#1  
قديم 02-01-2012, 09:31 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,373
افتراضي الولايات المتحدة وسياسة السيطرة على العالم «العولمة»


حمل المرجع من المرفقات

نبذة عن الكتاب

--------------

ترجمة: الدكتور حامد فرزات




أمريكا المســتبدة
الولايات المتحدة وسياسة السيطرة على العالم «العولمة»

من منشورات اتحاد الكتاب العرب
دمشق - 2001





L’AMÉRIQUE TOTALITAIRE
Les Etats-Unis et la maîtrise du monde



أمريكا الشمولية

الولايات المتحدة وسياسة السيطرة على العالم «العولمة»

بطاقة شكر



إلى كل من ساهم بالتشجيع وبإعداد وبتصحيح وبطباعة هذا الكتاب وخاصة اللواء موسى الزعبي والأستاذ رضوان تللو والدكتور يوسف الحاج أحمد والآنسة ريدة القنواتي وابنتي شذا.

مقدمة


قد يستغرب البعض، وخاصة المسحورين بالنظام الأمريكي، عنوان هذا الكتاب ويقولون إن مثل هذه الصفة تطلق عادة على الأنظمة الديكتاتورية. وأمريكا لم تعرف نظاماً ديكتاتورياً بل ربما كانت دائماً مثالاً لظاهرة ما يعرف بتداور السلطة. لكن سرعان ما يزول هذا الاستغراب عندما نعلم أن من يطلق هذا العنوان هو غربي النـزعة والانتماء، ونكتشف كيف أن هذا الكتاب يعرض وقائع تاريخية طالت حريات وحقوق الشعوب لا يقدم على ممارستها إلا الدول المتمرسة بالاستبداد.
لقد عملت الولايات المتحدة منذ تأسيسها كما يعرض الكاتب على فرض سيطرتها وإرادتها على دول العالم في كل المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسة والدبلوماسية والثقافية والفنية غير أبهة بالآخرين وبالصديق قبل العدو.
علينا ألا ننسى أيضاً أن الولايات المتحدة كانت الوريث الشرعي للدول الاستعمارية التي عرفها العالم في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، مثل إنكلترا وفرنسا وأسبانيا والبرتغال وهولندا، وما كادت الأمم الأوروبية تنجز انتحارها في حربين عالميتين أدتا إلى تمزيقها وإنهاكها حتى فرضت أمريكا سيطرتها العسكرية عبر جيوشها والسيطرة الاقتصادية السياسية عبر ولاء الحكومات المنهكة والمهزومة، ثم بالطبع سيطرتها الاقتصادية عبر مؤسسات دولية تحتل فيها الموقع الأساسي وشركات متعددة الجنسيات وهي ما «تفضله» على الاحتلال العسكري حيث كانت دائماً تظهر أنها لا تلجأ لأي عمل عسكري إلا تحت شعار «إقامة الديمقراطية وحماية المواطنين وحماية المصالح الأمريكية». ولا ترسل أمريكا جيوشها إلا بعد أن يصبح المتقاتلون في الرمق الأخير، كما حدث في الحربين العالميتين حيث كانت بالبدء تحتل مقاعد المتفرجين بل المستفيدين من جني المنافع فكان الأمريكيون يرسلون للمقاتلين مقابل الدفع نقداً المؤن والأسلحة، وكما فعلت بالسابق في أمريكا اللاتينية تدخلت الولايات المتحدة باللحظات الأخيرة للحفاظ على النظام العالمي وعلى التوازن الكوني وأنجزت هذه السيطرة العسكرية والاقتصادية في الفصل الأخير من الانتحار عندما سقط جدار برلين بعد سنوات من التيه والتخبط وعدم الوضوح في الرؤية، وهكذا ما كان حلماً أصبح حقيقة.
لقد بدأ الصراع بسبب الشطط والغطرسة لدى الأمم الاستعمارية التي رفعت شعار فرق تسد وانتهت بترتيب العالم على الطريقة الأمريكية التي أضافت لفنون السيطرة فنّاً آخر أعطي في بدايته اسم بّراق وجذاب فهو ما كان يعرف بالعولمة تارة أو بالمثاقفة تارة أخرى.
