوير والنقش والتزويق والترقين، وذلك بما خلفوه على الجدران والخشب والمعدن والزجاج والخزف والعاج والثياب، ولاسيما ما زينت به المخطوطات من منمنمات بلغت حد الروعة فيما ينسب إلى مدرسة التصوير العربية في بلاد الشام والعراق. وقد اشتهر عدد كبير من الفنانين الرواد منهم (يحيى بن محمود بن يحيى الواسطي) الذي اشتهر وعرف كواحد من مصوري (مقامات الحريري) التي تم إنجازها عام 1237م, وهو أحد أهم المصورين الذين عرفتهم الحضارة العربية، بل من أفضل فناني العرب حيث يمتلك موهبة قوية ويجيد التعبير كمصوّر وملوّن ورسّام منمنمات، ومصور للأحداث، إذ كانت قدرته فائقة فيما قدم من أحداث (مقامات الحريري) بأسلوب فني رائع، يعتبر من أجمل الأساليب ويعد بحق من معجزات الفن التشكيلي العربي، وخير دليل على ذلك رسوماته لهذه المدرسة فقد أجاد رسم شخصية أبي زيد (بطل مقامات الحريري). ثم جاء (بهزاد) الذي يُعدُّ من أشهر رسامي المنمنمات في تاريخ الفن الإنساني. ولد بهزاد ببلدة (هراة) الواقعة بأفغانستان، وكان مولده في حدود سنة 854 هجريَّة (1450 ميلاديَّة)، وعاش وأبدع لوحاته في بلاط ملوك الدولة التيمورية، ثم قام الشاه إسماعيل الصفوي برعايته، فقضى النصف الثاني من حياته بمدينة تبريز حتى وفاته سنة 943 هجريَّة (1537 ميلاديَّة)، وشاع في كتب التاريخ أن الشاه إسماعيل الصفوي حين دخل في حربه مع العثمانيين، خاف على حياة بهزاد فحفظه هو والخطَّاط شاه محمود النيسابوري في قبو سرىٍّ حتى انتهت الحرب. قام بهزاد برسم منمنماتٍ كثيرة، وأبدع في رسومات مع نصوصٍ مخطوطة مثل ديوان الحديقة (بوستان) لسعدي الشيرازي، وديوان خمسة للنظامي. وكان أسلوبه الفني أكثر حدة ودرامية من أسلوب الكثيرين من رسامي عصره، كما كان أكثر اهتماماً بالأفراد وشخصياتهم وبمشكلات الحياة اليومية. وبعد (بهزاد) جاء (محمد خان شيباني) و(ميراك) و(ميرزا علي) و(مير سيد علي) و(مظفر علي) وغيرهم. والمتأمل لفن المنمنمات يجد أنها تحمل مضامين عديدة، منها حكائية المشهد الذي يحمل مشاهد مختلفة تمثل وقائع عدة، بالإضافة إلى التوزيع الهندسي المتباين المستويات والاتجاهات, والتراتبية في تسلسل الأحداث وانتظامها كما أنها منتظمة في توزيع الأشكال، ونجد في المنمنمة إدهاشاً بصرياً منقطع النظير. كما نلاحظ في المنمنمة دقة التفاصيل وثراء لونياً متنوعاً، وهي فن جميل يحتاج للتأمل العميق لإدراك تفاصيله الدقيقة والانغماس في عالمه العميق. المصدر: ملتقى شذرات
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201) |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
المنمنمات |
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|