لقد فهمت الإدارات المتعاقبة على السلطة في الولايات المتحدة بأن التحكم بالعالم لا يكفيه فقط امتلاك القوة العسكرية الضاربة والهيمنة على أسواقه وحكامه بل هو بحاجة لوسائل أخرى تصل إلى إخضاع جميع أفراده حتى تنتهي عملية الاستلاب على وجهها الأكمل فلم تكتف بإخضاع النفوس بل أرادت إخضاع الرؤوس أيضاً، وذلك عن طريق محو وإبادة ذاكرة الشعوب، فطالت هيمنتها عالم الاتصالات والسينما والتلفاز واللباس والجنس والطعام والشراب واللغة……، وقد قام الكاتب بعرض هذا الجانب بأسلوب شيق.
إن تبني الليبرالية المتطرفة كعقيدة تجارية واقتصادية هو الذي فرض هذه السياسات التي تهدف إلى محو ذاكرة الشعوب. كلنا نعلم أن الغاية الأولى والوحيدة لهذه الليبرالية هو انفتاح الأسواق أمام البضائع الأمريكة دون أية حواجز دفاعية لحماية المواطنين المحليين، ونعلم أيضاً أن أصحاب هذه العقيدة يملكون هدفاً واحداً فقط ألا وهو جني المنافع والأرباح والمال، وكل الوسائل يُسمح باستخدامها لتحقيق هذا الهدف دون أي رادع. وخلال صعود الليبرالية الجنوني أدركت الولايات المتحدة أن التنوع السياسي والجغرافي والتاريخي في العادات والتقاليد والمعتقدات والقوانين والثقافات يشكل حواجز وروادع إنسانية وأخلاقية أمام انتشارها فكان لابد من وضع خطط تفرض الرأي الواحد وتمحو هوية الآخرين.
لقد تحاشينا الكلام عن ممارسات الإدارات الأمريكية في الوطن العربي لأن تناول هذا الموضوع يتطلب كتاباً آخر ونكتفي برأي الكاتب المحايد في هذا المجال. ويكفي فقط أن نشير كيف أن الولايات المتحدة لم تتردد بتقديم كل أنواع الدعم العسكري واللوجستي والسياسي والمعنوي والبشري والمادي لكيان غرس في خاصرة الوطن العربي، غير أبهة بأدنى مفهوم لحقوق الشعوب، ضاربة عرض الحائط بقرارات الشرعية الدولية التي تدعي بأنها المدافع عنها. وهي تمارس علانيةً سياسة الكيل بمكيالين للدفاع عن الغطرسة الإسرائيلية واحتلال أراضي الآخرين بالقوة.
بقي أن نقول أننا لم نر في هذا الكتاب إعلان للحرب على الأمريكيين وقد يكون المؤلف على حق حين يؤكد بأنه صرخة إنذار تدعو الشعوب إلى الصحوة لما يجري حولها وإلى الوعي وإلى التمسك بحرياتها وجذورها وأصولها لأنها مهددة بالاندثار لو أنها انقطعت عن عمقها وعاشت عصر السطحية. ولكنه قبل كل شيء دعوة للأمريكيين لمراجعة الذات واحترام الآخرين من خلال احترام حرية الشعوب الأخرى وحقوقها واستقلالها التي يصعب التغلب عليها وهو دعوة «لمثاقفة» و«لعولمة» حقيقية، أي بمعنى بناء الجسور بين الثقافات عن طريق عملية التبادل والاستفادة التي كانت دائماً هي أداة الشعوب لإغناء التجربة الإنسانية بدءاً من حضارة أوغاريت وبلاد ما بين النهرين والفراعنة واليونان والعرب وإنتهاءً بعصر التنوير الأوروبي، وليس بمعنى هدم الجسور بين الثقافات وإبدالها بمفهوم أحادي للعالم مصيره بالطبع الاندثار لأن أي لقاح ثقافي لا يتم إلا بالوجود الفكري المتنوع.
يجب أن يُقرأ هذا الكتاب بجميع فصوله فهو يقدم العرض التاريخي الممتع والتحليل العلمي لظاهرة تشغل العالم أجمع اليوم.

بيير سلنجر
Pierre Salinger

تمهيد

يبدو موقف الولايات المتحدة غير مفهوم لدى كل من ليس له معرفة بشؤون العالم وحتى لدى المراقب الفطن الذي لم يدخل في متاهات التاريخ الأمريكي. هو غير مفهوم أيضاً لدى بعض الرجال السياسيين المجربين الذين لم يتوصلوا بعد كباقي أغلب المواطنين للشك بأن ديمقراطية ما وراء الأطلسي أصيبت بهوس استبدادي حاد. فهي تتبجح وتحمل بيدها القوانين والأنظمة التي صنعتها مدعية أنه يمكن تطبيقها على العالم أجمع. إن واشنطن تفرض وتأمر وتقرر وتستولي على الدول أو على الشخصيات الاعتبارية مهددة هذه الدولة بالعقوبات والأخرى بالخنق بواسطة الحظر وغيرها بالحرب الاقتصادية المدمرة دون اعتبار لأي كان، فهل لنا إذن أن نفهم بمرارة كيف لهذه الأمة الصديقة رمز الحرية والحليف الوفي في ساعات الضيق قد وصلت إلى هنا؟!!.
الجواب مدون في المسار الأيديولوجي لشعب أمريكا، ولم يتبدل قيد أنملة منذ عام 1607 يوم تأسيس مستعمرة فرجينيا، وهكذا نبتت البذرة الأولى لمقومات المغالاة الأمريكية الحالية التي هي ضروب من الصلف للبعض وغير محتملة لدى الكثيرين، وبشكل عام مثيرة لسخط عدد كبير من الناس. لقد نبتت إذن في المبدأ الأساسي للطلائع الآتية من إنكلترا واسكتلندا في السنوات العشر الأولى من القرن السابع عشر. إنه مبدأ كلفاني() يقول إنه إن سمح الله أن يجتمع في الأرض الأمريكية شعب من رجال ونساء اختيروا من قبل الله، ذلك لأنه مناط به (أي بهذا الشعب) مهمة حكم العالم ذات يوم. وهكذا نفهم الخطاب الموحد لأمة قامت عام 1776، وهو أن أمريكا هي النموذج الديمقراطي المختار من العناية السماوية، وهي لا تستطيع إلا أن تكون تلك الأمة التي تدل على الطريق الذي يجب السير عليه. وعليها أن تسير هي في مقدمة ركب أمم الأرض كافة، ولم يرَ أبداً الآباء المؤسسون والنخب السياسية والباعة ورجالات العلم والثقافة غير هذه الحقيقة خلال كل العصور.
يجهد كتابنا هذا أن يسير خطوة خطوة وأن يعرض باختصار الطريق الذي مشى عليه الحجاج الآباء حتى القادة الحاليين، الذي أوصل إلى ما يعرف بأمريكا التي غالباً ما اختفت تحت القناع، وسيترك الكتاب على جنبات الطريق كثيراً من الأمور لأن العرض الشامل في هذا المجال يتطلب أن نؤلف كتاباً تتجاوز صفحاته الألفين. وإذاطُلي القناع في مرات عديدة بألوان الرفق والرحمة والتضامن – بحسابات دقيقة - فاليوم سقط القناع بعد زوال أي معارضة جدّية وكشف عن وجهٍ بملامحه الحقيقية المكونة من القسوة والصلافة والتعجرف والأنانية وهي بارزة بشكل كبير بدون شك ومبالغ فيها لدرجة أن الشعوب الأقل تمرداً ستنتهي يوماً إلى رؤيتها بوضوح.
لقد آن الأوان لأن تنقشع الغشاوة عن الأعين لكي ننظر إلى أمريكا نظرة أقل مجاملة. لن يستطيع هذا الكتاب بالطبع وهو ليس أكثر من محاولة لطرح بعض القضايا وخاصة الاقتصادية، أن يكون سوى صورة مؤقتة وليس دائمة بسبب التطور المتسارع للأحداث، إلا أنه يهدف قبل كل شيء إلى تبيان الطريق الذي مشت عليه الولايات المتحدة للهيمنة بدون شفقة على العالم. نعم إنه بارقة أمل خجولة ولكننا نأمل أن تكون كافية كي تدلنا على المراحل وتثير فينا بداية المقاومة.



الفصل الأول :

نحو قيام الأمة المشمولة بالعناية الآلهية



من أين أتت أمريكا؟
شعر الإنكليز بدورهم بالحاجة إلى اجتياز المحيط بعد أن مضى حوالي قرن كان خلاله الأسبانيون والبرتغاليون ينهبون القارة الأمريكية. ولم تكن الشؤون الحياتية بعيدة عن هذه الحاجة التي وَلَّدت لدى الكثيرين الرغبة بالهروب إلى الملجأ المثالي. وصف توماس مور، مستثار الملك هنري الثامن في كتاب «الوهم Utopia»، كتائب النبلاء بالذباب الذي يقتات على جهد الآخرين. وكان الأشراف العاطلون عن العمل وغير السعداء مصدر إزعاج لأنهم لا يخدمون المجتمع بشيء عندما يُسَيِّجون الحقول ليجعلوا منها مراعي لقطعانهم الخاصة بهم حارمين بذلك الفلاحين أصحاب الدخل الضعيف من الزراعة التي كانت تمارس بكل حرية في السابق، وكان الأغنياء وهم الأقلية المحتكرة يديرون الحقول لخدمة مصالح المستولين عليها دافعين بذلك الناس الفقراء نحو الجوع والعوز. فكيف لنا إذن أن نستغرب لجوء هؤلاء الناس للسرقة من أجل العيش ؟! تذرّع ريتشارد هكلوت، في كتابه «الإبحار الأساسي، رحلات واكتشافات الأمة الإنكليزية » في نهاية القرن السادس عشر، بالوضع الصعب للاقتصاد الإنكليزي آنذاك ليشجع بقوة مواطنيه لاستغلال الأسواق الجديدة في ما وراء البحار من أجل إنتاج النسيج والاستفادة من مصادر المواد الأولية، مما يسمح بالاستغناء عن المواد الأولية التي تبيعها أسبانيا بأسعار عالية، وتمكين إنكلترا من الانتقام من منافسيها بتطبيق الحصار عليها وإغلاق المنافذ مما قد يدفعها إلى الدمار ويحطم قوتها. من جهة أخرى سيقدم إنشاء المستعمرات الجديدة حلولاً للمشاكل الاجتماعية وسيسمح بإرسال المشاغبين لاستصلاح الأراضي المستولى عليها حديثاً وبأرخص التكاليف والتخلص منهم، وفي الوقت نفسه تطوير تجارة مزدهرة بين أمريكا وإنكلترا. وعندما تنشر في هذه الأماكن غير المتحضرة الكلام الطيب وتدعو إلى الديانة الحقة والوحيدة المتوحشين الذين يعيشون فيها تكون قد أضافت للعملية الكمية المطلوبة من النفحة الإيمانية.
قام إذن استعمار أمريكا منذ البداية في إطار أيديولوجي ثنائي الهدف. كان البحث عن الثروة هو بالطبع الهدف الأساسي ، ولكن أيضاً كان هناك الهدف الآخر وهو العمل على تمجيد خلق الله. أضاف إذن المستوطنون إرادة روحانية لشعب يدعي بأنه شعب مختار، لإقامة مجتمع جديد مميز قادر على إعطاء الدروس لباقي العالم وجاءت هذه الإرادة لتضاف إلى «جوعهم للأراضي» وإلى هشاشة أوضاعهم. يقول المؤرخ الأمريكي دانيال بورستين حول هذا الموضوع في كتابه الموسوعي( ):«لم يكن هناك شعب في التاريخ واثق من أنه على الصراط المستقيم مثل الشعب الأمريكي».
كان وراء اندفاع الحملة الكبرى جمعية أبرشية سكروبي Scrooby وأتباعها هم أنصار نظرية متزمتة صارمة وقاسية. ذهب أعضاؤها في عامي 1608و1609 إلى هولندا للبحث عن ملجأ. وحملوا معهم في حقائبهم أفكاراً متعصبة ورؤية متشائمة قائمة على القناعة بأن الخطيئة موجودة في كل زمان ومكان، ولكن كان لديهم في نفس الوقت القناعة بأن لا أحد جدير أن يلتحق بطائفتهم بحق إن لم يكن مكتوباً له ذلك باعتبارهم اتباع الداعية «كالفان Calvin». ولم يكن يسمح لأحد بالانتساب لهم على كل حال قبل أن يقدم البرهان على استقامته في عقيدته الدينية، كما لم يكن هناك مكان للمعترضين أو المتشككين أو لأصحاب الرأي الحر.
استقلوا في 16 أيلول المركب ميفلوار Mayflower ووصلوا في 11 تشرين الثاني إلى (كاب كود). وفي 21 منه كتبوا ميثاق العهد ميفلوار وتركوا المركب على اليابسة في 11 كانون الأول. فاكتسبت الهجرة إلى أمريكا بالنسبة لهم المعنى الذي عرفته لدى المسلمين، أي كانت رحيلاً موحى به من الله من أجل بناء «صهيون» جديدة فوق أراضي بعيدة.
لقد كانوا مأخوذين بقناعة ألا وهي أنهم يجسدون قدراً سماوياً ولم يكن أحد في كل مدن إنكلترا الجديدة يشك بأنه عامل إلهي. أما مرجعهم المطلق فكان التوراة ومنه كانوا يستمدون رؤية الواقع بشكل مشوه. فكان كل عضو منهم يرى بأن الشعب الجديد هو شعب الله، وكل خصم (كائن من كان) يختلف معهم حول هذا النموذج اعتبر عدواً لله، وتتم معاملته على هذا الأساس. وكل ما يحدث كان سببه الله أو الشيطان، وراح الكتاب ورجال الكنيسة والمثقفون والأساقفة وعلماء الأخلاق يتنافسون بالمديح.
على سبيل المثال كان وليم ستوغتون (1631-1701) وهو مواطن من ولاية ماساشوست، يرى أن أمريكا هي أمة اختير مواطنوها بعناية فائقة. فقد عمد الله في اختياره كما يعمل الذين ينخبون الحبوب بالغربال ويفصلون الحب الجيد عن الزوان، وهكذا باستطاعة الحب الجيد أن ينمو في وسط الصحراء.
أما بالنسبة لصاموئيل سوال (1652-1730) وهو رئيس المحكمة التي حاكمت ساحرات سالم، فقد رأى أن إنكلترا الجديدة هي المكان الذي ستشاد فيه القدس الجديدة.
وآخر هو مايكل ويفلسورث (1631-1705) كان واحداً من أولئك الذين أدلوا بدلائهم كشاهدين على بدايات المستعمرة الأمريكية تاركين العنان لأنفسهم لهذيان قومي وروحاني.
ووصف وليم بيرد (1674-1744) في مذكراته التي كتبها بين عام 1709 و1712 مستوطنته حيث كان يعيش فيها حياة بطريرك يسهر على قطيعه من المؤمنين، بأنها كبلاد كنعان حيث يعيش كل من فيها بسعادة.
وليس هناك حقاً ما يعادل من حيث النوعية والجانب الحماسي، التمجيد الذي أطلقه كوتون ماتر (1639-1723) الذي كان من عائلة مثقفة وكان كأبيه لامعاً وموهوباً وعاملاً مثابراً وقد دَرَّس في هارفرد ثم ترأسها بعد عدة سنوات، بعد ذلك عمل كراعٍ للكنيسة الثانية في بوسطون حتى وفاته. أطلق العنان لنفسه في الكتاب الذي تركه لكي يصف خارجاً عن المألوف القدر المراد لأمريكا فكان كتاباً واسعاً ومذهلاً.
وفي تركيزه على حياة جون وينتروب حاكم مستوطنة ماساشوست من عام 1629 حتى وفاته عام 1649 شبّهه بالنبي موسى الذي قاد شعبه المختار إلى الأرض الموعودة. ولم ينس وينتروب نفسه رغم أنه بشكل عام كان أقل مبالغة من «ماتر» أن يؤكد في مذكراته بأنه وأصحابه في خدمة المسيح وأنهم يرتبطون معه بعهد وأنه حَمَّلهم فريضة خلق طائفة على الأرض الأمريكية تكون في مأمن من مغريات هذا العالم خاصة بهم، فهم جميعاً أعضاء لجسم واحد متحد وهم شعب الله. لقد كتب يقول: «سنرى بأن إله إسرائيل سيكون بيننا، وسنقيم مدينة مشادة على رابية، وكل العيون ستتجه نحونا».
عظم «ماتر Mather» مهمة شعب إنكلترا الجديدة في كتابه
(The wonders of the invisible world) الذي نشره عام 1693. وتقوم هذه المهمة على نشر ملك الله حتى تخوم كامل الكرة الأرضية. حيث كتب يقول إنه قبل مجيء الحجاج الأوائل كانت أمريكا أرضاً للشيطان الذي استخدم كل قوته وكل حيله ليمنع استيطان المستعمرين، فإذا فشل سيعمل جاهداً على زعزعة استقرارهم وقلعهم من جذورهم. وسيضطهد شعب الله كما فعل ذلك سابقاً في الجهة الثانية من المحيط وبعون جماعته الذين يساعدونه. وسيثير ضدهم مؤامرة قوامها من *****ة الذين تجمعوا في جيش من الملائكة الأشرار، وقد سبق لهؤلاء الملائكة أن عاثوا فساداً في مستوطنات مجاورة وقع أهلها معاهدة مع الشيطان، اقسموا فيها أن يساعدوه في مخططه الجهنمي وهو أن يسحر البلاد لكي يحسن تدميرها. وقد اعترف بعض *****ة بجريمتهم فأقروا أن الشيطان أقام مجموعة من اتباعه ثم التحق آخرون بهم وكان هدفهم دائماً هو إبادة الديانة المسيحية من إنكلترا الجديدة واستبدالها بالديانة الشيطانية التي لم يسبق للعالم أن عرف أسوأ منها.
ومن بين الدفعة الأولى للمستوطنين سوف تنبثق السمّات المؤسسة للأيديولوجية الأمريكية، هذه الدفعة من الاتقياء في إنكلترا الجديدة التي سوف تخلد من خلال تعاقبها. وهكذا تأتي القناعة الجديدة بالإضافة إلى الاعتقاد بأن كل عيون الأمم ستتجه بنظرها إلى المستوطنات، وهذه القناعة هي أن الأمة الأمريكية تمتلك مصيراً مميزاً وبأنها قد اختيرت لتعليم العالم شيئاًً ما. وتحت تأثير مذهب كالفان لم تكن هذه الصفوة تشك بأنها من عرق ذي رسالة سماوية.حول ذلك كتب جان بيرنيجه يقول بأنه «جاء زمن الكبرياء بعد سنوات كان الأساس فيها العمل على البقاء، لقد تبين للأمريكيين تكاثرهم ونموهم وازدهارهم وتوصلوا عن طيب خاطر إلى القناعة بأن ذلك هو الدليل على حماية الله لهم لأنه كان راضياً عن فضيلتهم».
لا شيء يمكن له أن يعادل الشهادة على أنه كان للأمريكيين الأوائل القناعة بامتلاك الحقيقة الوحيدة كالتأكيد التالي لفرنسيس هيكنسون في كتابه
(New England’s Plantation) حيث يقول:«راحتنا الكبرى وحمايتنا العظمى هو أن نُعلّم هنا وفي وسطنا الديانة الحقة والوصايا المقدسة لله القدير» وأضاف يقول:«وهكذا فنحن لا نشك بأن الله معنا، فمن القادر إذن أن يقف ضدنا إذا كان الله معنا ؟»
المصدر: ملتقى شذرات

الملفات المرفقة
نوع الملف: rar America_tyrannical.rar‏ (199.2 كيلوبايت, المشاهدات 1)
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
المتحدة, السيطرة, العالم, الولايات, على, وسياسة, «العولمة»


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الولايات المتحدة وسياسة السيطرة على العالم «العولمة»
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ترامب يوقع قرار السماح بالسفر من بعض بلدان العالم العربي إلى الولايات المتحدة بدون تأشيرة Eng.Jordan أخبار منوعة 0 02-14-2017 12:05 AM
العالم السري فائق الترف للجواسيس الروس الموجودين في الولايات المتحدة Eng.Jordan أخبار عربية وعالمية 0 12-30-2016 09:00 PM
الولايات المتحدة تعتبر 80% من سكان العالم “نفايات" يجب التخلص من نصفهم! Eng.Jordan مقالات وتحليلات مختارة 0 07-27-2015 01:50 PM
الرياض قد تبتعد عن الولايات المتحدة في ظل التحولات الجديدة في علاقة السعودية بالولايات المتحدة الأمريكية Eng.Jordan مقالات وتحليلات مختارة 0 10-23-2013 09:50 AM
الولايات المتحدة في سبيلها لتخطي السعودية كأكبر منتج للبترول في العالم بحلول.2017 Eng.Jordan أخبار اقتصادية 0 12-21-2012 06:47 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 11:42 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59